تحدثت كثيرا عن التيسير الكمي، وشرحت فيما سبق آلية التيسير الكمي، وأنه لا يعني أن الولايات المتحدة تطبع فعليا الدولار، لأن طباعة هذه التريلونات من الدولارات سوف تستغرق وقتا كبيرا، وتكلفة ضخمة أيضا، فورقة المائة دولار تتكلف تقريبا 6 سنتات، فماذا عن تكلفة طباعة تريليون دولار. عندما تدخل على المنتديات والتعليقات التي تراها على المقالات الاقتصادية يتحدث الجميع على أن الولايات المتحدة تطبع الدولار ليل نهار وأن الولايات المتحدة لديها جبال من اوراق العملة، وهذا خطأ كبير، قد تناولته في أكثر من مرة، حيث أشرت الى ان العملية لا تعدو اكثر من كونها قيود حسابية سوف يضيفها الاحتياطي الفدرالي لميزانيته من خلال رفع احتياطيات المؤسسات المالية التي سيقوم بشراء السندات منها، ثم عندما يطفئ هذه السندات بنهاية مرحلة التيسير الكمي، سوف يتم التخلص من هذه الاحتياطيات بقيود معاكسة في الميزانية.
ولكن هل عدم طباعة الدولار يعني عدم زيادة عرض النقود، هنا مربط الفرس، فتعريف عرض النقود هو الاساس النقدي مضروبا في مضاعف عرض النقود، والأساس النقدي هو وحدات العملة المتداولة في يد الجمهور (الدولارات المطبوعة) مضافا اليها احتياطيات البنوك لدى الاحتياطي الفدرالي. بهذا التعريف لعرض النقود فإن التيسير الكمي سوف يزيد من كمية النقود في الولايات المتحدة، ولكنه لا يعني كما ذكرنا زيادة الكمية المطبوعة من الدولارات. قام James Hamilton بحساب معدلات التغير في الكميات المطبوعة من الدولارات حتى بعد برنامج التيسير الكمي، وتوصل الى أن معدل نمو الكميات المطبوعة من الدولار خلال السنتين الماضيتين لم يزد عن 5.2%، وهو ما يقل عن متوسط النمو في الكميات المطبوعة من الدولار خلال العقد الماضي. وبما ان أحد وسائل حساب معدل التضخم هو معدل النمو في عرض النقود مطروحا منه معدل النمو في الناتج الحقيقي، فإن ذلك يفسر لماذا التضخم منخفض.
وكما ذكرت مسبقا أن الاحتياطي الفدرالي سوف يقوم بتنفيذ التيسير الكمي من خلال تعلية حسابات البنوك في بند الاحتياطيات، الأمر الذي يعني أنها مجرد قيود الكترونية في ميزانيتي الاحتياطي الفدرالي والبنوك، حيث تقوم البنوك بالاحتفاظ بهذه الاحتياطيات لدى الاحتياطي الفدرالي. الشكل التالي يوضح تطور كل من الدولارات المطبوعة (المساحة البنفسجية)، والاحتياطيات البنكية (المساحة البنية)، ومجموعهما يساوي الاساس النقدي. لاحظ أن الكميات المطبوعة من الدولار لم تزد، بينما الاحتياطيات ا لبنكية تزايدت بصورة كبيرة جدا نتيجة برنامج التيسير الكمي.
ولكن لماذا لم يقم الاحتياطي الفدرالي بطباعة الدولار؟ الاجابة هي أنه لا يحتاج الى ذلك، لأن هذه الاحتياطيات التي يملكها بنك معين عندما سيستخدمها في منح الائتمان سوف تتحول الى حساب المقترض لديه أو لدى بنك آخر، أي انها سوف تظل احتياطيات في النهاية، ومن ثم لا حاجة الى تحويلها الى نقود مطبوعة.
ولكن لماذا تحتفظ البنوك بالاحتياطيات لدى الاحتياطي الفدرالي بينما لا يوجد في الشكل ما يوحي بأن البنوك تحتفظ باحتياطيات لدى الاحتياطي الفدرالي، لماذا تفعل البنوك ذلك الآن، الاجابة تكمن في أن الاحتياطي الفدرالي ممنوع بالقانون أن يقبل مودعات للبنوك ويعطيها فائدة على مودعاتها لديه، ولكن أحد التغيرات الجوهرية التي حدثت في اعقاب الازمة المالية هي ان الاحتياطي الفدرالي كان قد استصدر قانونا من الكونجرس في عام 2008 يخوله قبول مودعات من البنوك ومنحهم فائدة عليها، حتى يتمكن بصورة اكبر من السيطرة على عرض النقود في ظل أوضاع الأزمة، لذلك نرى البنوك الامريكية تحتفظ باحتياطياتها لدى البنك المركزي بدلا من ان تحتفظ بها في خزائنها أو لدى البنوك الاخرى (قروض ما بين البنوك). ولذلك لم يحتاج الاحتياطي الفدرالي لطباعة الدولار. وقبل هذا القانون كان أي زيادة ينشئنا الاحتياطي الفدرالي تتحول في النهاية الى وحدات عملة، ولكن لأن الاحتياطي الفدرالي يمنح فائدة على هذه الاحتياطيات فإن البنوك تفضل الاحتفاظ بهذه الاحتياطيات لدى البنك المركزي.
مع تحسن وضع الاقتصاد الامريكي سوف يقوم الاحتياطي الفدرالي ببيع ما لديه من سندات، ومن ثم سوف يقوم المشترون (اذا كانوا مؤسسات غير مصرفية) بإعطاء اوامر لبنوكهم بدفع قيمة السندات التي اشتروها الى الاحتياطي الفدرالي، وستقوم البنوك بالطبع بالدفع من خلال استخدام احتياطياتها لدي البنك المركزي، فتأخذ الاحتياطيات في التراجع شيئا فشيئا، حتى تعود الى الصفر مرة أخرى، ويسيطر الاحتياطي الفدرالي على الأساس النقدي مرة أخرى.
دائما مبدع واكرر شكرا لك قد سددت زكاة علمك حيث ان زكاة العلم تعليمه.
ردحذفشكرا أخي العراقي
ردحذفجزاكم الله خيرا
ماشاء الله
ردحذفانت فعلا مدرسة اقتصادية
اسال الله ان ييسر لك سبل الاستمرار على هذا المنهج المتميز..
خير الناس انفعهم للناس
شكرا محمد
ردحذفجزاكم الله خيرا