نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 19/5/2011.
تفاجئ الجميع، وأنا منهم، في الأسبوع الماضي بالإعلان عن ترحيب دول مجلس التعاون بانضمام كل من الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي، بصفة خاصة كان توقيت الانضمام مفاجئا للجميع، حيث لم يعلن من قبل عن أي إعلان لرغبة هذه الدول في الانضمام للمجلس، وكان المجلس قبل ذلك قد رفض بشكل مبطن مقترحات التوسع جنوبا بضم اليمن، أو شمالا بضم العراق، وقد تناولت فيما سبق فكرة انضمام اليمن والعراق إلى مجلس التعاون وذكرت في أكثر من موضع أن انضمام هاتين الدولتين إلى المجلس سوف يترتب عليه تكاليف تفوق العوائد المتوقعة من انضمامهما، بصفة خاصة أن التكلفة المادية على المجلس لإحداث التقارب المطلوب لتكامل ناجح مع هاتين الدولتين وباقي دول المجلس سوف تكون باهظة.
طوال الأسبوع الماضي توالت المقالات التي تتناول الموضوع بين معارض بشدة، ومؤيد بشدة لتوسيع نطاق مجلس التعاون، غير أن أيا من تلك المقالات لم يستند في رأيه إلى تحليل الواقع الاقتصادي لهذه الدول للحكم على احتمالات نجاح مثل هذه التوسع. سوف أحاول في هذا المقال تحليل عناصر البيئة الاقتصادية الكلية لدول المجلس مقارنة بكل من الأردن والمغرب للتعرف على أوجه التشابه والاختلاف بين المجموعتين، وبناءا عليه يمكن الحكم على ما إذا كان من الممكن إطلاق تعاون اقتصادي ناجح بين دول المجلس بالتوسع من خلال ضم هاتين الدولتين إلى المجلس أم لا.
من الناحية النظرية تشير نظرية التكامل الاقتصادي إلى أن التكتل الاقتصادي يكون ناجحا في حالة تشابه الهياكل الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء، وتقارب مستويات الدخول وأنماط الاستهلاك والإنفاق .. الخ، حيث يسهل في هذه الحالة تعظيم العوائد من المنافع التي يمكن أن تنشأ عن التكامل الاقتصادي والتبادل التجاري الحر بين الدول. بصفة خاصة يفترض أن يترتب على التكامل حدوث خلق للتجارة بين الدول الأعضاء Trade Creation، ويحدث خلق التجارة عندما يؤدي دخول دول في اتحاد جمركي إلى تحويل إنتاج سلع أو خدمات من منتج ذو تكلفة مرتفعة إلى منتج يمكنه إنتاج تلك السلع وتقديم تلك الخدمات بتكلفة منخفضة، الأمر الذي يرفع من مستويات الكفاءة والرفاهية في التكتل.
غير أنه من الممكن أيضا أن يترتب على توسع التكتل حدوث تحويل للتجارة بين الدول الأعضاء Trade Diversion، ويحدث تحويل التجارة عندما يؤدي دخول الدول في الاتحاد الجمركي إلى تحويل إنتاج سلع أو خدمات من منتج ذو تكلفة منخفضة إلى منتج ينتج تلك السلع أو يقدم تلك الخدمات بتكلفة مرتفعة. حيث من الممكن ان يترتب على المزايا الجمركية التي ستتمتع بها الدول المنضمة إلى التكتل إلى تحويل عملية استيراد بعض السلع من الخارج، حيث التكلفة الأقل نحو هذه الدول المنضمة حيث تكون تكلفة الإنتاج أعلى، وهو ما يقلل من مستويات الكفاءة والرفاهية في التكتل.
لتقييم مدى استعداد دول المجلس لضم الأردن والمغرب، ومدى جاهزية هذه الدول للدخول في تكتل ناجح مع دول المجلس فإن الجدول رقم (1) يوضح متوسط المؤشرات الاقتصادية الكلية الأساسية للدول الثمانية خلال الخمس سنوات الماضية 2006-2010، ويلاحظ الجدول الآتي:
أولا: أن دول مجلس التعاون تشترك في خاصية أساسية هي أنها مصدر صاف للنفط، حيث تشكل الإيرادات النفطية العمود الفقري للصادرات والإيرادات الحكومية والناتج المحلي الإجمالي بشكل عام، بينما نجد أن الأردن ليست دولة نفطية ولا تصدر نفطا، وإنما تعد مستورد صاف للنفط، في الوقت الذي تصدر فيه المغرب كميات ضئيلة من النفط، والتي بلغت قيمتها في عام 2010 حوالي 490 مليون دولارا فقط، ومن ثم لا يلعب النفط فيها دورا ذو أهمية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي أو الإيرادات الحكومية، وهو ما ينعكس في معدلات النمو، ومتوسط نصيب الفرد من الناتج، ونسبة الاستثمار والادخار على المستوى الكلي.
ثانيا: أن هناك تفاوتا واضحا بين معدلات النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بشكل عام بين دول المجلس وكل من الأردن والمغرب. إذ يرتفع متوسط معدل نمو الناتج في دول المجلس، حيث يبلغ 6.7% خلال الخمس سنوات الماضية، عن كل من الأردن والمغرب والذي يبلغ 5.4%. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن هذه الفروق تخفي اختلافات واضحة في معدلات النمو بين دول المجلس، حيث بلغ متوسط معدل النمو للناتج الحقيقي في قطر 19.1%، مقارنة بـ 2.3% فقط في الكويت، ويلاحظ أن تواضع متوسط معدلات النمو في الناتج الحقيقي في كل من المملكة العربية السعودية والكويت يرجع أساسا إلى تدهور معدلات النمو في السنوات الأخيرة التي تلت الأزمة المالية العالمية، حيث تراجعت أسعار النفط بصورة كبيرة، والواقع أننا إذا ما أخذنا السنوات التي سبقت الأزمة في الاعتبار سوف نجد أن هناك تفاوتا كبيرا في متوسط معدل نمو الناتج الحقيقي بين دول مجلس التعاون وبين كل من الأردن والمغرب. من ناحية أخرى يلاحظ أن هذا التقلب الواضح في معدلات نمو الناتج الحقيقي في دول المجلس يقابله استقرار نسبي في معدلات النمو للناتج الحقيقي في كل من الأردن والمغرب اللتان لا يتعرض اقتصاديهما لهذه التقلبات نظرا لضعف نصيب قطاع النفط في الناتج المحلي الإجمالي لكلا الدولتين كما سبقت الإشارة.
ثالثا: يلاحظ ان هناك تفاوتا واضحا جدا بين هياكل الدخل في دول مجلس التعاون وكل من الأردن والمغرب، ففي الوقت الذي بلغ فيه متوسط نصيب الفرد من الناتج في دول المجلس خلال الخمس سنوات الماضية 36166 دولارا، اقتصر متوسط نصيب الفرد من الناتج في الأردن والمغرب على 3207 دولارا فقط، مما يعني أن متوسط نصيب الفرد من الناتج في دول المجلس يبلغ أكثر من 11 ضعف مستواه في هاتين الدولتين، وهو ما يعكس وجود فوارق كبيرة في مستويات الدخول للمقيمين في المجموعتين. هذا التفاوت الواضح في مستويات الدخول بين المجموعتين يعد أحد العوائق الأساسية لتكتل اقتصادي ناجح نظرا لاختلاف القوة الشرائية للمستهلكين، ومن ثم الأسواق، على نحو واضح بين المجموعتين من الدول.
خامسا، هناك اختلافا كبيرا بين معدلات الادخار (كنسبة من الناتج) في كلا المجموعتين، ففي الوقت الذي يصل فيه متوسط معدل الادخار في دول المجلس إلى 42.2%، فإن متوسط معدل الادخار في الأردن والمغرب لا يتجاوز 24%، ومن الجدول أيضا يلاحظ أن أعلى معدلات الادخار المتوسط توجد في قطر (54.6%) والكويت (52.3%) وهي معدلات مرتفعة جدا وتعد من أعلى المعدلات في العالم، في الوقت الذي يقتصر فيه متوسط معدل الادخار في الأردن 16%.
سادسا: تختلف معدلات التضخم بشكل واضح بين كل من دول المجلس والأردن والمغرب، حيث يصل معدل التضخم في المتوسط في دول المجلس خلال السنوات الخمس الماضية إلى 5.5%، بينما اقتصر معدل التضخم في المغرب على 2.2%، في الوقت الذي يتجاوز فيه معدل التضخم في الأردن متوسط معدل التضخم في دول مجلس التعاون. هذا الاختلاف الواضح في معدلات التضخم بين المجموعتين من الدول يحمل تهديدا واضحا لأي جهود لضم الدولتين إلى اتفاقية الاتحاد النقدي لدول المجلس.
للتعرف على الأوضاع المالية للحكومات في الدول الثمانية يوضح الجدول رقم (2) نسبة الإيرادات الحكومية والإنفاق الحكومي والدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول خلال الخمس سنوات الماضية، ومن الجدول يتضح لنا أن هناك فروقا جوهرية بين متوسط إيرادات الحكومة بالنسبة للناتج، ففي الوقت الذي يبلغ فيه متوسط نسبة الإيرادات الحكومية إلى الناتج 43.3% خلال السنوات الخمس الماضية، فإن تلك النسبة تقتصر على 27% في كل من الأردن والمغرب.
غير أننا نلاحظ من الجدول أنه على الرغم من التفاوت الكبير في نسبة الإيرادات الحكومية إلى الناتج بين دول المجلس وكلا من الأردن والمغرب، إلا أن متوسط نسبة الإنفاق الحكومي إلى الناتج في المجموعتين شبه متساوية تقريبا (30.7% في دول المجلس و30.5% في الأردن والمغرب)، وهو ما يعكس اشتداد الحاجة لدى حكومات كل من الأردن والمغرب للاقتراض لتمويل الفرق بين نسب الإيرادات الحكومية والإنفاق العام. لذلك نجد أن هذه الفجوة الواضحة بين الإيرادات العامة والإنفاق العام في دول المجلس تنعكس بصورة واضحة في تضاءل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون، في الوقت الذي ترتفع فيه نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأردن (64.9%)، والمغرب (52%)، والتي تبلغ في المتوسط للدولتين معا 58.4%، وهي نسبة مرتفعة.
من ناحية أخرى يوضح الجدول رقم (3) متوسط معدلات البطالة المسجلة في بعض دول مجلس التعاون وكلا من الأردن والمغرب وكذلك أعداد السكان في الدول الثمانية، ومن الجدول يتضح أن معدل البطالة في كل من الأردن والمغرب مرتفع بشكل عام، مقارنة بالوضع في باقي دول المجلس (باستثناء المملكة العربية السعودية، حيث يصل متوسط معدل البطالة خلال السنوات الخمس الماضية 10.7%)، ويعني ذلك ان ضم هاتين الدولتين سوف يعني ضم دول تعاني من الناحية التقليدية من ارتفاع معدلات البطالة في أسواق العمل فيها.
يتضح أيضا من الجدول أن كل من الأردن والمغرب لهما نفس الثقل السكاني لكافة دول المجلس، وإذا ما قصرنا أعداد السكان على المواطنين، سوف نجد أن عدد السكان في كل من الأردن والمغرب سوف يفوق عدد سكان دول المجلس بصورة واضحة، ويعطي هذا المؤشر صورة حول حجم سوق المستهلكين في كل من المجموعتين وإجمالي المستهلكين في أسواق المجموعتين بعد الانضمام. وعلى الرغم من تفوق أعداد المستهلكين من المواطنين في كل من الأردن والمغرب على أعداد المستهلكين من المواطنين في دول المجلس، فإن ذلك لا يعكس شيئا، نظرا للفروق الواضحة في القوة الشرائية بين المجموعتين والتي توضحها البيانات الخاصة بمتوسط نصيب الفرد من الناتج في الجدول رقم (1).
والآن في ظل هذه المؤشرات الاقتصادية المختلفة عن الدول الثمانية، هل يجب أن يتوسع مجلس التعاون لدول الخليج العربية بضم الأردن والمغرب، هذا ما سوف نتناوله في الحلقة القادمة من هذا المقال إذا أحيانا الله سبحانه وتعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق