الاثنين، مايو ٣١، ٢٠١٠

هذه الدولة المارقة

بلغت الهمجية والعنصرية الإسرائيلية أقصى مدى لها فجر اليوم الاثنين 31/5/2010 لتعلن إسرائيل، هذا الكيان الذي زرع بالقوة في الكيان العربي لفترة مؤقتة ان شاء الله، حتى تتمكن معدتنا من أن تلفظه إلى غير رجعة، للعالم أجمع، أنها دولة لا تنتمي إلى أي عالم متحضر، وإنما تنتمي إلى عالم همجي يسمح لها بأن تنفذ هجومها الغادر على مجموعة من المدنيين وفي عرض المياه الدولية، وتستعمل القوة المفرطة، جيش مسلح في مقابل مدنيين عزل، جاءوا ليعلنوا احتجاجهم على السياسات العنصرية التي تنفذها تلك الدولة المارقة والتي تقوم أسسها على الغدر والعدوان والتمييز العنصري والاحتقار لكل ما هو غير إسرائيلي، بما في ذلك أشد من يناصرونها من المسيحيين وغيرهم. أن يتحرك جيش مسلح لمحاصرة مدنيين في عمق المياه الدولية، فإن إسرائيل تدوس بحذائها على القانون الدولي، وشرف الإنسانية جمعاء، وقيم الحرية وحق التعبير عن الرأي في هذا العالم. بهذا السلوك تدوس إسرائيل على ميثاق ما يسمى بحقوق الإنسان بالحذاء، وعلى رقبة كل من سطروه وكل الدول التي تدعو إليه.

للأسف مجموعات الضغط الإسرائيلية في العالم، بصفة خاصة في الولايات المتحدة، أصبحت تقود الرأي الرسمي، كما يقود السائق البغل الذي لا يعي أين يوجهه، وبصورة لا يمكن أن يعقلها عقل، وبما لا يجعلنا نستطيع أن نأخذ حقا او باطلا في ظل ضعفنا المثير للشفقة، ولكنه بالفعل تقصيرنا نحن، وليس هم، حيث تركنا المجال لهم مفتوحا على مصراعيه ونحن بعيدون تماما عن مواقع التأثير بالرغم من كثرة أعدادنا عن أعدادهم في تلك الدول، هذا التحيز الفاضح من قبل هذه المؤسسات السياسية في تلك الدول تفضحه وتكشفه وتعرضه للإحراج الشديد المواقف الإسرائيلية العنصرية.

لم يستطع البيت الأبيض أن يسكت كعادته في مثل هذه الأحداث، هذه المرة، وخرج علينا الفيل الأمريكي ليلد فأرا بتصريحه "البيت الأبيض يعلن بأنه يأسف لوقوع ضحايا بين ركاب سفينة الحرية" (نورت المحكمة ياسيدي) يا له من أسف مفضوح. بدلا من اعلان المسئولين عن هذه الجريمة ليقدموا أمام محكمة العدل الدولية كمجرمي حرب بدءا من البلطجي الاسرائيلي نتنياهو وايهود باراك، والمجرمين الذين نفذوا هذه المجزرة، البيت الابيض يعلن اسفه على الدماء التي سالت، هذا هو كل ثمنها عند البيت الابيض، عباراتين يلفظهما المتحدث للعالم على استحياء من اسرائيل. ولكن ما حدث هو جريمة دولية بكل المعايير والقوانين التي وقعت عليها دول العالم، ولكن منذ متى واسرائيل تعطي أعتبارا لأي قانون دولي أو مدني أو انساني.

الهمجية صفة لا يتصف بها الجيش الإسرائيلي فقط، بل كل من ينتمي إلى ما يمكن ان نطلق عليهم مدنيين إسرائيليين، ولقد شاهدتهم وهو يشوشون كالهمج على مندوب الجزيرة، الإذاعة العربية التي تنقل الأحداث من داخل إسرائيل بصورة مثيرة للشفقة، أي نوع من البشر هؤلاء، لا يمكن ان ينتمي هؤلاء إلى عالمنا، عالم البشر، وقد كان الأولى بهؤلاء ان يتواروا خجلا من علمهم الذي يرفعونه ولغتهم التي يتحدثون بها، وأرضهم التي يقفون عليها.

الإعلام العالمي الذي يسيطر عليه اليهود سيحاول جاهدا بالطبع تغيير انتباه العالم إلى الروايات الإسرائيلية، وستدس إسرائيل الأسلحة في الأسطول بل وربما ستصور الأماكن التي تم تخبئة هذه الأسلحة بها، حتى تظهر للعالم بأنها كانت تواجه جيشا عرمرما مسلحا جاء ليعتدي عليها ويغزوها، وليس قافلة للسلام. إن هناك مسرحية أو تمثيلة يتم اخراجها الآن ليتم تقديم رواية قابلة للتصديق من قبل العالم، أو غير قابلة للتصديق، ولكن ستبلعها أمريكا، وكما يقول المثل المصري "حبيبك يبلع لك الظلط".
متى يتحرك أثرياء العرب لشراء صحف غربية ووسائل إعلام وأجهزة وكوادر اعلامية في الغرب، حتى يشرحوا للعالم وجهة نظرنا، وحني يذودوا عنا، بدلا من أن يتركونا هكذا بدون تغطية إعلامية تدافع عنا. ترى ماذا لو كان أسامة بن لادن قد وجه ملايينه لشراء صحف وقنوات تليفزيونية أمريكية وأوروبية ليمارس جهاده من هناك، بدلا من أن يفعل ما يفعل، فينفر العالم منا ويزيدهم حقدا علينا وتحيزا ضدنا، الم يكن ذلك أفضل من غزوات نيويورك ومانهاتن التي انتهت باحتلال دولتين مسلمتين، وتنامي العداء لكل ما هو مسلم في الغرب وافراغ حقدهم على كل ما هو رمز لنا حتى بلغت الوقاحة ببعضهم أن رسموا صورا كاريكاتورية لرسلونا الكريم عليه الصلاة والسلام، حتى يغيظوننا. متى نتعلم كيف نجاهد في هذا العالم ذودا عن ديننا الحنيف بالصورة الصحيحة.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون








بدأت بالفعل رحلة الخروج من الكساد في سوق العمل الأمريكي

يوما بعد يوم تتزايد ثقتنا في خروج الاقتصاد الأمريكي من حالة الكساد التي عانى منها في أعقاب الأزمة المالية العالمية. ذلك أن تدفقات أحدث البيانات التي بين أيدينا الآن تشير بصورة واضحة، وبدرجة عالية من الثقة، إلى أن سوق العمل الأمريكي قد بدأ بالفعل رحلة التعافي من الآثار العنيفة للأزمة المالية العالمية. الشكل التالي يوضح أن قاع دورة الكساد الحالي (المنحنى الأحمر) والمتمثل في صورة فقدان الوظائف منذ بداية الكساد، (في صورة نسبة مئوية)، قد تم بلوغه بالفعل، ومن المعلوم أنه مع بلوغ قاع الدورة تبدأ اتجاهاتها في الانعكاس في الاتجاه الآخر، مما يعني أن معدلات فقدان الوظائف في سوق العمل الأمريكي قد أخذت في التراجع، وبالتالي بدء تعافي سوق العمل من حالة الكساد التي مر بها في كساد 2007. الجدير بالذكر أن أثر الكساد الحالي على سوق العمل يعتبر تاريخيا، حيث كانت هذه الأزمة هي أقسى الأزمات فيما يتعلق بتأثيرها على سوق العمل، حيث لم يحدث أن تأثر سوق العمل في الولايات المتحدة في أي أزمة سابقة (منذ الحرب العالمية الثانية) بهذه الصورة العنيفة (قارن الأزمة الحالية (المنحنى الأحمر) بالأزمات السابقة).

ولكن ما هي مستويات السرعة التي سوف يتعافى بها سوق العمل من الأزمة الحالية؟ حسب البيانات المتاحة لدينا حتى الآن لا يمكن الإجابة على هذا السؤال، إذ ما زلنا في انتظار تدفقات البيانات عن سوق العمل الأمريكي حتى نصل إلى المستوى الذي كانت عليه معدلات التوظف قبل الأزمة الحالية، وذلك حتى نحكم على المدة التي استغرقها سوق العمل الأمريكي للخروج من الأزمة الحالية. من ناحية أخرى، لا بد من التنبيه إلى أننا لسنا متأكدين من أن عملية التعافي سوف تأخذا اتجاها تصاعديا على طول الخط، فمن الممكن أن يحدث تراجعا في معدلات التوظف في المستقبل يعقبه تعاف آخر... وهكذا، مثلما تشير اتجاهات التوظف في سوق العمل الأمريكي في الأزمات السابقة مثلما يشير الرسم. ولكن الشيء المؤكد أننا بالفعل قد بلغنا قاع دورة الكساد الحالي في سوق العمل الأمريكي. (ملاحظة المنحنى المقطع يشير إلى نتائج مسح التوظف في سوق العمل، ومن المتوقع في غضون أشهر قليلة أن يتلاقى المنحنيان).

مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون




الأحد، مايو ٣٠، ٢٠١٠

تراجع النمو الحقيقي في الناتج الأمريكي للربع الاول

أصدر مكتب التحليل الاقتصادي أول أمس الخميس 27 مايو المراجعة الثانية لبيانات الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من هذا العام، أي ما بين الربع الرابع في العام الماضي والربع الأول من هذا العام. وقد اظهر التقرير تراجع بيانات النمو في الربع الأول عن التقديرات الأولية التي نشرت في الشهر الماضي، والتي كانت قد أظهرت ان الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من هذا العام قد تزايد بمعدل 3.2% (على أساس سنوي)، وفقا لهذه المراجعة يكون الناتج المحلي الحقيقي في الولايات المتحدة قد تراجع بصورة واضحة في الربع الأول من هذا العام، حيث بلغ معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي في الربع الرابع من العام الماضي 5.6% (على أساس سنوي).

وكان النمو في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول قد عزي إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، وزيادة الاستثمار في المخزون والصادرات والاستثمار العقاري وغير السكني. تراجع معدل النمو في الناتج الحقيقي في الربع الأول يعكس انخفاض الانخفاض في الاستثمار العقاري السكني والانخفاض في الإنفاق الحكومي. أهم القطاعات التي ساهمت في النمو هو قطاع إنتاج السيارات، الذي ساهم بنمو نسبته 0.49%، مقارنة بـ 0.045% في الربع الرابع، ومبيعات الحاسب والتي ساهمت بنسبة نمو 0.18% مقارنة بـ 0.01% في الربع الرابع.

الرقم القياسي للأسعار والذي يقيس الأسعار التي يدفعها المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفع بنسبة 1.7% في الربع الأول، مقارنة بـ 2% في الربع الرابع، أي أن الربع الأول من هذا العام قد شهد تراجعا في معدل التضخم. وباستثناء أسعار الأغذية والطاقة، فان الزيادة في الأسعار بلغت 1.1% في الربع الأول مقارنة بـ 1.5% في الربع الرابع من العام الماضي.

أهم التطورات التي حدثت في هيكل الإنفاق هي الزيادة في الإنفاق الاستهلاكي الشخصي، بـ 3.5% في الربع الأول مقارنة بـ 1.6% في الربع الرابع، والنمو في الإنفاق العقاري غير السكني بنسبة 3.1%، مقارنة بـ 5.3% في الربع الرابع، والنمو في المعدات والمبرمجات Software بنسبة 12.7%، مقارنة بـ 19.0% في الربع الرابع.

من ناحية أخرى ازدادت الصادرات من الناحية الحقيقية بـ 7.2% في الربع الأول مقارنة بـ 22.8% في الربع الرابع من العام الماضي. كذلك شهد الربع الأول من هذا العام نموا في الإنفاق الاستهلاكي الحكومي بنسبة 1.2%، مقارنة بثبات نمو هذا الإنفاق في الربع الرابع. كذلك قفز الإنفاق على الدفاع القومي بـ 1.1%، مقارنة بانخفاض نسبته 3.6% في الربع الرابع، بينما تراجع نمو الإنفاق في المجال المدني حيث اقتصر على 1.5% في الربع الأول مقارنة بـ8.3% في الربع الرابع.

وبالنسبة للناتج القومي الإجمالي (السلع والخدمات التي تم إنتاجها بواسطة عناصر الإنتاج الأمريكية فقد تزايدت بمعدل 3.9%، مقارنة بمعدل نمو 5% في الربع الرابع.

وبهذا الشكل فان نتائج المراجعة الأولى لنمو الناتج المحلي الإجمالي هي على النحو التالي



.............................................. التقديرات الأولية .............................المراجعة الأولى

الناتج المحلي الحقيقي............................... 3.2% ...................................... 3%

الناتج المحلي بالأسعار الجارية....................... 4.1% ...................................... 4.1%


مازلنا في انتظار النتائج النهائية للنمو والتي سيعلن عنها في تقرير المراجعة الثانية والأخيرة لنتائج النمو وذلك في يوم 25 يونيو القادم، الساعة السادسة والنصف مساءا إن شاء الله.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون


الانفاق العسكري والدين العام

الإنفاق العسكري يعد أحد الجوانب الهامة في ميزانيات دول العالم، بصفة خاصة الدول التي تتعرض للضغوط على حدودها أو التهديدات المحتملة، مشكلة الإنفاق العسكري أنه يتم على تجهيزات مكلفة للغاية، وتتعرض للتقادم بشكل سريع جدا، بمعنى آخر فان الجيوش التي تحرص على ان تتسلح بأحدث الأسلحة عليها أن تجدد معداتها العسكرية بصورة سريعة جدا وأن تتخلص من معداتها التي تقادمت (تقنيا) بسرعة حتى تضمن أنها مسلحة بآخر ما توصل إليه العلم في هذا المجال، حيث تتسارع الابتكارات والاختراعات في مجال الأسلحة والمعدات العسكرية على نحو مقلق، وبحيث أصبحت صناعة السلاح من الصناعات الهامة جدا على المستوى العالمي. للأسف ازدهار صناعة السلاح يقتضي أن تكون هناك مناطق نزاع، أو مناطق ساخنة في العالم، أو تهديدات مستمرة بنشوب حروب في العالم، وهذه لا تعدمها صناعة السلاح العالمية حاليا، فما من بقعة في العالم إلا وفيها نقطة ساخنة، وقد يعمل أباطرة السلاح على نفث سمومهم في تلك المناطق حتى يضمنوا ازدهار هذه الصناعة. المشكلة الأساسية هي أن عملية تحديث الجيوش تلقي بأعباء ضخمة على الميزانية العامة للدولة، وفي الدول التي تعاني من عجز في ميزانياتها، على الدين العام للدولة الذي غالبا ما يكون مرتفعا لتأمين هذه الاحتياجات. مشكلة الإنفاق العسكرية أنه غير قابل للتأجيل أو التجزئة، مثله مثل الإنفاق الاستهلاكي، بل إن الإنفاق الاستهلاكي يمكن ترشيده، بينما الإنفاق العسكري يصعب تخفيضه ما لم تخفف الدولة من طموحاتها حول مستويات استعدادها العسكري، أو تقلل من درجة جاهزية جيوشها للدفاع في مقابل الآلة العسكرية لأعدائها المحتملين.
وإذا أرادت دولة ما ان تحافظ على إنفاقها العسكري مرتفعا، فإن عليها أن تجد مصادر تمويل هذا الإنفاق إما بتخفيض جوانب الإنفاق الأخرى، أو من خلال الاعتماد على الاقتراض سواء المحلي أو الخارجي لتمويل هذا الإنفاق، المشكلة هي ان الجانب الأكبر من الدين الذي سينشأ بسبب الإنفاق العسكري هو دين خارجي، حيث أن واردات السلاح لا بد وأن تدفع بالعملات الأجنبية وليس بالعملة الوطنية. ولقد عاصرت أحداث شبيهة في مصر في أوقات ما بين هزيمة يونيو وحرب 1973، حيث كنت أرى البنى التحتية المصرية تنهار، سواء بالنسبة للطرق أو خدمات الكهرباء أو المجاري.. الخ، وذلك في ظل الشعار الذي كان مرفوعا في ذلك الوقت "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، حيث كانت كل الموارد موجهة نحو الصراع مع العدو الإسرائيلي، كذلك أخذت مستويات المعيشة تتدهور على نحو واضح، بعد المكاسب التي حققتها الطبقات المختلفة من الشعب المصري في ظل السياسات التي تبنتها حركة يوليو 1952، وعلى الرغم من المعونة العربية السخية التي قدمت بشكل سنوي بمقتضى مؤتمر الخرطوم الذي عقد في أعقاب النكسة حتى عام 1974 تقريبا، إلا أن ذلك لم يحل دون تدهور الأوضاع المالية العامة لمصر على نحو واضح ولم يحل دول تكوين دين عام ضخم، بمقاييس تلك الأيام.
هنا في الخليج أيضا نواجه نفس المشكلة خصوصا وأننا نعيش في بقعة ساخنة جدا من العالم، وحيث تقبع أكبر احتياطيات النفط في العالم، فإن العالم، وبصفة خاصة الولايات المتحدة، يحرص دائما على تأمين امدادات النفط الى الأسواق العالمية بدون تهديد لتلك التدفقات. وكجزء من الترتيبات اللازمة لذلك فإن دول الخليج أيضا تجد نفسها مجبرة على شراء اسلحة، ربما لا تستعملها أبدا، انطلاقا من المخاوف الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها نتيجة لوقوعها في هذا الموقع الاستراتيجي عالميا. مثل هذا الانفاق من الخليج وغير الخليج يضمن تشجيع صناعات السلاح الكبرى في العالم ويساعد على تمويل ميزانيات البحث والتطوير في مجال التسلح على المستوى العالمي.
الجدول التالي يوضح نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي في بعض دول العالم، لاحظ من الجدول ان الولايات المتحدة تتصدر دول العالم من حيث نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج المحلي الإجمالي بها، فهي تنفق 4% سنويا من ناتجها المحلي الإجمالي الذي يزيد عن 14 تريليون على آلتها العسكرية، وفي ظل عجز كبير في الميزانية العامة للولايات المتحدة، فإن هذا الانفاق يعقد من أوضاع دينها العام المتصاعد في ظل العديد من الضغوطات المالية ذات المصادر المختلفة سواء الاقتصادية أو العسكرية. وكقوة عظمى تجد الولايات المتحدة نفسها أما خيارين أحلاهما مر، الأول هو ان تتنازل عن تفوقها العسكري في مقابل القوى العسكرية الأخرى في العالم وتقلل من إنفاقها العسكري الضخم الذي يعد نكبة بالنسبة للعالم وكذلك بالنسبة لها، ومن ثم تتنازل عن قيادتها للعالم في هذا المجال، والثاني هو أن تستمر في الحفاظ على معدلات إنفاقها العسكري مرتفعة كما هو الوضع الآن، ولكن عليها أن تعيش مع دين عام ضخم وان تتحمل الأعباء التي تصاحبه. حتى الآن من الواضح ان الولايات المتحدة عازمة على الاتجاه نحو الخيار الأول، ومن ثم فإن عليها ان تتعايش مع الآثار المصاحبة لدين عام ضخم وانفاق عسكري كبير سويا.

 
  مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون

السبت، مايو ٢٩، ٢٠١٠

خمسة بنوك أمريكية تفلس هذا الأسبوع

عادت وتيرة إفلاس البنوك الأمريكية نحو الارتفاع بعض الشيء هذا الأسبوع، حيث بلغ عدد البنوك الأمريكية التي أعلنت إفلاسها 5 بنوك، وجميعها من البنوك الصغيرة. البنوك الثلاث الأولى التي أفلست تقع في ولاية فلوريدا والبنك الرابع في ولاية كاليفورنيا، والبنك الخامس في ولاية نيفادا. وفيما يلي تفاصيل أصول ومودعات هذه البنوك والتكاليف التي سيتحملها الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع نتيجة إفلاس هذه البنوك.

البنك الأولBank of Florida – Southeast, Fort Lauderdale, Florida وهو من البنوك الصغيرة، والذي بلغت أصوله في مارس الماضي 595.3 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات به 531.7 مليون دولارا. سوف يكلف إفلاس هذا البنك الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 71.4 مليون دولارا.

البنك الثانيBank of Florida – Southwest, Naples, Florida وهو من البنوك الصغيرة أيضا، والذي بلغت أصوله في مارس الماضي 640 مليون دولارا والمودعات به 559.9 مليون دولارا، وسوف يكلف إفلاس هذا البنك الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 91.3 مليون دولارا.

البنك الثالث وهو بنك Bank of Florida – Tampa Bay, Tampa, Florida وهو بنك صغير أيضا حيث بلغت أصوله في مارس الماضي 245.2 مليون دولارا، والمودعات لديه 224 مليون دولارا، وتقتصر الخسائر التي سيتحملها الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع نتيجة إفلاس البنك على 40.3 مليون دولارا.

البنك الرابع في ولاية كاليفورنيا وهو بنك Granite Community Bank, N.A., Granite Bay, California، وهو بنك صغير جدا، وقد بلغت أصوله في مارس الماضي 102.9 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات لديه 94.2 مليون دولار، وسوف تقتصر التكاليف التي سيتحملها الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع نتيجة إفلاس هذا البنك على 17.3 مليون دولارا.

البنك الخامس والأخير في ولاية نيفادا وهو بنك Sun West Bank, Las Vegas, Nevada، وهو بنك صغير أيضا، حيث بلغت أصوله 360.7 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات لديه 353.9 مليون دولارا. وسوف يترتب على إفلاس هذا البنك تحمل الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع تكاليف تبلغ 96.7 مليون

بهذا الشكل يصل عدد البنوك الأمريكية التي أعلنت إفلاسها منذ بداية العام وحتى أمس الجمعة 29/5/2010 إلى 78 بنكا، وهو عدد مرتفع نسبيا مقارنة بالعام الماضي.

الأربعاء، مايو ٢٦، ٢٠١٠

هل ينبغي أن ندعو على أعداء الأمة

اعتاد خطيب المسجد الذي أصلي فيه الجمعة أن يردد هذه الدعاء في نهاية الخطبة "اللهم اهلك اليهود والصليبيين، اللهم اهلك أعداءك أعداء الدين"، وفي كل جمعة كان جميع المصلين في المسجد يرددون، بما فيهم أنا، آمين، آمين، أكثر من 15 عاما وأنا أصلي في نفس المسجد وأسمع نفس الدعاء كل جمعة، حتى أخذت أفكر في مضمون هذا الدعاء المتكرر، والذي بالمناسبة هو شائع ويستخدمه الكثير من الخطباء. عندما تفكر في مضمون الدعاء ونتائجه تصل إلى خلاصة في غاية الخطورة والأهمية وهي أنه لو استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائنا وأهلك أعداء الإسلام لهلكت الأمة الإسلامية بالتبعية كذلك، والله سبحانه وتعالى رحيم بخلقه الذين خلقهم، وهو يرزقهم جميعا من هم على دينه ومن ليسوا على ذلك.

تعالوا نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو استجاب الله سبحانه وتعالى لدعائنا وأهلك أعداءنا. من المؤكد أن الهلاك هو القضاء على الناس، وهو ما سوف يؤدي إلى خراب اقتصادي، حيث ستتحول أوروبا والأمريكيتين وأستراليا وأجزاء واسعة من آسيا وكذلك إفريقيا إلى مناطق خربة لا إنتاج فيها ولا استهلاك، فعندما يهلك الناس تهلك قوتان هامتان هما عماد الاقتصاديات في العالم اليوم، قوة الإنتاج (العمال)، وقوة الاستهلاك (المستهلكين)، ويؤدي فقدان قوة العمل إلى توقف القدرة على الإنتاج، حيث لا يمكن تشغيل تسهيلات الإنتاج حاليا بدون عنصر العمل، ثم لماذا سيتم الإنتاج إذا لم يكن هناك استهلاك لهذا الإنتاج على الطرف الآخر (في السوق)، النتيجة الحتمية إذن هي توقف عمليات الإنتاج في أكبر مناطق العالم إنتاجا. ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني ببساطة توقف تلك الدول عن طلب النفط الخام الذي ننتجه، ولن نجد بالتبعية من نبيع إليه نفطنا، هذا في الأجل القصير. في الأجل الطويل لن نستطيع أن نستخرج هذا النفط أصلا من باطن الأرض، وذلك بعد مرور المدى الزمني اللازم لتعطل تسهيلات استخراج هذا النفط وحاجتها إلى تبديل قطع للغيار لكي تعمل تلك التسهيلات التي تتولى مهمة استخراج النفط ودفعه إلى سطح الأرض. أليست هذه التسهيلات وقطع غيارها تأتينا من تلك الدول؟، الحقيقة التي لا يمكن إغفالها هي أن تقنيات إنتاج واستخراج النفط والمعدات اللازمة لذلك ليست من صنعنا، إنما طورها وصنعها لنا أعداءنا، وهم يملكون ناصية إنتاجها وتطويرها ونحن لا نملك ذلك.

سوف يؤدي هلاك أعداء الدين إذن إلى توقف مصدر دخلنا الأساسي ولن تجد حكوماتنا، التي تعتمد أساسا على الإيرادات من النفط، مصادر إيراد يمكن ان تعتمد عليها للإنفاق علينا. أي أنه في الشهر التالي لهلاك أعداءنا لن تنزل رواتبنا في حساباتنا، بسبب عجز حكوماتنا عن تدبير تلك الرواتب، وأنى لها أن تقوم بذلك وهي بدون مصادر إيراد غير نفطية تقريبا، فبقدر ما كان النفط نعمة بالنسبة لنا، فقد كان أيضا نقمة علينا حيث رفع من درجة اعتمادنا عليه إلى هذا الحد الخطير الذي أصبحت معه قدراتنا على الفكاك من أسره محدودة.

لن تجد حكوماتنا ما تستخدمه لتمويل فتح مستشفيات لنا، أو لبناء مدارسنا أو لمد الطرق التي نسير عليها، بل إننا لن نحتاج إلى بناء هذه الأخيرة أصلا، لأن هلاك أعداءنا وهم الذين يصنعون لنا سياراتنا التي نسير بها على هذه الطرق وقطع غيارها في حالة تعطلها، سوف يؤدي بعد فترة قصيرة جدا إلى أن تختفي تلك السيارات من حياتنا، وسنعود مرة أخرى لنستخدم الحيوانات لكي تكون وسيلة النقل الرئيسية لنا. غير أننا لسوء الحظ لن نكون قادرين على استخدام هذه الوسائل إما لأننا فقدنا مهارات ركوبها، أو لأننا سوف نصطدم بحقيقة أننا سوف نحتاج إلى فترة طويلة جدا لكي نربي منها أعدادا تكفينا، وأن منازلنا التي كنا نستخدمها قديما في إيواء هذه الحيوانات وتربيتها، لم تعد تصلح لهذه المهمة. بل أننا لن نستطيع أن نعيش في مساكننا التي أصبحنا نبنيها الآن بدون كهرباء لتضيء لنا المكان أو لتكيف لنا الهواء داخلها، لأننا لن نستطيع أن نولد الكهرباء أصلا، والتي تأتينا ماكينات توليدها وقطع غيارها بل وفي الكثير من الأحيان المهندسين الذين يعملون عليها من الخارج. لن نجد من يزرع لنا الأرز الذي أصبحنا نتناوله يوميا، والقمح الذي نصنع منه الخبز الذي نأكله، واللحوم التي نستوردها من الخارج، والأقمشة التي نصنع منها الألبسة التي نرتديها، والنظارات التي نقرأ بها، والمطابع التي نطبع عليها هذه الصحيفة التي نقرأها الآن، سوف يتوقف إنتاج الأدوية والأمصال والأجهزة الطبية الحديثة ولن نكون قادرين على معالجة أوجاعنا، وستعود الأوبئة التي كانت عدو الإنسان الأول مثل الطاعون والسل وغيرها من الأمراض الفتاكة إلينا مرة أخرى. باختصار شديد هلاك أعداءنا سوف يعني بالضرورة أننا لابد وأن نستعد للهلاك ورائهم. علينا إذن ان نفكر مليا عندما ندعو على أعداءنا ونحن على هذه الصورة.

نحن للأسف الشديد امة فقدت هويتها وقدراتها وطاقاتها على الإبداع والإنتاج، وصرنا تابعين لغيرنا إلى درجة لا يمكننا الانفكاك منها بأي حال من الأحوال حتى صارت رقابنا بأيدي غيرنا، فهم يستطيعون أن يخنقونا إذا فرضوا علينا حصارهم، خاصة في ظل عجزنا على أن ننتج ما نحتاج إليه، دون أن نعتمد عليهم سواء باستيراد سلعة أو آلة أو مادة خام. وقد نتج عن تخلفنا في ذلك أننا أصبحنا عالة على هذا العالم، فهو ينتج ويصدر إنتاجه إلينا، بينما يستورد منا مواردنا الطبيعية، التي لا فضل لنا في وجودها، فقد وهبنا الله سبحانه وتعالى إياها، وبدلا من أن نستغل هذه الثروة الاستثنائية في تطوير قدراتنا على فك اعتمادنا على غيرنا، تطورت أساليب إنفاقنا واستهلاكنا بصورة ترفية بحيث أصبحنا أكثر من أي وقت مضى في تاريخنا نعتمد على غيرنا، الذين نطلق عليهم للآسف لفظ أعداءنا. لقد فشلنا في استغلال ثرواتنا في بناء هياكل إنتاجية فاعلة، وبدلا من ذلك قمنا باستغلال تلك الثروة في خلق أنماط استهلاكية مدمرة أدت إلى سقوطنا في ما يمكن أن نطلق عليه "مصيدة الرفاه"، وهي مصيدة يبدو أنه أصبح من المستحيل علينا الفكاك منها، على الأقل حاليا.

هذا الوضع المزري لأمتنا لم يشجعنا على العمل والكد لتغيير أوضاعنا نحو الأفضل، بل على العكس جلسنا جلسة العاجز ندعو على أعداءنا، ليس ذلك فقط، وإنما أصبحنا مثالا سيئا للإسلام وللمسلمين، إذا كان هذا الدين يعاني الآن، فإن أكثر وأشد صور معاناته هي منا نحن، وليس من أعداءنا، فقد كنا مثالا سيئا لمن ينتمي إلى هذا الدين، ولم نحمل رسالة النور التي يقدمها للناس، وعمدنا إلى ان ننتقي من الدين الحنيف ما ينفر الناس منا. كل هذا المزيج السيئ قدمناه للعالم على أنه الإسلام، فأصبح ينظر إلينا على أننا رموز الرجعية والضعف والتخلف، رموز القسوة والتشدد والإرهاب .. الخ، مع أن المسلمين الأوائل الذين استقوا الإسلام من منابعه الصحيحة، عندما خرجوا للعالم رسموا أفضل صورة له، فأسلم الناس دون أن يدعوهم إلى الإسلام.

متى إذن نتخلى عن قناعاتنا بأن الإسلام لا بد وأن يصطدم مع هذا العالم، متى ننظر إلى العالم على أنه مسلم محتمل، إن لم يكن الآن ففي المستقبل. متى ندرك أننا مطالبون بأن نتعامل مع الغير باللين والرفق والأخلاق التي أمرنا الله بها. لست مفتيا، ولا يجب أن أتعرض للفتوى، حتى أطالب أئمة المساجد بأن يكفوا عن الدعاء على أعداء الإسلام، ولكن هذه هي تصوراتي لما يمكن أن يحدث لنا، إذا "لا قدر الله" استجاب سبحانه وتعالى لدعائنا وأهلك أعداء الأمة.

ازدياد الطلب على السيارات الفاخرة

صالات المزادات على الانتيكات والأعمال الفنية النادرة دائما ما تنتعش بشكل كبير في اوقات الرواج حيث يضمن الأغنياء وأصحاب الثروات تدفقات نقدية مستمرة من أعمالهم، وتزيد توقعات المضاربين بأن استمرار ارتفاع أسعار هذه الاصول التي تتميز بالندرة النسبية يعد أمرا مضمونا طالما أن النشاط الاقتصادي في حالة انتعاش. فكافة الدراسات تثبت أن الارتفاع في اسعار هذه  السلع النادرة غالبا ما يكون أعلى من معدل التضخم المتوقع في الاقتصاد، مما يعني أن الاستثمار في مثل هذه الاصول هو أمر مجز على المدى الطويل (وليس على المدى القصير) لأنها ليس فقط تحتفظ بالقيمة الحقيقية لها في مواجهة اتجاهات معدلات التضخم، وإنما تحقق زيادة في اسعارها تفوق هذه المعدلات. لذلك نجد أن قطع الانتيكات غالبا ما تكون مسجلة، وفي كثير من الاحيان بأسماء مالكيها والاسعار المتوقعة لهذه الأعمال. 

كذلك الوضع بالنسبة لسلع الاستهلاك التفاخري، مثل السلع غالية الثمن كالسيارات  الرياضية، أو السلع التي يشتريها الناس ليس للخدمة التي تقدمها أو للإشباع الذي يحصلون عليه من منفعة تلك السلع، وإنما لكي يقدموا انفسهم الى  المجتمع على أنهم ينتمون الى تلك الطبقات التي تستهلك هذه السلع التي لا يستطيع أن يشتريها أحد، إلا الصفوة من اصحاب الثروات، وهنا بعد نفسي هام في قرار الشراء، مدفوعا بما يسمى بدافع المحاكاة أو التقليدDemonstration effect، أو الحرص على التفاخر Show off، هذا البعد يستغله صناع هذه السلع فيحرصون دائما على ابتكار موديلات جديدة منها تحتوي على مواصفات خيالية أو أن تسعر على نحو خيالي، لأنهم يعلمون أنهم كلما بالغوا في تسعير هذه السلع كلما ازداد حرص المستهلكين لها على اقتناءها. البعض يعتبر الاقدام على مثل هذا القرار بدفع هذا المبلغ الهائل في سيارة مثل هذه هو نوع من النقص أو الضعف النفسي. بالنسبة لعلماء الاقتصاد، الشخص المشتري في هذه الحالة يعد رشيدا من الناحية الاقتصادية، لأنه يقارن بين تكلفة الفرصة البديلة للنقود التي يدفعها في هذه السيارة المرتفعة الثمن والمنفعة الحدية التي يحصل عليها من اقتناءها والسير بها في الطرق، فيجد أن منفعته الحدية أكبر من أو على الاقل تساوي تكلفة الفرصة البديلة للنقود التي دفعها ثمنا لهذه السيارة غالية الثمن، ومن ثم يقدم على شراءها.

أحيانا ونحن نسير في الطرق نسمع صوتا مزعجا جدا لسيارات مثل الموستانج، ونتسائل من هذا الذي يحرص على أن يزعجنا ويصم آذاننا لبعض الوقت حتى ينطلق بعيدا عنا بسيارته فيتوقف عن إيذاءنا بصوت سيارته، بل وفي بعض الاحيان بدعواتنا عليه. مثل هذه السيارة يحرص مصمموها على أن تصدر ضوضاء هائلة وهي تسير في الطرق، لا لسبب إلا لأن قائدي مثل هذه السيارات يريدون أن ينبهوا عن أنفسهم وهم يقودون مثل هذه السيارات، وكأنهم يريدون أن يقولوا لنا، نحن هنا نسير في الطريق انظروا الينا ونحن نقود هذه السيارة ذات الصوت المزعج. هؤلاء يعتبرون حاليا ممن يلوثون البيئة، لأن الضوضاء المرتفعة والصوت الذي يصم الآذان يعد حاليا من صور تلوث البيئة المحيطة بنا، وما زلنا حتى هذه  اللحظة في انتظار انتصار انصار حماية البيئة باصدار تشريعات تحرم السير بمثل هذه السيارات في الطرق العامة حماية لنا من آثارها السلبية علينا، على الاقل على تركيزنا الذي نفقده لأن سيادته يمر بجانبنا، وسوف نصفق لهم عندما ينجحون في ذلك.

المهم في الموضوع أن هذين النوعين من السلع أصبح ينظر اليهما على أنهما من مؤشرات الدورة الاقتصادية، بمعنى آخر يمكن أن نستدل على مدى قوة الاقتصاد او ضعفه من خلال متابعة التطورات التي تحدث في الطلب على هذه السلع ومن ثم على اتجاهات أسعارها، فعندما يميل الطلب على هذه السلع نحو الارتفاع فإننا نعتبر ذلك دليلا على أننا مقبلون على، أو أننا بالفعل نعيش في حالة، رواج، وعندما يقل الطلب على هذه السلع فإننا نحكم على النشاط الاقتصادي بأنه بدأ بالفعل يواجه حالة ركود.

وكالات السيارات الرياضية الفاخرة تواجه اليوم طلبات متزايدة على أحدث الموديلات التي تعرضها. جانب من هذا الطلب يتم من قبل المتعاملين في أسواق السلع والمال، وفقا لتقرير نشرته بلوم برح أمس الثلاثاء 25 مايو، وذلك بعد ان انخفض الطلب على هذه السيارات بعد انهيار بنك ليمان براذرز واشتعال الأزمة المالية العالمية. ماذا يعني هذا الإقبال المتزايد على هذه السيارات الخيالية في سعرها، إنه ببساطة شديدة يعني أن استعادة النشاط الاقتصادي قد أخذت طريقها بالفعل على ارض الواقع وأن الأغنياء وأصحاب المدخرات الآن أكثر اطمئنانا من أي وقت مضى على تدفقات النقود المستقبلية إلى حساباتهم المصرفية، ولذلك أخذوا في رفع استهلاكهم الفاخر مرة أخرى. ماركات السيارات المعروفة بأسعارها الخيالية تواجه طلبا متزايدا وهو ما يؤدي إلى تزايد الضغوط نحو رفع أسعارها. على سبيل المثال ارتفع الطلب في الولايات المتحدة على السيارات التي تزيد أسعارها عن 100 ألف دولار هذا العام بحوالي 42% وفقا لـ IHS Global Insight، على الرغم من أن الناتج المحلي الإجمالي لم ينم بأكثر من3% قليلا. في ظل هذه الأوضاع ووفقا للتوقعات من الممكن أن ترتفع أسعار السيارات الرياضية بنسبة 20%.

ومن المعلوم، كما أشير أعلاه، أن الطلب على السلع المعمرة والسلع عالية الرفاهية يزداد في حالة واحدة فقط، هي حالة الرواج واطمئنان أصحاب المدخرات على سلامة أوضاعهم المالية، فيبدأون في ضخ الأموال في صالات مزادات الانتيكات وسلع الاستهلاك التفاخري، مثل السيارات الرياضية مرتفعة الثمن. للمهتمين فقط، وأنا ولله الحمد لست منهم، فالسيارة بالنسبة لي هي آلة توصلني من مكان الى آخر، أي سيارة تؤدي هذه الوظيفة لي بأمان وبراحة عادية، فهي سيارة بغض النظر عن ثمنها أو ماركتها أو نظرة الناس اليها، الأشكال التالية توضع أغلى 10 سيارات رياضية في العالم وأسعارها.

السيارة رقم 10 Porsche Carrera GT بسعر 440000، دولارا أمريكيا.



السيارة رقم 9 Mercedes Benz SLR McLaren Roadster بسعر 495000 دولارا أمريكيا.



السيارة رقم 8 Koenigsegg CCX بسعر 545568 دولارا أمريكيا.



السيارة رقم 7، Saleen S7 Twin Turbo بسعر 555000 دولارا أمريكيا.





السيارة رقم 6، SSC Ultimate Aero بسعر 654000 دولارا أمريكيا .





السيارة رقم 5 Pagani Zonda C12 F بسعر 667000 دولارا أمريكيا.




السيارة رقم 4 Ferrari Enzo بسعر 670000 دولارا أمريكيا .




السيارة رقم 3 McLaren F1، بسعر 970000 دولارا أمريكيا.





السيارة رقم 2 Lamborghini Reventon بسعر 1600000 (مليون وستمائة ألف)دولارا أمريكيا.





السيارة رقم 1 Bugatti Veyron بسعر يساوي 1700000 (مليون وسبعمائة ألف) دولارا أمريكيا. تخيل ماذا يمكن أن يحدث لو تعرضت هذه السيارة لحادث مدمر (الاجابة هي لا شيء، انظر الى المسكن الذي تقف أمامه السيارة لكي تدرك ما هي قيمتها بالنسبة لمالكها).





الثلاثاء، مايو ٢٥، ٢٠١٠

الدروس المستفادة من الاتحاد النقدي الأوروبي

نشر في جريدة الوطن البحرينية بتاريخ الاثنين 24/5/2010

المصاعب التي تتعرض لها اليونان والضغوط التي يواجهها الاتحاد النقدي الأوروبي اليوم تظهر بصورة جلية المخاطر المحتملة للاتحاد النقدي إذا كان الأساس الذي قام عليه هذا الاتحاد هشا. وقد حذرت بعض الكتابات في مستهل نشأة اليورو بأن الاتحاد النقدي الأوروبي يفتقد لشروط ما يسمى بمنطقة العملة المثلى، ومن ثم فإنه لا ينبغي إصدار اليورو، أو على الأقل لا ينبغي إصدار اليورو بمثل هذا العدد من الأعضاء قبل استيفاء شروط تحول الاتحاد إلى منطقة عملة مثلى. غير أن دول الاتحاد النقدي الأوروبي كانت قد قررت المضي في الطريق وضم أكبر عدد ممكن من الدول الراغبة في الانضمام، على أمل أنه مع انطلاق اليورو كعملة موحدة سوف يتم التغلب على أية مشكلات تعترض الاتحاد في المستقبل. وقد بدا ظاهريا على الأقل، أن أمنيات أعضاء منطقة اليورو تتحقق طالما أن الظروف التي يمر بها العالم، أو تمر بها بعض دول منطقة اليورو طبيعية.

عندما تبدلت الأوضاع على النحو المأساوي الذي رأيناه في الأسابيع الماضية، وضعت نظام اليورو بأكمله في مهب الريح، وبدأنا نسمع بصورة متكررة الحديث عن قرب انهيار اليورو. بالنسبة لي شخصيا، لا أرى بأن اليورو على حافة الانهيار، على الأقل في ضوء الأوضاع الحالية للمنطقة، ولكن اليورو يواجه تهديدات حقيقية، وأن الأمر يتطلب بالفعل إصلاح النظام الذي قام على أساسه اليورو حتى لا يتعرض لا حقا لمثل هذه الأزمات الحادة، ولكن هذا ليس موضوعنا اليوم، موضوعنا هو الدروس التي يمكن أن نستفيد منها من هذه الأزمة؟، خصوصا وأن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد قررت المضي في طريق الاتحاد النقدي وإصدار العملة الخليجية الموحدة، على الرغم من المخاطر الجمة التي يمكن أن تعترض الإطلاق الناجح لمثل هذا المشروع، وهو موضوع ربما أعود للتفصيل فيه لاحقا، ولكني أرى أن أهم الدروس التي يمكن استيعابها من الأزمة اليونانية تتمثل في الآتي:

• الدرس الأول هو أن شروط التحول نحو إنشاء عملة موحدة (منطقة عملة مثلى) ينبغي أن تؤخذ بالجدية الكافية عند إنشاء الاتحاد، وأن النوايا السياسية الحسنة ليست ضمانا كافيا لاستقرار الاتحاد النقدي طالما أنه لا يستوفي شروط إنشاءه، فالمخاطر التي قد لا تبدو واضحة للعيان الآن عند إنشاء الاتحاد النقدي قد تطفو على السطح يوما ما وتسبب من النتائج ما قد يحمل بذور انهيار منطقة العملة الموحدة وبتكاليف مرتفعة للغاية. باختصار شديد فإن شروط منطقة العملة المثلى هي أن الدول الأعضاء الاتحاد النقدي تشترك في نفس الدورات الاقتصادية حتى يسهل ان يتم إتباع سياسة نقدية موحدة تستهدف دورات الأعمال لكل الدول الأعضاء، بما يساعد على تحقيق الاستقرار الاقتصادي اللازم في كافة دول الاتحاد، وحينما لا تكون دورات الأعمال في الدول الأعضاء متشابهة، فان السياسة النقدية الموحدة قد تجلب وتعمق عدم الاستقرار في الاتحاد بدلا من أن تؤدي إليه، لأنها سوف تساعد مجموعة من الدول على حساب الدول الأخرى، فإذا كانت السياسة النقدية توسعية فإنها سوف توفر الحوافز لاستعادة النشاط الاقتصادي في الدول التي تعاني من حالة كساد، بينما تؤدي إلى الإضرار بالدول التي تواجه حالة رواج في ذات الوقت، حيث ستؤدي إلى رفع درجة سخونة الاقتصاد في هذه الدول. وإذا كانت السياسة النقدية متشددة فإنها سوف تساعد الدول التي تعاني من الضغوط التضخمية، بينما تعقد مشكلات الدول التي تواجه ضغوطا انكماشية. من شروط منطقة العملة المثلى أيضا أن يتوافر لدى الدول الأعضاء آليات تساعدها على سهولة امتصاص الصدمات الاقتصادية، مثل مرونة تحديد الأسعار والأجور، وسهولة انتقال عناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء، بصفة خاصة عنصر العمل، فضلا عن توافر نظم تسمح بإجراء تحويلات مالية بين الدول الأعضاء لمساعدتها على مواجهة أية أزمات في السيولة المتاحة لها. اليونان لم تكن تشترك مع باقي دول أوروبا في دورة الأعمال، حيث أنها تواجه حالة كساد، بينما تستعد باقي الدول لاستعادة النشاط الاقتصادي فيها، كما أنها لا تمتلك آليات لامتصاص الصدمات لكي تستطيع أن تحسن من تنافسيتها وتعيد التوازن لاقتصادها المتدهور، فكانت النتيجة أنها وضعت نظام اليورو كله في مهب الريح.

• الدرس الثاني هو أنه لا يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي أن تحلم بأنها سوف تصبح اتحادا نقديا ناجحا من خلال استيفاءها الشروط منطقة العملة المثلى لاحقا، أو بمرور الوقت. عندما تم إنشاء الاتحاد النقدي الأوروبي، لم تستوف كافة الدول الأعضاء شروط منطقة العملة المثلى، ومع ذلك تم الدفع في اتجاه الاتحاد النقدي استنادا إلى أن هذه المعايير سوف تأتي لاحقا عندما يتم إطلاق العملة الموحدة. مع إطلاق اليورو بدأت آثاره الايجابية ترتد على الدول الأعضاء في اليورو، بصفة خاصة تقليل تكلفة المعاملات بين الدول الأعضاء نتيجة استخدام عملة واحدة، وتشجيع التبادل التجاري بينها، وتسهيل انتقال رؤوس الأموال بين دول المنطقة. غير أن درجة استفادة الدول الأعضاء من هذا المزايا لم تكن واحدة، ومن ثم فان المزايا التي انعكست على بعض الدول من التحاقها بالاتحاد الأوروبي لم تكن تبرر التحاقها بالاتحاد الأوروبي، مثل اليونان، ومن ثم لا يجب أن يتم إرساء أساس الاتحاد النقدي على الآمال بتمكن الدول الأعضاء من استيفاء متطلبات الاتحاد النقدي، أو تعظيم استفادتها منه لاحقا.

• الدرس الثالث أن وجود الدولة عضوا في الاتحاد النقدي يفرض عليها أن تتابع عن كثب تنافسيتها الخارجية سواء داخل منطقة الاتحاد النقدي أو خارج الاتحاد النقدي، ذلك أن ارتفاع الأسعار في إحدى الدول الأعضاء يؤدي إلى أن سلعها تصبح أكثر كلفة بالنسبة للخارج، ومن ثم سوف تفقد هذه الدولة جانبا من إيراداتها بالنقد الأجنبي نتيجة لتراجع صادراتها واحتمال حدوث عجز في ميزان مدفوعاتها، الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الخارجية، وبصفة خاصة عندما يتزايد اعتماد هذه الدولة على التمويل الخارجي فإن تأثير هذه المشكلة يصبح أكثر وضوحا. لكي ترفع من تنافسيتها فإن أمام اليونان حلين، الاول هو أن تخفض من الاجور الحقيقة للعمال بها من خلال التضخم مثلا، أو أن تخفض قيمة عملتها المحلية. المشكلة إذن بالنسبة لليونان كانت ذات وجهين، الأول يرجع إلى ضعف مرونة عملية تحديد الأجور بها بما يضمن خفض الأجور في ظل تراجع التنافسية، ومن ثم مالت أسعار السلع اليونانية نحو الارتفاع بصورة أكبر من باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ولم يساعد ذلك على معالجة تنافسيتها المتراجعة، والثاني هو أن معدل الصرف بالنسبة لها يعتبر ثابتا باعتبارها عضو في اتحاد نقدي، ذلك أن الوحيد الذي يمكنه ان يتخذ السياسات التي تؤثر على معدل صرف اليورو هو البنك المركزي الأوروبي، ومن ثم لم تتمكن اليونان من ان تلجأ إلى تخفيض قيمة العملة التي تتعامل بها كسبيل لزيادة تنافسيتها. هذا الوضع الحرج ترك اليونان أمام خيارين، إما ان تغرق في الكساد، أو أن تترك العملة الموحدة وتعود لعملتها الوطنية السابقة (الدراخمة)، كي تتمكن من رفع تنافسيتها من خلال تخفيض قيمة عملتها الوطنية وزيادة قدرتها على توفير إيرادات بالنقد الأجنبي تمكنا من سداد التزاماتها. وقد نظر إلى كلا الخياران بأنهما يعدان فشلا جزئيا للاتحاد النقدي الأوروبي.

• الدرس الرابع هو أن دور البنك المركزي في الاتحاد النقدي يعد مهما جدا في جلب الاستقرار الاقتصادي للدول الأعضاء في الاتحاد، وذلك من خلال سعيه الدائم على تثبيت مستويات الطلب الكلي عن طريق المزيد من التوسع النقدي في أوقات الأزمات، وذلك لتحفيز مستويات النشاط الاقتصادي. خلال فترة الأزمة أو الفترة السابقة عليها، لم يقم البنك المركزي الأوروبي بما يجب أن يقوم به لتحقيق الاستقرار في الكتلة النقدية الأوروبية، فقد سمح البنك المركزي الأوروبي لمستويات النشاط الاقتصادي بأن تتراجع بصورة حادة في منطقة اليورو بدون اتخاذا الإجراءات اللازمة للتعامل مع هذا التراجع، نظرا لأن أن السياسة النقدية الأوروبية كانت متشددة بشكل عام والتي كانت تساعد اليورو على استمرار الارتفاع في مقابل العملات الأخرى، بصفة خاصة الدولار، غير أنه مع اشتعال الأزمة بدأ اليورو يدفع ثمن هذه السياسات النقدية غير المواتية.

• الدرس الخامس هو أنه لا بد من إعطاء الأولوية المطلقة لتعزيز الآليات الرامية إلى منع السياسات الداعمة للتقلبات الدورية والصدمات المالية على مستوى الدول الأعضاء، وذلك من خلال وضع نظام دقيق لمراقبة الأوضاع المالية في الدول الأعضاء، وتعزيز مصداقية وشفافية القواعد المحاسبية التي تتبعها الدول الأعضاء والتي يتم في ضوئها تعريف وتحديد عجز الميزانيات العامة للدول الأعضاء، ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب الرصد الدقيق لنمو فقاعات الأصول المالية في الدول الأعضاء، والتي يمكن أن تتسبب في حال انفجارها في إحداث الركود في دول الاتحاد النقدي.

• الدرس السادس هو انه يبدو أن على الحكومات التي تقرر أن تدخل في اتحاد نقدي أن تضمن لنفسها نظاما ماليا مركزيا وآليات مناسبة ومصممة لكي تسمح بتوفير التحويلات المالية بصورة سريعة للدول التي قد تعاني من أزمات سيولة مؤقتة، حتى تتجنب تفاقم الأوضاع المالية لهذه الدول وتضمن استقرار الأسواق المالية داخل الاتحاد، بغض النظر عن من سوف يتحمل العبء المالي والمدى الزمني لهذا العبء، طالما أن الهدف الأساسي هو ضمان استمرار الأوضاع داخل الاتحاد مستقرة. لقد أبرزت أزمة اليونان بوضوح أن العملة الموحدة لا تقتضي فقط مجرد تنسيق في السياسات النقدية وإسناد مهمة رسم هذه السياسات لبنك مركزي موحد مثل البنك المركزي الأوروبي، وإنما يجب أن يكون هناك قدر عال جدا من التنسيق في السياسات المالية للدول الأعضاء بما يسمح بتجنب آثار أي تدهور في الأوضاع المالية لأي من الدول الأعضاء على العملة الموحدة.

• الدرس السابع والأخير وهو أن إطلاق اتحاد نقدي يعد بمثابة بداية تعاون سياسي أوثق وتضامن أوسع بين حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد، وأن هذا التعاون لا بد وأن يكون عملية مستمرة وفي كافة الظروف والأحوال، سواء الجيدة أو السيئة.

هذه هي مجموعة الدروس التي اعتقد انه يمكن الاستفادة منها من الأزمة الحالية للاتحاد النقدي الأوروبي، والتي ينبغي أن يتم مراعاتها عند الإعداد لإطلاق العملة الخليجية الموحدة، فالاتحاد النقدي لا ينبغي أن يستند إلى أماني وآمال، بقدر ما يستند إلى حقائق على ارض الواقع وشروط لا بد من استيفاءها، حتى نتجنب الآثار المدمرة التي يمكن ان تترتب على الإطلاق غير الناجح للعملة الخليجية الموحدة. دول مجلس التعاون مدعوة إذن إلى أن تصيغ وبشكل واضح آليات التعامل مع الأزمات التي يمكن ان تنشأ بعد إطلاق العملة الخليجية الموحدة، أما أن تترك المجال مفتوحا بدون تحديد هذه الآليات بوضوح فمن الممكن أن يتسبب ذلك في تضاعف آثار أي أزمة إذا ما نشأت، وهو ما قد يحول العملة الموحدة إلى تهديد لمشروع التعاون وليس دعما له، خاصة في أوقات الأزمات، خصوصا، كما سبقت أن أشرت في أكثر من موضع، أنه سيتم استبدال عملات قوية، مثل الريال السعودي ومستقرة مثل الدينار الكويتي، بعملة سوف تتأثر ليس فقط بالأوضاع الاقتصادية الداخلية لكل دولة وإنما بالأوضاع الاقتصادية لأربعة دول حاليا، وستة دول محتمل أن تكون أعضاء في المستقبل.

إذا كانت أوروبا بهياكل اقتصادياتها القوية لم تتمكن من إيجاد المناخ المناسب لاستقرار عملتها الموحدة في أوقات الأزمة، فكيف باقتصاديات دول مجلس التعاون التي تتقلب أوضاعها المالية بشكل كبير مع تقلبات إيراداتها النفطية، وفي ظل فشل معظم الأعضاء حاليا في أن ينوع هياكله الاقتصادية على النحو الذي يضمن حماية الاقتصاد المحلي من الصدمات الخارجية المرتبطة بالطلب العالمي على النفط، فإنه يمكن القول بأن مصادر التهديد الكامن للعملة المقترحة هي حقيقية ومتعددة، ومن ثم فإن مستوى التنسيق في السياسات بين دول المجلس في ظل الاتحاد النقدي الخليجي يجب أن يكون على النحو المناسب الذي يوفر الحماية التامة لهذه العملة المقترحة.

الاثنين، مايو ٢٤، ٢٠١٠

صور قاتمة من أسبانيا

البنوك الاسبانية ربما تواجه مشكلات مالية حاليا بسبب أوضاع قطاع العقار الاسباني التي تميل الأسعار فيها نحو التراجع. المشكلة هي أنه حتى مع انخفاض أسعار المساكن فان المطورين في القطاع لا يستطيعون بيع ما لديهم من عقارات بسبب عدم وجود طلب. تدهور أوضاع سوق العقارات يهدد البنوك الاسبانية بفقدان جانب كبيرة من رؤوس أموالها، وهو ما دفع الحكومة الاسبانية الى تقديم دعما لبنك CajaSur بقيمة 530 مليون يورو، ولكن المؤشرات تشير إلى ان حجم الديون المعدومة التي قد يواجهها البنك ربما تصل إلى 2.7 مليار دولار، بسبب الأوضاع المتدهورة لسوق العقارات. المراقبون يرون أن برنامج الإنقاذ لبنك CajaSur ربما يكون مقدمة لعمليات إنقاذ ضخمة سوف تحتاج إليها البنوك الاسبانية الأخرى، وهو ما يعقد أوضاع الدين العام الاسباني بصورة أكبر مما هو الحال عليه الآن.

 

أسبانيا هي الاقتصاد رقم 8 من حيث الحجم في العالم، وهي الخامسة في أوروبا، ومقارنة مع اليونان فإن الاقتصاد الاسباني يبلغ 6 أضعاف حجم الاقتصاد اليوناني تقريبا. ويزيد متوسط نصيب الفرد فيه عن مستوياته في ايطاليا، ويقترب من مستوياته في فرنسا. اسبانيا تقوم حاليا بتطبيق حزمة تقشفية اختيارية بمقتضاها تم تخفيض مستويات الأجور بصورة إضافية بحوالي 5% هذا العام، مع تجميد الأجور في العام القادم، وخفض الإنفاق في القطاع العام بحوالي 6 مليار يورو، إلغاء منحة المولود الجديد (2500 يورو)، وتخفيض التحويلات إلى الحكومات المحلية بـ 1.2 مليار يورو. تهدف اسبانيا من هذه الحزمة تخفيض العجز في الميزانية العامة من 11.2% في 2009 إلى حوالي 6% في 2011.


موقعBusinessinsider نشر مجموعة من الأشكال البيانية عن الوضع في اسبانيا، هذه الأشكال في مجموعها تعطي صورة مقلقة للغاية عن سلامة الاقتصاد الاسباني حاليا. الشكل التالي يوضح تطور مؤشر أسعار الأسهم في أسبانيا (IBEX 35 المنحنى الأحمر) يتماشى مع مؤشر أسعار الأسهم في ألمانيا (DAX المنحنى الأصفر)، منذ نهاية يناير تقريبا أخذت الفجوة بين المؤشرين في الاتساع بشكل عام حتى بلغت حوالي 23% في منتصف هذا الشهر. تراجع مؤشر أسعار الأسهم يعكس حالة من القلق حول مستقبل الاقتصاد الاسباني.



الشكل التالي يوضح أنه بسبب حالة عدم التأكد حول الديون الاسبانية فان فروق معدلات العائد على السندات الاسبانية (المنحنى الأصفر) والعائد على السندات الألمانية (المنحنى الأحمر) لمدة 10 سنوات آخذه في الاتساع، بدءا من نفس التاريخ تقريبا. وهو ما يعكس حالة القلق بين المستثمرين في الأسواق المالية حول الوضع في اسبانيا.







الشكل التالي يوضح أن معدلات النمو السنوي في الناتج المحلي الإجمالي في اسبانيا (المنحنى الأحمر) كانت تفوق تلك السائدة في باقي دول أوروبا بشكل عام (المنحنى الأزرق)، غير أنه من الواضح ان استعادة النشاط الاقتصادي في اسبانيا تواجه بعض المشكلات حيث تتأخر اسبانيا بشكل عام في استعادة نشاطها الاقتصادية مقارنة مع باقي دول أوروبا.







تراجع معدلات استعادة النشاط الاقتصادي لا بد وأن تنعكس في تراجع معدلات التوظف وارتفاع معدلات البطالة. الشكل التالي يوضح متوسط معدلات البطالة في منطقة اليورو (المنحنى الأزرق)، ومعدل البطالة في اسبانيا (المنحنى الأحمر)، لاحظ أنه في الوقت الحالي بينما تبلغ معدلات البطالة في منطقة اليورو حوالي 10% تقريبا، فإن معدلات البطالة في اسبانيا تصل إلى حوالي 20%، وهو معدل مرتفع جدا، أن لا يجد عامل من كل 5 عمال وظيفة بسبب الأوضاع الاقتصادية السيئة لأسبانيا.







الشكل التالي يوضح أن أسعار المساكن في اسبانيا تواجه تراجعا واضحا ومنذ فترة طويلة. فبدءا من 2004 حيث بلغت معدلات النمو السنوي في أسعار المساكن في أسبانيا أقصى مستوياتها (حوالي 18%)، أخذ النمو في أسعار المساكن في التراجع على نحو واضح، وأخذت أسعار المساكن في الانخفاض بدءا من 2008. وبالرغم من أن أسعار المساكن تشهد تحسنا، إلا أن الأسعار ما زالت تتراجع، وهو ما يعني أن السوق يواجه ضغوطا كبيرة. هذه الضغوط تتحول بشكل أساسي إلى موجات توقف عن السداد سواء من قبل المقترضين في القطاع العائلي، أو من جانب الشركات المطورة للعقار.






من الناحية النظرية يفترض ان تدهور قيمة اليورو سوف يساعد اسبانيا، حيث يفترض ان يعمل على زيادة صادراتها إلى الخارج (حيث تصبح أسعار السلع الاسبانية ارخص)، وخفض وارداتها من الخارج (حيث تصبح أسعار الواردات أغلى)، غير ان هيكل صادرات وواردات اسبانيا يوضح ان معظم شركاء اسبانيا هم من أوروبا أي يستخدمون نفس العملة، وبالتالي فان تراجع قيمة اليورو لا ينعكس على أسعار الصادرات إلى هذه الدول، ولا أسعار الواردات منها. ووفقا للشكل التالي نجد أن صادرات اسبانيا تتجه أساسا إلى فرنسا وألمانيا والبرتغال وإيطاليا، بينما تستورد أساسا من ألمانيا وايطاليا وفرنسا وايطاليا وهولندا، وهذه الدول أعضاء معها في اليورو، أي تستعمل نفس العملة، ومن ثم فان انخفاض اليورو لا يساعد ميزان المدفوعات الاسباني كما هو واضح من الشكل.







مشكلة الأوضاع المالية لأسبانيا تتضح بصورة أكبر إذا نظرنا إلى التزامات اسبانيا نحو خدمة ديونها كما يتضح من الشكل التالي، حيث يفترض ان تدفع اسبانيا حوالي 213 مليار يورو لخدمة ديونها خلال الثلاث سنوات القادمة. بصفة خاصة في عام 2011 سوف يحل أجل مدفوعات خدمة دين تصل إلى 84 مليار يورو. حجم الدين الاسباني في 2010 يبلغ 564 مليار يورو، غير أن الدين الاسباني مرشح للتزايد ليبلغ حوالي 950 مليار يورو في 2013، مما يعكس نموا سريعا للغاية في حجم الدين الاسباني العام.







عندما نضع هذه الصور معا فإنها تشكل صورة مقلقة عن الاقتصاد الاسباني، فهل تكون اسبانيا هي اليونان القادمة. الإجابة على هذا السؤال غير ممكنة حاليا، وعلينا ان ننتظر عما تكشف عنه حول الأوضاع في الاقتصاد الاسباني.


المصدر: http://www.businessinsider.com/guide-to-the-spanish-debt-crisis-2010-5#-1

السبت، مايو ٢٢، ٢٠١٠

بنك أمريكي واحد يفلس هذا الأسبوع


تراجعت وتيرة إفلاس البنوك الأمريكية على نحو واضح هذا الأسبوع، على الرغم من تزايد أعداد البنوك المضطربة ماليا في الولايات المتحدة، وكانت عملية إفلاس البنوك الأمريكية قد أخذت اتجاها يدعو للقلق منذ 3 أسابع حيث تم الإعلان عن إفلاس 7 بنوك أمريكية بخسائر مالية ضخمة. هذا الأسبوع تنحسر الضغوط على الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع بصورة كبيرة حيث شهد إفلاس بنك أمريكي واحد فقط. البنك الذي أفلس هو بنك Pinehurst Bank, St. Paul, Minnesota بولاية مينسوتا، وهو من البنوك صغيرة الحجم. فقد بلغت أصول هذا البنك في 31 مارس الماضي 61.2 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات لدى البنك 58.3 مليون دولارا. إفلاس هذا البنك سوف يكلف الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع في الولايات المتحدة خسائر تقدر بستة ملايين دولار. بهذا الشكل يكون هذا البنك هو البنك السادس في الولاية الذي أعلن عن افلاسه منذ بداية العام.

البنوك المضطربة ماليا يعلن عنها في قائمتين هما قائمة غير رسمية والتي لم يطرأ تغيرا كبيرا فيها هذا الأسبوع، حيث يبلغ حاليا عدد البنوك المضطربة ماليا والمدرجة في القائمة حوالي 737 بنكا، وتقدر أصول هذه البنوك بحوالي 363 مليار دولارا. من جانب آخر أفرجت المؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع هذا الأسبوع عن القائمة الرسمية للبنوك المضطربة ماليا في الولايات المتحدة والتي تشمل 775 بنكا يبلغ إجمالي أصولها 431 مليار دولارا. ( للحصول على نسخة من التقرير الربع سنوي للمؤسسة الفدرالية للتأمين على الودائع عن الربع سنة الأول لهذا العام اضغط على الرابط ، http://www2.fdic.gov/qbp/2010mar/qbp.pdf ). أهم البنوك التي أضيفت للقائمة هي:

Notable additions this week include City National Bank of Florida, Miami, FL ($4.6 billion); The National Republic Bank of Chicago, Chicago, IL ($1.3 billion); Butte Community Bank, Chico, CA ($523 million Ticker: CVLL). Other additions include the add back of Mountain West Bank, National Association, Helena, MT ($795 million Ticker: MTWF); and Pikes Peak National Bank, Colorado Springs, CO ($84 million),

الشكل التالي يوضح تطور أعداد البنوك المضطربة ماليا في الولايات المتحدة خلال الفترة من 1990 حتى الربع الأول من 2010، لاحظ من الشكل عودة أعداد البنوك المضطربة الى التصاعد بصورة واضحة هذا العام.  


الجمعة، مايو ٢١، ٢٠١٠

دور صندوق النقد الدولي بعد الأزمة المالية العالمية

نشر في العدد الخامس من مجلة آفاق المستقبل مايو 2010
مقدمة
صندوق النقد الدولي هو أحد أهم المؤسسات الدولية المتخصصة التي تم إنشاؤها بموجب معاهدة "بريتون وودز" في عام 1945، ويهدف الصندوق أساسا إلى الحيلولة دون وقوع أزمات في النظام النقدي الدولي من خلال حث الدول الأعضاء، الذين يتجاوز عددهم 180 عضوا حاليا، على تبني سياسات اقتصادية سليمة ومد الأعضاء بما يحتاجونه من موارد مالية بصورة مؤقتة لمعالجة ما يتعرضون له من مشكلات في ميزان المدفوعات، ويعمل صندوق النقد الدولي على تحسين الأوضاع الاقتصادية العالمية من خلال ضمان التوسع المتوازن في التجارة العالمية، وتحقيق استقرار معدلات صرف العملات، والعمل على وقف تنافس الدول على تخفيض قيم عملاتها، فضلا عن العمل على تصحيح اختلالات موازين المدفوعات للدول الأعضاء، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف، يقوم الصندوق بمراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية للأعضاء وتقديم النصيحة فيما يتعلق بالسياسات التي يجب أن يتبعها الأعضاء، وإقراض الدول الأعضاء التي تواجه مشكلات في موازين مدفوعاتها، ودعم سياسات التصحيح والإصلاح الهيكلي التي تهدف إلى معالجة أوجه الخلل الهيكلي الذي تواجهه، فضلا عن تقديم المساعدة الفنية إلى حكومات البلدان الأعضاء.

ومنذ وقوع الأزمة المالية العالمية مارس الصندوق دورا فعالا في مساعدة العالم على الخروج من الأزمة، واتخذ العديد من الإجراءات بهدف زيادة الموارد المالية التي يتيحها للدول الأعضاء للتكيف مع أوضاع الأزمة، بل وقام بتعديل شروط الإقراض للدول الأعضاء في ظل الأزمة، ولعل حده الأزمة الحالية تفرض الكثير من التساؤلات حول الدور الذي يجب أن يلعبه الصندوق في مرحلة ما بعد الأزمة. ويحاول المقال الحالي عرض متطلبات الدور الذي يجب أن يلعبه صندوق النقد الدولي في مرحلة ما بعد الأزمة، وباختصار فإن الصندوق في حاجة إلى تقييم الدور الذي يقوم به في تقديم الموارد المالية اللازمة للدول الأعضاء فضلا عن تعزيز موارده المالية ومراجعة متطلبات أداء هذا الدور بالفاعلية المطلوبة لتحقيق الاستقرار النقدي الدولي والنظر في تعديل نظامه الأساسي، بصفة خاصة نظام الحصص، وكذلك النظر في إدخال نظام متعدد الأطراف للمراقبة لضمان سلامة النظام النقدي الدولي، وبشكل عام يمكن تصور ثلاث أولويات أساسية للصندوق في أعقاب الأزمة تتمثل في:


العمل على تجنب تكرار مثل هذه الأزمة

ان اضطلاع صندوق النقد الدولي بهذا الدور يقتضي تعديلا في طبيعة الدور الرقابي الذي يقوم به الصندوق في النظام النقدي العالمي الآن، إذ يقتصر دور الصندوق حاليا على متابعة الأوضاع المالية والنقدية للدول الأعضاء وبصورة ثنائية Bilateral، ومن ثم تقديم المشورة المناسبة وفقا لرؤيته حول تطورات الأوضاع المالية والنقدية في كل دولة على حده، ومثل هذا الدور في حاجة إلى ان يتطور بصورة تمكن الصندوق من ممارسة دور رقابي ومتابعة للأوضاع المالية بصورة متعددة الأطراف Multilateral، أي على المستوى الدولي، ولا شك ان قيام الصندوق بمثل هذا الدور سوف يتطلب تعديلا جذريا في مهام الصندوق ورسالته، غير ان الحديث يتزايد اليوم عن أهمية ومتطلبات قيام الصندوق بهذا الدور.

تطوير نظم التعامل مع الأزمات

لقد أظهرت الأزمة وبصورة جلية المخاطر التي يمكن ان تترتب على نقص الموارد المالية للدول الأعضاء، ويتصور في عالم ما بعد الأزمة ان يطور الصندوق من موارده وإمكانياته المالية بغرض تأمين الحجم اللازم من الموارد المالية الذي يساعد مختلف دول العالم على مواجهة نقص الاحتياطيات في ظل ظروف الأزمات، وبشروط إقراض ميسرة وبالصورة التي تمكن دول العالم من استعادة مستويات النشاط الاقتصادي بسهولة وبدون تكلفة كبيرة.

دعم الاحتياطيات الدولية

لقد كشفت الأزمة الحالية عن مدى قصور موارد الصندوق من الاحتياطيات التي يمكن استخدامها لمواجهة متطلبات الاستقرار النقدي في الدول الأعضاء، ولعل الأزمة الحالية تمثل فرصة هامة للصندوق لمراجعة استراتيجياته في هذا المجال، وتطوير نظم مبتكرة لتأمين احتياطيات دولية مستدامة وبما يجنب الدول الأعضاء تكاليف الإفراط في الاحتفاظ باحتياطيات فائضة عن الحاجة على النحو الذي سيرد تفصيله لاحقا.

ولوضع هذه الأولويات موضع التنفيذ يحتاج الصندوق إلى مجموعة من الخطوات الأساسية لتعزيز دوره على المستوى الدولي.

تفعيل الرقابة المالية للصندوق

يأمل المراقبون في أن يتمكن الصندوق في المستقبل من الاضطلاع بمهام الرقابة على النظام المالي العالمي ويكون قادرا، بالتعاون مع مجلس الاستقرار المالي، على زرع جهاز للإنذار المبكر الذي يكفل توجيه أنظار العالم للمخاطر المحيطة بالنظام المالي العالمي وأهمية التدخل في الوقت المناسب وكيفية التدخل لمنع تدهور الأوضاع في الأسواق المالية العالمية. كما يأمل الصندوق ببدء برنامج تقييم القطاع المالي FSAP بما يمكن الصندوق من ممارسة قدر أكبر من الرقابة المالية والاقتصادية. غير أنه تنبغي الإشارة إلى ان هذا الدور يقتضي ضرورة تعزيز القدرة الرقابية للصندوق على الدول المتقدمة وعلى الأسواق المالية الأكثر تأثيرا في العالم، وأن قدرة الصندوق على ممارسة هذا النوع من الرقابة سوف تعتمد أساسا على قدرته على إجراء تقييم للأوضاع المالية للدول، بصفة خاصة سياسات القطاع المالي في الدول ذات التأثير الكبير في النظام المالي الدولي، وهو ما يتطلب إعطاء الصندوق صلاحيات ربما تتجاوز صلاحياته الحالية فيما يتعلق بقدرته على القيام بالتقييم والرقابة على الأوضاع المالية للدول الأعضاء، وعلى التزام الدول الأعضاء بالتعاون مع الصندوق لتحقيق مستهدفاته في هذا المجال، ومدى إمكانية إعلان نتائج هذا التقييم بالشفافية المطلوبة التي تجنب النظام المالي الدول المخاطر النظامية التي يمكن أن تنجم عن كشف مثل هذه النتائج. وبشكل عام لابد من إعادة النظر في الصلاحيات الممنوحة للصندوق لتشمل، ليس فقط السياسات الاقتصادية الكلية وإنما أيضا، سياسات الاستقرار المالي التي يمكن أن تحدث تأثيرا على مستويات الاستقرار في العالم، وذلك بدلا من الاهتمام بصفة أساسية بسياسات توازن ميزان المدفوعات والاستقرار النقدي والمالي واللذان يمثلان محط اهتمام الصندوق. كذلك فإن اتساع أسواق المال في ظل مناخ العولمة الجديد لا بد وان يصاحبه أيضا منح الصندوق صلاحيات أكثر في مراقبة تحركات رؤوس الأموال ومنع أي مخاطر نظامية يمكن أن تنشأ عنها.

من ناحية أخرى فإن المشكلة الأساسية في الإطار الحالي للرقابة والمتابعة من قبل الصندوق أنه ينصب بصورة أساسية على النظام الثنائي، أي من خلال تقييم الصندوق للسياسات النقدية والمالية للدول الأعضاء، بشكل ثنائي، والموجهة أساسا لضمان الاستقرار النقدي وتوازن ميزان المدفوعات، بينما لا يوجد حاليا نظام رسمي متعدد الأطراف يتيح للصندوق القيام بهذه المهمة على المستوى الدولي، وان كان الصندوق يقوم حاليا بنشر تقارير في غاية الأهمية عن الأوضاع العالمية مثل تقرير World Economic Outlook، وتقرير Global Financial Stability Report، غير ان هذه التقارير تظل في النهاية مجرد تقييم للأوضاع المالية العالمية دون ان تخول الصندوق للقيام بما يلزم لمنع أو تعديل المخاطر التي يمكن ان تسبب أزمة نظامية.

زيادة الموارد المالية والتسهيلات التي يقدمها للصندوق

تعد الموارد المالية الحالية للصندوق، للأسف، محدودة نسبيا قياسا إلى حاجة الدول الأعضاء للاقتراض، بصفة خاصة في الظروف غير الاعتيادية مثل الأزمات المالية، ولذلك غالبا ما يلجأ الصندوق إلى الأعضاء الذين لديهم فوائض مالية لتوفير الموارد بشكل مؤقت لدعم قدرته على توفير المساعدة في أوقات الطوارئ. وقد أثبتت الأزمة الحالية مدى قصور موارد الصندوق عن تلبية احتياجات الاستقرار المالي والاقتصادي في العالم، ويعمل الصندوق حاليا على تنفيذ برنامج مكثف لبيع جانب من مخزون الذهب الذي يملكه، كما يفترض ان تنطوي المراجعة القادمة لحصص الدول الأعضاء عن زيادة جوهرية في إجمالي موارد الصندوق بما يدعم قدرته على تأمين جانب أكبر من الاحتياجات المالية للدول الأعضاء في الأجل الطويل، وبما يساعد على تحقيق الأهداف الأساسية للصندوق كمقدم للمساعدات المالية اللازمة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي للدول الأعضاء، وبما يعمل على تقليل الحاجة لدى الدول على الاحتفاظ باحتياطيات دولية مفرطة لمواجهة احتياجات ميزان المدفوعات، والتي غالبا ما تكون مكلفة للدول وكذلك للنظام المالي الدولي.

من ناحية أخرى فان الدور الجديد الذي يؤمل أن تلعبه حقوق السحب الخاصة سوف يرفع من احتياطيات الدول الأعضاء ومن ثم زيادة قدرتها على التعامل مع اختلالات موازين مدفوعاتها، وحقوق السحب الخاصة هي أصل احتياطي دولي أنشأه الصندوق في عام 1969 لدعم التوسع في التجارة العالمية، ويقوم الصندوق بإصدار هذه الحقوق وتخصيصها للأعضاء حينما تنشأ الحاجة، وقد اقر الصندوق في العام الماضي زيادة جوهرية في توزيعات حقوق السحب الخاصة بحوالي 250 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 283 مليون دولارا)، والتي يتوقع ان يترتب عليها تحسينا جوهريا في أوضاع الاحتياطيات الدولية للأعضاء، بصفة خاصة الدول الناشئة. غير أن عملية ربط توزيع حقوق السحب الخاصة بنظام الحصص في الصندوق تقلل من الفوائد المرجوة لمثل هذا التوزيع على الاحتياطيات الدولية للدول الفقيرة، حيث يبلغ إجمالي نصيب الدول المنخفضة الدخل من هذه التوزيعات حوالي 18 مليار دولارا فقط، وعلى كل حال من المفترض، بعد هذه الزيادة الجوهرية في حقوق السحب الخاصة، أن يفكر الصندوق بصورة ملية في تطوير هذه الأداة لكي تلعب دورا اكبر في الاحتياطيات العالمية للدول الأعضاء، ولدعم قدرة الصندوق على توفير تلك الاحتياطيات، بصفة خاصة للدول الفقيرة.

يفترض أيضا ان يحدث تحول جوهري في شروط المساعدات التي يقدمها الصندوق للدول الأعضاء بصفة خاصة فيما يتعلق بتكلفة الاقتراض من الصندوق، وتجدر الإشارة إلى حدوث تحولات مهمة في هذا الجانب حيث أعلن الصندوق عن زيادة غير مسبوقة في الموارد المتاحة للإقراض بشروط ميسرة، ويتوقع ان يصل حجم هذه الموارد إلى 17 مليارا بحلول عام 2014، كما أعفى الصندوق الدول الفقيرة من مدفوعات الفائدة على القروض الميسرة حتى 2011. ومن أهم الخطوات التي اتخذها الصندوق هي إنشاء ما يسمى بخط الائتمان المرن والموجه أساسا لحماية الدول التي تتسم بأدائها الاقتصادي الثابت، الذي يتيح التمويل على الفور بمبالغ جوهرية يمكن أن تصل إلى 500% من حصة العضو وبدون أي شروط إضافية. ويتميز هذا الخط بأنه يسمح للعضو بالسحب من موارد الصندوق بغض النظر عن استيفاءه لأهداف السياسة الموضوعة من قبل الصندوق، على عكس ما عهد عليه الصندوق في الماضي من ربط السحب من موارده بالالتزام بتطبيق إجراءات السياسة الموضوعة في الاتفاق، غير أنه وللأسف الشروط الخاصة بهذا الخط الائتماني لا تنطبق إلا على مجموعة قليلة من دول العالم، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تستفيد منه دولة فقيرة. كذلك يجري العمل حاليا على رفع الحدود القصوى للاقتراض التراكمي للعضو إلى 600% من حصة العضو.

كذلك يفترض من الناحية النظرية أن يلعب الصندوق في المستقبل دور المقرض الأخير لدول العالم Lender of the last resort، لكي تحصل على احتياجات الاقتراض اللازمة لها منه، وهي مهمة يبدو ان الصندوق غير مستعد لها، على الأقل في الوقت الحالي، ذلك أن وظيفة المقرض الأخير تتطلب حجما من الموارد يفوق الإمكانيات الحالية والمتوقعة في المستقبل المنظور للصندوق، ولذلك تجد دول العالم نفسها تحت ضغط الاحتفاظ بقدر مناسب من الاحتياطيات يتوافق مع احتياجاتها المتوقعة، ولما كان قدرا كبيرا من الاحتياطيات على المستوى العالمي لا يتم استخدامه، فان النظام الحالي للاحتفاظ بالاحتياطيات يترتب عليه تكلفة فرصة ضائعة ضخمة لدول العالم مجتمعة، ولذلك فإن تعظيم العائد من الاحتياطيات قد يتطلب من الصندوق العمل على إنشاء مجمع الاحتياطيات على المستوى العالمي من خلال ابتكار ترتيبات لتجميع الاحتياطيات على المستوى القطري في هذا المجمع، ويتم بمقتضى هذا النظام تسهيل حصول الدول على الاحتياطيات الكافية لها وبما يتوافق مع استدامة قدراتها على رد تلك الاحتياطيات، وهو النظام الذي يمكن الصندوق بأن يضطلع بوظيفة المقرض الأخير وفي ذات الوقت يمكن الصندوق من إدارة قدر هائل من الاحتياطيات الدولية التي تمكنه من أن يلعب دور المقرض الأخير بسهولة وفاعلية وبما يساعد على تدنية الاحتياطيات على المستوى القطري. ومما لا شك فيه أن مثل هذا المقترح سوف يتطلب قدرا عاليا من التنسيق بين الصندوق ودول العالم المختلفة فيما يتعلق بمستويات وكيفية استخدام الاحتياطيات الفائضة من قبل الصندوق وهو أمر ليس متاحا حاليا في النظام النقدي الدولي.

إصلاح نظام الحصص

تمثل حصة الدولة في صندوق النقد الدولي مساهمتها في رأس مال الصندوق، ولحصة الدولة أهمية كبيرة لأنها تحدد القوة التصويتية للعضو من جانب، وتحدد أيضا التسهيلات المالية التي يمكن أن يحصل عليها العضو من الصندوق من جانب آخر، بما في ذلك توزيعات حقوق السحب الخاصة. ويتسم التوزيع الحالي للحصص بعدم العدالة بين دول العالم المختلفة، خصوصا دول العالم الفقير، وهي مجموعة الدول الأحوج لمساعدة الصندوق ومساندته. المشكلة أن هذه المجموعة من الدول ممثلة تمثيلا اقل مما يجب، ووزن قوتها التصويتية ضعيف للغاية، ومن فإن الصندوق في حاجة إلى إصلاح النظام الحالي للحصص لكي يعكس ليس فقط الأهمية النسبية للدول الأعضاء في التجارة والمعاملات المالية الدولية كما هو الحال الآن، ولكن أيضا لإتاحة الفرص بصورة اكبر للدول الأقل تمثيلا في الحصص، بصفة خاصة الدول الفقيرة، وتقليص هيمنة الدول الغنية على عمليات اتخاذ القرارات في الصندوق. وتجدر الإشارة إلى ان الصندوق يقوم بمراجعة دورية لنظام الحصص وقد كان آخر موعد للمراجعة هو 2008، وموعد المراجعة القادمة، وهي المراجعة رقم 14، هو 2011، ويقترح في هذه المراجعة ان تتم مضاعفة الحصص بهدف زيادة موارد الصندوق على نحو مستدام، وكانت مجموعة العشرين قد اقترحت إجراء إصلاح في نظام الحصص الحالي من خلال إعادة هيكلة هذه الحصص بحيث يسحب جزءا من حصص الدول ذات التمثيل المرتفع في الصندوق إلى الدول الناشئة والنامية بحوالي 5%-7% على الأقل، ووفقا لهذه الإصلاحات يفترض ان تحصل 54 دولة على زيادات في حصصها، غير ان المراجعات السابقة لم تسفر عن تعديل جوهري في خفض حصص الدول المهيمنة.

تعزيز الحوكمة والشفافية

كثيرا ما توجه إلى صندوق النقد الدولي بعض الانتقادات المرتبطة بدرجة الحوكمة والشفافية التي يتمتع بها، على سبيل المثال هناك نقص في الشفافية في اختيار قادة الصندوق، ولتعزيز مستويات الشفافية لا بد وان تتم عملية اختيار مدير صندوق النقد الدولي والموظفين المهمين فيه على أساس من المنافسة والكفاءة وليس على أساس الجنسية أو حجم حصة الدولة العضو التي ينتسب إليها المرشح مثلما هو متبع حاليا بشكل غير رسمي، كما يجب مراجعة تشكيل المجلس التنفيذي للصندوق بحيث تتم إتاحة تمثيل أفضل للدول النامية والفقيرة. من ناحية أخرى فإن تعزيز دور الصندوق عالميا سوف يتطلب إصلاحا مؤسسيا للإطار الذي يمارس فيه الأعضاء عملية التصويت على القرارات التي يتخذها والسياسات التي ينفذها الصندوق، كما أن لجان ومجالس الصندوق في حاجة إلى مراجعة أدوارها ومسئولياتها. كذلك تجري محاولات حاليا لرفع درجة الشفافية في البيانات التي ينشرها والمعلومات المتعلقة بعمل الصندوق، وقد وافق المجلس التنفيذي على نشر الوثائق التي يصدرها الصندوق، ما لم يعترض البلد العضو، وتوسيع نطاق الوثائق التي يجب أن تنشرها السلطات الوطنية بما في ذلك تلك الخاصة بصحة القطاع المالي، ونشر كافة الوثائق المتعلقة بالسياسات مالم تتضمن معلومات تؤثر على السوق.

كذلك فإن تعزيز الحوكمة يتطلب تعديل نظام الحصص الحالي على النحو الذي سبقت الإشارة إليه، ويأتي تعديل الحصص من مصدرين الأول هو زيادة عدد الأصوات الأساسية في الصندوق والثاني إعادة توزيع هذه الأصوات بين الدول الأعضاء. ويأتي مقترح إصلاح نظام الحصص بهدف التأكد من أن الأوزان التصويتية للدول الأعضاء تعبر بشكل أفضل عن المراكز النسبية لكل عضو في الاقتصاد الدولي، وأنه ويأخذ في الاعتبار التغييرات التي حدثت في تلك المراكز، فضلا عن تعزيز تمثيل الاقتصاديات الصغيرة نسبيا.

وكثيرا ما ينتقد الصندوق بأنه يضع شروطا قاسية على الدول التي تلجأ إليه، ويفكر الصندوق حاليا في إصلاح نظام الإقراض وتخفيف الشروط التي يفرضها على الدول الأعضاء التي تلجأ إليه، بما يمكن الصندوق من المساعدة على منع وقوع الأزمات ومعالجة ما يقع منها بفاعلية أكبر، ويعمل الصندوق حاليا على التخفيف من شروط الإقراض في اتفاقيات المساندة، حيث تنقسم الشروط إلى نوعين: شروط اقتصادية كلية وتنصرف إلى ضرورة التزام العضو بالعمل على تخفيض معدل التضخم والسيطرة على عجز الميزانية والحد من نمو الدين العام وإعادة تعبئة الاحتياطيات الدولية.. الخ، وشروط هيكلية، وتنصرف إلى التزام الدولة بضرورة اتخاذ ما يلزم لإصلاح النظام الضريبي والمالية العامة وتعزيز الرقابة المصرفية وبناء شبكات الأمان الاجتماعي، وغالبا ما تشعر الدول التي تضطر إلى اللجوء إلى الصندوق بكثافة الإجراءات المطلوب اتخاذها وتعددها بالدرجة التي تشعر الدولة بافتقاد سيادتها الوطنية على عملية صناعة السياسات بها بسبب الإفراط الشديد في التدخل من قبل الصندوق في شئونها، ولإصلاح النظام الحالي ادخل الصندوق إطارا جديدا لعملية الإقراض يعتمد على الأهداف الأساسية لبرنامج الإصلاح الهيكلي الذي سيطبقه العضو، بدلا من التركيز على استيفاء الإجراءات في التوقيتات المحددة سلفا، وقد كان العضو يحرم من الاستفادة من موارد الصندوق إذا ما لم يتمكن من الالتزام بالشروط الهيكلية المتفق عليها، حتى ولو كانت هناك أسباب وجيهة تؤخر تنفيذ مثل هذه الالتزامات من قبل العضو، وفي جميع الحالات كان ينظر إلى العضو بأنه حاد عن الإطار الصحيح للإصلاح الهيكلي، أما الآن فقد أصبح من حق العضو الاستفادة بالشرائح التالية في القروض طالما أنه ماض في تنفيذ السياسات المتفق عليها مع الصندوق بنجاح، أي أن الصندوق أصبح يركز على مراقبة مدى تنفيذ العضو للسياسات وليس مراقبة معايير الأداء الهيكلية. مثل هذه الإجراءات سوف تشجع الدول على اللجوء إلى الصندوق لمعالجة أزماتها ومشاكلها الهيكلية بعد ان كان الكثير من الدول يتردد في اللجوء إلى الصندوق لتفادي تدخله الحاد في شئونها الداخلية.

تقديم ما يلزم من مساعدات فينه

تنبغي الإشارة إلى أنه قد حدث تحول جوهري في المهام التي يقدمها الصندوق من مجرد مقدم للمساعدة المالية عند الحاجة إلى الاهتمام بالمساعدات الفنية التي يمكن أن يقدمها للدول الأعضاء بصفة خاصة الدول الفقيرة. ويهدف الصندوق من وراء تقديم المساعدات الفنية إلى مساعدة الدول على بناء المؤسسات اللازمة لدعم مستويات النمو بها كما يمكنه دعوة المؤسسات الدولية والإقليمية للمساهمة في تحديد السياسات ووضع الأولويات لهذه الدول. وتتمثل أهم مجالات المساعدة الفنية في دعم مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وإعانة الدول الفقيرة على استيعاب المساعدات من الدول المانحة والدول الأخرى المقدمة للمساعدات، والمساعدة في كيفية تقديم وتبويب البيانات والإحصاءات بالصورة التي تسهل عمل التحليلات الاقتصادية والمالية السليمة، ورسم وتنفيذ سياسات للمالية العامة والميزانية وإدارة الإنفاق العام ومراقبته، وإدارة الإيرادات من الثروة الطبيعية بما في ذلك إدارة الصناديق السيادية، وإدارة الدين العام للدولة والتأكد من استدامة قدرة الدول على مواجهة أعباءه وتقوية الأطر الرقابية والقانونية والبنى التحتية للأسواق المالية وتحليل الروابط الاقتصادية الكلية والمالية.

هل الاتحاد النقدي الأوروبي منطقة عملة مثلى

نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية، بتاريخ الجمعة 21 مايو 2010

عندما بدأ التفكير في إطلاق اليورو تحدث كثير من المراقبين، خصوصا الأمريكان منهم، عن أن الاتحاد النقدي الأوروبي لا يمثل منطقة عملة مثلى Optimum Currency Area، لأنه يفتقد جانبا كبيرا من شروطها، وذلك عندما تتم عملية المقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تستخدم أيضا عملة موحدة ولكنها تكتسب خصائص منطقة العملة المثلى، على الأقل في المراحل المتأخرة لإطلاق الدولار كعملة موحدة. غير أن الأوروبيين كانوا عازمين على المضي في مشروع العملة الموحدة على أمل أن أي انحراف عن شروط منطقة العملة المثلي سوف يتم التقارب معه بمرور الوقت وبالنجاح المتوقع أن يحققه اليورو على المستوى الدولي. وبالفعل مع مضي الدول الأوروبية في مشروع العملة الموحدة وتحقيق اليورو لنجاحات كبيرة على ارض الواقع، كان جانبا كبيرا منها يعود إلى ضعف الدولار، بدأت آراء هؤلاء المراقبين تختفي تدريجيا من الكتابات الاقتصادية في هذا المجال، حتى حدثت أزمة اليونان فأعادت إلى الصورة آراء هؤلاء المراقبين بقوة، وأثبتت بأنهم كانوا على صواب عندما تحدثوا عن أن منطقة اليورو ليست بالفعل منطقة عملة مثلى. ولكن ما هي شروط منطقة العملة المثلى؟ تشير نظرية منطقة العملة المثلى، والكتابات المتعددة في هذا المجال، إلى أن أهم هذه الشروط هي:

1. تماثل الدورات الاقتصادية للدول الأعضاء، أي عندما تتعرض المنطقة لضغوط انكماشية فإن جميع الدول في المنطقة ستعاني من هذه الضغوط، وحينما تتعرض المنطقة لضغوط تضخمية فإن كافة الدول الأعضاء ستواجه نفس الضغوط وهكذا، حتى لا تكون هناك دولة تواجه كسادا بينما هناك انتعاشا اقتصاديا في باقي الدول الأعضاء، على النحو الذي هو حادث اليوم بالنسبة لليونان. تماثل الدورات الاقتصادية في الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي يعد شرط هاما جدا لتمكين الاتحاد النقدي من أن يتبع سياسة نقدية موحدة بسهولة، بحيث يسهل إحداث الاستقرار الاقتصادي المطلوب في كافة الدول الأعضاء، أما عدم تماثل الدورات الاقتصادية فسوف يجعل من السياسة النقدية الموحدة مشكلة بالنسبة لبعض الدول الأعضاء، حيث ستساعد بعض الدول بينما ستعقد الأوضاع بالنسبة للبعض الآخر. على سبيل المثال إذا كانت دولة ما تواجه ضغوطا تضخمية بينما يواجه باقي الدول الأعضاء ضغوطا انكماشية، فان إتباع سياسة نقدية توسعية لمساعدة الجانب الأكبر من الأعضاء في الاتحاد النقدي سوف يترتب عليه الإضرار بالدولة التي تواجه ضغوطا تضخمية وسيرفع درجة سخونة اقتصادها. أما إذا كانت دولة ما تعاني من ضغوطا انكماشية بينما تواجه باقي الدول الأعضاء ضغوطا تضخمية، فإن تقييد السياسة النقدية سوف يساعد الدول التي تواجه ضغوطا تضخمية، بينما يعقد الأوضاع في الدولة التي تواجه ضغوطا انكماشية، وهكذا.

2. أن تكون لدى الدول الأعضاء القدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية من خلال مرونة عملية تحديد الأجور والأسعار، وذلك لتمكين الدول من تعديل الأسعار، بصفة خاصة الأجور في حالات الكساد أو الرواج بما يساعد على امتصاص اثر الصدمات الاقتصادية التي يمكن ان يتعرض لها الأعضاء بسهولة، ولقد أثبتت أزمة اليونان أن جمود عملية تحديد الأجور أسهم في إضعاف قدرة اليونان على مواجهة ضغوط الكساد الذي تواجهه.

3. سهولة انتقال عناصر الإنتاج بصفة خاصة عنصر العمل، حتى تقل الضغوط على سوق العمل من خلال سهولة انتقال العمال إلى الخارج (في حالة الضغوط الانكماشية)، أو إلى الداخل (في حالة الضغوط التضخمية)، بما يسهل من امتصاص الدول الأعضاء للصدمات الاقتصادية.

4. تنوع الهياكل الاقتصادية للدول الأعضاء بحيث لا تكون الدول الأعضاء متشابهه في هياكلها الاقتصادية بصفة خاصة هياكل الإنتاج.

5. ضرورة وجود نظام للتحويلات المالية بين الدول الأعضاء خصوصا في أوقات الأزمات، بما يساعد الاتحاد النقدي في التخفيف من أثر أي أزمة تلحق بالدول الأعضاء وتمكين هذه الدول من التكيف مع الأزمة من خلال التحويلات المالية التي تقدم إليها.

لقد كشفت أزمة اليونان التي تواجه حالة كساد وارتفاع في الأجور الحقيقية لعنصر العمل بصفة خاصة، حقيقة أن الاتحاد الأوروبي ليس بالفعل منطقة عملة مثلى، وفي ظل الوضع المتأزم في اليونان كانت الخيارات المتاحة أمامها محدودة جدا، فمن الناحية النظرية عندما تواجه اليونان حالة كساد يمكن لليونان أن تعمل على تخفيض الأجور الحقيقية لعنصر العمل فيها إما من خلال اللجوء إلى التضخم، أو من خلال تخفيض قيمة العملة الوطنية، وذلك حتى ترفع درجة التنافسية الخارجية لاقتصادها. غير أن احتمال لجوء اليونان لأي من هذين الخيارين كان منعدما للأسف بسبب عضويتها في الاتحاد النقدي، فهي لا تستطيع أن تلجأ إلى الخيار الأول لتخفيض القيمة الحقيقية للأجور في اليونان بهدف تحفيز مستويات النشاط الاقتصادي والخروج من حالة الكساد بسبب عدم سيطرتها على السياسة النقدية لديها، والتي يتم رسمها بصورة مركزية من قبل البنك المركزي الأوروبي، كما أنها لا تستطيع أن تلجأ إلى الخيار الثاني لأنها ببساطة لا تملك عملة وطنية حتى تقوم بتخفيضها لكي تتمكن من ان تعزز من قدراتها على جمع عملات أجنبية تستخدمها في التخفيف من حدة أزمة السيولة التي تواجهها. كأجراء بديل كان يمكن أيضا ان تقوم اليونان بتحفيز الطلب من خلال سياساتها المالية التوسعية المصممة نحو هذا الهدف، غير إن الوضع المالي المتأزم لليونان لم يكن ليسمح لها بأن تقوم بذلك، سواء بسبب القيود المفروضة عليها بسبب الاشتراك في اتحاد نقدي أو بسبب الأعباء المرتفعة لدينها السيادي. آخر خيار متاح أمام اليونان هو أن تشجع العمال اليونانيين على الهجرة إلى الدول المجاورة حتى تتحسن الأوضاع في اليونان ثم يعودون مرة أخرى، وذلك حتى تخفف من الضغوط على سوق العمل بها وتقلل من الضغوط على ميزانيتها العامة، ومرة أخرى فإن هذا الخيار، على الرغم من التحاق اليونان بالاتحاد الأوروبي، كان مقيدا، بسبب المشكلات التي يمكن أن تواجه المهاجرين اليونان في التكيف بشكل سريع مع بيئة الدول المستقبلة، فضلا عن أن الدول المستقبلة قد لا ترحب بمثل هذه الهجرة في ظل أوضاعها الحالية. أقفلت بالتالي كافة الخيارات أمام اليونان للتعامل مع أزمتها ومحاولة تحسين أوضاعها.

إذا كانت الخيارات المتاحة أمام اليونان مقفلة، فإنه لا مناص أمام الاتحاد النقدي الأوروبي من أن تتم عملية تحويل مالي بين الدول الأعضاء في الاتحاد واليونان لتمكينها من السيطرة على ضغوط نقص السيولة ومواجهة أعباء خدمة دينها. غير أن مبدأ الإنقاذ المالي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي كان للأسف ضد نص اتفاقية الاتحاد النقدي التي تنص على عدم جواز إنقاذ الدول المضطربة ماليا، ومن ثم أخذت جهود معالجة أزمة اليونان وقتا طويلا من الشد والجذب حتى تم تقديم حزمة الإنقاذ التي يتفق جميع المراقبين على أنها غير كافية لإنقاذ اليونان من وضعها المتردي.

الاقتصادي الشهير بول كروجمان يرى أن الأزمة اليونانية كشفت عن أن الاتحاد النقدي الأوروبي ليس منطقة عملة مثلى بسبب عدم وجود سلطة مالية مركزية في دول الاتحاد النقدي الأوروبي، والتي يمكنها من أن تقوم بإعادة توزيع الإيرادات العامة بين الدول الأعضاء على صورة تحويلات مالية من ألمانيا وفرنسا مثلا إلى اليونان، باعتبارها شرطا أساسيا لمنطقة العملة المثلى، مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث تقوم السلطات المالية المركزية بتقديم الدعم للولايات في أمريكا عند تعرضها لضغوط مالية حادة. من جانب آخر يرى الاقتصادي مانكيو أن نجاح الولايات المتحدة كمنطقة عملة مثلى لم يكن راجعا أساسا إلى وجود سلطة مالية مركزية فقط، بقدر ما كان راجعا إلى مرونة عملية تحديد الأجور والأسعار في الولايات المختلفة وسهولة انتقال عنصر العمل بين الولايات في أمريكا، وأن هذين العاملين تفتقدهما دول الاتحاد النقدي الأوروبي. الخلاصة لقد كشفت الأزمة اليونانية عن حقيقة أن الدول الأعضاء في اليورو لا تمثل حالة منطقة عملة مثلى، وأن الآمال بتحسن الأوضاع مستقبلا ليست ضمانا كافيا لتجنب الأزمات.