الأخبار الجيدة عن بدء عملية الخروج من الأزمة للاقتصاد الأمريكي تتزايد على نحول أفضل وأفضل. فالعجز التجاري الأمريكي ينخفض بفعل انخفاض قيمة الدولار، ومن ثم تحسن مستويات الصادرات، ومبيعات التجزئة تتزايد على نحو يتجاوز التوقعات، بينما ينمو الإنتاج الصناعي بصورة مستمرة، كما ينمو قطاع الخدمات بمعدلات نمو متزايدة، فيما تتزايد ثقة المستهلكين بشكل واضح. كذلك استعاد مؤشر داو جونز الصناعي كافة خسائره التي حدثت بعد أغسطس 2008. من ناحية أخرى فإن استمرار العمل بالإعفاءات الضريبية التي اقرها الرئيس السابق جورج بوش جعلت المراقبين يعيدون حساباتهم حول مستويات النمو المتوقع في 2011 إلى أعلى، ربما يصبح معدل النمو المتوقع إلى حوالي 4% سنويا. مبيعات التجزئة في شهر ديسمبر كانت مفاجأة، وكنت قد ذكرت في أكثر من موضع أنني أتوقع ان يكون النمو في الربع الرابع من 2010 مرتفعا، مستفيدا من الإنفاق الاستهلاكي غير العادي الذي دائما ما يحدث في فترة الأعياد. مبيعات التجزئة في ديسمبر جعلت المراقبين مرة أخرى يعيدون توقعاتهم حول معدلات النمو في الربع الرابع. من المؤكد عندما يتم الإعلان عن التقديرات الأولية لمعدلات النمو للربع الرابع في أواخر هذا الشهر سوف أقوم بتحليل هذه النتائج ان أحيانا الله سبحانه وتعالى.
أهم البقع السوداء في هذه الصورة للاقتصاد الأمريكي هي سوق العمل، فمعدل البطالة مازال مرتفعا عند 9.8%. أكثر من 6 مليون عامل أمريكي في حالة بطالة طويلة الأجل، أي أنهم قضوا أكثر من 6 اشهر في حالة بطالة، ومع نهاية 2010 سوف يكون هناك حوالي 2 مليون عاطل قد استنفذوا الحد الأقصى لإعانة البطالة، ومن ثم سوف تنقطع بهم سبل المعيشة، ما لم يمدد الكونجرس بشكل استثنائي إعانة البطالة لهؤلاء. من الأخبار السيئة الأخرى تراجع أسعار المساكن مرة أخرى، فهناك حوالي 11 مليون صاحب مسكن تزيد قروضهم العقارية على قيمة مساكنهم، كما ان الكثير من المستهلكين ما زالت مديونيتهم ثقيلة بالنسبة لدخولهم، وهو ما يحد من نمو عمليات الإنفاق الشخصي. ولكن هذه أمور مرتبطة بالأزمة، وليست أخبارا جديدة.
وكان الاقتصاد الأمريكي قد تعرض في النصف الثاني من العام الماضي لموجات من الإشارات التي توحي بتراجع معدلات النمو، وبدأ الحديث عن أن التراجع المزدوج هو مجرد مسألة وقت لا أكثر ولا أقل. غير أنه لحسن الحظ، كانت استجابة صانع السياسة لهذه الأمريكي لهذه الإشارات مناسبة، حيث قام الاحتياط الفدرالي ببدء دورة جديدة من التيسير الكمي، ونثر الدولار من هيلكوبتر، بينما قام المشرعون في المجال المالي باتخاذ اللازم للتأكد من ان السياسة المالية لا تسير على نحو تقييدي للاقتصاد، ومن ثم أخذت التوقعات المستقبلة في التحسن على نحو كبير، وأن اتجاه التراجع الذي بدأ في النصف الثاني من العام قد أخذ في التحول، وان كانت عملية استعاد النشاط ما زالت تسير على نحو بطيء، على الرغم من كافة هذه الإشارات الايجابية.
على الجانب الآخر من الأطلنطي الأمور لا تبدو على ما يرام، والمخاطر المحيطة بالاتحاد الأوروبي مثيرة للقلق، مما يعني ان تحسن الأوضاع في الاقتصاد الأمريكي ليس ضمانا لاستمرار تحسن الأوضاع على المستوى العالمي، فمما لاشك فيه ان انفجار الدين السيادي لأوروبا، لا قدر الله، سوف يعيدنا مرة أخرى إلى المربع رقم واحد، الله يستر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق