نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 3/8/2010.
منذ عام 2000، حيث استطاع الاقتصاد الأمريكي أن يحقق فائضا في الميزانية الأمريكية بلغ 86.4 مليار دولارا، والدين العام الأمريكي في تصاعد حاد لدرجة أنه أصبح مثار قلق في كافة أنحاء العالم، وأصبح البعض يتحدث عن أن الولايات المتحدة لا محالة في طريقها إلى الإفلاس عندما تواجه اكبر مشكلة دين عام في العالم، وأن ذلك سوف يتسبب في حدوث اضطراب عظيم في أسواق المال ربما يؤدي إلى انهيار العملة الخضراء. فما هي حقيقة الدين العام الأمريكي؟ وما هي المخاطر الفعلية المحيطة بهذا الدين؟ في هذا المقال نقدم قراءة متأنية ومحايدة للدين العام الأمريكي ومستقبل هذا الدين وطبيعة المخاطر التي تحيط بالمستثمرين في الدين العام الأمريكي، وهل بالفعل سوف ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى التوقف عن السداد وإعلان إفلاسها، أم أن الاقتصاد الأمريكي قادر على التعامل مع هذا الحجم الضخم من الدين العام، وما هي احتمالات تعرض الدول الخليجية لمخاطر ناجمة عن انفجار أزمة للدين العام الأمريكي.
مع نهاية رئاسة بيل كلينتون للولايات المتحدة كان من الواضح ان إجمالي الدين العام الأمريكي ينمو بمعدلات متناقصة، ففي عام 1995 تزايد إجمالي الدين العام الأمريكي بنسبة 6% تقريبا إلى 4.9 تريليون (ألف مليار) دولارا، وبدءا من هذا العام أخذ النمو في إجمالي الدين العام في التراجع على نحو سريع حتى اقتصر على 0.4% فقط في عام 2000، أي اقل من نصف في المائة، وقد بدا من الواضح ان الولايات المتحدة في سبيلها للسيطرة على النمو في دينها العام الذي مثل حوالي 57% من ناتجها المحلي الإجمالي في هذا العام.
عندما تولى جورج بوش الابن زمام الأمور، ووقعت أحداث سبتمبر 2001 وما تلاها من تطورات، عاد النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي إلى التسارع بحيث أخذ معدل النمو في الدين العام يخرج عن النطاق المعقول، ففي عام 2001 كان إجمالي الدين العام القائم على الولايات المتحدة حوالي 5.8 تريليون دولارا، أي حوالي 56% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع إعلان الحرب على أفغانستان تزايد الدين العام بنسبة 7.4%، ومع إعلان الحرب على العراق في 2003 تصاعد الدين العام مرة أخرى بنسبة 9.1%، وعلى مدى الفترة من 2001 حتى 2007 أخذ إجمالي الدين العام الأمريكي في التزايد على نحو واضح حتى بلغ 8.9 تريليون دولارا في 2007، أو حوالي 64% من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمعدل نمو سنوي 7.6% في المتوسط، ومع انطلاق أزمة الرهن العقاري وما تلاها من أزمة اقتصادية حادة أخذ معدل النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي بعدا آخر لم يبلغه من قبل، فخلال السنوات من 2008-2010 بلغ متوسط معدل النمو السنوي في الدين العام الأمريكي 15.5%، وهو بكل المقاييس معدل نمو خطير جدا.
يتوقع مع نهاية 2010 أن يبلغ إجمالي الدين العام الأمريكي حوالي 13.7 تريليون دولارا، أو حوالي 95% من الناتج المحلي الإجمالي. للأسف فإن تقديرات إجمالي الدين العام الأمريكي في الأجل المتوسط حتى عام 2015 تصل بهذا الرقم إلى حوالي 19.7 تريليون دولارا، وهو ما سيمثل حوالي 102.6% من الناتج المحلي الإجمالي في هذا العام. غير أنه على مدى الفترة من 2011 حتى 2015 يتوقع أن يتراجع معدل النمو في إجمالي الدين العام الأمريكي من 10% تقريبا في 2011 إلى 6.2% فقط في 2015. هذه المعدلات المرتفعة لنمو إجمالي الدين العام الأمريكي الضخم تنذر بمخاطر خروج الدين العام عن نطاق السيطرة، وحتى هذه اللحظة، وأخذا في الاعتبار السيناريوهات المستقبلية، فإن الدين العام الأمريكي يعد محل قلق عالمي كبير، حيث أخذت الشكوك تتصاعد حول درجة استدامة هذا الدين وقدرة الولايات المتحدة أن تحتفظ بدين عام ضخم دون أن تتأثر أوضاع النمو والتضخم وقيمة الدولار نتيجة لذلك.
غير أنه تجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي ترتفع فيها نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لتتجاوز حاجز الـ 90%، ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 52.4% في عام 1940 إلى 121.7% في عام 1946، لتأخذ النسبة في التراجع بشكل مستمر تقريبا، حتى بلغت 32.5% عام 1981، أي أن الاقتصاد الأمريكي استطاع التعامل مع هذا المستوى الضخم من الدين إلى الناتج، وعادت الأمور إلى نصابها مرة أخرى.
ارتفاع الدين العام على النحو الذي نشهده حاليا وبهذه المعدلات المرتفعة هو، كما نرى، ظاهرة ليست جديدة على الاقتصاد الأمريكي، وأنها ارتبطت أساسا بأحداث سبتمبر 2001 وما تلاها من تطورات، سواء على النطاق العسكري أو الاقتصادي، وكذلك بالأزمة المالية العالمية، أو بمعنى آخر فإن هذا النمو الاستثنائي في الدين العام لا يعكس تطورات هيكلية في الاقتصاد الأمريكي تحول دون انعكاس اتجاهات النمو فيه، بحيث يصعب السيطرة على نمو الدين العام في المستقبل، وهذا هو الأهم، فالدين العام في معظم دول العالم يميل إلى التزايد من الناحية المطلقة وبصورة مستمرة، ولذلك نحن لا نهتم بالقيمة المطلقة للدين العام، بقدر ما نهتم أساسا بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.
المسبب الرئيس لهذا الدين المتصاعد هو عجز الميزانية العامة للولايات المتحدة والذي بلغ مستويات تاريخية في العام الماضي، حوالي 1.413 تريليون دولار، وتشير السيناريوهات التي أعدها مكتب الميزانية بالكونجرس إلى تراجع عجز الميزانية العامة بصورة كبيرة خلال السنوات الخمس القادمة، خصوصا مع نمو الإيرادات العامة، بصفة خاصة الضريبية، بعد إيقاف العمل بالتخفيضات الضريبية التي اقرها الرئيس بوش في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث يتوقع أن يتزايد الإنفاق العام من 3.545 تريليون دولارا في عام 2010 إلى 4.101 تريليون دولارا في 2015، في الوقت الذي ستتزايد فيه الإيرادات العامة من 2.176 تريليون دولارا في 2010 إلى 3.629 تريليون دولارا، ونتيجة لذلك يتوقع ان يتراجع العجز في الميزانية إلى 472 مليار دولارا فقط في 2015، ومما لا شك فيه أن تراجع العجز في الميزانية الأمريكية سوف يساعد على الحد من النمو في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.
غير أنه تنبغي الإشارة إلى ان هذه النسب المرتفعة للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي تخفي حقيقة هامة لا بد وأن نأخذها في الاعتبار عند الحديث عن نسبة الدين العام إلى الناتج، وهي أن بيانات الدين العام الأمريكي تنشر بطريقتين:
- الأولى: هي الدين العام المملوك بواسطة الجمهور (القطاع العائلي وقطاع الأعمال بما فيه البنوك والأجانب، والاحتياطي الفدرالي (السندات الحكومية التي يحتفظ بها الاحتياطي الفدرالي كغطاء لإصدار الدولار)).
- الثانية: وهي إجمالي الدين العام، وهو الدين العام المملوك بواسطة الجمهور وبواسطة الجهات الحكومية الأمريكية، أو الدين المملوك بواسطة حسابات حكومية، وأهم هذه الحسابات الحكومية هي صندوق الضمان الاجتماعي الفدرالي، والذي يحتفظ بحوالي نصف قيمة الدين الذي تحتفظ به الحكومة، وإدارة الإسكان الفدرالي، وصندوق الادخار والقروض الفدرالي، وصندوق التأمين الصحي الفدرالي، أو ما يطلق عليه التزامات ما بين الحكومة، ويبلغ الدين العام المملوك بواسطة الحسابات الحكومية في عام 2010 حوالي 4.5 تريليون دولارا، أي حوالي 33% من إجمالي الدين العام.
ومن بين هذين التعريفين للدين العام نهتم أساسا بالتعريف الأول لأنه التعريف أو المقياس الأدق للدين العام. ووفقا لهذا التعريف فإن الدين العام المملوك بواسطة الجمهور يصل في 2010 إلى حوالي 9.3 تريليون دولارا، وهو ما يمثل 63.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع ان يصل هذا الدين في عام 2015 إلى حوالي 14 تريليون دولارا، أو ما يمثل حوالي 73% فقط من الناتج المحلي الإجمالي.
وهناك عاملان أساسيان يقفان وراء تصاعد الدين العام الأمريكي في السنوات الأخيرة، الأول هو جهود الإنقاذ التي قامت بها الحكومة الأمريكية لمحاولة الخروج من الأزمة والتي أخذت أشكالا عدة منها حزم للتحفيز المالي والتحفيز النقدي وبرامج للدعم... الخ، وتقدر بعض التقارير تكلفة الإنقاذ بأكثر من 23 تريليون دولارا، وهي تقديرات ربما يكون مبالغ فيها. أما العامل الثاني فهو الإنفاق على الدفاع، حيث يلعب الإنفاق على الدفاع دورا هاما في نمو الدين العام الأمريكي. ففي عام 1985 بلغ الإنفاق على الدفاع في الولايات المتحدة حوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي، ومع نهاية الحرب الباردة تراجع الإنفاق على الدفاع بصورة واضحة حتى بلغ 3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2000. بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عاد الإنفاق على الدفاع ليمثل عبئا متزايدا على الميزانية الأمريكية، حيث أدى الإنفاق العسكري لتمويل الحرب في العراق وأفغانستان إلى انعكاس هذا الاتجاه التنازلي، وأخذ الإنفاق على الدفاع في التزايد إلى 4.6% من الناتج في 2009. وعلى الرغم من أن الإنفاق على الدفاع يعد اليوم أقل من معدلاته التاريخية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنه أصبح يشكل أحد أهم جوانب الضغط على عجز الميزانية ومن ثم معدل نمو الدين العام.
عندما كانت الولايات المتحدة تفكر في احتلال العراق كانت تقديرات الإنفاق على الحرب تدور بين 50-60 مليار دولارا فقط، وهو ما أغرى صانع السياسة الأمريكي باتخاذ قرار الحرب، غير أن تطورات الأوضاع على الأرض لاحقا أثبتت فداحة التكاليف المالية للحرب. منذ عدة أيام صدر تقرير لوحدة البحوث بالكونجرس عن تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان، وقد أشار التقرير إلى أن حجم الإنفاق العسكري في العراق يقدر بحوالي 748 مليار دولارا، بينما يقدر حجم الإنفاق العسكري في أفغانستان بحوالي 304 مليار دولار، أي أن الولايات المتحدة قد أنفقت أكثر من تريليون دولارا على حروبها في هاتين الدولتين.
من ناحية أخرى تقدر مخصصات الإنفاق على الدفاع المقترحة في ميزانية 2011 بحوالي 900 مليار دولارا، وهي بلا شك ميزانية ضخمة جدا. الولايات المتحدة تجد نفسها الآن بين خيارين أحلاهما مر، الأول هو أن تقلل من إنفاقها العسكري لأغراض السيطرة على الإنفاق العالم والحد من نمو العجز في الميزانية، ومن ثم تقبل بقدر اقل من الهيمنة العسكرية على العالم، أو ان تستمر على المستويات الحالية للإنفاق العسكري لتحافظ على هيمنتها كقوة عظمى، وفي المقابل تتحمل تصاعد مستويات العجز والدين العام. ومن الواضح أن الحكومة الأمريكية لن تقبل بالخيار الأول، وأن الخيار الثاني ربما يكون أمرا حتميا لها إذا أرادت ان تستمر كقوة عظمى في هذا العالم.
والآن هل بلوغ الدين العام الأمريكي لهذه المستويات التاريخية ينذر بحدوث كارثة مالية يمكن أن تدفع بالحكومة الأمريكية إلى التوقف عن خدمة دينها العام؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من التأكيد على حقيقة هامة جدا وهي أن الدين العام الأمريكي سواء الإجمالي أو المملوك بواسطة الجمهور مقوم كله بالدولار، أي بالعملة المحلية لتلك الدولة، وهذه هي الخاصية الأساسية التي تتمتع بها الولايات المتحدة، من بين دول العالم، بالنسبة لدينها العام. ماذا يعني ذلك؟ إن ذلك يعني ببساطة أن احتمال توقف الولايات المتحدة عن خدمة دينها العام هو صفر%. لأنه، وعلى أسوأ الفروض، إذا ضاقت السبل بالحكومة الأمريكية حيال خدمة دينها العام، فإنها يمكنها ببساطة أن تتحمل قدرا من معدلات التضخم المرتفع في سبيل استيفاء مدفوعات خدمة الدين العام من خلال طباعة الدولار، وتخفيض القيمة الحقيقية للدين العام من ناحية أخرى، ولكن الولايات المتحدة لا تنوي أن تفعل ذلك، لا الآن ولا في المستقبل، كما أنها ليست راغبة فيه، لأن الولايات المتحدة لها سمعة مالية دولية تريد ان تحافظ عليها، وتريد دائما أن يكون هناك ثقة فيما تصدره من سندات لتجد بسهولة مشتريا لهذه السندات عندما تصدرها. من ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة لا ترغب في أن يفقد الدولار الأمريكي وضعه الدولي كعملة الاحتياط الأولى للعالم، وهي تدير سياساتها النقدية على هذا الأساس، صحيح أن الولايات المتحدة قد أفرطت في طباعة الدولار الأمريكي ضمن إطار سياسات التحفيز النقدي للاقتصاد للخروج من الأزمة، ولكن الاحتياطي الفدرالي لديه خطط جاهزة لسحب هذه السيولة حالما يعود الاقتصاد إلى النمو مرة أخرى، حتى يتجنب الضغوط التضخمية التي يمكن أن تنجم عن ذلك.
ليس إذن من المستغرب، على الرغم من كل ما سبق، وبالرغم من كل ما يكتب عن الدين العام الأمريكي، أن وكالات التصنيف المتخصصة في الديون السيادية في العالم تصنف الدين العام الأمريكي على أنه من أفضل الديون السيادية في العالم. على سبيل المثال أشار التقرير الربع سنوي الأخير لمؤسسة CMA للتصنيف الائتماني أن الدين العام الأمريكي هو ثالث أفضل دين سيادي في العالم بعد الدين العام النرويجي والفنلندي.
شخصيا لا أعتقد أن ارتفاع الدين العام الأمريكي على هذا النحو ينذر بحدوث كارثة، وأعتقد أن الاقتصاد الأمريكي قادر على تجاوز هذا القدر من الدين الضخم، وأنه ما ان تبدأ عجلة النشاط الاقتصادي في الدوران وتعود معدلات النمو الاقتصادي إلى مستوياتها السابقة، ومن ثم ترتفع الإيرادات الضريبية الأمريكية، والتي تدور حاليا حول 2.2 تريليون دولارا سنويا، أي بنسبة 15% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وينخفض أيضا معدل النمو في النفقات العامة من ناحية أخرى، فإن معدلات النمو في الدين العام الأمريكي سوف تتراجع بصورة ملموسة، ومن المؤكد أن الأمور سوف تعود إلى طبيعتها يوما ما في الولايات المتحدة، ولكن على المدى الطويل.
والآن ماذا عن المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها دول مجلس التعاون إذا ما تطورت أوضاع الدين العام الأمريكي نحو السيناريو الأسوأ؟ قبل الإجابة لا بد من الإشارة إلى ان هناك تطورا واضحا في الملكية الأجنبية للدين الأمريكي، ففي عام 1970 لم تكن ملكية الأجانب للسندات الأمريكية تتجاوز نسبة 5% من إجمالي الدين العام الأمريكي، وفي عام 2000 ارتفعت هذه النسبة إلى حوالي 25% تقريبا. اليوم تبلغ الملكية الأجنبية للدين العام الأمريكي حوالي النصف تقريبا، وتتركز هذه الملكية في محتفظات الصين واليابان والمملكة المتحدة والدول النفطية وغيرها من الدول من السندات الأمريكية، هناك إذن تفضيل متزايد لشراء السندات الحكومية الأمريكية من قبل البنوك المركزية الأجنبية، ووفقا لأحدث البيانات المتاحة، فإنه في يونيو الماضي تمتلك الصين 843.7 مليار دولارا من السندات يليها اليابان 803.6 مليارا، ثم الدول المصدرة للنفط والتي تمتلك 223 مليار دولارا من إجمالي الدين العام الأمريكي، وتشمل قائمة الدول المصدرة للنفط 14 دولة منها دول مجلس التعاون الستة، للأسف لا يوجد لدينا تفصيل أكثر حتى يمكن ان نتعرف من خلاله على درجة تعرض كل دولة من دول مجلس التعاون لسندات الدين الأمريكي، ولكن البيانات تشير إلى أنه حتى لو تصورنا حدوث أزمة توقف عن سداد الدين العام الأمريكي فان صناديق الثروة السيادية للدول الخليجية لن تتأثر بصورة جوهرية، على عكس الاعتقاد الشائع.
بعض المحللين من المتشائمين يشيع فكرة ان تصاعد الدين العام الأمريكي على هذا النحو سوف ينتهي بانهيار الدولار، غير أنه على الرغم من أن أحلك فترات الأزمة ربما تكون قد مرت، فإن الدولار ما زال متماسكا، بل وتتزايد قيمته بشكل تدريجي بالنسبة لباقي عملات العالم، وأنه على الرغم من النمو في الدين العام الأمريكي، ما زال ينظر إلى سندات الخزانة الأمريكية على أنها من أأمن الاستثمارات في العالم، خصوصا بعد تصاعد مخاطر الديون السيادية للدول الأوربية، وأن احتمال توقف الحكومة الأمريكية عن خدمة دينها العام هو احتمال شبه منعدم، ولذلك يقبل المستثمرون الدوليون معدلات متواضعة للعائد على السندات الأمريكية، في مقابل إقراض الحكومة الأمريكية.
مرة أخرى، هل فعلا يمكن ان تقرر الحكومة الأمريكية التوقف عن خدمة دينها العام؟ إجابتي على هذا السؤال هي أن احتمال حدوث ذلك شبه منعدم تقريبا، أولا لأن الدين العام مقوم بالدولار وليس بأي عملة أجنبية أخرى، فالولايات المتحدة ليست اليونان مثلا، والتي لا تستطيع طبع اليورو لخدمة دينها العام، الحكومة الأمريكية لديها احتكار لحق إصدار الدولار الأمريكي، العملة المقوم بها الدين العام الأمريكي، ومن ثم فالولايات المتحدة تستطيع بسهولة إذن طباعة عملتها بغرض خدمة دينها وعدم التوقف عن السداد، وهو ما يعني أن احتمال إفلاس الولايات المتحدة إذن هو احتمال ضعيف جدا. هذا بالطبع لا يعني ان لجوء الولايات المتحدة لهذا الخيار أمر جيد بالنسبة لها، على العكس، إن خيار طبع الدولار سوف يجعل الأمور تسير على نحو أسوأ على المدى الطويل، عندما تأخذ معدلات التضخم في التصاعد وتقل مستويات الاستثمار، ومن ثم معدلات النمو. إن التجربة القاسية التي تعرضت لها زيمبابوي أخيرا نتيجة التضخم الجامح الذي نشأ عن الإفراط في طبع النقود كان لها آثارا مدمرة على آفاق الاستثمار والنمو في هذا البلد، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ليست زيمبابوي حتى تلجأ إلى مثل هذا الخيار المدمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق