الخميس، ديسمبر ٢٤، ٢٠١٥

سوق النفط تحتاج إلى تدخل فاعل

في 2014/6/17، بلغ سعر برميل النفط من خام برنت 114 دولارا. وقت كتابة هذا المقال بلغ سعر البرميل 37.59 دولار، وهو سعر لم تشهده السوق النفطية منذ زمن طويل، أي أن سعر النفط قد تراجع بنسبة 67 في المائة تقريبا، وبمعنى آخر فإن الدول المصدرة تحصل اليوم على ثلث السعر عن كل برميل تصدره، وفقدت بالتالي ثلثي إيراداتها النفطية.
قد لا يبدو أن صدمة تراجع الإيرادات النفطية لها تأثير محسوس في اقتصادات بعض الدول في الوقت الحالي، بسبب رصيد الاحتياطيات الذي تراكم خلال الفترة التي كانت فيها الأسعار مرتفعة، غير أن النتائج المالية لهذا العام سوف تكون كارثية بكل المقاييس للمالية العامة لجميع الدول النفطية، سواء التي لديها احتياطيات أم لا، إذا ما استمرت أسعار النفط منخفضة على هذا النحو.
في اجتماع أوبك الأخير أخفقت الدول الأعضاء في التوصل إلى اتفاق للحد من فائض العرض في السوق النفطية إلا بعد أن تتعاون الدول خارج أوبك مع المنظمة، في تحمل جزء من الخفض للعودة بالسوق نحو التوازن. في رأيي أن اشتراط مشاركة الدول خارج أوبك في الخفض أمر غير منطقي لاتحاد المنتجين. فالهدف الأساسي لاتحاد المنتجين هو الحفاظ على استقرار الأسعار، خصوصا عندما تتجه نحو النزول، وهي مهمة يقوم بها الاتحاد بنفسه، وليس بالمشاركة مع المنتجين من خارجه، ببساطة شديدة لأن هؤلاء المنتجين من خارج الاتحاد ليسوا أعضاء فيه، وبالتالي فهم ليسوا ملزمين بالمشاركة مع الاتحاد في تحمل نتائج توازن السوق والأسعار، وإلا فليترك الاتحاد السوق لقوى العرض والطلب، وبالتالي تنتفي الحاجة إلى وجوده.
وبدلا من أن تتجه أوبك نحو الحفاظ على الاستقرار السعري، تتصارع أوبك اليوم حول التمسك بحصتها السوقية، وهي استراتيجية مدمرة، أو لعبة حصيلتها صفرية بالنسبة للمنتجين، ولن يستفيد منها أحد، سوى المستهلك الذي سيتمتع بأسعار أقل للنفط على حساب المنتج. فمن يضاعف حصته السوقية ليبيعها بنصف السعر، يفكر بصورة غير رشيدة، لأنه في النهاية سوف يحصل على الإيرادات نفسها ولكن بكمية إنتاج أكبر، وبمعنى آخر فإنه يهدر ثروته النفطية بأسعار سوقية منخفضة.
على ما يبدو أن التمسك بالحصة السوقية يستهدف ضمان حصة تصدير أعلى، حتى إذا ما ارتفعت الأسعار فإنه سوف يضمن استمرار تصريف حصته بإيرادات أكبر، لكن المؤكد أن الأسعار لن ترتفع طالما أن الجميع يتمسك بحصته، في ظل وجود تخمة عرض في السوق.
للدفاع عن استراتيجية الحصة السوقية يستند البعض إلى تجربة الثمانينيات عندما تفاعلت أوبك مع تخمة العرض في السوق من خلال خفض الإنتاج ومن ثم تخفيض الحصة السوقية لأوبك، وذلك بالنظر إلى ما حدث على أنه خطأ كبير غير قابل للتكرار. من وجهة نظري أن ما حدث في الثمانينيات لم يكن خطأ. صحيح أن أوبك قد خسرت جزءا من حصتها السوقية، لكن السؤال الذي لم يطرحه أحد هو: ما الذي كان سيحدث للأسعار إذا لم تتدخل أوبك بخفض حصتها السوقية لتتوافق مع احتياجات السوق؟ الإجابة بالتأكيد هي عودة الأسعار ربما إلى مستويات ما قبل 1973، حيث كان من المفترض أن يباع النفط بدولارين. فالنفط مثل أي سلعة يتحدد سعره بالعرض والطلب، والإفراط في العرض لا بد أن يترتب عليه تراجع الأسعار، ما لم يتم التحكم في العرض، وهذا ما يحدث حاليا.
أوبك حاليا تتوقع أن تعود السوق إلى التوازن في العام المقبل وذلك من خلال تمني أن يرتفع الطلب على النفط على النحو الذي يمتص فائض العرض فتتوازن الأسعار عند مستويات مناسبة. غير أن الشواهد المتاحة تشير إلى أن سعر النفط ربما يواصل تراجعه في العام المقبل.
ما يعزز التوقعات باستمرار تراجع الأسعار أن العراق اليوم ينتج بطاقته القصوى، حيث أضاف نحو مليون برميل يوميا ليصل إنتاجه إلى نحو 4.5 مليون برميل، بينما تستعد إيران لكي تسترد ما ترى أنه حق لها من حصتها الإنتاجية التي فقدتها بسبب الحصار الذي فرضه الغرب عليها. من جانب ثالث فإن أي اتفاق للمصالحة بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، سيقود إلى عودة الإنتاج الليبي سريعا إلى مستوياته السابقة قبل الثورة على القذافي، الأمر الذي سيؤدي إلى تغذية فجوة العرض ومن ثم الضغط على الأسعار نحو التراجع بصورة أكبر عن مستوياتها الحالية.
وعلى ذلك ففي ظل التمسك باستراتيجية حماية الحصص على أوبك أن تتوقع الأسوأ في المستقبل، وبالتالي على صانع السياسة المالية في الدول النفطية أن يستعد لمزيد من الضغط المالي، والبحث من الآن في الآليات التي تضمن تخفيض الإنفاق وزيادة الإيرادات غير النفطية على النحو الذي لا يؤثر سلبا في التنمية، ويحد من الآثار الاجتماعية والسياسية لخفض الإنفاق العام، وفي الوقت ذاته لا يعرض احتياطياتها المتراكمة للاستنزاف ولا ديونها للارتفاع السريع.
التدخل الفاعل لأوبك الآن، من وجهة نظري، لا بد أن يكون منطقيا وعمليا، فتزايد حصص بعض الدول الأعضاء في أوبك كان أساسا على حساب تراجع حصص الدول الأخرى، وبالتالي فإن أي اتفاق على فرض سقف إنتاجي يسحب العرض الفائض من السوق لا بد أن يتم في إطار تنازل باقي الدول الأعضاء لتعويض ليبيا وإيران عن الحصة التي فقدتها كل منهما، إما لظروف خارجة عن إرادتها أو بسبب الاضطرابات السياسية المحلية، ولا يمكن التمسك بحصة سوقية تم اقتطاعها أساسا من الحصة السوقية للأعضاء الآخرين في أوبك.
تراوح تقديرات فائض العرض حاليا بين 2 و 3 ملايين برميل يوميا، أي ما يقل عن 10 في المائة من الإنتاج اليومي لأوبك، وهو فائض يمكن استيعابه بسهولة من خلال أوبك، وامتصاص هذا الفائض كفيل برفع الأسعار بما لا يقل عن 60 دولارا للبرميل، فهل من الرشد الاقتصادي بيع كمية أكبر بسعر أقل، أم بيع كمية أقل بإيراد أعلى؟
أعتقد أن ما يجب أن تستوعبه أوبك بشكل جدي اليوم هو الدروس التاريخية من تجارب اتحادات المنتجين السابقة. فالتاريخ يمدنا بقائمة طويلة من اتحادات المنتجين مثل أوبك، القليل منها الذي صمد أمام الضغوط الخارجية أو الداخلية، وأوبك في الوقت الحالي ليست استثناء. فاتحاد المنتجين مثل أوبك يكون فعالا في حالة واحدة وهي أن يكون هناك عجز في السوق أو نقص في المعروض من السلعة التي ينتجها الاتحاد، بينما يكون في أضعف حالاته عندما يكون هناك فائض سوقي من السلعة، وفي هذه الحالة الأخيرة عندما يأخذ أعضاء الاتحاد في التنافس على المزيد من الإنتاج، فإن الاتحاد يصب المزيد من الوقود على النار، وإذا لم يكن هناك تحرك سريع لمواءمة حصص الإنتاج مع احتياجات السوق وفقا لآلية فعالة، فإن الاتحاد سوف يكون معرضا للانهيار. معظم الحالات التي انهارت فيها اتحادات المنتجين كان سببها الأساس هو الإفراط في الإنتاج والمنافسة على الحصة السوقية.
أخطر النتائج التي تترتب على ضعف فعالية اتحاد المنتجين هي خروج بعض الأعضاء منه، فقد يقرر بعض الأعضاء ألا فائدة ترجى من استمرار عضويتهم في الاتحاد في ظل عدم الاتفاق على آلية واضحة وعادلة لتحديد الحصص، وهو ما قد يدفعهم نحو الخروج من الاتحاد باعتبار أن وجودهم خارج الاتحاد أفضل، حيث سيسمح لهم بتحديد ما يرونه مناسبا من إنتاج. وعندما تبدأ عمليات الخروج تتراجع الحصة السوقية للاتحاد وينهار نتيجة لذلك مثلما حدث لعديد من اتحادات المنتجين التي فشلت مسبقا كاتحاد منتجي القمح والزنك والصفيح والألمنيوم والصلب والشاي والبن والسكر والنحاس والبوتاس وزيت الزيتون .. إلخ.
باختصار أوبك اليوم في حاجة إلى تدخل فاعل في السوق لضمان استقراره عند مستوى أسعار أفضل، وهذه هي مسؤولية أوبك وحدها، وليست مسؤولية الأعضاء خارج أوبك، باعتبارها اتحاد المنتجين الوحيد في هذه السلعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق