الجمعة، أبريل ٢٥، ٢٠٠٨

الوجه الآخر لأسعار النفط: أزمة عالمية في الغذاء

أصبح من الواضح أن استمرار ارتفاع أسعار النفط يخفي في طياته كارثة عالمية تهدد فقراء العالم، ليس بسبب النفط المرتفع القيمة، بل بسبب عدم وجود غذاء نظرا لتحول العالم إلى الوقود الحيوي Bio-fuel، الذي أصبح جذابا للغاية في ظل جنون ارتفاع أسعار النفط الذي يتجاوز سعره منذ فترة المائة دولار، كما أنه يعد وسيلة هامة لتقليل الاعتماد على النفط وتقليل انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ومن ثم أصبح الوقود الحيوي يحصل على دعم العديد من الدول، وينظر إليه على أنه وقود المستقبل، وتتجه إليه الاستثمارات بشكل متزايد.

الوقود الحيوي هو غاز الميثانول وينتج من أي محصول يحتوي على نشويات او سكر بشكل أساسي، ويتم إضافته حاليا إلى بنزين السيارات بنسب تتراوح بين 10 إلى 20%، غير أنه يمكن رفع تلك النسبة إلى أكثر من 80% اذا ما تم تعديل طريقة صناعة موتورات السيارات.

نحن الآن أمام معضلة حقيقية وهي أن الحفاظ على سلامة البيئة سيؤدي إلى انتشار المجاعة بين ساكني تلك البيئة. كيف إذن نوازن بين معالجة مشكلات البيئة وفي ذات الوقت نضمن عدم موت الناس جوعا. أزمة الغذاء العالمية الجديدة هي الأخطر على المستوى العالمي بما لها من تداعيات كارثية على العالم بأسره، إذ أن ارتفاع أسعار الغذاء سوف يؤدي إلى:

- تهديد الاستقرار السياسي في عدد كبير جدا من الدول، حيث بدأت أعمال الشغب تنتشر في العديد من البلدان، على سبيل المثال في هايتي، والكاميرون، واندونيسيا، والفلبين، ومصر، وباكستان، وبنجلاديش، وكوت ديفوار، وموريتانيا، والسنغال، وبوركينا فاسو، واثيوبيا، وهناك عدد كبير من الدول مرشح للانضمام إلى القائمة، حيث يقدر حاليا أن هناك 37 دولة في العالم تعاني من أزمة في الغذاء 21 منها في إفريقيا. ويشير رئيس صندوق النقد الدولي إلى احتمال اشتعال حروب إقليمية بسبب ارتفاع أسعار بعض المنتجات الغذائية مثل الذرة والأرز والقمح قائلا "التاريخ مليء بحروب بدأت بسبب أحداث من هذا النوع"، وان الأزمة يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بحكومات منتخبة ديموقراطيا حتى لو كانت تطبق سياسات صحيحة. وقد أجبرت أزمة الأرز المستمرة في هايتي مؤخرا رئيس الوزراء جاك ادوراد الكسيس على التنحي.
- زيادة عدد الفقراء في العالم، فبالنسبة لأكثر مناطق العالم تأثرا، يتجاوز سعر الطعام قدرات الفقراء حيث يتم إنفاق الجزء الأكبر من الدخل على السلع الضرورية للحياة.
- تدمير مكاسب التنمية التي حققتها دول العالم النامي خلال الأعوام السابقة برفع مستويات المعيشة والدخول للأفراد.
- تراجع الجهود التي تبذل للحد من الفقرعلى المستوى العالمي.
- انتشار سوء التغذية والأمراض المصاحبة لها، حيث أن ارتفاع الأسعار يعنى أيضا عدد أقل من الوجبات الغذائية.
- تراجع النظام التجاري الدولي الذي تم وضعه في إطار منظمة التجارة العالمية، حيث تميل الدول إلى وضع قيود على صادرات الغذاء في محاولة لمواجهة احتياجاتها المحلية. على سبيل المثال قامت إندونيسيا والهند ومصر وفيتنام بفرض قيود على تصدير الأرز إلى الخارج.
- إبطاء معدل نمو الاقتصاد العالمي ومن ثم المزيد من الآثار السلبية على الدول النامية والمتقدمة على حد سواء.

إن التحدي الذي تفرضه أسعار النفط الآن ليس هو في تجاوز النفط لسعر 100 دولارا للبرميل، وإنما في كيفية تدبير الغذاء لمليارات الأفواه الجائعة، بسبب نقص عرض الغذاء الموجه نحو أسواق الغذاء من جانب، حيث انخفض عرض القمح إلى أدنى مستوى له منذ خمسين سنة (يقدر أن حوالي ثلث الحصاد الأمريكي من الحبوب سوف يوجه نحو الوقود الحيوي)، والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء من جانب آخر، على سبيل المثال ارتفع سعر القمح بحوالي 100% خلال العام الماضي، وكذلك ارتفع سعر الذرة بحوالي 50%. المشكلة هي أن أثر ارتفاع أسعار الحبوب لا يقتصر فقط على تكلفة الحبوب، وإنما أيضا يؤثر على أسعار اللحوم حيث ترتفع أسعار علف الماشية، والزيوت حيث يستخرج الزيت من الحبوب الزيتية المستخدمة في الوقود الحيوي مثل الذرة وفول الصويا.

نحن نسير بالفعل نحو أزمة غذاء طاحنة، جانب منها أخلاقي وجانب آخر اقتصادي، إن من يحولون حبوب القمح والذرة والأرز وفول الصويا وأي حبوب يمكن أن تحول إلى وقود حيوي لملئ خزانات وقود السيارات، إنما يفعلون ذلك انطلاقا من اعتبارات الرشد الاقتصادي الذي يقضي بضرورة السعي دائما نحو تخفيض التكاليف. إلا أن الرشد الاقتصادي في هذه الحالة يمثل أزمة أخلاقية حادة، حيث يتم حرق الحبوب في صورة وقود حيوي بينما يتضور الملايين عبر العالم من الجوع. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج الوقود الحيوي ربما يرتفع بنسبة 30% بحلول عام 2010، حيث يصبح إنتاج الغذاء لا لأجل إطعام البشر او الحيوانات، وإنما لتسيير السيارات. وقد وصف مدير صندوق النقد الدولي دومينيك ستراوس الوقود الحيوي بأنه يمثل مشكلة أخلاقية، بينما يذهب وزير المالية الهندي إلى أن وقود الايثانول هو بمثابة جريمة ضد الإنسانية.

غير أن المستشارة الألمانية ميركل في دفاعها عن الوقود الحيوي تتهم قصور السياسات الزراعية في البلدان النامية والدول الناشئة على أنها المسببة لازمة ارتفاع أسعار الغذاء بسبب تغير العادات الغذائية الطبقات الوسطى المتنامية في هذه الدول. على سبيل المثال أصبح حوالي ثلثي الهنود يتناولون وجبتين رئيسيتين في اليوم، كذلك أصبح عدد كبير من الصينيين يتناولون الحليب يوميا.

ما هو الدور المنتظر من الأوبك

من الواضح أن ارتفاع أسعار الغذاء ليس مسئولية الأوبك فقط، ذلك أن هناك جفافا في استراليا، كما ذكر برنامج الغذاء العالمي أن 57 دولة ضربتها فيضانات كارثية، وهو ما قد اثر سلبا على عرض الغذاء، كذلك ارتفع الطلب على الغذاء في العديد من مناطق العالم الأكثر نموا مثل الصين والهند بسبب تحسن مستويات الدخول والمعيشة. ومن ثم فان مسئولية الأوبك عن الأزمة العالمية للغذاء تظل محدودة. إلا أن ذلك لا يحيد أثر المسبب الأساسي للازمة وهو ارتفاع أسعار النفط.

اذا كان الأمر كذلك فما هو دور الأوبك؟ هناك مطالبات حالية لأوبك بأن ترفع عرض النفط حتى يخف ضغط قيود العرض على السعر، إلا أن الأوبك دائما ما ترد بأنها لا تملك ذلك، حيث بلغت الطاقات الإنتاجية للدول الأعضاء حدودها القصوى. وإذا كان ذلك الأمر صحيحا فلا اقل من أن تسهم الأوبك في التخفيف من آثار الأزمة، وذلك بتقديم المساعدة المالية للتغلب على الأزمة. هناك حاجة إلى زيادة إنتاج الأغذية عالميا بصورة ملحة للحد من الارتفاع الصاروخي في أسعار الأغذية العالمية. ويقدر برنامج الأمم المتحدة للغذاء انه يحتاج إلى حوالي 500 مليون دولار للتخفيف من أزمة الغذاء في العالم. تحتاج أوبك إذن إلى توجيه جانب من الزيادة في أسعار النفط نحو التخفيف من أزمة الغذاء العالمية بالتعاون مع المؤسسات الدولية المتخصصة.