لم تعد آسيا تقتصر على تصدير المنتجات رخيصة الثمن إلى العالم مثل لعب الأطفال أو الدراجات أو الأجهزة المنزلية، وإنما أصبحت أيضا تصدر خدمات تقديم التعليم عن بعد، حيث تحولت مدرسة Ashmount Primary الابتدائية الخاصة في شمال لندن إلى أول مدرسة تتبع نظام جديد في تدريس مادة الرياضيات للصف السادس من خلال الاستعانة بمصادر خارجية تماما عن طريق الانترنت لتدريس مادة الرياضيات لتلاميذ الصف السادس فيها من خلال مدرسين لمادة الرياضيات من الهند. نجاح النظام دفع بالمدرسة أيضا إلى التفكير في توسيع تطبيق النظام بحيث يشمل باقي الصفوف من التلاميذ في المدرسة.
التوقعات تشير إلى أن معظم المدارس الخاصة تفكر في إدخال التجربة بحيث تصبح التيار السائد في البلاد في تدريس المقرر، ومثلما تقوم الدول المتقدمة مثل بريطانيا والولايات المتحدة بالاستعانة بمصادر خارجية في الهند في العديد من المجالات مثل المحاماة وتصميم برامج الحاسوب، سوف يتم تقديم الفصول الدراسية من خلال الاستعانة بمصادر خارجية في صورة مدرسين هنود أيضا لأغراض خفض التكلفة.
النظام يعمل كالآتي؛ يعطى كل تلميذ سماعة وقدرة على الوصول إلى الموقع الالكتروني الخاص بالمقرر في ساعات محددة، حيث يمكنه التفاعل آنيا مع المدرس في الهند، وإتباع التوجيهات التي يقدمها له المدرس عبر الشاشة على الانترنت. تكلفة الساعة التدريسية وفقا لهذا النظام هي 12 جنيها إسترلينيا للتلميذ الواحد، بينما تتكلف نفس هذه الخدمة حوالي 40 جنيها إسترلينيا إذا ما تم تقديمها من جانب مدرسين انجليز في لندن، إنه ولا شك خفض كبير للتكلفة، ولكن ماذا عن جودة النظام.
وكيلة المدرسة Rebecca Stacey أشارت إلى أن الخدمة التعليمية التي يتم تقديمها حاليا من خلال هذا النظام أحدثت فرقا كبيرا في استيعاب التلاميذ وفهمهم للمقرر، في إشارة إلى أن المدرسين الهنود الذين يقومون بالتدريس للتلاميذ وفقا لهذا النظام أكفأ في تدريس مقرر الرياضيات من المدرسين البريطانيين. وأضافت أن المدرسة بدأت النظام من خلال عدد قليل من التلاميذ، غير ان المدرسة اكتشفت أن النظام يحدث آثارا ايجابية على درجة تحصيل التلاميذ فتم زيادة أعداد التلاميذ الذين يتم تقديم الخدمة التعليمية لهم وفقا لهذا النظام. المدرسة تفكر حاليا في تعميم النظام على كل تلاميذ الصف السادس، وإدخال تلاميذ الفصول الأخرى إلى الخدمة، مثل الصف الرابع والخامس في النظام.
الخدمة التعليمية يتم إدارتها من خلال شركة للتعليم تسمى Bright Spark Education، والتي قامت بتوظيف أكثر من 100 مدرس للرياضيات في الهند الذين لديهم خبرة في تدريس المقرر، ويخضعون لاختبارات أمنية من وقت لآخر للتأكد من سلامة عملية تقديم الخدمة التعليمية، وحيث يتم تدريب كل المدرسين على منهج الرياضيات البريطاني، كما يتم تصميم الخدمة بشكل مستقل لكل طالب بالطريقة التي يراها المدرس مناسبة للطالب ولقدراته الخاصة، كما يتم مراقبة عملية تقديم الخدمة عن بعد أيضا، وحيث يتم تخصيص نفس المدرس لنفس الطالب بشكل مستمر. استطلاعات الرأي بين الطلبة تشير أيضا إلى أنهم يستمتعون بهذه الخدمة حاليا في المدرسة.
غير أن Dylan Wiliam مدير معهد التربية في جامعة لندن يقول بأن النظام يمكن أن يعمل في الكثير من المدارس، ولكن هناك العديد من المخاطر التي يمكن ان تصاحب تطبيق النظام. ولكن إذا كانت العمليات الجراحية في المخ يتم إجراءها حاليا عن بعد، فلماذا لا يمكن تدريس الرياضيات عن بعد أيضا، إن الأمر يعتمد أساسا على مدى جودة اللغة الانجليزية لدى المدرسين الهنود، ومدى فهمهم للفروق الثقافية بين الهند وبريطانيا، وهي خصائص تتوافر لدى المدرسين الهنود بشكل جيد.
على مدى قرون من الزمن كان دائما ما ينظر إلى التعليم على أنه من السلع التي لا تدخل في مجال التجارة الخارجية بين الدول Non-tradables، إلا أن التطور التكنولوجي جعل التعليم ينضم إلى قائمة الخدمات التي يتم الاتجار فيها بين الدول، مثل النقل والتأمين والسياحة.. الخ، ليتحول التعليم إلى أحد سلع التجارة الخارجية مثل لعب الأطفال، وحيث يمكن أن يستخدم معدل صرف الإسترليني بالنسبة للروبية الهندية للتأثير على صادرات الهند من خدمات التعليم إلى بريطانيا، مثلما هو الحال بالنسبة إلى صادراتها الأخرى من السلع مثل الملابس القطنية، ويبدو أن الإضراب السنوي للمدرسين في بريطانيا سوف يتم الرد عليه من خلال استئجار مدرسين من الخارج ومنح المدرسين البريطانيين إجازة دائمة للجلوس في بيوتهم ردا على إضرابهم.
إنه ولا شك أحدث تطبيقات نظرية المزايا النسبية Comparative advantage في التجارة الخارجية على التعليم، والتي تنص على ان الدولة صاحبة المزايا النسبية في إنتاج سلعة ما (نتيجة رخص تكاليف إنتاجها في هذه الدولة) سوف تقوم بإنتاج وتصدير هذه السلعة إلى باقي دول العالم. بقي أن أشير إلى أن الذي سيدفع ثمن هذا التطور هم التلاميذ الهنود الذين سيحرمون من الخدمات التي يقدمها المدرسون الأكفاء في الهند، نظرا لتحول هؤلاء نحو تدريس التلاميذ في الخارج، بدلا من تدريس التلاميذ في الهند، إنه نوع جديد من استنزاف العقول Brain drain، الذي طالما مارسته الدول المتقدمة على نحو بشع، مستغلة الظروف المادية والمعيشية السيئة للدول الفقيرة لاستقطاب أفضل الخبرات والكفاءات البشرية من الدول الفقيرة إليها، ولكن دون انتقال تلك الخبرات البشرية إلى هذه الدول هذه المرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق