صدر الأسبوع الماضي تقرير مكتب الإحصاءات الاوروبي عن معدلات البطالة في أوروبا الموحدة (27 دولة) عن شهر سبتمبر الماضي. جاءت نتائج التقرير مخيبة للآمال، حيث تشير إلى استمرار البطالة في اوروبا عند مستويات مرتفعة للغاية فضلا عن ميلها إلى التزايد بمرور الوقت. ففي سبتمبر 2009 كان معدل البطالة في منطقة اليورو (16 دولة) هو 9.8%، تقرير معدلات البطالة عن شهر سبتمبر هذا العام يشير إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 10.1%، وذلك أيضا مقارنة بمعدل البطالة في أغسطس الماضي الذي بلغ 10%. كذلك ارتفعت معدلات البطالة في منطقة الاتحاد الاوروبي من 9.3% في سبتمبر 2009، إلى 9.6% في سبتمبر من هذا العام. الشكل رقم (1) يوضح اتجاهات معدل البطالة في اوروبا خلال الفترة من 2010 حتى الربع الثالث من هذا العام.
الشكل رقم (1) معدلات البطالة في اوروبا الموحدة
المصدر: Eurostate 162/2010: Newsrelease: Euro Indicators
بعض دول أوروبا ما زالت معدلات البطالة فيها مرتفعة جدا، فضلا أيضا عن ميلها نحو التزايد، على سبيل المثال لاحظ أنه وفقا للشكل رقم (2) الذي يوضح معدلات البطالة في دول أوروبا الموحدة، فإن معدل البطالة في اسبانيا في سبتمبر الماضي ارتفع إلى 20.8%، والذي هو أعلى معدل في أوروبا الموحدة، يليها لاتفيا (19.4%) ثم استونيا (18.6%)، وليثوانيا (18.2%)، وهي بلا شك معدلات لا بد وأن تثير قلق صانعي السياسة الاقتصادية في هذه الدول. أما اقل معدلات البطالة فتوجد في هولندا، 4.4%، وفي النمسا، 4.5%.
الشكل رقم (2) معدلات البطالة في دول الاتحاد الاوروبي
المصدر: Eurostate 162/2010: Newsrelease: Euro indicators
من ناحية أخرى فإن الشكل رقم (3) يوضح تقديرات أعداد العاطلين في الاتحاد الاوروبي خلال نفس الفترة، وفقا للتقرير فإن هناك 23.109 مليون عاطل في كافة دول الاتحاد الاوروبي في سبتمبر 2010، من بينهم 15.917 مليون عاطل في منطقة اليورو. من ناحية أخرى فإن النمو في أعداد العاطلين يتركز أساسا في منطقة اليورو، فمن بين 71000 عاطل تم اضافتهم الى رصيد البطالة في الاتحاد الاوروبي في شهر سبتمبر، كان هناك 67000 عاطل جديد في منطقة اليورو وحدها.
الشكل رقم (3) تقديرات أعداد العاطلين في الاتحاد الاوروبي
المصدر: Eurostate 162/2010: Newsrelease: Euro indicators
ارتفاع معدلات البطالة هو قاسم مشترك في الكساد الحالي بين كافة الدول في العالم، وهو أخطر افرازات الأزمة الحالية وأقساها على الاطلاق، لما تمثله البطالة من تهديد للاستقرار الاقتصادي والمالي لهذه الدول. ميل معدلات البطالة نحو الارتفاع في اوروبا في الاشهر الاخيرة يعني أن الاقتصاد الأوروبي قد بدأ يستجيب لموجات التقشف المالي الذي طبقته معظم دول اوروبا في اعقاب أزمة ديون اليونان، للسيطرة على عجز الميزانية ومن ثم الدين العام. كما سبق وأن أشرت في أكثر من موضع، أن ظروف الأزمة لا تعد التوقيت المناسب للتقتير على الاقتصاد، فسياسات التقشف لن تؤدي الا الى المزيد من الضغوط على سوق العمل ومعدلات النمو الاقتصادي. الأزمة الحالية تتطلب المزيد من الانفاق لتأمين عملية الخروج السريع منها، ومن ثم فإن هذا الاتجاه لا بد وان يتغير، وأن تبدأ الدول الأوروبية في بذل المزيد من الجهد نحو تحريك مستويات الانفاق العام لديها لتحفيز الطلب الكلي ومن ثم تخفيف الضغوط على أسواق العمل في ضوء الظروف القاسية التي يعاني منها الاقتصاد الأوروبي حاليا.
اتجاه الدول الاوروبية نحو التقشف يعقد إذن من المشكلة التي يواجهها الاقتصاد الأوروبي، ولا يقدم حلا لها، وعندما نقارن بين مخاطر استمرار ارتفاع العجز ومخاطر استمرار ضعف النمو، فإن استمرار ضعف النمو لا بد وأن يحتل أولوية أعلى، ويتطلب اهتماما أكبر من صانع السياسة الأوروبي، نعم أعلم أن هذا الاتجاه له مخاطره، خصوصا إذا ما راجعنا ردة فعل الاسواق لأي ارتفاع في المخاطر التي قد تواجه الدين العام، لكن استمرار الاتجاهات الحالية للنمو قد توقع الاقتصاد الأوروبي في مصيدة الانكماش، وهي ما قد يرفع فاتورة الخروج منه بصورة اكبر في المستقبل. المطلوب الآن من أوروبا الموحدة، بقيادة ألمانيا تبني سياسة جماعية لتحفيز الطلب الكلي على مستوى الاتحاد الاوروبي، على الأقل للتخفيف من فوارق سرعات النمو فيه، وهو مقترح يبدو أنه لا يلق استحسانا في ألمانيا، زعيمة الاتحاد الأوروبي.
بقي أن أشير إلى أنه كان من المفترض في ظل هذه التقارير أن يكون اليورو عند أدنى مستوياته في اسواق النقد الاجنبي الآن، ولكن ضعف الدولار نتيجة السياسات التي سيطبقها الاحتياطي الفدرالي للتيسير الكمي (زيادة الكميات المصدرة من الدولار)، قد أسهمت بصورة أساسية في الحفاظ على استمرار اليورو مرتفعا في مقابل الدولار، وهو كل ما تتمناه الولايات المتحدة أن يستمر حاليا، حتى تخفف من الضغوط على ميزان مدفوعاتها مع اوروبا، وبالطبع مع باقي دول العالم، بصفة خاصة الصين، فالدولار الضعيف سياسة شبه معلنة للاحتياطي الفدرالي الامريكي الآن.
بقي أن أشير إلى أنه كان من المفترض في ظل هذه التقارير أن يكون اليورو عند أدنى مستوياته في اسواق النقد الاجنبي الآن، ولكن ضعف الدولار نتيجة السياسات التي سيطبقها الاحتياطي الفدرالي للتيسير الكمي (زيادة الكميات المصدرة من الدولار)، قد أسهمت بصورة أساسية في الحفاظ على استمرار اليورو مرتفعا في مقابل الدولار، وهو كل ما تتمناه الولايات المتحدة أن يستمر حاليا، حتى تخفف من الضغوط على ميزان مدفوعاتها مع اوروبا، وبالطبع مع باقي دول العالم، بصفة خاصة الصين، فالدولار الضعيف سياسة شبه معلنة للاحتياطي الفدرالي الامريكي الآن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق