منذ أن انطلقت مبادرة حضرة صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله، بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، نظر إلى المبادرة على أنها احد الخيارات الاستراتيجية للكويت في المستقبل، في ظل الضعف الشديد في الموارد الذي تعاني منه دولة الكويت। وقد كان من المأمول أن يحدث تحولا جوهريا، في أعقاب المبادرة، لقلب الأمور رأسا على عقب بمراجعة الأطر القانونية والبيروقراطية التي تحكم مناخ الأعمال، لكي تجعل من الكويت مركز الجذب الأساسي للاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية، في المنطقة। ولكن الذي حدث أن الأوضاع استمرت على نفس المنوال، وبدا من الواضح أنه لم يتم التعامل مع المبادرة الأميرية على المستوى الذي تستحقه، فقد استمرت أوضاع بيئة الأعمال كما هي دون أدنى تغيير يتماشى مع رؤية حضرة صاحب السمو أمير البلاد لكويت المستقبل، ولم تتم مراجعة الأطر القانونية والإجرائية الحالية لتحسين بيئة الأعمال للاستثمارات المحلية والأجنبية، بل على العكس من ذلك، ساءت الأحوال بسبب استمرار عمليات التدخل في مناخ الأعمال، والذي بلغ ذروته في مشروعات البناء - التشغيل - التحويل (بي أو تي)، إلى الحد الذي جعلت بيئة الاستثمار غير صالحة ليس فقط للاستثمارات الأجنبية، وإنما تحولت إلى بيئة طاردة للشركات الوطنية. حيث تناقلت الصحف مؤخرا في نهاية شهر أغسطس 2007، نبأ إعلان أحد اكبر الشركات الوطنية الكويتية وهي شركة الاتصالات المتنقلة عن نيتها نقل عملياتها الدولية من الكويت إلى دولة أخرى. وقد لخص المدير التنفيذي للشركة اسباب نقل الشركة لعملياتها الدولية إلى عدم وجود هيئة مستقلة تنظم قطاع الاتصالات، وان التدخل الحكومي في القطاع محكوم بقرارات سياسية، وأن هناك فراغا هائلا في عمليات التنظيم والرقابة، وتدخل المزاجية والأهواء في الحصول على الترددات، وانتشار الواسطة والمحاباة، وقدم القانون الخاص بالاتصالات وعدم تطوره بما يتماشى مع طبيعة التطورات الحديثة في مجال الاتصالات، واحتكار الدولة لعمليات الاتصال الدولي، وقانون الضريبة. ويشاع أن شركة أجيلتي تفكر حاليا أيضا في نقل عملياتها الدولية خارج الكويت، ومن المؤكد انه عندما يسأل القائمون عليها عن أسباب ذلك سوف يأتوننا بحزمة مماثلة من القيود التي تجعل بيئة الأعمال غير مناسبة لشركة يفترض أن تتسم بأعلى مستوى من الديناميكية في تقديم الخدمات اللوجستية على المستوى الدولي.
وعندما تم إدراج الكويت لأول مرة في التقرير العالمي للتنافسية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا عام 2005/2006، كنا في مركز التميز في الإدارة بكلية العلوم الإدارية نقوم بإعداد التقرير الوطني الأول للتنافسية، ولقد ساءنا كثيرا أن تحصل الكويت على المركز الأخير على مستوى العالم بالنسبة لمؤشر القيود على الملكية الأجنبية، حيث انه من خلال تقييد ملكية الأصول المحلية على الأجانب، انتشر السلوك الريعي في الاقتصاد، والذي أثر بشكل سلبي على كفاءة الأسواق. وعندما صدر التقرير العالمي التالي 2006/2007، هرعنا إلى هذا المؤشر لمتابعة ماذا حدث لترتيب الكويت في مؤشر القيود على الملكية الاجنيبة، فصدمنا عندما اكتشفنا أن ترتيب الكويت هو مرة أخرى، 125/125، أي أن الكويت وللسنة الثانية على التوالي تحتل المركز الأخير عالميا كدولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. وربما يصدر تقرير هذا العام 2007/2008 في نهاية هذا الشهر، ولا نتوقع أن يحدث أي تحسن في ترتيب الكويت بالنسبة لهذا المؤشر.
وعلى الرغم من أن تحليل بيئة الأعمال الذي يقدمه البنك الدولي سنويا لا يصنف الكويت على أنها أسوأ دولة في العالم فيما يتعلق بطبيعة بيئة الأعمال، إلا أنه من الواضح أن عوائق الاستثمار في الكويت بلغت حدا يحتاج الأمر فيه إلى علاج جذري، اذا كنا نتعامل مع مشروع تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري بصورة جدية. لقد أشارت إحدى دراسات البنك الدولي، التي صدرت في عام 2003، عن العوائق الإدارية للاستثمار في دولة الكويت، أن المستثمرين سواء المحليين او الأجانب يصفون مناخ الاستثمار بدولة الكويت بأنه مناخ غير مناسب للمشروعات الخاصة، وأن هناك كمية هائلة من العوائق التي كان يجب أن يتم التعامل معها بشكل مباشر، نظرا لطول الإجراءات اللازمة لاستيفاء متطلبات الإجراءات الحكومية والقيود المختلفة على تأشيرات الدخول وإصدار اذونات العمل، وطول الوقت اللازم لتسجيل المشروعات وتعقد الإجراءات بشكل غير مبرر، وصعوبة الحصول على الأراضي اللازمة وتوصيل الخدمات والمرافق. ويشكل قانون الضريبة عقبة أساسية أمام الشركات الأجنبية، فضلا عن تعقد الإجراءات الجمركية. بالاضافة إلى ذلك فانه بمتابعة التقارير الخاصة بأداء الأعمال والتي يصدرها البنك الدولي سنويا، يلاحظ أنه بالنسبة لدولة الكويت، عندما يتعلق الأمر بمؤشرات عدد الإجراءات أو المدد الزمنية اللازمة لاستيقاء إجراء معين فإنها تميل إلى أن تكون طويلة جدا مقارنة بالدول الأخرى، الأمر الذي يعكس كثافة النظم البيروقراطية بدولة الكويت. كذلك يشير التقرير العالمي للتنافسية 2006/2007 أن عدد الإجراءات اللازمة لبدء مشروع للأعمال في دولة الكويت يصل إلى 13 إجراءا، الأمر الذي يضع الكويت في المركز الـ 94 عالميا، وان استيفاء هذه الإجراءات يستغرق حوالي 35 يوما، مقارنة بيوم واحد فقط في استراليا صاحبة المركز الأول عالميا في هذا المجال.
كيف يقيم مجتمع الأعمال بيئة الأعمال في دولة الكويت؟
على مدى ثلاث سنوات تم جمع استبانات للرأي بواسطة لجنة الكويت الوطنية للتنافسية، حول طبيعة مناخ الأعمال في الكويت، وذلك لأغراض إصدار التقرير العالمي للتنافسية من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، وقد كانت أهم النتائج التي احتواها التقرير الأخير 2006/2007 أن مجتمع الأعمال يرى أن أهم مساوئ بيئة الأعمال في الكويت تتمثل في المركزية الشديدة لعملية صناعة السياسة الاقتصادية، حيث تحتل الكويت المركز 108 عالميا من بين 125 دولة، وانتشار المحسوبية في قرارات الموظفين الحكوميين، أي أن عملية إقرار السياسات والعقود، تتم لصالح الأطراف ذات الصلات الوثيقة بالموظفين، حيث تحتل الكويت المركز 75 عالميا، وارتفاع عبء استيفاء متطلبات الإجراءات الحكومية على مجتمع الأعمال، حيث تحتل الكويت المركز 72 عالميا، وضعف سبل حماية حقوق صغار المستثمرين في الشركات المساهمة، حيث تحتل الكويت الترتيب 65 عالميا، وأن مجتمع الأعمال يضطر إلى دفع مدفوعات غير قانونية للحصول على الخدمات العامة، حيث تحتل الكويت المركز 60 عالميا، وأثر المحاباة الجوهري على قطاع الأعمال، حيث تحتل الكويت المركز 58، فضلا عن ضعف قوانين حماية حقوق الملكية، حيث تحتل الكويت المركز 54 عالميا. وعندما سئلت مفردات مجتمع الأعمال حول العوامل الأكثر تعقيدا في أداء الأعمال بدولة الكويت، اتفقت عناصر العينة على أن عدم كفاءة الإدارة الحكومية هي أهم العوامل المقيدة لمناخ الأعمال، وطبيعة نظم العمل المقيدة القائمة على أساس قانون قديم للعمل، وعدم ملائمة تعليم قوة العمل الوطنية لاحتياجات قطاع الأعمال، وانتشار الفساد الذي يؤدي إلى انتشار الرشاوى والمدفوعات غير القانونية، فضلا عن ضعف أخلاقيات العمل لدى قوة العمل الوطنية. كذلك أشار مجتمع الأعمال إلى صعوبة الحصول على التمويل اللازم وضعف البنى التحتية، وعدم استقرار السياسات الحكومية.
ومما لا شك فيه أن هذه العوامل تشكل نقاط ضعف أساسية، تجعل بيئة الأعمال في أي دولة طاردة للاستثمارات، سواء الوطنية أو الأجنبية. فكيف يمكن أن تتحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري في ظل هذه الأوضاع. وكيف يمكن للشركات الوطنية الناجحة، خصوصا الشركات التي أخذت تتوسع إقليميا وعالميا، أن تعمل في ظل هذا المناخ الطارد. سؤال ما زال ينتظر الإجابة.
وعندما تم إدراج الكويت لأول مرة في التقرير العالمي للتنافسية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا عام 2005/2006، كنا في مركز التميز في الإدارة بكلية العلوم الإدارية نقوم بإعداد التقرير الوطني الأول للتنافسية، ولقد ساءنا كثيرا أن تحصل الكويت على المركز الأخير على مستوى العالم بالنسبة لمؤشر القيود على الملكية الأجنبية، حيث انه من خلال تقييد ملكية الأصول المحلية على الأجانب، انتشر السلوك الريعي في الاقتصاد، والذي أثر بشكل سلبي على كفاءة الأسواق. وعندما صدر التقرير العالمي التالي 2006/2007، هرعنا إلى هذا المؤشر لمتابعة ماذا حدث لترتيب الكويت في مؤشر القيود على الملكية الاجنيبة، فصدمنا عندما اكتشفنا أن ترتيب الكويت هو مرة أخرى، 125/125، أي أن الكويت وللسنة الثانية على التوالي تحتل المركز الأخير عالميا كدولة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. وربما يصدر تقرير هذا العام 2007/2008 في نهاية هذا الشهر، ولا نتوقع أن يحدث أي تحسن في ترتيب الكويت بالنسبة لهذا المؤشر.
وعلى الرغم من أن تحليل بيئة الأعمال الذي يقدمه البنك الدولي سنويا لا يصنف الكويت على أنها أسوأ دولة في العالم فيما يتعلق بطبيعة بيئة الأعمال، إلا أنه من الواضح أن عوائق الاستثمار في الكويت بلغت حدا يحتاج الأمر فيه إلى علاج جذري، اذا كنا نتعامل مع مشروع تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري بصورة جدية. لقد أشارت إحدى دراسات البنك الدولي، التي صدرت في عام 2003، عن العوائق الإدارية للاستثمار في دولة الكويت، أن المستثمرين سواء المحليين او الأجانب يصفون مناخ الاستثمار بدولة الكويت بأنه مناخ غير مناسب للمشروعات الخاصة، وأن هناك كمية هائلة من العوائق التي كان يجب أن يتم التعامل معها بشكل مباشر، نظرا لطول الإجراءات اللازمة لاستيفاء متطلبات الإجراءات الحكومية والقيود المختلفة على تأشيرات الدخول وإصدار اذونات العمل، وطول الوقت اللازم لتسجيل المشروعات وتعقد الإجراءات بشكل غير مبرر، وصعوبة الحصول على الأراضي اللازمة وتوصيل الخدمات والمرافق. ويشكل قانون الضريبة عقبة أساسية أمام الشركات الأجنبية، فضلا عن تعقد الإجراءات الجمركية. بالاضافة إلى ذلك فانه بمتابعة التقارير الخاصة بأداء الأعمال والتي يصدرها البنك الدولي سنويا، يلاحظ أنه بالنسبة لدولة الكويت، عندما يتعلق الأمر بمؤشرات عدد الإجراءات أو المدد الزمنية اللازمة لاستيقاء إجراء معين فإنها تميل إلى أن تكون طويلة جدا مقارنة بالدول الأخرى، الأمر الذي يعكس كثافة النظم البيروقراطية بدولة الكويت. كذلك يشير التقرير العالمي للتنافسية 2006/2007 أن عدد الإجراءات اللازمة لبدء مشروع للأعمال في دولة الكويت يصل إلى 13 إجراءا، الأمر الذي يضع الكويت في المركز الـ 94 عالميا، وان استيفاء هذه الإجراءات يستغرق حوالي 35 يوما، مقارنة بيوم واحد فقط في استراليا صاحبة المركز الأول عالميا في هذا المجال.
كيف يقيم مجتمع الأعمال بيئة الأعمال في دولة الكويت؟
على مدى ثلاث سنوات تم جمع استبانات للرأي بواسطة لجنة الكويت الوطنية للتنافسية، حول طبيعة مناخ الأعمال في الكويت، وذلك لأغراض إصدار التقرير العالمي للتنافسية من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي، وقد كانت أهم النتائج التي احتواها التقرير الأخير 2006/2007 أن مجتمع الأعمال يرى أن أهم مساوئ بيئة الأعمال في الكويت تتمثل في المركزية الشديدة لعملية صناعة السياسة الاقتصادية، حيث تحتل الكويت المركز 108 عالميا من بين 125 دولة، وانتشار المحسوبية في قرارات الموظفين الحكوميين، أي أن عملية إقرار السياسات والعقود، تتم لصالح الأطراف ذات الصلات الوثيقة بالموظفين، حيث تحتل الكويت المركز 75 عالميا، وارتفاع عبء استيفاء متطلبات الإجراءات الحكومية على مجتمع الأعمال، حيث تحتل الكويت المركز 72 عالميا، وضعف سبل حماية حقوق صغار المستثمرين في الشركات المساهمة، حيث تحتل الكويت الترتيب 65 عالميا، وأن مجتمع الأعمال يضطر إلى دفع مدفوعات غير قانونية للحصول على الخدمات العامة، حيث تحتل الكويت المركز 60 عالميا، وأثر المحاباة الجوهري على قطاع الأعمال، حيث تحتل الكويت المركز 58، فضلا عن ضعف قوانين حماية حقوق الملكية، حيث تحتل الكويت المركز 54 عالميا. وعندما سئلت مفردات مجتمع الأعمال حول العوامل الأكثر تعقيدا في أداء الأعمال بدولة الكويت، اتفقت عناصر العينة على أن عدم كفاءة الإدارة الحكومية هي أهم العوامل المقيدة لمناخ الأعمال، وطبيعة نظم العمل المقيدة القائمة على أساس قانون قديم للعمل، وعدم ملائمة تعليم قوة العمل الوطنية لاحتياجات قطاع الأعمال، وانتشار الفساد الذي يؤدي إلى انتشار الرشاوى والمدفوعات غير القانونية، فضلا عن ضعف أخلاقيات العمل لدى قوة العمل الوطنية. كذلك أشار مجتمع الأعمال إلى صعوبة الحصول على التمويل اللازم وضعف البنى التحتية، وعدم استقرار السياسات الحكومية.
ومما لا شك فيه أن هذه العوامل تشكل نقاط ضعف أساسية، تجعل بيئة الأعمال في أي دولة طاردة للاستثمارات، سواء الوطنية أو الأجنبية. فكيف يمكن أن تتحول الكويت إلى مركز مالي وتجاري في ظل هذه الأوضاع. وكيف يمكن للشركات الوطنية الناجحة، خصوصا الشركات التي أخذت تتوسع إقليميا وعالميا، أن تعمل في ظل هذا المناخ الطارد. سؤال ما زال ينتظر الإجابة.