نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الثلاثاء 18/1/2011.
تعد الكهرباء أحد الضرورات الحيوية للدول في عصرنا الحاضر، وهي أهم مصادر الطاقة في حياتنا على الإطلاق، ولذلك تعد أحد مؤشرات النمو الاقتصادي. ويتزايد الطلب على الكهرباء لأسباب عديدة أهمها التوسع الحضري، ونمو أعداد السكان، وارتفاع مستويات الدخول، وارتفاع مستويات الرفاه، التنمية الصناعية..إلخ. وبما أن الدول العربية تعد من أكثر مناطق العالم نموا من حيث أعداد السكان، ونظرا للتواضع النسبي في مستويات الاستهلاك من الطاقة الكهربائية في كثير من الدول العربية حاليا، فإنه من المتوقع أن يشهد المستقبل طلبا هائلا على إمدادات التيار الكهربائي في هذه الدول، وبحيث تواجه معه الدول العربية اختناقات في إمدادات التيار الكهربائي خصوصا في أوقات ذروة الاستهلاك.
تحرص الدول المتقدمة على ضمان ارتفاع مستويات الاعتمادية للإمدادات بالكهرباء وضمان استقرار التيار الكهربائي، ونظرا لأن كافة الدول مهما بلغ مستوى تقدمها، ومهما حرصت على أن توفر طاقة توليد احتياطية في محطات التوليد لديها، لا يمكنها أن تضمن حدوث أي انقطاع طارئ للتيار لأي سبب من الأسباب، فإنها تحرص على ربط شبكة إمدادات الكهرباء لديها بشبكات التوزيع الخاصة بالدول الأخرى، بحيث يمكن تبادل فوائض عمليات التوليد بينها وبين الدول الأخرى. على سبيل المثال فإن شبكات الإمداد الكهربائي في أوروبا مربوطة بالكامل ببعضها البعض، كذلك فإن شبكة الإمداد في الولايات المتحدة مربوطة بشبكة كندا، وهكذا.
لقد خرجت الدورة الأولى للقمة العربية الاقتصادية التي عقدت في الكويت منذ سنتين بمجموعة من التوصيات تركزت بصفة أساسية على دفع جهود التكامل الاقتصادي بين الدول العربية ودعم المشروعات الصغيرة. الدورة الثانية لهذه القمة والتي ستعقد في شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية في الفترة من 15 إلى 19 (يناير) الحالي، سوف تتناول التطبيق العملي لتوصيات قمة الكويت لتعميق التكامل الاقتصادي العربي ومن بينها مشروع الربط الكهربائي بين الدول العربية، حيث سيكون هذا المشروع على رأس أعمال القمة.
لحسن الحظ أن وطننا العربي يملك طاقات هائلة لتوليد الكهرباء باعتبار أن لديه أكبر مخزون من الاحتياطيات من مصادر توليد الطاقة في العالم، سواء أكان ذلك بالنسبة للنفط أو الغاز. غير أن توزيع هذه الاحتياطيات ليس متماثلا بين الدول العربية، ففي الوقت الذي يتوافر فيه النفط بكثرة في منطقة الخليج والعراق وبعض دول شمال إفريقيا مثل ليبيا والجزائر، فإن هناك دولا ليس لديها نفط على الإطلاق تقريبا، كذلك فإن هناك مكامن هائلة للغاز في قطر ومصر والجزائر، بينما تقل هذه الاحتياطيات في دول أخرى في المنطقة.
من ناحية أخرى فإن الاختلاف الكبير في طبيعة الطقس بين الدول العربية يؤدي إلى وجود فوارق متزامنة في التوقيت فيما بينها من حيث ذروة الاستهلاك الكهربائي. فبينما قد تكون ذروة الاستهلاك الكهربائي في بعض الدول في فصل الصيف، فإن ذروة الاستهلاك الكهربائي في دول أخرى تكون في الشتاء، وبينما قد تكون ذروة الاستهلاك الكهربائي في بعض الدول نهارا حيث تشتد الحرارة، مثل الكويت، فإن ذروة الاستهلاك الكهربائي في دول أخرى تكون ليلا، مثلما هو الحال في مصر.
ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ ظاهرة منتشرة في الدول العربية، حتى بالنسبة للدول التي لديها طاقات كبيرة للإنتاج، وتتسبب في مشكلات عديدة للسكان ولقطاع الأعمال على السواء، وتحتاج الدول العربية إلى ضمان توافر إمدادات الطاقة الكهربائية على نحو يضمن استقرار هذه الإمدادات وبالجهد الكهربائي المناسب، وغالبا ما يتم تصميم تسهيلات توليد الكهرباء على أساس استهلاك الذروة إضافة إلى طاقة توليد احتياطية لمواجهة الطوارئ، وهو ما يعني احتمال وجود فوائض كبيرة في الطاقة الكهربائية المولدة في بعض الدول العربية، بينما تعاني بعض الدول الأخرى عجزا في تلك الإمدادات. من هنا تبدو أهمية مشروعات الربط الكهربائي بين الدول العربية، حيث سيمكن الربط تسهيلات توليد الكهرباء في هذه الدول من العمل بطاقتها القصوى وبشكل مستمر، والاستفادة من فوائض الإنتاج، من خلال تبادل فوائض الطاقة الكهربائية عبر اليوم، أو عبر الفصول بين الدول العربية التي تختلف أوقات وفصول الذروة فيما بينها، أي تصدير هذه الفوائض بأسعارها السوقية إلى الدول الأخرى التي لديها نقص في هذه الإمدادات.
تؤدي الفروق الواضحة في مصادر الوقود بين الدول العربية إلى وجود اختلافات في قدراتها الكامنة على توليد الكهرباء، وبالتالي وجود فروق نسبية بين تكلفة توليد وحدة الطاقة الكهربائية في الدول العربية، بحيث تكون مرتفعة في بعض الدول، ومنخفضة في دول أخرى. هذه الفروق في المزايا النسبية لتوليد الكهرباء بين الدول العربية تقدم أساسا مهما للربط الكهربائي فيما بينها، بما يسمح للدول صاحبة الوفرة في مصادر الوقود، باستغلال هذه المصادر على نحو أمثل، بدلا من تصدير هذا الوقود في صورته الخام، بحيث تتمكن الدول التي لديها وفرة في الوقود من الاستثمار في تسهيلات الإنتاج الضخمة، لتستخدم من إنتاجها ما تشاء، وما يفيض عنها يتم تحويله إلى الشبكة العامة للربط الكهربائي بين الدول العربية.
بهذا الشكل سوف يقدم الربط الكهربائي بين الدول العربية العديد من المزايا أهمها أنه:
1. سوف يخفض من تكلفة توليد وحدة الطاقة الكهربائية، حيث سيتم توليد الكهرباء حيث تتوافر عناصر إنتاجها بتكلفة منخفضة، وهو ما يمكن من التخطيط لبناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية على نطاق واسع للاستفادة من اقتصاديات الحجم والوصول بتكلفة توليد وحدة الطاقة الكهربائية إلى أدنى تكلفة متوسطة ممكنة.
2. سوف يمكن أي دولة من الدول التي لديها تسهيلات إنتاجية لتوليد كهرباء تزيد على احتياجاتها من التخلص من هذا الفائض بسعر مجز، بدلا من هدره في الشبكات، أو عدم استخدام التسهيلات الإنتاجية للتوليد على النحو الأمثل.
3. سوف يقلل من الاتجاه الحالي عند تصميم تسهيلات الإنتاج بإضافة تسهيلات احتياطية أضافية مرتفعة لمواجهة الطوارئ، مما يؤدي إلى وجود فوائض واسعة في الطاقة الإنتاجية في أوقات انخفاض حجم الاستهلاك، الأمر الذي يعد هدرا في عمليات الاستثمار وسوء استغلال للموارد، بصفة خاصة إذا لم يتم استخدام طاقة التوليد الاحتياطية هذه.
4. يساعد على تخفيض حجم الاستثمارات الرأسمالية اللازمة لتلبية الطلب على الطاقة الكهربائية في الدول العربية، وبالشكل الذي لا يؤثر في درجة اعتمادية الإمدادات من الطاقة الكهربائية في الشبكات المربوطة، فضلا عن إمكانية تأجيل مشروعات إنشاء محطات التوليد الجديدة، بما تتكلفه من مئات الملايين من الدولارات والاعتماد على فوائض الإنتاج في الدول العربية الأخرى.
5. سوف يمكن الدول التي ليس لديها تسهيلات إنتاجية كافية لتوليد الكهرباء وتقل عن احتياجاتها الفعلية، من سد هذا النقص في الإمدادات وضمان استقرار عمليات المد بالتيار الكهربائي من خلال استخدام فوائض الإنتاج المتحققة لدى الدول العربية الأخرى.
6. سوف يساعد على مد خدمة توصيل التيار الكهربائي إلى كافة بقاع الوطن العربي، بصفة خاصة إلى المناطق المحرومة من إمدادات التيار الكهربائي.
7. سوف يساعد على مواجهة أي نقص طارئ في إمدادات الكهرباء في الدول العربية ورفع درجة تأمين الإمدادات دون الخوف من أي اضطرابات في عمليات الإمداد.
8. سوف يساعد على تقوية أواصر التعاون الاقتصادي العربي، وتعميق الصلة بين الدول العربية بعضها البعض من خلال تزايد اعتمادها المتبادل في هذا المجال، وتقوية مصالحها المشتركة.
وتنبغي الإشارة إلى أنه توجد حاليا عدة مشروعات للربط الكهربائي في المنطقة العربية، أهمها مشروع الربط الثماني والذي يتضمن ربط شبكات الكهرباء في كل من مصر والعراق والأردن ولبنان وليبيا وفلسطين وسورية وتركيا، وهناك أيضا ربط محدود بين شبكات كل من ليبيا وتونس والجزائر والمغرب، كذلك هناك ربط كهربائي بين شبكتي مصر والمملكة العربية السعودية، والذي يتضمن النقل من خلال كيبل بحري في إحدى مراحله، كما أن هناك مشروعا ضخما للربط الكهربائي بين دول مجلس التعاون الخليجي، يتم تنفيذه على ثلاث مراحل بحيث يربط بين الدول الست في النهاية.
لا شك أن مثل هذه المشروعات الإقليمية تتطلب تعاونا عربيا مشتركا لتوسيع نطاق الربط بين هذه الشبكات جميعا، وذلك للاستفادة من المزايا التي يتيحها الربط الكهربائي، وهو ما ستحاول القمة الاقتصادية القادمة في شرم الشيخ أن تعمل عليه. كل التمنيات بنجاح القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق