الاثنين، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٨

صندوق التدخل الحكومي في البورصة: من المستفيد

مع تصاعد الدعوات للحكومة في دولة الكويت بأن تتدخل في سوق الأوراق المالية لوقف الاتجاه الهبوطي للمؤشر العام للبورصة، أعلنت الحكومة عن تكوين محفظة مليارية للتدخل في البورصة. وقد استقبل الجميع هذا الخبر بالترحاب، حيث نظر إليه على انه بداية عملية الإنقاذ للأوضاع السيئة للبورصة.

التدخل الحكومي في الأسواق من خلال مثل هذه المحافظ في أوقات الأزمات المالية ليس بدعة ابتدعتها الكويت، جميع دول العالم المتقدم تتدخل حاليا بصورة أو بأخرى لضخ مئات المليارات من الدولارات كأموال سائلة في جهازها المالي لوقف حالة الانهيار التي تواجهها مؤسساته. على سبيل المثال فان الخطة الأمريكية تقضي بضخ 700 مليار دولار في النظام المالي الأمريكي، بينما أعلنت الحكومة البريطانية عن خطة إنقاذ أكبر من خلال رصد حوالي 500 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل حوالي 870 مليار دولار أمريكي، وقد أشارت الحكومة البريطانية إلى أن جانبا من خطتها للإنقاذ يقضي بشراء أسهم للبنوك البريطانية، ومن ثم تملك جانب من رؤوس أموال تلك البنوك. كما أعلنت ألمانيا عن خطة إنقاذ بحوالي 675 مليار دولارا أمريكيا منها ضمانات مصرفية بحولي 459 مليارا و 139 مليارا لضخ رؤوس أموال في البنوك الألمانية. كذلك أعلن نيكولاس ساركوزي عن خطة مشابهة بتوفير 440 مليار دولارا أمريكيا كضمانات للإقراض بين المصارف الفرنسية و 55 مليار لضخها في رؤوس أموال البنوك المتعثرة، أما اسبانيا فقد أعلنت عن خطة شبيهة بـ 116.8 مليار دولارا و 20.6 مليار دولارا لنفس الأغراض التي أعلنت عنها الخطة الفرنسية. كذلك أعلنت السويد عن خطة لضخ 200 مليار دولارا أمريكيا من السيولة في جهازها المالي، كما رصدت الحكومة اليابانية ما يزيد عن 200 مليار دولارا أمريكيا لنفس الأغراض. شراء الأسهم من قبل الحكومات ليس أمرا غريبا في أوقات الأزمات المالية حيث يساعد على ضمان استمرار حسن أداء النظام المالي.

منذ أن أعلنت الحكومة عن تكون محفظة حكومية مليارية للتدخل في سوق الأوراق المالية أخذ المؤشر السعري للبورصة في خفض معدلات هبوطه، بل وانعكس اتجاهه في تعاملات يوم الخميس الماضي بحيث أصبح المؤشر الوحيد في البورصات الخليجية الذي يحمل اللون الأخضر، في إشارة إلى أن السوق كان في أمس الحاجة إلى هذا التدخل لبدء عملية إعادة التوازن للسوق وضخ جرعة من الثقة لدى المتعاملين فيه ولوقف الضغط على السوق والأسعار. وقد أتى تدخل الصندوق في السوق على أساس انتقائي أي لأسهم معينة والتي ينظر إليها على أنها الأسهم الممتازة في السوق، وهو إجراء طبيعي، بل ومفيد لأن له العديد من الآثار الايجابية على السوق منها على سبيل المثال:

1. أنه يحافظ على الأموال العامة من الهدر الذي يمكن أن يلحق بها لو تم شراء الأسهم المنخفضة الترتيب في السوق.
2. أنه يكسر حده حالة الهبوط التي يعاني منها السوق منذ فترة طويلة، ويفتح المجال أمام المؤشر السعري لوقف رحلة الهبوط، واستعادة اتجاه الصعود مرة أخرى.
3. انه يعطي جرعة من الثقة للمتعاملين في السوق ومن ثم يسهم في الحد من الموجة التشاؤمية التي تسود لدى الغالبية العظمى من المتعاملين في السوق اليوم.
4. أنه يفوت الفرصة على بعض محاولات المضاربة التي قد يبذلها البعض بالضغط على السوق بصورة لهبوط أسعار الأسهم بشكل اكبر انتظارا للحظة الحاسمة من وجهة نظرهم للانقضاض على السوق وشراء الأسهم عند مستويات القاع.
5. وأخيرا فإن ارتفاع الأسهم الممتازة سوف يصحبه أيضا ارتفاع في الأسهم الأقل جودة وهكذا، حتى يخرج السوق بكاملة من حالة الركود التي طالته مؤخرا.

الخطوة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا على الرغم من أهميتها في دعم السوق، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب أن يصحبها إجراءات مساندة لمساعدة السوق على استعادة توازنه بشكل أسرع، أهمها السماح للشركات بأن تشتري أسهمها بصورة أوسع على الأقل في هذا الوقت بالذات، مع إمكانية إجبار تلك الشركات على إعادة بيع جانب من أسهمها في المستقبل، وتخفيف قيود الائتمان على الاقتراض لشراء الأسهم، وتوسيع الفرص أمام الأجانب بشكل اكبر للشراء لتنشيط التعامل في السوق.

التدخل الحكومي في الأسواق، وفي هذه اللحظة بالذات فوق انه يضمن استقرارها فانه يحقق للحكومة ذاتها عدة فوائد أهمها الاستفادة من فروق الأسعار للأسهم التي تم شراءها، خصوصا وان هذه الأسهم تشترك في خاصية مهمة أنها من الأسهم المتميزة، وهو ما يساعد الحكومة على الحفاظ على القيمة الرأسمالية لمحفظتها، وفي نفس ضمان تحقيق عوائد جيدة جدا على الأموال التي تم استخدامها، المطلوب إذن من الحكومة أن توسع نطاق محفظتها برصد قدر اكبر من الأموال لدفع السوق نحو التوازن على نطاق أوسع، وتحقيق عائد مناسب لتلك الأموال، خصوصا مع تداعي فرص الاستثمار المربح لتلك الأموال عالميا.

إذا ما استعادت الأسهم التي اشترتها الحكومة مستوياتها قبل الأزمة فان الحكومة تكون قد ضمنت بهذا الشكل على الأقل تحقيق معدلات للعائد تزيد عن 40% على محفظة الأسهم التي قامت بشرائها، وهو معدل يقل قليلا عن معدل الهبوط التراكمي الحادث في المؤشر السعري للسوق. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد حاليا استثمار يحقق تلك المعدلات المرتفعة من العائد، من المؤكد إذن أن قرار التدخل الحكومي من خلال المحفظة الحكومية المليارية كان قرارا صائبا ويمثل أفضل استثمار لتلك الأموال.

الخلاصة هي أن المستفيد الأكبر من عملية التدخل الحكومي في البورصة هو الحكومة ذاتها، والتي سنحت لها الفرصة على أوسع نطاق للاستفادة من الفرص التي توفرها عملية هبوط أسعار الأسهم عند مستويات قريبة من القاع بالنسبة للكثير منها، لتحصد الحكومة بهذا الشكل على نصيب كبير من أرباح موجة الهبوط الأخيرة، مفوتة الفرصة بذلك على المتربصين بالسوق، والذين تشير الشواهد إلى أنهم قد أخذوا في دخول السوق مع التدخل الحكومي لاقتسام الكيكة.

وعلى الرغم من أننا ما زلنا في المراحل الأولى لعملية التدخل، وفي انتظار المزيد منها، والمزيد أيضا من رد الفعل من جانب السوق، إلا أن ما حدث في الكويت يمثل دعوة هامة لباقي دول الخليج في أن تستخدم أموال الصناديق السيادية التي تملكها للاستثمار في أسواق الأوراق المالية الوطنية فيها، وأن تحذو حذو الكويت في التدخل في أسواقها لإعادة التوازن في السوق ووقف حالة الذعر المالي التي تسود أسواقها، ولتحقيق أرباح ضخمة على المدى الطويل من الانخفاض القياسي للأسعار.

نشر في القبس العدد 12748 - تاريخ النشر 24/11/2008

الأحد، نوفمبر ٢٣، ٢٠٠٨

تداعيات الأزمة المالية العالمية

تتعدد تداعيات الإعصار المالي الذي يضرب العالم حاليا، وعلى الرغم من أن هناك بعض الآثار الحادة للأزمة نشعر بها حاليا، إلا أن الآثار الكلية للأزمة ما زالت في علم الله سبحانه وتعالي. ومن الواضح أن الأزمة سوف تكلف العالم الكثير، أما متى ستنتهي الأزمة فلا يوجد أحد مهما أوتي من أدوات تحليل اقتصادي ورياضي ونماذج اقتصادية عالمية، وقدرة على إجراءا المحاكاة في ظل السيناريوهات المختلفة يستطيع أن يتنبأ بوقت زوال الأزمة الآن، ويبدو أن الأزمة ستلازمنا لفترة طويلة في المستقبل. للأسف كانت الاستجابة للازمة بطيئة في الولايات المتحدة، كما هو الحال في أوروبا، فأدى ذلك إلى تأخر عملية المعالجة واتخاذ الخطوات اللازمة لتدنية الآثار المتوقعة لها. من ناحية أخرى عندما حدثت الأزمة جاء رد الفعل الدولي غير منسق، وعلى إطار فردي مما يتوقع معه تعمق تداعيات الأزمة. باختصار فان كل الخيارات مفتوحة أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية. الإعصار المالي الحالي بدأ يفرز بعض التداعيات الأولية في دولة المركز، أي اصل نشوء الأزمة، والعالم اجمع، وعلى الدول الناشئة النامية بما فيها نحن باعتبارنا جزء منها. ونحاول فيما يلي اختصار تلك التداعيات.

تداعيات الأزمة على الولايات المتحدة الأمريكية

انخفاض الاستثمار العقاري

أدى انخفاض أسعار المنازل، إلى انخفاض واضح في الاستثمار العقاري في الولايات المتحدة، وهو ما يترتب عليه انخفاض انخفاض في مستوى الناتج المحلي، على سبيل المثال يقدر أن يترتب على تراجع الاستثمار العقاري انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 1% في عام 2007 وعام 2008، في الولايات المتحدة الأمريكية.

انخفاض الاستهلاك بفعل اثر الثروة

تشير النظرية الاقتصادية إلى أن الطلب الاستهلاكي يعتمد على مستوى الدخل المتاح، وكذلك على التوقعات حول الدخل والثروة في المستقبل. عندما يحدث ارتفاع في الثروة نتيجة ارتفاع قيمة المسكن، فان ذلك يرفع من الطلب الاستهلاك بشكل دائم، وقد تم تقدير اثر الثروة على الاستهلاك بأنه يتراوح بين 2 إلى 7 سنتات في مقابل كل زيادة في أسعار المنازل بدولار واحد. ربما يبدو هذا على انه شيء صغير. ولكن خلال الفترة من منتصف 1997 إلى منتصف 2006 أدى ارتفاع القيمة الحقيقية للمنازل إلى إضافة حوالي 6.5 تريليون دولار لثروة المستهلكين في الولايات المتحدة ومن ثم أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي ما بين 1.4% إلى 5% سنويا.

من ناحية أخرى فان ارتفاع أسعار المساكن يمكن أصحابها من الحصول على قروض أعلى في مقابل القيمة الأعلى للمسكن، ويقدر ذلك بما يفوق 700 مليار دولار في 2006 و 500 مليار في 2007. ويقدر مكتب الميزانية في الكونجرس أن الانخفاض في سعر المساكن بنسبة 10% سوف يؤدي إلى انخفاض النمو الحقيقي للناتج من خلال انخفاض الطلب الاستهلاكي بين 0.4% إلى 1.4%. ومما لا شك فيه أن هذا الأثر سيكون أعلى إذا كان المستهلكين يركزون طلبهم الاستهلاكي على التوقعات التفاؤلية حول أسعار المساكن. ومن ثم فان الانخفاض الحاد في القروض العقارية سيكون له آثار سلبية على الاستهلاك.

الأسر الأمريكية إذن تعتمد في إنفاقها الاستهلاكي على ارتفاع أسعار المساكن ومن ثم زيادة القروض. والتي بلغت حاليا حوالي 14 تريليون دولار. وتشير التقارير إلى أن الأسر الامريكية تمر الآن بمأزق حاد مع تراجع أسعار المساكن، ومن ثم الاصل الرئيسي الذي يتم الاقتراض عليه لتمويل احتياجاتها الاستهلاكية.

انتشار الأزمة بين أسواق المال contagion

عندما حدثت الأزمة العقارية في الولايات المتحدة فان ذلك قد أدى إلى ركود في أسواق المال الأخرى بما في ذلك سوق الأوراق التجارية والقروض الاستهلاكية. ويرجع ذلك إلى اتجاه المؤسسات المالية إلى تشديد قيود الائتمان ورفع معدلات الفائدة على القروض، وتقييد معايير الإقراض. ويشير مسح للاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى أن البنوك الأمريكية قد قامت بتشديد القروض ورفع معدلات الفائدة على القروض التجارية والصناعية وكذلك على القروض الممنوحة للمستهلكين. مثل هذه النتائج سوف يتبين آثارها على الاستثمار لاحقا، ربما في 2010.

وبما أن البنوك تعد وسطاء ماليين فان لهم دورا هاما في عملية التخصيص الكفء لرأس المال. وعندما تواجه البنوك مشكلة نقص في السيولة، فإنها لا تستطيع أن تمارس دورها كوسيط مالي حيث تزداد القيود التي تفرضها هذه المؤسسات المالية، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على الاستثمار الكلي المربح ونمو الناتج والتوظف في الاقتصاد.

مثال آخر لأثر الانتقال هو سوق الأوراق التجارية, وهو احد وسائل التمويل للمؤسسات التجارية ذات الدين الجيد. وبسبب الأزمة فان صناديق الاستثمار في السوق النقدي وغيرها من المستثمرين كانوا اقل استعدادا لشراء الأوراق التجارية في سوق النقود في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى حجم ديون انخفاض الأوراق التجارية القائمة، مثل هذا الانخفاض يعني أن المؤسسات المالية في سوق النقود لا تقوم بدورها المطلوب على أكمل وجه. في عام 2008 انخفض رصيد الأوراق التجارية بحوالي 95 مليار دولارا.

انهيار ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال Erosion of Consumer and Business Confidence

من المعلوم أن الطلب الاستهلاكي يعتمد على توقعات المستهلكين والمستثمرين حول مستويات الدخل والثروة. يشكل الاستهلاك في الولايات المتحدة حوالي ثلثي الاقتصاد المحلي ككل. ويعني تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين أن الاقتصاد سيدخل قريبا في حالة تراجع. تشير المسوحات إلى تراجع الطلب الاستهلاك على السلع المعمرة باعتبارها أكثر أشكال الطلب الاستهلاكي تقلبا. تراجعت ثقة المستهلك الأمريكي بشكل واضح بدءا من أغسطس 2007، وهي حاليا في نفس مستوى الانكماش السابق.

بالنسبة لقطاع الأعمال فان الدلائل تشير إلى تراجع ثقة رجال الأعمال في العام الماضي. هذا التراجع في الثقة كان عالميا، غير أن التراجع يبلغ أقصى مستوياته في الولايات المتحدة. ويترتب على انخفاض ثقة الأعمال وانتشار التوقعات التشاؤمية إلى تراجع مستويات التوظف والأجور. كذلك يؤدي تراجع الثقة على المستوى العالمي إلى تراجع النمو الاقتصادي وتخفيض الطلب على الصادرات.

تداعيات الأزمة على المستوى العالمي

انخفاض معدلات النمو العالمي

جاءت توقعات صندوق النقد الدولي الأخير متشائمة للغاية حول معدلات النمو الاقتصادي العالمي نتيجة للأوضاع المالية العالمية. يتوقع أن ينخفض معدل النمو في العالم اجمع من 5% عام 2007 إلى 2.2% فقط. هذا لانخفاض في النمو ليس على وتيرة واحدة بين المناطق المختلفة في العالم. ففي الدول المتقدمة من المتوقع أن ينخفض معدل النمو من 2.6% عام 2007 إلى نمو سالب بمعدل -0.3% في عام 2009. وفي الولايات المتحدة يتوقع انخفاضه من 2% عام 2007 إلى -0.7% عام 2009. أما في منطقة اليورو فيتوقع أن يتناقص معدل النمو من 2.6% عام 2007 إلى -0.5%. أما أقل معدل للنمو في الدول الصناعية فيتوقع حدوثه في المملكة المتحدة، -1.3% عام 2009/ مقارنة بـ 3% عام 2007. أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة والدول النامية فمن المتوقع أن ينخفض النمو من 8% عام 2007 إلى 5.1% عام 2009. وبالنسبة للصين يتوقع أن ينخفض النمو من 11.9% إلى 8.5% على التوالي، وكذلك في الهند من 9.3% إلى 6.3% على التوالي. وفي الشرق الأوسط من 6% إلى 5.3%.

خلاصة تلك التنبؤات أن دول العالم المتقدم الرئيسية وهي الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان سوف تواجه حالة ركود اقتصادي، حيث يتوقع أ، يكون معدل النمو سالبا. بينما يتراجع معدل النمو بشكل واضح في الدول الناشئة والدول النامية.

انخفاض حجم التجارة العالمية

من حيث الحجم يتوقع أن يكون هذا الانخفاض أكبر في حالة الدول المتقدمة عن الدول النامية، غير أن الدول النامية التي تصدر سلعا تجارية يتوقع أيضا أن تعاني بصورة اكبر نتيجة تدهور الحجم وشروط التجارة، حيث يتوقع أن تنخفض أسعار السلع التجارية غير النفطية بحوالي 20%.

بالنسبة لحجم التجارة يتوقع انخفاض نمو حجم التجارة العالمية من 7.2% إلى 2.1%. من بينها يتوقع أن ينخفض نمو الواردات للدول الصناعية من 4.5% إلى معدل نمو سالب -0.1% في عام 2009، وواردات الاقتصاديات الناشئة والدول النامية من 14.4% إلى 5.2%. أما بالنسبة للصادرات فيتوقع انخفاض صادرات الدول المتقدمة من 5.9% إلى 1.2% فقط، ومن 9.6% إلى 5.3% على التوالي في الدول الناشئة والنامية.

غير أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن حجم التجارة العالمية سوف يميل نحو الانخفاض في عام 2009.

بالنسبة للدول النامية فان أثار الدورة الأولى تتمثل في انخفاض الطلب على صادرات الدول النامية من قبل الدول الصناعية هذه هي آثار الدورة الأولى؟ بصفة خاصة الدول التي تنتهج سياسات التصدير يقود النمو، وهي من الآثار الكلاسيكية لحدوث أي أزمة اقتصادية في الدول النامية.

غير أن الدول النامية كانت قد شكلت من خلال العملاق الصيني والذي أطلق عليه القطب الديناميكي dynamic pole علاقة خاصة تمكنها من الاستمرار في النمو حتى لو حدث انخفاض في النمو في الدول الصناعية. غير أن هذه العلاقة من خلال القطب الديناميكي تؤدي إلى ما يمكن أن نطلق عليه آثار الدورة الثانية والتي تتمثل في آثار انخفاض النمو الصيني على التجارة البينية للدول الناشئة والنامية، حيث تمثل واردات الصين من المواد الأولية من الشرق والغرب وافريقيا وأمريكا اللاتينية بديلا عن طلب الدول المتقدمة على تلك المدخلات من هذه الدول وهو ما أطلق عليه الديناميكيات الحالية للدول النامية، والتي تمكن الدول النامية من النمو حتى لو حدث ركود في الدول الصناعية. ومن ثم فان انخفاض النمو في الصين سيمثل نهاية للديناميكيات الحالية في الدول النامية.

آثار تدهور شروط التجارة العالمية

أما بالنسبة لشروط التجارة فيتوقع أن ينخفض معدل نمو سعر النفط من 10.7% عام 2007 إلى -31.8% على التوالي، أما بالنسبة للسلع التجارية غير النفطية، فيتوقع أن ينخفض معدل نمو الأسعار من 14.1% إلى -18.7% على التوالي.

بشكل عام يتوقع أن يترتب على ذلك آثار معاكسة على أسواق العمل في الدول النامية والناشئة. ويترتب على انخفاض حجم التجارة وكذلك تدفقات رأس المال انخفاض مستويات الاستثمار. ويؤدي تدهور الاستثمار وأوضاع السوق المالي تدهور إضافي في القطاع المالي ومواجهة العديد من الدول أزمات في موازين مدفوعاتها.


تداعيات الأزمة على الدول النامية

الخوف من انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر

من ناحية أخرى فان تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدول النامية والتي تلعب حاليا دورا هاما في نمو الدول النامية معرضة حاليا للانخفاض. حيث هناك خوف من إلغاء خطط الاستثمار في الدول النامية بسبب ضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سوف يكون هناك صدمة سلبية في الأسواق الناشئة. حيث يتوقع انخفاض كل مصادر صناديق الاستثمار الخارجي، بشكل كبير في خضم آثار ما يسمى بالدورة الأولى. حيث يتوقع انخفاض استثمارات المحافظ المالية، حيث يتوقع أن يترتب على ارتفاع درجة تجنب المخاطر الاحتفاظ برأس المال محليا أو قريبة جغرافيا. من ناحية أخرى فانه على الرغم من مقاومة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للازمات، فانه من المتوقع أيضا أن تنخفض التدفقات.

أما بالنسبة لآثار الدورة الثانية، فمن المتوقع أن تمارس تأثيرا على تعميق الانحسار. فبسبب صعود عمليات الإنفاق الاستثماري وتبني العديد من المشروعات الضخمة، فانه مع انحسار عمليات تمويل الاستثمار، فانه من المتوقع أن يكون هناك نتيجتين لذلك، الأولى هي إلا يتم استكمال تلك المشروعات، مما يجعل تلك المشروعات غير منتجة وهو ما سيكون له آثار سلبية على رؤوس الأموال التي استثمرت في تلك المشروعات. من ناحية أخرى فان استكمال تلك المشروعات سوف يؤدي إلى إضافة إنتاج جديد إلى فائض العرض الحالي في الأسواق الدولية، مما يسهم بشكل أكبر في الضغوط الانكماشية.

الأزمة يمكن أن تؤثر على الدول النامية من خلال القنوات المالية أيضا. فالدول النامية ما زالت تنمو بسرعة وتجتذب رؤوس الأموال الدولية. ولكن مع تعمق الأزمة واشتداد حالات عدم التأكد المصاحبة لها فانه من الممكن أن ينعكس اتجاه رؤوس الأموال نحو مواطن أكثر أمانا لرأس المال. هذا الأثر يعمق الآثار الحالية لانعكاس تدفقات راس المال بسبب عجز ميزان المدفوعات للدول النامية، في ظل عدم قدرة الكثير من الدول النامية على اجتذاب تدفقات رؤوس الأموال في صورة المحافظ المالية.

ارتفاع معدلات البطالة

تشير الدلائل إلى أن الانحسار الذي يسبقه ضغط مالي يكون دائما أكثر حده، ومن هذا المنطلق فان اثر الأزمة الحالية يمكن أن يكون أكثر جوهرية مما يتوقع صندوق النقد الدولي. وبالنسبة للبطالة فان الأثر الحقيقي للازمة عليها لم يبدأ بعد.

منذ بداية عام 2008 وتواجه الدول الصناعية ارتفاعا في معدل البطالة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع معدلات البطالة من 5.7% في عام 2008 إلى 6.5% في عام 2009. ومع تراجع معدلات النمو فان بعض القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاع الإنشاء والخدمات العقارية من المتوقع أن يواجه انخفاضا أعلى في معدلات التوظيف، كذلك يتوقع أن يواجه القطاع المالي فقدان كبير في الوظائف. فمنذ ديسمبر 2006 فقد القطاع المالي في الولايات المتحدة 172000 وظيفة، وهذا الأسبوع أعلنت مجموعة سيتي جروب عن تخفيض الوظائف فيها بـ 53000 لمواجهة آثار الأزمة.

تحديات التمويل للحكومات

مع استمرار الأزمة فان الحكومات في الدول المختلفة قد تجد من الصعوبة بمكان أن تحصل على احتياجاتها المالية لمواجهة عمليات الإنفاق على المستوى المحلي، مما قد يعقد قضية النمو ومعدلاته. من ناحية أخرى فان هناك خطر في أن لا تتمكن الحكومات من ضمان استقرار النظم المالية فيها، على سبيل المثال في آيسلاند، حيث يملك القطاع المصرفي أصول بحوالي 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر لا يمكن أن تضمنه أي حكومة في العالم على الأقل في الأجل القصير.

أن الدول الأكثر تأثرا بالأزمة هي الدول التي تدخل الأزمة بعجز في موازين مدفوعاتها، مع جفاف منابع التمويل لتلك العجوزات. مما قد يتسبب في بعض حالات الإفلاس المصرفية نتيجة قصور عمليات التمويل للعجز.

الخوف من تدهور تحويلات المهاجرين

مع تصاعد موجات فقدان العمال المهاجرين لوظائفهم في الدول الصناعية. يتوقع أن يواجه العمال المهاجرين انخفاض في دخولهم، نتيجة فقدان الوظائف المتوقع في الدول والذي ربما يؤدي إلى التأثير على تحويلات هؤلاء المهاجرين. بشكل عام يتوقع أن تزيد الاستثماريات في الدول المتوسطة الدخل في عام 2009، بنسبة 6.5%، وهي أقل من نصف معدل النمو الحادث في عام 2007. مما يؤدي إلى موجة استغناء واضحة عن العمال، بصفة خاصة العمال المهاجرين. وهناك العديد من الدول المعرضة لانخفاض التحويلات لمهاجريها، على سبيل المثال فإن باكستان واندونيسيا والفلبين ومنطقة المغرب العربي ومصر معرضة حاليا لانخفاض حاد في تحويلات المهاجرين بسبب الأزمة التي تضرب الدول الصناعية حاليا. وغني عن البيان أن تحويلات العمالة المهاجرة تمثل عنصرا حيويا لتدفق الأموال في دول الأصل يفوق حاليا ما تتلقاه تلك الدول من مساعدات وتدفقات للاستثمار الأجنبي.

الخوف من تدهور المساعدات

اثر انخفاض المعونات. إذا دخلت الدول الصناعية مرحلة الركود فانه من المؤكد أن ميزانيات لمعونة الدولية فيها سوف تميل نحو الانخفاض، مما يهدد تدفقات المعونات الرسمية من قنواتها المختلفة إلى الدول النامية. ويرجع ذلك إلى أنه عندما تقوم الدول المتقدمة بإعادة ترتيب أولويات استخدام الأموال المتاحة لديها فإنه من المتوقع ان توجه كافة امكانياتها لمعالجة أزمتها والخروج باقتصادياتها نحو بر الامان، ومن ثم فمن المتوقع أن يحدث شح كبير في الميزانيات المخصصة لمساعدة الدول النامية، مما يعني ان الدول النامية سوف تجد نفسها في وسط اعصار لم تكن أحد أطرافه ولا شاركت فيه، وفي ذات الوقت لن تجد من يحاول أن ينقذها منه.

ارتفاع درجة عدم الأمان في الدخل

بصفة خاصة بالنسبة للمجموعات ذات الدخل المنخفض. حيث فقدت أسواق المال في العالم تريليونات الدولارات وهو ما أدى إلى تآكل الثروة وعوائد الاستثمار التي تحققت خلال الخمس سنوات الماضية، كما فقد صناديق الاستثمار في مؤسسات التأمين والمعاشات قيمة كبيرة من استثماراتها. وهناك مخاوف في الدول النامية أن مجموعات الدخل المنخفض تتحمل وطأة هذه التحديات، ومن المعلوم أن الفقراء هم ألأقل قدرة على الدفاع عن أنفسهم.

استمرار الضغوط التضخمية مرتفعة في الدول النامية

استمرار الضغوط التضخمية المرتفعة بفعل استمرار آثار أزمة الغذاء والتي تعود في جانب كبير منها إلى عوامل دورية وعوامل هيكلية، لا يتوقع ان تنتهي آثارها في الأجل القصير، حيث يتوقع أن تستمر الضغوط التضخمية مرتفعة في الاقتصاديات الناشئة من 6.4% عام 2007 إلى 7.1% عام 2009. بينما تنخفض الضغوط التضخمية في الدول المتقدمة من 2.2% إلى 1.4% على التوالي.

هذه هي مجموعة التداعيات الاقتصادية التي تم حصرها للأزمة المالية، ومن المؤكد أن المستقبل سوف يكشف عن المزيد، سواء من حيث تنوع تأثير الأزمة، أو من حيث درجة عمق تداعيات تلك الأزمة.

الاثنين، نوفمبر ١٧، ٢٠٠٨

ما هو المطلوب من المتعاملين في البورصة الآن

تواجه البورصة اليوم ظروفا قاسية جدا، في ظل انهيار المؤشر السعري للبورصة من 15654 نقطة في 24/6/2008 الى 8691 نقطة فقط وقت إغلاق السوق بموجب حكم قضائي أصدرته المحكمة الكلية بإيقاف التعامل في السوق يوم الخميس 13/11/2008، أي انخفاض بحوالي 45%.

منذ أن بدأت الأزمة وهناك تسابق بين المتعاملين للتخلص من المحافظ المالية التي يملكونها للخروج من الأزمة بأقل خسارة ممكنة قبل أن تنهار الأسعار، فتكون النتيجة هو حدوث ضغط متزايد على أسعار الأسهم في البورصة من جراء عمليات للبيع الخاسر فيها هو الجميع. ما هو المطلوب إذن من المتعاملين في السوق للمحافظة على محافظهم المالية من الانهيار، ببساطة شديدة مطلوب من الجميع الهدوء، وعدم التصرف مثلما يتصرف القطيع. إذا هدأ المتعاملين في السوق من الممكن أن يتوقف الانهيار السعري ونزيف المحافظ المالية، أما التدافع المحموم في البورصة فهو ما يضر بالبورصة أشد الضرر. توقفوا عن حالة الذعر والرعب التي تتحكم في اتجاهات سلوككم، ثقوا أن الاقتصاد الكويتي حاليا في أحسن حالاته على الرغم من الانخفاض الحادث في سعر النفط الخام، إلا أن المالية العامة للدولة جيدة جدا، وان الفوائض المالية التي حققتها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية ضخمة بما يضمن الرخاء للكويت لعدة سنوات قادمة بدون أي مشاكل مالية، حتى يعبر العالم الأزمة الحالية. لا تدمروا استثماراتكم بأيديكم، ليس هناك مانع من الذهاب إلى البورصة، أدري إن مقاومة عدم الذهاب للبورصة في هذا الوقت عملية صعبة للغاية، اذهبوا ولكن اجلسوا هكذا، اجعلوها جلسة سوالف، لا تطالعون المؤشر، ولا تتخذون أية قرارات بالبيع أو الشراء.

ما الذي دفع بهذا الانهيار الحاد إلى الحدوث، انه سلوك المتعاملين واندفاعهم. أي أن الأزمة صناعة محلية، افتعلناها بأنفسنا متأثرين بما يدور حولنا من أحداث على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي. مطلوب إذن من الجميع الهدوء التام، ومحاولة السيطرة على الأعصاب في مواجهة أخبار الإعصار المالي الذي يجتاح العالم، أنها مهمة ليست سهلة، ولكن من المؤكد انه تكلفة الفرصة البديلة لها في غاية الارتفاع. لو أن الجميع التزم التهدئة ستستقر أحوال البورصة، على الأقل عند المستويات الحالية المنخفضة للمؤشر، حتى تتحسن الأوضاع ويعاود المؤشر الصعود مرة أخرى.

صحيح أن العالم يواجه أزمة مالية طاحنة، وأن مؤسساتنا المالية قد تضررت من جراء ذلك، نتيجة نقص مستويات السيولة مقارنة بالوضع السائد في السنة الماضية، ولكن هل نقص السيولة الحالي في تلك المؤسسات يبرر انهيار المؤشر السعري بنسبة 45% في غضون هذه الفترة القصيرة جدا؟ الإجابة بالقطع هي لا. من المؤكد أن للأزمة تأثير سلبي على أرباح الشركات العاملة في دولة الكويت، ولكن مرة أخرى ليس إلى الحد الذي يجب أن تنخفض معه الأسعار بنسبة 45%.

معنى ذلك أن هناك الكثير من الأسهم الرخيصة الآن في السوق، والتي لا تعبر عن القيمة السوقية لأصول الشركات المصدرة لتلك الأسهم، وهو أمر غير معقول وغير مبرر اقتصاديا وماليا. لماذا إذن يحدث هذا الأمر، ولماذا نسمح بهذه الظاهرة. جميع الأزمات السابقة التي مر بها العالم انتهت بنتيجة واحدة، وواحدة فقط، هي استعادة السوق لأوضاعه قبل الأزمة وعودة الأوراق المالية للصعود مرة أخرى، هذا بالتأكيد ما سيحدث على المدى الطويل، المشكلة هي أن المستثمرين يتصرفون وفقا لعبارة كينز المشهورة، في الأجل الطويل كلنا موتى in the long term we are all dead. أذن على الرغم من أن أوضاع الغالبية العظمى من الشركات مطمئنة، فان ذلك لا يوقف الرغبة المحمومة لدى المتعاملين في المبالغة في رد الفعل إزاء أي خبر سلبي ولو بسيط، وذلك لإصابة السوق بحالة نفسية حادة تدفع الجميع إلى المغالاة في رد الفعل. على الجميع أن يفكر بأهمية دوره ووجوده في السوق الآن، وانه جزء من خطة التهدئة للبورصة، وانه ليس مغفلا إلى الحد الذي يدفعه بأن يتخلص من الأسهم التي جمعها طوال الفترة الماضية بأرخص الأسعار.

الأزمات المالية عبر التاريخ يشعلها نوع واحد من الوقود، هو الذعر الذي يصيب المتعاملين والرغبة المحمومة في التخلص من الأسهم قبل انخفاض أسعارها بصورة أكبر في المستقبل، فتكون النتيجة مزيدا من الضغوط على أسعار الأسهم نحو الانخفاض، لو أن الجميع هدأ لكان من الممكن السيطرة على الاتجاه النزولي للأسعار في كافة الأزمات المالية، هذا هو ما تشير إليه الدراسات العلمية في هذا المجال. تشير أحدث الدراسات إلى أن المستثمرين غير الناضجين في السوق والذين لا تتوافر لهم الخبرة الكافية تتركز استراتيجياتهم الاستثمارية بشكل مكثف حول معدلات العائد في الأجل القصير. ومن ثم في حال حدوث أي أزمة يتجنبون الاستثمار في شراء الأسهم، فتكون النتيجة أنهم يفقدون فرص الربح العالية التي تتحقق عندما تأخذ أسعار الأسهم في الارتفاع لاحقا. نعم سترتفع أسعار الأسهم لا حقا، هذا هو الماضي الذي تكرر في كافة الأزمات المالية، المسألة إذن مسألة وقت وتعود الأوضاع إلى سالف عهدها. ومن ثم فان فقدان الفرصة لتحقيق أرباح ناجمة عن عودة الأسهم إلى مستوياتها قبل الأزمة ليس من الرشد الاقتصادي في شيء.

تشير دراسة لـ Robin Greenwood and Stefan Nagel بعنوان Inexperienced Investors and Bubbles في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن المستثمرين ناقصي الخبرة يلعبون دورا هاما في تكوين بالون الأسعار في البورصة، حيث لا يدرك هؤلاء أن هناك احتمال أن تهبط الأسعار، ومن ثم يكون لديهم غالبا ميل لدفع أسعار مغالى فيها للأسهم، نظرا لاستراتيجيات الاستثمار التي يتبعها هؤلاء والتي تستند إلى متابعة الاتجاه العام للمؤشر السعري في الأجل القصير. فعندما حدثت أزمة انخفاض العوائد في السبعينيات في الولايات المتحدة من القرن الماضي تجنب هؤلاء المستثمرين صغار السن الاستثمار في الأسهم، ومن ثم فقدوا الفرص الذهبية التي تحققت عندما عاودت الأسعار الارتفاع مرة أخرى. وعندما حدث بالون أسعار الشركات التكنولوجية في التسعينيات من القرن الماضي، كان المستثمرون من صغار السن هم اكبر مشتري لهذه الأسهم، وعندما انفجرت بالونة أسعار الأسهم التكنولوجية، كان هؤلاء هم من دفعوا ثمن الأزمة.

ما هي خلاصة التحليل السابق، الخلاصة هي ببساطة أن ما يحدث الآن لن يستمر للأبد، وان السوق سوف يسترد عافيته إن عاجلا أو آجلا، ومن ثم ستعاود الأسعار ارتفاعها مرة أخرى، عند إذن سوف يشعر المتعاملون من غير ذوي الخبرة بالندم على الإقدام المحموم على التخلص من محافظهم في مواجهة الانخفاض الحادث حاليا. مرة أخرى مطلوب من الجميع الهدوء، فقط الهدوء ومقاومة أي شعور بضرورة التحرك. إذا حدث ذلك ستستقر الأوضاع ويعود الهدوء لمؤشر الأسعار في البورصة.

السبت، نوفمبر ١٥، ٢٠٠٨

هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة: نتائج الاستبيان

في أول استبيان تم طرحه على هذه المدونة بعنوان " مجرد سؤال: هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة " بلغ عدد الذين شاركوا في الاستبيان 35 مشتركا، وعينة المشاركين في الاستبيان بهذا الشكل هي من الناحية الإحصائية عينة محدودة، حيث لا تتمتع بخصائص العينة الطبيعية، والتي يمكن أن تكون ممثلة للمجتمع، الأمر الذي يعني احتمال وجود تحيز في نتائج الاستبيان. وهذه نقطة مهمة يجب التأكيد عليها في البداية. حيث يعني ذلك أنه لا يمكن تعميم نتائج هذا الاستبيان على أنها تمثل وجهة نظر المجتمع ككل في القضية موضع الاستبيان. ويوضح الشكل التالي نتائج الاستبيان الذي كان محوره هو:
هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة في دولة الكويت.


تشير نتائج الاستبيان الذي تم طرحه في هذه المدونة إلى أن هناك تفضيل بشكل عام بين من شاركوا في الاستبيان بعدم تدخل الحكومة في البورصة، حيث يرى 57.14% من المفردات التي شاركت في الاستبيان بأنه لا ينبغي على الحكومة أن تتدخل لتعديل أوضاع البورصة.

ويعني ذلك أن هؤلاء يرون أن البورصة سوق حر يخضع لقوى العرض والطلب، وأن مبادئ السوق الحر تعني أن السوق معرض إلى أن يرتفع أو ينخفض حسبما ما تقضي الأحوال بذلك، وأن المتعاملين في هذا السوق يفترض أنهم يدركون هذه الحقيقة، وأن سوق الأوراق المالية بالذات من الأسواق التي ترتفع فيها درجة المخاطرة، وعلى ذلك يفترض في هؤلاء المتعاملين أنهم مستعدين لتحمل المخاطرة الناجمة عن دخول هذا السوق منذ البداية، بما في ذلك احتمال فقدان كامل رأسمالهم الذي يضاربون فيه. ومن ثم فانه كما أنه من حقهم وحدهم الاستمتاع بثرواتهم التي يمكن أن يكونوها من التعامل في البورصة، من جراء تضخم أسعار الأسهم، فانه ليس من حقهم مطالبة غيرهم بمشاركتهم في تحمل خسارتهم عندما تقع، طالما أنهم لا يشاطرون المجتمع أرباحهم عندما يحققون الربح، خصوصا وإذا كان ذلك من المال العام. صحيح أن حكومات دول العالم الأخرى تتدخل بطرق شتى لدعم أسواق الأوراق المالية بها في أوقات الأزمات، ولكن ذلك يتم من منطلق حق المتعاملين في السوق على الدولة باعتبارهم دافعي ضرائب، ذلك أن كل معاملة تتم في السوق وكل أرباح تحققها المحافظ المالية للمتعاملين في السوق، تحصل الدولة على نصيبها منه في صورة ضرائب على الدخول، ورسوم وغيرها، فماذا دفع المتعاملون في البورصة لحكومة دولة الكويت لكي يصبح من حقهم أن يطالبوها بالتدخل.

من ناحية أخرى فقد رأي 40% من مفردات العينة التي شاركت في الاستبيان أن على الحكومة أن تتدخل في سوق الأوراق المالية لتعديل أوضاع السوق من أجل وقف النزيف الحادث في المؤشر.

ويعني ذلك أن هؤلاء يرون أنه لا مانع من تدخل الحكومة من أجل وقف الخسائر التي يتعرض لها المتعاملون في البورصة من جراء انهيار المؤشر السعري في البورصة، ومن ثم إنقاذ المتعاملين مما يمكن أن يتعرضوا له من خسارة أو إفلاس أو في بعض الأحوال السجن، الذي يمكن أن يترتب على استمرار ضعف أداء البورصة، وهو دور هام من الأدوار الاجتماعية للحكومة في حماية أفراد المجتمع في وقت الأزمات.

وعلى الرغم من وجاهة بعض الحجج التي تساق لتبرير عملية التدخل الحكومي لتعديل أوضاع البورصة، فانه يتعارض مع مبادئ الاقتصاد الحر ويتناقض وآليات عمل قوى السوق الحر. بمعنى آخر فان المطالبة بالتدخل هي دعوة لتعطيل نفس القوى التي تؤدي إلى تضخم ثروات المتعاملين في البورصة، فهل كان من الممكن أن يقبل هؤلاء أيضا أن تتدخل الحكومة لوقف الارتفاع في أسعار الأسهم في أوقات ارتفاع المؤشر، أم أن التدخل الحكومي يجب أن يأخذ اتجاها واحدا فقط، هو حمايتهم من الخسائر، أما الأرباح فهم أصحاب الحق الوحيد فيها.

موضوع تدخل الحكومة في سوق الأوراق المالية من الواضح انه من الموضوعات الشائكة، وأن هناك انقسام واضح بين مفردات العينة التي شاركت في الاستبيان حول ضرورة أو عدم ضرورة التدخل. من وجهة نظري لا أعتقد أن النتائج كان من الممكن أن تختلف بشكل كبير عما تم التوصل إليه إذا ما كان حجم العينة أكبر من الحجم الحالي، ففيما عدا المتداولين وبعض المتعاطفين، فان مجتمع العينة يرفض بشكل عام أن تتحمل الحكومة خسائر المتعاملين في البورصة الناجمة عن الأزمة الحالية.

الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠٠٨

إغلاق البورصة بجرة قلم

اليوم الخميس 13/11/2008، تم إغلاق سوق الكويت للاوراق المالية بحكم قضائي، في سابقة تعد من أخطر الأحكام التي صدرت في دولة الكويت، حيث صدر حكما بإغلاق سوق الكويت للاوراق المالية في قضية رفعها أحد المتعاملين في السوق. سوق الأوراق المالية ليس سوقا عاديا، يمكن لمحكمة أن تصدر حكما بإغلاقة، أو إيقاف العمل به، إنه قلب النظام المالي في البلد، وهو المؤشر الحراري لأداء الاقتصاد ومؤسساته، وهو أكثر جوانب الاقتصاد الوطني حساسية، لذلك فقد عملت كافة دول العالم على أن تعهد بمهمة إغلاق هذا السوق لجهة واحدة في الغالب، وهي إدارة السوق. لأنها الجهة التي تملك، من الناحية الفنية، إمكانية الحكم على أن أوضاع السوق قد بلغت مستوى الكارثة التي يقتضي الامر معها إيقاف التعامل. ومع تقديرنا للدوافع التي دفعت لإصدرا هذا الحكم، واحترامنا الكامل للقضاء الكويتي وأحكامه، وايماننا الكامل بنزاهة الدوافع التي دفعت بالقاضي الى أصدار هذا الحكم، فإن هذا الحكم الفريد يثير عدد من الأمور التي يحسن التوقف عندها:

الأمر الاول: هو أن النظرة الشائعة للبورصة هي أنها سبيل للثراء فقط، ومن ثم فإن الإتجاه الوحيد الذي يجب أن تسلكه البورصة هو أن تواصل الارتفاع، والارتفاع السريع. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه يعد أيضا خطير، ويحمل نفس القدر من المخاطر المصاحبة للانخفاض، إلا أنه أمر مقبول من قبل المتعاملين. ومن ثم فانه عندما ترتفع البورصة لمستويات فلكية تهدد بالانهيار فان أحدا لا يقلق حيال ذلك الأمر، بل ويصفق المتعاملين في البورصة لهذا الاتجاه. غير مسموح إذن للبورصة ان ينخفض مؤشرها، أو أن تصحح نفسها، أو أن تعكس الظروف السائدة محليا أو عالميا... الخ، وهذا سوء فهم خطير لطبيعة البورصة وآليات عمل أي سوق للأوراق المالية.

الأمر الثاني: هو أنه مع كافة تقديرنا واحترامنا للقضاء وأحكامه، فإن أعمال البورصة واتجاهاتها وتطور أداء المؤشر، وما إذا كان بالفعل قد بلغ مستويات كارثية توجب وقف التعامل، هي جميعا أمور فنية يجب أن تترك أساسا لادارة السوق والتي بها من المحليين الذين هم على وعي بطبيعة التطورات المحلية والعالمية واتجاهات تلك التطورات والآثار المتوقعة لها على أداء البورصة. ومن ثم فان الجهة الوحيدة التي يوكل إليها مهمة الإغلاق في بورصات العالم هي إدارة البورصة، لأنها ادارة ذات خلفية فنية ومن ثم يفترض أن قادرة على أن تتولى هذه المهمة وقت اللزوم. أما أن تغلق البورصة بحكم قضائي فهو اتجاه خطير، ولم يسبق أن حدث في أي دولة من دول العالم، على حد علمي، ومن ثم فان هذا الحكم يفتح الباب في المستقبل لكل من هب ودب في أن يرفع قضية لوقف التعامل في البورصة إذا تعرضت محفظته لخسائر نتيجة تدهور أداء البورصة، كل ما عليه فعله هو أن يقوم بتوكيل محام لرفع تلك القضية أمام القضاء الاداري، استنادا الى سابقة هذا الحكم، وفي غضون اسبوعين يمكنه أن يحصل على حكم بإغلاق السوق.

الأمر الثالث: هو كيف يمكن لإدارة السوق أن تسمح لنفسها بأن تغلق أبواب السوق بمجرد إبلاغها بصدور حكم قضائي بإغلاق السوق دون التفكير في مجرد رد الحكم او استشكال ذلك الحكم، وهي الجهة الوحيدة في الدولة التي من حقها تقرير هذا الامر، فتسحب ابواب البورصة هكذا بكل سهولة.

الأمر الرابع: وهو الأهم أنه لا يستطيع مليون حكم قضائي بإغلاق أو فتح البورصة أن يوقف نزيف المؤشر بنقطة واحدة، أو يرفع من قيمة هذا المؤشر بنقطة واحدة، فالسوق يعكس طبيعة التوقعات والأوضاع الاقتصادية السائدة محليا وعالميا، ومن ثم فانه إذا كان السوق يصحح نفسه، أو يواجهة أزمة ثقة نتيجة عوامل داخلية أو خارجية فان علاج تلك الازمة لا يمكن ان يكون بحكم قضائي، وانما بالمعالجة الفنية لأسباب الانهيار وبتحسين الاوضاع على الأرض، بالشكل الذي يعيد الثقة في اوضاع السوق ويخلق مناخا مناسبا لاستقراره.

الأمر الخامس، اذا كانت الكويت تفكر في أن تتحول الى مركز مالي عالمي أو اقليمي، فكيف يمكن أن يسمح النظام القانوني فيها لمتعامل بإغلاق البورصة، قلب هذا المركز المالي، من خلال حكم محكمة من جملتين، وهو مجرد سؤال.

الجمعة، نوفمبر ٠٧، ٢٠٠٨

خرق الأبواب السرية للبورصة

نشرت القبس اليوم خبرا بأن هناك نائبين تقدما إلى السيد وزير التجارة والصناعة بوصفه رئيسا للجنة السوق للكشف عن التعاملات التي تمت في البورصة خلال الفترة من 1/9 – 31/10/2008، وأن الأمر يجد معارضة شديدة من أعضاء لجنة البورصة باعتبار أن التداولات التي تتم في البورصة محمية بسرية قانونية (القبس 6/11/2008، صفحة 35).

تحتاج المرحلة الحالية إلى ضرورة أن تكون هناك شفافية تامة في المعاملات التي تتم من خلال بورصة الأوراق المالية، لما للأزمة الحالية من تداعيات حادة على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمع ككل. عندما ترتفع درجة شفافية المعلومات يسهل التعرف على اتجاهات أداء البورصة بشكل أدق، ومن ثم يسهل تحليل مسببات ما يحدث، الأمر الذي يسهل معه التعامل مع تداعيات الأزمة. أما عندما تتغير الأسعار لأسباب غير مفهومة وتعاملات لا ندري من أين مولت والى أين ستذهب، فإن أبواب التلاعب بالسوق تنفتح على مصراعيها، وتكون النتيجة ضياع ثروات الناس، لمصلحة المتلاعبين بالبورصة.

بورصة الكويت للأوراق المالية هي اليوم في أمس الحاجة الآن من أي وقت مضى إلى قانون محكم يعالج أوجه قصور النظام الحالي للبورصة، بصفة خاصة تلك المرتبطة بحرية التدفق المستمر والآني للمعلومات عن المعاملات التي تتم في البورصة وإمكانية تتبع مصادر التمويل للصفقات المختلفة بحيث يسهل الكشف عن العمليات المشبوهة التي تهدف إلى الضغط على أسهم معينة ودفعها نحو الارتفاع أو دفعها نحو الانخفاض. وبحيث يمكن التفرقة بين ما هو طبيعي في المعاملات والتي تعكس اتجاهات مستويات العوائد والمخاطر، وبين ما هو غير طبيعي في تلك المعاملات والذي يهدف إلى التلاعب بالسوق، وتحقيق أرباح غير عادية، يدفع ثمنها صغار المتعاملين في السوق.

من المعلوم أن بورصة الأوراق المالية في أي اقتصاد هي المؤشر الحراري لأداء الشركات بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، هذا في حال خلو السوق من معوقات الكفاءة، أي خلوه من أي تركز احتكاري أو نقص في نشر المعلومات، أو انتشار من لهم وصول للمعلومات الخاصة Insiders.. الخ. إذا كان الوضع كذلك، لم يكن من المتوقع أن تصل الأوضاع بسوق الأوراق المالية في الكويت إلى هذا الوضع. صحيح أننا نتأثر بالأزمة المالية العالمية باعتبارنا أحد اللاعبين في هذا العالم، إلا أن حجم تأثرنا بالأزمة لا يجب أن يصل بنا إلى ما نحن فيه وبالشكل الذي يشيع هذا القدر من التشاؤم بين المتعاملين في البورصة، وأن تنهار الأسعار إلى هذا الحد. فهل هناك شيء خطأ، يحرك السوق على هذا النحو المرعب.

هذا البلد يحتاج الى أن يعلم ما يدور في بورصته بالضبط، وأن يكون على وعي كامل بحقيقة ما يحدث، ومن يحرك ما يحدث، وأن ما يحدث هو لأسباب اقتصادية وتجارية بحتة، وخال من أية شبهة دوافع خبيثة. الأمر أذن يحتاج إلى قانون يخرق الأبواب السرية للمتعاملين ويكشف حقيقة ما يتم من تعاملات داخل السوق عند اللزوم، ولمصلحة من يتم هذا التعامل، والى يد من تنتهي تلك التعاملات، بحيث يمكننا أن نفرق بين الصفقات التي تتم بدوافع استثمارية، هدفها الاساسي تعظيم الربح وتدنية المخاطرة، والصفقات التي تتم بدوافع انتهازية تهدف إلى التلاعب بالسوق وخلق حالة من عدم الاستقرار فيه حتى تسنح الفرصة لتحقيق أرباح غير عادية، بالشكل الذي يمكن من سرعة اتخاذ اللازم لوقف التدهور الحادث ومن ثم معاقبة المتلاعبين بالسوق جنائيا.