جاءني هذا الخطاب من مجلة آفاق المستقبل طابا ردي على بعض الأسئلة عن فرض الضرائب في دول الخليج، وفيما يلي ردي على تلك الأسئلة.
1. هل دول الخليج بحاجة إلى الضرائب كمصدر دخل جديد؟ وما هي العوائد المتوقعة ؟
المشكلة الأساسية التي تواجه صانع السياسة الاقتصادية في دول الخليج هي تركز الإيرادات العامة للدولة في مصدر شبه وحيد تقريبا وهو الإيرادات النفطية. هذا التركز في الإيرادات يؤدي إلى تقلب هذه الإيرادات بصورة مستمرة تبعا للتطورات التي تحدث في سوق النفط العالمي، وهو ما يجعل المالية العامة في دول الخليج تحت رحمة تطورات سعر النفط في السوق العالمي للنفط الخام. بالطبع الأثر السلبي لهذه التقلبات في الإيرادات سوف ينعدم طالما أن الحد الأدنى لسعر البرميل من النفط يتجاوز السعر اللازم لتوازن الميزانية العامة للدولة. المشكلة الأساسية تنشأ إذن عندما يبدأ سعر النفط في الانخفاض عن الحد الأدنى اللازم لتوازن الميزانية، هنا تبدأ ميزانيات الدول النفطية في تحقيق عجز، وبالتالي يبدأ الدين العام في الارتفاع. من ناحية أخرى فإن هذا الحد الأدنى اللازم لتوازن الميزانية يختلف من دولة إلى أخرى حسب مستوى إنفاقها العام الجاري واحتياجات الاقتصاد من الإنفاق الحكومي على المشروعات المختلفة، على سبيل المثال فإن الحد الأدنى اللازم لتوازن ميزانية المملكة العربية السعودية، يختلف عن ذلك اللازم لتوازن ميزانية الكويت.. الخ، وهناك ظاهرة مثيرة للاهتمام حاليا، وهي أن الحد الأدنى لسعر النفط اللازم لتوازن ميزانيات دول الخليج آخذ في التزايد على نحو مقلق، مما يرفع المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها المالية العامة لدول الخليج، ويجعل وضع الميزانية العامة في هذه الدول حرجا، إذا ما تدهورت أسعار النفط لأي سبب من الأسباب.
خلاصة التحليل السابق هي أن تركز الإيرادات العامة لدول مجلس التعاون حاليا في الإيرادات النفطية يحمل مخاطر جمة لهذه الدول، خصوصا فيما يتعلق باستقرار النشاط الاقتصادي فيها، وأن دول الخليج من أشد الدول في العالم، على الرغم من الراحة المالية النسبية التي تتمتع بها، حاجة في أن يكون لديها هيكل مناسب للضرائب، كمصدر مستقر ودائم للإيرادات العامة. أما العوائد المتوقعة فتعتمد على عنصرين؛ العنصر الأول وهو معدل الضريبة الذي ستتبناه دول الخليج، والعنصر الثاني وهو مستوى وعاء الضريبة (العنصر الذي ستفرض عليه الضريبة)، أي أنه إذا كانت دول الخليج ستتبنى ضرائب على الدخول فإن حصيلة الضرائب سوف تعتمد على معدل الضريبة ومستويات الدخول. أما إذا كانت ستتبنى ضرائب على الاستهلاك أو المبيعات أو القيمة المضافة، فإن حصيلة الضريبة ستعتمد على المعدل الذي سيفرض لهذه الضرائب وقيمة هذه المتغيرات الاقتصادية الكلية.
2. ما أنواع الضرائب التي يمكن فرضها في دول المنطقة أو تلك المتوقع تطبيقها في المستقبل القريب؟
أعلم ان ما سأذكره هنا سوف يغضب المواطن الخليجي بشكل عام، ولكن استدامة أوضاع المالية العامة في دول الخليج واعتبارات الاستقرار المالي في دول المجلس تفرض على الدول الخليجية ان يكون لديها هيكل للضرائب. وربما تحتاج دول الخليج ان تتجنب في المراحل الأولى لتبني نظم ضريبية ان تفرض ضرائب على دخول الأفراد لعدة أسباب، أهمها أن الحصيلة الوفيرة لصادرات النفط ينظر إليها البعض على أنها نوع من الضرائب المستترة، بمعنى آخر، بما إن النفط هو مورد طبيعي في الدولة، وعندما تستخرج الدولة هذا المصدر من الأرض، يفترض ان تقوم الدولة بتوزيع حصيلة البيع على جميع المواطنين في الدولة، ثم تقوم بفرض ضرائب عليهم لتمويل إنفاقها العام. عندما تستأثر الدولة بحصيلة الإيرادات النفطية ولا توزعها على الأفراد، فكأنها في هذه الحالة تفرض ضرائب مستترة عليها في صورة هذه الإيرادات غير الموزعة.
لذلك أفضل ان تبدأ دول الخليج بفرض ضرائب على القيمة المضافة أو ضرائب استهلاك في البداية لعدة أسباب أهمها وفرة حصيلة هذه الضرائب، وسهولة تحصيلها، لأنها لا تتطلب عمليات تقدير لمستويات دخل الأفراد والتعقيدات المصاحبة له، فضلا عن أن تلك الدول لا تملك أجهزة ضريبة متقدمة حاليا تمكنها من ان تفرض وتحصل ضرائب على الدخول بشكل فعال. وعلى العموم، هناك نوعين على الأقل من الضرائب التي يجب ان تقوم الدول الخليجية بالتفكير في فرضها وهي ضريبة القيمة المضافة Value added tax أو ضريبة المبيعات Sales tax، والضرائب على دخول الشركات. فمما لا شك فيه ان الشركات الخاصة التي تعمل في الخليج تحقق أرباحا مرتفعة بسبب طبيعة البيئة التي تعمل فيها، كما تحصل في ذات الوقت على تسهيلات كثيرة في التكاليف التي تتحملها، مثل المدخلات المدعمة كالكهرباء والماء، وإيجارات الأراضي ودعم مواد البناء.. الخ، وليس من العدل ان تترك هذه الشركات بدون ان تدفع ضرائب لتشارك في تحمل تكلفة الإنفاق العام على مثل هذه المدخلات المدعمة من قبل الدولة.
بقي ان أشير إلى ان التفكير في فرض ضرائب على دخول الأفراد لا بد وان يصاحبه مزيد من التحرر الديمقراطي والمشاركة الفعالة للأفراد في الحكم وإدارة السياسات من خلال المجالس النيابية الفعالة والحرة، فمن يمول لا بد وان يشترك في عملية إدارة هذه الأموال، أو على الأقل في الرقابة عليها، ولذلك تجد دائما الفرد في الغرب يرفع هذا الشعار "أنا دافع للضريبة I am a tax payer"، أي أساهم في تحمل تكلفة إدارة هذا البلد، ومن ثم فإن لي حقوق نظير ذلك.
3. هل ستفقد دول الخليج ميزتها التنافسية في استقطاب الاستثمار الأجنبي في حال فرض الضرائب؟
الاستثمار الأجنبي المباشر عندما يذهب إلى أي مكان في العالم فإنه يخضع للضرائب لأنه لا توجد دولة في العالم لا تفرض ضرائب، إذا ما استثنينا دول الخليج، باعتبارها جنة الضرائب في الأرض Tax heaven. من ناحية أخرى فإن الاستثمار الأجنبي المباشر عندما يتدفق إلى منطقة ما فإنه يقارن بين العوائد التي سيحققها في هذه المنطقة والتكاليف التي يتحملها، والتي بالطبع من ضمنها الضرائب التي سيحتاج إلى دفعها، وطالما ان العوائد الحدية للاستثمار الأجنبي المباشر أكبر من تكلفته الحدية بما فيها الضرائب، سوف يستمر الاستثمار الأجنبي المباشر في التدفق.
الدول التي تحتاج بشدة إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر غالبا ما تقدم له مزايا ضريبية مؤقتة عند الدخول، كإعفاء مؤقت، أو تخفيض مؤقت في الضرائب أو خفض في تكلفة بعض المدخلات التي سيحتاج إليها مثل الأرض والكهرباء والماء.. الخ، أي باستبدال الإعفاء الضريبي بالمزايا الأخرى، ثم بمرور الوقت، عندما تنتهي فترة السماح، يتم إلغاء مثل هذه الإعفاءات أو المزايا.
4. ما هي أبرز الانعكاسات الإيجابية والسلبية لفرض الضرائب في دول الخليج ؟
أبرز الانعكاسات الايجابية هي على المالية العامة للدولة، ويتمثل ذلك في تمتع الحكومات بمصادر إضافية للإيرادات تتسم بالاستقرار لأنها لا تعتمد على سعر النفط، وإنما يرتبط أساسا بحركة النشاط الاقتصادي في الداخل، وهو ما يضمن استقرار أوضاع الميزانية العامة لهذه الدول. كذلك سوف توفر الضرائب لصانع السياسة الاقتصادية أداة استقرارية هامة جدا وهي معدل الضرائب، حيث يمكن تحفيز مستويات النشاط الاقتصادي من خلال خفض معدل الضريبة وذلك في أوقات الكساد، كما يمكن السيطرة على ارتفاع مستويات النشاط الاقتصادي ومن ثم الضغوط التضخمية من خلال رفع معدلات الضرائب، بدلا من الأوضاع الحالية التي تجعل النشاط الاقتصادي برمته تحت رحمة تقلبات سعر النفط. من ناحية أخرى فإن فرض الضرائب، بصفة خاصة الضرائب على الشركات، سوف يؤدي إلى تحقيق قدر أكبر من العدالة بين المواطنين في الاستفادة من الإنفاق العام الذي تقوم به الدولة، وذلك من خلال تحميل الشركات بجانب من تكلفة الإنفاق العام، بدلا من الوضع الحالي الذي لا يتسم بالعدالة حيث تستفيد الشركات من الإنفاق العام للدولة، وتحتفظ بعد ذلك بأرباحها بالكامل بدون المساهمة في هذا الإنفاق.
أما ابرز الانعكاسات السلبية فهي بالنسبة للشركات سوف تنخفض مستويات الأرباح بعد الضريبة، وهو أمر طبيعي ويفترض ألا يؤثر على مستويات الاستثمار لهذه الشركات حيث تحقق الشركات في الخليج مستويات مرتفعة جدا من الأرباح في ظل غياب الضرائب، وفي ظل تمتعها بالكثير من المدخلات بأسعار تقل بشكل كبير عن تكاليفها الحقيقية.
بالنسبة للأفراد فإن فرض ضرائب على الاستهلاك، أو ضرائب على القيمة المضافة سوف ترفع تكلفة المعيشة بشكل عام، ولكن ارتفاع مستويات الدخول بشكل عام يقلل من هذا التأثير السلبي. أما فرض الضرائب على الدخول فمما لا شك فيه أنه سوف يقلل من الدخول المتاحة للأفراد للاستهلاك، ومن ثم يخفض من مستويات الادخار الفردي في الاقتصاد. وهي آثار سوف يظهر تأثيرها بوضوح في الأجل القصير، غير ان تلك الآثار سوف تتلاشى في الأجل الطويل.
5. ما هي الآلية الأمثل للبدء في فرض نظام ضريبي في دول المنطقة ؟
أعتقد ان جميع دول مجلس التعاون لديها دراسات مكثفة حول موضوع الضريبة، كل ما تحتاج إليه هذه الدول هو الآتي:
1. اختيار مجموعة الضرائب التي ستقوم بفرضها أي ما إذا كانت ستفرض ضريبة دخل، أو ضريبة قيمة مضافة، أو ضريبة استهلاك، أو ضريبة عقارية، أو ضريبة ثروة.. الخ.
2. تحديد معدل الضريبة المناسب وسبل التدرج في فرض الضريبة، أي بين ما إذا كانت ستتبنى معدل ثابت للضريبة، أو معدل ضريبة تصاعدي أو معدل ضريبة تنازلي.
3. إنشاء إدارات مستقلة للضريبة ومدها بالمهارات الإدارية والتسهيلات اللوجستية المناسبة للتعامل مع عملية فرض وجمع الضريبة بصورة فعالة وبما يحول دون حدوث التهرب الضريبي.
4. القيام بحملة إعلامية مكثفة عن أهمية الضرائب ودور هذه الضرائب في الاقتصاد، وأهمية الضرائب بالنسبة للدولة والفرد، وذلك لكسب تأييد الأشخاص وقطاع الأعمال للضرائب.
السلام عليكم وتحياتي إليكم أستاذ محمد
ردحذفلقد ذكرتم في مقالتكم
أن إذا كانت الضريبة على دخل الفرد فلابد للفرد المشاركة في إدارة السياسات من خلال المجالس النيابية الفعالة والحرة
هل المشاركة تتضمن المشاركة في القرارات داخل المجالس النيابية أم الإكتفاء في الترشيح للناخبين فقط ...........
عذرا لنقص المعلومة السياسيةوالنيابية
شكرا أخي وفائي
ردحذفالمقصود المشاركة بصورة اكثر فعالية في ادارة شئون البلاد، وصناعة السياسات الخاصة بها، بالطبع من خلال القنوات المتعارف عليها وهي المجالس النيابية والحكومات التي تدير شئون البلاد.
تحياتي