الاثنين، مايو ٠٢، ٢٠١١

هل هي نهاية تنظيم القاعدة

تطلع علينا لسوء الحظ من وقت لآخر في ديار الاسلام جماعات تعلن أنها المسئولة عن هذا الدين، وأن رؤيتها للإسلام هي الرؤية الوحيدة الصحيحة له، وأن من يعارض هذه الرؤية مشكوك في اسلامهم، أو ربما خرجوا من الملة. بطبيعة الحال كل جماعة يكون لها مفتى يأتينا بالفتاوى التي تساير خط الجماعة، ويبحث في أعماق التراث عن سطور أو ربما عبارات يبني عليها ويؤسس ويسطر، وأيضا لكل جماعة منظر يكتب الكتب التي تساير خط الجماعة وتؤسس لمنهجها وتكون بمثابة النبراس الذي يهتدي به كل من ينتمي الى الجماعة، وربما تحفظ هذه الكتب عن ظهر قلب بين من ينتمون الى الجماعة.




خطورة بعض الجماعات انها تختطف الدين وتحاول أن تبرز للعالم الرؤية الوحيدة التي تراها عن الاسلام، وكلما علا صوت هذه الجماعة أو تلك، كلما انتشرت الصورة عن الاسلام بين الناس في العالم بأنه هو هؤلاء أو ما يدعون اليه. الدين الاسلامي ايضا ابتلي ببعض من ينتمون اليه والذين يحرصون على تقديم عاداتهم وتقاليدهم وعرفهم على أنها هي الدين الاسلامي، فكان من نتيجة ذلك أن انتشرت في كثير من دول العالم صورة مشوهة عن هذا الدين، مع أنه في صورته الخالصة النقية هو أعظم الاديان التي انزلها الله سبحانه وتعالي وأكثرها اتساعا وشمولا وعمقا، وليس كالصورة التي يحرص بعض من ينتمون اليه على تقديمه بها للغير.




أذكر عندما كنت طالبا أن ظهرت في مصر جماعة تدعى "التكفير والهجرة"، والتي جوهر ما تؤمن به هو تكفير المجتمع وهجرة هذا المجتمع وعدم الانخراط فيه، وأخذت أذهل من هول ما أشاهده لبعض الأحداث التي اذكرها جيدا، فهذا صديقي المتفوق في دراسته والذي يمثل مشروع عالم ناجح في المستقبل، يترك دراسته لأنه يتعلم على يد كافر، ويذهب بدلا من أن يتعلم الجبر والحساب والهندسة وعلوم اللغة ليتعلم حرفة اصلاح "مواقد الكيروسين"، مع أنه بمستواه العلمي يصلح لأن يكون مهندس سفن فضاء، وهذا زميلي الذي كان يدرس في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، قرر ترك الدراسة في وسط هذا المجتمع الكافر لكي يبيع دواجن وغير ذلك من الصور كثير. ترى ماذا كان يمكن أن يحدث اذا استمر أمثال هؤلاء بخلفيتهم الدينية وقدراتهم العلمية الكبيرة، من المؤكد أنهم كانوا سيكونون أكثر تأثيرا في مجتمعهم وأيضا في خدمة دينهم، مقارنة بما آلت اليه اوضاعهم حاليا. مرت الأيام واكتشف المنتمون الى الجماعة أنهم كانوا على خطأ وأن منظرهم "شكري مصطفى" قدم لهم السم الزعاف في لفافة الدين، حتى بلغ بهم الحماس أن ارتكبوا جريمة قتل، وقتل من، إنه الشيخ الذهبي، وهو عالم دين فاضل رحمه الله. ثم جاء بعد جماعة التكفير والهجرة جماعة الجهاد الذين رفعوا شعار الجهاد المسلح ضد الجميع، ثم اكتشفوا لاحقا أنهم كانوا على خطأ ولكن بعد فوات الأوان وبالطبع فقدان ارواح أبرياء سوف يقتصوا منهم أمام الله سبحانه وتعالى.




أسامة بن لادن شخص ينتمي الى أسرة من أغنى الاسر السعودية، ومع ذلك قرر أن يكون المدافع عن ديار الاسلام والمسلمين والمسئول الأول عن هذا الدين، بما آل اليه من أموال اسرته، فقرر انشاء تنظيم تحت تسمية "القاعدة"، وتبنى الجهاد المسلح كسبيل لمواجهة العالم، وليس هناك من ضرر في أن يقتل مسلمون ابرياء، أو غير مسلمين أبرياء في أعمال الجماعة المسلحة، فهذه هي التكلفة التي لا بد من دفعها في سبيل نشر هذا الدين والذود عن دياره ومن يسكنونها. تبنت القاعدة منهاجا ولغة لا يفهمها العالم اليوم، وقد كان من الممكن ان تلعب اموال بن لادن دورا أقوى وأشد تأثيرا في خدمة هذا الدين والدفاع عن دياره، اذا نهج منهاجا آخر في مخاطبة هذا العالم، لو قرأ بتمعن الآية الكريمة التي يخاطب فيها الله سبحانه وتعالى الرسول عليه الصلاة والسلام قائلا "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"، صدق الله العظيم، وقوله تعالى "ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن، الا الذين ظلموا منهم" صدق الله العظيم، الله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بأن نجادل العالم بالقنابل المفخخة التي نأخذ أرواحهم بها بغتة دون أي وعي منهم، أو أن نقتل أنفسنا في وسط تجمعاتهم لنأخذهم على حين غرة، ونحن نعتقد أننا بانتحارنا ننال الشهادة، الشهادة في سبيل قتل عزل بلا سلاح دون ذنب اقترفوه، سوى أنهم يخالفوننا.




الحكمة التي نصت عليها الآية الكريمة تعني أن نفهم هذا العالم لكي نتمكن من أن نحاوره وننتقي السبيل الذي يمكننا من الولوج الى أعماقه، لا أن نركب رأسنا ونصر على ان نتحاور معه بالطريقة التي نفهمها نحن. لغة العنف لم تكن في أي وقت أو في أي زمن لغة للحوار مع العالم، ترى ماذا كان من الممكن أن يكون عليه الوضع لو تم توجيه الملايين التي انفقت على عمليات القاعدة لإنشاء مراكز للدعوة في الغرب، أو لشراء صحف مؤثرة او قنوات تلفاز رائدة ندافع من خلالها عن قضايانا ونواجه بها اعداءنا. اليس هذا ما يفعله اليهود؟ نحن أكثر من مليار شخص، وهم لا يتجاوزن 15 مليون شخص، ولكن اليهود على الرغم من ضآلة عددهم توصلوا الى افضل طريق ولغة يكسبون بها تأييد العالم وتعاطفه مع قضاياهم، واستطاعوا أن يكون لهم تأثيرا هائلا في الرسائل الاعلامية التي تنتشر عبر كافة دول العالم، لا بالقنابل أو بالتفجير أو بالهجوم المسلح الغير متكافئ، وانما بالكلمة المقروءة، وبالبرنامج المسموع أو المشاهد، لذلك تراجعت قضايانا، بينما قضاياهم في المقدمة.




ترى ماذا جنى العالم وتنظيم القاعدة من تفجير مركز التجارة العالمية، الذي اطلق عليه غزوة نيويورك ومانهاتن، أي غزوة التي تتحدث عنها القاعدة؟ خطوة طائشة قلبت العالم أجمع على الاسلام والمسلمين، وراح نتيجة لها مئات الآلاف في العراق وافغانستان، وارتفع الحقد على الاسلام والمسلمين الى اقصى درجاته، واصبحنا نوصف بالارهابيين وبأن ديننا يحرض على العنف والارهاب، "حاش لله". قبل تنظيم القاعدة كنت ادرس في اوروبا، وكان الوضع مختلفا والنظرة للإسلام والمسلمين مختلفة، وكان يسمح لنا بأن نشتري الكنائس لنحولها الى مساجد، وقد شهدت تحول اربع كنائس الى مساجد، وهيئة اذاعة ويلز الى مركز اسلامي، بدون أي معارضة من البلدية. كنا نصلي في أي مكان، حتى في محطات المترو، والناس تنظر الينا بإعجاب باعتبارنا متدينين. اليوم اذا قرأت في المصحف في طائرة اجنبية، أو قرأت دعاء السفر الغو الرحلة وأنزلوك من الطائرة.




هل هذا ما نطمح أن نراه في هذا العالم أو أن يرانا العالم من خلاله. للأسف الشديد هذا ما أراده لنا تنظيم القاعدة بمنهجه الذي ينتهجه في الخطاب مع العالم الذي نعيش فيه. لسوء الحظ أن العالم اليوم لا يفهم اللغة التي تتحدث بها القاعدة، لا يمكن ان تجلس في أعماق الجبال وغياهب الصحراء لتخاطب العالم من هناك. العالم له صورة مختلفة تماما عن تلك التي يفهمها التنظيم. العالم له قنوات الخطاب الخاصة به، والتي نحتاج الى أن نفهمها ونعيها ونتعلم كيف نتعامل معه من خلالها، لا أن نقتل فيه ونهدم ونخرب، لن يستمع الينا العالم أبدا طالما هذا هو سلوكنا.




اليوم طالعتنا القنوات الاخبارية ووكالات الانباء في العالم بخبر وفاة مؤسس تنظيم القاعدة اسامة بن لادن في عملية نفذها الجيش الأمريكي، وتم من خلالها اختطاف جثمان اسامة بعد قتله، وخرجت علينا التصريحات من كافة انحاء العالم ابتهاجا بالخبر، ولكن هل سينتهي تنظيم القاعدة بوفاة مؤسسه؟ إجابتي هي بالتأكيد لا، بل إنني أؤمن بأن اسامة بن لادن لم يعد يدير تنظيم القاعدة منذ فترة زمنية طويلة، منذ ان اضطر أن يختفي عن الانظار ويهرب من الملاحقة العالمية الشديدة لشخصه. من المؤكد أن تنظيم القاعدة يديره اليوم كوادر اخرى، وصفوف أخرى بجانب تلك التي نشأ بها، وأن التنظيم قائم وسيستمر للأسف الشديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق