1. سوف يظل ضعف البنية التحتية أهم العوائق أمام انطلاق عملية التنمية في مصر، ولا شك ان مصر تحتاج في المرحلة القادمة إلى تكثيف عمليات الاستثمار لرفع مستويات بينتها التحتية والتركيز على تنفيذ المشروعات التي تسهل أداء الأعمال وترفع من تنافسية الاقتصاد المصري، مثل هذه المشروعات ينبغي ان تعطى أولوية في المرحلة القادمة. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن مصر ربما لن تستطيع ان تقيم تلك البنى التحتية بمفردها، وسوف تحتاج إلي مساعدات مالية كبيرة لكي تتمكن من ذلك، وفي هذا الخصوص يمكن لمصر الاستعانة بالتسهيلات المالية التي تقدمها المؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي.
2. ليس هناك خلاف بأن محاربة الفقر سوف تكون معركة مصر الكبرى في مرحلة ما بعد الثورة، فمما لا شك فيه أن مجتمع يعيش فيه أكثر من 40% من السكان بدولارين في اليوم أو أقل هو مجتمع يواجه أزمة حقيقية، كيف ستتمكن مصر من رفع مستويات دخول كل هؤلاء؟ ليس هناك من سبيل سوى العمل على رفع معدلات النمو وزيادة مستويات الإنتاج ومن ثم رفع الدخول، وهي مهمة للأسف تتطلب وقتا وجهدا، ومع ذلك فإن مصر اليوم في أمس الحاجة إلى مقاومة المطالب الشعبية برفع مستويات الدخول في الوقت الحالي، والى بث روح الوطنية والمسئولية لدى الفئات المختلفة من العمال، وغرس قيم زيادة الإنتاج وتحسين جودته، وخلق روح الإبداع والابتكار بين العاملين في مختلف المجالات، ورفع درجة وعي الفئات المختلفة بان الزيادة في أجورهم لكي لا تضر بمستويات معيشتهم لا بد وان ينتجوها بأنفسهم، لا ان تمنحهم الدولة إياها من مصادر غير حقيقية، أو بالأحرى مصادر تضخمية ترتد عليهم بصورة سلبية بعد ذلك. المشكلة هي أن الكثير من الذين توقفوا عن العمل مطالبين بالمزيد من الأجور لا يفهمون قواعد اللعبة في الاقتصاد، بصفة خاصة الشروط اللازمة لحدوث زيادات حقيقية في مستويات دخولهم. إن أي زيادة في الأجور بمقدار جنيه لا بد وان يصاحبها زيادة صافية في الإنتاجية تساوي جنيها على الأقل، وبمعنى آخر، فإن الزيادات الحقيقية في أجور العمال هم الذين سيقومون بإنتاجها، وليس الحكومة، ذلك أن الزيادات التي تأتي عن طريق الحكومة، هي في غالب الأمر ما تكون من خلال المزيد من العجز المالي في الميزانية، والتي تنعكس في زيادة مستويات الدين العام، أو من خلال المزيد من طباعة النقود، ومثل هذه الزيادات لها نتيجة واحدة لا بد وأن يعلمها هؤلاء الذي يتظاهرون مطالبين بالزيادة في أجورهم، وهي التضخم. قليل هم العمال الذين يدركون أن الزيادات التي حصلوا عليها الماضي كانت بالفعل تضرهم ولا تفيدهم، وأنه ربما كان من الأفضل للعمال أن يستمروا بأجورهم القديمة دون ان يحصلوا على زيادات اسمية في تلك الرواتب لتتآكل بعد ذلك بفعل التضخم. غير أن الحد من المطالب بزيادة الدخول في الوقت الحالي لا بد وان يصاحبه في الوقت ذاته التركيز على محاربة الضغوط التضخمية، كسبيل لرفع القوة الشرائية للمواطنين، بصفة خاصة من ذوي الدخول المحدودة والثابتة، وهم أكثر الفئات عرضة للتأثيرات السلبية التضخم.
3. من ناحية أخرى فإن معالجة مشكلة البطالة سوف تقتضى من مصر ضرورة تبني استراتيجيات نمو وإنتاج مختلفة، والتي تعتمد أساسا على وفرة عنصر العمل، حتى تتمكن مصر من التعامل مع الأعداد الكبيرة الداخلة لسوق العمل، ولتستفيد من الميزة النسبية التي يتيحها هذا الوضع حاليا في الاقتصاد المصري والمتمثل في الرخص الكبير لتكلفة هذا العنصر. مصر إذن تحتاج إلى تبني استراتيجيات صناعية تحاكي تلك التي تبنتها الصين، لكي تواجه الضغوط التي يعاني منها سوق العمل، والتي تلعب فيها تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر دورا حيويا، ولتحقيق ذلك تحتاج مصر إلى تقديم مجموعة مكثفة من الحوافز أمام الاستثمار الأجنبي في المجالات الإنتاجية التي توسع القاعدة الصناعية للاقتصاد المصري، استنادا إلى مواردها المحلية وطاقتها البشرية الكبيرة، وفي ذات الوقت مقاومة الأنشطة الطفيلية التي تدر الأموال الطائلة على من يقومون بها دون ان تضيف نموا حقيقا في القدرات الإنتاجية للدولة، بصفة خاصة أنشطة المضاربات على الأراضي والعقارات والأسهم.
4. مصر تحتاج أيضا إلى تعديل هيكلها الضريبي ليكون أكثر عدالة من جانب، ويعمل على تشجيع الاستثمار في المجالات المنتجة من جانب آخر، ولكي لا يتم جمع الضرائب أساسا من الفئات ذات الدخل المحدود، مثلما يتم حاليا، وفي جميع الأحوال يجب أين يتم فرض ضرائب مرتفعة على المعاملات في الأنشطة الطفيلية والأنشطة التي تقوم على المضاربة، حتى تحصل الدولة على حقها في النمو الذي يحدث في القيمة الرأسمالية للأصول التي تولد دخولا طفيلية، بدلا من أن تذهب بالكامل إلى المضاربين بغض النظر عن جنسيتهم.
5. تحتاج مصر أيضا إلى تعديل التشريعات القانونية الخاصة بأنشطة الفساد والضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين، وتكوين أجهزة مستقلة وفعالة للتعامل مع الفساد، وقوة خاصة بمكافحة الفساد، وبحيث يتم فتح جميع ملفات الفساد، وأن يتم التعامل معها بصرامة، وبغض النظر عن شخصية من يشتبه في قيامه بممارسته، على سبيل المثال ملف أراضي الصحراء لا بد وأن يفتح وأن تتأكد الدولة من أن الأراضي المخصصة وجهت إلى الأغراض التي تم تخصيصها نحوها في الأساس، وأن تتوقف الدولة عن بيع الأراضي، بحيث يتم تخصص الأراضي للاستثمار مع استمرار ملكية الدولة لها، وأن تفرق الدولة بين الجادين الذين يوجهون تلك الأراضي إلى الأغراض المخصصة لها بالفعل، وبين غيرهم الذين يضاربون على رمال الصحراء لكي يجنوا المليارات، دون ان تستفيد البلد استفادة حقيقية من ذلك.
6. تحتاج مصر إلى مراجعة كافة أنظمتها البيروقراطية الخاصة بمناخ الأعمال، وتسهيل هذه النظم وإلغاء الخطوات غير الضرورية أو ذات الأهمية الأقل حتى تمكن المستثمرين المحليين والأجانب من العمل في بيئة أعمال صديقة، وحتى تتمكن من جذب الاستثمارات اللازمة للمرحلة القادمة بالكميات التي تحتاج إليها وفي المجالات التي تسعى إلى تنميتها، وحتى تقضى أيضا على فرص انتشار الفساد الناجم عن تعقد النظم البيروقراطية الخاصة بممارسة الأعمال في مصر.
7. مصر في حاجة أيضا إلى رفع درجة سيولتها الدولية اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهذا يقتضي ضرورة سعي السلطات لدى الجهات المقرضة من اجل إعفاء مصر من جانب من ديونها القائمة، أو على الأقل تأجيل عمليات السداد وإعادة هيكلة هذه الديون على أساس شروط أفضل، خصوصا وأن هناك شكوك حول الأسباب التي دعت مصر إلى اقتراض هذه الأموال، والأوجه التي تم توجيه هذه الأموال إليها، ذلك أن عملية رفع مستويات السيولة الدولية حاليا من خلال الاقتراض سوف تكون أمرا مكلفا للغاية، وذلك نظرا لارتفاع الهامش الذي سيطلبه المستثمرون لإقراض الدولة في مثل هذه الظروف، خصوصا وأن احتياجات مصر للاقتراض سوف تكون مرتفعة. تحتاج مصر أيضا إلى تشجيع الصناديق العربية للاستثمار في مصر الجديدة، مصر الشفافة، مصر الخالية من الفساد. فقد أسهم فساد الحكومات السابقة، في تسميم مناخ الاستثمار في مصر وجعله للأسف مناخا غير صالح للاستثمار المنتج طويل الأجل، فاتجهت الاستثمارات الأجنبية إلى مجالات غير منتجة أو تتسم بالمضاربة أكثر منها في مجالات الإنتاج الحقيقي، ومثل هذه المجالات للاستثمار لم تساعد مصر على التعامل مع مشكلتي البطالة والتضخم على النحو المناسب. إستراتيجية مصر الاستثمارية الجديدة يجب ان تبتعد عن، أو لا تشجع مثل، هذه الأنشطة الاستثمارية ذات العائد التنموي المحدود. مصر في حاجة إلى بناء جدار الثقة مع المستثمرين في القطاعات الحقيقية من الاقتصاد سواء المستثمرين المحليين أو الأجانب، حتى توفر الحوافز أمام هؤلاء للاستثمار الجاد في المجالات المنتجة وليس المجالات العقيمة الغير منتجة.
ليس لدينا شك في أن مصر ما بعد ثورة 25 يناير لن تكون كتلك التي كانت قبلها، وأن جهود شبابها ورجالها الذين قاموا بهذه الثورة العظيمة سوف تنصب في رفع مستويات الإنتاج في كافة القطاعات، مستنيرة بالقدوة الحسنة لقادتها القادمين، وحكوماتها المدنية المنتخبة بصورة ديمقراطية والتي تتمتع بأقصى درجات الشفافية والنزاهة، ورجالها الذين يضعون مصلحة مصر فوق كل اعتبار، ويديرون موارد الدولة لخدمة عملية التنمية والتقدم في الأساس الأول، ويحترمون الحقوق الأساسية للمواطن، ويشيعون العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين الجميع ،واضعين نصب أعينهم إعطاء أقصى درجات الحرية للمواطنين لضمان إطلاق قوى الإبداع والابتكار لديهم. مثل هذه القيم هي ما تحتاجه مصر في المستقبل كي تضمن ولاء وإخلاص رجالها ومساهمتهم الفعالة لضمان تقدم مصر ووضعها في مصاف الدول الناشئة في العالم.
مقال اكثر من رائع يادكتور
ردحذفمصر تحتاج ايضا الي اعادة هيكلة القطاعات والأنظمة الحكوميةفي شتى المجالات بشكل يكون اكثر فعالية وانتاجية بالاضافة الي ارثاء الامن والأمان لاستقطاب رؤوس الاموال الأجنبية التي هربت نتيجية الفوضى والذعر والفساد بالاضافة الي تخفيض الضريبة المفروضة على الاستمثار الاجنبي حتى تزيد رؤوس الاموال الاستثمارية