الأربعاء، ديسمبر ٣١، ٢٠٠٨

المشاريع الكبرى في الكويت تتهاوى الواحد تلو الآخر

منذ فترة طويلة وهناك جدل كبير بين مؤيد ومعارض لصفقة الداو، والتي تعد أحد المشاريع الإستراتيجية التي عقدتها دولة الكويت مع شركة داو كيميكال في مجال الصناعة النفطية. والمشروع في حد ذاته، بغض النظر عن ما دار حوله من ملاحظات، كان خطوة هامة في سبيل تطوير الصناعة النفطية في دولة الكويت، لو تم عقد الصفقة بصورة تعظم عوائد الكويت وتدني أعباءها من المشروع، ولو تم دراسة المشروع من قبل فريق فني وطني متمرس.

بعد إلغاء مشروع المصفاة الرابعة تلغى الكويت اليوم صفقة مشروع الداو، تحت ضغط نيابي كبير ودفاع مستميت من الوزير المعني، حيث اختارت الحكومة الطريق الأسهل متبعة في ذلك المثل الشعبي الذي يقول "الباب اللي يجي لك من الريح سده واستريح". وهكذا يتهاوى ما سبق أن أعلنت عنه الحكومة من مشروعات كبرى واحدا بعد الآخر. ولكن إذا كان مشروعا ما مثل المصفاة الرابعة أو الداو به عيوبا قانونية، أو يحمل غبنا على الكويت، أو به عيوب فنية فادحة فهل الحل يكون بإلغاء الصفقة؟.

الإجابة هي بالطبع لا، فلن يخلو أي مشروع من المشروعات الضخمة من عيوب، ولا يوجد في العالم ذلك المشروع الكامل المتكامل، حتى في أعتى الدول الصناعية، الذي يخلو من العيوب. وإذا كان التعامل مع الأمور يتم بهذه الصورة، فلن يتم إقرار أي مشروع تنموي في دولة الكويت، لأن أي مشروع لن يخلو من عيوب يستند إليها أي طرف للمطالبة بإلغاء المشروع، بل وستتأثر سمعة الكويت الدولية في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث ستحجم الشركات الدولية عن الدخول في اتفاقيات مع الكويت لعقد مثل تلك المشروعات المشتركة، طالما انه ليس هناك ضمانة في أن يتم إقرار تلك المشروعات، أو يسهل إلغاءها بجرة قلم، بل وسيحرص كل من يتفاوض مع الدولة أن يضع شرطا جزائيا كبيرا ليضمن بذلك أن جهوده في التفاوض لن تذهب سدى.

الإجراء الطبيعي الذي كان يجب على الحكومة القيام به هو تجميع كافة الملاحظات على المشروع، وتشكيل فريق فني لدراسة تلك الملاحظات في ضوء العقد المبرم مع الشركة وفي ظل التزامات الكويت في العقد، وإعداد الرد الفني المناسب عليها، فإذا ما ثبت صحة تلك الملاحظات يتم إعادة التفاوض مع الشركة المعنية في ضوء التقرير الفني، وإذا ما ثبت عدم صحة تلك الملاحظات يتم السير في إجراءات تنفيذ المشروع، مع إطلاع كافة الإطراف بشفافية تامة على نتيجة التقارير الفنية، أما أن يلغى المشروع بجرة قلم فانه بلا شك هدر للجهود التي بذلت في سبيل دراسته والتفاوض عليه، وإضاعة فرصة هامة لتنفيذ احد المشروعات العملاقة، فضلا عن إساءته الشديدة لسمعة الكويت في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر.

ما هو الحل إذن؟ من المؤكد أن الحل لا يكون بإلغاء المشروعات أو الصفقات الكبرى، وإنما بتطوير فريق وطني متمرس يتسم بأعلى درجات المهنية في التفاوض لديه القدرة على عقد الصفقات ودراستها من كافة جوانبها الفنية والقانونية والإدارية والاقتصادية والتسويقية والبيئية وبحيث يمكن تحقيق أعلى المكاسب لدولة الكويت من أي مشروع تموله أو تساهم فيه، وتتدنى تكاليف وأعباء تلك المشروعات على الدولة إلى أدنى حد، ووضع بدائل للتعامل مع أوجه العيب أو النقص في تلك المشروعات.

إذا استمر الوضع بهذا الشكل وأصبح كل مشروع استراتيجي عرضة للإلغاء بسبب عيوبه، فلن تقيم الدولة مشروعا واحدا، لأنه لا يوجد مشروع بدون عيوب، وعلينا أن نتعامل بدرجة عالية من الرشد الاقتصادي في الحكم على المشروعات وان نقبل بقدر ما من التكلفة في سبيل أن تدور العجلة. أما أن تلغى المشروعات بهذا الشكل فان التنمية لا محالة في سبيلها إلى الشلل.

الثلاثاء، ديسمبر ٢٣، ٢٠٠٨

الآوبك تفقد سيطرتها على الاسعار

نشر في جريدة القبس بتاريخ 16/12/2008
بدءا من عام 2003 حتى يوليو 2008 كانت أسعار النفط الخام قد ارتفعت بأكثر من 300%، مدعومة بمعدل نمو عالمي قياسي والتي سادت العالم خلال هذه الفترة، وباتجاهات المضاربة على الأسعار نحو الارتفاع والتي جعلت من تلك السلعة مجالا للاستثمار، فضلا عن عرض مقيد إلى حد كبير ببلوغ الطاقة الإنتاجية للدول الأعضاء في الأوبك إلى مستوياتها القصوى.

غير أن أسعار النفط قد تعرضت لانتكاسة حادة مع تعرض العالم لأسوأ أزمة مالية مر بها منذ أزمة 1929 في القرن الماضي والتي أدت إلى خفض الطلب العالمي على النفط الخام، مما أدى إلى انهيار أسعار النفط من حوالي 150 دولارا للبرميل في يوليو 2008 إلى أدنى مستوى لها حاليا في السنوات الأربع الأخيرة حيث لامست الأسعار حدود الـ 40 دولارا للبرميل الشهر الماضي. ويمثل الانخفاض الحاد في الأسعار نهاية لفترة انتعاش تاريخية شهدتها أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتعكس المستويات الحالية للأسعار الطبيعة التطايرية لسوق هذه السلعة الحيوية عالميا. وقد اعترفت الأوبك بقلة سيطرتها على التقلبات السعرية في أسعار النفط العالمي الخام، على الرغم من أن حصة الأوبك تصل إلى حوالي 40% من السوق العالمي للنفط الخام. وقد اتخذت الأوبك قرارا في أكتوبر الماضي بخفض حصص الانتاج للدول الأعضاء، وفي نوفمبر فشلت الأوبك في التوصل إلى اتفاق على خفض إضافي للحصص، وتم الاتفاق على تأجيل خفض الحصص في اجتماع الجزائر في 17 ديسمبر القادم.

من الواضح أن الأوبك تعاني من مشكلات هيكلية داخلية تهدد تماسكها كأقوى تكتل للمنتجين في العالم، وهناك من الشواهد ما يشير إلى أن سيطرة الأوبك على الأسعار شبه مفقودة تقريبا. وتشير التطورات الحادثة في مستوى النشاط الاقتصادي والعرض العالمي من النفط والطلب عليه فضلا عن مستويات المخزون أن زمام السيطرة على أسعار النفط الخام قد يفلت من يد الأوبك، وربما ينتهي الأمر بأن تصبح الأوبك تكتلا بلا فاعلية كما حدث عدة مرات في الماضي.

ويقف وراء الانخفاض الحالي في الأسعار عاملين رئيسيين هما:

الأزمة الاقتصادية العالمية

يعاني العالم الآن من انكماش ربما يكون الأعمق منذ الأزمة العالمية في 1929، فأسعار السلع التجارية أخذت في الانخفاض بشكل واضح، كذلك انخفضت أسعار المساكن وكذلك أسعار الأسهم في كافة أسواق المال في العالم. فقد انخفضت أسعار النفط الخام بحوالي 75%، من أعلى سعر لها في 2008، كما انخفضت أسعار القمح بحوالي 60% من أعلى أسعار لها في 2008، كذلك انخفضت أسعار المساكن بحوالي 20%، كما قضى انخفاض أسعار الأسهم على جانب كبير من ثروات المتعاملين، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك من خلال ما يعرف بأثر الثروة. ووفقاً لأحدث تقرير صدر عن البنك الدولي بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية 2009"، فإن الاقتصاد العالمي يمر في الوقت الراهن بمرحلة انتقالية بعد فترة طويلة من النمو القوي، إلى حالة من عدم اليقين والغموض الناجم الآثار الشديدة التي ألحقتها الأزمة المالية في البلدان المتقدمة بالأسواق العالمية. ويتوقع التقرير أن ينمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 2.5% فقط في عام 2008 و 0.9% في عام 2009. ومن المرجح أن يبلغ معدل النمو في البلدان النامية 4.5% في العام القادم مقابل 7.9% في عام 2007، في حين ستشهد البلدان المرتفعة الدخل تحقيق نمو سلبي، مع توقع حدوث انكماش في حجم التجارة الدولية بنسبة 2.1% في عام 2009. جميع هذه المؤشرات تشير إلى تراكم الضغوط على الاسعار نحو الانخفاض.

وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض في الأسعار قد يبدو جيدا للمستهلك، إلا انه يحمل معه مخاطر أن يدخل الاقتصاد العالمي في حلزون الانكماش السعري الذي يعمق من احتمالات الركود الاقتصادي العالمي. وهناك عدة أسباب تقف وراء هذا الحلزون الانكماشي في الأسعار، منها تخمة العرض في الأسواق التي تدفع بالأسعار نحو الانخفاض، وهو أمر ملحوظ في أسواق النفط والعقار والمواد الخام والسيارات والأسهم وغيرها من الأصول. وعندما تميل الأسعار نحو الانخفاض فإنها تؤدي إلى تأثير سلبي على إنفاق المستهلكين من خلال اثر التوقعات الانكماشية، حيث يميل المستهلكين نحو إنفاق قدر اقل إما خوفا من احتمال فقدانهم لوظائفهم في المناخ الانكماشي، أو لتوقعهم انخفاض الأسعار بشكل أكبر في المستقبل، ومن ثم فان الاستهلاك المستقبلي يكون أرخص بالنسبة لهم. وفي ظل هذه الأوضاع يميل الإنفاق الاستهلاكي نحو الانخفاض، وهو ما يؤثر سلبا على الإنفاق الاستثماري ومن ثم مستويات النمو الاقتصادي.

ومما لا شك فيه أن مكافحة استدامة الانكماش سوف تحتاج إلى تحرك حكومي واسع وسريع على مستوى العالم، بصفة خاصة من قبل دول العشرين لمجابهة احتمال دخول العالم مرحلة من الركود الاقتصادي الطويل الأمد. فالبنوك المركزية في دول العالم تضخ المزيد من السيولة في اقتصادياتها كما تشجع كل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من خلال خفض معدلات الفائدة الاسمية، على سبيل المثال تم خفض معدل الفائدة بين البنوك في الولايات المتحدة إلى 1%، وقد أعلن برنانكي أن معدلات الفائدة في الولايات المتحدة من الممكن أن تنخفض بشكل أكبر، أي تصل إلى مستوى الصفر. غير انه في ظل هذه الأوضاع وميل معدل الفائدة الاسمي إلى أن يصل إلى أرضيته وهي الصفر، فان هناك احتمال أن يدخل الاقتصاد العالمي في مصيدة الانكماش. ذلك أن معدل الفائدة الحقيقي (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم)، قد يصبح موجبا مع تحول معدلات التضخم إلى معدلات سالبة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية عن المستويات اللازمة لاستعادة مستويات النشاط الاقتصادي إلى مستوياتها التوازنية أو المستهدفة، ومع ميل معدل التضخم نحو الانخفاض أكثر فأكثر فان معدل الفائدة الحقيقي يرتفع تبعا لذلك وهو ما يدخل الاقتصاد في ما يسمى بمصيدة الانكماش. على سبيل المثال فان الاقتصاد الياباني دخل في مصيدة الانكماش ولفترة طويلة خلال التسعينيات على الرغم من أن أسعار الفائدة كانت مساوية للصفر تقريبا، وهي مصيدة يصعب الخروج منها من خلال الإجراءات الكلاسيكية للسياسة النقدية. إذ لا بد في هذه الحالة من تحفيز الاقتصاديات من خلال السياسة المالية أو خلق مناخ يعكس التوقعات الانكماشية إلى توقعات تضخمية تدفع بمعدل الفائدة الحقيقي نحو الانخفاض إلى المستويات اللازمة لإنعاش الطلب الكلي.

ولكن هل يدخل العالم هذه المصيدة الانكماشية، المحللون يؤكدون أن العالم لن يدخل هذه المصيدة خصوصا في ضوء الدروس المستفادة من الكساد العالمي الكبير، ومن الأزمة اليابانية في التسعينيات حول مصيدة الانكماش، وأن البنوك المركزية في العالم ما زال لديها العديد من الأسلحة التي لم تستخدم بعد لمواجهة الاتجاه الانكماشي لاقتصادياتها.

على أي حال فان انخفاض النمو العالمي سوف يعني أن الطلب على النفط الخام سيكون اقل بكثير من المتوقع، ويقدر أن حجم الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية قد انخفض بحوالي 2 مليون برميل يوميا حاليا، وكذلك الحال في الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى اتساع الفجوة بين العرض العالمي من النفط والطلب عليه والتي أخذت في الاتساع مع انخفاض الطلب العالمي على النفط كما يوضح الشكل التالي.

الطلب والعرض العالمي من النفط 2004-2008

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2008

ارتفاع المخزون الاحتياطي لدى الدول الصناعية

حيث تشير البيانات المتاحة إلى تراكم مستويات المخزون لدى دول العالم الصناعي بصفة خاصة الولايات المتحدة، وقد ساعد ارتفاع مستويات المخزون على الضغط على الأسعار نحو الانخفاض، وعلى ذلك فان عدم خفض الإنتاج الآن من جانب الأوبك يحمل مخاطر جمة بالنسبة لتوازن السوق العالمي للنفط، وأهم تلك المخاطر هو تمكين الدول الصناعية من رفع مستويات مخزونها الاحتياطي إلى حوالي 60 يوما، وهو مستوى كفيل بسحق أسعار النفط الخام في السوق الحاضر. والجدير بالذكر أن المستويات الحالية للمخزون تماثل ذلك المستوى الذي انهارت عنده أسعار النفط إلى 11 دولارا للبرميل في ديسمبر 1998. إن مستويات المخزون في الدول الصناعية وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ربما تصل إلى 56 يوما في أكتوبر من هذا العام. ومما لا شك فيه أن ارتفاع مستويات المخزون يجعل من مهمة رفع أسعار النفط مسألة صعبة بالنسبة للأوبك. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تنخفض مستويات المخزون الاستراتيجي لدى الدول الصناعية في الشتاء الحالي، إلا أن تراجع مستويات الطلب للأغراض الصناعية ربما يقلل من تأثير فصل الشتاء على أسعار النفط.

المخزون الاستراتيجي من النفط لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (م برميل)
2008

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

إن تراجع مستويات الأسعار بالشكل الحالي يخلق العديد من الضغوط على دول الأوبك والتي تهدد تماسكها كتكتل للمنتجين وتعقد مهمة محاولة السيطرة على الأسعار. وتأتي تلك الضغوط من عدة أوجه أهمها:

الضغوط المالية

يعتمد معظم منتجو الأوبك على إيراداتهم من النفط في تمويل برامج الإنفاق العام، وقد بنيت خطط الإنفاق الحالية في معظم هذه الدول على أساس أسعار مرتفعة للنفط، على سبيل المثال تم وضع الميزانية الروسية على أساس سعر 90 دولارا للبرميل، بينما تم وضع الميزانية الفنزويلية على أساس سعر 60 دولارا للبرميل في 2009، وكذلك الحال بالنسبة لباقي دول الأوبك. وللأسف فان سعر النفط اللازم لتوازن ميزانيات دول الأوبك قد ارتفع كثيرا في خضم فورة الإنفاق التي عمت تلك الدول في السنوات الأخيرة مدفوعة بالأسعار الاستثنائية للنفط الخام، ومن الواضح أن الميزانيات العامة لجميع الدول سوف تعاني حتى لو تحدثنا عن معدل 60 دولارا للبرميل.

ويحدث ميل أسعار النفط نحو الانخفاض، ومن ثم الإيرادات النفطية نحو التراجع، آثارا سلبية على ميزانيات الدول المصدرة. على سبيل المثال أعلن الرئيس أحمدي نجاد أن انخفاض أسعار النفط سوف يجبر إيران على تخفيض الإنفاق على نطاق واسع، ووقف جانب من المشروعات التي تنفذها البلاد، وربما تضطر إيران إلى خفض الدعم وزيادة الضرائب. وهو ما يضيف إلى مجموعة المشاكل الأساسية التي تعاني منها البلاد بصفة خاصة البطالة والتضخم. وفي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس نجاد انتقادات متزايدة بسبب أداءه الاقتصادي، خصوصا بالنسبة لمعدلات التضخم المرتفع. إيران هي ثاني اكبر دول الأوبك تصديرا للنفط، وتعتمد بشكل واضح على الإيرادات النفطية، على الرغم من تنوع مصادر الدخل في إيران، إلا أن حوالي 80% من الإيرادات الخارجية للدولة تأتي من خلال مبيعات النفط الخام. وبسبب الارتفاع الكبير في حجم الإنفاق العام في إيران فان سعر النفط اللازم لتوازن الميزانية ربما يزيد عن 80 دولارا، في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى إعادة تقييم برامج الإنفاق فيها لتتوافق مع الأسعار المنخفضة بشكل كبير عن هذا المستوى، ومن المتوقع أن تنخفض أعداد المشروعات التي تنفذها الدولة، خصوصا في مجال الخدمات العامة، مثل المياه والكهرباء، وكذلك في مجالي النفط والغاز. من ناحية أخرى فان خفض الدعم ربما يرفع معدل التضخم بشكل كبير في إيران. تضيف أسعار النفط المنخفضة بعدا إضافيا للمشاكل الاقتصادية للدولة، بصفة خاصة عجز الميزانية. في حال استمرار العجز فان الدين الخارجي للدولة سوف يرتفع، وهو يصل حاليا إلى حوالي 30 مليار دولارا. وللأسف فان الاقتصاد الإيراني ربما يكون الاقتصاد الوحيد في المنطقة الذي لم يكون احتياطيات نقد أجنبي ضخمة في ظل الأسعار المرتفعة للنفط.

من ناحية أخرى فان الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط أصبحت تهدد الآن برامج الإنفاق الاشتراكي لفنزويلا، والذي أعلنت عن احتمال حدوث عجز كبير في الميزانية في ظل الأسعار الحالية وفي ظل التزام الرئيس شافيز بنهجه الاشتراكي.

كذلك أعلنت الكويت عن مراجعة خطتها الخمسية نظرا لتراجع أسعار النفط مما يؤثر على توقعات وضع الميزانية العامة للدولة ومعدل النمو المستهدف في الخطة.

ضغوط الاستثمارات الجديدة

تحتاج خطط الاستثمار في تطوير مصادر جديدة للنفط الخام إلى معدلات مرتفعة للأسعار تبرر الإنفاق المتزايد والتكلفة المرتفعة لإنتاج النفط من تلك المصادر الجديدة للعرض. على سبيل المثال قامت شركة شل بتخفيض خططها الرامية إلى استغلال الرمال النفطية الكندية بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاء، حيث يقتضي الأمر أن تكون أسعار النفط في حدود 80 دولارا للبرميل لكي يكون الاستغلال تجاريا.

من ناحية أخرى فان دول الأوبك قد وجهت استثمارات ضخمة في مجال توسعة تسهيلات الإنتاج بها، والتي كان من المفترض أن تضيف 2.5 مليون برميل يوميا في خلال الـ 12 شهرا القادمة. مثل هذه الأوضاع تضيف ضغوطا أكبر على دول الأوبك في الالتزام بأي صيغة لتخفيض حصص الإنتاج، ذلك أن ميزانيات الاستثمار في مجال التسهيلات الإنتاجية الإضافية لا بد وان تحقق عوائد تبرر تلك النفقات، وفي حال تخفيض الإنتاج فان تلك التسهيلات الإنتاجية الجديدة لا بد من إغلاقها، أو تخفيض مستويات الضخ منها، وهو ما يمثل خسارة لعوائد تلك الاستثمارات في تلك الدول.

عدم التزام الأعضاء بقرارات الأوبك

هناك شك حاليا في أن أعضاء منظمة الأوبك يلتزمون بتعهداتهم بالنسبة للقرارات الخاصة بحصص الإنتاج من قبل الأوبك. على سبيل المثال فان وزير النفط السعودي تمنى بأن يلتزم أعضاء الأوبك في الاجتماع القادم في الجزائر على الأقل بنسبة 80% من الخفض المستهدف في أكتوبر 2008، في إشارة إلى أن الأوبك لم تحقق حتى الآن تعهداتها، وانه ربما يحقق الأعضاء حاليا حوالي 60% من تعهداتهم بالنسبة للخفض الأول في الإنتاج، ربما انتظارا لكي تتحمل المملكة العربية السعودية النصيب الأكبر من تلك التخفيضات. ومن الناحية التاريخية، كانت المملكة العربية السعودية هي أكبر من يتحمل أعباء سياسات الخفض في الأوبك، بصفة خاصة عندما كانت تلعب دور المنتج المكمل في الثمانينيات.

فقدان الثقة المتبادل هو الوباء التقليدي لاتحادات المنتجين، خصوصا في أوقات انحسار الطلب. فمن الممكن أن يتم إقرار تخفيضات الإنتاج، ولكن هل تلتزم الدول الأعضاء بهذا التخفيض في الحصص؟ الاحتمال الأكبر انه في ظل ضغوط الميزانية وضغوط الإنفاق الاستثماري في الطاقات الفائضة إلا يتم الالتزام بالحصص سوى في العلن، وتعود دول الأوبك مرة أخرى إلى سابق عهدها بالتعامل وفقا لما يعرف بصفقات ما تحت المنضدة.

وفي ظل ظروف عدم التأكد من التزام الدول الأعضاء بخفض الحصص الذي تم إقراره في أكتوبر 2008، صرح النعيمي وزير النفط السعودي انه ربما لا تحتاج المنظمة لأي تخفيض إذا بلغت درجة الالتزام 80% للخفض الذي تم إقراره سابقا. وقد كان ذلك احد الأسباب التي دعت إلى عدم إقرار أي خفض اضافي في الحصص في اجتماع القاهرة، بسبب عدم توافر معلومات عن مدى التزام الأعضاء نحو التخفيض الذي تم بمقدار 1.5 م برميل يوميا في اكتوبر. ربما هدفت السعودية في اجتماع القاهرة أيضا إلى الضغط على الأسعار بشكل اكبر لكي تجبر الأعضاء على الالتزام بأي تخفيض مستقبلي. وقد كان اجتماع الأوبك في القاهرة كارثيا بكافة المعايير، خصوصا بالنسبة لتوافق الدول الأعضاء حول استرايتجية محددة لحماية الأسعار، مثل هذا الوضع شبه المفكك يفتح الباب على مصراعيه أمام انخفاض الأسعار على هذا النحو الذي نشاهده الآن.

تعاون الدول غير الأعضاء

يوما بعد يوم تتزايد الاكتشافات النفطية خارج محيط الأوبك حتى أصبح العديد من الدول المصدرة للنفط خارج الأوبك ينتج ويصدر كميات أكبر من تلك التي تتم من قبل بعض أعضاء الأوبك، ونتيجة لذلك تراجعت حصة الأوبك في سوق النفط الخام بمرور الوقت، وفي ظل هذه الأوضاع يصبح من الصعب على الأوبك أن تعمل على ضمان استقرار السوق العالمي للنفط الخام بدون تعاون الأعضاء من خارج الأوبك. وقد تمنى رئيس منظمة الأوبك شكيب خليل وزير النفط الجزائري أن يلتحق بعض المنتجين الأساسيين للنفط من خارج الأوبك مثل روسيا والنرويج بمنظمة الأوبك، أو على الأقل أن يوافقوا على التعاون مع الأوبك على تخفيض مستويات إنتاجهم للتحكم في الأسعار. وعلى الرغم من تلاقي المصالح بين الأوبك والدول غير الأعضاء، إلا أن التزام الدول خارج الأوبك باستراتيجيات الأوبك يعد أمرا مكلفا على الأقل من الناحية المالية للدول غير الأعضاء.

من ناحية أخرى هناك شكوى من أعضاء منظمة الأوبك أن خفض الحصص الذي يقومون به للدفاع عن الأسعار العالمية للنفط ينتهي في غير صالحهم، حيث يترتب على ذلك فقدانهم لحصص سوقية لصالح المنتجين من خارج الأوبك. وهو موقف يزداد سوءا مع تراجع الحصة العالمية للأوبك في سوق النفط العالمي لصالح المنتجين من خارج الأوبك. وهناك سعي أساسي للتعاون مع المنتجين من خارج الأوبك لكي تتخذ هذه الدول إجراءات لخفض مستويات الإنتاج لديها لوقف الاتجاه التنازلي للأسعار. حيث من المحتمل أن يترتب على قرار الأوبك بخفض الإنتاج زيادة الإنتاج من خارج سعيا وراء تعويض النقص في الإيرادات الناجم عن انخفاض أسعار النفط من خلال زيادة الكمية المصدرة من النفط. في ظل هذا السيناريو سوف تستمر الأسعار في التراجع لا محالة.

ومن الأمور المبشرة أن روسيا قد أعلنت عن استعدادها للتعاون مع الأوبك للحفاظ على استقرار الأسعار، وتعد روسيا ثاني اكبر منتح للنفط بعد المملكة العربية السعودية، ويعد الالتزام الروسي مهم جدا لتوازن السوق العالمي للنفط الخام. غير أن النرويج خامس منتج للنفط في العالم والتي كانت قد اشتركت مع الأوبك من عشر سنوات مضت في خفض الإنتاج، يبدو أنها غير مستعدة هذه المرة لتلبية دعوة الأوبك للتعاون.

تحسن الأوضاع الأمنية في العراق

اضطربت إمدادات النفط الخام من العراق بشكل واضح مع بدء الحرب بين العراق وإيران، وما تلاها من اضطرابات سياسية في منطقة الخليج بلغت ذروتها في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي الحرب على العراق في 2003. وخلال تلك الفترة الطويلة لم يتمكن العراق من استغلال طاقاته الإنتاجية الكامنة في الإنتاج والتصدير، وقد بدأت الأوضاع الأمنية للعراق في التحسن بشكل واضح أخيرا، وهو ما قد يساعد على ضخ كميات اكبر تتوافق مع القدرة الإنتاجية الكامنة لهذه الدولة المنتجة للنفط، الأمر الذي سيضيف من الضغوط على الأوبك، خصوصا وان العراق كعضو للأوبك مستثنى من الالتزام بقرارات الأوبك حول خفض حصص الإنتاج.

هل السعر المنخفض للنفط أمر جيد للعالم

قد ينظر إلى الأسعار المنخفضة للنفط على أنها أمر جيد بالنسبة للمستهلكين، بصفة خاصة الدول الفقيرة، إلا أن استمرار انخفاض أسعار النفط يترتب عليه عدد من الآثار الخطيرة والتي يمكن أن تضر بتوازن السوق على المدى الطويل. فقد ترتب على انخفاض أسعار النفط تراجع الاستثمار في مجال الاكتشافات الجديدة للنفط، وهو ما قد ينذر بتخفيض الإمدادات المستقبلية، كذلك فان الأسعار المنخفضة للنفط لها عدة آثار أخرى أهمها أنها تعطل الجهود المبذولة في مجال التكنولوجيا المدخرة للطاقة، الأمر الذي يزيد من الاعتماد على النفط وغيره من المصادر الهيدروكربونية والتي تزيد من الغازات الضارة بالبيئة. وتشير وكالة الطاقة الدولية أن العالم يحتاج إلى حوالي 26 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة على مدى العشرين عاما القادمة للتأكد من توفير احتياجات العالم من الطاقة، وفي ظل الأوضاع الحالية لأسعار النفط يصعب إنفاق مثل هذا المبلغ.

معنى ذلك أن السعر المنخفض للنفط الخام يضع العالم في وضع حرج، حيث أن للنفط الرخيص آثارا هامة على الصناعة أهمها أنه يؤثر بشكل كبير على استقرار السوق في الأجل الطويل، خصوصا إذا علمنا أن هناك كميات هائلة من النفط مرتفع التكاليف يمكن للعالم استخراجها والاستفادة منها مثل نفط أعماق المحيطات، ونفط الرمال النفطية الكندية، أو نفط المجال القطبي في روسيا، كافة هذه المصادر توفر كميات هائلة من النفط، إلا أن المشكلة الأساسية التي تواجهها هي أنها تحتاج إلى أن يكون سعر النفط مرتفعا بالقدر الذي يبرر التكاليف المرتفعة للإنتاج من مثل هذه المصادر. الأسعار الحالية للنفط تهدد الإنتاج من هذه المصادر، وعملية تطويرها وتنميتها لكي تكون جاهزة لسد الفجوة في العرض في مصادر الطاقة في المستقبل.

ما هو السعر العادل للنفط

مما لا شك فيه أن هناك اختلافا كبيرا حول ما يقصد به السعر العادل للنفط، ومن الناحية الفنية فإن السعر العادل للنفط يجب أن يتوافق مع التكلفة الحدية لإنتاج وحدات الطاقة البديلة للنفط، بما يعكس الندرة الحقيقية للنفط. وترى وكالة الطاقة الدولي أن سعر النفط لا بد وأن يكون مرتفعا بالمستوى الذي يضمن استدامة الاستثمارات في مجالات الطاقة الجديدة، بما في ذلك عمليات التنقيب في أعماق البحار. على سبيل المثال تبلغ تكلفة إنتاج البرميل من النفط من المياه العميقة في خليج المكسيك حوالي 90 دولارا للبرميل.

غير أن الأسعار السوقية تتحدد وفقا لاتجاهات قوى العرض والطلب واتجاهات التوقعات المستقبلية بما فيها اتجاهات المضاربة. وليس هناك اتفاقا واضحا بين أعضاء الأوبك حول ما هية السعر العادل للنفط. فقد أعلن الرئيس الفنزويلي شافيز عن رغبته في أن تتخذ الأوبك تدابير تحمي سعر النفط بين 80 – 100 دولارا للبرميل. من ناحية أخرى فقد أعلن الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في حديثه إلى جريدة السياسة الكويتية أن سعر 75 دولارا للبرميل يعد سعرا عادلا للنفط. وقد أوضح النعيمي وزير النفط السعودي لاحقا أن هذا السعر يشجع الإنتاج الجديد من المصادر الهامشية ذات التكاليف المرتفعة.

المملكة العربية السعودية كانت دائما تفضل الأسعار المعتدلة للنفط، وربما يكون 75 دولارا للبرميل سعرا مرتفعا بالقياس إلى الاتجاه العام لأسعار النفط في الماضي. مغزى الرسالة السعودية هي أنها إشارة إلى المستهلكين بان الأسعار المنخفضة للنفط لا يمكن أن تستمر لفترات طويلة بدون أن تتأثر الطاقة الإنتاجية للنفط في الدول المصدرة بفعل تراجع خطط تنمية الإنتاج. ومن الواضح أن السعودية أيضا لا تريد أن ترى الاقتصاد العالمي المتداعي أصلا يضار من جراء الأسعار المرتفعة للنفط. ولكن ما لم تتحرك الأوبك فان أسعار النفط سوف تواصل الانخفاض، وربما تنهار في ظل اختلاف وجهات النظر بين صقور وحمائم الأوبك.

في ظل الأوضاع الحالية، وفي ظل غياب أي إستراتيجية واضحة للأوبك حول السعر المستهدف وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية يبدو أن السعر المستهدف من قبل السعودية، 75 دولارا للبرميل، قد يكون هدفا صعب المنال. ومن الواضح أن السبيل الوحيد أمام الأوبك الآن للدفاع عن الأسعار هو خفض الإنتاج. إلا أن مسألة خفض الإنتاج كانت ومازالت مهمة صعبة التحقيق بالنسبة للأوبك، والتي تميل إلى أن تكون فعالة فقط عندما يكون الطلب مرتفعا على النفط الخام. وعلى ذلك ربما يظل سعر الـ 75 دولارا للبرميل هدفا صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية والضعف الكامن في الأوبك. من ناحية أخرى فإن التنبؤات المستقبلية لسعر النفط الخام في إطار سوق NYMEX futures market للنفط لا تضع سعرا للنفط يقترب من 75 دولارا حتى عام 2012، انظر الشكل التالي.

تنبؤات سوق نيويورك لتبادل السلع التجارية: السوق المستقبلي للنفط الخام
دولار أمريكي المصدر:
http://www.nymex.com/lsco_fut_csf.aspx

مخاطر عدم تماسك الأوبك

إذا استمرت أسعار النفط الخام في اتجاهها النزولي، فان عجز الميزانيات العامة للدول النفطية سوف يكون رهيبا، أخذا في الاعتبار مستويات الإنفاق العام حاليا في هذه الدول، إلى الحد الذي سيستنزف احتياطيات تلك الدول بشكل سريع في ضوء أحادية مصادر الإيرادات العامة الذي تعاني منه معظم هذه الدول. إذا تحقق هذا السيناريو فان وحدة أعضاء الأوبك التي شهدها العالم منذ أوائل القرن الواحد والعشرين مهددة بالتفكك، فمن المعلوم نظريا أن تكتلات المنتجين، مثل الأوبك، تكون فعالة فقط في أوقات زيادة الطلب عن العرض، حيث يسهل السيطرة على السوق من جانب تكتل المنتجين. أما في أوقات زيادة العرض، فان أعضاء التكتل يميلون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال التنصل من التزاماتهم أمام اتحاد المنتجين فيما يتعلق بحصص الإنتاج، خصوصا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها ميزانيات الدول الأعضاء في التكتل.

ويقف العالم أجمع حاليا في انتظار قرارات الأوبك حول حصص الإنتاج، والذي يبدو أنه لن يكون قرارا سهلا، سواء من حيث الإقرار، وبدرجة أكبر من حيث التطبيق. وفي ظل التحليل السابق، من الواضح أن أسعار النفط سوف تستمر في الانخفاض إذا فشلت الأوبك في تحقيق خفض فعلي قوي في المعروض من النفط، وليس خفضا على الورق. من ناحية أخرى فان استمرار حالة الركود التي يعاني منها العالم الصناعي اليوم تعني أن الضغوط على النفط سوف تستمر في التزايد. ومن الواضح أن الأوبك سوف تكون في حاجة إلى إحداث عدة تخفيضات متتالية لكي تحقق مستهدفاتها فيما يتعلق بالأسعار. بعض أعضاء الأوبك مثل فنزويلا وإيران ونيجيريا والإكوادور تواجه مشكلات ضخمة في ميزانيتها العامة، والتي تجعلها تقاوم خفض كميات الإنتاج، لان ذلك يؤدي إلى تخفيض إيراداتها بشكل اكبر.

ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية لا يتوقع أن تحل في غضون المدد التي تم تحديدها حول نهاية الكساد الحالي، والتي تتراوح بين عام ونصف إلى عامين. المشكلة أن الأوبك يديها مقيدتان باعتبارات الأداء الاقتصادي العالمي، حيث من المتوقع أن يترتب على الخفض في الإنتاج ورفع الأسعار التأثير السلبي على الأداء الاقتصادي للعالم. فعلى الرغم من وجود قلق حول الاتجاه النزولي للأسعار، فان هناك قلق أكبر يتمثل في وضع ضغوط أشد على الأداء الاقتصادي العالمي مع ارتفاع الاسعار.

ومن الواضح أن المنظمة تنوي خفض الأسعار في اجتماع الجزائر في ديسمبر 17 القادم، بعد أن فشلت في التوصل إلى اتفاق حول الخفض في اجتماع القاهرة في نوفمبر الماضي. ويبدو من ظاهر الأمور أن أعضاء الأوبك منقسمون الآن في وجهات النظر حول مقدار الخفض المطلوب والذي يتراوح بين مليون إلى مليوني برميل، ففي حديثه إلى جريدة الحياة يرى وزير النفط السعودي انه ربما لا تكون هناك حاجة لخفض إنتاج النفط، من ناحية أخرى نجد أن صقور الأوبك مثل إيران وفنزويلا يرغبون في أن يروا النفط عند مستويات مرتفعة لمواجهة متطلبات الإنفاق المتصاعد ومواجهة احتياجات الميزانية، بينما يرى حمائم الأوبك بصفة خاصة المملكة أن الأسعار يجب أن تكون متوافقة مع متطلبات عملية استعادة النشاط الاقتصادي في الدول المستهلكة والتي تعاني حاليا من آثار الأزمة المالية العالمية، ومن ثم فان أهداف عملية خفض الحصص يجب أن تنصب أساسا على استقرار الأسعار عند مستويات معقولة للنفط.

الموقف الآن خطير جدا، لان الأوضاع في دول الأوبك لم تعد على سابق عهدها، فقد سبق أن فشلت الأوبك في الدفاع عن النفط، عندما انخفضت الأسعار إلى نحو حوالي 10 دولارات للبرميل منذ عشر سنوات مضت. ومما لا شك فيه أن الفترة المقبلة ستمثل فترة عصيبة لتكتل الأوبك، وأن اعتبارات الظروف الدولية واتجاهات النمو الاقتصادي الحقيقي في دول العالم سوف تجعل من مسألة سيطرة الأوبك على زمام أمور سوق النفط الخام مسألة في غاية الصعوبة، فهل تفلت الأمور من يد الأوبك مثلما حدث عدة مرات سابقا، هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.

الاثنين، نوفمبر ٢٤، ٢٠٠٨

صندوق التدخل الحكومي في البورصة: من المستفيد

مع تصاعد الدعوات للحكومة في دولة الكويت بأن تتدخل في سوق الأوراق المالية لوقف الاتجاه الهبوطي للمؤشر العام للبورصة، أعلنت الحكومة عن تكوين محفظة مليارية للتدخل في البورصة. وقد استقبل الجميع هذا الخبر بالترحاب، حيث نظر إليه على انه بداية عملية الإنقاذ للأوضاع السيئة للبورصة.

التدخل الحكومي في الأسواق من خلال مثل هذه المحافظ في أوقات الأزمات المالية ليس بدعة ابتدعتها الكويت، جميع دول العالم المتقدم تتدخل حاليا بصورة أو بأخرى لضخ مئات المليارات من الدولارات كأموال سائلة في جهازها المالي لوقف حالة الانهيار التي تواجهها مؤسساته. على سبيل المثال فان الخطة الأمريكية تقضي بضخ 700 مليار دولار في النظام المالي الأمريكي، بينما أعلنت الحكومة البريطانية عن خطة إنقاذ أكبر من خلال رصد حوالي 500 مليار جنيه إسترليني، أي ما يعادل حوالي 870 مليار دولار أمريكي، وقد أشارت الحكومة البريطانية إلى أن جانبا من خطتها للإنقاذ يقضي بشراء أسهم للبنوك البريطانية، ومن ثم تملك جانب من رؤوس أموال تلك البنوك. كما أعلنت ألمانيا عن خطة إنقاذ بحوالي 675 مليار دولارا أمريكيا منها ضمانات مصرفية بحولي 459 مليارا و 139 مليارا لضخ رؤوس أموال في البنوك الألمانية. كذلك أعلن نيكولاس ساركوزي عن خطة مشابهة بتوفير 440 مليار دولارا أمريكيا كضمانات للإقراض بين المصارف الفرنسية و 55 مليار لضخها في رؤوس أموال البنوك المتعثرة، أما اسبانيا فقد أعلنت عن خطة شبيهة بـ 116.8 مليار دولارا و 20.6 مليار دولارا لنفس الأغراض التي أعلنت عنها الخطة الفرنسية. كذلك أعلنت السويد عن خطة لضخ 200 مليار دولارا أمريكيا من السيولة في جهازها المالي، كما رصدت الحكومة اليابانية ما يزيد عن 200 مليار دولارا أمريكيا لنفس الأغراض. شراء الأسهم من قبل الحكومات ليس أمرا غريبا في أوقات الأزمات المالية حيث يساعد على ضمان استمرار حسن أداء النظام المالي.

منذ أن أعلنت الحكومة عن تكون محفظة حكومية مليارية للتدخل في سوق الأوراق المالية أخذ المؤشر السعري للبورصة في خفض معدلات هبوطه، بل وانعكس اتجاهه في تعاملات يوم الخميس الماضي بحيث أصبح المؤشر الوحيد في البورصات الخليجية الذي يحمل اللون الأخضر، في إشارة إلى أن السوق كان في أمس الحاجة إلى هذا التدخل لبدء عملية إعادة التوازن للسوق وضخ جرعة من الثقة لدى المتعاملين فيه ولوقف الضغط على السوق والأسعار. وقد أتى تدخل الصندوق في السوق على أساس انتقائي أي لأسهم معينة والتي ينظر إليها على أنها الأسهم الممتازة في السوق، وهو إجراء طبيعي، بل ومفيد لأن له العديد من الآثار الايجابية على السوق منها على سبيل المثال:

1. أنه يحافظ على الأموال العامة من الهدر الذي يمكن أن يلحق بها لو تم شراء الأسهم المنخفضة الترتيب في السوق.
2. أنه يكسر حده حالة الهبوط التي يعاني منها السوق منذ فترة طويلة، ويفتح المجال أمام المؤشر السعري لوقف رحلة الهبوط، واستعادة اتجاه الصعود مرة أخرى.
3. انه يعطي جرعة من الثقة للمتعاملين في السوق ومن ثم يسهم في الحد من الموجة التشاؤمية التي تسود لدى الغالبية العظمى من المتعاملين في السوق اليوم.
4. أنه يفوت الفرصة على بعض محاولات المضاربة التي قد يبذلها البعض بالضغط على السوق بصورة لهبوط أسعار الأسهم بشكل اكبر انتظارا للحظة الحاسمة من وجهة نظرهم للانقضاض على السوق وشراء الأسهم عند مستويات القاع.
5. وأخيرا فإن ارتفاع الأسهم الممتازة سوف يصحبه أيضا ارتفاع في الأسهم الأقل جودة وهكذا، حتى يخرج السوق بكاملة من حالة الركود التي طالته مؤخرا.

الخطوة التي اتخذتها الحكومة مؤخرا على الرغم من أهميتها في دعم السوق، إلا أنها ليست كافية، إذ يجب أن يصحبها إجراءات مساندة لمساعدة السوق على استعادة توازنه بشكل أسرع، أهمها السماح للشركات بأن تشتري أسهمها بصورة أوسع على الأقل في هذا الوقت بالذات، مع إمكانية إجبار تلك الشركات على إعادة بيع جانب من أسهمها في المستقبل، وتخفيف قيود الائتمان على الاقتراض لشراء الأسهم، وتوسيع الفرص أمام الأجانب بشكل اكبر للشراء لتنشيط التعامل في السوق.

التدخل الحكومي في الأسواق، وفي هذه اللحظة بالذات فوق انه يضمن استقرارها فانه يحقق للحكومة ذاتها عدة فوائد أهمها الاستفادة من فروق الأسعار للأسهم التي تم شراءها، خصوصا وان هذه الأسهم تشترك في خاصية مهمة أنها من الأسهم المتميزة، وهو ما يساعد الحكومة على الحفاظ على القيمة الرأسمالية لمحفظتها، وفي نفس ضمان تحقيق عوائد جيدة جدا على الأموال التي تم استخدامها، المطلوب إذن من الحكومة أن توسع نطاق محفظتها برصد قدر اكبر من الأموال لدفع السوق نحو التوازن على نطاق أوسع، وتحقيق عائد مناسب لتلك الأموال، خصوصا مع تداعي فرص الاستثمار المربح لتلك الأموال عالميا.

إذا ما استعادت الأسهم التي اشترتها الحكومة مستوياتها قبل الأزمة فان الحكومة تكون قد ضمنت بهذا الشكل على الأقل تحقيق معدلات للعائد تزيد عن 40% على محفظة الأسهم التي قامت بشرائها، وهو معدل يقل قليلا عن معدل الهبوط التراكمي الحادث في المؤشر السعري للسوق. ومما لا شك فيه أنه لا يوجد حاليا استثمار يحقق تلك المعدلات المرتفعة من العائد، من المؤكد إذن أن قرار التدخل الحكومي من خلال المحفظة الحكومية المليارية كان قرارا صائبا ويمثل أفضل استثمار لتلك الأموال.

الخلاصة هي أن المستفيد الأكبر من عملية التدخل الحكومي في البورصة هو الحكومة ذاتها، والتي سنحت لها الفرصة على أوسع نطاق للاستفادة من الفرص التي توفرها عملية هبوط أسعار الأسهم عند مستويات قريبة من القاع بالنسبة للكثير منها، لتحصد الحكومة بهذا الشكل على نصيب كبير من أرباح موجة الهبوط الأخيرة، مفوتة الفرصة بذلك على المتربصين بالسوق، والذين تشير الشواهد إلى أنهم قد أخذوا في دخول السوق مع التدخل الحكومي لاقتسام الكيكة.

وعلى الرغم من أننا ما زلنا في المراحل الأولى لعملية التدخل، وفي انتظار المزيد منها، والمزيد أيضا من رد الفعل من جانب السوق، إلا أن ما حدث في الكويت يمثل دعوة هامة لباقي دول الخليج في أن تستخدم أموال الصناديق السيادية التي تملكها للاستثمار في أسواق الأوراق المالية الوطنية فيها، وأن تحذو حذو الكويت في التدخل في أسواقها لإعادة التوازن في السوق ووقف حالة الذعر المالي التي تسود أسواقها، ولتحقيق أرباح ضخمة على المدى الطويل من الانخفاض القياسي للأسعار.

نشر في القبس العدد 12748 - تاريخ النشر 24/11/2008

الأحد، نوفمبر ٢٣، ٢٠٠٨

تداعيات الأزمة المالية العالمية

تتعدد تداعيات الإعصار المالي الذي يضرب العالم حاليا، وعلى الرغم من أن هناك بعض الآثار الحادة للأزمة نشعر بها حاليا، إلا أن الآثار الكلية للأزمة ما زالت في علم الله سبحانه وتعالي. ومن الواضح أن الأزمة سوف تكلف العالم الكثير، أما متى ستنتهي الأزمة فلا يوجد أحد مهما أوتي من أدوات تحليل اقتصادي ورياضي ونماذج اقتصادية عالمية، وقدرة على إجراءا المحاكاة في ظل السيناريوهات المختلفة يستطيع أن يتنبأ بوقت زوال الأزمة الآن، ويبدو أن الأزمة ستلازمنا لفترة طويلة في المستقبل. للأسف كانت الاستجابة للازمة بطيئة في الولايات المتحدة، كما هو الحال في أوروبا، فأدى ذلك إلى تأخر عملية المعالجة واتخاذ الخطوات اللازمة لتدنية الآثار المتوقعة لها. من ناحية أخرى عندما حدثت الأزمة جاء رد الفعل الدولي غير منسق، وعلى إطار فردي مما يتوقع معه تعمق تداعيات الأزمة. باختصار فان كل الخيارات مفتوحة أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية. الإعصار المالي الحالي بدأ يفرز بعض التداعيات الأولية في دولة المركز، أي اصل نشوء الأزمة، والعالم اجمع، وعلى الدول الناشئة النامية بما فيها نحن باعتبارنا جزء منها. ونحاول فيما يلي اختصار تلك التداعيات.

تداعيات الأزمة على الولايات المتحدة الأمريكية

انخفاض الاستثمار العقاري

أدى انخفاض أسعار المنازل، إلى انخفاض واضح في الاستثمار العقاري في الولايات المتحدة، وهو ما يترتب عليه انخفاض انخفاض في مستوى الناتج المحلي، على سبيل المثال يقدر أن يترتب على تراجع الاستثمار العقاري انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 1% في عام 2007 وعام 2008، في الولايات المتحدة الأمريكية.

انخفاض الاستهلاك بفعل اثر الثروة

تشير النظرية الاقتصادية إلى أن الطلب الاستهلاكي يعتمد على مستوى الدخل المتاح، وكذلك على التوقعات حول الدخل والثروة في المستقبل. عندما يحدث ارتفاع في الثروة نتيجة ارتفاع قيمة المسكن، فان ذلك يرفع من الطلب الاستهلاك بشكل دائم، وقد تم تقدير اثر الثروة على الاستهلاك بأنه يتراوح بين 2 إلى 7 سنتات في مقابل كل زيادة في أسعار المنازل بدولار واحد. ربما يبدو هذا على انه شيء صغير. ولكن خلال الفترة من منتصف 1997 إلى منتصف 2006 أدى ارتفاع القيمة الحقيقية للمنازل إلى إضافة حوالي 6.5 تريليون دولار لثروة المستهلكين في الولايات المتحدة ومن ثم أدى ذلك إلى زيادة الإنفاق الاستهلاكي ما بين 1.4% إلى 5% سنويا.

من ناحية أخرى فان ارتفاع أسعار المساكن يمكن أصحابها من الحصول على قروض أعلى في مقابل القيمة الأعلى للمسكن، ويقدر ذلك بما يفوق 700 مليار دولار في 2006 و 500 مليار في 2007. ويقدر مكتب الميزانية في الكونجرس أن الانخفاض في سعر المساكن بنسبة 10% سوف يؤدي إلى انخفاض النمو الحقيقي للناتج من خلال انخفاض الطلب الاستهلاكي بين 0.4% إلى 1.4%. ومما لا شك فيه أن هذا الأثر سيكون أعلى إذا كان المستهلكين يركزون طلبهم الاستهلاكي على التوقعات التفاؤلية حول أسعار المساكن. ومن ثم فان الانخفاض الحاد في القروض العقارية سيكون له آثار سلبية على الاستهلاك.

الأسر الأمريكية إذن تعتمد في إنفاقها الاستهلاكي على ارتفاع أسعار المساكن ومن ثم زيادة القروض. والتي بلغت حاليا حوالي 14 تريليون دولار. وتشير التقارير إلى أن الأسر الامريكية تمر الآن بمأزق حاد مع تراجع أسعار المساكن، ومن ثم الاصل الرئيسي الذي يتم الاقتراض عليه لتمويل احتياجاتها الاستهلاكية.

انتشار الأزمة بين أسواق المال contagion

عندما حدثت الأزمة العقارية في الولايات المتحدة فان ذلك قد أدى إلى ركود في أسواق المال الأخرى بما في ذلك سوق الأوراق التجارية والقروض الاستهلاكية. ويرجع ذلك إلى اتجاه المؤسسات المالية إلى تشديد قيود الائتمان ورفع معدلات الفائدة على القروض، وتقييد معايير الإقراض. ويشير مسح للاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة إلى أن البنوك الأمريكية قد قامت بتشديد القروض ورفع معدلات الفائدة على القروض التجارية والصناعية وكذلك على القروض الممنوحة للمستهلكين. مثل هذه النتائج سوف يتبين آثارها على الاستثمار لاحقا، ربما في 2010.

وبما أن البنوك تعد وسطاء ماليين فان لهم دورا هاما في عملية التخصيص الكفء لرأس المال. وعندما تواجه البنوك مشكلة نقص في السيولة، فإنها لا تستطيع أن تمارس دورها كوسيط مالي حيث تزداد القيود التي تفرضها هذه المؤسسات المالية، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على الاستثمار الكلي المربح ونمو الناتج والتوظف في الاقتصاد.

مثال آخر لأثر الانتقال هو سوق الأوراق التجارية, وهو احد وسائل التمويل للمؤسسات التجارية ذات الدين الجيد. وبسبب الأزمة فان صناديق الاستثمار في السوق النقدي وغيرها من المستثمرين كانوا اقل استعدادا لشراء الأوراق التجارية في سوق النقود في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى حجم ديون انخفاض الأوراق التجارية القائمة، مثل هذا الانخفاض يعني أن المؤسسات المالية في سوق النقود لا تقوم بدورها المطلوب على أكمل وجه. في عام 2008 انخفض رصيد الأوراق التجارية بحوالي 95 مليار دولارا.

انهيار ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال Erosion of Consumer and Business Confidence

من المعلوم أن الطلب الاستهلاكي يعتمد على توقعات المستهلكين والمستثمرين حول مستويات الدخل والثروة. يشكل الاستهلاك في الولايات المتحدة حوالي ثلثي الاقتصاد المحلي ككل. ويعني تراجع ثقة المستهلكين والمستثمرين أن الاقتصاد سيدخل قريبا في حالة تراجع. تشير المسوحات إلى تراجع الطلب الاستهلاك على السلع المعمرة باعتبارها أكثر أشكال الطلب الاستهلاكي تقلبا. تراجعت ثقة المستهلك الأمريكي بشكل واضح بدءا من أغسطس 2007، وهي حاليا في نفس مستوى الانكماش السابق.

بالنسبة لقطاع الأعمال فان الدلائل تشير إلى تراجع ثقة رجال الأعمال في العام الماضي. هذا التراجع في الثقة كان عالميا، غير أن التراجع يبلغ أقصى مستوياته في الولايات المتحدة. ويترتب على انخفاض ثقة الأعمال وانتشار التوقعات التشاؤمية إلى تراجع مستويات التوظف والأجور. كذلك يؤدي تراجع الثقة على المستوى العالمي إلى تراجع النمو الاقتصادي وتخفيض الطلب على الصادرات.

تداعيات الأزمة على المستوى العالمي

انخفاض معدلات النمو العالمي

جاءت توقعات صندوق النقد الدولي الأخير متشائمة للغاية حول معدلات النمو الاقتصادي العالمي نتيجة للأوضاع المالية العالمية. يتوقع أن ينخفض معدل النمو في العالم اجمع من 5% عام 2007 إلى 2.2% فقط. هذا لانخفاض في النمو ليس على وتيرة واحدة بين المناطق المختلفة في العالم. ففي الدول المتقدمة من المتوقع أن ينخفض معدل النمو من 2.6% عام 2007 إلى نمو سالب بمعدل -0.3% في عام 2009. وفي الولايات المتحدة يتوقع انخفاضه من 2% عام 2007 إلى -0.7% عام 2009. أما في منطقة اليورو فيتوقع أن يتناقص معدل النمو من 2.6% عام 2007 إلى -0.5%. أما أقل معدل للنمو في الدول الصناعية فيتوقع حدوثه في المملكة المتحدة، -1.3% عام 2009/ مقارنة بـ 3% عام 2007. أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة والدول النامية فمن المتوقع أن ينخفض النمو من 8% عام 2007 إلى 5.1% عام 2009. وبالنسبة للصين يتوقع أن ينخفض النمو من 11.9% إلى 8.5% على التوالي، وكذلك في الهند من 9.3% إلى 6.3% على التوالي. وفي الشرق الأوسط من 6% إلى 5.3%.

خلاصة تلك التنبؤات أن دول العالم المتقدم الرئيسية وهي الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة واليابان سوف تواجه حالة ركود اقتصادي، حيث يتوقع أ، يكون معدل النمو سالبا. بينما يتراجع معدل النمو بشكل واضح في الدول الناشئة والدول النامية.

انخفاض حجم التجارة العالمية

من حيث الحجم يتوقع أن يكون هذا الانخفاض أكبر في حالة الدول المتقدمة عن الدول النامية، غير أن الدول النامية التي تصدر سلعا تجارية يتوقع أيضا أن تعاني بصورة اكبر نتيجة تدهور الحجم وشروط التجارة، حيث يتوقع أن تنخفض أسعار السلع التجارية غير النفطية بحوالي 20%.

بالنسبة لحجم التجارة يتوقع انخفاض نمو حجم التجارة العالمية من 7.2% إلى 2.1%. من بينها يتوقع أن ينخفض نمو الواردات للدول الصناعية من 4.5% إلى معدل نمو سالب -0.1% في عام 2009، وواردات الاقتصاديات الناشئة والدول النامية من 14.4% إلى 5.2%. أما بالنسبة للصادرات فيتوقع انخفاض صادرات الدول المتقدمة من 5.9% إلى 1.2% فقط، ومن 9.6% إلى 5.3% على التوالي في الدول الناشئة والنامية.

غير أن تقديرات البنك الدولي تشير إلى أن حجم التجارة العالمية سوف يميل نحو الانخفاض في عام 2009.

بالنسبة للدول النامية فان أثار الدورة الأولى تتمثل في انخفاض الطلب على صادرات الدول النامية من قبل الدول الصناعية هذه هي آثار الدورة الأولى؟ بصفة خاصة الدول التي تنتهج سياسات التصدير يقود النمو، وهي من الآثار الكلاسيكية لحدوث أي أزمة اقتصادية في الدول النامية.

غير أن الدول النامية كانت قد شكلت من خلال العملاق الصيني والذي أطلق عليه القطب الديناميكي dynamic pole علاقة خاصة تمكنها من الاستمرار في النمو حتى لو حدث انخفاض في النمو في الدول الصناعية. غير أن هذه العلاقة من خلال القطب الديناميكي تؤدي إلى ما يمكن أن نطلق عليه آثار الدورة الثانية والتي تتمثل في آثار انخفاض النمو الصيني على التجارة البينية للدول الناشئة والنامية، حيث تمثل واردات الصين من المواد الأولية من الشرق والغرب وافريقيا وأمريكا اللاتينية بديلا عن طلب الدول المتقدمة على تلك المدخلات من هذه الدول وهو ما أطلق عليه الديناميكيات الحالية للدول النامية، والتي تمكن الدول النامية من النمو حتى لو حدث ركود في الدول الصناعية. ومن ثم فان انخفاض النمو في الصين سيمثل نهاية للديناميكيات الحالية في الدول النامية.

آثار تدهور شروط التجارة العالمية

أما بالنسبة لشروط التجارة فيتوقع أن ينخفض معدل نمو سعر النفط من 10.7% عام 2007 إلى -31.8% على التوالي، أما بالنسبة للسلع التجارية غير النفطية، فيتوقع أن ينخفض معدل نمو الأسعار من 14.1% إلى -18.7% على التوالي.

بشكل عام يتوقع أن يترتب على ذلك آثار معاكسة على أسواق العمل في الدول النامية والناشئة. ويترتب على انخفاض حجم التجارة وكذلك تدفقات رأس المال انخفاض مستويات الاستثمار. ويؤدي تدهور الاستثمار وأوضاع السوق المالي تدهور إضافي في القطاع المالي ومواجهة العديد من الدول أزمات في موازين مدفوعاتها.


تداعيات الأزمة على الدول النامية

الخوف من انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر

من ناحية أخرى فان تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للدول النامية والتي تلعب حاليا دورا هاما في نمو الدول النامية معرضة حاليا للانخفاض. حيث هناك خوف من إلغاء خطط الاستثمار في الدول النامية بسبب ضعف تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سوف يكون هناك صدمة سلبية في الأسواق الناشئة. حيث يتوقع انخفاض كل مصادر صناديق الاستثمار الخارجي، بشكل كبير في خضم آثار ما يسمى بالدورة الأولى. حيث يتوقع انخفاض استثمارات المحافظ المالية، حيث يتوقع أن يترتب على ارتفاع درجة تجنب المخاطر الاحتفاظ برأس المال محليا أو قريبة جغرافيا. من ناحية أخرى فانه على الرغم من مقاومة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للازمات، فانه من المتوقع أيضا أن تنخفض التدفقات.

أما بالنسبة لآثار الدورة الثانية، فمن المتوقع أن تمارس تأثيرا على تعميق الانحسار. فبسبب صعود عمليات الإنفاق الاستثماري وتبني العديد من المشروعات الضخمة، فانه مع انحسار عمليات تمويل الاستثمار، فانه من المتوقع أن يكون هناك نتيجتين لذلك، الأولى هي إلا يتم استكمال تلك المشروعات، مما يجعل تلك المشروعات غير منتجة وهو ما سيكون له آثار سلبية على رؤوس الأموال التي استثمرت في تلك المشروعات. من ناحية أخرى فان استكمال تلك المشروعات سوف يؤدي إلى إضافة إنتاج جديد إلى فائض العرض الحالي في الأسواق الدولية، مما يسهم بشكل أكبر في الضغوط الانكماشية.

الأزمة يمكن أن تؤثر على الدول النامية من خلال القنوات المالية أيضا. فالدول النامية ما زالت تنمو بسرعة وتجتذب رؤوس الأموال الدولية. ولكن مع تعمق الأزمة واشتداد حالات عدم التأكد المصاحبة لها فانه من الممكن أن ينعكس اتجاه رؤوس الأموال نحو مواطن أكثر أمانا لرأس المال. هذا الأثر يعمق الآثار الحالية لانعكاس تدفقات راس المال بسبب عجز ميزان المدفوعات للدول النامية، في ظل عدم قدرة الكثير من الدول النامية على اجتذاب تدفقات رؤوس الأموال في صورة المحافظ المالية.

ارتفاع معدلات البطالة

تشير الدلائل إلى أن الانحسار الذي يسبقه ضغط مالي يكون دائما أكثر حده، ومن هذا المنطلق فان اثر الأزمة الحالية يمكن أن يكون أكثر جوهرية مما يتوقع صندوق النقد الدولي. وبالنسبة للبطالة فان الأثر الحقيقي للازمة عليها لم يبدأ بعد.

منذ بداية عام 2008 وتواجه الدول الصناعية ارتفاعا في معدل البطالة. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع معدلات البطالة من 5.7% في عام 2008 إلى 6.5% في عام 2009. ومع تراجع معدلات النمو فان بعض القطاعات الاقتصادية بما في ذلك قطاع الإنشاء والخدمات العقارية من المتوقع أن يواجه انخفاضا أعلى في معدلات التوظيف، كذلك يتوقع أن يواجه القطاع المالي فقدان كبير في الوظائف. فمنذ ديسمبر 2006 فقد القطاع المالي في الولايات المتحدة 172000 وظيفة، وهذا الأسبوع أعلنت مجموعة سيتي جروب عن تخفيض الوظائف فيها بـ 53000 لمواجهة آثار الأزمة.

تحديات التمويل للحكومات

مع استمرار الأزمة فان الحكومات في الدول المختلفة قد تجد من الصعوبة بمكان أن تحصل على احتياجاتها المالية لمواجهة عمليات الإنفاق على المستوى المحلي، مما قد يعقد قضية النمو ومعدلاته. من ناحية أخرى فان هناك خطر في أن لا تتمكن الحكومات من ضمان استقرار النظم المالية فيها، على سبيل المثال في آيسلاند، حيث يملك القطاع المصرفي أصول بحوالي 3 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، وهو أمر لا يمكن أن تضمنه أي حكومة في العالم على الأقل في الأجل القصير.

أن الدول الأكثر تأثرا بالأزمة هي الدول التي تدخل الأزمة بعجز في موازين مدفوعاتها، مع جفاف منابع التمويل لتلك العجوزات. مما قد يتسبب في بعض حالات الإفلاس المصرفية نتيجة قصور عمليات التمويل للعجز.

الخوف من تدهور تحويلات المهاجرين

مع تصاعد موجات فقدان العمال المهاجرين لوظائفهم في الدول الصناعية. يتوقع أن يواجه العمال المهاجرين انخفاض في دخولهم، نتيجة فقدان الوظائف المتوقع في الدول والذي ربما يؤدي إلى التأثير على تحويلات هؤلاء المهاجرين. بشكل عام يتوقع أن تزيد الاستثماريات في الدول المتوسطة الدخل في عام 2009، بنسبة 6.5%، وهي أقل من نصف معدل النمو الحادث في عام 2007. مما يؤدي إلى موجة استغناء واضحة عن العمال، بصفة خاصة العمال المهاجرين. وهناك العديد من الدول المعرضة لانخفاض التحويلات لمهاجريها، على سبيل المثال فإن باكستان واندونيسيا والفلبين ومنطقة المغرب العربي ومصر معرضة حاليا لانخفاض حاد في تحويلات المهاجرين بسبب الأزمة التي تضرب الدول الصناعية حاليا. وغني عن البيان أن تحويلات العمالة المهاجرة تمثل عنصرا حيويا لتدفق الأموال في دول الأصل يفوق حاليا ما تتلقاه تلك الدول من مساعدات وتدفقات للاستثمار الأجنبي.

الخوف من تدهور المساعدات

اثر انخفاض المعونات. إذا دخلت الدول الصناعية مرحلة الركود فانه من المؤكد أن ميزانيات لمعونة الدولية فيها سوف تميل نحو الانخفاض، مما يهدد تدفقات المعونات الرسمية من قنواتها المختلفة إلى الدول النامية. ويرجع ذلك إلى أنه عندما تقوم الدول المتقدمة بإعادة ترتيب أولويات استخدام الأموال المتاحة لديها فإنه من المتوقع ان توجه كافة امكانياتها لمعالجة أزمتها والخروج باقتصادياتها نحو بر الامان، ومن ثم فمن المتوقع أن يحدث شح كبير في الميزانيات المخصصة لمساعدة الدول النامية، مما يعني ان الدول النامية سوف تجد نفسها في وسط اعصار لم تكن أحد أطرافه ولا شاركت فيه، وفي ذات الوقت لن تجد من يحاول أن ينقذها منه.

ارتفاع درجة عدم الأمان في الدخل

بصفة خاصة بالنسبة للمجموعات ذات الدخل المنخفض. حيث فقدت أسواق المال في العالم تريليونات الدولارات وهو ما أدى إلى تآكل الثروة وعوائد الاستثمار التي تحققت خلال الخمس سنوات الماضية، كما فقد صناديق الاستثمار في مؤسسات التأمين والمعاشات قيمة كبيرة من استثماراتها. وهناك مخاوف في الدول النامية أن مجموعات الدخل المنخفض تتحمل وطأة هذه التحديات، ومن المعلوم أن الفقراء هم ألأقل قدرة على الدفاع عن أنفسهم.

استمرار الضغوط التضخمية مرتفعة في الدول النامية

استمرار الضغوط التضخمية المرتفعة بفعل استمرار آثار أزمة الغذاء والتي تعود في جانب كبير منها إلى عوامل دورية وعوامل هيكلية، لا يتوقع ان تنتهي آثارها في الأجل القصير، حيث يتوقع أن تستمر الضغوط التضخمية مرتفعة في الاقتصاديات الناشئة من 6.4% عام 2007 إلى 7.1% عام 2009. بينما تنخفض الضغوط التضخمية في الدول المتقدمة من 2.2% إلى 1.4% على التوالي.

هذه هي مجموعة التداعيات الاقتصادية التي تم حصرها للأزمة المالية، ومن المؤكد أن المستقبل سوف يكشف عن المزيد، سواء من حيث تنوع تأثير الأزمة، أو من حيث درجة عمق تداعيات تلك الأزمة.

الاثنين، نوفمبر ١٧، ٢٠٠٨

ما هو المطلوب من المتعاملين في البورصة الآن

تواجه البورصة اليوم ظروفا قاسية جدا، في ظل انهيار المؤشر السعري للبورصة من 15654 نقطة في 24/6/2008 الى 8691 نقطة فقط وقت إغلاق السوق بموجب حكم قضائي أصدرته المحكمة الكلية بإيقاف التعامل في السوق يوم الخميس 13/11/2008، أي انخفاض بحوالي 45%.

منذ أن بدأت الأزمة وهناك تسابق بين المتعاملين للتخلص من المحافظ المالية التي يملكونها للخروج من الأزمة بأقل خسارة ممكنة قبل أن تنهار الأسعار، فتكون النتيجة هو حدوث ضغط متزايد على أسعار الأسهم في البورصة من جراء عمليات للبيع الخاسر فيها هو الجميع. ما هو المطلوب إذن من المتعاملين في السوق للمحافظة على محافظهم المالية من الانهيار، ببساطة شديدة مطلوب من الجميع الهدوء، وعدم التصرف مثلما يتصرف القطيع. إذا هدأ المتعاملين في السوق من الممكن أن يتوقف الانهيار السعري ونزيف المحافظ المالية، أما التدافع المحموم في البورصة فهو ما يضر بالبورصة أشد الضرر. توقفوا عن حالة الذعر والرعب التي تتحكم في اتجاهات سلوككم، ثقوا أن الاقتصاد الكويتي حاليا في أحسن حالاته على الرغم من الانخفاض الحادث في سعر النفط الخام، إلا أن المالية العامة للدولة جيدة جدا، وان الفوائض المالية التي حققتها الدولة خلال السنوات القليلة الماضية ضخمة بما يضمن الرخاء للكويت لعدة سنوات قادمة بدون أي مشاكل مالية، حتى يعبر العالم الأزمة الحالية. لا تدمروا استثماراتكم بأيديكم، ليس هناك مانع من الذهاب إلى البورصة، أدري إن مقاومة عدم الذهاب للبورصة في هذا الوقت عملية صعبة للغاية، اذهبوا ولكن اجلسوا هكذا، اجعلوها جلسة سوالف، لا تطالعون المؤشر، ولا تتخذون أية قرارات بالبيع أو الشراء.

ما الذي دفع بهذا الانهيار الحاد إلى الحدوث، انه سلوك المتعاملين واندفاعهم. أي أن الأزمة صناعة محلية، افتعلناها بأنفسنا متأثرين بما يدور حولنا من أحداث على المستوى العالمي والمستوى الإقليمي. مطلوب إذن من الجميع الهدوء التام، ومحاولة السيطرة على الأعصاب في مواجهة أخبار الإعصار المالي الذي يجتاح العالم، أنها مهمة ليست سهلة، ولكن من المؤكد انه تكلفة الفرصة البديلة لها في غاية الارتفاع. لو أن الجميع التزم التهدئة ستستقر أحوال البورصة، على الأقل عند المستويات الحالية المنخفضة للمؤشر، حتى تتحسن الأوضاع ويعاود المؤشر الصعود مرة أخرى.

صحيح أن العالم يواجه أزمة مالية طاحنة، وأن مؤسساتنا المالية قد تضررت من جراء ذلك، نتيجة نقص مستويات السيولة مقارنة بالوضع السائد في السنة الماضية، ولكن هل نقص السيولة الحالي في تلك المؤسسات يبرر انهيار المؤشر السعري بنسبة 45% في غضون هذه الفترة القصيرة جدا؟ الإجابة بالقطع هي لا. من المؤكد أن للأزمة تأثير سلبي على أرباح الشركات العاملة في دولة الكويت، ولكن مرة أخرى ليس إلى الحد الذي يجب أن تنخفض معه الأسعار بنسبة 45%.

معنى ذلك أن هناك الكثير من الأسهم الرخيصة الآن في السوق، والتي لا تعبر عن القيمة السوقية لأصول الشركات المصدرة لتلك الأسهم، وهو أمر غير معقول وغير مبرر اقتصاديا وماليا. لماذا إذن يحدث هذا الأمر، ولماذا نسمح بهذه الظاهرة. جميع الأزمات السابقة التي مر بها العالم انتهت بنتيجة واحدة، وواحدة فقط، هي استعادة السوق لأوضاعه قبل الأزمة وعودة الأوراق المالية للصعود مرة أخرى، هذا بالتأكيد ما سيحدث على المدى الطويل، المشكلة هي أن المستثمرين يتصرفون وفقا لعبارة كينز المشهورة، في الأجل الطويل كلنا موتى in the long term we are all dead. أذن على الرغم من أن أوضاع الغالبية العظمى من الشركات مطمئنة، فان ذلك لا يوقف الرغبة المحمومة لدى المتعاملين في المبالغة في رد الفعل إزاء أي خبر سلبي ولو بسيط، وذلك لإصابة السوق بحالة نفسية حادة تدفع الجميع إلى المغالاة في رد الفعل. على الجميع أن يفكر بأهمية دوره ووجوده في السوق الآن، وانه جزء من خطة التهدئة للبورصة، وانه ليس مغفلا إلى الحد الذي يدفعه بأن يتخلص من الأسهم التي جمعها طوال الفترة الماضية بأرخص الأسعار.

الأزمات المالية عبر التاريخ يشعلها نوع واحد من الوقود، هو الذعر الذي يصيب المتعاملين والرغبة المحمومة في التخلص من الأسهم قبل انخفاض أسعارها بصورة أكبر في المستقبل، فتكون النتيجة مزيدا من الضغوط على أسعار الأسهم نحو الانخفاض، لو أن الجميع هدأ لكان من الممكن السيطرة على الاتجاه النزولي للأسعار في كافة الأزمات المالية، هذا هو ما تشير إليه الدراسات العلمية في هذا المجال. تشير أحدث الدراسات إلى أن المستثمرين غير الناضجين في السوق والذين لا تتوافر لهم الخبرة الكافية تتركز استراتيجياتهم الاستثمارية بشكل مكثف حول معدلات العائد في الأجل القصير. ومن ثم في حال حدوث أي أزمة يتجنبون الاستثمار في شراء الأسهم، فتكون النتيجة أنهم يفقدون فرص الربح العالية التي تتحقق عندما تأخذ أسعار الأسهم في الارتفاع لاحقا. نعم سترتفع أسعار الأسهم لا حقا، هذا هو الماضي الذي تكرر في كافة الأزمات المالية، المسألة إذن مسألة وقت وتعود الأوضاع إلى سالف عهدها. ومن ثم فان فقدان الفرصة لتحقيق أرباح ناجمة عن عودة الأسهم إلى مستوياتها قبل الأزمة ليس من الرشد الاقتصادي في شيء.

تشير دراسة لـ Robin Greenwood and Stefan Nagel بعنوان Inexperienced Investors and Bubbles في الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن المستثمرين ناقصي الخبرة يلعبون دورا هاما في تكوين بالون الأسعار في البورصة، حيث لا يدرك هؤلاء أن هناك احتمال أن تهبط الأسعار، ومن ثم يكون لديهم غالبا ميل لدفع أسعار مغالى فيها للأسهم، نظرا لاستراتيجيات الاستثمار التي يتبعها هؤلاء والتي تستند إلى متابعة الاتجاه العام للمؤشر السعري في الأجل القصير. فعندما حدثت أزمة انخفاض العوائد في السبعينيات في الولايات المتحدة من القرن الماضي تجنب هؤلاء المستثمرين صغار السن الاستثمار في الأسهم، ومن ثم فقدوا الفرص الذهبية التي تحققت عندما عاودت الأسعار الارتفاع مرة أخرى. وعندما حدث بالون أسعار الشركات التكنولوجية في التسعينيات من القرن الماضي، كان المستثمرون من صغار السن هم اكبر مشتري لهذه الأسهم، وعندما انفجرت بالونة أسعار الأسهم التكنولوجية، كان هؤلاء هم من دفعوا ثمن الأزمة.

ما هي خلاصة التحليل السابق، الخلاصة هي ببساطة أن ما يحدث الآن لن يستمر للأبد، وان السوق سوف يسترد عافيته إن عاجلا أو آجلا، ومن ثم ستعاود الأسعار ارتفاعها مرة أخرى، عند إذن سوف يشعر المتعاملون من غير ذوي الخبرة بالندم على الإقدام المحموم على التخلص من محافظهم في مواجهة الانخفاض الحادث حاليا. مرة أخرى مطلوب من الجميع الهدوء، فقط الهدوء ومقاومة أي شعور بضرورة التحرك. إذا حدث ذلك ستستقر الأوضاع ويعود الهدوء لمؤشر الأسعار في البورصة.

السبت، نوفمبر ١٥، ٢٠٠٨

هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة: نتائج الاستبيان

في أول استبيان تم طرحه على هذه المدونة بعنوان " مجرد سؤال: هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة " بلغ عدد الذين شاركوا في الاستبيان 35 مشتركا، وعينة المشاركين في الاستبيان بهذا الشكل هي من الناحية الإحصائية عينة محدودة، حيث لا تتمتع بخصائص العينة الطبيعية، والتي يمكن أن تكون ممثلة للمجتمع، الأمر الذي يعني احتمال وجود تحيز في نتائج الاستبيان. وهذه نقطة مهمة يجب التأكيد عليها في البداية. حيث يعني ذلك أنه لا يمكن تعميم نتائج هذا الاستبيان على أنها تمثل وجهة نظر المجتمع ككل في القضية موضع الاستبيان. ويوضح الشكل التالي نتائج الاستبيان الذي كان محوره هو:
هل يجب أن تتدخل الحكومة لتعديل أوضاع البورصة في دولة الكويت.


تشير نتائج الاستبيان الذي تم طرحه في هذه المدونة إلى أن هناك تفضيل بشكل عام بين من شاركوا في الاستبيان بعدم تدخل الحكومة في البورصة، حيث يرى 57.14% من المفردات التي شاركت في الاستبيان بأنه لا ينبغي على الحكومة أن تتدخل لتعديل أوضاع البورصة.

ويعني ذلك أن هؤلاء يرون أن البورصة سوق حر يخضع لقوى العرض والطلب، وأن مبادئ السوق الحر تعني أن السوق معرض إلى أن يرتفع أو ينخفض حسبما ما تقضي الأحوال بذلك، وأن المتعاملين في هذا السوق يفترض أنهم يدركون هذه الحقيقة، وأن سوق الأوراق المالية بالذات من الأسواق التي ترتفع فيها درجة المخاطرة، وعلى ذلك يفترض في هؤلاء المتعاملين أنهم مستعدين لتحمل المخاطرة الناجمة عن دخول هذا السوق منذ البداية، بما في ذلك احتمال فقدان كامل رأسمالهم الذي يضاربون فيه. ومن ثم فانه كما أنه من حقهم وحدهم الاستمتاع بثرواتهم التي يمكن أن يكونوها من التعامل في البورصة، من جراء تضخم أسعار الأسهم، فانه ليس من حقهم مطالبة غيرهم بمشاركتهم في تحمل خسارتهم عندما تقع، طالما أنهم لا يشاطرون المجتمع أرباحهم عندما يحققون الربح، خصوصا وإذا كان ذلك من المال العام. صحيح أن حكومات دول العالم الأخرى تتدخل بطرق شتى لدعم أسواق الأوراق المالية بها في أوقات الأزمات، ولكن ذلك يتم من منطلق حق المتعاملين في السوق على الدولة باعتبارهم دافعي ضرائب، ذلك أن كل معاملة تتم في السوق وكل أرباح تحققها المحافظ المالية للمتعاملين في السوق، تحصل الدولة على نصيبها منه في صورة ضرائب على الدخول، ورسوم وغيرها، فماذا دفع المتعاملون في البورصة لحكومة دولة الكويت لكي يصبح من حقهم أن يطالبوها بالتدخل.

من ناحية أخرى فقد رأي 40% من مفردات العينة التي شاركت في الاستبيان أن على الحكومة أن تتدخل في سوق الأوراق المالية لتعديل أوضاع السوق من أجل وقف النزيف الحادث في المؤشر.

ويعني ذلك أن هؤلاء يرون أنه لا مانع من تدخل الحكومة من أجل وقف الخسائر التي يتعرض لها المتعاملون في البورصة من جراء انهيار المؤشر السعري في البورصة، ومن ثم إنقاذ المتعاملين مما يمكن أن يتعرضوا له من خسارة أو إفلاس أو في بعض الأحوال السجن، الذي يمكن أن يترتب على استمرار ضعف أداء البورصة، وهو دور هام من الأدوار الاجتماعية للحكومة في حماية أفراد المجتمع في وقت الأزمات.

وعلى الرغم من وجاهة بعض الحجج التي تساق لتبرير عملية التدخل الحكومي لتعديل أوضاع البورصة، فانه يتعارض مع مبادئ الاقتصاد الحر ويتناقض وآليات عمل قوى السوق الحر. بمعنى آخر فان المطالبة بالتدخل هي دعوة لتعطيل نفس القوى التي تؤدي إلى تضخم ثروات المتعاملين في البورصة، فهل كان من الممكن أن يقبل هؤلاء أيضا أن تتدخل الحكومة لوقف الارتفاع في أسعار الأسهم في أوقات ارتفاع المؤشر، أم أن التدخل الحكومي يجب أن يأخذ اتجاها واحدا فقط، هو حمايتهم من الخسائر، أما الأرباح فهم أصحاب الحق الوحيد فيها.

موضوع تدخل الحكومة في سوق الأوراق المالية من الواضح انه من الموضوعات الشائكة، وأن هناك انقسام واضح بين مفردات العينة التي شاركت في الاستبيان حول ضرورة أو عدم ضرورة التدخل. من وجهة نظري لا أعتقد أن النتائج كان من الممكن أن تختلف بشكل كبير عما تم التوصل إليه إذا ما كان حجم العينة أكبر من الحجم الحالي، ففيما عدا المتداولين وبعض المتعاطفين، فان مجتمع العينة يرفض بشكل عام أن تتحمل الحكومة خسائر المتعاملين في البورصة الناجمة عن الأزمة الحالية.

الجمعة، نوفمبر ١٤، ٢٠٠٨

إغلاق البورصة بجرة قلم

اليوم الخميس 13/11/2008، تم إغلاق سوق الكويت للاوراق المالية بحكم قضائي، في سابقة تعد من أخطر الأحكام التي صدرت في دولة الكويت، حيث صدر حكما بإغلاق سوق الكويت للاوراق المالية في قضية رفعها أحد المتعاملين في السوق. سوق الأوراق المالية ليس سوقا عاديا، يمكن لمحكمة أن تصدر حكما بإغلاقة، أو إيقاف العمل به، إنه قلب النظام المالي في البلد، وهو المؤشر الحراري لأداء الاقتصاد ومؤسساته، وهو أكثر جوانب الاقتصاد الوطني حساسية، لذلك فقد عملت كافة دول العالم على أن تعهد بمهمة إغلاق هذا السوق لجهة واحدة في الغالب، وهي إدارة السوق. لأنها الجهة التي تملك، من الناحية الفنية، إمكانية الحكم على أن أوضاع السوق قد بلغت مستوى الكارثة التي يقتضي الامر معها إيقاف التعامل. ومع تقديرنا للدوافع التي دفعت لإصدرا هذا الحكم، واحترامنا الكامل للقضاء الكويتي وأحكامه، وايماننا الكامل بنزاهة الدوافع التي دفعت بالقاضي الى أصدار هذا الحكم، فإن هذا الحكم الفريد يثير عدد من الأمور التي يحسن التوقف عندها:

الأمر الاول: هو أن النظرة الشائعة للبورصة هي أنها سبيل للثراء فقط، ومن ثم فإن الإتجاه الوحيد الذي يجب أن تسلكه البورصة هو أن تواصل الارتفاع، والارتفاع السريع. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه يعد أيضا خطير، ويحمل نفس القدر من المخاطر المصاحبة للانخفاض، إلا أنه أمر مقبول من قبل المتعاملين. ومن ثم فانه عندما ترتفع البورصة لمستويات فلكية تهدد بالانهيار فان أحدا لا يقلق حيال ذلك الأمر، بل ويصفق المتعاملين في البورصة لهذا الاتجاه. غير مسموح إذن للبورصة ان ينخفض مؤشرها، أو أن تصحح نفسها، أو أن تعكس الظروف السائدة محليا أو عالميا... الخ، وهذا سوء فهم خطير لطبيعة البورصة وآليات عمل أي سوق للأوراق المالية.

الأمر الثاني: هو أنه مع كافة تقديرنا واحترامنا للقضاء وأحكامه، فإن أعمال البورصة واتجاهاتها وتطور أداء المؤشر، وما إذا كان بالفعل قد بلغ مستويات كارثية توجب وقف التعامل، هي جميعا أمور فنية يجب أن تترك أساسا لادارة السوق والتي بها من المحليين الذين هم على وعي بطبيعة التطورات المحلية والعالمية واتجاهات تلك التطورات والآثار المتوقعة لها على أداء البورصة. ومن ثم فان الجهة الوحيدة التي يوكل إليها مهمة الإغلاق في بورصات العالم هي إدارة البورصة، لأنها ادارة ذات خلفية فنية ومن ثم يفترض أن قادرة على أن تتولى هذه المهمة وقت اللزوم. أما أن تغلق البورصة بحكم قضائي فهو اتجاه خطير، ولم يسبق أن حدث في أي دولة من دول العالم، على حد علمي، ومن ثم فان هذا الحكم يفتح الباب في المستقبل لكل من هب ودب في أن يرفع قضية لوقف التعامل في البورصة إذا تعرضت محفظته لخسائر نتيجة تدهور أداء البورصة، كل ما عليه فعله هو أن يقوم بتوكيل محام لرفع تلك القضية أمام القضاء الاداري، استنادا الى سابقة هذا الحكم، وفي غضون اسبوعين يمكنه أن يحصل على حكم بإغلاق السوق.

الأمر الثالث: هو كيف يمكن لإدارة السوق أن تسمح لنفسها بأن تغلق أبواب السوق بمجرد إبلاغها بصدور حكم قضائي بإغلاق السوق دون التفكير في مجرد رد الحكم او استشكال ذلك الحكم، وهي الجهة الوحيدة في الدولة التي من حقها تقرير هذا الامر، فتسحب ابواب البورصة هكذا بكل سهولة.

الأمر الرابع: وهو الأهم أنه لا يستطيع مليون حكم قضائي بإغلاق أو فتح البورصة أن يوقف نزيف المؤشر بنقطة واحدة، أو يرفع من قيمة هذا المؤشر بنقطة واحدة، فالسوق يعكس طبيعة التوقعات والأوضاع الاقتصادية السائدة محليا وعالميا، ومن ثم فانه إذا كان السوق يصحح نفسه، أو يواجهة أزمة ثقة نتيجة عوامل داخلية أو خارجية فان علاج تلك الازمة لا يمكن ان يكون بحكم قضائي، وانما بالمعالجة الفنية لأسباب الانهيار وبتحسين الاوضاع على الأرض، بالشكل الذي يعيد الثقة في اوضاع السوق ويخلق مناخا مناسبا لاستقراره.

الأمر الخامس، اذا كانت الكويت تفكر في أن تتحول الى مركز مالي عالمي أو اقليمي، فكيف يمكن أن يسمح النظام القانوني فيها لمتعامل بإغلاق البورصة، قلب هذا المركز المالي، من خلال حكم محكمة من جملتين، وهو مجرد سؤال.

الجمعة، نوفمبر ٠٧، ٢٠٠٨

خرق الأبواب السرية للبورصة

نشرت القبس اليوم خبرا بأن هناك نائبين تقدما إلى السيد وزير التجارة والصناعة بوصفه رئيسا للجنة السوق للكشف عن التعاملات التي تمت في البورصة خلال الفترة من 1/9 – 31/10/2008، وأن الأمر يجد معارضة شديدة من أعضاء لجنة البورصة باعتبار أن التداولات التي تتم في البورصة محمية بسرية قانونية (القبس 6/11/2008، صفحة 35).

تحتاج المرحلة الحالية إلى ضرورة أن تكون هناك شفافية تامة في المعاملات التي تتم من خلال بورصة الأوراق المالية، لما للأزمة الحالية من تداعيات حادة على مستوى الأفراد وعلى مستوى المجتمع ككل. عندما ترتفع درجة شفافية المعلومات يسهل التعرف على اتجاهات أداء البورصة بشكل أدق، ومن ثم يسهل تحليل مسببات ما يحدث، الأمر الذي يسهل معه التعامل مع تداعيات الأزمة. أما عندما تتغير الأسعار لأسباب غير مفهومة وتعاملات لا ندري من أين مولت والى أين ستذهب، فإن أبواب التلاعب بالسوق تنفتح على مصراعيها، وتكون النتيجة ضياع ثروات الناس، لمصلحة المتلاعبين بالبورصة.

بورصة الكويت للأوراق المالية هي اليوم في أمس الحاجة الآن من أي وقت مضى إلى قانون محكم يعالج أوجه قصور النظام الحالي للبورصة، بصفة خاصة تلك المرتبطة بحرية التدفق المستمر والآني للمعلومات عن المعاملات التي تتم في البورصة وإمكانية تتبع مصادر التمويل للصفقات المختلفة بحيث يسهل الكشف عن العمليات المشبوهة التي تهدف إلى الضغط على أسهم معينة ودفعها نحو الارتفاع أو دفعها نحو الانخفاض. وبحيث يمكن التفرقة بين ما هو طبيعي في المعاملات والتي تعكس اتجاهات مستويات العوائد والمخاطر، وبين ما هو غير طبيعي في تلك المعاملات والذي يهدف إلى التلاعب بالسوق، وتحقيق أرباح غير عادية، يدفع ثمنها صغار المتعاملين في السوق.

من المعلوم أن بورصة الأوراق المالية في أي اقتصاد هي المؤشر الحراري لأداء الشركات بشكل خاص والاقتصاد بشكل عام، هذا في حال خلو السوق من معوقات الكفاءة، أي خلوه من أي تركز احتكاري أو نقص في نشر المعلومات، أو انتشار من لهم وصول للمعلومات الخاصة Insiders.. الخ. إذا كان الوضع كذلك، لم يكن من المتوقع أن تصل الأوضاع بسوق الأوراق المالية في الكويت إلى هذا الوضع. صحيح أننا نتأثر بالأزمة المالية العالمية باعتبارنا أحد اللاعبين في هذا العالم، إلا أن حجم تأثرنا بالأزمة لا يجب أن يصل بنا إلى ما نحن فيه وبالشكل الذي يشيع هذا القدر من التشاؤم بين المتعاملين في البورصة، وأن تنهار الأسعار إلى هذا الحد. فهل هناك شيء خطأ، يحرك السوق على هذا النحو المرعب.

هذا البلد يحتاج الى أن يعلم ما يدور في بورصته بالضبط، وأن يكون على وعي كامل بحقيقة ما يحدث، ومن يحرك ما يحدث، وأن ما يحدث هو لأسباب اقتصادية وتجارية بحتة، وخال من أية شبهة دوافع خبيثة. الأمر أذن يحتاج إلى قانون يخرق الأبواب السرية للمتعاملين ويكشف حقيقة ما يتم من تعاملات داخل السوق عند اللزوم، ولمصلحة من يتم هذا التعامل، والى يد من تنتهي تلك التعاملات، بحيث يمكننا أن نفرق بين الصفقات التي تتم بدوافع استثمارية، هدفها الاساسي تعظيم الربح وتدنية المخاطرة، والصفقات التي تتم بدوافع انتهازية تهدف إلى التلاعب بالسوق وخلق حالة من عدم الاستقرار فيه حتى تسنح الفرصة لتحقيق أرباح غير عادية، بالشكل الذي يمكن من سرعة اتخاذ اللازم لوقف التدهور الحادث ومن ثم معاقبة المتلاعبين بالسوق جنائيا.

الجمعة، أكتوبر ٣١، ٢٠٠٨

انفجار بالون البورصة

من المعلوم أن سلوك المتعاملين في بورصات الأوراق المالية، يكون أشبه بسلوك القطيع. ففي أوقات انتشار التوقعات التفاؤلية، يتحرك الجميع في اتجاه واحد، دون أي تفكير للعواقب أو فيما قد يكون هناك من مفاجآت عند نهاية الطريق، وهو المضاربة على الصعود، أما في أوقات التوقعات التشاؤمية فان الجميع يتحرك في الاتجاه المعاكس، وهو التخلص من الأسهم تجنبا للمزيد من الخسائر. سلوك القطيع في الحالتين خطير جدا، ففي الحالة الأولى يكون بمثابة نفخ لبالون الأسعار حتى يصل إلى مستويات حرجة تفوق قدرة جدار البالون على تحمل الضغط الداخلي المتمثل في انتفاخ الأسعار، فيحدث الانفجار الذي يساعد عليه سلوك الحالة الثانية.

في هذه الرسالة نحاول أن نفهم ما حدث لبالون سوق الكويت للأوراق المالية، اعتمادا على ما هو متاح على موقع السوق من بيانات تاريخية. الشكل رقم (1) يوضح أنه يوم 17/6/2001، وهو أول يوم يوجد فيه بيانات مسجلة عن مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية في موقع سوق الكويت للأوراق المالية الالكتروني، بلغت قيمة المؤشر عند الإقفال في ذلك اليوم 1669 نقطة. منذ ذلك الوقت والاتجاه العام للمؤشر يأخذ الشكل الصعودي، حتى بلغ المؤشر يوم 24/6/2008، قيمة 15654 نقطة، وهي أعلى قيمة بلغها المؤشر السعري في تاريخه حتى اليوم. ويعني ذلك انه في غضون 7 سنوات تقريبا تضاعف المؤشر السعري حوالي 10.5 ضعفا، أي أنه في المتوسط كان المؤشر السعري خلال السبع سنوات الماضية ينمو بمعدل 150% تقريبا سنويا. انه وبكل المقاييس نموا مبهرا. لا غرابة إذن في أن تجتذب البورصة هذا العدد من المتعاملين، وتحظى بتلك السمعة "سبيل الثراء السريع". بقي أن نشير إلى انه خلال السبع سنوات تلك تم إدراج بعض الشركات في البورصة، وهو ما يسهم في رفع قيمة المؤشر السعري.


غير أن هذا النمو في المؤشر السعري لم يكن على نمط واحد، حيث اختلف معدل النمو من فترة لأخرى. فقبل حرب تحرير العراق، كان المؤشر يدور حول قيمة اقل من 3000 نقطة، (انظر الشكل رقم 2)، وفي غضون الفترة المتبقية من عام 2003، شهد المؤشر نموا واضحا نتيجة للدعم الذي تلقاه المؤشر من استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود، وزوال النظام السابق في العراق، حتى أن المؤشر تجاوز في نهاية عام 2003 حاجز الـ 4500 نقطة. أصبح من الواضح الآن أن القيود التي كان تعوق انطلاق الاقتصاد الكويتي قد تراخت، بصفة خاصة المخاطر المصاحبة للتهديد المستمر على الحدود. في نفس الوقت بدأت أسعار النفط في اتخاذ مسار تصاعدي. باختصار كانت كافة المؤشرات في صالح المؤشر، وهو ما ساهم في تغذية التوقعات التفاؤلية حول اتجاه المؤشر في المستقبل.

منذ عام 2004 تكثفت عمليات التعامل في البورصة مدفوعة بمستويات السيولة المرتفعة للاقتصاد الكويتي، وبدأ المؤشر في النمو بمعدلات غير مسبوقة. من وجهة نظري فان عام 2005 هو أخطر أعوام البورصة، حيث أخذ المؤشر منحى جديدا، وهو عام الأرقام القياسية بالنسبة للمؤشر، حيث تزايد المؤشر من 6400 نقطة يوم 1 يناير 2005 إلى 11445 في آخر تعاملات هذا العام الكارثي، حيث تخطى المؤشر لأول مرة حاجز العشرة آلاف نقطة وسط دهشة وذهول الجميع، وبالطبع تهليل المتعاملين في البورصة. وأصبح من الواضح للعيان أن سبيل الثراء السريع هو البورصة، صيد سهل، وعناء قليل، وربح وفير. كل ما عليك فعله هو تدبير "كام بيزة" وإتباع رموز معينة في السوق في تعاملاتها. يوما بعد يوم، ينضم إلى قائمة المتعاملين عدد أكبر ممن ليس لديه أية دراية بقواعد اللعبة.


وبشكل عام لم تتعرض البورصة لأي حركة تصحيح للمؤشر السعري حتى عام 2005. غير انه مع تخطي المؤشر حاجز الـ 12000 نقطة في عام 2006 بدأت أول عملية تصحيح رئيسية للسوق خلال هذا العقد، كما يتضح من الشكل رقم (4)، حيث تهاوى المؤشر إلى 9268 نقطة في ذكرى يوم العدوان العراقي على الكويت. وبصفة عامة يمكن القول بأن عام 2006 كان عام تصحيح للمؤشر السعري لسوق الكويت للأوراق المالية، والذي استمر حتى الربع الأول تقريبا من عام 2007. بعض المتعاملين في السوق قد استوعب الدرس، وخرج من السوق مكتفيا بما حقق، من ربح أو خسارة. غير أن المؤشر، كما يتضح من الشكل رقم (4) سرعان ما استرد عافيته، واخذ في الصعود مجددا حتى اخترق حاجز الـ 13000 نقطة، وهو رقم قياسي جديد للمؤشر تحقق في تعاملات يوم 7/10/2007. إلا انه ما أن مر وقت قصير حتى بدأت حركة تصحيح قصيرة للمؤشر الذي هبط إلى 12000 نقطة في 29/11/2007. إلا أن فترة التصحيح لم تستمر لفترة طويلة، حيث اخذ المؤشر في الارتفاع مرة أخرى. يوما بعد يوم بالون السوق ينتفخ ويزداد ضغط مؤشر الأسعار فيه حتى بلغ المؤشر مستواه القياسي يوم 24/6/2008، بإقفال السوق على مؤشر قيمته 15654 نقطة. بلغ ضغط مؤشر الأسعار داخل البالون حدوده القصوى، وكان من الواضح أن ما يحدث في السوق هو نوع من الجنون، وان الأسعار السوقية لأسهم الشركات لا تعبر من الناحية الفنية عن القيمة الحقيقة لأصول تلك الشركات، أو مستويات توزيعات أرباحها. ماذا تعكس الأسعار السوقية إذن، أنها تعكس فقط اتجاهات المضاربة داخل السوق.


منذ ذلك اليوم السعيد بدأ الهبوط المدوي للبورصة، حيث توالت الأخبار السيئة سريعا من هبوط أسعار النفط إلى اقل من النصف، وتسرب أنباء الأزمة المالية العالمية، ودخول العالم المتقدم مرحلة الكساد، وتهاوي مؤشرات الأسعار في البورصات العالمية والإقليمية، لتبدأ أكبر حركة تصحيح في تاريخ بورصة الكويت للأوراق المالية الحديث، كما يتضح من الشكل رقم (5)، حيث استمر المؤشر في الهبوط المستمر حتى بلغ 9676 نقطة، ويعني ذلك أن المؤشر قد انخفض خلال 3 أشهر تقريبا بنسبة 62%، وهو انخفاض مدوي بكل المقاييس. ولكن هذه هي البورصة، حيث ترتفع مستويات المخاطرة إلى أعلى مستوياتها، ولا يمكن الحديث عن ما يسمى بالمخاطرة المحسوبة، فمن الممكن أن تنقلب الأوضاع رأسا على عقب في غضون فترة زمنية قصيرة جدا.

حسبما نقلت الصحف أن صغار المتعاملين في السوق تجمعوا أمام السوق وقرروا الاتجاه نحو مجلس الوزراء مطالبين بالتدخل، والبعض الآخر نادى بأن يقوم السوق برد خسائرهم، كما طالب البعض الأخر برفع قضايا على السوق لأنه السبب في شفط ثرواتهم. أمثال هؤلاء لا يعلم كما يقول المثل العامي "وين الله جاطه"، فالسوق هو مجرد مكان منظم لتسهيل التقاء أمثاله لتداول الأوراق المالية. يفترض في هذا المكان أن يكون سوقا كفء بحيث لا يسمح لفئة من المتعاملين بتحقيق أرباح غير عادية اعتمادا على المعلومات المتاحة في السوق.


عندما يكون السوق صغيرا من حيث الحجم وعدد الشركات والقيمة الرأسمالية له، فان فرص أن يكون السوق كفئا تكون محدودة. ومثل هذا المناخ يخلق أرضية مناسبة لتحقيق أرباح غير عادية للمتعاملين الكبار ذوي الاستراتيجيات طويلة الأجل، الذين لديهم القدرة المالية على تحمل خسائر في الأجل القصير، واستراتيجيات ثابتة للتعامل ترتكز أساسا على قيمة محافظهم المالية في الأجل الطويل. وهؤلاء يربحون في الحالتين، أي في حالة الصعود وحالة الهبوط. ففي حالة الصعود حيث تكون الفرصة سانحة لعمليات البيع، استنادا إلى تقدير هؤلاء حول النقاط الزمنية التي تكون فيها أسعار الأسهم قد استنفذت اتجاهات الصعود، وانه وفي ضوء المؤشرات الأخرى، فان الأسهم لا بد وان تنخفض في المستقبل القريب. وفي حالة الهبوط حيث تكون الفرص سانحة لعمليات إعادة الشراء بأسعار منخفضة للأسهم، استعدادا للرحلة التالية من الصعود، وهكذا.

للأسف فان بعض صغار المتعاملين يقحمون أنفسهم في هذا النشاط الذي لا يفهمون فيه، وليس لديهم القدرة على تحمل أعباءه، وليس لديهم أية استراتيجيات للتعامل في السوق، ولا يفهمون في التحليل الفني للسوق، أو التحليل الاقتصادي له، ويعيشون على ما يصل إليهم من معلومات عن سلوك كبار المتعاملين، والذي قد يكون في بعض الأحيان مضللا. عندما تحدث الأزمة تحدث الكارثة لهؤلاء، خصوصا وان البعض يكون قد رهن منزله، أو باع مجوهرات زوجته، أو اقترض ثروة أقرباءه.. الخ، طمعا في الثراء السريع، وهو لا يدري أن هذه الثروة يمكن أن تتبخر في لحظات، وهنا تبدأ المأساة الإنسانية لهؤلاء.

الاثنين، أكتوبر ٢٧، ٢٠٠٨

مرحبا بعودة الضمان الحكومي لودائع البنوك في دولة الكويت

بوادر الأزمة المصرفية التي بدأت تنتشر في دولة الكويت بعد الإعلان عن تعرض بنك الخليج بدولة الكويت لخسائر نتيجة عدم قدرة أحد العملاء على إعادة سداد التزاماته قبل البنك والتي تم استخدامها في تمويل عقود للمشتقات، انتشرت بشكل سريع وفي غضون فترة زمنية قصيرة جدا. الذي حدث هو أن بعض عملاء بنك الخليج قد أسرعوا إلى سحب بعض أو كل مودعاتهم في البنك، كذلك تأثر بعض عملاء البنوك الأخرى، حيث أخذت عدوى الذعر المالي تنتشر بينهم، بحيث ارتفع الطلب على السيولة بشكل كبير خوفا من أن تكون باقي بنوك دولة الكويت تواجه نفس المشكلة. الملاحظ أيضا انه قد تم فرض حدود قصوى على قدرة المودع على السحب من حسابه في اليوم الواحد، وذلك لتقنين عمليات السحب النقدي بالشكل الذي يمكن البنوك من توفير حد أدنى من السيولة لكافة المودعين في حدود هذا الحد الأقصى.

الإجراء الذي تم اتخاذه بوضع حد أقصى لعمليات السحب اليومي من المودعات هو إجراء سليم من الناحية الاقتصادية لترشيد عملية السحب وإعطاء القدرة للسلطات النقدية على توفير السيولة اللازمة للبنوك في مواجهة زيادة الطلب على السيولة من قبل العملاء.

حالة الذعر المالي التي سادت بين بعض المودعين ترجع أساسا إلى انه ليس هناك ضمان حكومي حاليا لكافة المودعات في بنوك دولة الكويت، والذي كان قد تم إلغاؤه منذ سنوات قليلة مضت مع تلاشي المخاطر التي كان النظام المالي قد تعرض لها بعد أزمة المناخ وما تلاها من أزمات أخرى. فضلا عن اعتقاد بعض العملاء بأن الأوضاع المالية السيئة التي تمر بالعالم وبالمنطقة على وجه الخصوص قد بدأت تلقي بظلالها على قطاع البنوك في دولة الكويت.

والواقع أن ما يحدث من تأثيرات سلبية على القطاع المالي في الدولة لا تبرره معطيات الواقع الاقتصاد الكلي في الدولة بشكل عام. فالموقف المالي الحالي لدولة الكويت متين جدا، والأداء الاقتصادي على المستوى الكلي جيد جدا. معطيات الواقع إذن لا تبرر الاضطرابات التي يعاني منها القطاع المالي في الدولة.

من الواضح أن هناك أزمة ثقة محلية تدعمها الأوضاع العالمية الطاحنة والتي يمكن أن تحمل في طياتها أخبارا سيئة للجميع. المتعاملين في القطاع المالي في حاجة إلى الهدوء، وهو ما يحتاج إلى اتخاذ خطوات سريعة من جانب الحكومة لبث الثقة في القطاع المالي ووقف التدهور ونزيف الخسائر. التحرك الحكومي الحالي لمواجهة الأزمة يتسم بالبطء بشكل عام.

قبيل أزمة بنك الخليج كان بنوك دولة الكويت مدعوة للمساهمة في إنقاذ الشركات المتعثرة وإنعاش بورصة الأوراق المالية ومواجهة الخسائر المتزايدة للمحافظ المالية. ومن المعلوم أن مساهمة البنوك في حل الأزمة يمكن أن تأخذ اتجاهين:

الأول: هو أن يتم استخدام البنوك لالتزاماتها من مودعات للقطاعات المختلفة في عملية إنقاذ الشركات من خلال إقراضها ومساعدتها على الخروج من أزمة السيولة التي تواجهها، بصفة خاصة الشركات المتعثرة، وكذلك المساعدة في زيادة مستويات السيولة في بورصة الأوراق المالية لوقف نزيف مؤشر البورصة والحد من الاتجاه النزولي للأسعار.

الثاني: هو أن تقوم البنوك بمهمة إنقاذ القطاع المالي ولكن من خلال مودعات حكومية للبنوك تتوافق مع حجم التمويل المطلوب من قبل هذا القطاع بحيث تكون هذه المودعات الحكومية هي الضامن لقروض تلك البنوك، ومن ثم تتحمل الحكومة في النهاية المخاطر المصاحبة لحالة عدم الاستقرار المالي بعيدا عن مودعات القطاعات المختلفة في البنوك، وذلك ضمانا لحماية البنوك ضد أي مخاطر يمكن إن تتعرض لها والتي يمكن أن تنشأ عن تعثر بعض الشركات أو إفلاسها في خضم الأزمة.

غير أن الاختيار الأول قد يحمل كارثة للمودعين لدى البنوك في حال استمرار سوء أوضاع البورصة وتدهور قدرات الشركات على الوفاء بالتزاماتها المالية، خصوصا الشركات المتعثرة أو التي ترتفع درجة المخاطرة في محافظها الاستثمارية، إذ أن أسوأ نتائج هذا الوضع أن تنتقل عدوى المخاطر المالية إلى البنوك، وهي عصب الحياة المالية في الدولة.

الاختيار الثاني قد يحمل أخبارا سيئة للحكومة، في حال استمرار أوضاع القطاع المالي في التدهور، وفي هذه الحالة سوف تنصب الخسائر على الاحتياطي العام للدولة والذي قد يضيع جانب منه لمواجهة الأزمة. هذا هو بالضبط ما تفعله بلاد العالم الأخرى في سعيها لتجنب الآثار المدمرة للازمة المالية العالمية، من خلال رفع درجة سيولة القطاع المالي بحيث تضمن توفير حجم الائتمان اللازم لضمان حد أدنى من الطلب على الأصول المالية لوقف التدهور في الأسعار وبث الثقة لدى المتعاملين في أوضاع قطاعاتها المالية.

المطلوب حاليا أن تتم معالجة أوضاع القطاع المالي على أساس انتقائي، ومن خلال دراسة دقيقة لأوضاع الشركات، بحيث يمكن للبنوك أن تتولى مهمة مساعدة الشركات التي تضررت من الأزمة المالية، ولكن ما زال موقفها المالي سليم ومن ثم ليس من المتوقع أن يكون هناك تأثيرا جوهريا للأزمة عليها، وأن المسألة هي مسألة وقت حتى تتعافي تلك الشركات من آثار الأزمة.

أما بالنسبة لباقي الشركات والتي تضررت بشكل كبير والتي بلغت خسائرها والتزاماتها المالية قدرا كبيرا من أصول تلك الشركات إلى الحد الذي قد يهدد قدرتها على الاستمرار أو التي ترتفع مستويات المخاطر المصاحبة لتعديل أوضاع تلك الشركات، أو أن هذه الشركات تحتاج إلى تعديل هيكلي بالشكل الذي يسمح باستمرار أعمالها في المستقبل بأمان، فان أمر تمويل هذه الشركات يمكن أن يترك للحكومة في إطار خطتها التي تقضي بضخ كمية كافية من السيولة لبث الثقة في القطاع المالي.

في جميع الأحوال فان اقتراح عودة الضمان الحكومي للودائع في البنوك في الوقت الحالي هو اقتراح ممتاز من الممكن أن يعطي البنوك الكويتية دفعة ثقة أكبر تقوي من المركز المالي لتلك البنوك وتقلل احتمال تعرض أي من تلك البنوك للإفلاس، وهو ما سيساعد على التقليل من أي احتمال حدوث عمليات سحب جماعي للأموال من البنوك، ومن ثم تجنب آثار حالة الذعر المالي في حال عدم قدرة أي من تلك البنوك على مواجهة طلبات السحب بسبب نقص السيولة، أو تعرض أحد تلك البنوك لخسارة جوهرية قد تهدد سلامته في ظل ظروف الأزمة.

الأحد، أكتوبر ٢٦، ٢٠٠٨

هل آن الأوان لانضمام العراق لمجلس التعاون

في زيارته الأخيرة إلى العراق صرح وزير خارجية البحرين، بأن العراق هي امتداد طبيعي لمجلس التعاون في إشارة إلى إمكانية توسع المجلس شمالا بانضمام العراق إلى منظمة دول مجلس التعاون. من ناحية أخرى فقد طالب العراق بعد الحرب في أكثر من مرة بانضمامه إلى عضوية منظمة دول مجلس التعاون، الموضوع إذن ليس من الموضوعات الجديدة، ولكن هل فعلا العراق مستعد حاليا للانضمام إلى عضوية المجلس، وهي المجلس يمكن أن يستوعب الأعباء التي يمكن أن تترتب على انضمام العراق إلى عضوية المجلس.

تشير نظرية التكامل الاقتصادي إلى أن التكتل الاقتصادي يكون ناجحا في حالة تشابه الهياكل الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء، وتقارب مستويات الدخول والاستهلاك .. الخ، حيث يسهل في هذه الحالة خلق التجارة بين دول التكتل ورفع معدلات النمو ومن ثم مستويات التوظف والمعيشة في التكتل. وبمراجعة مدى انطباق شروط التكتل الاقتصادي على دول المجلس والعراق يلاحظ انه هناك وجه واحد للتشابه، وهو أن العراق منتج رئيسي للنفط الخام. فيما عدا ذلك تتباعد الفوارق بين العراق ودول مجلس التعاون بحيث أنه من الممكن أن يترتب على انضمام العراق إلى عضوية المجلس مشكلات خطيرة تهدد سلامة المجلس بوضعه الحالي. حيث يلاحظ الآتي:

وجود فوارق كبيرة في معدل البطالة بين العراق ودول مجلس التعاون، حيث يصل معدل البطالة في العراق وفقا لبعض التقارير إلى 50%، وهي ربما تكون أعلى معدل للبطالة في العالم. وعندما تدخل العراق إلى عضوية دول المجلس فسوف يعطي العراق معاملة تفضيلية بالنسبة لفرص التوظيف المتاحة، مثل تلك التي تمنح لمواطني الدول الأعضاء الآخرين في المجلس، ونظرا للفوارق الهائلة في مستويات الأجور بين العراق ودول المجلس الأخرى، فانه من المتوقع أن يحدث فيضان من الهجرة للعمال العراقيين إلى دول المجلس مستفيدين في ذلك بالتسهيلات التي تمنحها الاتفاقية والمرتبطة بحرية التنقل بين دول المجلس. ومن شأن ذلك أن يحدث مشكلة كبيرة لأسواق العمل داخل هذه الدول، فضلا عن أنه قد يهدد السياسات الحالية الرامية إلى إحداث نوع من التوازن بين الجنسيات المختلفة للعمال في سوق العمل الخليجي.

الفروق الواضحة في مستويات الدخول والاستهلاك بين العراق ودول المجلس، مما يحد من فرص استفادة دول المجلس من عمليات خلق التجارة بينها وبين العراق، حيث سيظل العراق سوقا محدودة بسبب الانخفاض الواضح في القوة الشرائية مقارنة بباقي دول المجلس.

الفروق الواضحة في مستويات التعليم وتكوين رأس المال البشري، حيث تتدنى مستويات التعليم وتسهيلاته بشكل واضح في العراق مقارنة بدول المجلس، فضلا عن تواضع فرص التدريب وإعادة التأهيل لرأس المال البشري في العراق. مما يعني عدم مناسبة المخرجات الحالية لنظام التعليم والتدريب في العراق لأسواق العمل في دول مجلس التعاون.

الفروق الهائلة في البنى التحتية بين العراق ودول المجلس، مما يحد من فاعلية وديناميكية الاقتصاد العراقي في التفاعل مع متطلبات التعاون المتوقع بين العراق ودول المجلس. إن تواضع البنى التحتية في العراق سوف يظل يمثل قيدا هائلا أمام تنمية هذا البلد ومن ثم ستظل فروق مستويات النمو بين العراق ودول المجلس كبيرة لسنوات طويلة في المستقبل، وهو ما يحد من فرص التكامل بين العراق ودول المجلس.

عدم الاستقرار السياسي في العراق، حيث أنه ليس من الواضح حتى الآن متى ستستقر الأوضاع السياسية في العراق، وماذا يحمل المستقبل لهذا البلد، خصوصا في حالة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وترك الأمور المرتبطة بالأمن والدفاع للعراقيين. وفي ظل تعدد العرقيات والمذاهب الواضح في العراق، فانه استقرار العراق السياسي في المستقبل أمر يحيط به الكثير من الشك. ومن المعلوم انه في ظل أوضاع عدم الاستقرار السياسي تصبح بيئة الأعمال غير مناسبة على الإطلاق لتدفق الاستثمار المباشر. ويعني ذلك أن الاقتصاد العراقي سوف يظل مغلقا، شئنا أم أبينا، أمام رؤوس الأموال الخليجية، نظرا لارتفاع مستوى المخاطر بشكل كبير الناجم عن الأوضاع السياسية.

الحاجة إلى برنامج ضخم لإعادة تأهيل العراق لكي تصبح في مستوى اقتصادي موازي لمستويات النمو الاقتصادي في باقي دول المجلس، وهو ما سيتطلب خطط ضخمة للإنفاق على البنى التحتية، وعلى قطاعات التعليم والصحة وتطوير القطاع المالي.. الخ، وهو من الأمور التي ستلتزم تخصيص ميزانيات ضخمة تفوق قدرة دول المجلس على ذلك، خصوصا في ظل التزاماتها الأخرى قبل اقتصادياتها. وبدون برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد العراقي فان فرص نجاح انضمامه إلى منظومة دول المجلس ستظل ضعيفة، وقد تخلق مشكلات عديدة تفوق في أثرها، العائد المتوقع على دول المجلس من انضمام العراق.

ما هو الحل المناسب إذن؟ من الممكن القبول حاليا بمستويات أدنى للتعاون بين العراق ومنظمة دول مجلس التعاون، مثل إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة، وتوسيع نطاق التعاون من خلال إنشاء مشروعات مشتركة مثل ربط السكك الحديدية والربط الكهربائي والمائي .. الخ، وعلى مستوى يتناسب مع قدرات الاقتصاد العراقي حاليا على التعاون.

الأربعاء، أكتوبر ٢٢، ٢٠٠٨

الفوائض المالية مؤقتة وخادعة

في الحديث الذي ألقاه سمو أمير البلاد حفظه الله يوم الثلاثاء 21/10/2008 في افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الثاني عشر لمجلس الأمة، أشار سموه "ولعلها مناسبة طيبة لنذكر بما سبق أن حذرنا منه بأن متحصلات الفوائض المالية التي ينعم بها اقتصادنا، قد تكون مؤقتة وخادعة، وأن مستقبل الأمة وأجيالها مرهون بحسن استغلال هذه الفوائض في مواضعها وترشيد إنفاقها، وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تكفل تأمين مقومات الاقتصاد القوي الراسخ"، ولقد أصاب سموه كبد الحقيقة عندما ذكر بأن الفوائض المالية التي تتمتع بها الكويت حاليا قد تكون مؤقتة وخادعة.

والحقيقة هي أن هذه الفوائض المالية التي تتمتع بها الكويت حاليا، بل وجل الإيرادات النفطية التي تأتينا، سواء تحقق منها فائض أم لم يتحقق، هي مؤقتة بطبيعتها، لأنها ترتبط أساسا بمورد ناضب هو النفط الخام، سوف ينتهي هذا المورد يوما ما، ربما بعد 50 عاما، أو أقل من ذلك أو أكثر يعتمد ذلك على كمية الاحتياطيات الحقيقية التي تملكها الكويت من النفط ومعدل الاستخراج من تلك الاحتياطيات. إن أفضل التقارير المتاحة لدينا الآن تشير إلى أن النفط ربما ينضب في غضون خمسين عاما على الأكثر. معنى ذلك أن الفوائض النفطية هي بطبيعتها مؤقتة، شئنا ذلك أم أبينا.

ما هي خطورة هذا الوضع إذن؟ إن مكمن الخطورة ينبع من أننا نعيش حاليا على إيراد ناضب بطبيعته، وسوف ينفذ هذا المورد يوما ما. ومرة أخرى، وكما أشرت مرارا وتكرارا، فإننا عندما نتحدث عن عمر الأمم فان فترة خمسون عاما تعد فترة قصيرة جدا جدا. إن جانبا من الجيل الحالي في الكويت سوف يشهد هذا اليوم، أي اليوم الذي سوف ينضب فيه النفط تماما، إنهم أطفالنا الذين يعيشون بيننا الآن، سوف يأتي عليهم ذلك اليوم الذي يعلن فيه عن إغلاق آخر آبار النفط، وانتهاء الحقبة النفطية في الكويت. إذا كانت أفضل التوقعات حول الفترة التي سوف تستمر فيها الكويت تصدر النفط هي خمسين عاما، فان أطفال اليوم سوف يشهدون هذا اليوم قبل بلوغهم سن التقاعد. أي سوف يأتي اليوم على طفلك الصغير، الذي يعيش بين يديك الآن، ليشهد اللحظة التي تصل فيه صادرات النفط الخام إلى الصفر. ماذا سيحدث لإبنك في هذا اليوم. من المؤكد أن آثار الكارثة سوف تكون قد بدأت قبل ذلك اليوم بوقت طويل. فماذا أعددنا لهذا اليوم.

الفوائض النفطية هي أيضا خادعة، لأنها توحي لنا، بل وتوهمنا، بأننا أمة غنية، لديها فوائض، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن ينعم الناس بهذه الفوائض. وحقيقة الأمر أننا لسنا أمة غنية كما قد يتصور البعض، إننا أمة فقيرة جدا في مواردها. فبدون النفط سنواجه كارثة تهدد بقائنا على هذه الأرض الطيبة، أو ربما تهدد استقلالنا كدولة. وربما يرد البعض بالقول بأننا أمة عاشت عمرها بدون نفط، فليذهب النفط، ونحن باقون. نعم هذا صحيح، ولكن على أي صورة، وبأي حال؟ من المؤكد أننا سنبقى، ولكن في حال مختلفة تماما عما نعيشه اليوم.

لقد صدق سمو الأمير حفظه الله عندما قال "وأن مستقبل الأمة وأجيالها مرهون بحسن استغلال هذه الفوائض في مواضعها وترشيد إنفاقها"، نعم مستقبل الكويت يصنع الآن، ولكن لسوء الحظ في ظل بعض دعوات للهدر وتدمير الثروة. هؤلاء الذين يطالبون بنثر الأموال هنا وهناك هم خونة لأولادهم ولكافة الأجيال القادمة على هذه الأرض الطيبة، وينبغي ألا نسير وراءهم ونهلل لهم، لأنهم ببساطة أعداؤنا الحقيقيون في الداخل.

للمرة الألف، إن الوفرة الحالية التي تمر بها الكويت تمثل فرصة ذهبية نادرة، ربما لا تتكرر أبدا في تاريخ الكويت، فإما أن نكون على مستوى المسئولية والحدث ونتعامل مع تلك الفوائض بما ينبغي، بدلا من دعوات الهدم والهدر سعيا وراء الأصوات الانتخابية أو السمعة والشهرة، أو تحقيق نفع أو مكسب ذاتي، وإلا فان الثمن سيكون فادح جدا، إنه مستقبل الكويت ومستقبل أجيالها، وربما وجودها كدولة مستقلة. إن التاريخ والأجيال القادمة لن ترحم الجيل الحالي إذا لم يحسن استخدام الفرصة ويكون على القدر المناسب من المسئولية قبل أجيالنا القادمة، فماذا نحن فاعلون.

الأحد، أكتوبر ١٩، ٢٠٠٨

هل تفلت الأمور من يد الأوبك

يوما عن يوم، ومنذ أن ضربت الأزمة المالية العالمية الحالية أسواق العالم حتى تحول أثرها إلى الجانب الحقيقي من الاقتصاد العالمي، وأصبح من الواضح إننا على أعتاب أزمة ركود عالمي تضرب اقتصاديات الدول المتقدمة غربا وشرقا، ومنها تمتد إلى باقي دول العالم النامي، ومع تراجع مستويات النمو الاقتصادي وكذلك تراجع التوقعات حول مستقبل النمو في الدول المتقدمة والناشئة في السنتين القادمتين، أخذت أسعار النفط الخام في التراجع إلى مستوي يقل عن نصف مستوياتها منذ 3 أشهر مضت. الانخفاض الكبير في أسعار النفط اتسم بأنه حدث في غضون فترة زمنية قصيرة، وكذلك بدون أدنى تدخل من قبل تكتل المنتجين (الأوبك) لوقف هذا التدهور في الأسعار، على الأقل من الناحية السيكولوجية لتهدئة اتجاه الأسعار الهبوطي، حيث قنعت الأوبك بدور المتفرج انتظارا لما ستكشف عنه الأحداث.

دول منظمة الأوبك للأسف الآن بين خيارين أحلاهما مر:

الخيار الأول: هو أن تترك أسعار النفط تواصل اتجاهها الهبوطي، دون أدنى تدخل من جانبها باعتبار أن ما يحدث هو عملية تصحيح لأوضاع السوق في ظل ظروف ضعف الطلب العالمي على النفط واتجاهات الطلب العالمي المتناقص في المستقبل، وفي ظل هذا الخيار من الواضح انه ليس هناك أي قيود تمنع أسعار النفط نحو الهبوط، وربما، وفقا لأسوأ سيناريو، نجد سعر النفط يعاود الهبوط إلى مستوى 10 دولارات مثلما حدث في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أي منذ ما يناهز عشر سنوات مضت، وهو ما سيمثل كارثة حقيقية للدول النفطية بكافة المقاييس.

الخيار الثاني: هو أن تتحرك دول الأوبك، كما أعلنت، لوقف هذه التدهور في الأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف نزيف الإيرادات النفطية الناجم عن انخفاض أسعار النفط الخام، والحفاظ على ما تراه سعرا عادلا للنفط الخام، والذي يتراوح حاليا بين 80-100دولارا للبرميل. وفي ظل هذا الخيار سوف تواجه الأوبك بهجوم واسع من قبل دول العالم المستوردة للنفط من منظور أن هذا التحرك يعقد من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، والدول الصناعية المستوردة للنفط، فضلا عن أثاره المأساوية على الدول النامية والفقيرة في ظل ظروف الركود العالمي، الأمر الذي سيعقد الجهود العالمية لمعالجة الأزمة المالية ووقف الانهيار في أسواق المال وانعكاساته على القطاعات السلعية في هذه الاقتصاديات.

العالم يتوقع الآن من الأوبك أن تتحمل نصيبها في عملية إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال قبول أسعار اقل للنفط الخام لتخفيف الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة في أوقات الكساد. ولكن هل الأوبك مستعدة لان تلعب هذا الدور؟

أغلب الظن أن الإجابة ربما تكون لا، أخذا في الاعتبار ردود فعل صقور الأوبك مثل فنزويلا وإيران من فكرة ترك أسعار النفط تنخفض كأحد نتائج الوضع الاقتصادي العالمي حاليا. من ناحية أخرى فان باقي دول الأوبك أصبحت الآن في وضع مالي لا تحسد عليه. صحيح أن هذه الدول قد تمكنت خلال السنوات الثلاث السابقة من تكوين احتياطيات مالية ضخمة تمكنها من استيعاب آثار انخفاض أسعار النفط على ميزانياتها العامة، إلا أن هذه الدول للأسف قد أفرطت في التفاؤل حول مستقبل أسعار النفط في المستقبل، إلى الحد الذي صاحبه إجراءات اتخذتها حكومات تلك الدول ترتب عليها ارتفاع مستويات الإنفاق الجاري لديها، إلى الحد الذي تحولت فيه ميزانياتها العامة إلى ميزانيات شديدة التأثر، مقارنة بأي وقت مضى، بتقلبات أسعار النفط الخام.

إذا استمرت أسعار النفط الخام في اتجاهها النزولي، فان عجز الميزانيات العامة للدول النفطية سوف يكون رهيبا، أخذا في الاعتبار مستويات الإنفاق الجاري العام حاليا في هذه الدول، إلى الحد الذي سيستنزف احتياطيات تلك الدول بشكل سريع في ضوء أحادية مصادر الإيرادات العامة الذي تعاني منه معظم هذه الدول. إذا تحقق هذا السيناريو فان وحدة أعضاء الأوبك التي شهدها العالم منذ أوائل القرن الواحد والعشرين مهددة بالتفكك، فمن المعلوم نظريا أن تكتلات المنتجين، مثل الأوبك، تكون فعالة فقط في أوقات زيادة الطلب عن العرض، حيث يسهل السيطرة على السوق من جانب تكتل المنتجين. أما في أوقات زيادة العرض، فان أعضاء التكتل يميلون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال التنصل من التزاماتهم أمام منظمة التكتل فيما يتعلق بحصص الإنتاج، خصوصا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها ميزانيات الدول الأعضاء في التكتل، وفي هذا الصدد فان لأعضاء الأوبك تاريخا طويلا في عدم الالتزام بالحصص المتفق عليها والخوض في صفقات تحت المنضدة حيث تكون النتيجة انهيار الأسعار.

مما لا شك فيه أن الفترة المقبلة ستمثل فترة عصيبة لتكتل الأوبك، وأن اعتبارات الظروف الدولية واتجاهات النمو الاقتصادي الحقيقي في دول العالم سوف تجعل من مسألة سيطرة الأوبك على زمام أمور سوق النفط الخام مسألة في غاية الصعوبة، فهل تفلت الأمور من يد الأوبك مثلما حدث عدة مرات سابقا، هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.

الجمعة، أكتوبر ١٠، ٢٠٠٨

ها قد جاء اليوم الأسود سريعا

عندما حدثت الوفرة النفطية الحالية عقدت ندوة في كلية العلوم الدراية حول سبل استغلال الوفرة النفطية، وحذرت من تبديد تلك الفرصة الذهبية هباء بنثر الأموال هنا وهناك، وضرورة توجيه تلك الوفرة نحو رفع قدرات الكويت على تنويع مصادر دخلها لكي تتخلص من قيد المورد شبه الوحيد للدخل. وفي أكثر من مرة حذرنا من أن البعض يتعامل مع الوفرة الحالية والأسعار المرتفعة للنفط على أنها أمر أبدي وأنه ليس هناك أي مجال للعودة إلى الوراء، وأن قفزة النقط هي قفزة أبدية، وان النفط لا خوف عليه، وأننا ننتظر اليوم الذي سيعلن قريبا عن سعر 200 دولارا للبرميل، وربما 500 دولارا للبرميل. إذن الإوزة التي في باطن الأرض تبيض ذهبا بمعدلات تفوق قدرتنا على حمله، وإذا كان الأمر كذلك وجب على الحكومة فك كيسها ونثر الوفرة على الناس يمنة ويسارا.

تبارى الكثير من ممثلي الأمة للأسف المطالبة بتدمير تلك الثروة الناشئة بأقصى سرعة ممكنة فهذا يطالب بإلغاء القروض، وهذا يطالب بمضاعفة الرواتب، وذلك يطالب بإلغاء فواتير الكهرباء والماء، وآخر يطالب برفع معاشات التقاعد.... الخ، قائمة طويلة جدا من المطالب على ثروة يبدو أننا لسنا الذين نملكها. ماذا كانت النتيجة لذلك. النتيجة توضحها بجلاء ارقام آخر ميزانية للكويت (انظر
فوائض الكويت النفطية تتجه نحو الرواتب ومعاشات التقاعد في 3/7/2008 و إلى أين تأخذون الكويت في 29/6/2008 في هذه المدونة)، حيث قفز الإنفاق العام إلى مستويات حرجة ونتيجة لذلك ارتفع سعر النفط اللازم لتوازن ميزانية الكويت إلى ما يجاوز 65 دولارا للبرميل، أي أن هذا السعر هو الحد الأدنى الذي يجب أن يسود لسعر النفط الكويتي حتى نحصل على إيرادات نفطية تكفي لتمويل الإنفاق العام للدولة. وعندما كنا نتحدث عن ذلك، كان البعض يرد، وما الضير في ذلك، أن سعر 65 دولارا للبرميل أصبح من التاريخ.

اليوم ينخفض سعر النفط الأمريكي إلى ما دون 80 دولارا، أي انخفاض من حوالي 145 دولارا منذ شهور قليلة، والبقية تأتي. اليوم النفط الكويتي دون الـ 70 دولارا، ونحن نقترب بسرعة من سعر توازن الميزانية. وتشير التوقعات إلى انه يسير إلى مستوى تحقق معه الميزانية عجزا في العام القادم. حيث تشير التوقعات إلى أن العالم سوف يدخل أزمة ركود كبير بسبب امتداد تأثير أزمة القطاع المالي في دول العالم إلى القطاع الحقيقي، حيث تميل معدلات النمو نحو الانخفاض، والمؤسسات الدولية راجعت توقعاتها حول معدلات نمو الاقتصاد العالمي في ظل تلك التطورات، حيث يؤكد صندوق النقد الدولي استمرار تراجع معدلات النمو في المستقبل حتى في أعلى دول العالم نموا وهي الصين والهند. وقد أصبح من المؤكد الآن أننا سندخل مرحلة ركود اقتصادي بما يحمله لنا من أخبار سيئة من تراجع مستويات النمو وارتفاع مستويات البطالة وانخفاض مستويات الدخول. تراجع معدلات النمو العالمي سوف يؤدي إلى التأثير بصورة سلبية على أسعار النفط الخام، حيث تهبط الأسعار بسرعة كبيرة، ومعها تمحى المليارات من الدولارات المتوقع الحصول عليها من تصدير النفط، مثلما تنمحي مليارات الدولارات من الصندوق السيادي الذي تملكه الكويت، والذي سبق أن حذرنا أيضا من مخاطره على دولة الكويت.

للأسف فان فترة الوفرة مرت سريعا، وكان أسوأ نتائجها مستويات ضخمة للإنفاق العام للدولة يفوق قدرة الكويت على تمويله على المدى الطويل، ما هو رأي أعداء المال العام.

الاثنين، أكتوبر ٠٦، ٢٠٠٨

الأثر المتوقع للأزمة المالية العالمية على التضخم العالمي

يعزى التضخم الحالي الذي يمر بالعالم إلى عدة أسباب، منها ارتفاع أسعار النفط الخام، وارتفاع أسعار الغذاء نتيجة لعوامل عدة، منها المستوى الحالي لأسعار النفط، وارتفاع أسعار السلع الصينية المصدرة للعالم، وهناك من يعزو التضخم أساسا إلى النظام المالي الدولي الحالي، الذي يتسم بدرجة كبيرة من التسيب وعدم المراقبة وقلة الشفافية والمسئولية. حيث حرص النظام المالي في كل دول العالم تقريبا على الإفراط في الإقراض الأمر الذي أدى إلى تغذية مستويات الطلب الكلي عالميا، مما تسبب في تصاعد معدلات التضخم.

وبشكل عام يعتمد أثر الأزمة المالية العالمية على مستويات الأسعار للسلع والخدمات على مسار الأزمة المالية العالمية في المستقبل. وبشكل عام فان الآثار المتوقعة للازمة المالية العالمية على الأسعار تدخل في نطاق الآثار المباشرة وغير المباشرة. وبالنسبة لمسار الأزمة فان هناك سيناريوهان لاتجاهات الأزمة في المستقبل:

السيناريو الأول: هو أن تفشل الجهود المبذولة حاليا من قبل الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى في معالجة نتائج الأزمة والحد من الانهيار المستمر في النظام المالي العالمي. ووفقا لهذا السيناريو من المتوقع أن تسود حالة ركود اقتصادي حاد في الولايات المتحدة تمتد آثاره لباقي دول العالم، بصفة خاصة تلك التي ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة. ومن الآثار المتوقعة لهذا الركود ارتفاع معدلات البطالة وميل معدلات التضخم في العالم نحو الانخفاض.

من المتوقع أيضا وفقا لهذا السيناريو أن ينخفض الطلب العالمي على النفط والسلع التجارية الرئيسية ومن ثم ميل أسعار النفط نحو الانخفاض. الامر الذي سيؤدي الى انخفاض تكاليف الطاقة، ومن ثم انخفاض المستويات العامة للاسعار.

ويترتب على انخفاض اسعار النفط وأسعار السلع التجارية الرئيسية ذلك ميل الإيرادات الحكومية، بصفة خاصة بالنسبة للدول النفطية نحو الانخفاض، وهو ما قد سيدفع بحكومات تلك الدول نحو تخفيض خطط الإنفاق، الآمر الذي يقلل من ضغوط الطلب الكلي المحلي، وبالتالي يتوقع أن يؤدي إلى تخفيض الضغوط التضخمية.

أما بالنسبة للدول التي تمتلك صناديق استثمار سيادية مثل غالبية الدول النفطية فيتوقع أن تميل معدلات العوائد على أصول الصناديق الاستثمارية السيادية نحو الانخفاض، وقد تتعرض قيمة بعض أصول تلك الصناديق إلى الانخفاض بفعل الأزمة، في كافة الظروف سوف تميل الإيرادات الرأسمالية لتلك الدول نحو الانخفاض، ومن ثم انخفاض الإيرادات العامة للدولة وهو ما يؤدي الى نفس الاثر السابق.

من ناحية أخرى فانه من المتوقع وفقا لهذا السيناريو أن تستمر الضغوط على الدولار الأمريكي نحو الانخفاض، ومن ثم يتوقع بالنسبة للدول التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي، أو التي يلعب الدولار الأمريكي دورا هاما في تحديد قيمة عملاتها، أن تزداد الضغوط التضخمية المستوردة، وذلك بالنسبة للسلع والخدمات التي يتم استيرادها من خارج الولايات المتحدة، مثل أوروبا وآسيا.

السيناريو الثاني هو أن تنجح الجهود الدولية في معالجة الأزمة المالية الحالية، وتتعافي النظم المالية العالمية من آثار تلك الأزمة بعودة الثقة في تلك النظم مرة أخرى، وفي ظل هذا السيناريو يتوقع أن تستمر الضغوط التضخمية الحالية التي يعاني منها العالم، بصفة خاصة في ظل استمرار أثار أزمة الغذاء وميل معظم أسعار السلع الغذائية نحو الارتفاع.

غير أنه من المتوقع حتى مع نجاح الجهود الدولية لمعالجة الازمة المالية العالمية ان تنخفض معدلات النمو في الاقراض على المستوى العالمي، بسبب القيود التنظيمية الجديدة التي ستفرضها دول العالم لضبط ايقاع اسواق المال وللحيلولة دون حدوث أزمة مالية أخرى مشابهة، الامر الذي سيؤدي الى تراجع مستويات الطلب الكلي ومن ثم معدلات التضخم على المستوى العالمي.

الخلاصة هي أن الأثر المتوقع للازمة المالية العالمية على مستويات التضخم في دول العالم سوف يعتمد على مسار الأزمة واتجاهاتها المستقبلية، غير ان الجانب الاكبر من التحليل يشير الى احتمال تراجع الضغوط التضخمية وميل معدلات النمو في الاسعار نحو الانخفاض.

الأربعاء، أكتوبر ٠١، ٢٠٠٨

هل يجب أن تتدخل الحكومة لإنقاذ بورصة الأوراق المالية

أنا لست من أنصار التدخل الحكومي في شئون الحياة الاقتصادية بأي شكل من الأشكال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالتدخل الحكومي يؤدي إلى تشويه الأسواق وضعف كفاءة عملية تخصيص الموارد، وهو ما يؤثر في النهاية سلبا على معدلات النمو ومن ثم على رفاهية جموع الأفراد بشكل عام.

في الآونة الأخيرة مال الرقم القياسي للأسعار في بورصة الأوراق المالية في الكويت، حالها حال باقي دول الخليج، نحو الانخفاض الحاد متأثرا في ذلك بالموجة العالمية للانخفاض في مؤشرات الأسعار نتيجة للازمة المالية الرهيية التي نعيشها حاليا، وبشائر حالة الذعر المالي الدولي التي نحن مقبلون عليها في المستقبل القريب ما لم تنجح الجهود الدولية للتخفيف من آثار تلك الأزمة واستعادة ثقة جمهور المتعاملين في أسواق المال، للحد من حالة الذعر المالي التي يمكن أن تدمر الجهاز المالي الدولي، ومن ثم تحسين، أو على الأقل تثبيت، توقعات المتعاملين في أسواق المال بحيث يتوقف التدهور في أداء البورصات العالمية، أو على أسوأ الظروف يقل معدل التدهور فيه.

فمع ميل الرقم القياسي للأسعار نحو الانخفاض محيت من القيمة الرأسمالية للسوق مليارات الدنانير، للأسف كان الأثر الأساسي فيها منصبا على صغار المتعاملين، أو الذين هم اقل المتعاملين استعدادا للتعامل مع نتائج هذا التدهور السريع في الأسعار. ومن ثم بدأت الدعوات إلى ضرورة التدخل الحكومي لإنقاذ السوق من التدهور، والحفاظ على ثروات المتعاملين في السوق من الضياع.

ومن الواضح أن هناك انقساما واضحا في الرأي حول أهمية التدخل الحكومي لإنقاذ السوق، فالبعض يرى انه لا يجب على الحكومة التدخل بأي صورة، وان تترك من يأخذون عنصر المخاطرة في التعامل في أسواق المال يتحملون نتائج تلك المخاطرة. خصوصا أنهم لا يشاركون أحدا في الأرباح الكبيرة التي يحققونها عندما تميل أسعار الأسهم نحو الارتفاع، حيث تذهب تلك الأرباح حلالا بلالا إلى جيوب هؤلاء دون أن يحاسبهم عليها أحد. فلماذا إذن عندما تميل الأسعار نحو الانخفاض يطالبون الحكومة، ومن ثم المالية العامة بتحمل نتائج هذا الانخفاض. في ظل هذه الظروف فان مثل هذه المطالب تعد غير عادلة، فما ذنب المواطن الذي لا يضارب او يستثمر في البورصة في أن يتحمل، من خلال المال العام، نتائج انخفاض الأسعار.

الرأي الثاني، وهو أغلبية يرى أن هناك حاجة إلى أن تتدخل الحكومة من خلال ضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد، أيا كان أسلوب الضخ، وذلك لتوفير المال اللازم الذي يرفع من مستويات السيولة في مؤسسات السوق المالي بالشكل الذي يساعد على استمرار الطلب على الأوراق المالية مرتفعا، حتى يتوقف التدهور في الأسعار، وكذلك حتى تبدو المؤسسات المالية أكثر استعدادا لمواجهة أي تدهور في الثقة في متانة تلك المؤسسات.

أنا لست بشكل عام من أنصار الرأي الثاني، غير أن الأمر يختلف هذه المرة، حيث يرجع السبب الأساسي في ذلك التدهور في الأسعار في الجانب الأكبر منه إلى أزمة ثقة مصدرها الأساسي ليس الأوضاع الاقتصادية المحلية او أداء الاقتصاد الوطني، بل على العكس فان أداء الاقتصاد الوطني يعد جيدا بشكل لا يبرر هذا التدهور في أوضاع البورصة، وإنما ترجع أزمة الثقة إلى الأزمة المالية العالمية التي أخذت تكتسح أسواق العالم اجمع من الولايات المتحدة حتى اليابان. ومعها محيت تريليونات الدولارات من القيمة الرأسمالية للأوراق المالية المتداولة في بورصات العالم.

اذا استمرت الأوضاع هكذا ولم تنجح الجهود الدولية لمعالجة الأزمة فان العالم سوف يدخل مرحلة من الركود الاقتصادي الشديد على نسق ذلك الكساد العظيم الذي حدث في عام 1929 واجتاح العالم اجمع مخلفا وراءه خسائر اقتصادية هائلة في كافة دول العالم. الوضع إذن مختلف هذه المرة، وهناك حاجة إلى تعاون دولي على كافة الأصعدة لمواجهة الأزمة، بغض النظر عن المسئول عنها. ذلك أن خطورة الأزمة تتمثل في الآثار الانتشارية التي تحدثها عبر اقتصاديات العالم أجمع، سواء من شارك في تلك الأزمة او من لم يشارك فيها.

فقد ترتب على العولمة المالية التي اجتاحت العالم في العقود القليلة الماضية، أن أصبحت أسواق المال في دول العالم أكثر ترابطا، بحيث أصبحنا نتحدث تقريبا على سوق مالي عالمي واحد، يرتبط ببعضه البعض بشكل وثيق، ويعمل على مدار الساعة عبر العالم اجمع، وهو مفتوح تقريبا لكافة المتعاملين عبر الكرة الأرضية. ويعني ذلك انه عندما تحدث أزمة في أحد أركان هذا السوق، بصفة خاصة في الأركان المؤثرة منه، فان آثار تلك الأزمة تنتشر بسرعة البرق إلى باقي أركان السوق، ومن ثم يميل السوق كله نحو التدهور.

ما هي خلاصة التحليل السابق. الخلاصة هي أننا الآن في أمس حاجة إلى تعاون دولي لتدارك الأزمة والحد من تداعياتها على المستويات المحلية والدولية، وان كل جهد تبذله دولة ما سوف يساعد في عملية إنقاذ السوق المالي الدولي من المأزق المالي الحاد الذي يعاني منه حاليا، ووقف المزيد من التدهور في أوضاع هذا السوق. ومن ثم نحن الآن في حاجة حقيقية إلى تدخل كافة حكومات العالم، ومنها حكومة دولة الكويت في عملية الإنقاذ وتثبيت أوضاع السوق نحو الاستقرار ووقف هذا التدهور.