الاثنين، نوفمبر ٢٦، ٢٠١٢

القنبلة السكانية: الهند والصين


 

عندما نقارن الصين بالهند نجد أن الصين في القرن الماضي حاولت بشتى الطرق إيقاف القنبلة السكانية من خلال سياسة الطفل الواحد للأسرة الواحدة، والتي ترتب عليها تراجع معدلات النمو السكاني بشكل واضح في الصين. لاحقا استطاعت الصين تحقيق اقصى استفادة ممكنة من النمو السكاني السريع خلال القرن الماضي وذلك باستغلال فئة الشباب فيها في مصانعها ووسائل إنتاجها المختلفة بأجور متدنية للغاية بالمعايير الدولية، وبالمزايا النسبية التي تحققها الصين في تكلفة الأجور استطاعت أن تدك أسواق العالم بمنتجاتها الرخيصة الثمن. اليوم التركيبة السكانية الصينية تتغير بصورة هيكلية وتميل نسب السكان صغار السن نحو التراجع، وهو ما ينذر بنفاذ رصيد الشباب ذوي الأجور المنخفضة، والذين اعتمد عليهم النمو الصيني في بداية مراحله.

النتيجة الطبيعية لمثل هذه التطورات هو ميل مستويات الأجور نحو الارتفاع مهددا بذلك القدرة التنافسية للصين، من ناحية أخرى فإن نسب السكان في سن الشيخوخة تميل حاليا نحو التزايد، وهو ما ينذر ببدء تأثر المالية العامة الصينية بهذه الظاهرة الخطيرة التي تجتاح العالم اليوم، وأبرز آثارها في اليابان. على العكس من ذلك نجد الهند تتمتع اليوم بهيكل سكاني فتي، حيث ترتفع نسبة صغار السن في هذا الهيكل بصورة واضحة، وهو ما يمثل رصيد العمالة الفتية الذي يمكن توجيهه نحو تدعيم النمو الهندي مثلما فعلت الصين. غير أن الهند لا تقدم الحوافز التي تعمل على تشجيع الحراك السكاني الداخلي لنقل السكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية حيث المصانع ومشروعات الأعمال، على العكس فإن قوانين التأمين تشجع السكان على البقاء في المناطق الريفية.

لقد أدت الهجرة الداخلية من المزارع نحو المدن في الصين إلى ارتفاع نسبة المقيمين في المناطق الحضرية إلى 46% من إجمالي السكان حاليا، في الوقت الذي لا تزيد فيه هذه النسبة عن 30% حاليا في الهند، وفي الوقت الذي أدت الهجرة الداخلية إلى ارتفاع عدد المدن التي ازداد سكانها من 100 ألف إلى أكثر من مليونا تقريبا إلى 23 مدينة، نجد أن مثل هذا التطور اقتصر على 6 مدن فقط في الهند.

لاستغلال القنبلة السكانية من الناحية الاقتصادية تحتاج الهند إذن إلى تشجيع عملية انتقال السكان من الريف إلى المراكز الحضرية حيث يسهل توجيههم إلى مراكز الإنتاج والأعمال، وكانت الهند قد تأثرت بالصين في القرن الماضي عندما بدأت الثانية محاولات حثيثة للحد من النمو السكاني من خلال سياسة الطفل الواحد، وقد حرصت الهند أيضا على اتباع نفس الطريق، ففي منتصف السبعينيات قامت عائلة غاندي، على يد ابن الرئيسة الراحلة أنديرا غاندي وهو سانجاي غاندي بفرض قانون التعقيم في أثناء حقبة الطوارئ التي فرضتها والدته نتيجة الاضطرابات السياسية في أواخر عهدها. فقد فرض القانون على العاملين في الحكومة الذي لديهم طفلين أو أكثر أن يخضعوا لعمليات للتعقيم ترتب عليها أن تم تعقيم حوالي 8 مليون هندي، قبل أن تتوقف هذه العملية في أعقاب هزيمة حزب المؤتمر الهندي في1977، فتم إيقاف العمل بقوانين التعقيم، واستمرت  القنبلة السكانية الهندية في العمل على النحو الذي ينبئ بأن تتحول الهند إلى أكبر دول العالم سكانا في المستقبل.

بالطبع النمو السكاني يمكن ن يتحول إلى مصدر للقوة، وهذا ما تثبته التجربة الصينية، ولكن ذلك لكي يحدث لا بد من نقل هؤلاء السكان من أماكن تجمعهم في القرى إلى الأماكن الحضرية حيث يمكن توجيههم نحو فرص الإنتاج الأفضل، ناهيك عن التكلفة الهائلة التي يجب أن تدفع لتعليم هؤلاء، وهو تحد ليس بالهين، نظرا للآثار الجانبية التي تنشأ عن نمو المدن على نحو سريع.

من خلاصة قراءتي في كتاب Breakout NATIONS.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق