تتكون أبواب الإنفاق في الميزانية العامة لدولة الكويت من خمس أبواب؛ الباب الأول هو باب المرتبات وهي اعتمادات المرتبات التي يتم دفعها للعاملين في الوزارات والإدارات الحكومية فقط. أي أن ما ترصده الحكومة من اعتمادات لرواتب العاملين في الجهات المستقلة والتابعة ومرتبات العسكريين.. لا تدرج في هذا الباب. والباب الثاني هو باب المستلزمات السلعية والخدمات، وأهم بنود هذا الباب هي الأدوية وتكاليف الوقود المستخدم في توليد الكهرباء وتحلية المياه، والباب الثالث وهو باب الانفاق على وسائل النقل والمعدات والتجهيزات، والباب الرابع وهو باب المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة، وأخير الباب الخامس وهو باب المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية، وهو أهم أبواب الإنفاق من حيث الأهمية، ويشمل مخصصات الدعم والتحويلات التي ترصدها الحكومة للجهات التابعة والمستقلة، والإنفاق العسكري... الخ. ووجود هذا الباب في الميزانية يؤدي إلى ازدواجية في عمليات الإنفاق من خلال الأبواب الأربعة السابقة والباب الأخير، كما لا يؤدي إلى رقابة جيدة على بنود الإنفاق المختلفة، فضلا عن أنه لا يسمح بتبويب سليم لجوانب الإنفاق بين الإنفاق الجاري للحكومة وإنفاقها الرأسمالي، وهو بشكل عام أحد الخصائص الفريدة للميزانية العامة لدولة الكويت.
منذ فترة قصيرة تم إقرار أضخم ميزانية في تاريخ الكويت الحديث، وهي تستحق بالفعل أن يطلق عليها لفظ ميزانية الأرقام القياسية. فلأول مرة في تاريخ الكويت تتجاوز اعتمادات الباب الأول الثلاثة مليارات، نتيجة زيادات الأجور وزيادة الكوادر، حيث تزايدت اعتمادات المرتبات في الباب الأول من 2626 مليون دينار عام 2007/2008 إلى 3210 مليون دينار 2008/2009، أي بمعدل نمو يزيد عن 22% في سنة واحدة. والواقع انه منذ عام 2005 ويشهد الباب الأول في الميزانية العامة للدولة نموا متوسطا بلغ حوالي 16% خلال تلك الفترة. وإذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن فانه من المتوقع أن تصل اعتمادات الرواتب في الميزانية العامة للدولة إلى سبع مليارات دينار في عام 2020، وهي زيادة هائلة تدفع بالإنفاق العام إلى مستويات كبيرة، لا أعتقد أن المالية العامة لدولة الكويت سوف تكون قادرة على تحملها بما تحمله أيضا من أعباء إضافية في جانب التأمينات الاجتماعية والعجز الاكتواري.
فكل زيادة تحدث في الرواتب لا بد وان يصاحبها زيادتين أخريين، الأولى هي زيادة مساهمة الدولة في التأمينات الاجتماعية، والثانية هي في العجز الاكتواري الناجم عن ارتفاع مستويات المعاشات. فقد أدت الزيادات المتتالية في باب الرواتب إلى عجزا اكتواريا متسعا نتيجة ارتفاع تكاليف معاشات التقاعد التي تحسب على أساس الرواتب المرتفعة عند التقاعد في مقابل مساهمات للتأمينات الاجتماعية التي جمعت طوال حياة الموظف المهنية على أساس رواتب منخفضة، مما يخلق فجوة بين موارد مؤسسة التأمينات ونفقاتها، وقد قدر العجز الاكتواري بحوالي 11 مليار دينار، رصدت الحكومة هذه السنة له حوالي 5.5 مليار دينار، أي نصف العجز الاكتواري المقدر. ومن المتوقع مع هذه الزيادات الهائلة في الرواتب اتجاه العجز الاكتواري نحو التزايد في المستقبل، بدرجة قد تهدد قدرة مؤسسة التأمينات على سداد معاشات المتقاعدين، الأمر الذي سوف يستدعي، كما حدث اليوم، تدخل الدولة بشكل متتابع لسداد هذا العجز الهائل.
كذلك قفزت اعتمادات الباب الثاني من 1833 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 3077 مليون دينارا عام 2008/2009، أي بنسبة نمو 68%. غير أن هذه الزيادة في الإنفاق ليست في معظمها زيادة حقيقية، حيث ترجع أساسا إلى احتساب تكلفة الوقود اللازم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه بالأسعار العالمية للنفط الكويتي الخام، فهي إذن زيادة حسابية تمثل تكلفة مبيعات النفط الخام الى وزارة الطاقة، ومن ثم فإنها تمثل نفقات للحكومة على الحكومة. ومن المنظور الاقتصادي فانها تمثل تكلفة فرصة بديلة للنفط الخام المنتج في دولة الكويت.
أما الباب الخامس المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية فقد تم تخصيص 10835 مليون دينارا لهذا الباب، منها حوالي 5.5 مليار دينار قسط أول لسداد العجز الاكتواري لمؤسسات التأمينات الاجتماعية. وبدون هذا القسط، فقد ازدادت اعتمادات هذا الباب من 4566 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 5363 مليون دينارا في عام 2008/2009، أي بحوالي 17.5%. الباب الخامس إذن هو أكبر ابواب الميزانية العامة وأكثرها نموا على المدى الطويل لتعدد بنود التكاليف التي تدرج في هذا الباب، وازدواجيتها مع أبواب الميزانية الأخرى، مما يجعل بنود الانفاق المدرجة في الميزانية غير دقيقة، مثل بند الانفاق على المرتبات. وقد حاولنا فيما سبق حساب ما يسمى بالمرتبات الشاملة والتي تمثل مرتبات الوزارات والادارات الحكومية (الباب الاول)، ومرتبات الجهات المستقلة (تدرج ضمن اعتمادات التحويلات الى تلك الجهات في الباب الخامس)، ومرتبات الجهات التابعة (نفس البند السابق)، ومرتبات العسكريين، ومساهمة الحكومة في التأمينات الاجتماعية، فوجد ان المرتبات الشاملة تمثل أكثر من 55% من الانفاق العام للدولة، أي انها أكبر بنود الانفاق على الاطلاق في الميزانية العامة للدولة.
الأمر المثير للدهشة في الميزانية الأخيرة هو أن اعتمادات البابين الثالث والرابع قد شهدتا انخفاضا كبيرا. وتمثل اعتمادات البابين الثالث والرابع الإنفاق الاستثماري الحكومي في دولة الكويت. إذ انخفضت اعتمادات الباب الثالث (وسائل النقل والمعدات والتجهيزات) من 216 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 179 مليون دينارا عام 2008/2009، أي إنخفاضا بحوالي 17%، بينما انخفضت اعتمادات الباب الرابع (المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة) من 2058 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 1664 مليون دينارا عام 2008/2009، أي إنخفاضا بحوالي 19%. إن هذه التطورات الخطيرة تستدعي لفت الانتباه إلى أمرين:
الأمر الأول هو أنه كان من المتوقع في ظل الطفرة النفطية أن تسخر الكويت كل هذه الزيادة في إيراداتها نحو إحداث التحول الهيكلي المطلوب لتحويل الكويت إلى اقتصاد يتحرر من القيد النفطي، لينطلق بإمكانات أقوى وأكثر تنوعا وبمزايا تنافسية جديدة، أما أن تقبل الحكومة في ظل هذه الوفرة على تخفيض إنفاقها الاستثماري، فانه وضع يثير قدرا كبيرا من التشويش لدى المراقب للأوضاع الاقتصادية في دولة الكويت، حيث تسير الكويت بهذا الشكل عكس التيار. إن مضمون هذه التطورات هو أن هناك تحولا من الإنفاق الاستثماري المنتج إلى الإنفاق الجاري غير المنتج، في وقت كان من المفترض فيه أن توجه الأموال الفائضة لبناء القدرات الحالية والمستقبلية للدولة.
الأمر الثاني هو كيف يتم تمرير أمر خطير كهذا في مجلس الأمة بدون مساءلة. كيف لا يسترعي هذا الانخفاض انتباه أحد، أليس من الغريب ألا نجد من يهتم بمستقبل الكويت، بتنمية الكويت، بالبني التحتية للكويت، إلا اذا كنا ننظر إلى انخفاض الإنفاق في أي باب على أنه من قبيل الشيء الحسن، ولكن المشكلة هي أن الانخفاض هنا غير مرغوب فيه، إن الانخفاض المطلوب هو في الأبواب الثلاثة الأخرى، وليس في هذين البابين، لان تخفيض هذين البابين له أثار سلبية على مستقبل عملية التنمية في الدولة، وتنافسية اقتصادها على المستوى العالمي. أين المدافعين داخل المجلس عن التنمية ومستقبلها. أليس من الغريب ان نصفق لزيادة الرواتب ولا نحرك ساكنا لخفض مستويات الاستثمار العام في الدولة، لا شك أن هناك خللا واضحا في الرؤية.
ومما يؤسف له أنني عندما رجعت إلى تقارير الحساب الختامي للدولة في السنوات القليلة الماضية، والتي تظهر حجم الإنفاق الفعلي على الأبواب المختلفة، وجدت أن ما يتم رصده من اعتمادات للباب الرابع لا ينفذ بالكامل، أي أن الحكومة ترصد أموالا لمشروعات استثمارية، ولا يتم تنفيذها. إن المشكلة الأساسية لكافة الدول النامية هي كيف تجد مصادر التمويل اللازمة لمشروعاتها التنموية المختلفة، لذا تحرص تلك الدول على أن تجد من يوفر لها مصادر التمويل اما من خلال قروض خارجية، أو اللجوء الى المؤسسات الدولية، أو من خلال تدفقات للاستثمار المباشر، أو في صورة مساعدات .. الخ. أما نحن فالحمد لله لدينا الأموال، ومع ذلك لا نوظفها. على سبيل المثال في عام 2003/2004 تم تخصيص 722 مليون دينارا للإنفاق على بنود الباب الرابع، تم إنفاق 569 مليون دينارا فقط منها، أي بنسبة 79%، وفي عام 2004/2005 تم تخصيص 825 مليون دينارا كاعتمادات في الباب الرابع، انفق منها فقط، 678 مليون دينارا، أن بنسبة 82%. كما تم اعتماد ما مقداره 930 مليون دينار للمشاريع الإنشائية والاستملاكات العامة في ميزانية 2005/2006، واقتصر الإنفاق الفعلي عليها على 750 مليون دينارا، أي بنسبة 80%، أما في عام 2006/2007، فقد تم تخصيص 1261 مليون دينار، تم تنفيذ 989 مليون دينارا فقط منها، أي بنسبة 78%. وهكذا تتجه اعتمادات الإنفاق الاستثماري كنسبة من الإنفاق العام نحو التراجع، والنسبة التي يتم تنفيذها منه تقل بمرور الوقت. أي أن أبواب الإنفاق الجاري للحكومة تميل نحو التزايد بشكل سريع بمرور الوقت بينما يقل انفاق الحكومة الراسمالي.
منذ فترة قصيرة تم إقرار أضخم ميزانية في تاريخ الكويت الحديث، وهي تستحق بالفعل أن يطلق عليها لفظ ميزانية الأرقام القياسية. فلأول مرة في تاريخ الكويت تتجاوز اعتمادات الباب الأول الثلاثة مليارات، نتيجة زيادات الأجور وزيادة الكوادر، حيث تزايدت اعتمادات المرتبات في الباب الأول من 2626 مليون دينار عام 2007/2008 إلى 3210 مليون دينار 2008/2009، أي بمعدل نمو يزيد عن 22% في سنة واحدة. والواقع انه منذ عام 2005 ويشهد الباب الأول في الميزانية العامة للدولة نموا متوسطا بلغ حوالي 16% خلال تلك الفترة. وإذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه الآن فانه من المتوقع أن تصل اعتمادات الرواتب في الميزانية العامة للدولة إلى سبع مليارات دينار في عام 2020، وهي زيادة هائلة تدفع بالإنفاق العام إلى مستويات كبيرة، لا أعتقد أن المالية العامة لدولة الكويت سوف تكون قادرة على تحملها بما تحمله أيضا من أعباء إضافية في جانب التأمينات الاجتماعية والعجز الاكتواري.
فكل زيادة تحدث في الرواتب لا بد وان يصاحبها زيادتين أخريين، الأولى هي زيادة مساهمة الدولة في التأمينات الاجتماعية، والثانية هي في العجز الاكتواري الناجم عن ارتفاع مستويات المعاشات. فقد أدت الزيادات المتتالية في باب الرواتب إلى عجزا اكتواريا متسعا نتيجة ارتفاع تكاليف معاشات التقاعد التي تحسب على أساس الرواتب المرتفعة عند التقاعد في مقابل مساهمات للتأمينات الاجتماعية التي جمعت طوال حياة الموظف المهنية على أساس رواتب منخفضة، مما يخلق فجوة بين موارد مؤسسة التأمينات ونفقاتها، وقد قدر العجز الاكتواري بحوالي 11 مليار دينار، رصدت الحكومة هذه السنة له حوالي 5.5 مليار دينار، أي نصف العجز الاكتواري المقدر. ومن المتوقع مع هذه الزيادات الهائلة في الرواتب اتجاه العجز الاكتواري نحو التزايد في المستقبل، بدرجة قد تهدد قدرة مؤسسة التأمينات على سداد معاشات المتقاعدين، الأمر الذي سوف يستدعي، كما حدث اليوم، تدخل الدولة بشكل متتابع لسداد هذا العجز الهائل.
كذلك قفزت اعتمادات الباب الثاني من 1833 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 3077 مليون دينارا عام 2008/2009، أي بنسبة نمو 68%. غير أن هذه الزيادة في الإنفاق ليست في معظمها زيادة حقيقية، حيث ترجع أساسا إلى احتساب تكلفة الوقود اللازم لتوليد الكهرباء وتحلية المياه بالأسعار العالمية للنفط الكويتي الخام، فهي إذن زيادة حسابية تمثل تكلفة مبيعات النفط الخام الى وزارة الطاقة، ومن ثم فإنها تمثل نفقات للحكومة على الحكومة. ومن المنظور الاقتصادي فانها تمثل تكلفة فرصة بديلة للنفط الخام المنتج في دولة الكويت.
أما الباب الخامس المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية فقد تم تخصيص 10835 مليون دينارا لهذا الباب، منها حوالي 5.5 مليار دينار قسط أول لسداد العجز الاكتواري لمؤسسات التأمينات الاجتماعية. وبدون هذا القسط، فقد ازدادت اعتمادات هذا الباب من 4566 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 5363 مليون دينارا في عام 2008/2009، أي بحوالي 17.5%. الباب الخامس إذن هو أكبر ابواب الميزانية العامة وأكثرها نموا على المدى الطويل لتعدد بنود التكاليف التي تدرج في هذا الباب، وازدواجيتها مع أبواب الميزانية الأخرى، مما يجعل بنود الانفاق المدرجة في الميزانية غير دقيقة، مثل بند الانفاق على المرتبات. وقد حاولنا فيما سبق حساب ما يسمى بالمرتبات الشاملة والتي تمثل مرتبات الوزارات والادارات الحكومية (الباب الاول)، ومرتبات الجهات المستقلة (تدرج ضمن اعتمادات التحويلات الى تلك الجهات في الباب الخامس)، ومرتبات الجهات التابعة (نفس البند السابق)، ومرتبات العسكريين، ومساهمة الحكومة في التأمينات الاجتماعية، فوجد ان المرتبات الشاملة تمثل أكثر من 55% من الانفاق العام للدولة، أي انها أكبر بنود الانفاق على الاطلاق في الميزانية العامة للدولة.
الأمر المثير للدهشة في الميزانية الأخيرة هو أن اعتمادات البابين الثالث والرابع قد شهدتا انخفاضا كبيرا. وتمثل اعتمادات البابين الثالث والرابع الإنفاق الاستثماري الحكومي في دولة الكويت. إذ انخفضت اعتمادات الباب الثالث (وسائل النقل والمعدات والتجهيزات) من 216 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 179 مليون دينارا عام 2008/2009، أي إنخفاضا بحوالي 17%، بينما انخفضت اعتمادات الباب الرابع (المشاريع الإنشائية والصيانة والاستملاكات العامة) من 2058 مليون دينارا عام 2007/2008 إلى 1664 مليون دينارا عام 2008/2009، أي إنخفاضا بحوالي 19%. إن هذه التطورات الخطيرة تستدعي لفت الانتباه إلى أمرين:
الأمر الأول هو أنه كان من المتوقع في ظل الطفرة النفطية أن تسخر الكويت كل هذه الزيادة في إيراداتها نحو إحداث التحول الهيكلي المطلوب لتحويل الكويت إلى اقتصاد يتحرر من القيد النفطي، لينطلق بإمكانات أقوى وأكثر تنوعا وبمزايا تنافسية جديدة، أما أن تقبل الحكومة في ظل هذه الوفرة على تخفيض إنفاقها الاستثماري، فانه وضع يثير قدرا كبيرا من التشويش لدى المراقب للأوضاع الاقتصادية في دولة الكويت، حيث تسير الكويت بهذا الشكل عكس التيار. إن مضمون هذه التطورات هو أن هناك تحولا من الإنفاق الاستثماري المنتج إلى الإنفاق الجاري غير المنتج، في وقت كان من المفترض فيه أن توجه الأموال الفائضة لبناء القدرات الحالية والمستقبلية للدولة.
الأمر الثاني هو كيف يتم تمرير أمر خطير كهذا في مجلس الأمة بدون مساءلة. كيف لا يسترعي هذا الانخفاض انتباه أحد، أليس من الغريب ألا نجد من يهتم بمستقبل الكويت، بتنمية الكويت، بالبني التحتية للكويت، إلا اذا كنا ننظر إلى انخفاض الإنفاق في أي باب على أنه من قبيل الشيء الحسن، ولكن المشكلة هي أن الانخفاض هنا غير مرغوب فيه، إن الانخفاض المطلوب هو في الأبواب الثلاثة الأخرى، وليس في هذين البابين، لان تخفيض هذين البابين له أثار سلبية على مستقبل عملية التنمية في الدولة، وتنافسية اقتصادها على المستوى العالمي. أين المدافعين داخل المجلس عن التنمية ومستقبلها. أليس من الغريب ان نصفق لزيادة الرواتب ولا نحرك ساكنا لخفض مستويات الاستثمار العام في الدولة، لا شك أن هناك خللا واضحا في الرؤية.
ومما يؤسف له أنني عندما رجعت إلى تقارير الحساب الختامي للدولة في السنوات القليلة الماضية، والتي تظهر حجم الإنفاق الفعلي على الأبواب المختلفة، وجدت أن ما يتم رصده من اعتمادات للباب الرابع لا ينفذ بالكامل، أي أن الحكومة ترصد أموالا لمشروعات استثمارية، ولا يتم تنفيذها. إن المشكلة الأساسية لكافة الدول النامية هي كيف تجد مصادر التمويل اللازمة لمشروعاتها التنموية المختلفة، لذا تحرص تلك الدول على أن تجد من يوفر لها مصادر التمويل اما من خلال قروض خارجية، أو اللجوء الى المؤسسات الدولية، أو من خلال تدفقات للاستثمار المباشر، أو في صورة مساعدات .. الخ. أما نحن فالحمد لله لدينا الأموال، ومع ذلك لا نوظفها. على سبيل المثال في عام 2003/2004 تم تخصيص 722 مليون دينارا للإنفاق على بنود الباب الرابع، تم إنفاق 569 مليون دينارا فقط منها، أي بنسبة 79%، وفي عام 2004/2005 تم تخصيص 825 مليون دينارا كاعتمادات في الباب الرابع، انفق منها فقط، 678 مليون دينارا، أن بنسبة 82%. كما تم اعتماد ما مقداره 930 مليون دينار للمشاريع الإنشائية والاستملاكات العامة في ميزانية 2005/2006، واقتصر الإنفاق الفعلي عليها على 750 مليون دينارا، أي بنسبة 80%، أما في عام 2006/2007، فقد تم تخصيص 1261 مليون دينار، تم تنفيذ 989 مليون دينارا فقط منها، أي بنسبة 78%. وهكذا تتجه اعتمادات الإنفاق الاستثماري كنسبة من الإنفاق العام نحو التراجع، والنسبة التي يتم تنفيذها منه تقل بمرور الوقت. أي أن أبواب الإنفاق الجاري للحكومة تميل نحو التزايد بشكل سريع بمرور الوقت بينما يقل انفاق الحكومة الراسمالي.
خلاصة ما سبق هو أن الفوائض النفطية الحالية يبدو انها ستتوزع بين زيادة في الرواتب وسداد لعجز معاشات التقاعد، أما التنمية والتنافسية، مستقبل الكويت بعد النفط، أوضاع الأجيال القادمة، فحدث ولا حرج.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق