الأحد، ديسمبر ٢٨، ٢٠١٤

مفاجأة ميزانية 1436/1437

صدر الخميس الماضي بيان وزارة المالية حول الميزانية التقديرية للسنة المالية الجديدة 1437/1436، الذي كان الجميع ينتظره بلهفة للتعرف على اتجاهات الميزانية العامة في ظل الأوضاع الجديدة لسوق النفط العالمي، في ظل التراجع الكبير لأسعار النفط الخام. وكانت التوقعات تدور حول احتمال حدوث انخفاض كبير في مستويات الإنفاق العام والإيرادات العامة وانعكاس فوائض الميزانية إلى عجز، وقد أتت الميزانية على النحو المتوقع إلى حد كبير، وبإعادة قراءة المؤشرات الأساسية لمشروع الميزانية يتضح الآتي:
أولا: بالمقارنة مع توقعات الإنفاق العام المحقق في ميزانية السنة المالية 1436/1435 حدث تراجع جوهري في الإنفاق العام من 1100 مليار ريال في ميزانية السنة المالية الحالية إلى 860 مليارا في ميزانية السنة المالية القادمة، أي بنسبة 21.8 في المائة عن السنة المالية السابقة، ونظرا للتركيبة الهيكلية للاقتصاد السعودي، فإنه من المؤكد حدوث تراجع ملموس في النشاط الاقتصادي بشكل عام، سواء للقطاع العام أو الخاص، ومن المتوقع تراجع معدل النمو عن مساره المتوسط خلال السنوات الماضية بفعل عدة عوامل أهمها انخفاض الإنفاق العام، وانخفاض القيمة المضافة في القطاع النفطي، أهم قطاعات الاقتصاد الوطني، وتراجع القيمة المضافة للقطاع الخاص نتيجة انخفاض الإنفاق الحكومي.
ثانيا: لقد توزعت النسبة الأكبر من هذا الإنفاق على خدمات التعليم (217 مليار ريال)، أي بنسبة 25.2 في المائة من إجمالي الإنفاق العام، مقارنة بنسبة 24.6 في المائة في السنة المالية الماضية، والإنفاق على قطاع الصحة، حيث بلغت مخصصات المملكة لتغطية الخدمات الصحية في السنة المالية القادمة 160 مليار ريال، أي بنسبة 18.6 في المائة من الإنفاق العام، مقارنة بنسبة 12.6 في المائة في ميزانية السنة المالية الحالية، وهو ما يعني أن نسبة ما ستنفقه المملكة على التعليم والصحة تمثل نحو 43.2 في المائة من إجمالي الإنفاق العام للسنة المالية القادمة، الأمر الذي يعكس خطورة هيكل الإنفاق العام السعودي، الذي يتركز الجانب الأكبر منه في الإنفاق الجاري حاليا، وعلى بنود يصعب المساس بها أو تخفيضها إذا مالت الإيرادات العامة للدولة نحو التراجع، ومن ثم تكون النتيجة الحتمية لهذا الهيكل هي مخاطر تراجع الإنفاق الاستثماري الضروري للنمو مع تراجع الإيرادات العامة، ولعل التجربة السابقة تقدم الدليل العملي على ذلك.
فخلال الفترة من 1973 حتى 1985 بلغت نسبة الإنفاق الاستثماري العام إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 22 في المائة في المتوسط، وهي نسبة مرتفعة، غير أنه بدءًا من منتصف التسعينيات ومع تزايد ضغوط تراجع الإيرادات النفطية بلغت نسبة الإنفاق الاستثماري العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مستويات متدنية للغاية، لدرجة أنه في عام 1997 بلغت نسبة الإنفاق الاستثماري العام إلى الناتج المحلي أقل من نصف في المائة.
ثالثا: فيما يخص الإيرادات العامة، فقد تراجعت الإيرادات المتوقعة 1046 مليار ريال في ميزانية السنة المالية الحالية إلى 715 مليار ريال في ميزانية السنة المالية القادمة، وهو ما يعني تراجع الإيرادات العامة بنسبة 31.6 في المائة، الذي يعكس بالدرجة الأولى التطورات الحادثة في السوق العالمي للنفط الخام، وما لها من انعكاسات سلبية على مستويات الإيرادات المتوقعة للدول النفطية في الوقت الحالي. غير أنه يبرز إلى السطح مرة أخرى المخاطر الحقيقية لاستمرار الوضع الحالي للميزانية في اعتمادها شبه الأساسي على إيرادات النفط، التي شكلت نحو 90 في المائة من الإيرادات المتوقعة في الميزانية السابقة.
رابعا: أن أهم التطورات في الميزانية الجديدة هو عودة العجز مرة أخرى للميزانية السعودية، وهو ما يبرز حقيقة هشاشة الوضع المالي السعودي، الذي يمكن أن ينقلب في أي لحظة ولعوامل لا يستطيع صانع السياسة الاقتصادية أن يتحكم فيها، وهنا مكمن الخطر. فوفقا لتقديرات السنة المالية المقبلة، فإن العجز المتوقع في الميزانية السعودية سوف يصل إلى 145 مليار ريال، أي ما يعادل أكثر من 38 مليار دولار أمريكي، وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر عن السنة المالية 1436/1435 والبالغ نحو 2822 مليار ريال، فإن عجز الميزانية للسنة المالية القادمة يمثل 5.1 في المائة من الناتج المحلي، وهي نسبة مرتفعة جدا، حيث من المفترض نظريا لاستدامة الأوضاع المالية للدولة ألا يزيد عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي على 3 في المائة.
خامسا: لقد تضمن بيان وزارة المالية إشارة مهمة إلى استمرار تراجع الدين العام السعودي إلى أدنى مستوياته هذا العام، حيث بلغ 44.3 مليار ريال، وهو ما يضع السعودية على رأس قائمة أقل الدول المدينة في العالم، غير أنه إذا ما تحققت السيناريوهات المفترضة في الميزانية فستبدأ المملكة من العام القادم بالسحب من احتياطياتها، التي تراكمت خلال السنوات الماضية، أو العودة للاقتراض مرة أخرى، أي أن هذا المسار للدين العام ربما ينعكس في السنة المالية القادمة، وذلك بفعل العجز الكبير المتوقع في الميزانية وهو تطور خطير، حيث يبلغ العجز المتوقع 241 في المائة من الدين القائم على المملكة في هذه السنة، وبمعنى آخر، لو تصورنا اقتراض المملكة لتمويل هذا العجز، فإن الدين العام سيرتفع بنسبة تتجاوز 250 في المائة، أخذا في الاعتبار أنه لو استمر سعر النفط على ما هو متوقع في الميزانية، فإن العجز المحقق سيكون أكبر من العجز المعلن، نظرا لاحتمال تزايد الإنفاق الفعلي عن المستوى المخطط.
مما لا شك فيه أنه رغم متانة الوضع المالي للمملكة حاليا، فإن هذه المؤشرات للميزانية القادمة تعكس مدى ضعف استدامة أوضاع المالية العامة للمملكة، طالما ظلت الميزانية العامة تعتمد في النهاية على التطورات الحادثة في سوق النفط الخام، ولا يجب أن ننسى أبدا أنه قبل الارتفاع الأخير في أسعار النفط الخام كانت المملكة تعد واحدة من أكبر الدول المدينة في العالم، حيث تجاوز الدين العام السعودي الناتج المحلي الإجمالي في عام 1993، ليصل إلى 109 في المائة تقريبا، وهو من أعلى المعدلات المسجلة في العالم في هذا العام.
إن الصدمة المالية الحالية التي تتعرض لها المالية العامة تؤكد حتمية الإصلاح المالي لإعادة هيكلة المالية العامة والعمل على تنويع هيكل الإيرادات فيها بعيدا عن النفط، كما أن الأمر يتطلب ضرورة السيطرة على النمو في الإنفاق الجاري على المدى الطويل، وهذا لن يتم قبل أن تفكر المملكة في الحد من دور الحكومة في الاقتصاد المحلي، وأن تبحث بجدية في إعادة رسم الدور الذي تقوم به الدولة في النشاط الاقتصادي، بحيث يتم تقليص من ذلك الدور إلى أدنى مستوى وإفساح المجال بشكل أكبر للقطاع الخاص لأن يلعب الدور الأساسي في عملية إنتاج وتقديم السلع والخدمات العامة وتوظيف قوة العمل الوطنية، حتى يمكن السيطرة على الإنفاق العام.
بصفة خاصة لا بد من مراجعة شاملة للنفقات المخصصة للدعم بأشكاله كافة، الذي يستهلك جانبا كبيرا من الإنفاق العام حاليا، حيث لا يحقق الهيكل الأساسي للدعم الحالي ولا طريقة توزيعه الأهداف الأساسية، التي تسعى الدولة إلى تحقيقها لرفع مستويات الرفاه للفرد، حيث يقدم الدعم في معظم أشكاله لجميع المستهلكين بغض النظر عن مستويات دخولهم أو درجة استحقاقهم للدعم المقدم من قبل الدولة، وهو ما يخل بمبدأ العدالة في توزيع الإنفاق على الدعم بين مختلف الفئات الدخيلة في المجتمع. كذلك لا بد من العمل على رفع كفاءة الإنفاق العام ورفع كفاءة الإدارة المالية للدولة في ترشيد ذلك الإنفاق ووضع معايير أكثر صرامة في مراقبة أوجه الهدر المختلفة في الإنفاق والعمل على الحد منها.
على الجانب الآخر، إن الدولة لا بد أن تبحث بجدية عن مصادر بديلة للإيرادات النفطية تتسم بقدر أكبر من الاستقرار النسبي، بحيث تتسع قاعدة مصادر الإيرادات العامة للدولة بما يساعد على تحقيق قدر أكبر من الاستقرار في المالية العامة للدولة، ويضمن استدامتها على المدى الطويل.

ماذا يحدث للروبل الروسي؟

يتعرض الاقتصاد الروسي منذ فترة لصدمات متتالية كان أخطرها صدمة تراجع أسعار النفط في الفترة الأخيرة، التي على أثرها ساءت أوضاع الاقتصاد الروسي على نحو كبير مما أدى إلى تراجع قيمة العملة بصورة كبيرة تتشابه مع ما حدث في 1998. في نهاية عام 2013 بلغ معدل صرف الروبل 33 روبلا لكل دولار تقريبا، اليوم وحتى وقت كتابة هذا المقال، بلغ معدل صرف الروبل 54 روبلا لكل دولار، وهو ما يمثل تراجعا في قيمة الروبل بنسبة 64 في المائة، الذي يعد أسوأ تراجع مر به الروبل أمام الدولار منذ أواخر التسعينيات في القرن الماضي، وثاني أسوأ أداء لعملة في العالم لهذا العام بعد العملة الأوكرانية.
بهذا الشكل تجتمع على روسيا عدة عوامل تعمل جميعها في اتجاه واحد وهو الضغط على اقتصادها وعملتها ومعدل نموها، فالاقتصاد الروسي محاصر اقتصاديا، بينما تتراجع أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس لروسيا، وفي الوقت ذاته تتراجع الثقة بالاقتصاد الروسي، وتهرب منه رؤوس الأموال الخاصة، وتتآكل احتياطياته على نحو مقلق، وبالشكل الذي يرفع من مخاطر انهيار الاقتصاد الروسي، كل ذلك بهدف إجبار روسيا على الانسحاب من أوكرانيا.
روسيا تواجه اليوم أزمة ما يطلق عليه معضلة الاقتصاد الناشئ، الذي يعتمد في الأساس على سلعة واحدة أو مجموعة قليلة من السلع التي تشكل مصدر إيراداته الرئيسة، والذي يتعرض من وقت لآخر لموجات عنيفة من هروب لرؤوس الأموال عندما ترتفع المخاطر المحيطة بعملته، والتي تؤدي إلى تآكل احتياطياته الدولارية الأمر الذي يزيد من الضغوط نحو تراجع عملته مع تزايد الطلب على الدولار لتمويل عمليات خروج رؤوس الأموال بأشكالها المختلفة إلى الخارج، وقد قدرت عمليات هروب رؤوس الأموال في عام 2014 بنحو 134 مليار دولار، في الوقت الذي يتوقع أن تصل فيه عمليات هروب رؤوس الأموال إلى 120 مليار دولار في 2015.
في حالات تراجع قيمة العملة على نحو كبير تلجأ المصارف المركزية إلى التدخل المباشر في سوق النقد الأجنبي لبيع العملات الأجنبية وشراء العملة المحلية، حتى تؤدي عمليات البيع إلى زيادة الطلب على العملة المحلية فترتقع قيمتها في سوق الصرف الأجنبي وتقل بالتالي الضغوط على معدل الصرف نحو التراجع. غير أنه في الحالات الحادة، مثل الحالة الروسية فإن عمليات التدخل في سوق النقد الأجنبي غالبا ما تكون ذات أثر محدود جدا وغالبا لفترة زمنية قصيرة، حيث ينعكس اتجاه معدل صرف العملة نحو المزيد من التراجع بسرعة كبيرة. في بعض حالات تدخل البنك المركزي الروسي كان معدل صرف الدولار يتراجع بعد عمليات التدخل مباشرة، غير أنه يعاود الارتفاع مرة أخرى خلال دقائق، لأن السوق في هذه الحالة تكون جائعة للعملات الأجنبية، على الرغم من أن التدخل المكثف للمصرف المركزي في سوق الصرف الأجنبي من المفترض أنه يرسل رسالة طمأنينة للمتعاملين بأن المصرف المركزي يقف خلف عملته ومستعد للدفاع عنها بأي ثمن.
غير أنه عندما تكون التوقعات تشاؤمية، فإن عمليات التدخل تزيد من درجة الذعر بين المتعاملين في سوق النقد الأجنبي، وتغذي الطلب على العملات الأجنبية لأغراض التحويل أو لأغراض التخلص من العملة المحلية، أو لأغراض المضاربة، والنتيجة المباشرة لهذه الاتجاهات في سوق النقد الأجنبي هي استنزاف رصيد الدولة من العملات الأجنبية، وهو ما يزيد الأوضاع سوءا ويضع العملة المحلية على شفا الانهيار.
عندما تفشل عمليات التدخل المباشر في سوق الصرف الأجنبي للدفاع عن العملة المحلية من خلال استخدام الاحتياطيات، تلجأ المصارف المركزية إلى استخدام أدوات السياسة النقدية لتعزيز الطلب على العملة وللحيلولة دون انخفاض قيمتها مقابل العملات الأجنبية، وهو ما قام به المصرف المركزي الروسي بالفعل عندما قرر تخفيف حدة التدخل في سوق النقد الأجنبي للدفاع عن الروبل من الانهيار، ورفع معدل الفائدة من 10.5 إلى 17 في المائة مرة واحدة، وهو رفع غير اعتيادي لمعدلات الفائدة، وقد أشار المصرف المركزي الروسي في بيانه عن رفع معدل الفائدة إلى أن هذا التدخل جاء في ضوء الحاجة للحد من مخاطر استمرار تراجع الروبل وارتفاع معدلات التضخم، التي تزايدت بصورة واضحة في الفترة الأخيرة.
نظر المراقبون لرفع معدل الفائدة بنسبة 6.5 في المائة دفعة واحدة على أنه يؤكد حرص روسيا على استخدام جميع الأدوات للدفاع عن عملتها، غير أن رفع معدلات الفائدة في أوقات تراجع النشاط الاقتصادي لوقف هبوط قيمة العملة المحلية ربما يكون سياسة خاطئة على المدى الطويل، صحيح أنها يمكن أن توقف تراجع الروبل، ولكن تدهور الأداء الاقتصادي الناتج عن ارتفاع معدلات الفائدة سينعكس سلبا لاحقا على قيمة الروبل من خلال الآثار السلبية لرفع معدلات الفائدة على النمو الاقتصادي ومن ثم الميزان التجاري. كما أن عملية رفع معدلات الفائدة سيصاحبها بالطبع ضغوط انكماشية واسعة، التي من المحتمل أن تمتد إلى الدول الناشئة في أوروبا الشرقية، وكذلك إلى منطقة اليورو، ووفقا لما أعلنه المصرف المركزي الروسي، يتوقع أن يتراجع النمو في الناتج ما بين 4.5 و 4.7 في المائة إذا ما استمرت أسعار النفط عند مستوى 60 دولارا للبرميل في العام المقبل.
تراجع قيمة الروبل له آثار سلبية على روسيا، حيث يؤثر سلبا في القيمة الحقيقية لدخول الناس ويسهم في تغذية التضخم دون أن يساعد على تحسين الميزان التجاري لروسيا نظرا لأن الجانب الأكبر من صادراتها لا يسعر بالروبل، وإنما يباع بالدولار الأمريكي. كما لم يقتصر التراجع على العملة الروسية، وإنما انتقلت الضغوط إلى جارتها بيلاروسيا، نظرا للاعتماد الكبير للاقتصاد البيلاروسي على الاقتصاد الروسي، وهو ما أدى إلى تراجع عملة الأولى "الروبل البيلاروسي"، من ناحية أخرى يترتب على تراجع الروبل ارتفاع أسعار الصادرات الأوروبية إلى روسيا وانخفاض هذه الصادرات مما يؤثر في التعافي الاقتصادي لكثير من الدول ذات الروابط التجارية القوية مع روسيا.
في إجراء غريب للتعامل مع هذا الوضع أصدرت الحكومة في بيلاروسيا قرارا بفرض رسوم 30 في المائة على عمليات شراء العملات الأجنبية، وهو ما يعني ضمنا خفض الروبل البيلاروسي بمعدلات مماثلة، أو ربما أكثر بالنسبة للمتعاملين في النقد الأجنبي. مرة أخرى فإن الهدف الأساسي من القرار هو وقف التراجع في قيمة العملة وتخفيف الطلب على العملات الأجنبية، لكن ما يحدث عادة في ظل هذه الظروف هو تغذية التوقعات التشاؤمية وزيادة الطلب على النقد الأجنبي، وهو ما يجري بالضبط في بيلاروسيا حاليا، حيث تتزايد عمليات شراء السلع الاستهلاكية، خصوصا المعمرة منها، وبصفة خاصة المستوردة من الخارج، وهو ما يحدث الأثر الموازي نفسه لزيادة الطلب على العملات الأجنبية.
في خطوة أخرى للتعامل مع الموقف طلب المصرف المركزي الروسي من الشركات المصدرة الكبرى والمملوكة للدولة أن تقوم ببيع احتياطياتها من النقد الأجنبي في محاولة لإنقاذ الروبل، ولذلك اجتمعت الشركات الكبرى الخمس والتزمت ببيع احتياطياتها من النقد الأجنبي بدءا من آذار (مارس) القادم، على أن تبلغ المصرف المركزي بتقرير أسبوعي عن أرصدتها من النقد الأجنبي، وهو ما يعد إشراكا إجباريا لمؤسسات تجارية في تطبيق السياسة النقدية الخاصة بالمصرف المركزي للحفاظ على قيمة العملة، وهي خطوة غريبة بعض الشيء، لكن في الأوقات العصيبة من المتوقع من النظم الشمولية أن تتخذ إجراءات استثنائية ليس شرطا أن تطبقها الدولة بمفردها، وإنما قد يطبقها الجميع.
خلاصة الأمر، أن الضغوط الاقتصادية التي يمارسها الغرب على روسيا، أسهمت بالفعل في الإضرار بالاقتصاد الروسي على نحو كبير، وتسببت في انهيار عملته وارتفاع المخاطر المحيطة بالاستثمار في روسيا حاليا، فضلا عن تأثيرها السلبي في آفاق النمو المستقبلي فيه.

هل ينخفض سعر النفط إلى 20 دولارا؟

شهد الأسبوع الماضي تطورات خطيرة في أسعار النفط، حيث تجاوز سعر خام برنت جميع التوقعات متراجعا عن حاجز 60 دولارا للبرميل لأول مرة منذ أيار (مايو) 2009. التوقعات تدور حاليا حول احتمالات انخفاضه إلى 40 دولارا، بل إن بعض المراقبين توقع أن تواصل أسعار النفط انهيارها لتصل إلى 30 دولارا، أو ربما 20 دولارا، بعد أن بدا للجميع أن "أوبك" خارج نطاق اللعبة حاليا، وتترك السوق لتفاعلاته ليسير تحت ضغوط المضاربين الذين من الممكن، من الناحية النظرية، أن يذهبوا بالسوق إلى أي قاع بما في ذلك سعر 20 دولارا للبرميل. لكن السؤال الحرج الذي أحاول الإجابة عنه اليوم هو، هل بالفعل يمكن أن تصل أسعار النفط إلى 20 دولارا؟
قبل تحليل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن الفرضيات المرتبطة باتجاهات الطلب والعرض في ظل تراجع الأسعار تعزز احتمال ارتفاع الأسعار لا انخفاضها لهذه المستويات المتدنية. فلقد أصبح من الواضح اليوم أن العرض من النفط أكبر من الطلب لأسباب عديدة، بعضها اقتصادي والآخر غير اقتصادي، وقد حللنا ذلك في مقال الأسبوع الماضي، لكن استمرار فائض العرض عن الطلب والسماح بتدهور الأسعار بهذه المعدلات المقلقة دون تدخل لا يمكن أن يعود لعوامل اقتصادية، مما يرجح دور العوامل الجيوسياسية وميل أكبر المنتجين للنفط في العالم إلى عدم تخفيض الإنتاج سواء من جانب روسيا أو من جانب "أوبك"، وذلك لضبط التوازن في السوق.
مما لا شك فيه أن ظروف العرض والطلب في سوق سلعة مثل النفط لا تتغير بين ليلة وضحاها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال القبول بفرضية أن فوائض العرض الراجعة إلى تزايد الإنتاج، بصفة خاصة النفط الصخري، هي المسؤولة عن تراجع الأسعار، ذلك أن العوامل الأساسية المؤثرة في السوق والتي تعمل في مصلحة الأسعار المرتفعة للنفط ما زالت قائمة، ولكن هناك بعض الأسباب التي تعطل من أثرها في الحفاظ على أسعار مرتفعة للنفط.
عندما نعود إلى الوراء قليلا نجد أن تراجع الإنتاج في ليبيا والعراق أدى إلى فتح المجال أمام الولايات المتحدة والسعودية وبعض الدول المنتجة للنفط لرفع إنتاجها، وقد كانت زيادة الإنتاج السعودي، كما أعلن في البداية لتغطية العجز في العرض الناتج عن اضطرابات الضخ من الدول المضطربة سياسيا للحفاظ على توازن السوق وكبح جماح ارتفاع الأسعار حماية للاقتصاد العالمي من آثاره، على أن يتم تخفيض الإنتاج مرة أخرى عندما يعود النفط الليبي إلى مستويات الضخ الطبيعية. كذلك تمكنت الولايات المتحدة من خلال تقنيات الحفر والتنقيب الحديثة الجديدة من رفع مستويات الإنتاج من مناطق الإنتاج الحالية أو من تلك التي كان هناك تخوف من صعوبة الإنتاج فيها بما في ذلك عمليات التنقيب في المياه العميقة. اليوم وفي ظل فائض العرض فإن خفض الإنتاج يواجه بمقاومة من الجميع وذلك بهدف الحفاظ على المكاسب في الحصة السوقية كما هو معلن.
لهذه الأسباب فإن فائض العرض الموجود في السوق حاليا هو فائض عرض شبه مصطنع، ولا يستند في مجمله إلى عوامل اقتصادية جوهرية، فالنفط الصخري موجود منذ فترة طويلة، ولم تقفز الكميات المعروضة منه أخيرا على النحو الذي يبرر هبوط الأسعار على هذا النحو، في الوقت الذي يعكس فيه هبوط الأسعار نشاط المضاربين في السوق وتوقعات السوق في مواجهة سلوك المنتجين الكبار في السوق، والذي من الواضح أن آخر اهتماماتهم في الوقت الحالي هو السعر. فعلى الرغم من تأثر روسيا بصورة واضحة بانهيار الروبل أمام الدولار، وفي خطوة شبه انتحارية قام البنك المركزي الروسي برفع معدلات الفائدة على الروبل من 10.5 في المائة إلى 17 في المائة بعد أن تراجع الروبل إلى أقل معدل للتراجع اليومي منذ عقد من الزمان تقريبا، وهو ما أدى إلى تحسن طفيف في اتجاه الروبل حتى الآن، غير أنه إذا استمرت الضغوط مرتفعة على روسيا فإن العملة ستعاود التراجع ويرتفع بالتالي معدل التضخم وينخفض مستوى النمو. على العكس من ذلك نجد أن انخفاض أسعار النفط لا يؤثر بصورة جوهرية في كبريات الدول المصدرة في "أوبك"، حيث تحتفظ هذه الدول برصيد كاف من الاحتياطيات يمكِّنها من الصمود لعدة سنوات بأسعار منخفضة للنفط.
لا أتوقع أن يستمر سلوك المنتجين الكبار في السوق على هذا النحو، ربما يكون هناك ما يحول في الوقت الحالي دون التعاون بين المنتجين الكبار في "أوبك" وخارجها مثل روسيا، ولكن الضغوط السعرية ستجبر الجميع على الخضوع والتعاون تحت ضغوط ماليتهم العامة. عندما تتراجع الأسعار لمستويات دنيا ولفترة طويلة فإنه من المؤكد أن الجميع سيقلل إنتاجه، بما في ذلك منتجي النفط الصخري، والذين من الواضح أن عمليات الإغلاق تتزايد بينهم في الوقت الحالي، على أمل أن يعاودوا الإنتاج في التوقيت المناسب عندما تعاود الأسعار الارتفاع أو تتحسن مستويات التكنولوجيا، حيث تخفض التكاليف على نحو كبير، وهو السلوك الذي من المتوقع أن يؤدي إلى انخفاض فائض العرض الحالي، ومن ثم انعكاس اتجاه الأسعار.
من المؤكد أن "أوبك" ستكتشف أن استراتيجيات الحفاظ على الحصة مع ترك الأسعار تهوي هي استراتيجية خاطئة، وأن التنازل عن جانب من الحصة السوقية في مقابل أسعار أعلى ربما يكون هو الوضع الأمثل، فمن المؤكد أن بيع كمية أقل بسعر أعلى يؤدي إلى الحفاظ على الإيرادات مرتفعة من جانب، ويساعد على الحفاظ على الثروة النفطية من جانب آخر، بدلا من إغراق السوق بها وفقدانها في مقابل سعر رخيص. من الأفضل الحفاظ على الثروة النفطية في باطن الأرض في الوقت الحالي لحين استخراجها في المستقبل بدلا من بيعها في الوقت الحالي بسعر زهيد، وخصوصا أن الدول النفطية ليست في حاجة إلى تحقيق فوائض في الوقت الحالي. الفوائض النفطية تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي ارتفاع الإنفاق الجاري، ومن ثم تعقيد أوضاع المالية العامة على المدى الطويل.
مما يعزز فرضية الانخفاض المستقبلي للعرض تزايد التقارير التي تتناول انخفاض الاستثمارات الجديدة في مجال الاستخراج، سواء للنفط التقليدي أو الصخري، كما يتم حاليا تأجيل خطط التوسع في الإنتاج، وهو ما يؤدي إلى خفض معدل نمو العرض الجديد. من ناحية أخرى، فإنه من المتوقع أن تتأثر إمكانات العرض من النفط غير التقليدي، بصفة خاصة الآبار التي ترتفع فيها تكلفة الإنتاج، وهناك تقارير حالية بأن بعض منتجي النفط الصخري توقفوا عن الإنتاج عند مستويات الأسعار الحالية في الآبار غير المربحة في ظل الأسعار الحالية انتظارا لارتفاع الأسعار مرة أخرى. هذه العوامل مجتمعة ستؤدي إلى خفض العرض المستقبلي.
في جانب الطلب يتوقع أن الانخفاض الحالي في أسعار النفط سيساعد على ارتداد الأسعار للارتفاع مرة أخرى، حيث من المتوقع أن يترتب على تراجع الأسعار تحسن مستوى الأداء الاقتصادي في الدول المستوردة، وبالتالي تصاعد الطلب، واختفاء أحد الأسباب الأساسية لتراجع الأسعار، حيث إن مثل هذا التحسن في الأداء الاقتصادي سيؤدي إلى امتصاص الفوائض في العرض ومن ثم تمهيد السبيل للأسعار نحو الارتفاع. على سبيل المثال وفقا لمحضر اجتماع لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني الذي نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" جانبا منه يوم الأربعاء الماضي، أشار إلى أنه من المتوقع أن يترتب على تراجع أسعار النفط تحسن النمو في الاقتصاد البريطاني، وبالطبع تنطبق هذه النتيجة على الدول الصناعية كافة التي يتوقع أن يستفيد النمو فيها من تراجع تكلفة النفط، وهو ما يحفز الطلب ومن ثم الأسعار.
والآن هل يمكن أن تصل الأسعار إلى 20 دولارا، أعتقد أن هذا التوقع كارثي سواء من الناحية العملية أو المنطقية، فتكاليف الإنتاج في معظم الدول النفطية آخذة في التزايد على نحو سريع مع ارتفاع الأجور وتكلفة المعيشة، حتى في الدول التي تتسم بارتفاع مستويات الاحتياطي وسهولة الإنتاج. أما في المناطق الأخرى التي تصعب فيها ظروف الإنتاج فهذه قصة أخرى. بفرضيات العرض والطلب أتوقع عودة الأسعار نحو الارتفاع، ولكن المدى الذي ستأخذه الأسعار حتى ترتد مرتفعة مرة أخرى يصعب التنبؤ به في الوقت الحالي.

الأغلبية تصوت برفض وثيقة السياسة السكانية

تاريخ النشر  :  12/24/2014
مرة أخرى تطرح وثيقة السياسة السكانية في مجلس الشورى، بالإضافة إلى تصحيح مصطلح “الصحة الإنجابية” بمصطلح “صحة الأم والطفل ،فيضيق معها مساحة التغريد لمعارضة الوثيقة حيث قال عضو المجلس أبو عباة وفقاً لصحيفة “الحياة”: إن مصطلح الصحة الإنجابية في الوثيقة ذا أهداف إباحية، وتهدف إلى ابتداع نمط جديد يتعارض مع القيم الدينية، ويهدف إلى تدمير الأخلاق، وإلغاء الفرق بين الذكور والإناث، وهدم نظام الأسرة، كما يهدف إلى هيمنة الحضارة المعاصرة وتسويق قيمها".
وقد أجلّ مجلس الشورى أمس (الثلاثاء) التصويت على الوثيقة السكانية للمملكة إلى جلسة قادمة، في أعقاب رفض المجلس بالأغلبية الموافقة على نص الوثيقة الوارد من الحكومة،كذلك عدم موافقتهم على التعديل الذي أجرته اللجنة باستبدال عبارة “خفض معدل الخصوبة الكلي عن طريق تشجيع المباعدة من الولادات، فيما برّر عدد من الأعضاء أن خفض معدلات الخصوبة الذي طالبت به الحكومة وضمنته في الوثيقة لا يعني خفض عدد الولادات وإنما ترك مساحة زمنية بين الولادة والأخرى، حفاظاً على صحة الأم والمولود وأنها ليست ملزمة للأفراد بل تركت للفرد حرية تقرير عدد مواليده.
جدل تويتر والصحة الإنجابية
القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى”، الذي ورد عام 2007 في الفقرة 115 بتوفير معلومات الصحة الجنسية للطفلة لتعليم الأطفال والمراهقين بشكل عملي كيفية ممارسة العلاقة الجنسية، مع توقي الحمل والأخطار المرضية أثناء ذلك، وتوفير احتياجات الصحة الإنجابية للمراهقين، كما أكد على ضرورة توزيع وسائل منع الحمل في المدارس خاصة للفتيات؛ لتكون ممارسة الجنس الحر عندهن أيسر، وتوفير خدمة الإجهاض بشكل معلن وقانوني، وأن يطلق عليه اسم الإجهاض الآمن في المستشفيات الرسمية".
وسط هذه النداءات لقيت الوثيقة جدلاً ورفضاً في تويتر،فيما شاركت بإسهام أ.هند عامر عن توضيح :(مفهوم الصحة الإنجابية بأنها من مصطلحات الأمم المتحدة تهدف إلى إبادة سكان الأرض بحجة أن الموارد الطبيعية لن تكفيهم والأرض لن تسعهم بسبب الإنفجارالسكاني، بينما نحن المؤمنين نؤمن بأن للكون مدبر).
وعلقت د.نورة السعد بأنه: ( هذه مطالب الأمم المتحدة الدول بتطبيق مواد السيداو التي تطالب بالصحة الإنجابية وتعني بها تقنين الولادات والإجهاض الذي تحرّمه الشريعة بقتل الأجنّة..).
وينتقد الوثيقة أخصائي السلامة والصحة المهنية علي الحميد : (بأنه لاحاجة لتطبيق تنظيم النسل في السعودية فانعدام السلامة المرورية والمنزلية والمهنية تقوم بهذا العمل على خير وجه!). 
في حين يتساءل الكاتب شلاش الضبعان:(بدل الانشغال بتنظيم النسل لما ذا لا ننشغل بما يُقدم للنسل في السعودية..!).
"نحن نرزقهم وإياكم"
في الآية قدّم الأطفال على الوالدين، ومن ناحية شرعية كتبت د. رقية المحارب: (بأن من يقول إن تكثير النسل يؤدي إلى أزمات اقتصادية يغفل عن حث الشريعة على العمل والاقتصاد ومحاربة الترف والفساد وتشجيع التكاتف المجتمعي والادخار)،ويؤكد معها د.عبد العزيز آل عبداللطيف:( بأن العامة يوقنون أن الرزق من الله وحده،ومتى استهل مولود استهل معه رزقه، ومثله نظام الحد من النسل هل يتفق مع النصوص الحاضةعلى تكثيرالنسل ومع أخبارالوحي حول الرزق، وهل ينسجم مع حريةالإنسان وحقوقه،مشاكل التنمية لا تحل بتقليل النسل ،ولكن بحسن الإدارة والنزاهة، وإعمال العقل..)
معدل النمو أقل من العالميعرض د.عبدالله الحصين رسم بياني بمقارنة بين ثلاث دول توضح:النمو الطبيعي للسكان في كينيا وتباطؤ النمو في المملكةالمتحدة ثم توقفه وتقلصه في ايطاليا وبالتالي فناؤه وهذا يؤثر على الناحية الإقتصادية للبلد، وأضاف د.محمد السبيعي:( أن الأسترالي يمنح على كل مولود أو متبنى مكافأة 5000 دولار تشجيعاً لهم، مع العلم أن عدد سكانهم فوق 23 مليون نسمة)، بينما أوضحت أ. قمراء السبيعي متوافقة مع د.منيرة القاسم :(بأن مع معدل النمو السنوي للسعودين ٣.٩ والمرتبة ٧٠ دوليا،ومعدل الخصوبة في المملكة ( ٠.٩٨) ومتوقع أن يصل خلال ١٥ عاما إلى طفلين لكل أسرة ، فهو معدل أقل من العالمي، فكيف ينادون به؟!).
الانخفاض المستقبلي في أعداد قوة العمل في الصين
وفي مقالة مميزة "لأستاذالإقتصاد بجامعةالكويت" البرفسور ابراهيم السقا،يذكر فيها تجربة الصين  بالقيام بحملات إعلامية ضخمة حول وسائل تنظيم النسل وأدواتها، وتوفير أدوات تنظيم النسل محليا، كان أيضا من السياسات التي اتبعتها الصين التحريض على الزواج المتأخر، وكذلك تأخير عمليات الإنجاب، وفي عام 1978 تم فرض سياسة الطفل الواحد على الأسر بشكل عام،وكان الهدف الأساسي من السياسة هو الحد من النمو السكاني الكبير في الصين، وبالتالي تحديد عدد الفقراء والأشخاص الذين يعتمدون على الحكومة بشكل أساسي..
بعد أكثر من ثلاثة عقود بدأت تحصد الصين النتائج السلبية لهذه السياسة المتطرفة في تحديد النسل، حيث تسببت السياسة في خلق العديد من المشاكل الخطيرة، أولها؛ أنه انتشرت في الصين عادة الإجهاض الانتقائي الذي يتم بناء على معرفة جنس الجنين، حيث تفضل الكثير من الأسر أن يأتي طفلها الوحيد ذكرا بدلا من الأنثى، لذلك تتم عمليات إجهاض على نطاق واسع للجنين إن ثبت للأسرة أنه أنثى، ونتيجة لذلك فقد حدث خلل كبير في التوازن الطبيعي بين أعداد الذكور والإناث الذين يتم إنجابهم في الصين، ففي عام 2012 قدرا أن هناك 119 مولودا ذكرا، في مقابل كل 100 أنثى وهو ما يمثل أكبر حالات عدم التوازن بين الجنسين في العالم..
ثانيها؛ أنه ترتب على سياسة الطفل الواحد تعرض الكثير من الأسر لمخاطر مالية نتيجة وفاة الطفل الوحيد،إذ تشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو مليون أسرة فقدت طفلها الوحيد اليوم، وأن الرقم مرشح للتزايد خلال السنوات المقبلة.
وثالثها؛ أن هذه السياسة قد ترتب عليها تراجع أعداد قوة العمل، على سبيل المثال وفقا لبلومبرج انخفضت قوة العمل في الصين في عام 2012 بأكثر من ثلاثة ملايين عامل، وتشير التوقعات إلى احتمال أن تنخفض بشكل أكبر خلال السنوات القادمة، مع تحول الأعداد الحالية من العمال في سن الـ 65 إلى التقاعد،وحتى لو تم إلغاء قانون الطفل الواحد اليوم، فذلك الأمر قد يتطلب مدة تراوح بين 16 ـــ 20 عاما قبل إضافة جيل جديد من المواليد إلى قوة العمل.
لكل هذه الأسباب وغيرها تفكر الصين حالياً في تعديل سياسة الطفل الواحد 2015، بل إن البعض يتوقع أنه بحلول عام 2020 ستقوم الصين بإلغاء كل القيود على عمليات الإنجاب"..
على إثر ذلك.. نرفع هذه التجربة إلى مقام مجلس الشورى حتى لاتؤدي بنا إلى كارثة اقتصادية واجتماعية تخل بالتوازن والاستقرار المجتمعي في بلد غني ينعم بالثروات النفطية على مستوى عالمي مما يُفترض أن تكون من الدول النامية ،كما عهدنا من ممكلتنا بحرصها على أن تكفل للفرد حقوقه وتوفر له أسباب المعيشة والتعليم والعمل.

الجمعة، ديسمبر ١٢، ٢٠١٤

لماذا تتراجع أسعار النفط؟

في 19 حزيران (يونيو) الماضي بلغ سعر خام برنت 115 دولارا للبرميل، حتى وقت كتابة هذا المقال بلغ سعر البرميل 64 دولارا، أي أن سعر البرميل من خام برنت تراجع بنحو 51 دولارا، أو ما يمثل 44 في المائة من السعر، وهو تراجع كبير جدا. المشكلة هي أنه لا تبدو هناك أية ملامح في الأفق تشير إلى أن هذا التراجع في الأسعار سيتوقف عند مستوى سعري محدد، واليوم تتزايد توقعات المراقبين بأن النفط في طريقه لكي يصل إلى 40 دولارا، وهو توقع إن حدث فسيسبب كارثة مالية للدول المصدرة للنفط. فما أسباب هذا التراجع السريع في سعر النفط؟
من الناحية الاقتصادية، يفترض أن سعر أي سلعة يتحدد بالطلب والعرض، والعوامل المحددة لهما، التي في حالة النفط تتمثل في مستوى النشاط الاقتصادي وعوامل خارجية أخرى تمارس دورها في التأثير في السوق، على سبيل المثال حالة الجو والعوامل الجيوسياسية .. إلخ. في جانب الطلب هناك انخفاض واضح حاليا بسبب ضعف النشاط الاقتصادي نتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة في الدول المستوردة للنفط وعلى رأسها أوروبا وآسيا. ففي أوروبا ترتب على برامج التقشف المالي التي انتهجتها منطقة اليورو تراجع معدل النمو إلى مستويات متدنية وسالبة في بعض الأحيان. من ناحية أخرى، يتراجع معدل النمو في اليابان، وفي الصين والهند ومعظم الدول الناشئة في العالم، وهو ما دعا صندوق النقد الدولي إلى تخفيض تقديراته حول اتجاهات النمو في الاقتصاد العالمي أكثر من مرة. لم يقتصر التراجع في الطلب الآسيوي على ضعف مستويات النمو، وإنما أسهمت سياسات بعض الدول المستوردة حول خفض دعم الطاقة في انخفاض الطلب على النفط في القارة.
أما العامل الثاني فيتمثل في تراجع تأثير المخاطر الجيوسياسية في العالم على العرض العالمي من النفط، فقد ظلت الأسعار مرتفعة لفترة طويلة بسبب تركيز المعاملين على المخاطر الجيوسياسية المحيطة بالسوق، وأنه من المتوقع أن يترتب على تلك المخاطر، بصفة خاصة في الدول المنتجة للنفط في المنطقة وبالتحديد العراق وليبيا، إلى التأثير سلبا على العرض العالمي من النفط، غير أنه بدا من الواضح أن حالة القلق من هذه المخاطر لم يكن لها مبرر عملي، حيث لم تتحول هذه المخاطر إلى واقع فعلي على الأرض يمكن أن يهدد تدفقات النفط من مكامنه إلى أسواق المستهلكين، فالإنتاج لم يتأثر بالمخاطر الجيوسياسية، واستمرت هذه الدول في الضخ عند مستويات مرتفعة، ما أدى إلى تزايد العرض في السوق في الوقت، الذي يتراجع فيه الطلب، فقد تضاعف الإنتاج الليبي منذ حزيران (يونيو) الماضي ثلاثة أضعاف تقريبا إلى 900 ألف برميل يوميا، على الرغم من أن ذلك يمثل نحو 60 في المائة فقط من الإنتاج الطبيعي لليبيا، كما أن الصراع مع تنظيم "داعش" لم يؤثر في تدفقات النفط من العراق، وهو ما أدى إلى تلاشي التهديد من تأثر العرض العالمي للنفط نتيجة لهذا النوع من المخاطر، وبالتالي هدوء الضغوط على الأسعار نحو الارتفاع وبدء تراجعها.
العامل الثالث هو تزايد الدور الأمريكي في الإنتاج العالمي للنفط وتحول الولايات المتحدة من واحد من أكبر مستهلكي النفط إلى واحد من أكبر منتجيه، حيث أصبحت الولايات المتحدة تنافس منتجي العالم الكبار مثل السعودية وروسيا من حيث حجم الإنتاج اليومي، نتيجة التطور الكبير في تقنيات استخراج النفط الصخري، الذي أدى إلى تمكين أكبر مستورد للنفط من إحلال النفط المحلي محل المستورد، ونتيجة لذلك استعادت الولايات المتحدة طاقتها الإنتاجية في الثمانينيات، إلى الحد الذي تفكر فيه أمريكا حاليا بجدية برفع الحظر على عمليات تصدير النفط الأمريكي، ونتيجة لهذه التطورات أصبحت الولايات المتحدة تستورد اليوم كميات أقل عما سبق، وهو ما أدى إلى وجود فائض في الطاقة الإنتاجية في الدول المنتجة للنفط، ولكن من الملاحظ أن هناك مبالغة في وصف تأثير النفط الصخري على تراجع أسعار النفط. بالطبع النفط الصخري تتزايد أهميته، لكن لا يمكن أن يتحمل المسؤولية الأساسية عن التراجع الجوهري الأخير في سعر النفط لعدة عوامل أهمها أن النفط الصخري موجود منذ زمن، وتتزايد الكميات المنتجة منه ببطء ولم يقفز العرض منه أخيرا على الصورة، التي يمكن القول إنها أغرقت السوق الأمريكية من هذا النوع من النفط، من ناحية أخرى فإن إجمالي الكمية المنتجة من النفط الصخري إذا ما قورنت بالعرض العالمي للنفط تعد محدودة جدا، وبالتالي ليس من المتوقع أن تسبب هذا التراجع المقلق لسعر النفط.
العامل الرابع هو أن السلع التجارية في العالم، التي تسعر بعملة العالم، أي الدولار، يتأثر أيضا سعرها السوقي بقيمة الدولار، فعندما ترتفع قيمة الدولار تصبح مثل هذه السلع منخفضة القيمة داخل الولايات المتحدة ومرتفعة القيمة بالنسبة لباقي دول العالم، وقد شهد الدولار الأمريكي في هذا العام ارتفاعات متتالية في قيمته ترتب عليها تراجع السعر السوقي للنفط نتيجة لذلك، فمع ارتفاع قيمة الدولار يتحول النفط إلى منتج مرتفع التكلفة بالنسبة للدول الأخرى خارج الولايات المتحدة، وهو ما يقلل الطلب العالمي عليه، وبالتالي تتزايد الضغوط على سعره نحو التراجع.
أما أهم العوامل المسؤولة عن تراجع أسعار النفط في وجهة نظري فهو السلوك المثير للدهشة لمنظمة أوبك، فقد كان من المتوقع أن تتخذ «أوبك» موقفا حاسما لاستيعاب النمو في العرض حتى تخفف الضغوط على الأسعار، باعتبارها اتحاد المنتجين للسلعة، الذي من المفترض أن تكون وظيفته الأساسية هي ضبط توازن السوق. في مواجهة هذا التراجع في الأسعار لم تقدم «أوبك» على خفض الإنتاج للحد من ضغوط العرض في السوق، وبدلا من ذلك أعلنت «أوبك» عن الإبقاء على حصتها الحالية من الإنتاج، وهو ما تسبب في انخفاض الأسعار بصورة أكبر. لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما بدأ بعض أعضاء «أوبك» في تقديم خصومات سعرية للمستوردين، على سبيل المثال قامت السعودية بتخفيض أسعار النفط، الذي تبيعه لمشتريها الرئيسيين في آسيا والولايات المتحدة، وقد تبعتها إيران والعراق والكويت، وقد شبه بعض المراقبين ما يحدث على أنه حرب أسعار داخل «أوبك»، وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء، فمن الواضح أن المملكة مستعدة لتحمل الأسعار المنخفضة حتى لا تخسر عملاءها في مناطق الاستهلاك الكبرى في العالم، وأن الاستراتيجية السعودية تركز اليوم على الحصة، بغض النظر عن التأثير على السعر، ربما لأنها تنظر إلى تأثر السعر على أنه تأثير وقتي، وأن الأسعار ستميل نحو الارتفاع لاحقا.
بالطبع العوامل التي تساند الاستراتيجية السعودية في هذا الجانب هي وفرة الاحتياطيات، التي تكونت عبر السنوات الخمسة عشر الماضية، وانخفاض مستوى الدين العام إلى معدلات متدنية جدا بالنسبة للناتج، وبالتالي فإن الضغوط المالية لانخفاض أسعار النفط على المملكة تعد محدودة في الوقت الحالي، ولكن من المؤكد أن هذه الاستراتيجية لا يمكن أن تستمر على المدى المتوسط لأن الإنفاق الجاري في المملكة بلغ مستويات لا يمكن استدامتها دون سعر مرتفع للنفط.
وأخيرا، فإن هناك دورا أيضا لنظرية المؤامرة، حيث على الجانب الآخر يرى الرئيس فلاديمير بوتين أن التراجع الحادث في سعر النفط مسبباته سياسية بالدرجة الأولى أكثر منها اقتصادية، والذي يعزوه بوتين إلى تعاون أمريكا وحلفائها ضد موسكو لتركيع روسيا أمام ضغوط الغرب حول مشكلة أوكرانيا، وقد بدأت روسيا تشهد بالفعل تراجعا في قيمة عملتها مع تزايد الضغوط عليها في سوق الصرف الأجنبي بسبب ضغوط تراجع الإيرادات النفطية.

إشارات سلبية حول النمو في الاقتصاد العالمي

حملت بيانات الربع الثالث من هذا العام الكثير من الإشارات السلبية حول اتجاهات النمو في معظم جوانب الاقتصاد العالمي تقريبا، فقد بلغ معدل النمو في الربع الثالث 2014 في الاتحاد الأوروبي (28 دولة) 0.3 في المائة، فقط بينما اقتصر معدل النمو في منطقة اليورو (18 دولة) على 0.2 في المائة. وبالنسبة لأهم اقتصادات منطقة اليورو فقد اقتصر معدل النمو في ألمانيا على 0.1 في المائة، وفي فرنسا على 0.3 في المائة، بينما ظل معدل النمو سالبا في إيطاليا، وهي معدلات منخفضة جدا بالنسبة للاقتصادات التي تشكل محور النمو في المنطقة، فضلا عن ارتفاع درجة مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي.
كذلك أظهرت تقارير مكتب الإحصاءات الأوروبي ارتفاع أعداد العاطلين في المنطقة في الشهر الماضي وهو ما أبقى معدلات البطالة عند 11.5 في المائة للشهر الثالث على التوالي.
يوما بعد يوم تتأكد التكهنات بأن أوروبا اليوم على عتبة فقدانها عقدا كاملا من النمو الاقتصادي، في ظل ضعف قدرتها على اتخاذ خطوات فعالة لرفع مستويات الطلب الكلي وتعزيز استدامة مستويات النشاط الاقتصادي المرتفع، ويعتقد الكثير من المراقبين اليوم أن عقد أوروبا الضائع أصبح حقيقة، وليس مجرد جدل نظري.
كذلك استمر معدل النمو في اليابان في التراجع للربع الثاني على التوالي إلى 1.6 في المائة نتيجة فرض الضريبة الجديدة للمبيعات، الأمر الذي دعا إلى تأجيل تطبيق المرحلة الثانية منها، وتبني البنك المركزي الياباني سياسة نقدية جديدة لتحفيز النشاط الاقتصادي.
لم يقتصر التراجع في النمو على الدول الصناعية المتقدمة، وإنما امتد أيضا إلى أهم الاقتصادات الناشئة في العالم، فقد تراجع معدل النمو في الصين إلى 7.3 في المائة في الربع الثالث من هذا العام وذلك مقارنة بـ 7.5 في المائة في الربع الثاني، حيث ظل ركود قطاع المساكن يمثل ضغطا واضحا على ضعف أداء الاقتصاد الصيني، وهو ما دعا البنك المركزي الصيني إلى إقرار خفض مزدوج لمعدلات الفائدة على القروض والودائع لتنشيط عمليات الإقراض وتحفيز النشاط الاقتصادي.
من ناحية أخرى، قد تراجع معدل النمو في الهند في الربع الثالث من العام إلى 5.3 في المائة، وذلك مقارنة بمعدل 5.7 في المائة في الربع الثاني، هذا وقد كانت الهند تحقق معدلا للنمو في حدود 8 في المائة خلال عقد من الزمان تقريبا منذ 2003، الأمر الذي عزز الدور الذي يلعبه الاقتصاد الهندي في العالم.
وعلى الرغم من أن البرازيل، أكبر اقتصادات أمريكا اللاتينية، قد خرجت رسميا من الكساد في الربع الثالث من هذا العام إلا أن النمو كان ضعيفا، حيث اقتصر على 0.1 في المائة، وهو أقل بكثير مما كان متوقعا، كما أن المراقبين يرون أنه ما زال هناك توقع بأن يستمر الركود في البرازيل.
على الجانب الآخر، فإنه من المتوقع أن يترتب على تراجع أسعار النفط تراجع معدلات النمو في الدول النفطية مع ميل هذه الدول الى تبني برامج تقشفية هذا العام والأعوام القادمة لمواجهة تراجع إيراداتها العامة التي تعتمد بشكل أساسي على مبيعات النفط الخام.
أكثر من ذلك، فقد أظهرت التقارير أن بيانات الإنتاج الصناعي تشير إلى تراجع النمو في هذا القطاع الحيوي في العالم، فقد أشار آخر تقرير عن نمو الإنتاج الصناعي في منطقة اليورو إلى تراجع نمو الإنتاج الصناعي في المنطقة بنسبة 0.4 في المائة، في الوقت الذي تراجع فيه هذا النمو في الاتحاد الأوروبي بنسبة 0.5 في المائة. من ناحية أخرى، أشارت التقارير إلى أنه على الرغم من قيام الصين بخفض معدلات الفائدة في الشهر الماضي إلا أن الإنتاج الصناعي في نوفمبر قد تراجع، كما أن مؤشرات مديري المشتريات في القطاع الصناعي تراجعت في الصين إلى أدنى مستوياتها منذ ستة أشهر، حيث بلغ هذا المؤشر 50.3 في نوفمبر، وذلك مقارنة بـ 50.8 في أكتوبر الماضي وفقا لتقارير مجموعة Markit. كذلك تشير تقديرات بنك إتش إس بي سي، حول المؤشر نفسه إلى تراجع قيمة مؤشر مدير المشتريات في القطاع الصناعي في الصين إلى 50، أي إلى الحد الفاصل بين النمو والانحسار في القطاع. الأمر الذي يعكس تراجع الطلب العالمي على المنتجات الصناعية الصينية.
عندما يكون النمو المنخفض في العالم مصحوبا بتراجع معدلات التضخم ولفترة طويلة، فإن ذلك يزيد من مخاطر مصيدة الانكماش السعري Deflation Trap، حيث تؤدي معدلات التضخم المنخفضة إلى ارتفاع مستويات الفائدة الحقيقية، الأمر الذي يؤثر سلبا في الطلب الكلي. أشار أحدث تقارير مكتب الإحصاءات الأوروبي إلى تراجع معدل التضخم في منطقة اليورو مرة أخرى إلى 0.3 في المائة في أكتوبر، بعد أن كان قد ارتفع إلى 0.4 في سبتمبر الماضي. ويعكس هذا التراجع في معدل التضخم تراجع الإنفاق على الطاقة نتيجة انخفاض سعر النفط بشكل أساسي، حيث انخفض الإنفاق على الطاقة بنسبة 2.5 في المائة على أساس سنوي خلال أكتوبر. ويتوقع المراقبون استمرار انخفاض معدل التضخم في المنطقة، بل إن هناك توقعات بأنه ربما يصل إلى صفر في المائة بحلول العام الجديد، وهو ما أدى إلى نمو المخاوف بأن القارة تتجه نحو الكساد السعري. كذلك أظهر تقرير مكتب إحصاءات العمل الأمريكي تراجع معدل التضخم إلى صفر في المائة في أكتوبر الماضي مما أدى إلى تزايد القلق حول تأثيرات تراجع التضخم في النمو. كما انحسر النمو في الأسعار في اليابان أخيرا حيث تراجع ارتفاع الأسعار لأدنى مستوياته خلال عام، ومثل هذه التطورات في الاتجاهات التضخمية تثير الكثير من القلق حول انعكاسات تراجع التضخم على النمو في الدول الصناعية.
لقد كان من المفترض أن يترتب على تراجع أسعار النفط توفير الفرص التي تعزز مستويات النشاط الاقتصادي في الدول الصناعية المستوردة، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فاستفادة منطقة اليورو من تراجع أسعار النفط ربما تكون محدودة بسبب تراجع اليورو أمام الدولار.
من ناحية أخرى، فإن تراجع أسعار النفط، على الرغم من أنه يسهم في تخفيض تكلفة الإنتاج ومن ثم الأسعار على المستوى الدولي، إلا أنه يمثل مشكلة للبنوك المركزية في الدول الصناعية التي تعاني حاليا تراجع مستويات التضخم عن مستوياتها المستهدفة على النحو المشار إليه أعلاه، وبالتالي فإن تراجع أسعار النفط في الوقت الحالي ليس مرحبا به، لأنه يعقد مشكلة البنوك المركزية في العالم التي تحتاج إلى رفع معدلات التضخم لا خفضها، الأمر الذي يدعو البنوك المركزية إلى تكثيف سياساتها النقدية التوسعية لمحاولة رفع معدلات التضخم في الأسعار، وبالتالي تحييد الأثر الصافي لتراجع أسعار النفط في النمو في هذه الدول.
في مقابل هذه التطورات في الدول الصناعية خارج الولايات المتحدة وفي الدول الناشئة في العالم، فإن تطورات الاقتصاد الأمريكي تعزز فرص النمو المستدام في ظل تراجع معدلات البطالة على النحو الذي يوحي بأن الاقتصاد الأمريكي قد خرج بالفعل من الكساد، الذي من المفترض أن ينعكس بصورة إيجابية على هذه الدول، التي تمثل شركاء الولايات المتحدة في التجارة، لكن الخطر الحالي يكمن في احتمال أن يؤثر الاقتصاد الضعيف في أوروبا واليابان والصين وباقي الدول الناشئة بشكل سلبي في الاقتصاد الأمريكي، الذي من المفترض في ظل هذه التطورات أن يلعب دور محرك النمو في العالم، الأمر الذي ترتد آثاره مرة أخرى سلبا على هذه الدول وعلى النمو في الاقتصاد العالمي.

متاعب النمو الاقتصادي في الصين

فاجأت الصين العالم في الأسبوع الماضي بعودتها لسياسات التحفيز النقدي من خلال قناة معدل الفائدة، حيث أعلن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) عن تعديل مزدوج لمعدلات الفائدة على الإقراض وعلى المودعات، فقد تم خفض معدلات الفائدة على القروض لمدة عام بنسبة 0.4 في المائة، من 6 في المائة إلى 5.6 في المائة، أما معدلات الفائدة على الودائع فقد تم تخفيضها بنسبة 0.25 في المائة من 3 في المائة إلى 2.75 في المائة، مع منح المصارف حرية أكبر في تحديد معدلات الفائدة على المودعات لديها، بحيث يصل معدل الفائدة 1.2 ضعف المعدل المرجعي، بدلا من 1.1 ضعف، وهو ما يعني رفع معدلات الفائدة على الودائع بنسبة 20 في المائة فوق المعدل المرجعي، مقارنة بنسبة 10 في المائة، وعلى النحو الذي يسمح للمصارف بمضاعفة الهامش الذي تمنحه على الودائع فوق معدل الفائدة المرجعي، وتهدف الخطوة إلى زيادة قدرة المصارف على جذب الودائع، ومن ثم زيادة قدرتها على منح الائتمان.
غير أنه من الواضح أن البنك المركزي لا يعتقد أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات نقدية حادة للتعامل مع النمو المتراجع في الوقت الحالي، مثل إعطاء جرعة مكثفة من التيسير الكمي للاقتصاد الصيني، خصوصا أن هناك مخاوف من ارتفاع معدل التضخم الذي قد يصاحب ذلك بما له من آثار سلبية في النمو. كما أن الصين لا تستطيع حاليا استخدام السياسة المالية في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال رفع مستويات الإنفاق العام لمواجهة هذا التراجع في النمو، ومن ثم تحقيق عجز مالي، وذلك نظرا لتزايد مستويات الدين العام كنسبة من الناتج في الصين إلى معدلات حرجة للغاية، حيث يقدر الدين العام حاليا بأكثر من 250 في المائة من الناتج.
يرجع السبب الأساسي وراء هذا التعديل في السياسات النقدية للصين إلى آخر اتجاهات النمو المحقق في هذا العام، حيث أخذ النمو في الاقتصاد الصيني أخيرا في التراجع على النحو الذي لم تعد تتحقق فيه معدلات النمو المستهدف، التي من المفترض أن تدور حول 7.5 في المائة. فقد أشارت بيانات معدل النمو في الربع الثالث من هذا العام إلى تحقيق الصين معدل نمو سنوي 7.3 في المائة، وهو من أقل معدلات النمو التي حققتها الصين خلال السنوات الخمس الماضية، كما أنها المرة الأولى التي لا تتحقق فيها معدلات النمو المستهدف في الصين منذ 1998، عندما انطلقت الأزمة الآسيوية تقريبا، ويعود هذا التراجع في النمو في جانب منه إلى الركود في سوق العقارات الذي يعاني تخمة في العرض في الوقت الحالي، وانخفاض مستويات الإنتاج الصناعي وضعف مستويات الطلب المحلي بشكل عام.
من ناحية أخرى فإن الصين بدأت اليوم تعاني الأعراض الكلاسيكية للاقتصاد المفتوح، عندما يتراجع الطلب العالمي على صادراتها، فصادرات الصين تتركز في الدول الأوروبية والولايات المتحدة واليابان، وهذه الدول حاليا تواجه تراجعا في الطلب على وارداتها نظرا لتواضع معدلات النمو فيها، الأمر الذي ينعكس على نمو الطلب الكلي في الصين.
من المفترض أن يترتب على هذه الخطوة تراجع تكلفة الائتمان في الصين وتزايد عمليات الاقتراض بكافة أشكاله، الأمر الذي يساعد على استرداد معدلات النمو لمستوياتها المستهدفة مرة أخرى، غير أنه من الواضح أن ذلك سوف يكون مصحوبا بموجات تضخمية ناجمة عن ارتفاع مستويات الطلب الكلي المصاحب لانخفاض معدلات الفائدة، وإن كان صافي الأثر على التضخم سوف يعتمد على اتجاهات النمو في الناتج الصيني مقابل اتجاهات النمو في الإنفاق.
ولكن لماذا هذا القلق الصيني حول معدلات النمو هذه؟ إن كافة الاقتصاديات في العالم، سواء كانت الصناعية أو النامية، تحلم بتحقيق معدلات للنمو أقل بكثير من هذه المعدلات، على سبيل المثال فإن معدلات النمو التي يحققها الاقتصاد الأمريكي، والتي ينظر إليها على أنها تمثل تطورا مهما في استدامة الانتعاش الاقتصادي، تدور حول نصف هذه المعدلات تقريبا، بل إن أوروبا تحلم اليوم بأن ترتفع معدلات نموها الاقتصادي نحو دائرة الـ 2 في المائة، ولا تتمكن من تحقيق ذلك، فلماذا ينزعج صانع السياسة الاقتصادية الصيني من هذه المعدلات العالية جدا للنمو؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تكمن في أن الاقتصاد الصيني يختلف عن بقية الاقتصادات في العالم في أنه لا يمكن أن يعمل سوى بحد أدنى لمعدل النمو، دعونا للتبسيط، نطلق عليه معدل النمو الحرج، والذي أعرفه هنا على أنه الحد الأدنى من معدلات النمو اللازم لإيجاد عدد كاف من الوظائف التي يمكن أن تستوعب النمو في قوة العمل، وعلى النحو الذي لا ترتفع معه معدلات البطالة.
المشكلة الأساسية للصين تتمثل في الحجم الضخم جدا للسكان، ومن ثم قوة العمل، فمع ارتفاع أعداد السكان ترتفع سنويا أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل والمتخرجين من كافة قنوات التعليم والتدريب المختلفة. من ناحية أخرى فإن الصين إضافة إلى ارتفاع معدلات النمو في أعداد قوة العمل نتيجة ارتفاع معدلات النمو السكاني، تواجه مشكلة أخطر تتمثل في ارتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدن، سعيا وراء وظائف ودخول أفضل، ومستويات أحسن للمعيشة، وهو ما يؤدي إلى تكدس أسواق العمل الحضري بالعمال الباحثين عن وظائف، الأمر الذي يستدعي ضرورة العمل على توفير وظائف لهذه الأعداد المهاجرة من السكان.
معنى ذلك أن الصين في حاجة إلى توفير عدد هائل من الوظائف سنويا في قطاعاتها الاقتصادية المختلفة، يقدر بنحو عشرة ملايين وظيفة جديدة سنويا لمواجهة النمو في قوة العمل الصينية، ولا شك أن هذه المهمة تستدعي أن يكون الطلب الكلي عند مستويات مرتفعة للغاية، وهذا هو الفرق بين الصين والدول الأخرى في العالم. إذ يواجه صانع السياسة في الصين مشكلة لا يواجهها مثيله في باقي دول العالم الصناعي.
حاليا يقدر هذا المعدل الحرج للنمو بنحو 7.2 في المائة، الذي يمثل الحد الأدنى الذي ينبغي أن تحافظ الصين على تحقيقه سنويا حتى لا ترتفع معدلات البطالة في سوق العمل الصيني. عندما تنخفض معدلات النمو عن هذا المعدل الحرج، فإن البطالة سوف ترتفع. وعلى ذلك، تأتي بيانات النمو لتشير إلى تحقيق الاقتصاد الصيني لمعدلات نمو 7.3 في المائة، فإن ذلك يعني أن الصين قد اقتربت من هذا المعدل الحرج، الذي لا تستطيع العمل بمعدلات نمو أقل منه.
تجدر الإشارة إلى أن هذا التراجع في معدلات النمو الصيني يحمل أخبارا سيئة ليس فقط للصين، وإنما أيضا للاقتصاد العالمي، فالصين هي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بمستويات الناتج الحقيقي، وأكبر اقتصادات العالم بتعادل القوة الشرائية، ولهذا السبب تلعب الصين دورا أساسيا في النمو العالمي من خلال دورها المحوري في التجارة العالمية، باعتبارها أكبر مصدر للسلع في العالم، وأكبر مستورد للمواد الأولية في العالم، وأكبر دولة تحقق فوائض تجارية في العالم. ومن ثم فإن اتجاهات الطلب الكلي في الصين تؤثر بصورة جوهرية في الإنفاق على المستوى العالمي، بل إنه منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، ينظر إلى الاقتصاد الصيني على أنه محرك النمو في النشاط الاقتصادي العالمي، وهي العبارة التي كانت دائما تطلق على الاقتصاد الأمريكي.
اليوم يحدث نوع ما من تبادل الأدوار بين الاقتصاد الصيني والاقتصاد الأمريكي، فبفضل سياساته المتسقة والجريئة، والخطوات المستدامة في مجالي السياسة النقدية والمالية فإن أهم اقتصاد يحقق نموا ثابتا في العالم الصناعي هو الاقتصاد الأمريكي، الذي من الواضح أنه أخذ في استرداد مكانته الكلاسيكية كمحرك النمو في الاقتصاد العالمي.

الجمعة، نوفمبر ٢١، ٢٠١٤

تناقض السياسات يوقع اليابان في الكساد

عندما تولى رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي زمام الأمور في اليابان أخذ في تبني سياسات اقتصادية جديدة ذات مستهدفات طموحة للاقتصاد الياباني أطلق عليها "اقتصاديات آبي Abinomics"، التي استهدفت إنعاش الاقتصاد الياباني ووضعه على قائمة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مرة أخرى، بعد أن فقد هذه المرتبة أخيرا. وشملت السياسات عدة جوانب أهمها: الإصلاح الهيكلي للاقتصاد الياباني، وضمان الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل بعد عقدين متتاليين من عدم الاستقرار في الأداء، فضلا عن إعادة توازن الاقتصاد الياباني، وذلك من خلال عدة إجراءات أهمها: التحفيز النقدي المكثف من خلال سياسات نقدية توسعية تهدف إلى الخروج من حالة الانكماش السعري وضمان مستويات مناسبة من التضخم، وتكثيف مستويات الإنفاق لدفع الطلب الكلي، فضلا عن إدخال الإصلاحات المناسبة.
مع تطبيق سياسات آبي أخذ الأداء الاقتصادي في اليابان في التحسن على نحو واضح، وبتبني السياسات النقدية التوسعية ساد الاعتقاد بأن الوقت قد أصبح مناسبا للسيطرة على الأوضاع المالية من خلال الحد من عجز الميزانية والسيطرة على نمو الدين العام، الذي أصبح يتجاوز ضعفي حجم الناتج المحلي الإجمالي، وأكبر الديون في الدول الصناعية من حيث نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. كان أول الحلول المقترحة في هذا الجانب هو رفع ضريبة المبيعات على مرحلتين بهدف مضاعفة معدل الضريبة خلال سنتين. تجدر الإشارة إلى أن ضريبة المبيعات لم تكن ضمن برنامج آبي، ولكنه ورثها من الحكومة السابقة، غير أن خطأه الكبير كان في اختيار التوقيت المناسب لتطبيق تلك الضريبة، على الرغم من أن الاقتصاد الياباني واجه حالة مماثلة لرفع الضرائب في تسعينيات القرن الماضي تسببت في وقوع الاقتصاد في حالة الركود، ولكن على ما يبدو أن درس الماضي لم يتعلم أحد منه.
لا خلاف على أن الإصلاح المالي أمر مهم جدا للدول التي تواجه عجزا ماليا ضخما ومستويات مرتفعة للدين العام، لكن الأكثر أهمية هو اختيار التوقيت المناسب لتطبيق هذه الإصلاحات، ففي أول أبريل الماضي بدأت اليابان في رفع ضريبة المبيعات إلى 8 في المائة، بما يمثل زيادة بنسبة 3 في المائة على مستويات الضريبة السابقة، وكانت الخطة المبدئية أن يتم رفع الضريبة مرة أخرى بنسبة 2 في المائة في أكتوبر القادم، لتتضاعف بذلك نسبة ضريبة المبيعات، وكان النمو الياباني قد بدأ في استرداد عافيته الأمر الذي فسر بأنه مؤشر لنجاح سياسات آبي.
كان البنك المركزي الياباني قد بدأ في تكثيف سياساته التوسعية في أوائل 2013، وهو الأمر الذي مكّن اليابان من تحقيق معدلات نمو كبيرة خلال معظم 2013 والربع الأول من 2014، وقد كان من الواضح أن الاقتصاد الياباني قد أخذ بالفعل في التعافي من الركود طويل الأجل الذي يعيشه منذ فترة طويلة، وأن سياسات آبي الاقتصادية تعمل على نحو سليم، حتى جاء تطبيق السياسات الضريبية الجديدة.
فقد حمل الربع الثاني من هذا العام، وهو الربع الذي تم تطبيق الضريبة، مفاجأة قاسية حيث تراجع معدل النمو في الناتج على أساس سنوي بنسبة 7.3 في المائة، ومنذ أيام أعلن عن مفاجأة إضافية، وهي استمرار النمو في الناتج المحلي في التراجع في الربع الثالث من هذا العام بنسبة 1.6 في المائة، وعلى الرغم من أن ذلك يعني تحقيق اليابان نتائج أفضل مقارنة بتراجع النمو في الربع الثاني من العام، إلا أنه من المتعارف عليه أنه عند ما يحقق الاقتصاد معدلات نمو سالبة لستة أشهر على التوالي، فإن ذلك يعني أن الاقتصاد قد دخل بالفعل مرحلة الكساد.
كانت هذه هي المرة الثالثة التي يدخل فيها الاقتصاد الياباني في الكساد خلال السنوات الأربع الماضية، لكن التراجع الأخير ألقى مزيدا من الشك حول قدرة اقتصاديات آبي على إنعاش الاقتصاد الياباني على المدى الطويل. تمثلت المشكلة الأساسية في أن تركيبة السياسات التي واجه بها آبي عدم الاستقرار الاقتصادي بأنها متناقضة، فبينما كانت السياسة النقدية تواصل مسارها التوسعي، جاءت السياسات المالية على النقيض، وعلى نحو تسببت في تراجع الطلب الاستهلاكي، الذي يشكل أكبر مكونات الطلب الكلي في اليابان، حيث يمثل نحو 60 في المائة من الإنفاق الكلي.
لكي يستمر الانتعاش وتأكيد الخروج من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي لا بد أن تكون السياسات متناغمة، بمعنى أن السياسات النقدية التوسعية لا بد أن تساندها في الوقت ذاته سياسات مالية محفزة، حتى تدفع السياستان مستويات الإنفاق نحو النمو. ما حدث هو أنه بعد تطبيق الضريبة أصبح الاقتصاد الياباني يسير بسياستين متناقضتين، فمن ناحية يفترض أن تؤدي السياسات النقدية التوسعية لبنك اليابان المركزي إلى تشجيع الطلب الكلي، غير أن السياسة المالية الجديدة القائمة على رفع معدلات ضريبة المبيعات أدت، ليس فقط إلى تثبيط الطلب الاستهلاكي، وإنما أيضا إلى تراجع الإنفاق الاستثماري، ومن الطبيعي أن تكون المحصلة النهائية لذلك هي تراجع النمو في الناتج، وهذا ما حدث بالفعل. إنه الخطأ نفسه الذي وقعت فيه أوروبا عندما تبنت سياسات تقشفية لمواجهة العجز الكبير في ميزانياتها والحد من النمو في الديون السيادية، في وقت كانت أحوج فيه لتبني سياسات مالية توسعية.
لا يمكن استخدام سياسات لتحفيز الطلب الكلي من الناحية النقدية، وفي الوقت ذاته محاولة الحد من العجز المالي والسيطرة على نمو الدين، إذا لا بد من إفساح الوقت الكافي للسياسات النقدية لإتمام الخروج من حالة الكساد أولا، والتأكد من تعافي الاقتصاد على نحو كامل، ثم البدء بعد ذلك في معالجة العجز المالي والسيطرة على نمو الدين، وعندما يقع صانع السياسة بين خياري تحفيز الاقتصاد ومواجهة العجز المالي، فإنه من الخطأ اختيار معالجة العجز في أوقات الانحسار الاقتصادي، إذ لا بد أن يعطى تحفيز الاقتصاد للخروج من الكساد الأولوية الأولى في هذه الحالة، لسبب بسيط هو أن نمو الاقتصاد هو الذي سيساعده على مواجهة العجز المالي ومن ثم رفع قدرته على خدمة ديونه.
في أول رد فعل لهذه التطورات أعلن رئيس الوزراء الياباني تأجيل المرحلة الثانية من ضريبة المبيعات لمدة سنة ونصف السنة، حيث كان من المفترض أن تطبق اليابان المرحلة الثانية من الضريبة في أكتوبر القادم لترتفع ضريبة المبيعات إلى 10 في المائة، كما أعلن عن إجراء انتخابات مبكرة في ديسمبر القادم.
الخلاصة هي أن الفترة القادمة لا بد أن تشهد ترتيبا أفضل لتحركات السياسة الاقتصادية، بحيث يتم إحداث التناغم المناسب بين السياستين النقدية والمالية في اليابان، وبحيث لا يتم تضييق السياسة المالية إلا بعد التأكد بالفعل من أن الاقتصاد الياباني قد خرج بالفعل من حالة الركود حتى يضمن صانع السياسة استدامة عمليات الانتعاش الاقتصادي وارتفاع قدرته على التعامل مع ديونه دون أي اضطرابات في النمو التي يمكن أن يترتب عليها ضياع الآثار الإيجابية المحققة من السياستين. حيث قد يضطر لمعالجة الآثار الانكماشية الناجمة عن السياسات المالية التقييدية إلى تبني سياسات مالية لتحفيز الاقتصاد ورفع معدلات النمو يترتب عليها تكاليف أكبر بكثير مما تم جمعه من ضرائب تحت سياسات ضريبة المبيعات.

الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠١٤

كيف أصبح الاقتصاد الصيني أكبر اقتصادات العالم؟

نشر صندوق النقد الدولي مؤخرا تقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي في 2014 والصادر في شهر أكتوبر الماضي، ووفقا لقاعدة بيانات التقرير، بلغت تقديرات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية (الكميات المنتجة من السلع والخدمات النهائية في ذلك العام مضروبة في الأسعار السوقية لتلك السلع والخدمات) للصين في عام 2014 حوالي 9.469 تريليون دولار، في الوقت الذي يقدر فيه الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي بالأسعار الجارية بحوالي 17.416 تريليون دولارا، أي أن الناتج المحلي الاجمالي الصيني بالأسعار الجارية يمثل حوالي 54.4% من الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي فقط.   
من ناحية أخرى فإن الصندوق يتوقع أن يصل الناتج المحلي الإجمالي للصين في 2019 إلى 15.518 تريليون دولار، بينما يتوقع أن يزداد الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي بالأسعار الجارية إلى 22.174 تريليون دولار في نفس السنة، أي أن الناتج المحلي الاجمالي الصيني، حتى بمعدلات النمو المرتفعة حاليا، لا يتوقع أن يتجاوز 70% من الناتج المحلي الاجمالي الأمريكي في 2019، ومن ثم فإن الحديث عن أن الاقتصاد الصيني سوف يتجاوز الاقتصاد الأمريكي في هذا العقد غير صحيح وفقا لهذه التوقعات للناتج المحلي الإجمالي في الدولتين بالأسعار الجارية.
غير أن قاعدة بيانات تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخيرة قد حملت مفاجأة لجميع المراقبين، وهي أنه باستخدام مدخل تعادل القوة الشرائية Purchasing Power Parity (PPP) فإن الاقتصاد الصيني يتحول إلى أكبر اقتصاد في العالم، بل ويتجاوز لأول مرة في التاريخ الحديث حجم الاقتصاد الأمريكي. ففي مقابل الناتج الأمريكي في عام 2014 والذي يساوي 17.416 تريليون دولار، بلغت تقديرات الناتج المحلي الاجمالي الصيني بتعادل القوة الشرائية 17.632 تريليون دولار، أي أن الاقتصاد الصيني أكبر من الاقتصاد الأمريكي بحوالي 1.2%. غير أنه بمرور الوقت فإن الهوة بين الاقتصادين تتسع، على سبيل المثال يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل الناتج المحلي الإجمالي الصيني بحسابات تعادل القوة الشرائية في عام 2019 إلى 26.867، بينما يقتصر الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي على 22.174 تريليون دولار، أي أن حجم الاقتصاد الصيني يتوقع أن يفوق حجم الاقتصاد الأمريكي بحوالي 21% في ذلك العام.
فماذا يعني تعادل القوة الشرائية؟ وكيف يصبح الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد في العالم وفقا لهذا المدخل؟ وكيف يتم تقدير الناتج باستخدام هذا الأسلوب؟ لتبسيط الفكرة دعنا نفترض أن متوسط دخل الفرد الصيني هو 1000 دولار أمريكي سنويا، بينما متوسط دخل الفرد الأمريكي هو 10000 دولار أمريكي سنويا، أي عشر أضعاف متوسط دخل الفرد في الصين. إذا كان المستوى العام للأسعار واحدا في كلا الدولتين، وكانت القوة الشرائية للدولار في الدولتين واحدة، بمعنى أن كمية السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها بدولار واحد في كل من الصين والولايات المتحدة واحدة، فإن ذلك يعني أن الفرد في الصين بدخله هذا يمكنه الحصول على عشر كمية السلع والخدمات التي يمكن أن يشتريها الأمريكي بدخله في الدولتين، بينما يمكن للأمريكي أن يحصل على عشر أضعاف السلع والخدمات التي يمكن أن يشتريها الصيني في الدولتين.
دعنا الآن نفترض أن متوسط أسعار السلع والخدمات في الصين مقومة بالدولار هو نصف متوسط أسعارها في الولايات المتحدة، فإن ذلك يعني أن الفرد الصيني بمتوسط دخل 1000 دولار يمكنه الحصول على ضعف السلع والخدمات التي يحصل عليها الأمريكي في أمريكا بنفس المبلغ، أي أنه باستخدام مدخل تعادل القوة الشرائية، فإن متوسط الدخل الحقيقي للشخص الأمريكي لا يساوي 10 أضعاف دخل الفرد في الصين، وانما يساوي 5 أضعاف فقط، رغم أنه من الناحية الإسمية يصل دخل الفرد الأمريكي إلى عشر أضعاف دخل الفرد الصيني في المثال السابق، وذلك بسبب فروق الأسعار في الدولتين.
وفقا لتعادل القوة الشرائية يتم استخدام معامل للتحويل يمكننا من أن نقوم بمقارنة مجموعات السلع والخدمات التي يتكون منها الناتج المحلي الإجمالي للدول، حيث يخبرنا هذا المعامل عن عدد الدولارات التي يجب أن نحتاجها في الصين لكي نشتري سلعا ما مقارنة بالولايات المتحدة، لتبسيط طريقة الحساب افترض أن تذكرة السينما تكلف 5 دولارات في الولايات المتحدة، بينما تكلف 3 دولارات في الصين، معنى ذلك أن تعادل القوة الشرائية بين الصين والولايات المتحدة بالنسبة لأسعار هذه الخدمة هو 3/5=0.6، أي أن الصينيين ينفقون 60% مما ينفقه الأمريكيون للحصول على هذه الخدمة، وعلى العكس فإن معامل التحويل لتعادل القوة الشرائية هو 1.67، بمعنى أن الأمريكيين ينفقون 1.67 ضعف ما ينفقه الصينيون للحصول على نفس الخدمة، أي أن الأسعار في أمريكا لهذه السلعة تزيد 67% عن سعرها في الصين، إذا قمنا بإعادة حساب الناتج المحلي الصيني من هذه الخدمة أخذا في الاعتبار فروق تكاليف الحصول عليها، فإننا نصل الى تقدير أكثر واقعية للناتج المحلي الصيني لهذه الخدمة بالدولار.
لاحظ أنه باستخدام تعادل القوة الشرائية يتم مقارنة الناتج المحلي الاجمالي ومكونات الانفاق عليه بعملة موحدة بحيث يمكن المقارنة بين الدول حسب الحجم باستخدام منهج اكثر تعبيرا عن القوة التي يمثلها كل اقتصاد مقارنة بالاقتصادات الأخرى في العالم، من خلال تحويل الانفاق على المجموعات السلعية المختلفة من العملة المحلية إلى عملة موحدة وليكن مثلا الدولار، حتى تسهل عملية المقارنة بين الدول، وهكذا فإننا لو أخذنا فروق أسعار السلع والخدمات بين كل من الصين والولايات المتحدة يصبح الاقتصاد الصيني أكبر من حيث الحجم من الولايات المتحدة بتعادل القوة الشرائية، هذا بالطبع لا يعني ضمنا أن نصيب الفرد الصيني من الدخل أكبر من نصيب الفرد الأمريكية، فهناك فارق شاسع بين الاثنين لاختلاف أعداد السكان بينهما على نحو واضح.
ولكن لماذا يلجأ صندوق النقد الدولي لمثل هذا الأسلوب في المقارنة بين الناتج المحلي الاجمالي لمختلف الدول؟ المشكلة تكمن كما أوضحنا في الفروق الحقيقية في الأسعار وكذلك معدلات صرف العملات، فعندما لا تعكس معدلات الصرف القيمة الحقيقية للعملة، فإن قياسات الناتج باستخدام عملة دولية مثل الدولار لا تعكس القيمة الحقيقية للناتج لدول العالم، على سبيل المثال تحرص الصين دائما على أن تكون عملتها ضعيفة امام العملات الرئيسة، بصفة خاصة الدولار الأمريكي، وذلك لأغراض تجارية، أي حتى تحافظ على عملتها رخيصة بالنسبة للدولار، وحتى تتمكن من الحفاظ على تنافسيتها مرتفعة أمام شركاءها التجاريين مثل الولايات المتحدة. إذا افترضنا أن الرينمنبي الصيني مقيم بأقل من قيمته الحقيقية بـ 25%، فإن ذلك يعني أننا يجب أن نرفع القيمة المحسوبة للناتج المحلي الإجمالي في الصين بنسبة 25%، حتى يعكس القيمة الحقيقية للعملة الصينية، وهكذا فإن تعادل القوة الشرائية يصبح مفيدا في التعرف على القيمة الحقيقية للناتج في دول العالم إذا لم تكن معدلات الصرف بين عملات الدول غير مقيمة على نحو سليم.
بتعادل القوة الشرائية إذن تحول الاقتصاد الصيني هذا العالم إلى أكبر اقتصاد في العالم، بل وأن الهوة بينه وبين ثاني أكبر اقتصاد وهو الاقتصاد الأمريكي تتسع بمرور الوقت.

خطوة «الاحتياطي الفيدرالي» القادمة

في ضوء التحسن الواضح للأوضاع الاقتصادية المحلية سواء من حيث معدلات النمو الحقيقي التي يحققها الاقتصاد الأمريكي، أو تطورات سوق العمل التي تتراجع فيها البطالة على نحو فاق الكثير من التوقعات حول المدى الزمني الذي تستلزمه العودة إلى أوضاع سوق العمل قبل الأزمة، أعلن الاحتياطي الفيدرالي أخيرا عن الوقف الكامل لبرنامج شراء السندات والمعرف بـ "التيسير الكمي"، وكان الاحتياطي الفيدرالي قد خفض مشترياته من السندات وذلك من ذروة بلغت 85 مليار دولار شهريا إلى 15 مليارا حتى الشهر الماضي، ولكنه عاد وقرر إيقاف عمليات الشراء نهائيا.
يذكر أن كل عملية شراء للسندات يصاحبها خلق عرض مماثل بالدولارات، ولذلك يعد "التيسير الكمي" أحد سبل التوسع النقدي، ففي الثاني من يناير 2008 قبل الأزمة كانت ميزانية الاحتياطي الفيدرالي نحو 922 مليار دولار فقط. وقد ترتب على عمليات التوسع النقدي زيادة حجم ميزانية الاحتياطي الفيدرالي في نهاية أكتوبر الماضي إلى 4.487 تريليون دولار، أي ما يقرب من خمسة أضعاف مستوياتها قبل الأزمة، نتيجة السياسات النقدية التوسعية التي اتبعها الاحتياطي الفيدرالي لمعالجة آثار الأزمة.
أثارت عمليات التوسع النقدي الضخم جدلا هائلا حول العالم كله شمل أبعادا كثيرة بدءا من احتمالات التضخم الجامح، إلى انهيار الدولار كعملة دولية وحلول عملات أخرى مكانه. كما ثار جدل مواز حول جدوى السياسة من الأساس، وفيما إذا كانت تساعد الولايات المتحدة على الخروج فعلا من حالة الكساد أم لا.
بغض النظر عن هذه القضايا والتي ليست محل اهتمامنا في هذا المقال، فإن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة هو، وماذا بعد؟ ما الخطوة التالية التي سيتخذها الاحتياطي الفيدرالي؟ كيف سيتم سحب هذه الجبال من النقود؟ وما تأثيراتها المختلفة في أسعار الفائدة والأصول؟ والأهم من ذلك كله الأثر في قيمة الدولار التي من المتوقع أن تستمر تشهد تصاعدا مع خفض العرض منه، وهل يمكن أن يتسبب ذلك في التأثير بصورة سلبية في مسار التعافي الاقتصادي الأمريكي، وخصوصا أن السياسات النقدية التي تتبناها البنوك المركزية للشركاء التجاريين الأساسيين لأمريكا ما زالت توسعية، بعكس الاتجاه الحالي في أمريكا، فالبنك المركزي البريطاني مستمر في برنامج شراء السندات، وكذلك تبنى البنك المركزي الأوروبي الاستراتيجية أخيرا، كما أعلن بنك اليابان المركزي الأربعاء 5 - 11 رفع قيمة عمليات الشراء من 70 تريليون ين إلى 80 تريليون ين.
وفقا لما أعلنه الاحتياطي الفيدرالي، فإنه وحتى الوقت الحالي لا ينوي بدء عملية تخفيض حجم ميزانيته، بل سيستمر في إعادة استثمار حصيلة ما يستحق من هذه السندات مرة أخرى في شراء سندات جديدة، وهو ما يعني استمرار حجم الميزانية على ما هي عليه حاليا، وذلك حتى إشعار آخر، ربما حتى منتصف 2015، ولكن ما السبب في استمرار احتفاظ الفيدرالي بميزانيته عند مستوياتها الحالية؟ هناك سببان على الأقل للاستمرار في الحفاظ على الميزانية كما هي (بمعنى استمرار الكميات المصدرة من الدولار على حالها).
الأول هو أنه لو قام الاحتياطي الفيدرالي اليوم بالتخلص من هذه السندات في غضون فترة قصيرة وذلك لاستعادة الأساس النقدي الدولاري لمستوياته قبل الأزمة مع الأخذ في الاعتبار النمو في الطلب على النقود لمواجهة النمو في الطلب على المبادلات خلال الفترة من 2008- حتى يومنا هذا، فإن ذلك سوف يترتب عليه بيع كميات هائلة من السندات لا تقل عن 3.2 تريليون دولار. وفقا لآخر البيانات المتاحة عن ميزانية الاحتياطي الفيدرالي فإن النقود خارج النظام المصرفي تبلغ نحو 1.3 تريليون دولار، هذه هي كمية الدولارات المطبوعة فعليا، وهذه هي الكمية التي سيحافظ الاحتياطي الفيدرالي عليها، أما الباقي فيمثل نقودا زائدة من الأساس النقدي والتي نتجت عن عمليات التوسع النقدي والتي ينبغي سحبها.
المشكلة الأساسية هي أنه لو حاول الاحتياطي الفيدرالي التخلص من هذه السندات في غضون فترة زمنية قصيرة، فإن ذلك سوف يترتب عليه انخفاض كبير في أسعارها، خصوصا بالنسبة لسندات المؤسسات المتخصصة في عمليات التمويل العقاري مثل "فاني ماي" و"فريدى ماك"، وهذه تمثل حاليا نسبة جوهرية من ميزانية الاحتياطي الفيدرالي، ففي يوم 29 أكتوبر الماضي بلغت قيمة هذه السندات التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي نحو 1.7 تريليون دولار، ومن المعلوم أن هناك علاقة عكسية بين أسعار السندات ومعدلات العائد (الفائدة) عليها، وبالتالي سوف يرتب على تراجع أسعار سندات هذه المؤسسات ارتفاع كبير في معدلات العائد عليها، وهو ما يقتضي زيادة أسعار الفائدة على قروضها، وهذا بالطبع ما لا يريده الاحتياطي الفيدرالي، لأنه يرغب في استمرار الطلب على المساكن مرتفعا حتى لا يتراجع الاستثمار في هذا القطاع وهو أحد أهم بنود الإنفاق الاستثماري الخاص، الأمر الذي يؤثر سلبا في معدلات النمو وبالتالي استدامة التعافي الاقتصادي من الأزمة.
السبب الثاني أن التخلص من هذا الحجم الضخم من السندات في غضون فترة زمنية قصيرة، وإلغاء القيود النقدية المقابلة له في الميزانية سوف يتسبب بالتبعية في انخفاض كبير في عرض النقود. وفي ظل ثبات الطلب على النقود على حاله، فإن أسعار الفائدة سوف تميل نحو الارتفاع، وهو ما يمكن أن يتسبب في عودة الاقتصاد مرة أخرى إلى حالة الكساد مع تراجع مستويات الطلب الكلي.
ولكن كيف سيخفض الاحتياطي الفيدرالي من ميزانيته؟ هناك عدة طرق تمكنه من ذلك، الأولى هي أن يتوقف الاحتياطي الفيدرالي عن إعادة استثمار ما يستحق من سندات، ويلغي بالتالي القيود الخاصة بهذه السندات والنقود التي تمثلها من ميزانيته. بالطبع سرعة عمليات خفض عرض النقود سوف تعتمد في هذه الحالة على تواريخ استحقاق السندات، فإن كانت معظم السندات قصيرة الأجل، فإن الاحتياطي الفيدرالي سوف يتخلص من النقود الزائدة بسرعة، أما إن كانت السندات معظمها طويلة الأجل فإن الاعتماد على هذه السياسة في خفض عرض النقود سوف يأخذ وقتا، وستظل ميزانية الاحتياطي الفيدرالي أكبر من اللازم لفترة زمنية طويلة.
الطريقة الثانية، وهي أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بالتخلص من هذه السندات قبل موعد استحقاقها من خلال بيعها في سوق السندات أو ما يسمى بعمليات السوق المفتوحة، وبالتالي إلغاء القيود الكمية المقابلة لها في ميزانيته، وذلك وفقا للمعدلات الموضوعة للتخلص من هذه السندات.
الطريقة الثالثة التي يمكن أن يلجأ إليها الاحتياطي الفيدرالي، هي محاولة التأثير في قرارات المصارف بالاحتفاظ بالسيولة لديه، وذلك من خلال التوقف عن دفع معدلات للفائدة على مودعات المصارف لديه، فمن المعلوم أنه بشكل عام ليس من حق الاحتياطي الفيدرالي أن يدفع فوائد للمصارف على احتياطياتها النقدية التي تقوم بالاحتفاظ بها لديه، غير أنه ولظروف الأزمة استطاع الاحتياطي الفيدرالي أن يحصل على موافقة الكونجرس على دفع معدلات للفائدة على مودعات المصارف حتى يمكنه امتصاص فوائض السيولة في سوق النقود. الميزة الأساسية في هذا الخيار هي أنه يمكّن الاحتياطي الفيدرالي من أن يتحكم في ميزانيته وفي عرض النقود بالتبعية، ولكن دون أن يؤثر في معدلات الفائدة، غير أن جدوى هذه الطريقة محدودة نظرا لانخفاض حجم المودعات بشكل عام.

عقبات في طريق الخروج من الازمة الاقتصادية العالمية


عندما نشبت أزمة الديون السيادية الأوربية، والتي نجمت عن عدم انضباط المالية العامة للعديد من الدول الأعضاء، خصوصا في أثناء الأزمة المالية العالمية، والتي اضطرت معها منطقة اليورو الى اتباع سياسات مالية تقشفية كسبيل للخروج من الأزمة وكوسيلة للتعامل مع انخفاض مستويات الطلب الكلي ورفع مستويات النمو، ومنذ ذلك الحين والأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو تسير من سيء إلى أسوأ. حيث بدى من الواضح أن السياسات التقشفية التي تتبعها منطقة اليورو لا تتوافق مع طبيعة الظروف الاقتصادية التي تمر بها، وأن التقتير على الاقتصاد في اوقات انحسار الطلب هو أسوأ الوصفات التي يمكن اللجوء اليها لمعالجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، فالمعروف أن السياسات المالية التقشفية تزيد من حدة الأزمة ولا تسهم في حلها كما روج لسياسات التقشف في منطقة اليورو. فقد جاءت بيانات النمو في منطقة اليورو منذ بداية هذا العام مخيبة للآمال، بصفة خاصة وأن بيانات التضخم تشير الى احتمال دخول المنطقة في مصيدة الكساد السعري Deflation Trap، مع بلوع معدلات الفائدة مستويات صفرية تقريبا، كما تزايد الحديث في الوقت الحالي عن عقد أوروبا الضائع Europe’s Lost Decade، نتيجة استمرار وقوع الاقتصاد الأوروبي في مصيدة الكساد دون جهود جادة لمحاصرته، وأن أوروبا في طريقها لأن تخسر عقدا من النمو على نمط ما واجهته اليابان في أعقاب الأزمة الآسيوية في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، حيث فقدت اليابان عزم النمو خلال أكثر من عقد من الزمان تقريبا.
ما أن خفت حدة مشكلة الديون السيادية لدول اليورو، حتى ضربت المنطقة مشكلتان في غاية الخطورة وهما تراجع مستويات النمو المصحوب بارتفاع معدلات البطالة، وانخفاض معدلات التضخم الى مستويات قريبة من الصفر، وقد أدركت دول المنطقة أن الخروج من دائرة الكساد يتطلب مراجعة سياسات التقشف التي لجأت اليها في الفترة الماضية، والتي أصبح من الواضح للعيان أنها لا تعمل على النحو المأمول، وبأنه أصبح من الضروري اللجوء الى سياسات اقتصادية مختلفة، على الأقل في الجانب النقدي، للحيلولة دون سقوط المنطقة في مصيدة الكساد السعري مع تراجع معدلات النمو والأسعار في ظل معدلات الفائدة شبه الصفرية أو السالبة.
يشير الشكل التالي إلى اتجاهات النمو في الناتج المحلي الحقيقي في منطقة اليورو (18 دولة) مقارنة بدول المنطقة الموحدة الأوروبية (28 دولة من بينها دول منطقة اليورو) والولايات المتحدة الأمريكية، خلال الربع الأول من 2005 حتى الربع الثاني من 2014. ومن الشكل يلاحظ أن نمو الناتج الحقيقة في هذه الدول لم يزد في المتوسط عن 1% سوى في حالات نادرة خلال هذه الفترة، وهو بالفعل ما يعكس انخفاض عزم النمو في المنطقة على نحو واضح خلال العقد الماضي والذي بالفعل يمكن أن يطلق عليه وصف عقد أوروبا الضائع. يلاحظ أيضا أنه ومنذ الربع الأول من 2011 ودول منطقة اليورو لم تحقق نموا تقريبا حتى الآن.
أخطر التطورات في الفترة الأخيرة حيث أشارت أخر التقديرات حول اتجاهات النمو في منطقة اليورو أن المنطقة لم تحقق أي نمو في الربع الثاني من هذا العام، حيث بلغ متوسط معدل النمو المحقق في المنطقة (18 دولة) صفر%. الأسوأ هو أن الاقتصادات التي يمكن أن يطلق عليها اقتصادات المفتاح في منطقة اليورو أخذت تحقق إما معدلات نمو حقيقي سالبة أو صفرية مثل فرنسا وإيطاليا. على الجانب الآخر فإنه على الرغم من أن الاقتصاد الألماني قد حقق معدلا نمو موجبة، وأن كان منخفضة، فإن بيانات النمو في الربع الثاني من هذا العام جاءت مخيبة للآمال، حيث حقق الاقتصاد الألماني ولأول مرة منذ فترة طويلة معدل نمو سالب (-0.2%)، وقد تزايد الحديث عن احتمال دخول الاقتصاد الألماني الكساد مرة أخرى، خصوصا بعد أن خفضت ألمانيا رسميا من توقعات النمو في عامي 2014 و 2015، الأمر الذي يشير الى مدى عمق الأزمة، وهو ما رفع من حدة القلق حول اتجاهات النمو في المنطقة.
في الرابع عشر من هذا الشهر صدر تقرير مركز الاحصاءات الأوروبي "اليوروستات"، حول النمو في الانتاج الصناعي في منطقة اليورو، والذي أشار إلى تراجع الانتاج الصناعي في المنطقة بصورة غير متوقعة من معدل نمو 0.9% في يوليو 2014، إلى -1.8% في أغسطس 2014.
كذلك صدر مؤخرا تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول آفاق الاقتصاد العالمي World Economic Outlook، والذي قام فيه بتخفيض توقعاته حول اتجاهات النمو في العالم، حيث تم تخفيض توقعات النمو العالمي المتوقع في عام 2014 إلى 3.3%، بانخفاض قدره 0.4 نقطة مئوية عما ورد في تنبؤات عدد إبريل الماضي من التقرير، وهو ما عكس سوء الأداء المتوقع للنمو في الولايات المتحدة، والأسواق الصاعدة في العالم. 
الشكل رقم (1) معدلات النمو الربع سنوي في منطقة اليورو مقارنة بأوروبا الموحدة والولايات المتحدة
2005-2014




المصدر: Eurostat: “GDP stable in the euro area and up by 0.2% in the EU28” 133/2014 - 5 September 2014

     
     ب. تطورات معدلات البطالة
عندما يحقق اقتصاد ما مثل هذه المعدلات المنخفضة من النمو، فإنه من الطبيعي ان تنحسر قدرته على خلق الوظائف، وتتزايد بالتالي أعداد العاطلين في سوق العمل، في 30 سبتمبر الماضي، صدر آخر تقرير عن أسواق العمل في منطقة اليورو، وقد أشار التقرير الى استمرار معدلات البطالة مرتفعة في منطقة اليورو عند معدل متوسط 11.5%، مقارنة بمعدل متوسط 10.2% في الاتحاد الأوروبي (28 دولة)، وهي معدلات أعلى بكثير من مستوياتها التاريخية في المنطقة قبل الأزمة، وكذلك أعلى من معدلاتها في الدول المنافسة في العالم، بصفة خاصة الولايات المتحدة والتي من الواضح أن معدل البطالة يتراجع فيها على نحو جيد، وإن كان ذلك مصحوبا ببعض التطورات الهيكلية في سوق العمل الأمريكي التي تجعل من ضغوط البطالة، على الرغم من انخفاضها، مثار اهتمام الاحتياطي الفدرالي وأحد أسباب تأخير قراراته بالخروج من السياسة النقدية التوسعية التي يتبعها حاليا.
وعلى الرغم من اتجاه معدلات البطالة في المنطقة نحو التراجع، على سبيل المثال خلال العام الماضي تراجع معدل البطالة في المنطقة من 12% في اغسطس 2013 إلى 11.5% في أغسطس لهذا العام، إلا أن هذه المعدلات تعد مرتفعة للغاية بكافة المقاييس، وبشكل عام عام تختلف معدلات البطالة بصورة واضحة بين دول المنطقة، ففي الوقت الذي بلغ فيه معدل البطالة في اليونان (حسب آخر البيانات المتاحة) 27.2%، وهو الأعلى بين دول المنطقة، وكذلك بلغ معدل البطالة في إسبانيا 24.5%، نجد أن معدل البطالة قد اقتصر على 4.9% في ألمانيا.
من ناحية أخرى تشير تقارير مركز الإحصاءات الأوروبي "اليوروستات" إلى ارتفاع معدلات البطالة بين العمال صغار السن (العمال في الفئات العمرية أقل من 25 عاما) بصورة استثنائية، ففي المتوسط يبلغ معدل البطالة بين هذه الفئة من العمال 23.3% في أغسطس 2014، أما على المستوى القطري فيصل معدل البطالة بين هؤلاء إلى 53.7% في إسبانيا، و 51.5% في اليونان، و 44.2% في إيطاليا، في الوقت الذي لا يزيد فيه عن 7.6% في ألمانيا.
ولا شك أن هذه المعدلات المرتفعة تعكس مدى عمق الازمة، حيث أن هذه الفئات من العاطلين هم الأكثر تأثرا في أحرج أوقات الكساد.
لم تقتصر التطورات الخطيرة في منطقة اليورو على تراجع معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي، أو الناتج الصناعي أو ارتفاع معدلات البطالة، وإنما أتت أيضا بيانات معدل التضخم أقل بكثير من المستويات المستهدفة، وعلى نحو مثير للقلق، خصوصا وأن المنطقة تعاني من استمرار انخفاض معدلات التضخم منذ نهاية 2011 تقريبا، كما يتضح من الشكل رقم (2)، ففي أواخر 2011 بلغ معدل التضخم الشهري في المنطقة حوالي 3% تقريبا، ومنذ ذلك الوقت أخذ معدل التضخم في التراجع شبه المستمر حتى اقتصر في شهر سبتمبر  الماضي على 0.3%، وهو أقل بكثير من معدل التضخم المستهدف Target Inflation بواسطة البنك المركزي الأوروبي (2%). 
الشكل رقم (2) معدل التضخم في أوروبا ومنطقة اليورو سبتمبر 2010 - سبتمبر 2014



المصدر: Eurostat: Euro area annual inflation down to 0.3% - 154/2014 - 16 October 2014
من المعلوم من الناحية النظرية هو أنه عندم يتبنى البنك المركزي معدلا ما على أنه المعدل المستهدف للتضخم فإنه يراقب هذا المعدل بصورة لصيقة، ويقوم باتخاذا الاجراءات اللازمة للحفاظ على هذا المعدل عند مستوياته المستهدفة، على سبيل المثال من خلال استخدام معدلات الفائدة كأحد الأسلحة الأساسية لضبط الاتجاهات التضخمية في الاقتصاد، فإذا ما ارتفع معدلا التضخم عن المستويات المستهدفة فإن البنك المركزي يستهدف في هذه الحالة الضغط على الطلب الكلي بالنزول من خلال رفع معدلات الفائدة، أما إذا ما اتجه معدل التضخم نحو الانخفض عن المستويات المستهدفة، فإن البنك المركزي يخفض معدلات الفائدة بهدف تحفيز الطلب الكلي ومن ثم رفع معدلات التضخم الى المستويات المستهدفة.
الخطورة الأساسية التي تواجهها منطقة اليورو في الوقت الحالي هي المعدلات المنخفضة جدا للتضخم والتي تقترب من الصفر تقريبا، ومع بلوغ معدلات الفائدة قاعها الصفري، فإن استمرار تراجع معدلات التضخم بصفة خاصة مع تحول معدلات التضخم الى مستويات سالبة، فإن ذلك سوف يؤدي إلى بدء ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية وهو ما يبشر بدخول المنطقة في مصيدة الكساد حيث يصعب الخروج منها مع تراجع مستويات الاستثمار مع كل تراجع يحدث في معدلات التضخم، الأمر الذي يؤثر سلبا على النمو في الطلب الكلي، حتى على الرغم من اتباع سياسات نقدية توسعية لتحفيزه.
مما لا شك فيه أن هذه التطورات التي تحدث في منطقة اليورو تشكل الخلطة المثلى لدخول المنطقة في مرحلة الركود (الكساد العميق)، وهو ما يشكل أهم العقبات في طريق تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة الاقتصادية العالمية التي صاحبت الأزمة المالية في العالم، وهو الأمر الذي استدعى التدخل السريع للبنك المركزي الأوروبي من خلال الإعلان عن سياسة نقدية جديدة لمنطقة اليورو لمحاولة دفع معدلات النمو وانتشال اقتصاد المنطقة من قاع الكساد، وقد تمثلت أهم ملامح هذه السياسة في تبني إجراءات غير تقليدية، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
أولا: فرض معدلات فائدة سالبة على مودعات البنوك لدى البنك المركزي الأوروبي، حيث قام البنك المركزي الأوروبي بخفض معدلات الفائدة التي يدفعها على مودعات البنوك لديه لمدة ليلة إلى سالب 0.10 في المائة، وهي إجراء نادر اتبعه عدد قليل جدا من دول العالم مثل السويد والدانمرك، ويعني معدل الفائدة السالب أن البنوك التي ترغب في الاحتفاظ باحتياطياتها الزائدة لدى البنك المركزي الأوروبي أصبح عليها الآن أن تقوم بدفع فائدة على هذه المودعات بنسبة 0.10 في المائة، والهدف من هذه الخطوة أن يصبح معدل الفائدة على مودعات البنوك لدى البنك المركزي الأوروبي عقابيا، بحيث تضطر هذه البنوك الى البحث عن سبل أخرى لإقراض هذه المودعات وتحقيق عوائد عليها، بدلا من خسارة جانب منها بإيداعها لدى البنك المركزي، الأمر الذي يؤدي الى زيادة حجم الائتمان وتحفيز مستويات الطلب الكلي.  
ثانيا: خفض معدلات الفائدة على قروض إعادة التمويل من البنك المركزي الأوروبي من 0.25 في المائة إلى 0.15 في المائة، لتحفيز عمليات الائتمان في الاقتصاد الأوروبي.
ثالثا: أعلن البنك المركزي الأوربي أنه سيفتح خطوط ائتمان طويلة الأجل بنحو 400 مليار يورو "أي أكثر من نصف تريليون دولار" للأسر ومؤسسات الأعمال التي في حاجة إلى تمويل (لا يشمل تمويل المساكن( لتحفيز الطلب الكلي.
رابعا: قام البنك المركزي الأوروبي بوقف عمليات التعقيمSterilization ، التي يقوم بها مع كل عملية توسع نقدي، أي وقف سحب النقود من التداول في مقابل مشترياته من السندات، الأمر الذي يضاعف الأثر التوسعي لعمليات شراء السندات على عرض النقود.
خامسا: أعلن البنك المركزي الأوروبي مؤخرا عن بدء برنامجه لشراء الأوراق المالية بقيمة 500 مليون يورو، وهو ما يعرف باستراتيجية التيسير الكمي Quantitative Easing التي اتبعها الاحتياطي الفدرالي بكثافة في السنوات الأخيرة بهدف التأثير على هيكل العوائد على الأصول المالية في سوق المال.
وتهدف هذه الإجراءات جميعا إلى رفع معدلات التضخم والضغط على معدلات الفائدة، وهو أمر مطلوب في ظل تراجع اتجاهات التضخم خلال السنوات الماضية على النحو الذي يحمل آثارا سلبية على النمو الاقتصادي، وإجبار البنوك غير الراغبة في مد خطوط الائتمان في الاقتصاد الأوروبي على القيام بذلك حتى تتجنب أن تدفع فائدة على الأموال التي لا تقرضها، وهو أمر مرغوب أيضا في ظل هذه الظروف لتغذية الطلب الكلي في الاقتصاد الأوروبي، هذا بالطبع بافتراض أن البنوك تهتم بالدرجة الأولى بالفائدة التي ستدفعها على مودعاتها.
لقد ساهمت هذه الإجراءات في تراجع اليورو على نحو واضح بالنسبة للعملات الرئيسة في العالم، خصوصا الدولار، الى الحد الذي دعا مجموعة "جولدمان ساكس" الى توقع تعادل الدولار واليورو في 2017، حسبما نشر الوول ستريت جورنال أواخر أغسطس الماضي. في العامين المقبلين يتوقع استمرار تراجع اليورو نتيجة لاستمرار النمو المنخفض وفقا للتوقعات، وكذلك للسياسات النقدية التوسعية التي يطبقها البنك المركزي الأوروبي حاليا، غير أنه أصبح من الواضح أن هذا التطور يسهم في تحفيز الطلب على السلع التي تنتجها منطقة اليورو، كما أنه يخفض الطلب على الواردات التي تأتيها من الخارج، وبالتالي يحسن من موازين مدفوعاتها، ففي أغسطس 2014 ارتفعت فوائض ميزان مدفوعات دول اليورو الى 9.2 مليار يورو، في أغسطس 2014 مقارنة بـ 7.3 مليار يورو في أغسطس 2013.
على الجانب الآخر كذلك يلاحظ أن الدولار يرتفع بالنسبة لليورو الى مستويات ما قبل الأزمة، مثل هذه التطورات تسهم في التأثير على المدفوعات الدولية للدول المنافسة  وعلى رأسها الولايات المتحدة، والتي يفترض أنها تستعد للخروج من السياسة النقدية التوسعية الحالية، الأمر الذي يعني مزيدا من الارتفاع في قيمة الدولار، فهل تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين أمام استمرار ارتفاع الدولار؟ أم من الممكن أن نشهد تنافسا على خفض العملات على النحو الذي يمكن أن يجر دول العالم إلى الدخول في حرب للعملات للحفاظ على مراكزها التنافسية؟  حتى الآن، وفي أحلك ظروف الأزمة، استطاع العالم تجنب هذه السيناريو المدمر، وأعتقد أن اختلاف السياسات النقدية بين المناطق الرئيسة في العالم سوف يتطلب قدرا أكبر من التنسيق لتجنب آثار هذه السياسات على المواقف التنافسية للأطراف التجارية المختلفة.