منذ ان اندلعت الأزمة المالية العالمية أصبح مصطلح "الفقاعة السعرية Price Bubble" من أشهر المصطلحات المستخدمة حاليا. فقد نشأت الأزمة نتيجة لفقاعة اسعار المساكن، حيث كان الجميع يراهن على استمرار أسعار المساكن في الارتفاع، بما فيهم المؤسسات المالية المقرضة، والتي كانت تسعى نحو جذب أكبر عدد من المقترضين، وغض الطرف عن درجة استيفائهم للشروط اللازمة لمنح الائتمان، بصفة خاصة ما اذا كان لدى المقترض دخل ثابت يمكنه من اعادة سداد القرض الذي اقترضه، أو لديه تاريخ ائتماني مناسب يمكن الوثوق به، أو غير ذلك من الشروط، لذلك نشأ سوق للائتمان العقاري من الدرجة الثانية Subprime housing credit، أي السوق الذي يتم فيه منح مقترضين ائتمانا لا يستحقوه، أو ليسوا مهيئين له لانهم تتوافر فيهم شروط منح ائتمان من الدرجة الأولى Prime housing credit، السبب الاساسي في قيام هذا السوق هو الفقاعة السعرية لأسعار المساكن.
فقد كانت البنوك ومؤسسات الائتمان العقاري تغض الطرف عن شروط الائتمان الخاصة بالمقترضين استنادا الى الفقاعة السعرية التي يعيشها قطاع العقار، حيث كان يتوقع دائما ان أي عقار سوف يرتفع بمعدل 10-20% سنويا، بما يوفر رهنا مناسبا لمؤسسات الائتمان ضد احتمالات توقف المقترض عن السداد. غير انه مع انعكاس اتجاه التوقعات انفجرت الفقاعة، وتوقفت اسعار المساكن عن الارتفاع، وتعثر بالتالي المقترضين عن خدمة ديونهم، لأنهم لم يكونوا مهيئين اصلا للاقتراض، وحدثت الكارثة. من هذه المقدمة يمكن ان نقدم عدة تعاريف مختلف للفقاعة السعرية.
التعريف الأول: هو ان الفقاعة السعرية تشير الى الوضع الذي يتوقع عنده يتوقع الافراد ميل اسعار أصل ما نحو الانخفاض. على سبيل المثال عندما تسود توقعات بين الافراد بأن أسعار الاراضي سوف تميل نحو الانخفاض، فإن ذلك يشير الى أن هذا الاصل يعيش بالفعل حالة فقاعة سعرية. ومن الواضح ان هذا التعريف للفقاعة السعرية يتناولها عند نهايتها، أي انه يستند الى المرحلة الأخيرة من عمر الفقاعة التي تصل فيها درجة انتفاخها الى مستويات حرجة يتبعها الانفجار لأي سبب من الاسباب.
التعريف الثاني: هو أن اصل ما يعيش حالة فقاعة سعرية اذا سادت توقعات غير معقولة حول استمرارية ارتفاع اسعار هذا الاصل في المستقبل، ومن ثم يأخذ سعر الاصل في الارتفاع يوما بعد الآخر لأن الافراد يتوقعون ارتفاع اسعاره، مثل فقاعة اسعار الذهب التي نعيشها حاليا، فجميع المضاربين على الاصل يتوقعون ميل اسعار الذهب نحو الارتفاع المستمر، وهو ما يؤدي الى استمرار اسعار الذهب في الارتفاع، لهذا السبب. بالطبع التوقعات بارتفاع اسعار الذهب تستند الى بعض العوامل، ومع استمرار هذه العوامل تستمر التوقعات بارتفاع الاسعار ومن ثم تصب جميع قرارات المستثمرين في المزيد من الطلب على الاصل ومن ثم تنتفخ الفقاعة أكثر وأكثر. الذهب يرتفع لأن صافي العوائد المحققة من ارتفاع اسعاره يتجاوز حاليا تكلفة الفرصة البديلة للأموال المستخدمة في المضاربة عليه، وتكلفة الفرصة البديلة للأموال هي معدلات الفائدة، ومعدلات الفائدة حاليا تقترب من الصفر، مما يعني أن تكلفة الفرصة البديلة للأموال المستخدمة في المضاربة على أسعار الذهب تساوي صفرا، ولهذا السبب يزداد الطلب على الذهب وتتشكل نتيجة لذلك فقاعة أسعاره، هذا بالطبع ضمن عوامل اخرى ذكرناه كثيرا في السابق، حتى تظهر على السطح عوامل تعكس اتجاه التوقعات السعرية للذهب فتنفجر الفقاعة. ومن الواضح ان هذا التعريف للفقاعة يتناولها في مراحل تكونها.
التعريف الثالث هو ان هذه الفقاعات السعرية للأصول تنشأ عندما تبدأ معدلات النمو في سعر الاصل في التزايد بما يتجاوز معدلات العائد التي يمكن تحقيقها من الاحتفاظ بهذا الاصل على نحو غير معقول، وهو ما يشير الى أن الاصل يعيش بالفعل حالة فقاعة سعرية. على سبيل المثال سعر سهم شركة ياهو في اثناء فقاعة التكنولوجيا في أواخر التسعينيات، فبالرغم من أن السهم كان يوزع ارباحا لا تتجاوز عدة سنتات، كان سعر السهم في السوق يصل الى عدة مئات من الدولارات، هذا الانفصال الشديد بين سعر الاصل ومعدلات العائد المحققة عليه يشير الى ان الاصل يعيش حالة فقاعة سعرية على وشك الانفجار، وهو ما حدث في عام 2000.
والآن ما هي الفقاعة السعرية، الاجابة هي أنها جميع هذه الحالات التي سبق ان ذكرناها، فإذا لاحظنا أن أصل من الأصول تنطبق عليه أي من هذه التعريفات فإن ذلك يعني أن هذا الاصل في طور تكوين، أو يعيش فعلا حالة فقاعة سعرية، أو أن الفقاعة السعرية للأصل على وشك الانفجار. لاحظ أن دور التوقعات يعد محوريا في تكون الفقاعات السعرية وانفجارها، حيث تستند الارتفاعات الحالية في سعر الاصل على التوقعات المستقبلية لمعدلات العائد التي يمكن تحقيقها منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق