نشر في صحيفة القبس بتاريخ الخميس 20/1/2011
أصدر حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير البلاد حفظه الله توجيهاته بصرف مبلغ ألف دينار كويتي (حوالي 3550 دولارا بمعدل صرف اليوم)، بمناسبة العيد الذهبي لاستقلال دولة الكويت، والعشريني لتحريرها، والخامس لتولي سموه مقاليد الحكم في البلاد، وقد طالعتنا الصحف أنه بالإضافة إلى المكرمة الأميرية سوف تصرف المواد التموينية مجانا لمدة سنة تقريبا. وأخذا في الاعتبار التوقعات المعقولة لأعداد السكان من المواطنين الذين من حقهم صرف المكرمة في 1/2/2011، فإن تكلفة المكرمة الأميرية سوف تصل إلى حوالي 5000 مليون دولارا.
تقديراتي لتكلفة المكرمة الأميرية تقوم على الفروض الآتية: بما أن عدد السكان في 30/6/2011 وفقا للهيئة العامة للمعلومات المدنية هو 1133 ألف نسمة، وأن عدد المواليد المتوقع من 30/6/2010 حتى 1/2/2011 هو حوالي 17 ألفا، وعدد الوفيات المتوقع خلال الفترة من 30/6/2010 حتى 1/2/2011 هو 1500 نسمة تقريبا، فإنه بهذا الشكل يكون صافي عدد السكان المتوقع في 1/2/2011 هو 1148.5 ألف نسمة، ومن ثم تكون التكلفة النقدية المباشرة للمكرمة هي 1.149 مليار دينارا تقريبا.
من ناحية أخرى أشارت صحيفة الوطن ان التكلفة التقديرية لقيمة المواد التموينية التي ستصرف مجانا والتي تقدر وفقا لصحيفة الوطن بحوالي 230 مليون دينارا، بأسعار اليوم، والتي ستعد وفرا في الإنفاق بالنسبة للمواطنين، وأخذا في الاعتبار التوقعات التضخمية المستقبلية في الأسعار العالمية للغذاء والتي لن تقل عن 10%، فإن تكلفة المواد التموينية سوف تصل إلى حوالي 250 مليون دينارا. بهذا الشكل يبلغ إجمالي تكلفة المكرمة حوالي 1.399 مليار دينارا، والتي تعادل 5000 مليون دولارا تقريبا بمعدل صرف الدولار اليوم.
لا شك أن دوافع صرف المكرمة متعددة، خصوصا وأن هذا اليوم هو العيد الذهبي للاستقلال، والاستقلال ذكرى عزيزة جدا على الشعوب، يجب أن تفرح فيها وبها. هدفي من هذه الرسالة هو تقييم الآثار المتوقع ان تترتب على المكرمة بصورة علمية وبدون مبالغة. تصوراتي هي الآتي:
أولا: إن المداخل النظرية لعلاقة الاستهلاك بالدخل غالبا ما تربط الاستهلاك بالدخل الدائم Permanent income (القيمة الحالية للدخول المتوقع ان يحصل عليها الشخص من مصادر الدخول المختلفة طوال حياته)، وبما أن المكرمة الأميرية ليست من مصادر الدخل المتوقعة، وإنما تدخل في إطار ما يطلق عليه علماء الاقتصاد الدخل العرضي أو الطارئ Transitory income، فإنه من المفترض وفقا للتحليل الاقتصادي الكلي، أن هذا الدخل الطارئ لا يوجه نحو الاستهلاك (لأن الاستهلاك يعتمد على الدخل الدائم وليس الطارئ)، وبالتالي يفترض ان يوجه إما إلى زيادة مستويات الادخار للمواطنين، أو استخدامه في سداد ما عليهم من التزامات مالية. غير ان استطلاع آراء الزملاء والأصدقاء ورسائل المدونات التي وصلتني والحوارات المختلفة حول خطط التصرف في المكرمة على الفيس بوك تشير إلى أن الواقع العملي لا يسير على هذا النحو المفترض نظريا، فمن الواضح أن اتجاهات التصرف في المكرمة، بعضها يسير مع مدخل الدخل الدائم في نظرية الاستهلاك، أي ان البعض سوف يدخر هذه المكرمة، والبعض الآخر قد اعد بالفعل قائمة مشترياته بقيمة المكرمة.
ثانيا: يتوقع مع المكرمة أن ترتفع مستويات الإنفاق الاستهلاكي، سواء على السلع الاستهلاكية المعمرة، أو غير المعمرة. أغلب الظن أن مبيعات سلع مثل السيارات والمجوهرات والساعات والأجهزة الالكترونية والهواتف النقالة وسلع الاستهلاك الشخصي كالملابس والأحذية والحقائب، ... الخ سوف تشهد زيادة في الشهرين القادمين، من ناحية أخرى من المتوقع ان تتزايد حالات السفر إلى الخارج، وفي جميع الأحوال يتوقع ان يتزايد مقدار التسرب من الإنفاق Leakage نظرا لارتفاع درجة انفتاح الاقتصاد على العالم الخارجي واعتماده بصورة أساسية على الواردات.
ثالثا في مقال له بعنوان المنحة الأميرية والتضخم، أشار زميلي د. رياض الفرس بأن تقديراته لقيمة المنحة (والتي قدرها بحوالي 1130 مليون دينارا، وذلك وفقا لبيانات الهيئة العامة للمعلومات المدنية لأعداد المواطنين في 30/6 الماضي) والتي تقل كثيرا عن الرقم المعلن في صحيفة الوطن اليوم والذي قدر بحوالي 1360 مليون دينارا أخذا في الاعتبار تكلفة السلع التموينية، سوف تمثل 9.7% من إجمالي الاستهلاك الخاص (وفقا لبيانات 2009)، وهذه النسبة المرتفعة لتكلفة المكرمة لا شك تثير التساؤلات حول الأثر المتوقع للمنحة على الإنفاق الخاص، ومن ثم المستوى العام للأسعار. لكن في وجهة نظري، أن هناك مبالغة في الأثر المتوقع للمكرمة على التضخم، فمن المعلوم ان معظم السلع التي نستهلكها في الكويت تأتينا من الخارج، وأسعار هذه السلع لا تعتمد على مستويات إنفاقنا هنا، بقدر ما تعتمد على تطورات تكلفة إنتاج هذه السلع في الدول المنتجة لها، وتطورات معدل صرف الدينار الكويتي، وهذا الأخير يشهد استقرارا واضحا منذ فك الربط مع الدولار. إذن لا أعتقد أنه سوف يكون هناك اثر متوقع من جانب التضخم المستورد. بالنسبة للتضخم المصنوع محليا، من المؤكد انه سوف تكون هناك ضغوطا تضخمية نتيجة المكرمة، فمما لا شك ان المكرمة سوف تزيد من القوة الشرائية للأفراد، وترفع من مستويات الإنفاق، وهو ما قد يؤدي إلى ضغوط تضخمية في القطاع المحلي، بصفة خاصة الخدمات، ولكن بشكل عام سوف يكون وزن هذا الأثر محدودا في الرقم القياسي العام للأسعار.
رابعا: المكرمة لا شك تحمل أخبارا سارة للأفراد، لأنها بالطبع تشكل زيادة طارئة في دخولهم، وترفع من مستويات رفاهيتهم في الأجل القصير. كذلك تحمل أخبارا سارة لقطاع الأعمال الخاص، فلا شك ان كافة الشركات الكويتية العاملة في مجال التجارة والخدمات، سوف تشهد نموا كبيرا في الإنفاق عليها خلال النصف الأول من هذا العام، وهو ما سوف يرفع من رقم أعمال هذه الشركات وأرباحها ومن ثم أسعار أسهمها في البورصة، باختصار أتوقع ان يشهد القطاع غير النفطي معدلات مرتفعة من الإنفاق خلال النصف سنة القادم.
وأخيرا لدي أربع نصائح:
نصيحتي الأولى موجهة للذين يشتكون من أنهم يرزحون تحت وطئ الديون الشخصية وفوائدها والذين يدعون أنها تقصم ظهورهم، ويطالبون بأن تتحمل الدولة عنهم هذه الديون، أو تكاليف فوائد هذه الديون من المال العام، أو من حقوق الأجيال القادمة في الكويت، ها قد جاءكم الفرج، فليحرص كل مدين على استخدام مبلغ المكرمة بالكامل في التخفيف من أعباء ديونه أو فوائدها، خصوصا وأننا نتحدث عن مبلغ ليس بالهين على مستوى الأسرة. فبفرض ان متوسط عدد الأبناء في الأسرة الواحدة هو 5، فإن نصيب الأسرة الواحدة من المكرمة في المتوسط سوف يصل إلى حوالي 7000 دينارا (أي ما يعادل 25000 دولاار)، من المؤكد أنها يمكن أن تساعد عل خفض رصيد الديون الشخصية وفوائدها بصورة كبيرة، بحيث يطوى هذا الملف بصفة خاصة بالنسبة لصغار المقترضين.
نصيحتي الثانية للآباء، ولي الأمر حفظه الله، عندما أعلن عن منح المكرمة لم يمنحها لكل أسرة كويتية، وإنما لكل فرد كويتي، ومن ثم فإن كل فرد يحمل الجنسية الكويتية من حقه ان يستقل بهذه المكرمة لنفسه، لست مفتيا حتى أفتي بحرمة استئثار الآباء بالمكرمة المخصصة لأبنائهم، ولكني أعتقد أن المكرمة من حق الأولاد، والواجب علينا أن ندخرها لهم حتى يكبروا ويرشدوا، ويكون لديهم القدرة على التصرف السليم فيها، فنردها لهم. بهذا الشكل نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد، الأول إننا حفظنا حقوق أبناءنا، والثاني أننا أبعدنا المبالغ المخصصة من المكرمة عن الاستهلاك الترفي الضار إلى الادخار الذي هو مفيد للفرد و للمجتمع.
نصيحتي الثالثة لباقي سكان الكويت، لا شك أن ولي الأمر عندما قرر منح المكرمة لم يكن يقصد ان ننثرها هكذا هباء على سلع الاستهلاك التفاخري أو السفر بها إلى الخارج.. الخ، لا شك عندي ان مثل هذه التصرفات هي أيضا تصرفات ترفع من مستويات الرفاهية، على الأقل مؤقتا، ولكن علينا ان نكون أكثر رشدا في التعامل مع هذا الدخل العرضي، وان ندخره أو نستثمره، بما يعود علينا وعلى الوطن بالنفع.
نصيحتي الرابعة هي لوزارة الإعلام ولوسائل الإعلام، الآن جاء دوركم في تكثيف حملاتكم الإعلامية، ونشر اكبر عدد ممكن من الموضوعات لتوعية وتوجيه المواطنين حول أفضل السبل للتعامل مع المكرمة، وكيفية استثمارها في مستقبل الأسرة، وبما ينفع البلد بشكل عام، ولا يضر باقتصادها، واستضافة المتخصصين لطرح أفضل السبل الممكنة لاستثمار هذه الأموال وطبيعة المشروعات التي يمكن ان توجه إليها هذه الأموال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق