الثلاثاء، مارس ١٩، ٢٠١٣

حماية الآثار في السعودية

شرت "الاقتصادية" تقريراً عن أعمال التنقيب والتأهيل التي تنفذها الهيئة العامة للسياحة والآثار في عددٍ من المواقع الأثرية في محافظة العُلا، وأكد التقرير أهمية حماية الآثار المكتشفة في المملكة.
الآثار المكتشفة في المملكة شواهد حيّة على الحضارات التي قامت واندثرت على أرضها، وتحكي تاريخ الشعوب التي سبقتنا، وهي جزءٌ من التاريخ الإنساني على هذا الكوكب، ولأنها تراثٌ إنساني يحرص العالم على أن يوجّه إليها العناية المناسبة؛ والحفاظ على الآثار هو أيضاً مهمة قومية، فلا يوجد بلدٌ عريق إلا وبه آثار تشهد على تاريخه القديم، التي تشكل في الوقت ذاته مزارات سياحية ومواقع أثرية يمكن تحويلها إلى مواقع ترفيهية ومراكز جذب تقام الرحلات إليها سواء للسياح من الداخل أو للقادمين من الخارج.
الآثار أيضاً تشكل ثروة قومية يمكن أن تولد مليارات الدولارات في صورة دخل سياحي يمكن أن يمثل نسبة لا بأس بها من الدخل القومي، خذ على سبيل المثال المناطق ذات الجذب السياحي في العالم، ستجد أن هذه المناطق يعتمد الدخل القومي فيها في جانب مهم منه على تدفقات السياح إلى المزارات السياحية القديمة.
من أجل ذلك، فإن البعثات الكشفية السعودية والأجنبية ينبغي أن تعمل جنباً إلى جنب لكشف ما يحتويه باطن الأرض في المملكة من آثار اندثرت للإنسان الذي عاش على هذه الأرض منذ آلاف السنين، ومن ثم حماية هذه الآثار لتبقى إرثاً تتوارثه الأجيال القادمة.

الاثنين، مارس ١٨، ٢٠١٣

الانهيار الآسيوي 2



خلال عام 1996 والنصف الأول من 1997 أخذت آلة الائتمان التي ترتب عليها ضخ كميات هائلة من البات التايلاندي في التراجع والعمل بصورة عكسية، وقد كانت جانبا من ذلك راجع إلى انعكاس اتجاهات التجارة للدول الآسيوية، حيث تراجع الطلب على صادرات هذه الدول، فقد انخفضت قيمة الين الياباني، وهو ما جعل بضائع الدول الناشئة في آسيا أقل تنافسية داخل اليابان، وكذلك خارجها مقارنة مع المنتجات اليابانية، وهو ما أثر بشكل مباشر على عمليات الاقراض داخل هذه الدول نظرا لنقص تدفقات النقد الأجنبي، وقد ترتب على ذلك أن أصبح المضاربون داخل هذه الدول في مشكلة كبيرة نظرا لنقص السيولة وبدأت بعض شركات المضاربة في الخروج من السوق.
في ظل هذه الأوضاع تحول المقرضون من الخارج عن آسيا وبدأت تدفقات القروض إلى الدول الناشئة في آسيا في الجفاف، وتراجعت الثقة بصورة كبيرة في اقتصاديات دول جنوب شرق آسيا، سواء من جانب الشركات المحلية أو المستثمرين الأجانب، فطالما أن أسعار العقارات التي تدور حولها المضاربات تبدو جيدة، فإن الاستثمارات ذات المخاطر المرتفعة في هذا القطاع سوف تبدو جيدة، طالما أن الأسعار السوقية تدعم اتجاه المضاربات. غير أنه مع تراجع اسعار العقارات أخذت شركات المضاربة والمقترضين لأغراضها في تحقيق خسائر، وهو ما أثر على اتجاهات الثقة في قطاع العقار بصورة واضحة وأخذ عرض الائتمان في التراجع نتيجة لذلك، ومعه تراجعت أسعار الأراضي والمباني عن مستوياتها بصورة واضحة.
من ناحية اخرى أدى تراجع الاقتراض الخارجي الى مشكلات لدى البنوك المركزية في هذه الدول، فمع تراجع تدفقات النقد الاجنبي، تراجع الطلب على العملات المحلية، بصفة خاصة البات، من ناحية أخرى فإن الحاجة الى تحويل البات الى عملات أجنبية استمرت في التزايد بسبب الحاجة الى تمويل الواردات الى تايلاند، النتيجة الطبيعية في مثل هذه الأحوال أن تميل قيمة البات نحو التراجع، ولكي يستمر البنك المركزي التايلاندي في الحفاظ على قيمة البات، اضطر إلى أن يقوم بإجراءات معاكسة لما كان يقوم به في حال تزايد تدفقات النقد الأجنبي الى تايلاند (عندما كان يقوم بزيادة عرض البات)، حيث قام بالتدخل في سوق النقد الأجنبي لتحويل البات الى عملات أجنبية (أي شراء البات) وذلك لتدعيم قيمة البات.
غير أن الوضع يختلف هذه المرة، ذلك أن محاولة الحفاظ على قيمة العملة من الارتفاع تعد أسهل بكثير من محاولة الحفاظ عليها من الانخفاض، ففي الحالة الأولى يقوم البنك المركزي بطباعة المزيد من البات والتي هي عملته الأجنبية ويتحكم فيها بشكل كامل، أما في الحالة الثانية فإنه يقوم بالسحب من احتياطياته من النقد الأجنبي، أي من عملات لا يمكن حق طباعتها، وبالتالي فإن هناك قيود على قدرة البنك المركزي على رفع قيمة البات، لأنه سيواجه استنزافا في الاحتياطيات من النقد الأجنبي مع استمرار عملية التدخل لحماية العملة المحلية.
في جميع الأحوال كان السبيل الوحيد للحفاظ على قيمة البات من التراجع هو خفض كمية البات التي في التداول، وهو ما يترتب عليه رفع معدلات الفائدة على البات الأمر الذي يغري المستثمرين على ضخ مدخراتهم الى تايلاند وزيادة الطلب على البات. غير أن الظروف كانت قد تغيرت، حيث ترتب على انهيار قطاع العقارات الى انخفاض مستويات النشاط وارتفاع معدلات البطالة، وهو ما يعني أن الاقتصاد التايلاندي كان في هذا الوقت أحوج ما يكون الى خفض معدل الفائدة لتشجيع الاستثمارات المحلية وزيادة مستويات النمو، أما رفع معدلات الفائدة فإنه سيساعد في مثل هذه الظروف في دفع الاقتصاد نحو الكساد.
كان البديل هو ترك البات حرا بدون تدخل من البنك المركزي بحيث تتحدد القيمة الحقيقية لها بناء على اتجاهات الطلب والعرض في سوق النقد الأجنبي. غير أن هذا البديل كان غير جذاب لتايلاند لأن خفض البات سوف يضر بسمعة الحكومة التايلاندية، وأيضا لأن الكثير من البنوك وشركات الاستثمار وشركات قطاع الأعمال كانت لديها دون ضخمة بالعملات الأجنبية، وخفض قيمة البات يرفع من قيمة هذه الديون بصورة كبيرة، ويجعل من عملية خدمتها مسألة مكلفة للغاية، مما يرفع من معدلات الإفلاس بين هؤلاء المقترضين.
في ظل هذه الظروف فضلت الحكومة التايلاندية الانتظار وعدم اتخاذ أي إجراء حتى تنعكس الأمور وتعود آليات السوق للعمل مرة أخرى في صالح القطاع المالي التايلاندي، وهو ما مهد الطريق لانطلاق أزمة البات. حيث أنه في ظل ثبات معدل صرف البات وعدم اتخاذ الحكومة لأي اجراءات لمعالجة الأزمة تتراكم التوقعات حول احتمالات تراجع البات في المستقبل، وهو ما غذى الاتجاهات نحو المضاربة على البات ولكن في الاتجاه المعاكس، أي باقتراض البات وتحويله الى دولارات انتظارا لانخفاض البات وتحويل الدولارات مرة اخرى الى بات وسداد القروض من البات بكميات اقل منها.
أخذ المضاربون في الداخل باقتراض البات وسداد ما عليهم من ديون بالدولار، كما أخذ حملة السندات بالبات في بيعها وشراء سندات امريكية بدلا من ذلك، كما بدأت صناديق الاستثمار الأجنبية في اقتراض البات وتحويله الى دولارات. كل هذه العمليات ترتب عليها بيع البات وشراء العملات الاجنبية، وهو ما يعني اضطرار البنك المركزي في تايلاند لشراء البات لكي يحافظ عليه من الانخفاض، وهو ما يؤدي الى نتيجة في غاية الخطورة في هذه الحالة وهي استنزاف احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، الأمر الذي يغذي توقعات المضاربين حول قرب انخفاض البات، وبالتالي زيادة عمليات المضاربة عليه.
لكل هذا تشكلت في تايلاند الظروف المثالية لانطلاقة أزمة البات الذي أدى إلى دفن الاقتصاديات الناشئة في جنوب شرق آسيا.

من خلاصة قراءتي في كتاب The Return of Depression Economics لبول كروجمان
.

الانهيار الآسيوي 1



تايلاند دولة عدد سكانها كبير، يزيد عن عدد سكان بريطانيا وكذلك فرنسا، وبانكوك عاصمة مشهورة بازدحامها، وبالنسبة للاقتصاد العالمي، تعد تايلاند اقتصادا هامشيا، وتايلاند بشكل عام دولة فقيرة، ومع ذلك فإن قطاع الأعمال في تايلاند لم يقتصر الاهتمام به على التايلانديين، وانما أيضا تزايد الاهتمام بتايلاند من دول مثل اليابان والدول الأوروبية.
في عام 1997 انهارت عملة تايلاند "البات" مسببة انهيارا في آسيا ترتب عليه دفن معظم اقتصاديات آسيا في هذا الوقت، فما الذي حدث مع انهيار البات وبدء الأزمة في تايلاند، ثم انتشار الأزمة من تايلاند الى باقي أجزاء آسيا؟
من الناحية التقليدية ظلت تايلاند اقتصادا زراعيا، حتى الثمانينيات حينما بدء القطاع الصناعي في النمو، عندما بدأت الشركات الصناعية الأجنبية، خصوصا اليابانية، في الاهتمام بالقطاع الصناعي التايلاندي. في ذلك الوقت كانت تايلاند تحقق معدل نمو اعلى من 8%، عندما بدأت تدفقات رؤوس الأموال في التوجه الى تايلاند كان معظم التمويل لقطاع الأعمال التايلاندي يتم من خلال التمويل الذاتي، لدرجة أنه في عام 1991 كان الدين الخارجي لتايلاند اقل من صادراتها السنوية، وهو معدل يعتبر معقولا جدا من الناحية المالية، في الوقت الذي بلغ فيه الدين الخارجي على امريكا اللاتينية حوالي 2.7 ضعف صادراتها.
ترتب على أزمة الديون الخارجية في امريكا اللاتينية جعل الدول النامية منخفضة الدين الخارجي جذابة للاستثمار مرة أخرى، وجعل الاستثمار خارج الدول الصناعية مرتفع المخاطرة كذلك، فقد كانت معدلات الفائدة في الدول الصناعية منخفضة بسبب محاولات تلك الدول الخروج من الكساد الذي ضربها في تلك الفترة، وهو ما دفع الكثير من المستثمرين في تلك الدول الى البحث عن أسواق اخرى تعطي معدلات عائد أعلى، في الوقت الذي أخذت فيه تسمية بعض الدول النامية تتحول الى تسمية جديدة اكثر جاذبية تعطي صورة أكثر نصوعا لتك الدول وهي "الدول الناشئة".
بلغت تدفقات الاستثمار الخاص الى الدول الناشئة في 1990 حوالي 42 مليار دولارا، في الوقت الذي مول فيه البنك الدولي وصندوق النقد الدول استثمارات في هذه الدول اكثر من استثمارات رأس المال الخاص، في عام 1997 تضاعفت هذه التدفقات أكثر من خمس مرات الى 256 مليار دولارا. في البداية توجهت هذه الاستثمارات الى امريكا اللاتينية مثل المكسيك، غير انه بعد 1994 أخذت رؤوس الأموال في التوجه نحو الدول الأكثر امانا في جنوب شرق آسيا. معظم الاقراض الذي ذهب لدول آسيا كان من اليابان واوروبا، والقليل منه أتى من الولايات المتحدة الأمريكية.
كانت عملية الاقراض تتم من بنك ياباني الى صندوق استثمار تايلاندي على سبيل المثال والذي يقوم بدوره بإعادة ضخ هذه الأموال الى المستثمرين المحليين في تايلاند الذي يعملون بصورة أساسية في التطوير العقاري، ولكن هذا المقترض المحلي لا يحتاج الى ينات لكي يطور عقاره، وانما الى بات أي العملة المحلية لتايلاند لكي يدفع بها قيمة استثماراته، بالطبع كان الصندوق الاستثماري يتجه بهذا القرض الياباني الى سوق النقد الأجنبي لبيعه وتحويله الى بات حتى يكون قابلا للإقراض الى المستثمرين المحليين.
في سوق النقد الأجنبي، كأي سوق آخر، بالطبع تعمل عوامل العرض والطلب في التأثير على أسعار السوق. في ظل هذه الظروف كان البات يميل نحو الارتفاع في القيمة نتيجة زيادة الطلب عليه مع كل عملية اقراض تتم في تايلاند. وقد كان البنك المركزي لتايلاند ملتزما بالحفاظ على معدلات صرف ثابتة بين البات والعملات الاخرى، وهو ما اضطره الى زيادة عرض البات مع زيادة الطلب عليه حتى يحافظ على معدل الصرف، الأمر الذي أدى الى زيادة عرض النقود وزيادة احتياطيات البنك المركزي من العملات الاجنبية في ذات الوقت.
بالطبع مع كل زيادة تحدث في عرض النقود يعقبها زيادة في حجم الاقراض المحلي، وهو ما يعرف بمضاعف عرض الودائع، نظرا لأن معظم النقود الجديدة التي يتم اصدارها سوف تذهب الى البنوك في صورة مودعات جديدة تخلق المزيد من المودعات وهكذا، كل زيادة تحدث في الاقتراض من الخارج يزداد الائتمان المحلي معها على نحو كبير، وبالتالي استثمارات جديدة نتيجة لذلك، بعض هذه الاستثمارات الجديدة اخذت صورة انشاءات جديدة من العقار، والبعض الآخر آخذ صورة مضاربات في سوق العقار، وكذلك في الأسهم، وهو ما أدى الى تكون فقاعة اسعار للأصول في تايلاند مشابهة لتلك التي حدثت في اليابان في اثناء الثمانينيات.
حاولت البنوك المركزي في دول جنوب شرق آسيا تعقيم اثر تدفقات القروض الخارجية من خلال اعادة شراء عملاتها المحلية مثل البات من خلال اصدار سندات حكومية لسحب السيولة من سوق النقود، غير أن هذا التعقيم قد ترتب عليه ارتفاع معدل الفائدة في سوق النقود، وهو ما أدى الى جذب المزيد من تدفقات الاستثمار الاجنبي الى هذه الدول، الأمر الذي زاد الطين بلة، وازداد الائتمان المحلي بصورة أكبر.
كان الحل الطبيعي في مثل هذه الظروف هو وقف التدخل لتثبيت معدل الصرف، وترك العملة المحلية ترتفع في مواجهة الطلب المتزايد عليها، غير أن هذه الفكرة لم تكن محبذة من جانب البنوك المركزية لهذه الدول، ذلك أن ترك قيمة العملة المحلية ترتفع سوف يترتب عليه ارتفاع اسعار الصادرات المحلية في الخارج وانخفاض الطلب عليها من جانب المستوردين في الدول الأخرى وبالتالي انخفاض تنافسية الدول الآسيوية. كذلك نظرت البنوك المركزي الآسيوية لثبات معدل الصرف على أنه امر مهم لثقة قطاع الأعمال، وهو ما أدى الى تضخم حجم الائتمان وزيادة اسعار الأصول على نحو واضح، غير أن ذلك تبعه أيضا عجز في الميزان التجاري لهذه الدول، والذي بلغ في بعض الأحوال بالنسبة لتايلاند ما بين 6-7%، وهو معدل مرتفع، اي ان تدفقات رؤوس الأموال من الخارج ترتب عليها أيضا عجزا في الحسابات الجارية لهذه الدول.
من خلاصة قراءتي في كتاب The Return of Depression Economics لبول كروجمان
.

هل ماتت الوصفة الكينزية؟



في عام 1965 حملت مجلة التايم الأمريكية عبارة شهيرة جدا وانتشرت على نحو واسع في ذلك الوقت وهي أن العالم كله كينزي الآن We are all Keynesians by Now. . ففي الستينيات كان هناك شبه اتفاق بين علماء الاقتصاد الكلي حول مفهوم الكساد، وإن قد كانت الاختلافات فيما بينهم كانت تنصب أساسا على مضامين عملية في معالجته وليس خلافات فلسفية عميقة حول كيفية التعامل مع الكساد.
غير أنه منذ ذلك الوقت اخذ علماء الاقتصاد الكلي في الانقسام الى مجموعتين تقريبا، هما المجموعة الأولى والذين يملكون نظرة كينزية للكساد، والمجموعة الثانية التي ترى أن هذه الرؤية للكساد غير صحيحة، وهي تلك المجموعة التي تؤمن بحرية السوق وأهمية عدم التدخل الحكومي في الاقتصاد، وهذه المجموعة ترتكز افكارها على مبدئين أساسيين هما الأول: أن الناس يتسمون بالرشد الاقتصادي في قراراتهم، والثاني: وهو أن السوق يعمل بكفاءة لا تبرر التدخل من أي نوع، وهما المبدآن اللذان يقومان على عدم الاعتراف باحتمال أن يفشل السوق بسبب نقص الطلب في أي وقت من الأوقات.

ولكن أليس الكساد هو بالفعل فترة لا يستطيع حجم الطلب الكلي في السوق ان يوفر فرص العمل لكل من يريد أن يعمل؟ الاجابة من وجهة نظر اصحاب المذهب الحر هي لا، فمن وجهة نظر اصحاب المذهب الحر مثل هذه النظرة للكساد غير صحيحة، لأن فشل الطلب على المستوى الكلي لا يمكن أن يحدث بصورة شاملة، ولكن من الناحية العملية الكساد يحدث ويتكرر، لماذا يحدث إذن الكساد؟

في السبعينيات خرج علينا روبرت لوكاس عالم الاقتصاد الحاصل على جائزة نوبل بتحليله بأن الكساد يحدث اساسا بسبب التشوش أو الارتباك المؤقت في الاقتصاد، وأن أي محاولة للتعامل مع الدورة الاقتصادية سوف تؤدي الى نتائج عكسية، وهو ما عرف لاحقا بنقد لوكاس Lucas Critique، على سبيل المثال باستخدام منحنى فيلبس كأداة للتحليل إذا ما حاولت الحكومة زيادة مستوى الناتج والتوظف بالتحرك يمينا على منحنى فيلبس فإن العمال وقطاع الأعمال يدركون بأن ذلك سوف يؤدي الى حدوث تضخم، ومن ثم يقومون بالتالي برفع اجورهم وأسعارهم، وهو ما يؤدي الى نقل منحنى فيلبس الى أعلى بحيث يجد الاقتصاد نفسه ينتقل على منحنى فيلبس العمودي (مستوى الناتج الطبيعي أو الكامن) مع استمرار ارتفاع الأسعار، أو ببساطة التدخل في الاقتصاد مثلما يطالب كينز يؤدي الى زيادة درجة التشويش في الاقتصاد.

غير أن نقد لوكاس، أو ما عرف بمشروع لوكاس لم يصمد كثيرا على صعيد الأدب الاقتصادي، رغم أننا ما زلنا ندرسه في الفصول الدراسية في مناهج النظرية الاقتصادية المتقدمة. من ناحية أخرى حاول بعض علماء الاقتصاد الكلي بأن يرجعوا اسس التحليل الاقتصادي الكلي الى مبادئ التحليل الجزئي بأعمال ترتكز على الاستخدام المكثف للرياضيات والتي من خلالها توصلوا إلى أن التحليل الكينزي قد مات، غير أنهم لسوء الحظ لم يقدموا تفسيرا بديلا للتفسير الكينزي، ومع ذلك فإن أعمال كينز منعت من التدريس في الجامعات وأي عمل نظري كان يرتكز على النظرة الكينزية أو يستخدم التحليل الكينزي قد تم منعه من النشر في المجلات العلمية بشكل عام.

معظم الأعمال عن الدورة الاقتصادية حديثا ارتكزت على نظرية "دورة الأعمال الحقيقية " Real Business Cycle "، والتي تشير إلى أن الكساد هو الاستجابة الكفئة والطبيعية للاقتصاد لأي صدمة تكنولوجية معاكسة، وهو الأمر الذي ترك في حد ذاته بدون شرح حقيقي لمعناه، لكن هناك ايمان كبير بهذا التفسير للكساد بين قطاع كبير من الاقتصاديين.

باختصار فإن أعداء الفكر الكينزي لم يقدموا نماذج تفسر بشكل صحيح الحقائق الأساسية للكساد، حيث تجاهلوا حقيقة أن التفسير الكينزي للكساد هو أكثر التفاسير معقولية، ولذلك ابتعدت هذه النماذج بشكل واضح عن التفسير الصحيح للكساد ومسبباته على أرض الواقع. لقد أدى فشل مشروع لوكاس ببعض الاقتصاديين الى محاولة العودة لقراءة أفكار كينز مرة أخرى، وهم من اطلق عليهم الكينزيون الجدد، وهؤلاء حاولوا الابتعاد عن مبادئ حرية السوق أو الرشد الاقتصادي، ولهذا السبب كان هؤلاء قادرون على تقديم تفسير مفيد للأزمة بعيدا المفاهيم الأساسية المسلم بها في فكر الكلاسيكيون الجدد.

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now لبول كروجمان
.

الخوف من المدخل الكينزي



منذ ان صدر كتاب كينز حول "النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود"، حتى واجه معارضة شديدة من المحافظين الذين يرفضون أي تدخل للحكومة في قوى السوق الحر، وذلك من منطلق ايمانهم بأن قوى السوق الحر قادرة على اعادة التوازن للاقتصاد واعادة ملايين العاطلين للعمل مرة اخرى طالما انه لم يتم الاضرار بحالة الثقة العامة لقطاع الاعمال في الاقتصاد وقوى السوق.
غير أن العالم الذي وصفه كينز في كتاب النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود كان مختلفا تماما عن هذه النظرة للسوق الحر. فعالم كينز هو العالم الذي تتوافر فيه نفس الأوضاع التي كانت سائدة في الثلاثينيات من القرن الماضي والتي دفعته الى تقديم كتابه الشهير والتي وضع فيها نظريته في معالجة الكساد، والذي أحدثت تطورا هائلا على صعيد التحليل الاقتصادي الكلي ومهد لظهور هذا الفرع من علم الاقتصاد كعلم مستقل.
ومع ذلك فما زالت أفكار كينز تحارب حتى يومنها هذا، على سبيل المثال غالبا ما ينظر بإعجاب الى بول سامويلسون باعتبار أنه هو الذي تولى مهمة نقل النظرية الكينزية الى الجامعات الأمريكية من خلال كتابه الشهير Economics، غير أن بول كروجمان يروي أن كتاب سامويلسون لم يكن أول كتاب يتناول تقديم النظرية الكينزية، فقد سبقه كتاب للاقتصادي الكندي لوري تارشيس، لاقى معارضة شديدة من اليمينيين باعتبار أن افكار كينز ينظر اليها على أنها افكار مضادة للرأسمالية، وأن الجامعات قد تعرضت لحملات منظمة وقوية في الاربعينيات لسحب هذا الكتاب من مكتباتها وعدم تدريسه للطلبة، وقد نجحت في ذلك في العديد من الجامعات.
بل إنه في عام 2005 اصدرت المجلة اليمينية "Human events" عددا اشارت فيه إلى أن كتاب كينز حول النظرية العامة للتشغيل والفائدة والنقود هو واحد من أشد عشر كتب ضررا بالعالم والتي صدرت في القرن التاسع عشر والعشرين بما فيها أيضا كتاب رأس المال لكارل ماركس.
لسوء الحظ وجد العالم نفسه في عام 2008 يعيش في مرة أخرى "عامل كينز" أي في اقتصادات تعاني من قصور شديد في الطلب الكلي، وهي القضية التي ركز عليها كينز بشكل أساسي في نظريته. حيث اصبح نقص الطلب الكلي هو المشكلة الأساسية التي يواجهها العالم حاليا، في ذات الوقت فإن الحلول القائمة على السياسة النقدية مثل خفض معدلات الفائدة لم تؤد الى تقديم حل مناسب لمشكلة تراجع مستويات الطلب الكلي. للتعامل مع هذه المشكلة، يرى كينز بأنه لا بد من حدوث زيادة مؤقته في الانفاق الحكومي للمساعدة على التعامل مع قصور سوق العمل، وخفض الديون على المقترضين.
للأسف الشديد لاقت افكار كينز معارضة شديدة في الكثير من المناطق في العالم، خصوصا من الاقتصاديين الذين يؤمنون بحرية السوق وحماية رأس المال، أو بمعنى أقرب حماية الأغنياء، فالمحافظين غالبا ما يعارضون فكرة أن تتدخل الحكومات لمعالجة الأوضاع الاقتصادية السيئة، باعتبار أن ذلك يمهد للأفكار الاشتراكية، على الرغم من أن كينز لم يكن اشتراكيا.
في ظل نظام السوق الحر يعتمد التوظف الى حد كبير على الثقة في أوضاع الاقتصاد، فإذا ما تأثرت هذه الثقة فإن الاستثمار الخاص يتراجع على نحو كبير وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على مستويات الناتج والتوظف وبصورة غير مباشرة من خلال تأثير انخفاض الدخل على الاستهلاك والاستثمار، ولقد حرص الرأسماليون على ممارسة قدر كبير من السيطرة على السياسات الحكومية، لمحاولة تجنب أي شيء يمكن أن يؤثر بصورة سلبية على حالة الثقة في الاوضاع الاقتصادية، لأن ذلك يمكن أن يتسبب في نشوء أزمة اقتصادية.
في ظل هذا المناخ وسيطرة مثل هذه الأفكار فقدت القوة التي يمكن أن تحدثها السياسات الحكومية والتي اقترحها كينز من خلال المشتريات الحكومية للتعامل مع قصور نظام السوق قدرا كبيرا من أهميتها، بما في ذلك العجز في الميزانية والذي يمكن أن يمكن الحكومة من التدخل في قوى السوق بشكل مباشر، ولقد شهدت الولايات المتحدة دفاعا شديدا عن أهمية حماية الثقة في آليات السوق وعدم التدخل من جانب الحكومة بصورة مباشرة لمعالجة النتائج التي ترتبت على الأزمة.
بصفة خاصة لقد تراجعت ثقة الرئيس أوباما بصورة كبيرة في رجال أعمال القطاع الخاص الذين حرصوا على الاستفادة من الاعفاءات الضريبية في الوقت الذي لا يتزايد فيه انفاقهم الاستثماري، مرددين بأن على الحكومة أن تحمي حالة الثقة في الاقتصاد حتى يتمكن قطاع الأعمال الخاص من زيادة مستويات الاستثمار واعادة ملايين العاطلين الى العمل مرة أخرى، وأن رفع الضريبة سوف يؤدي الى الاضرار بهذه العملية. ومع أنه تم خفض الضرائب فإن انفاق رجال الأعمال الاستثماري لم يزد، وهذا هو ما وصفه كينز بالضبط.
يرى كينز أن الوضع الأمثل في ظل هذه الظروف هو التدخل الحكومي المباشر من اجل العمل على فتح المزيد من الوظائف وخفض الضغوط في سوق العمل، ولكن هذه الأفكار تواجه بشراسة من اعداء التدخل الحكومي الناجح لمعاجلة حالات الضعف الكامنة في الاقتصاد، خوفا من أن هذا التدخل الناجح ربما ينعكس لاحقا في التمهيد لعودة عملية التدخل الحكومي في تسيير امور الاقتصاد وتحويلها الى أمر مستحب.
ولا شك أن ذلك لو حدث سوف يؤثر سلبا على الفئات ذات الدخول الأعلى، وهي الفئات التي تحرص دائما على أن تجعل التدخل الحكومي في شئون الاقتصاد عند حدوده الدنيا حتى لا ينعكس ذلك عليهم في صورة الزامهم بدفع المزيد من الضرائب، هذه النظرة لنظرية كينز مازالت على نفس المستوى من الحدة منذ ان تم اصدار كتاب النظرية العامة من حوالي 75 عاما، والتي عملت عبر سنين طوال على محاولة محو الأفكار التي اتى بها كينز خوفا من تضخم حجم الحكومات وزيادة دورها في الاقتصاد الحر.
في المقابل تم الترويج لقيم حرية السوق والأفكار الخاصة بكفاءة أسواق المال مثل أفكار "يوجين فاما" على الرغم من أنها أفكار جيدة عندما تسطر على الورق، أما على الأرض فالأوضاع ربما تسير على نحو مخالف تماما، ولكنها افكار تم الترويج لها بشدة باعتبارها معارضة لأفكار كينز، على الرغم من أنه خلال الثلاثينيات من القرن الماضي وفي الازمة الحالية لم يكن لمثل هذه الأفكار أي صدى على أرض الواقع.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now لبول كروجمان

هل انتهت احتمالات عودة الركود إلى غير رجعة؟؟؟



نشأ علم الاقتصاد الكلي كفرع مستقل من فروع علم الاقتصاد في الاربعينيات من القرن الماضي فقط. كان السبب الرئيس في بزوغ هذا العلم كفرع مستقل بذاته هو الكساد العالمي الكبير الذي حدث في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، حيث ظهر هذا التحليل الاقتصادي على المستوى الكلى كاستجابة للكساد العظيم. وقد كان الهدف الأساسي من هذا الفرع من فروع علم الاقتصاد هو التأكد من أن العالم لن يواجه ازمة على نفس المستوى الذي واجهها في أثناء الكساد العظيم.
في غضون سنوات قليلة من نشوء هذا العلم اصبح هناك اعتقاد بين عدد كبير من الاقتصاديين، خصوصا النيوكلاسيك، بأن الأزمات الاقتصادية التي على شاكلة الكساد العظيم قد ولت الى غير رجعة وأن السياسات الاقتصادية الكلية قد نجحت بالفعل في حماية العالم من تكرار حالات الركود، على سبيل المثال قال روبرت لوكاس الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد في منتصف التسعينيات عن اسهاماته خصوصا في مجال التوقعات الرشيدة، عندما أشار في محاضرته أمام الجمعية الاقتصادية الامريكية في 2003 بأن الاقتصاد الكلي قد حقق نجاحا كبيرا وأن مستهدفاته بمنع حالات الركود قد كللت بالنجاح، وأن الركود اصبح من الماضي.
غير أن هذا الادعاء قد جانبه قدر كبير من الصواب، حيث أن الاقتصاد الياباني كان في وقت القاء هذه المحاضرة ما زال يعاني من آثار الركود الكبير الذي عانى منه خلال عقد كامل من الزمن تقريبا أطلق عليه لاحقا العقد المفقود، كذلك لم يكن ما حدث في امريكا اللاتينية في الثمانينيات يختلف بشكل كبير عما حدث في أثناء الكساد العظيم، إلا إذا كان روبرت لوكاس يقصد بذلك تراجع احتمالات الركود في أمريكا فقط، وليس باقي دول العالم، غير أنه لم لم تمر سوى ثلاثة سنوات على محاضرة لوكاس، حتى انطلقت أكبر ازمة كساد عرفها العالم منذ الكساد العالمي الكبير.
بل ان جانبا كبيرا مما حدث في العالم في ركود 2008 يمكن أن يعزى الى الاقتصاديين أنفسهم، فقد نادى بعضهم بالتحرير المالي على أساس أنه الأداة لرفع مستوى الأداء الاقتصادي الكلي، وهو ما رفع احتمالات تعرض العالم لأزمة ركود كتلك التي عانى منها خلال العشرينيات من القرن الماضي، كما قد صوت بعضهم للأسف الشديد ضد استخدام السياسات الاقتصادية الكلية المناسبة لمواجهة الركود الحالي، باعتبار أن التدخل الحكومي لتحفيز الاقتصاد يزيد الطين بله ولا يساعد على الخروج من الركود.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now لروبرت كروجمان

أرباح لا تتناسب مع ما بذل من جهد.


هناك كثير من الاسباب التي تدعو الى الاعتقاد بأن دخول العاملين في القطاع المالي كانت دائما اكبر مما يحققونه من أهداف على أرض الواقع. على سبيل المثال يحصل مديري صناديق التحوط سنويا على رسوم في مقابل ادارة أموال المشتركين في الصندوق وكذلك نسبة من الأرباح التي يتم تحقيقها، مثل هذه الوسيلة لتحديد الأجر (أو بمعنى أصح الأتعاب) لمديري صناديق التحوط ببذل اقصى ما يستطيعون للقيام باستثمارات مرتفعة المخاطرة، والقائمة على الاقترض أساسا، فلو سارت الأمور على نحو سليم كما هو متوقع سوف يحصلون على تعويضات مرتفعة، أما اذا لم تتحقق النتائج على النحو المتوقع، فإنهم لا يطالبون بدفع ما حصلوا عليه من ارباح في السنوات السابقة، وكل ما يحدث هو أن يتركوا الصندوق.
في كتاب حديث عن صناديق التحوط بعنوان "وهم صناديق التحوط" لسيمون لاك، توصل الى انه خلال العقد الماضي لم يحقق المستثمرون في صناديق التحوط عوائد استثنائية، وأنه كان من الممكن ان يحققوا عوائد اعلى على استثماراتهم اذا ما قاموا بتوظيفها في أذون الخزانة، وأن معظم هؤلاء ربما لم يحقق عوائد على الاطلاق، فالمدير الذي تمكن من تحقيق ربح استثنائي في سنة ما قد لا يتمكن من تحقيق ذلك في العام الذي يليه، لكن المشكلة هي ان المستثمرين في هذه الصناديق وضعوا ثقتهم في المديرين الأذكياء لادارة أموالهم، على الرغم من تراكم الأدلة على أن ذلك السلوك ليس رشيدا. وحتى مع ذلك فإن ما يقوم به مديرو هذا الصناديق ليس تحقيق قيمة مضافة في الاقتصاد من الناحية الحقيقة، وانما ما يحققونه من عوائد هو بالفعل اقتطاع من عوائد لاعبين آخرين في النظام المالي.

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان

تحسين جودة التعليم في السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تصريحاً لنائب وزير التربية والتعليم، حول التحديات التي تواجه الوزارة حول كيفية إحداث نقلة نوعية لتحسين جودة التعليم وتهيئة البيئة التربوية بحيث تكون محفزة للإبداع.
من المعلوم أن مكونات تحسين جودة التعليم تشمل تطوير المعلم والمناهج الدراسية وطرق التدريس والوسائل المساعدة للتدريس ومناخ التعليم، إضافة إلى عوامل ثانوية أخرى، والتي تمثل عناصر متكاملة لا يمكن التضحية بأي منها في الخلطة اللازمة للارتفاع بالجودة الشاملة للتعليم.
المملكة من الدول النامية التي تنفق بسخاء على التعليم، غير أنه من الواضح حتى الآن أن مردود هذا الإنفاق على جودة مخرجات التعليم لا يتناسب مع الميزانيات الضخمة التي يتم توجيهها نحو هذا القطاع نظراً لانخفاض جودة العملية التعليمية، ومن ثم فإن هذا الإنفاق المادي لا بد أن يصاحبه في الوقت ذاته اهتمام بالجودة حتى يرتفع مردود العملية التعليمية على معدلات النمو الاقتصادي التي تحققها المملكة.
تطوير العملية التعليمية بتبني مدخل الجودة الشاملة هو خطوة مهمة نحو الأمام في هذا الاتجاه حتى يتمكن القطاع التعليمي من مد سوق العمل بخريجين مؤهلين قادرين على الإبداع ومواجهة تحديات سوق العمل في القرن الحادي والعشرين، فلقد أدركت الدول الناشئة أهمية التعليم في مزيج الشروط اللازمة لعملية التنمية ووجهت طاقاتها نحوه، المملكة لديها التوجه نفسه، لكن لا بد أن يصاحب ذلك إعطاء عنصر الجودة الاهتمام الذي يتوافق مع أهميتها وذلك لكي تعظم عوائدها من الإنفاق التعليمي.

المملكة خارج خريطة الإنفاق العالمي على البحث

نشرت ''الاقتصادية'' تحليلا لنتائج عمليات الإنفاق على البحث والتطوير في العالم وفقا للتقرير العالمي الأخير، مبينا خروج المملكة من قائمة أكثر الدول إنفاقا على البحث والتطوير، في إشارة إلى تراجع نسبة ما تخصصه المملكة لهذا الغرض إلى ناتجها المحلي.
هذه النتيجة قد لا تعني بالضرورة أن إنفاق المملكة على البحث والتطوير قد تراجع من الناحية المطلقة، بقدر ما قد تعني أن معدل نمو الناتج المحلي كان أعلى من معدل نمو الإنفاق على البحث والتطوير فتراجعت نسبة الإنفاق إلى الناتج وخرجت المملكة نتيجة لذلك من القائمة.
الإنفاق على البحث والتطوير لا يقل أهمية عن الإنفاق على مشروعات البنية الأساسية والتعليم والصحة وغيرها من جوانب الإنفاق الأساسية، وعندما نراجع قائمة أكثر الدول إنفاقا في هذا الجانب نجدها الدول التي تدك منتجاتها أسواق العالم، أي أن التنافس بين الدول في هذا المجال هو في الأساس تنافس على الريادة الصناعية والتجارية.
اهتمام المملكة بالإنفاق على البحث والتطوير يجب ألا يفتر في أي وقت من الأوقات، فالمملكة من أشد الدول حاجة إلى هذا النوع من الإنفاق إذا كان لها أن تحقق مستهدفاتها في تنويع هيكلها الاقتصادي والتحول من اقتصاد يسير على ساق واحدة، إلى اقتصاد موجه أساسا بالابتكار والتطوير، وهي غاية لن تتحقق سوى بالاستمرار بالإنفاق السخي في دعم ميزانيات التعليم الجامعي ومراكز البحث والتطوير سواء في الحكومة أو القطاع الخاص.

ضربت المعلمة طالبة.. فاستقال وزير التعليم

وقع هذا الحادث المؤسف في الكويت، الأسبوع الماضي، عندما لكزت معلمة طالبة في المرحلة المتوسطة، فسقطت الطالبة مغشيا عليها، وأثناء نقلها لتلقي العلاج فارقت الحياة. التحقيقات الأولية أشارت إلى عدم وجود شبهة جنائية، وأن وفاة الطالبة كانت طبيعية.
عقب زيارة وزير التربية لأهل الطفلة لتقديم واجب العزاء توجّه باستقالته إلى رئيس الوزراء، مؤكداً أن استقالته تأتي انطلاقاً من مسؤوليته السياسية، وأن جميع التلاميذ في الكويت هم أمانة في رقبته، أما وقد حدث هذا الحادث المأساوي، فإنه يعتذر عن استكمال قيادته للوزارة.
وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء، فإنه لم يقبل الاستقالة، وأنها بين يدي أمير البلاد للبت فيها، ولم يبت فيها حتى كتابة هذا التعليق. غير أن التصرّف الشجاع للوزير ضرب مثلاً يجب أن يُحتذى به في عالمنا العربي، وهو أن المسؤولية، أياً كان موقعها، هي في الأصل أمانة، وأن الأمانة تقتضي من المسؤول أن يكون عند حُسن ظن الجميع، فإن كان قادراً على حملها، فبها ونعمت، وإن لم يكن فعليه أن يترك مكانه لمَن هو أقدر على حمل الأمانة والقيام بتبعاتها.
تحية للدكتور نايف الحجرف وزير التربية الكويتي، على هذا الموقف الشجاع، فلا شك أنه ليس مسؤولاً بصورة مباشرة عن سلوك معلمة في المدرسة، ولكن أن يحدث ذلك في إحدى مدارس الكويت، فذلك أمرٌ لا يقبله ضميره، ولذلك فضّل ألا يستمر وزيراً في مؤسسات فيها مثل هذه المخالفات.

الاقتصاد البريطاني يستعد للانزلاق نحو التراجع الثلاثي

دخل الاقتصاد البريطاني العام الجديد بتقارير سيئة عن النمو الاقتصادي في الربع الرابع من العام الماضي، ولم تكن هذه البيانات المعاكسة بداية جيدة للاقتصاد البريطاني في العام الحالي، ويوما بعد يوما تتراكم المؤشرات السلبية عن النمو، حيث تتراجع معدلات النمو في القطاعات الإنتاجية على نحو واضح، حيث أصبح عدد كبير من المراقبين يؤكد اليوم أن الاقتصاد البريطاني يتجه نحو تراجع ثلاثي Triple Dip، أي العودة للدخول في الكساد للمرة الثالثة على التوالي منذ بدأت الأزمة المالية العالمية، بعد أن خرج منه مرتين بعزم غير كاف لانتشال الاقتصاد المحلي من الكساد بصورة نهائية.
لقد لجأت بريطانيا مثلها مثل باقي الدول الأوروبية إلى اتباع السياسات المالية التقشفية قبل أن يسترد الاقتصاد المحلي عافيته وعزمه بشكل كامل ليخرج من الكساد بشكل نهائي، وهو ما جعل الاقتصاد أكثر عرضة للتراجع مع تراجع مستويات الإنفاق الحكومي في هذا الوقت، وهو أهم ما يحتاج إليه الاقتصاد في أوقات الكساد، خصوصا أنه من الناحية التاريخية يعد الكساد الحالي أطول كساد مر على الاقتصاد البريطاني منذ قرن من الزمان تقريبا، وإذا حدث وانزلق الاقتصاد نحو التراجع الثلاثي فإن ذلك سيمثل ضربة شديدة للآمال بالخروج من الكساد الحالي.
وفقا لتقارير النمو لم يحقق الاقتصاد البريطاني نموا تقريبا خلال عام 2012، وذلك فيما عدا الربع الثالث، حيث ساهمت دورة الألعاب الأولمبية في تنشيط النمو ولكن بشكل مؤقت، غير أن تقارير النمو في الربع الرابع من العام الماضي أشارت إلى عودة النمو الاقتصادي نحو التراجع بمعدل 0.3 في المائة، متأثرا بصورة أساسية بتراجع الناتج في القطاع الصناعي بمعدل 1.5 في المائة، في الوقت الذي لم ينم فيه قطاع الخدمات، بينما أخذت معدلات الإفلاس بين الشركات البريطانية في التسارع، وحاليا يقدر أن نحو 10 في المائة من الشركات البريطانية هي شركات زومبي، وهي الشركات التي تقتصر الإيرادات التي تولدها على خدمة ديونها، ومثل هذه الشركات تكون الأكثر عرضة للإفلاس في أوقات انحسار النشاط الاقتصادي.
المتتبع للشأن البريطاني يلاحظ تواتر أنباء تراجع الناتج المحلي بين كانون الأول (ديسمبر) وشباط (فبراير)، فقد تراجع الناتج بنسبة 0.2 في المائة في الأشهر الثلاثة السابقة على كانون الثاني (يناير)، واستمر في التراجع بنسبة 0.1 في المائة في الأشهر الثلاثة السابقة على شباط (فبراير)، من ناحية أخرى، تراجع الإنتاج الصناعي في بريطانيا في كانون الثاني (يناير) بمعدلات هي الأسوأ منذ ستة أشهر، جانب كبير منها يرجع الى إغلاق إحدى أهم آبار النفط في بحر الشمال، وهو ما أدى إلى فقدان ثمار النمو في الإنتاج الصناعي الذي تم تحقيقه في كانون الأول (ديسمبر).
في ظل هذه الأجواء تعلقت الآمال على قطاع الخدمات لينقذ الاقتصاد البريطاني من الانزلاق نحو التراجع الثلاثي، وقد نشرت بعض التقارير اليوم والتي تشير إلى تحقيق قطاع الخدمات لمعدلات نمو جيدة في شباط (فبراير)، وهو ما نظر إليه على أنه يؤدي إلى تبديد المخاوف بانزلاق الاقتصاد نحو الكساد، غير أنه على الرغم من هذه الأخبار الجيدة عن نمو قطاع الخدمات فإن بعض المراقبين يؤكدون أن الانزلاق أمر مؤكد، وأن نمو قطاع الخدمات لن يحول دون حدوث ذلك.
لهذه الأسباب يرى المراقبون أن نتائج الربع الأول لن تختلف بصورة جوهرية عن نتائج الربع الرابع، مؤكدة دخول الاقتصاد البريطاني مرحلة الكساد للمرة الثالثة، حيث يتزايد الاعتقاد بأن يستمر الاقتصاد البريطاني في تحقيق معدلات نمو سالبة خلال الفصل الأول من هذا العام، وإذا ما تحقق ذلك فسينطبق شرط الكساد على بريطانيا وهو أن تحقق الدولة معدلات نمو سالبة لربعي سنة (ستة أشهر) على التوالي.
إذا حدث التراجع الثلاثي، فسوف تكون هي المرة الأولى التي تحدث في الاقتصاد البريطاني في غضون هذه الفترة القصيرة، أكثر من ذلك فإنه بانزلاق الاقتصاد نحو التراجع الثلاثي سيكون الاقتصاد البريطاني قد تراجع عن أعلى مستوى بلغه في 2007 وذلك بنحو 3.5 في المائة، وبسبب سوء الأوضاع الاقتصادية لا يتوقع بعض المراقبين أن تخرج بريطانيا من حالة الكساد قبل الربع الأول من 2015.
ترجع أسباب تراجع النشاط إلى أنه بعد أن تسلم تحالف المحافظين والليبراليين الديمقراطيين الحكم أعلن سياساته التقشفية كسبيل لخفض الدين العام الحكومي، وذلك استجابة للتهديدات بخفض التصنيف الائتماني المتميز الذي تتمتع به بريطانيا حاليا AAA بعد أن أعطت مؤسسات التصنيف الائتماني نظرة سلبية للاقتصاد البريطاني، حيث تم الإعلان عن استمرار السياسات التقشفية للحكومة البريطانية حتى 2018، فقد قامت الحكومة بخفض الإنفاق الاستثماري بعد تسلمها الحكم بصورة سريعة، غير أن هذه السياسات التقشفية لم تفلح في خفض الدين الحكومي، أكثر من ذلك فقد أضرت بالنمو الاقتصادي، وهي اليوم تهدد فئات كثيرة في المجتمع البريطاني بفعل تراجع الإنفاق الحكومي.
في أعقاب هذه البيانات السيئة عن نمو القطاع الصناعي تراجع الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوياته منذ ثلاث سنوات، وقد يكون لهذا الاتجاه للعملة آثار إيجابية، فمن الناحية النظرية يفترض أن يساعد الاسترليني المتراجع القطاعات الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد البريطاني، حيث يساعد على نمو التجارة الخارجية لبريطانيا وتحسين ميزان المدفوعات، غير أن انخفاض قيمة العملة لكي يساعد على تحسين مستويات التجارة للدولة لا بد أن يصاحبه ارتفاع في معدلات النمو لشركاء الدولة في التجارة، المشكلة الأساسية هي أن باقي دول الاتحاد الأوروبي والتي تمثل الشركاء الأساسيين في التجارة البريطانية تتبع السياسات التقشفية نفسها من ناحية، كما أن آفاق النمو في الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة ليست مبشرة لعوامل عدة، وهو ما يعني أن تراجع قيمة الاسترليني لن يساعد القطاع الصناعي على النمو، كما أن تراجع الاسترليني سيؤثر بالتأكيد في القوة الشرائية للأسر البريطانية، كما سيرفع من معدلات التضخم.
لقد أصبح من الواضح أن السياسة المالية البريطانية في حاجة إلى مراجعة جذرية لدفع النمو والخروج بالاقتصاد من حالة التراجع الواضح التي يغوص فيها اليوم، وذلك لكي تساعد على دفع الاستثمار والنمو. بصفة خاصة لم تعد هناك فائدة ترجى من الاستمرار في السياسة المالية الحالية بمحاولة موازنة الميزانية والإنفاق في حدود الإيرادات للسيطرة على النمو في الدين العام، فالسياسات التقشفية للتحالف الحاكم تضع الاقتصاد البريطاني في مأزق، وأكثر ما يحتاج إليه الاقتصاد البريطاني اليوم هو المزيد من الإنفاق بصفة خاصة الاستثماري في البنى التحتية، كما أنه من بين الخيارات المطروحة على الحكومة خفض الضرائب على القيمة المضافة بشكل مؤقت لرفع مستويات دخول الأسر وتحفيزها على الإنفاق.
في ظل هذه الاخبار يفترض أيضا أن بانك أوف إنجلاند، (البنك المركزي البريطاني) سيطلق موجة جديدة من التيسير الكمي لدفع مستويات النمو في الطلب الكلي، وللمساعدة على انعكاس اتجاه النمو للخروج من التراجع الثلاثي، فقد كانت لجنة السياسة النقدية كانت قد صوتت في شباط (فبراير) الماضي على ضخ المزيد من الاسترليني في جسد الاقتصاد المحلي، غير أن هذا التيسير الكمي لا بد أن يكون مصحوبا من جانب آخر بإجراءات مالية توسعية سواء في جانب الإنفاق العام أو الضرائب بالشكل الذي يساعد على رفع مستويات الطلب الكلي والنمو، وبجرعات حاسمة تساعد الاقتصاد المحلي على الخروج من الكساد بصورة نهائية.

تحية لشرطة القصيم

عندما نشرت "الاقتصادية" خبراً عن ضبط معمل في بريدة لتزوير الشهادات لجميع المراحل حتى درجة الدكتوراه، يعتقد أن جانباً من حملتها قد تمّ توظيفه. كتبت في زاوية "مجرد تعليق" تحت عنوان "مطلوب مراجعة سريعة لشهادات العاملين في الدولة"، مقترحاً أن تتم المراجعة السريعة لشهادات المعينين الجدد خلال الفترة التي عمل فيها هذا المكتب في تزوير الشهادات في ضوء ما ستسفر عنه عمليات التحقيق، حتى يمكن حصر والتخلص من أصحاب الشهادات الوهمية الذين يمارسون أعمالاً لا يملكون مؤهلات القيام بها.
أمس الأول نشرت "الاقتصادية" خبراً بعنوان "شرطة القصيم ترفع أسماء 330 مزوّر شهادة إلى الخدمة المدنية"، والذي أشارت فيه إلى أن إدارة التحريات والبحث الجنائي قامت بتوثيق أسماء 350 شخصاً مع كامل بياناتهم حصلوا على شهادات مزورة، رفعت أسماءهم إلى ديوان الخدمة المدنية، كما تم توثيق 33 شهادة مزوّرة جاهزة للتسليم. بهذه الضربة الأمنية ستتمكّن الدولة من تنظيف قوة العمل فيها من هؤلاء المحتالين وإنزال العقاب المناسب بحقهم، بما في ذلك استرداد ما حصلوا عليه من أموال طوال مدة توظيفهم، مع تحميلهم الغرامة المناسبة عليها. تحية لشرطة القصيم على ما بذلته من جهد في هذه القضية المهمة جداً، على أمل أن تتمكن جهات العمل في الدولة، سواء في الحكومة أو القطاع الخاص، من القبض على باقي من لم تضبط شهاداتهم المزوّرة وتسليمهم للعدالة لينالوا جزاء ما اقترفوا من جرم في حق المجتمع.

المدرب الوهمي


نشرت "الاقتصادية" تصريحا لمدير عام التدريب الأهلي عن أن المؤسسة تدرس مشروعات لنظام جديد لمنح التراخيص والاعتمادات للمدربين في مختلف المجالات، وذلك للحد من اتجاه بعض مراكز التدريب نحو منح تراخيص للمدربين في مقابل مبالغ مالية مرتفعة نظير تقديم برامج لإعداد المدرب غير معتمدة أساسا.
سوق التدريب من الأسواق التي تدار على نحو عشوائي، وحينما تقام آلاف الدورات التدريبية سنويا، فإن ذلك يعني أن قدرا هائلا من الإنفاق يتم تجنيبه للميزانيات السنوية للإنفاق على التدريب من جانب المؤسسات العامة والخاصة. عندما يتسرب هؤلاء المدربون الوهميون إلى سوق التدريب فإن جانبا من هذا الإنفاق يتحول إلى هدر، ومن ثم ضياع العائد الذي كان متوقعا من مثل هذا الإنفاق لو تم تقديم عملية التدريب على نحو سليم.
المدرب الوهمي هو نوع من الغش الذي ينبغي أن تتم محاربته، مثله مثل حامل الشهادة الوهمية، فبمقتضى هذه الدورات يتم تعيين شخص لأداء مهنة لا يملك مؤهلاتها، فيقع المتدربون ضحية لذلك، ويتدنى العائد المحقق من مثل هذه الدورات التدريبية على المستوى القومي، كذلك يحصل المتدربون على شهادات تدريبية في مجالات لم يتعلموا فيها شيئا، وهو نوع من الغش.
محاربة تراخيص التدريب غير المعتمدة خطوة ذات أهمية بالغة لضبط سوق التدريب في المملكة ورفع جودة العمليات التي تتم فيه، حتى يتم تقديم الدورات التدريبية على مستوى مهني مرتفع من جانب مدربين معتمدين يملكون مؤهلات تقديم مثل هذا النشاط.

إجبار أصحاب المباني على الاقتصاد في استخدام الكهرباء

نشرت ''الاقتصادية'' تصريحا لوزير المياه والكهرباء عن أن عملية توصيل الكهرباء للمنشآت والمباني السكنية والتجارية وغيرها لن تتم إذا لم يلتزم أصحاب هذه المباني بالعزل الحراري لتخفيض استهلاك الكهرباء.
ترى ما الذي يمنع أصحاب المباني من القيام بعملية العزل الحراري لتلك المباني لتخفيض تكلفة استهلاك الكهرباء؟ الإجابة ببساطة هي أن الكهرباء رخيصة الثمن، لدرجة أن استهلاك الكهرباء في ظل الأسعار الحالية، مهما ارتفع، سوف تكون تكلفته محدودة من الناحية المادية. الذي يدفع تكلفة عدم عزل المباني حراريا إذن هي الدولة، التي ترصد مبالغ هائلة سنويا لضمان وصول الكهرباء إلى مستخدميها بأسعار مناسبة، ولأنه من المعلوم اقتصاديا أن انخفاض التكلفة يؤدي إلى الإفراط في الطلب، فإن عدم توفير العزل الحراري سيعني هدرا للدعم الذي تقدمه الدولة لإنتاج هذه السلعة الحيوية سنويا.
لا شك أن إجبار أصحاب المباني على الالتزام بتوفير العزل الحراري للمباني هو خطوة صحيحة لضبط استهلاك الكهرباء وخفض التكاليف التي تدفعها الدولة كدعم لتوفير الكهرباء، وإن كان الخيار الأمثل في هذه الحالة هو تحميل المستهلك التكلفة الحقيقية للكهرباء، الذي إذا ما تم، فإنه سيدفع بالجميع، سواء أصحاب المباني القديمة أو الجديدة، إلى تركيب العزل الحراري لمبانيهم، ولكن لأن هذا الإجراء قد لا يكون مقبولا في الوقت الحالي، فإن حرمان المباني غير المعزولة حراريا من الكهرباء يصبح الخيار الأمثل من الدرجة الثانية Second Best.

تطوير إجراءات الدخول إلى المملكة

تستعد المملكة لاستقبال أعداد متزايدة من الزائرين سنويا للأماكن المقدسة، وتشهد على ذلك التوسعات الحالية لتلك الأماكن، غير أن الزائر للمملكة يصطدم بطبيعة إجراءات الدخول التي تتم حاليا من خلال مطار الملك عبد العزيز، حيث الطوابير والوقت الطويل الذي يقضيه فيه حتى يحصل على ختم الدخول.
استعداد المملكة لاستقبال مزيد من الزائرين لا بد أن يصاحبه تطوير لإجراءات دخول زائريها وخروجهم، بحيث تتم هذه العملية على نحو أيسر وأسرع وأكفأ وفي فترات زمنية قياسية، وهي مهمة تحتاج إلى تخطيط مناسب للتوصل إلى حلول فاعلة في هذا الجانب، وحبذا لو تمت الاستعانة بتجارب دول العالم التي تستقبل أعدادا كبيرة من السياح سنويا.
غني عن البيان الإشارة إلى أن تطوير إجراءات الدخول إلى المملكة يبدأ من قنصليات المملكة في الخارج، سواء من حيث المدى الزمني أو عدد الخطوات اللازمة للحصول على تأشيرة الدخول، وكيفية تصميم هذه التأشيرة بحيث تسمح بإنهاء هذه الإجراءات بصورة إلكترونية، مثل استخدام البار كود الإلكتروني، وبأقل قدر من التدخل البشري.
هذا بالطبع لا يقلل من مدى تعقيد هذه المهمة التي ينبغي أن تراعي خصوصية المملكة كدولة جاذبة للزائرين وللعمال في الوقت ذاته، إضافة إلى المخاطر الأمنية التي يمكن أن تصاحب هذه العملية، فلا شك أن متابعة دخول الملايين من هؤلاء وخروجهم سنويا مهمة ليست سهلة، والمطلوب تطوير نظام يراعي تحقيق هذه الأهداف في وقت واحد.

مساع أوروبية لاعتماد الطاقة النظيفة

نشرت "الاقتصادية" تقريرا للصندوق العالمي لحماية الحياة البرية، عن توجه الاتحاد الأوروبي للاعتماد على الطاقة النظيفة بصورة كاملة بحلول منتصف القرن الحالي. هذا التوجه يعني تخفيض استهلاك مصادر الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم، والاتجاه نحو المصادر المتجددة لتوليد الطاقة لتخفيض الانبعاثات الكربونية للحفاظ على البيئة.
هذا التوجه الأوروبي، على الرغم من الصعوبات الكامنة التي يمكن أن تعترضه في الاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل كامل في الوقت الحالي، يدق ناقوس الخطر بأن العالم ربما يستعد كي يهجر استخدام المصادر الأحفورية وعلى رأسها النفط ومنتجاته، الأمر الذي يشكل خطرا هائلا للدول النفطية جميعا.
لطالما حذرنا من الركون إلى النفط استنادا إلى أنه سيستمر لعشرات وربما مئات السنوات في المستقبل كمصدر أساسي للدخل، صحيح أن النفط يمكن أن يستمر في التدفق من باطن الأرض لسنوات طويلة قادمة، كما أن الاكتشافات والتقنيات الجديدة في الاستخراج يمكن أن تضيف مليارات البراميل الإضافية لمخزون النفط في الآبار الحالية، ولكن السؤال الأساسي، هل سيحتاج العالم لهذه الكميات الهائلة من النفط؟
أقرب الإجابات إلى الواقع هي لا، ومثلما لجأت الدول المنتجة للفحم إلى إغلاق مناجم الفحم لتراجع الطلب عليه، فإن النفط يمكن أن يواجه المصير نفسه. ما الرسالة التي يراد توصيلها من كل ذلك؟ الإجابة واضحة، لا بد من سرعة التحرك بعيدا عن النفط للانفكاك من القيد النفطي كمصدر أساسي للدخل، والبحث عن مصادر أخرى للناتج.

تقنين الأراضي الصناعية


نشرت ''الاقتصادية'' تصريحاً لوزير التجارة والصناعة، بأن الوزارة ستستمر في سحب الأراضي الصناعية من المستثمرين غير الملتزمين بشروط تخصيصها لهم، وأن الوزارة لا تسمح بنقل ملكية الأراضي الصناعية أو المتاجرة فيها.
الصناعة من القطاعات التي ينظر إليها على أنها إحدى سبل تنويع مصادر الدخل، ويمكن أن تلعب دوراً مهماً في تقليل اعتماد المملكة على النفط كمصدر شبه وحيد للدخل، لذلك تعمد الحكومة إلى تهيئة المناطق الصناعية ومدها بالخدمات الأساسية والبنى التحتية المناسبة حتى تسمح للصناعيين ببدء نشاطهم الصناعي والمساهمة الإيجابية في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتوظيف المزيد من العمالة الوطنية.
لكي تؤدي هذه الجهود مردودها لا بد أن يصاحب عمليات تخصيص الأراضي للأغراض الصناعية استثمار جاد في نشاط صناعي يتماشى مع القواعد والشروط المعمول بها في المنطقة الصناعية، ما يحدث أن بعض أصحاب التراخيص الصناعية قد يحصلون على الأراضي، لا بغرض الاستثمار الصناعي الحقيقي والقيام بنشاط إنتاجي في الدولة، وإنما يقومون بذلك لأغراض المضاربة في هذه الأراضي من خلال التحايل على إعادة بيعها بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الباطن لتحقيق أرباح على حساب الدولة.
الخطوة التي اتخذتها وزارة التجارة والصناعة ضرورة أساسية، لضمان جدية المستثمرين، وحتى تتم عملية تخصيص الأراضي الصناعية للمستثمرين الجادين، وحرمان المستثمرين الوهميين من أي أرباح يمكن تحقيقها في هذا المجال، ولكن لا بد أن يصاحب تخصيص الأرض برنامج زمني للتنفيذ يمكن متابعته على أرض الواقع.

خفض الإنفاق .. الولايات المتحدة «تتقشف»


حديث العالم اليوم هو بصفة خاصة عن برنامج خفض الإنفاق العام الذي ستبدأ الولايات المتحدة في تطبيقه ابتداء من هذا الشهر. فقد بدأت الولايات المتحدة في تطبيق روشتة جديدة للتقشف في الإنفاق العام وذلك مع توقيع الرئيس الأمريكي على برنامج لخفض الإنفاق في ميزانيات الوكالات الأمريكية الاتحادية، الذي كان جزءا من نتائج المفاوضات التي تم الاتفاق عليها في مناقشات رفع سقف الدين الأمريكي في تموز (يوليو) عام 2011. برنامج خفض الإنفاق تم إقراره إذن خلال فترة الرئاسة الأولى لأوباما، كأحد سبل خفض العجز في الميزانية، حيث تم تشكيل لجنة مشتركة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي لبحث سبل خفض الإنفاق وتخفيف الضغوط نحو زيادة الدين العام الأمريكي إلى مستويات مرتفعة، ولقد تضمن البرنامج الأساسي مقترحات بزيادة الضرائب وخفض الإنفاق بجميع أشكاله، التي منها برنامج الإصلاح المالي الذي أطلق عليه مصطلح الهاوية المالية Fiscal Cliff الذي تم تناوله بكثافة في أوائل هذه السنة، غير أن الكونجرس الأمريكي استطاع أن يتجاوز الهاوية المالية من خلال اتفاق بالسماح بزيادة الضرائب على الفئات ذات الدخل المرتفع.
لقد كان من المفترض أن يحدث أيضا توافق بين الحزبين لتجنب عمليات الخفض الأوتوماتيكي للإنفاق العام بعد توقيع الرئيس عليه، إلا أن خفض الإنفاق أصبح، حتى اليوم، أمرا خياراته محدودة أمام الإدارة الأمريكية، فعلى الرغم من أن الاتفاق قد تم توقيعه من أكثر من عام ونصف إلا أن أحدا لم يفكر في كيفية تفادي هذا الخفض في الإنفاق من الحزبين، حيث أصبح الخفض الأوتوماتيكي للإنفاق إلزاميا على الإدارة الأمريكية، ولقد بدأت المؤسسات الحكومية الأمريكية اليوم في إعداد خطط لخفض الإنفاق في الفترة المقبلة.
لقد تباينت وجهات النظر حول من يجب أن يلقى عليه باللوم في عدم تجاوز برنامج الخفض في الإنفاق، فالبعض يحمّل الرئيس الأمريكي أوباما المسؤولية، بينما يتفق عدد كبير من المحللين على أن الكونجرس بأغلبيته الجمهورية هو المتسبب في هذا الخفض، ذلك أن خيارات خفض الإنفاق كانت دائما الشعار المرفوع من جانب الجمهوريين عند مناقشة أي مقترح للإصلاح المالي في الولايات المتحدة.
مع بدء عملية تخفيض الإنفاق بدأ مصطلح ما يسمى باللغة الإنجليزية Sequestration أو Sequester التي تعني ترجمتها الحرفية الإلغاء أو السحب، في الانتشار على نحو كبير، حيث يعد هذا اللفظ من أكثر ألفاظ اللغة الإنجليزية انتشارا هذه الأيام في وسائل الإعلام، وهو مصطلح اضطر العالم لكي يتعلم معناه من الناحية الاقتصادية مع تطبيق هذا البرنامج.
وفقا لبرنامج خفض الإنفاق ستتم عملية الخفض الأوتوماتيكي للإنفاق العام بقيمة إجمالية تقدر بنحو تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة، ستبدأ هذا العام بخفض يساوي 85 مليار دولار تقريبا، حيث سيتم خفض إنفاق العديد من الإدارات الحكومية بشكل مباشر نتيجة لذلك، ووفقا للخطة سيتم خفض نصف الإنفاق المخطط تخفيضه من ميزانية البنتاجون، حيث سيتم تخفيض ميزانيات الدفاع الأمريكي بنحو نصف تريليون دولار خلال العقد القادم، ولكن الخفض سوف ينسحب أيضا إلى الإنفاق غير العسكري، حيث سيتم خصم باقي النصف الآخر من المبلغ من الإنفاق على دعم التعليم والإسكان والبطالة والبحث العلمي، كما ستنخفض عمليات الدعم المقدمة للأسر منخفضة الدخول، وكذلك قد يفقد بعض العاطلين جانبا من دعم البطالة، ضمن قائمة طويلة من عمليات خفض الإنفاق في المجالات المختلفة.
المشكلة الأساسية في التخفيضات المقترحة أنها ستطبق على كافة أشكال الإنفاق العام، الجيد منها والسيئ، مع أنه كان من المفترض أن يحدث نوع من الترشيد في عمليات الإنفاق، حيث ينصب الخفض على البرامج السيئة وتستمر برامج الإنفاق الجيدة أو الفعالة. أما أن يفرض تخفيض الإنفاق هكذا دون ضابط أو معيار واضح يتم على أساسه التخفيض فتلك مسألة تحتاج إلى مراجعة.
لقد بدأت بعض الإدارات الأمريكية في خفض عمليات التوظيف، كما بدأت بعض الإدارات الأخرى في خفض ساعات العمل لموظفيها، ولسوء الحظ أن إنفاق قطاع الأعمال منخفض وإنفاق المستهلكين منخفض أيضا، وبالتالي أن ينخفض الإنفاق الحكومي في الوقت نفسه، فإن ذلك يضيف إلى المشكلات التي يواجهها الطلب الكلي بشكل واضح، لذلك يرى البعض أن تأثير الخفض، رغم أنه محدود من حيث القيمة، في الاقتصاد الأمريكي سيكون جوهريا، أخذا في الاعتبار الأثر المضاعف للإنفاق.
غير أنه بهذه المستويات من خفض الإنفاق يرى البعض أن حجم الانخفاض منخفض جدا وأنه لا يبدو أن التطبيق الأوتوماتيكي لخفض الإنفاق العام سيحدث هذه الآثار الكارثية على الاقتصاد الأمريكي، وهناك اتفاق بين كثير من الاقتصاديين على أن خفض 85 مليار دولار من الإنفاق العام هذا العام أو حتى تريليون دولار خلال السنوات العشر المقبلة لن يترتب عليه دفع الاقتصاد الأمريكي نحو الكساد مرة أخرى، وإن كان بعض المراقبين يرون أن التأثير في الاقتصاد الأمريكي لن يتم بصورة آنية، وإنما سيأخذ وقتا لكي يحدث تأثيره في الاقتصاد.
بعض التقديرات للأثر المحتمل للخفض تشير إلى أنه سيؤدي إلى خفض معدلات نمو الناتج بنسبة 0.5 في المائة، لذلك يراجع صندوق النقد الدولي تقديرات النمو للاقتصاد الأمريكي، النمو الحالي للاقتصاد الأمريكي يسير على نحو بطيء التحرك بشكل استثنائي في هذه الفترة مقارنة بالوضع منذ بدء خروج الاقتصاد الأمريكي من الكساد. فقد أظهرت النتائج الأولية للنمو في الربع الرابع من العام الماضي أن الاقتصاد الأمريكي قد حقق معدل نمو سالب 0.1 في المائة، وقد كانت المرة الأولى التي يحقق فيها الاقتصاد الأمريكي مثل هذه المعدلات المتواضعة من بداية استعادة النشاط في 2009، صحيح أن المراجعة الثانية لمعدل النمو أظهرت تحقيق الاقتصاد الأمريكي لنمو موجب 0.1 في المائة، إلا أنه ما زال أيضا معدلا متواضعا جدا.
البعض الآخر يرى أن التخوف الأساسي من أثر الخفض في الإنفاق اليوم ليس مقصورا على أثره الاقتصادي فحسب، وإنما أيضا من آثاره المتوقعة في قدرة المؤسسات الحكومية المختلفة على الاستمرار في تقديم الخدمات العامة بالكفاءة التي كانت تقوم بها من قبل نفسها.
غير أنه على الرغم من صغر المبالغ المتوقع خفضها من الإنفاق العام سواء بالنسبة لحجم الاقتصاد الأمريكي أو لحجم ماليته العامة، فإن عملية خفض الإنفاق لا تتوافق من حيث الأساس مع ما يحتاج إليه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحالي خصوصا في الأجل القصير، وبمعنى آخر فإن الخطة التي تم توقيعها تأتي في التوقيت الخاطئ على الإطلاق للاقتصاد الأمريكي، فليس هذا هو وقت التقتير على الاقتصاد بخفض الإنفاق العام، بالعكس، أكثر ما يحتاج إليه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحاضر هو أن تتبنى الولايات المتحدة سياسات مالية توسعية تضمن رفع مستويات الإنفاق العام لتحفيز الطلب الكلي وتحسين أوضاع سوق العمل الذي لا تكاد تنخفض فيه معدلات البطالة، على الرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على انطلاق الأزمة المالية العالمية، والتقشف يمكن أن يؤخر من فرص استعادة النشاط الاقتصادي، وجدوى السياسات التقشفية في مثل هذا التوقيت لا تجلب إلا المزيد من البؤس الاقتصادي، على سبيل المثال تميل أوضاع أوروبا نحو التعقيد من الناحية الاقتصادية حيث يسير التعافي الاقتصادي في مسار سيئ وتميل معدلات البطالة نحو الارتفاع، بسبب السياسات المالية التقشفية التي تتبعها.
من المؤكد أن عملية خفض الإنفاق المقترحة لن تؤدي إلى خفض عجز الميزانية بشكل ملموس، أو تحد من نمو الدين العام بالشكل الذي يبرر هذه التكاليف الإضافية في هذا التوقيت السيئ، حيث سيؤدي الخفض إلى تحميل الاقتصاد الأمريكي بتكاليف مثل هذا التخفيض دون أن يصاحب ذلك مكاسب ملموسة، وهو بلا شك سلوك أقل ما يوصف به أنه نوع من الغباء في صناعة السياسة الاقتصادية الأمريكية، لكن عملية خفض الإنفاق الأخيرة ستمثل الاختبار العملي لسياسات الجمهوريين الذين ملأوا الدنيا صراخا بضرورة الحد من الإنفاق العام للسيطرة على عجز الميزانية ونمو الدين العام، ولا شك أن استجابة النمو في الاقتصاد الأمريكي ستقدم الرد المناسب على مثل هذه السياسات، وهو ما سنراه في السنوات المقبلة.

إلغاء نظام الكفيل وتحويل وزارة العمل إلى الكفيل الوحيد

يشترط النظام الحالي لاستقدام العمالة الوافدة أن يكون هناك كفيل سعودي للعامل الأجنبي يظل على إقامته طوال فترة وجوده في البلاد. الهدف من نظام الكفيل هو تنظيم عملية الاستقدام للعمالة الوافدة. غير أنه بمرور الوقت أصبح نظام الكفيل لا يعمل في مصلحة العمالة الوطنية، فالكفيل هو المورد الأساسي حالياً للعمالة إلى سوق العمل بغض النظر عن التطورات التي تحدث في أعداد الداخلين الجدد من العمالة الوطنية، أو تطورات معدل البطالة بين المواطنين.
النظام الحالي لكفالة العمالة الأجنبية يؤدي إلى إجهاض الجهود التي تبذلها الدولة لسعودة سوق العمل، حيث يمثل نظام الكفيل الباب الخلفي لدخول هذه العمالة، خصوصاً العمالة الهامشية، مما يعقّد عملية صناعة السياسات المناسبة لسوق العمل، ففي الوقت الذي تتزايد فيه أعداد العاطلين من العمالة الوطنية وارتفاع معدلات البطالة بين الداخلين الجدد منهم لسوق العمل على نحو خطير، تتزايد أعداد العمالة الوافدة تحت مبررات عديدة، الكثير منها غير حقيقي.
ما الحل إذن لمواجهة هذا الأمر؟ الحل يكمن في إلغاء نظام الكفيل تماماً، حيث تتحوّل وزارة العمل إلى الكفيل الأوحد للعمالة الأجنبية التي ترد إلى البلاد. بهذا الشكل ستتحول الحكومة إلى كفيل ومخطط لسوق العمل في الوقت ذاته، بمعنى آخر، فإنها ستسمح باستقدام المهارات التي تحتاج إليها سوق العمل فقط، وتحد من العمالة التي تنافس العمالة الوطنية وكذلك العمالة الهامشية أو السائبة لضبط سوق العمل السعودية.

تعثر المشاريع الحكومية في المملكة

نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا حول أسباب تأخر تنفيذ المشاريع الحكومية خلال سنوات الخطة التاسعة، التي بلغت نسبتها وفقا لغرفة جدة نحو 70 في المائة، بإجمالي استثمارات يصل إلى تريليون ريال تقريبا. يشير التقرير إلى أن الإجراءات البيروقراطية في الحكومة هي المتسبب الرئيس في عمليات التعثر، مثل بطء آليات عقود المشاريع العامة، وكذلك تأخر وزارة المالية في صرف المستحقات المالية، كما حمل التقرير وزارة العمل بعض اللوم لصعوبة منح التأشيرات اللازمة وصعوبة إجراءات دخول المقاولين الأجانب.
عندما تتباطأ عمليات تنفيذ المشروعات العامة في الخطط التنموية على الرغم من رصد المبالغ اللازمة للإنفاق الاستثماري عليها، فإن ذلك يعني أن مستهدفات الخطة من حيث معدلات النمو المستهدفة في الدخل والناتج والتوظيف لن تتحقق كما هو مرصود في الخطة، وأن سنوات من النمو الاقتصادي سيتم فقدانها، بالرغم من تدبير إمكانات النمو اللازمة، نتيجة تعثر المشروعات أو تأخر تنفيذها.
الإسراع بجهود التنمية وتحقيق مستهدفاتها لا بد أن يصاحبه في الوقت ذاته تطوير لآليات التنفيذ وتبسيط إجراءاتها ونسف المعوقات بأشكالها المختلفة، سواء تلك المتعلقة بالإجراءات الحكومية البيروقراطية أو تحرير الميزانيات المالية المرصودة، أو تلك المتعلقة بدور المقاولين أو القطاع الخاص، جميع الجهات لا بد أن تعمل في منظومة متناغمة كي تضمن التنفيذ السريع للمشاريع الحكومية المدرجة في الخطة، تمهيدا لإفساح المجال نحو إدراج مزيد من المشروعات الجديدة في الخطة التي تليها، حتى يتم تسريع معدلات النمو في المملكة.

تطوير النقل الداخلي في المدن المقدسة


أول ما يلفت انتباه الزائر للأماكن المقدسة في المملكة أن النقل الداخلي يسير بصورة عشوائية على نحو كبير، حيث يعمل في هذا المجال مَن يستطيع القيادة تقريباً، إذ ينظر إلى نقل الزوّار على أنه أحد سبل تحصيل الرزق في الأماكن المقدّسة حتى لأصحاب السيارات الخاصّة، الملاحظ أيضا أنه في المواسم تتغيّر أسعار النقل على مدى اليوم، حيث ترتفع أسعار الانتقال بصورة كبيرة أوقات الذروة، حيث يستغل مَن يقوم بنقل الركاب حاجة الزوّار الماسّة إلى الانتقال.
أجور النقل الداخلي في الأماكن المقدّسة تحتاج إلى تحديد من جانب الإدارة العامة للمرور، حيث تكون هذه الأجور عادلة للطرفيْن، سائق السيارة والراكب، وأن تكون هذه التعرفة للنقل معلنة، بحيث يكون الراكب على علم بتكلفة الانتقال عبر المدينة المقدّسة، وأن تضع الإدارة عقوبات صارمة لمَن يخالف هذه التعرفة.
من المفترض في مدينة سياحية مثل مكة المكرّمة أن يكون من يعمل في مجال نقل الركاب متخصصاًَ في هذه المهنة، وعلى وعي بطبيعتها ومتطلباتها وأسس تقديم هذه الخدمة، وطبيعة التزاماته تجاه الزائر. باختصار، عملية نقل الركاب في المدن المقدسة تحتاج إلى تنظيم، حيث تقتصر ممارسة هذه المهنة على مَن يحصل على ترخيص للعمل فيها فقط، لقد آن الأوان لتنظيم خدمة النقل الداخلي داخل المدن المقدسة، وأن تكون أحد مجالات توظيف العمالة الوطنية، أما أن يعمل في هذا المجال كل مَن هبّ ودبّ فذلك أمرٌ يحتاج إلى مراجعة.

البطالة تسجل مستويات قياسية في الاتحاد الأوروبي

أعلنت وحدة الإحصاءات الأوروبية يوم الجمعة الماضي، آخر إحصاءات معدلات البطالة عن شهر كانون الثاني (يناير)، ووفقا للتقرير ارتفع معدل البطالة المتوسط في الاتحاد الأوروبي إلى مستوى قياسي جديد وهو 11.9 في المائة. هذا هو الشهر الثالث على التوالي الذي تستمر فيه البطالة في الارتفاع.
بهذا المعدل يكون هناك نحو 26 مليون عاطل في الـ 27 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. معدلات البطالة ليست واحدة في دول الاتحاد، حيث توجد أقل المعدلات في النمسا (4.9 في المائة) وألمانيا ولوكسمبورج (5.3 في المائة)، بينما تصل البطالة إلى أعلى مستوياتها في إسبانيا (26.2 في المائة) واليونان (27 في المائة). هذه الأخبار السيئة تؤكد أن عملية استعادة النشاط الاقتصادي في أوروبا لا تسير على النحو الصحيح.
مع الأسف الشديد فإن أوروبا تواجه الكساد بالروشتة الخطأ، حيث تتبنى برامج للإنفاق العام تقوم على التقشف. في أوقات الكساد وتراجع مستويات الطلب الكلي يكون السبيل الوحيد لرفع قدرة الاقتصاد على النمو وتحسين أوضاع سوق العمل، هو محاولة دفع مستويات النشاط الاقتصادي من خلال برامج إنفاق عام تحفز الطلب الكلي، وذلك باتباع سياسات مالية توسعية. ما يحدث من الناحية العملية هو أن أوروبا تطبق برامج للإنفاق العام ترتكز على إجراءات تقشفية لمحاولة السيطرة على العجز المالي والحد من نمو الدين العام، النتيجة الطبيعية لمثل هذه السياسات أن تظل مستويات الناتج والتشغيل أقل من مستوياتها الكامنة، ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف أن تواصل معدلات البطالة الارتفاع، وهذا ما يحدث بالفعل.