الأربعاء، يونيو ٣٠، ٢٠١٠

ما هو التضخم

طلب مني بعض القراء ان اقدم مقالا عن مفهوم التضخم وأنواعه ومسبباته.. الخ، ولهؤلاء أعيد نشر مقال سابق عن التضخم.

يعرف الاقتصاديون التضخم بأنه "الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار"، ومن هذا التعريف المقتضب نجد أن هناك شرطان للحكم على وجود التضخم، الأول هو أن يكون الارتفاع في الأسعار مستمرا، فارتفاع الأسعار خلال شهر أو شهرين مثلا لا يعد تضخما، وإنما يطلق عليه لفظ "ارتفاع أسعار"، وليس تضخما. وبشكل عام يمكن القول أن استمرار الارتفاع في الأسعار لأكثر من سنتين متتاليتين يعد دليلا على حدوث التضخم.

أما الشرط الثاني فهو أن يكون هذا الارتفاع في "المستوى العام للأسعار" (أي أسعار معظم السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون المقيمون في المناطق الحضرية) مستمرا. وليس شرطا أن ترتفع كافة الأسعار أثناء التضخم، فمن الممكن أن تنخفض بعض الأسعار، ومع ذلك نقول بأن هناك تضخما. فما هو المستوى العام للأسعار؟. عندما يتم حساب المستوى العام للأسعار فانه يكون على شكل رقم قياسي Index، لسله من السلع والخدمات التي يشتريها المستهلكون المقيمون في الحضر. وتقسم هذه السلع والخدمات إلى مجموعات، على سبيل المثال مجموعة الأغذية والمشروبات، ومجموعة الملابس والأحذية، ومجموعة الخدمات الصحية... الخ. ويحسب المستوى العام للأسعار في سنة الأساس (أي سنة تكوين الرقم القياسي) من خلال ضرب كمية السلع التي يشتريها المستهلكون من السلع في كل مجموعة في أسعارها في سنة الأساس. ثم يحسب الرقم القياسي من خلال قسمة الإنفاق على السلة في السنة الحالية على الإنفاق على السلة بأسعار سنة الأساس وضرب الناتج في 100. وبما أن السنة الحالية هي نفس السنة في سنة الأساس فان الرقم القياسي للأسعار يكون 100 في سنة الأساس.

وبمرور الوقت تتغير أسعار السلع والخدمات ارتفاعا وانخفاضا، الأمر الذي يترتب عليه تغير مستويات الإنفاق للمستهلكين على السلة عن سنة الأساس. فنقوم بحساب الإنفاق على السلة مرة بضرب كميات السلع والخدمات التي يتم شراءها حاليا في الأسعار الحالية لتلك السلع والخدمات، ومرة أخرى بالضرب في أسعار سنة الأساس، ثم نقوم بإعادة حساب الرقم القياسي للأسعار بنفس الطريقة السابقة. ومن ثم فان ارتفاع الرقم القياسي للأسعار يعني وجود ارتفاع في الأسعار، اذا استمر فإننا نطلق عليه تضخما.

مشكلة الرقم القياسي للأسعار أنه يحتوي على مجموعات من السلع تختلف نسبة إنفاق الأفراد عليها من شخص لآخر، على سبيل المثال فان مجموعة خدمات السكن يختلف الإنفاق عليها بشكل جوهري بين مؤجري المساكن ومالكي المساكن التي يقيمون بها. ففي أوقات التضخم ترتفع أسعار المساكن ومن ثم إيجاراتها بشكل واضح، فيشعر مؤجري المساكن يعبئ هذا المصدر من مصادر التضخم، بينما لا يشعر مالكي المساكن بهذا المصدر من مصادر ارتفاع الأسعار. وكمثال آخر فانه في أوقات التضخم ترتفع رسوم التعليم في المدارس الخاصة، فيشعر آباء التلاميذ في تلك المدارس بهذا المصدر، بينما لا يشعر به آباء التلاميذ في المدارس العامة، أو الأفراد الذين ليس لديهم أولادا في المدارس. ولذلك يميل الاقتصاديون إلى حساب ما يسمى بـ "التضخم الجوهري Core inflation"، أي الارتفاع في أسعار السلع الأكثر استقرارا وذلك من خلال استبعاد مجموعات السلع ذات التقلب الشديد في الاسعار مثل اسعار الأغذية واسعار الطاقة مثل أسعار البنزين.. الخ. كبديل أفضل للتعبير عن حالة التضخم.

ولكن ما الذي يسبب التضخم، ويدفع بالمستوى العام للأسعار نحو هذا الارتفاع المستمر؟. بشكل عام هناك تفسيران للتضخم، الأول هو التضخم الناجم عن ضغوط الطلب على السلع والخدمات، ويطلق على هذا النوع من التضخم "تضخم جذب الطلب". ويحدث ذلك عندما يميل الطلب الكلي (طلب المستهلكين على السلع والخدمات الاستهلاكية، وطلب قطاع الأعمال على السلع والخدمات الرأسمالية، ومشتريات الحكومة من السلع والخدمات، وصافي صادرات الدولة أي الفرق بين الصادرات والواردات) إلى الارتفاع، بصورة أكبر من قدرة الإنتاج على مواجهة هذه الزيادات في الطلب، فتحدث ضغوط على الموارد المستخدمة في إنتاج السلع والخدمات (مثل العمال والمواد الخام.. )، وترتفع أسعار عناصر الإنتاج مما يؤدي إلى زيادة التكاليف ومن ثم الأسعار. وفي هذا النوع من التضخم "يطارد إنفاق كبير للمستهلكين عرضا محدودا من السلع والخدمات".

أما التفسير الثاني للتضخم فهو التضخم الناجم عن صدمات العرض، ويطلق على هذا التضخم "التضخم المدفوع بالتكاليف"، ويحدث ذلك عندما تحدث صدمة لجهاز عرض السلع والخدمات نتيجة ارتفاع أجور العمال مثلا أو ارتفاع أسعار النفط .. الخ، فتميل التكاليف نحو الارتفاع ومن ثم الأسعار، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية للأجور، أو أسعار النفط، فيطالب العمال بأجور أعلى، أو مصدري النفط بأسعار أعلى، مما يؤدي إلى استمرار ارتفاع التكاليف، فارتفاع الأسعار، وهكذا في حلقة حلزونية للارتفاع من الأجور إلى التكاليف إلى الأسعار، أو من سعر النفط إلى التكاليف إلى الأسعار، وهكذا.

وتلعب صدمات العرض الدور الأساسي حاليا في التضخم. فالتضخم الذي نعاني منه حاليا سببه ارتفاع أسعار النفط من جانب، وارتفاع أسعار الغذاء بسبب الصدمات التي يتعرض لها إنتاج الغذاء، ومنها النفط، من جانب آخر، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات ومن ثم الأسعار. ويمكن القول بأننا في الدول المصدرة للنفط نصدر التضخم إلى العالم، في صورة الأسعار المرتفعة للنفط، ونستورد التضخم من العالم، في صورة ارتفاع أسعار السلع التي نستوردها من الخارج.

وتشير المدرسة النقودية إلى أن التضخم في أي وقت، وفي أي مكان هو ظاهرة نقودية، أي ظاهرة تنجم عن الزيادة المستمرة في عرض النقود. وأن ارتفاع عرض النقود بنسبة ما يؤدي إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار بنفس النسبة. فعندما تقوم الحكومة بإصدار المزيد من النقود يدرك الأفراد أن القوة الشرائية لتلك النقود ستميل إلى الانخفاض، فيعمد الأفراد إلى التخلص من تلك النقود، وهو ما يؤدي إلى تغذية جانب الطلب. من ناحية أخرى فان زيادة عرض النقود يؤدي إلى انخفاض معدلات الفائدة (ثمن النقود)، وهو ما يساعد على تشجيع الطلب. ولذلك يطلق على الزيادة في عرض النقود في المجتمع على أنها ضريبة التضخم، أي أنها بمثابة ضريبة تحصلها الحكومة من الأفراد في المجتمع في صورة انخفاض القوة الشرائية للنقود التي يحتفظون بها بفعل زيادة الكميات المصدرة منها. ويحدث التضخم الجامح Hyper-inflation، وهو أخطر أنواع التضخم، عندما يحدث إفراط شديد في عرض النقود، بصفة خاصة في أوقات الحروب، او أوقات عدم الاستقرار السياسي، فتحدث زيادات هائلة في الأسعار، قد تكون بشكل يومي. على سبيل المثال التضخم الذي ساد بعض دول أوروبا في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية. أو التضخم الذي ساد في بعض دول أمريكا اللاتينية في فترة الثمانينيات من القرن الماضي. وعلى ذلك تلعب السياسة النقدية، او البنك المركزي دورا محوريا في ارتفاع المستوى العام للأسعار. حيث أن ارتفاع مستويات الطلب الكلي أو صدمات العرض بحد ذاتها لن تؤدي إلى التضخم ما لم يكن ذلك مصحوبا بسياسات نقدية لملائمة الأوضاع Accommodating، والتي تلجأ إليها الحكومة لمعالجة النتائج الناجمة عن دفع الطلب او صدمات العرض، بدلا من الانتظار حتى تلعب قوى السوق دورها في الحد من آثار تلك النتائج.

أما أصحاب مدرسة الطبيعة Naturalists، فيقسمون التضخم إلى نوعين تضخم ناتج من الطبيعة Natural، والذي يعد دالة مباشرة في الأرض كعنصر نادر. حيث يؤدي ارتفاع ريع الأرض (بما في ذلك أسعار الموارد الطبيعية كالنفط)، إلى ارتفاع الأجور لمواجهة ارتفاع الريع مما يؤدي إلى ارتفاع التكاليف ومن ثم الأسعار. وهكذا فان التضخم الراجع إلى الطبيعة يعود إلى ارتفاع ريع الأرض (أو الريع بشكل عام)، ومن ثم ارتفاع أسعار الغذاء، وارتفاع أسعار الموارد الطبيعية مثل النفط وغيره من المعادن. والتضخم الذي لا يرجع إلى الطبيعة، والناتج عن تدخل البنك المركزي من خلال ضخ المزيد من عرض النقود، وتعديل معدلات الفائدة. ومن هذا المنطلق فان التضخم الذي نعيشه اليوم هو تضخم يعود إلى الطبيعة حيث ترتفع أسعار الغذاء والنفط، وتضخم لا يعود إلى الطبيعة بسبب إفراط البنوك المركزية في عرض النقود. ومن ثم فان علاج التضخم حاليا يتركز أساسا في البحث عن موارد طبيعية متجددة بحيث يثبت عنصر الريع ومن ثم تتم السيطرة على التضخم الذي يعود إلى الطبيعة.

وبالنسبة لتوقعات الأفراد حول التضخم، هناك نوعان من التضخم: التضخم المتوقع، وأثر هذا التضخم على الأفراد محدود، لان الأفراد عندما يتوقعون معدلا معينا للتضخم فإنهم يأخذون هذا المعدل في الحسبان في خطط إنفاقهم أو في أية عقود يبرمونها، مثل عقود العمل، عقود التأجير.. الخ. ومن ثم فانه يسهل على الأفراد مواجهة هذا النوع من التضخم لأنهم يأخذونه في الاعتبار. أما النوع الثاني فهو التضخم غير المتوقع، أي الذي لم يأخذه الأفراد في الحسبان عند إبرام عقودهم المختلفة، وهو أخطر أنواع التضخم لصعوبة مواجهة آثاره. على سبيل المثال اذا كنت تعيش علي إيجار عقار تملكه، وكان معدل التضخم المتوقع هو 5%، فانك ستحرص على أن تبرم عقود الإيجار الخاصة بالعقار الذي تملكه بإضافة نسبة 5% إلى معدل الإيجار السائد حاليا، وذلك لمواجهة أثر التضخم المتوقع. فإذا حدث وكان التضخم الفعلي بعد ذلك هو 15%، فان ذلك يعني أن معدل التضخم غير المتوقع يساوي 10%، وأنت لم تأخذه في الاعتبار عند إبرام عقود تأجير عقارك. فتكون النتيجة انك تخسر 10% من القوة الشرائية لإيجار عقارك (دخلك)، ولا تستطيع مواجهة ذلك لأنك أبرمت عقد التأجير، وعليك الانتظار حتى ينتهي العقد لرفع الإيجار مرة أخرى.

ولكن هل يتضرر عموم الأفراد من التضخم؟ الإجابة هي لا، لأن هناك فئات تضار من التضخم، وفئات تستفيد من التضخم، ولذلك غالبا ما نقول أن التضخم يحدث آثارا توزيعية، أي يعيد توزيع الدخل من فئات معينة لصالح فئات أخرى. فعندما يرتفع معدل التضخم تنخفض القوة الشرائية للدخل (قدرة الدخل الذي يحصل عليه الفرد على شراء السلع والخدمات المختلفة)، أو ما يطلق عليه الدخل الحقيقي، ولكن ذلك لا يعني انخفاض الدخل الحقيقي للاقتصاد ككل، فما ندفعه في صورة أسعار مرتفعة، يذهب إلى طرف آخر في الاقتصاد، هو المنتجين او بائعي السلع ومقدمي الخدمات. وبشكل عام ينقسم الأفراد في المجتمع إلى مجموعتين، مجموعة لا تستطيع أن تعدل مستويات دخولها، بسبب ثبات مصادر دخلها، مثل الموظفين وأصحاب العقارات والمتقاعدين الذين يعيشون على المعاشات التي تدفعها الدولة.. الخ. وهذه المجموعة من الأفراد هي أكثر المجموعات تضررا من التضخم، لأن القوة الشرائية لدخولها الثابتة تميل إلى الانخفاض مع ارتفاع الأسعار، في الوقت الذي لا تستطيع أن ترفع من دخولها الثابتة لمواجهة آثار التضخم. أما أصحاب الدخول المتغيرة، مثل التجار وأصحاب المهن الحرة.. الخ، فيستطيعون بسهولة تعديل مستويات دخولهم لمواجهة آثار التضخم. كذلك فان أصحاب المدخرات في البنوك يتعرضون للخسارة في أوقات التضخم، حيث تميل القوة الشرائية لمدخراتهم في البنوك إلى الانخفاض بمرور الوقت بفعل التضخم. كذلك يتضرر المقرضون للأموال من التضخم غير المتوقع (حيث يفترض أنهم يأخذون في الاعتبار التضخم المتوقع في حساب معدلات الفائدة على قروضهم. ويطلق على زيادة معدل الفائدة نتيجة التضخم المتوقع "علاوة التضخم")، بينما يستفيد المقترضون للأموال في أوقات التضخم، حيث سيقترضون أموالا ذات قوة شرائية مرتفعة، ويعيدون سدادها بقوة شرائية منخفضة.

بقي أن نشير إلى أنه في الأوقات التي يرتفع فيها الطلب تميل فيها معظم الأسعار نحو الارتفاع ويحدث التضخم، فماذا عن الأوقات التي يقل فيها الطلب على السلع والخدمات، هل تنخفض فيها الأسعار، الإجابة هي بشكل عام لا، لأن الأسعار والأجور في مجملها تتسم بعدم القابلية للانخفاض Sticky ، أي أنها ترتفع في أوقات زيادة الطلب، بينما تثبت ولا تنخفض في أوقات انخفاض الطلب.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

الثلاثاء، يونيو ٢٩، ٢٠١٠

إعادة التفكير في العملة الخليجية الموحدة 4: للمرة الرابعة الريال السعودي هو البديل الأمثل للعملة الخليجية الموحدة

نشر في جريدة الوطن البحرينية بتاريخ الثلاثاء 29/6/2010.
هذه هي الحلقة الأخيرة في سلسلة مقالات إعادة التفكير في العملة الخليجية الموحدة، والتي تناولنا فيها بالتحليل مدى توافر شروط منطقة العملة المثلى في دول المجلس واحتمالات نجاح هذه العملة المقترحة، وقد توصلنا من التحليل إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي ليست منطقة عملة مثلى وأنه مع الأسف فإن الجانب الأكبر من هذه المتطلبات غير متوافر حاليا لدول مجلس التعاون كتكتل، الأمر الذي يحد من فرصة إطلاق العملة الموحدة على نحو آمن، ومنذ البداية وأنا أحذر من مشروع العملة الخليجية الموحدة، نظرا لما قد يحمله من مخاطر لمجلس التعاون ربما تهدد، في حال اشتدادها، مسيرة التعاون ذاتها بين دول المجلس. لقد خطا مجلس التعاون خطوات عملاقة، على الأقل نظريا، في العقد الماضي حيث تم إطلاق ثلاثة مشاريع رئيسية للتكامل هي الاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، وأخيرا الموافقة على الاتحاد النقدي وذلك في أقل من سبع سنوات، وهو ما يمثل اختصارا هائلا للمدى الزمني اللازم لإطلاق مثل هذه المشاريع الضخمة، على نحو قد يوحي للمراقب بأن المجلس يطلق مشاريع التكامل واحدا تلو الآخر في صورة أقرب إلى سد الخانات منها إلى إرساء قواعد متينة لمشاريع تكامل تتسم بالقوة والواقعية والاستدامة. فكيف تفكر دول المجلس في إصدار عملة موحدة، وهو أقصى مستويات التكامل الاقتصادي، وهي لم تنته بعد من مشروع الاتحاد الجمركي، وهو أولى مراحل التكامل الاقتصادي. من الواضح أن الإصرار على المضي في مشروع العملة الخليجية المشتركة هو قفز كبير فوق معطيات الواقع الذي لا يساند عملية إطلاق مثل هذه العملة.

فتبني مشروع مثل العملة الموحدة ليس على نفس القدر من البساطة التي صاحبت إطلاق مشروعات أخرى، بعضها تم إطلاقه على الورق تقريبا، على سبيل المثال، أين السوق الخليجية المشتركة التي تم إطلاقها منذ ثلاث سنوات؟ ما أثرها في دول المجلس؟ كيف استفادت منها الدول الأعضاء؟ هل يشعر بها المواطن في دول المجلس في حياته اليومية؟ ماذا استفاد منها المستهلك الخليجي؟ وماذا استفاد منها التاجر الخليجي؟ وماذا قدمت للتجارة البينية بين الدول الأعضاء؟ وهل أدت إلى اتساع نطاق انتشار الشركات الخليجية عبر دول المجلس ومن ثم اتساع حجم المبادلات عبر الخليج من خلالها؟ إذا كانت الإجابة هي لا ندري، فكيف يمكن أن نمضي قدما في مشروع في غاية الخطورة مثل العملة الخليجية الموحدة، والذي يمس بشكل مباشر دخول ومدخرات وثروات والقوى الشرائية للمواطنين في دول المجلس دون أن نتأكد أولا من متانة مؤسسات التكامل بالشكل الذي يضمن الحفاظ على استقرار هذه العملة. أنا لست ضد إطلاق عملة خليجية موحدة، على العكس لقد عددت من مزاياها في مواضع عدة، ولكني مع الإطلاق الآمن للعملة الموحدة والتي تتطلب بشكل رئيس تجانس السياسات وتناغمها في دول المجلس كافة لكي نضمن استقرار الأوضاع التي تؤثر في مسار تلك العملة، وهو ما أراه حاليا بعيدا عن الواقع المطلوب.

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت دول المجلس غير مهيأة للمضي في إطلاق العملة الموحدة، فما هو البديل المتاح أمام هذه الدول للاستفادة المزايا التي يتيحها مشروع العملة الموحدة وفي ذات الوقت تتجنب المخاطر المصاحبة لإصدار عملة موحدة غير ناجحة؟ أعلم إجابتي على هذا السؤال لن تعجب الكثير من القراء، خصوصا المقيمين خارج المملكة العربية السعودية، ولعلي أتذكر أنني عندما طرحت فكرة تبني الريال السعودي كبديل أمثل للعملة الخليجية الموحدة، منذ ما يقرب من خمس سنوات مضت، في الكويت وكان ذلك في ندوة نظمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية عن العملة الخليجية الموحدة، ووجهت بهجوم شديد من الحاضرين في الندوة والذين لم يستطيعون هضم فكرة أن يتم إلغاء عملتهم الوطنية الدينار الكويتي ليتم استبدالها بالريال السعودي. وقد نشرت هذا المقترح عدة مرات، داخل الكويت وخارجها وكان آخرها في صحيفة الاقتصادية السعودية، وأنا أتفهم خلفية هذا الهجوم وأعلم أنه لا يقوم على أساس علمي، وإنما يرتكز من أساس سياسي أو عاطفي بالدرجة الأولى، بينما أنا أتناول الموضوع من زاوية علمية بحتة وأفترض ان الدول الأعضاء في المجلس صادقة بالفعل في محاولة الاستفادة من الفرص التي تتيحها مثل هذه العملة، وأن دول المجلس والمقيمين فيها بلغوا من النضج الفكري والسياسي والاقتصادي ما يؤهلهم لقبول أي مقترح طالما أن فيه مصلحة للجميع بغض النظر عن الاعتبارات السياسية أو العاطفية.

الفكرة الأساسية من المقترح هي أنه إذا كانت دول مجلس التعاون تواجه احتمالات تعرض مشروع العملة الموحدة للفشل نظرا للتهديدات المختلفة التي تواجه عملية إصدار هذه العملة، فإن البديل الأمثل من الدرجة الثانية الذي يمكن أن تلجأ إليه هو اختيار عملة قائمة بالفعل من عملات دول مجلس التعاون، والاتفاق على استخدامها كعملة موحدة بدلا من إصدار عملة جديدة. العملات المرشحة لأن تلعب دور العملة الخليجية الموحدة هي الريال السعودي والدينار الكويتي والدرهم القطري والدينار البحريني، وذلك باعتبار ان كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان تعدان حاليا خارج نطاق المشروع، وحسبما أعلن لا تفكران في العودة إليه، على الأقل في الوقت الحالي. عندما نعقد مقارنة بين هذه العملات الأربع من حيث حجم عرض النقود لكل منها، ونطاق السوق المحلي الذي تستخدم كل منها فيه، وحجم المعاملات التي يتم تمويلها باستخدام كل منها، وحجم الاحتياطيات التي يحتفظ بها البنك المركزي المصدر لكل من هذه العملات، وعدد المستهلكين الذين يستخدمون كل عملة، وحجم المبادلات التجارية بين كل دول من دول مجلس التعاون التي يتم تسويتها بهذه العملات، نجد أن كافة المقارنات تصب في صالح الريال السعودي، وهو ما يرشح استخدام الريال السعودي كعملة موحدة بدلا من العملة الخليجية الموحدة. المطلوب إذن وفقا لهذا المقترح ان يتم استبدال العملات المحلية لدول المجلس الأعضاء في الاتحاد النقدي الخليجي بالريال السعودي.

ولكن ما هي المبررات التي يمكن الاستناد إليها في تطبيق هذا المقترح؟، لقد أشرت في المقالات السابقة إلى أن هناك الكثير من المخاطر المصاحبة لإصدار عملة خليجية موحدة جديدة، ولعل بعض دول مجلس التعاون بدأت حاليا تعي لطبيعة هذه المخاطر بعد أزمة اليورو، وهو العملة الموحدة لدول أكثر قوة واستقرارا من الناحية الاقتصادية من دول مجلس التعاون، ففيما بالك إذا ما تعرضت دول المجلس لمخاطر مماثلة، وهي عرضة لمثل هذه المخاطر من وقت لآخر، وبصورة أكثر احتمالا من دول الاتحاد الأوروبي، ماذا سيكون الأثر على اقتصاديات دول المجلس.

شخصيا، لا أرى أي مبرر حاليا لإلغاء عملات الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي واستبدالها بعملة أخرى حيث لا يرجى أن يترتب على ذلك فوائد ملموسة في ظل تضاؤل حجم التجارة البينية وحركة انتقال رؤوس الأموال والأشخاص بين دول المجلس. ومن وجهة نظري، إذا كانت دول المجلس تبحث بالفعل عن عملة موحدة فإن تبني الريال السعودي ربما يكون هو البديل الأمثل للعملة الموحدة، ذلك أن استعمال الريال السعودي كعملة موحدة لدول المجلس يعد أفضل من إنشاء عملة جديدة، وذلك للأسباب الآتية:

1. أن المملكة العربية السعودية هي الدولة صاحبة النفوذ الأقوى داخل المجلس، سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية، وهو نفوذ يفوق حاليا تأثير ألمانيا في الاتحاد النقدي الأوروبي، لا بد وأن نعترف بهذه الحقيقة.

2. أن الاقتصاد السعودي هو أقوى اقتصادات المنطقة من حيث الحجم والعمق وعدد المستهلكين وحجم قوة العمل وكبر حجم السوق إلى آخر هذه المؤشرات الاقتصادية الهامة، حيث يتم فيه إنتاج أكثر من 50 في المائة من الناتج المحلي لدول مجلس التعاون في المتوسط، وهو ما يضفي قوة استقرار أكبر للريال السعود، بدلا من إنشاء عملة جديدة يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، وتتأثر بما يدور في اقتصاديات كل دولة من دول الاتحاد النقدي كل على حدة.

3. أن الريال السعودي يسانده رصيد كبير من الاحتياطيات الدولية السائلة أو شبه السائلة، خصوصا هذه الأيام، في ظل الفوائض التجارية الضخمة التي تحققها المملكة في ميزان مدفوعاتها، والتي تمكن المملكة من التدخل في الوقت المناسب لحماية الريال ضد مخاطر تقلب معدلات صرفه أمام العملات الرئيسية في العالم، وضمان استقرار معدلات صرفه عند المستويات المستهدفة في مقابل تلك العملات.

4. أن الريال السعودي يتمتع بشكل عام بدرجة عالية من الاستقرار في أسواق الصرف الأجنبي، خصوصا في مقابل الدولار الأمريكي عملة الربط الرئيسية لدول المجلس، وهو ما يجنب دول المجلس مخاطر عدم الاستقرار الذي يمكن أن تتعرض له العملة الخليجية الموحدة في أسواق النقد الأجنبي بها.

5. أن تبني الريال السعودي سوف يلغي الحاجة إلى إنشاء بنك مركزي خليجي، ومن ثم إزالة أسباب الخلاف حول الموقع والتي أدت إلى انسحاب الإمارات من مشروع الاتحاد النقدي، كما أنه لا يزال يمثل مصدرا كامنا للخلاف المستقبلي حول حصة كل دولة في موظفيه، وكيف ستدار عملياته، وكيفية تحديد معدل صرف العملة الموحدة، وغيرها من القضايا الأخرى الشائكة، في الوقت الذي نجد فيه أن مؤسسة النقد السعودي هي مؤسسة قائمة ومستقرة ولها خبرة طويلة في إدارة شؤون السياسة النقدية للمملكة منذ زمن طويل، وتتمتع بخبرة طويلة في إصدار وإدارة عرض الريال السعودي.

6. أن العملة الخليجية الموحدة المزمع إصدارها يحيط بها كثير من عوامل عدم التأكد، ومن ثم يمكن أن تمثل مصدرا كامنا لعدم الاستقرار النقدي في دول المجلس، خصوصا أن دول المجلس سوف تقوم باستبدال عملات قوية ومستقرة بعملة جديدة يحيط بها عديد من المخاطر الكامنة.

من وجهة نظري، فإن الأسباب السابقة تدعم مقترح إمكان تبني الريال السعودي كعملة خليجية موحدة بسهولة، هذا إذا كان الهدف الأساسي من تكوين الاتحاد النقدي هو إطلاق عملة موحدة للاستفادة من المزايا التي تقدمها تلك العملة لدول المجلس، وأن الدول الأعضاء في المجلس صادقة النية في تبني المقترح الأنسب للقيام باتحاد نقدي فيما بينها. أنا أقدر أن عملية الاتفاق على تبني الريال السعودي كعملة موحدة لن تكون مسألة سهلة، بل وتتطلب من دول مجلس التعاون الاتفاق على مجموعة من القضايا ذات الحساسية وأهم تلك القضايا:

1. الاتفاق على آلية لاقتسام إيرادات عملية إصدار الريال السعودي بين المملكة العربية السعودية والدول الأخرى الأعضاء المجلس، وهو إجراء تتبعه الدول الأعضاء في أي اتحاد نقدي تتفق على استخدام عملة إحدى الدول كعملة موحدة لها. على سبيل المثال يقتسم البنك المركزي في جنوب إفريقيا إيرادات عمليات الإصدار مع الدول التي تستخدم الراند الجنوب إفريقي، أي مع ليسوتو وسوازيلاند وناميبيا أعضاء المنطقة النقدية المشتركة في إفريقيا. وهناك عدة آليات يمكن استخدامها في هذا المجال على سبيل المثال نسبة الناتج المحلي الإجمالي في الدولة إلى إجمالي الناتج في دول الاتحاد النقدي، أو على أساس عدد السكان، أو على أساس نسبة عرض النقود إلى إجمالي عرض النقود في دول المجلس قبل الانضمام إلى الاتحاد النقدي مع تنمية الحصة بنسبة النمو في الناتج... الخ.

2. إضافة وظائف أخرى لمؤسسة النقد السعودي منها أن تصبح الملجأ الأخير للدول الأعضاء لتوفير احتياجات الائتمان المطلوبة في أوقات نقص السيولة لدى أجهزتها المصرفية، وأن تتولى رسم السياسة النقدية الموحدة التي تتناسب مع الظروف الاقتصادية السائدة في كافة دول المجلس، وليس في المملكة العربية السعودية فقط.

3. إعادة هيكلة إدارة المؤسسة بحيث تتكون من لجنة إدارة تضم موظفين من الدول الأعضاء، وفق نظام محدد للتصويت وفق حصص تصويتية محددة حسب عدد السكان أو نسبة الناتج المحلي إلى إجمالي الناتج في دول المجلس، وبآلية متفق عليها لإقرار السياسات النقدية المناسبة قبل تبنيها، على سبيل المثال بالإجماع أو بأغلبية محددة متفق عليها.

4. إعادة تصميم الريال السعودي بحيث لا يحمل أية صور لشخصيات تاريخية سعودية، منعا للحساسية التي يمكن أن تتولد عن ذلك لدى المواطنين في الدول الأخرى، الأعضاء في المجلس والتي يمكن أن تنشأ عن استخدام الريال السعودي بتصميمه الحالي.

5. إعادة صياغة نظام معدل صرف الريال السعودي من خلال سلة عملات تتوافق مع أوزان المبادلات مع شركاء التجارة في دول مجلس التعاون، بدلا من النظام الحالي القائم على الربط مع الدولار، لإحداث قدر أكبر من الاستقرار في معدل صرف الريال بالنسبة للعملات الأخرى غير الدولار الأمريكي.

أعلم أن المواطن الخليجي المقيم خارج المملكة قد ينظر إلى تبني الريال السعودي على أنه انتقاص من السيادة القومية لبلده وتبعيته للسلطات النقدية السعودية، وهو ادعاء في غير محله، ذلك أن تبني العملة الخليجية الموحدة المزمع إنشاؤها يحمل أيضا انتقاصا للسيادة القومية للدول الأعضاء في عملية إصدار العملة الوطنية لمصلحة البنك المركزي الخليجي. ولا ينبغي أن ننسى أن الهدف الأساسي من هذا المقترح هو تدنية المخاطر المحتملة للعملة الموحدة على الاقتصادات الوطنية لدول المجلس، وتعظيم المنافع الناجمة عن استخدام عملة موحدة مستقرة ومنخفضة المخاطر.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

السبت، يونيو ٢٦، ٢٠١٠

نمو الاقتصاد الأمريكي في الربع الأول أقل من المتوقع

أسفرت المراجعة النهائية لبيانات النمو الحقيقي في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من هذا العام عن تحقيق الاقتصاد الأمريكي لمعدل نمو حقيقي يبلغ 2.7%، وذلك مقارنة بنمو متوقع 3.2% وفقا للتقديرات الأولية التي نشرت عن نمو الناتج، والتي انخفضت الى 3% وفقا للمراجعة الثانية، بهذا الشكل ينمو الاقتصاد الأمريكي بمعدل 0.5% أقل مما هو متوقع. على الرغم من هذا التراجع في النمو عما هو متوقع، إلا أن هذا هو الربع الثالث على التوالي الذي يحقق فيه الاقتصاد الأمريكي نموا موجبا منذ ان بدأت الأزمة المالية. التقديرات المبدئية عن الربع الثاني ربما تشير إلى أن استعادة النشاط الاقتصادي قد فقدت بعض العزم في ظل ارتفاع معدلات البطالة وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي وتراجع مشتريات المساكن. غير انه وفقا للاحتياطي الفدرالي ليس من المتوقع أن يعود الاقتصاد الأمريكي إلى حالة الكساد مرة أخرى أو يواجه تراجعا مزدوجا.

المراجعة النهائية لبيانات النمو عن الربع الأول تشير إلى زيادة إنفاق قطاع الأعمال بمعدل 2.2% بدلا من 3.1% وفقا للتقديرات الأولية، والنمو في قطاع المبرمجات والمعدات تزايد بـ 11.4% بدلا من 12.7%. من ناحية أخرى فاق النمو في الواردات ذلك المحقق في الصادرات مما ترتب عليه حدوث عجز في ميزان المدفوعات، والذي يخصم من بيانات الناتج المحلي الإجمالي. أما المبيعات النهائية للمستهلكين المحليين والذي يعد أهم مقاييس الطلب المحلي فقد تزايد بـ 1.6% بدلا من 2% وفقا للتقديرات الأولية.

وفقا لهذه البيانات فإن الاقتصاد الأمريكي، بصفة خاصة سوق العمل، سوف يحتاج إلى المزيد من حزم التحفيز المالي للإبقاء على معدلات النمو عند مستويات عزم مرتفع، على الرغم من الآثار السلبية التي تحملها تلك الحزم على عجز الميزانية ومن ثم الدين العام الأمريكي.

تجدر الإشارة إلى أنه في ظل هذا الأداء للاقتصاد الأمريكي فإن التوقعات تتصاعد حاليا بأن يعود الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى إلى الكساد في 2011، وذلك مع عودة الضرائب المرتفعة نتيجة لانتهاء أجل الخفض الضريبي الذي أدخلته إدارة الرئيس السابق جورج بوش. الأبحاث التطبيقية التي أجريت على الاقتصاد الأمريكي (من قبل مستشارة الرئيس الأمريكي أوباما الاقتصادية الأمريكية المشهورة كريستينا رومر وزوجها) تشير نتائجها إلى أن الضريبة تحدث اثر مضاعف ثلاثي، أي أنه إذا ما تم خفض الضرائب بنسبة 1%، فإن الأثر على الناتج المحلي الإجمالي يكون بزيادة الناتج بثلاثة أضعاف الخفض الضريبي، وإذا ما تم زيادة الضريبة بنسبة 1%، فان الناتج المحلي الإجمالي ينخفض بثلاثة أضعاف الزيادة في الضريبة.

إذا كان الاقتصاد الأمريكي سوف يستمر في تحقيق معدل نمو متواضع حتى نهاية العام، وفقا لبعض التقديرات عند 2%، فإن زيادة الايرادات الضريبية بأكثر من 1% من الناتج المحلي الإجمالي سوف تعني تراجع النمو إلى مستويات سالبة. غير أن هذا الأثر سوف يعتمد على أي نوع من الضرائب نتحدث، فمما لا شك فيه أن زيادة الضرائب إذا اقتصرت على الأغنياء فإنها لن تتسبب في هذه الآثار. أو ربما قد يعمل الكونجرس على مد العمل بالتخفيضات الضريبية التي قامت بها إدارة بوش وتأجيلها لبعض الوقت. غير أن الآثار المالية لمثل هذا الخيار لاشك أنها سوف تكون مؤثرة، وربما يكون هذا الخيار محدودا في ظل تصاعد عجز الميزانية وزيادة نسبة الدين العام الى الناتج.

والآن هل يستعد العالم للخروج من الأزمة المالية العالمية ومن ثم الكساد العالمي الذي صاحبها؟، أم أنه يستعد لدخول أزمة مديونية؟، وهل فعلا فقاعة الديون الحكومية تستعد الآن للانفجار في دولة بعد الأخرى ليعود العالم مرة أخرى الى الكساد؟ أعتقد أنه من السابق لأوانه الحديث عن هذه السيناريوهات فالحقائق على الأرض لا تشير الى توافر العزم الكافي لحدوث مثل هذه السيناريوهات، وعلينا أن ننتظر ما سوف تنبئ عنه الأيام في المستقبل.

انظر http://www.bea.gov/national/nipaweb/TableView.asp?SelectedTable=2&Freq=Qtr&FirstYear=2008&LastYear=2010
و http://www.google.com.kw/reader/view/?hl=en&tab=wy#stream/feed%2Fhttp%3A%2F%2Fwww.creditwritedowns.com%2Ffeed
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

ثلاث بنوك أمريكية تفلس هذا الأسبوع

أفلس هذا الأسبوع ثلاث بنوك أمريكية هي:

البنك الأول وهو بنك Peninsula Bank, Englewood, Florida في ولاية فلوريدا وهو البنك الرابع عشر الذي يتم إعلان إفلاسه في الولاية والبنك الرابع والثمانين في الولايات المتحدة منذ بداية العام. بلغت أصول البنك في مارس الماضي 644.3 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات لديه 580.1 مليون دولارا، وسوف يكلف إفلاس هذا البنك الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 194.8 مليون دولارا. آخر بنك أغلق في الولاية هو بنك Bank of Florida – Southwest, Naples، والذي أغلق في 28 مايو 2010.

البنك الثاني هو بنك First National Bank Savannah, Georgia في ولاية جورجيا وهو البنك التاسع الذي يفلس في الولاية والبنك الخامس والثمانين على مستوى الولايات المتحدة منذ بداية العام. بلغت أصول البنك في مارس 252.5 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات لديه 231.9، وتبلغ تكاليف إفلاس هذا البنك التي سيتحملها الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 68.9 مليون دولارا. آخر بنك أفلس في الولاية هو بنك Satilla Community Bank, Saint Marys الذي أعلن إفلاسه في 14 مايو 2010.

البنك الثالث هو بنك High Desert State Bank, Albuquerque, New Mexico في ولاية نيو مكسيكو وهو البنك الثاني الذي يفلس في الولاية منذ بداية العام، والبنك السادس والثمانين في الولايات المتحدة. هذا البنك من البنوك الصغيرة جدا، حيث بلغت أصوله في مارس الماضي 80.3 مليون دولارا، بينما بلغت المودعات 81 مليون دولارا، إفلاس هذا البنك سوف يكلف الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 20.9 مليون دولارا. أول بنك أفلس في الولاية هو بنك Charter Bank, Santa Fe والذي أفلس في 22 يناير الماضي.

حتى يوم الجمعة الماضي بلغ إجمالي عدد البنوك التي أفلست في الولايات المتحدة 86 بنكا منذ بداية العام. وكان الأسبوعين الماضيين قد شهدا هدوءا نسبيا في أعداد البنوك التي أعلنت إفلاسها.

المصدر: http://www.fdic.gov/
مدونة اقتصاديت الكويت ودول مجلس التعاون.

الجمعة، يونيو ٢٥، ٢٠١٠

عالم لا يتعلم من أزماته 4/12: فقاعة أسعار الأراضي في فلوريدا


نشر في جريدة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 25/6/2010.
كانت الولايات المتحدة في العشرينيات من القرن الماضي تعيش نفس حالة الرخاء التي كانت تتمتع بها أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث ارتفعت معدلات التوظف وتحسنت ظروف العمل بصورة واضحة، وازدادت المدخرات لدى الأسر، وتكونت الثروات لدى الكثير من الأشخاص، وبدءا من 1920 بدأت حياة البذخ في أمريكا، وأخذت أسعار الأسهم في بورصة الاوراق المالية في الارتفاع على نحو سريع، وتحول الكثير من المستثمرين إلى أثرياء، وكان هناك اعتقادا سائدا بأن الرفاهية التي تعيشها الدولة سوف تستمر إلى ما لا نهاية، لذا شهد عقد العشرينيات أعظم فترات المضاربة في التاريخ الأمريكي، ولم ينته هذا العقد إلا بحدوث أزمتين متتاليتين مرتبطتين بفقاعتين، الأولى هي فقاعة أسعار العقارات في فلوريدا وهي موضوع حلقتنا اليوم، والثانية هي فقاعة سوق الأسهم في وول ستريت في نيويورك والتي أشعلت الكساد العالمي الكبير، والتي سوف نتناولها لاحقا بإذن الله.

بدأت القصة بتهافت المزارعين على شراء أراض في فلوريدا مدفوعين بطبيعة الجو الأدفأ في الشتاء في الولاية، ثم بدأ الهوس بأراضي فلوريدا ينتشر بمرور الوقت، وأخذ سعر هكتار الأرض في الارتفاع بصورة حادة حتى بلغ 1000 دولارا للهكتار الواحد (وهو مبلغ كبير في هذه الأيام)، وبدأت عمليات استصلاح الأراضي تتم على نحو واسع لتوفير الأراضي التي يطلبها المضاربون بشدة. من ناحية أخرى ازداد إقبال الأفراد على قضاء العطلات في فلوريدا حيث تحولت إلى واحدة من أكثر المناطق شعبية في الولايات المتحدة، وأصبحت المكان المفضل للأشخاص الذين يرغبون في قضاء عطلة الشتاء في المناطق الدافئة، ثم إلى ساحة للمتباهين في ذات الوقت بثرواتهم، وأخذ النشاط السياحي في التوسع في الولاية، وارتفعت مستويات النشاط الاقتصادي فيها تبعا لذلك. وبسرعة غير مسبوقة في الولايات المتحدة قامت فلوريدا بإنشاء مجتمعات للجولف، ومنتجعات للمتقاعدين، ومساكن لقضاء العطلات، وحمامات للسباحة، وانتشرت الشقق الفخمة في كل منطقة في الولاية تقريبا والتي تم تسويقها جميعها بنفس السرعة، وانتشرت الكازينوهات غير القانونية وحانات الشرب في ميامي، وبالطبع كانت المناطق القريبة من الشواطئ هي الأكثر تفضيلا، ودفع البالون أيضا فلوريدا إلى تطوير المزيد من الجسور والطرق والشوارع لكي تتماشى مع النمو في أنشطة سوق العقار، وأصبحت فلوريدا ملعبا للأثرياء والمشاهير، وساد في الولاية رواجا عظيما، وأصبح ينظر إليها على أنها مدينة فاضلة حقيقية على الأرض، باختصار كانت فلوريدا تحق شعبية واسعة جدا في الولايات المتحدة، لدرجة ان شراء أي عقار في الولاية كان يضمن تحول المشتري في غضون فترة قصيرة جدا إلى مليونير.

حتى هذه اللحظة كان من الممكن لأي شخص ان يستثمر في فلوريدا، حتى بدون أن يتوافر لديه الإمكانيات التمويلية الكافية، وأصبحت عملية ضخ رؤوس الأموال في سوق العقار في الولاية وقودا لعملية المضاربة على العقارات، لدرجة أنه في عام 1922 تحولت جريدة ميامي هيرالد إلى أكثر صحف العالم ثقلا، بسبب الإعلانات الكثيفة عن العقارات في فلوريدا. اخذ الناس في الشمال يسمعون عن أن أسعار العقارات تتضاعف ضعفين وثلاث أضعاف مسببة ما يعرف بأثر كرة الجليد، وبدأت الهجرة على نطاق واسع للولاية، وازدادت أعداد السكان فيها بصورة مستمرة، وهو ما أدى الى تصاعد الطلب على المساكن بصورة تتجاوز إمكانيات العرض المتاح منها، ساعد على ذلك توافر إمكانيات التمويل، لدرجة أنه في أوج هذه الفورة العقارية تحول كل شخص في الولاية تقريبا إما إلى مستثمر في العقار أو وكيل عقاري، وعلى الرغم من تصاعد أعداد الوكلاء العقاريين على نحو كبير، فقد كان هناك طلبا كافيا لإبقاء هؤلاء الوكلاء مشغولين. لم يتطلب الأمر وقتا طويلا لأخبار الولاية لكي تنتقل إلى باقي أطراف الولايات المتحدة، وأصبح الهم الشاغل لكل أمريكي هو أن يكون له حصة في ما يحدث في فلوريدا، وذلك لمضاعفة ثروته من خلال عقاراتها، من ناحية أخرى أخذ التهور يزداد بين الأمريكيين الأثرياء، والذين حرص كل شخص منهم على أن يتملك أفخم عقارا في الولاية.

يفترض أن يؤدي هذا الارتفاع غير الطبيعي في الأسعار إلى إبعاد الأفراد عن هذا المجال من مجالات الاستثمار، ولكن كما هو الحال في كافة الأزمات التي مرت على العالم، عندما يأخذ سعر أصل ما في التضاعف لضعفين أو ثلاثة أضعاف في غضون فترة زمنية قصيرة، فإن ذلك يكون مدعاة لجذب كافة أشكال المضاربين الذين يتوافدون إلى الساحة كالطيور العطشى على مياه النهر قبل الغروب، وبالطبع أخذت معهم رؤوس الأموال في التدفق إلى الولاية على نحو غير مسبوق، ومع تدفق رؤوس الأموال في سوق العقارات في الولاية أخذت فقاعة الأسعار في الانتفاخ. لسوء الحظ فإن قواعد اللعبة كانت وما زالت هي هي، عندما يقوم المضارب بضخ كمية كبيرة من النقود لشراء أصل أو سلعة، فإن عليه أن يقوم بأكثر من ذلك لكي يحقق أرباحا، وهو أن يحاول أن يدفع بالأسعار نحو الارتفاع بأي ثمن.

في ظل هذا المناخ أخذت الأسعار ترتفع على نحو فلكي، فقطعة الأرض التي يتم شراءها في بداية العام بـ 800 ألف دولار كانت تباع في نفس العام بأربعة ملايين دولارا، وكانت الأسعار منتفخة لدرجة أنه في عام 1926 كان يمكن شراء شقة بحوالي 4.5 مليون دولارا، وهو الثمن الذي كان يكفي لشراء بيتا فاخرا في ميامي. في ظل هذه الأسعار الخيالية لم يعد في قدرة المستثمرين الجدد الدخول إلى السوق، وبدأ المستثمرون القدامى في البيع، وانتشر الذعر، وكما هو الوضع في الحالات المماثلة توقفت الأسعار في سوق العقارات عن الارتفاع.

في عام 1925 أخذت الكتابات التشاؤمية عن عقارات الولاية تنتشر انتشار النار في الهشيم، على سبيل المثال حذرت مجلة فوربس من أن أسعار العقارات في فلوريدا ترتكز الآن على احتمال وجود عميل، وليس على القيمة الحقيقية للعقارات. مع هذا التصاعد الخرافي في الأسعار بدأ قلق المضاربين من تراجع معدلات العوائد، في صورة ارتفاع الأسعار، وهو ما ولد نوعا من الذعر نحو البيع، وكما هو الحال في مثل هذه الأزمة، لم يجد البائعون أي مشتر بسبب الأسعار القياسية للعقارات التي تتجاوز إمكانيات الجميع.

مع تراجع أعداد المشترين، أخذت الأسعار في التراجع، وفي غضون اشهر بدأت الفقاعة في الانفجار. هنا فقط أدرك المضاربون أن هناك حدودا للأسعار التي يمكن ان تصل إليها العقارات، ومن ثم بدأ يحدث انعكاس الاتجاه، من تكالب على الشراء إلى تكالب على البيع. لسوء الحظ أنه في ظل هذه الأسعار الفلكية للعقارات، كان هناك آلاف الطلبات للبيع، بينما لا يوجد مشترى واحد، حيث أصبح من الصعب وجود مشتر للعقارات، في ظل تلك المستويات الرهيبة للأسعار، وآيا كان الأمر فإن الأسعار في ظل هذه الأوضاع لا بد وأن تهوي على نحو مدوي، وذلك مع اتجاه المدينين نحو التخلص من عقاراتهم لتلافي الإفلاس، وفي اغلب الأحول لم يجد البائعون المشترين وانتشرت حالات الإفلاس بين المستثمرين بسبب القروض العقارية الضخمة على عاتقهم.

ساعد على انفجار الفقاعة في هذه الحالة هبوب إعصار وتسونامي في فلوريدا (على غير العادة في هذه المنطقة)، والذي أدى إلى تدمير العديد من المنازل وخلف خسائر حادة في الممتلكات، وأخذت الأسعار في الانهيار بصورة أكبر بعد ذلك مخلفة حالات الإفلاس والتوقف عن الدفع المعهودة في كل الأزمات، وتحولت الولاية إلى مكان مقفر مهجور ومنعزل عن باقي أنحاء أمريكا، لدرجة أنه عندما حدث الكساد العالمي الكبير في عام 1929 لم تتأثر فلوريدا بالأزمة مثلما تأثرت باقي أنحاء أمريكا، لأنها كانت بالفعل في ظروف اقتصادية سيئة للغاية قبل حدوث الأزمة.

انهيار الأسواق غالبا ما يأتي على نفس الصورة، بغض النظر عن نوع السلعة أو الأصل الذي يتم التعامل فيه، حيث دائما ما تعمل نفس العوامل النفسية البسيطة في المساعدة على حدوث الأزمة. إذ لم ينظر أي من الذين تورطوا في الأزمة إلى الوراء للإطلاع على الأمثلة التي يمدنا بها التاريخ، ولهذه الحماقة يتحول هؤلاء في النهاية إلى فقراء بعد وقوع الأزمة، فمن لا يتذكر الماضي عليه أن يتحمل التكاليف المصاحبة لتكراره. نفس هذه القصة تكررت بحذافيرها لاحقا عبر فترات زمنية كثيرة، وفي عديد من المناطق، آخرها ما حدث في دبي في العام الماضي، فقد كانت دبي تسير على نفس خطى فلوريدا العشرينيات، وتوافرت لها نفس الظروف من توقعات تفاؤلية باستمرار الارتفاع في أسعار عقارات دبي إلى ما لا نهاية، ورغبة حميمة في البناء بغض النظر عن التكلفة، مصحوبة بتوافر التمويل، وتدفق المستثمرين من كافة أنحاء العالم للاستفادة من الفرص التي تتيحها عقارات الإمارة، ونمو كبير في النشاط السياحي، حتى وقعت الأزمة المالية العالمية، فحدث ما نشهده اليوم في دبي. إنه بالفعل عالم لا يتعلم من أزماته.

الجدير بالذكر أنه في هذه الفترة كان يعيش في بوسطن أحد شياطين الاستثمار وهو تشارلز بونزي والذي أتى بخطة جهنمية، عرفت بعد ذلك بخطة بونزي والتي سوف تكون موضوعنا القادم إن شاء الله.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

الأربعاء، يونيو ٢٣، ٢٠١٠

الإماراتية في طريقها لأن تصبح أكبر شركة طيران في العالم

كشفت شركة الإماراتية للطيران عن أخبار مزعجة جدا لمنافسيها الدوليين في آسيا وأوروبا، حيث فاجأتهم بخططها لبناء أسطول من 90 طائرة من طراز Airbus SAS A380 وهو ما يضيف 45 ألف كرسي إلى طاقة النقل للشركة، فضلا عن تكلفة تشغيل اقل بـ 12% من طائرات البووينج الأخيرة 747، الأمر الذي ينظر إليه على أنه يشكل تهديدا كبيرا للناقلين الأوروبيين المتخصصين في النقل على الخطوط طويلة المدى عابرة القارات مثل بريتش إير وايز ولوفتهانزا. الطلب الأخير الذي أعلنت عنه الشركة هذا الشهر بشراء 32 طائرة A380 بقيمة 11 مليار دولارا سوف يمنح الشركة  70 طائرة سوبر جامبو أكثر من أي خطوط جوية أخرى في العالم. منافسي الإماراتية بصفة خاصة لوفتهانزا ومجموعة إير فرانس-كي إل إم، ومجموعة خطوط سنغافورة، يقولون بأن الإماراتية تتمتع بميزة تملك الحكومة لها ومن ثم فإنهم لا يمكنهم أن يتنافسوا مع قدراتها الشرائية. أعتقد أن منافسي الاماراتية يبحثون عن سبب يبرر تخلفهم في السباق مع أكثر شركات الطيران نموا في العالم، فالتجربة في مجال الاعمال تثبت أن الدعم الحكومي لا يضمن أي تميز للشركة المدعومة، ومعظم شركات الطيران في العالم مدعومة من الحكومات، ومع ذلك تجدها اسوأ الشركات من حيث الترتيب أو مستوى الخدمة، أي أنه على العكس الشركات التي تتمتع بدعم حكومي غالبا ما تتراجع تنافسيتها بصورة حادة في وقت قصير، أما الوضع في الاماراتية كان مختلفا.



الأمر الذي يشيع السرور في النفس هو أن الاماراتية الآن تمتلك حاليا كراسي ركاب عابرة للقارات أكبر من شركتي إير فرانس وبريتش إير وايز مجتمعتين، ويقول المدير التنفيذي للوفتهانزا ان شركته قضت 40 عاما حتى تكون لديها 30 طائرة 747 في السماء، وذلك في واحد من أكبر اقتصاديات العالم. مما لا شك فيه أن هذا الاستثمار الذي قامت به الإماراتية هو استثمار للعالم. الجدير بالذكر أيضا هو أن نمو الإماراتية في العقد الأخير كان يسير على نحو غير مسبوق، ففي عام 2000 احتلت الإماراتية المركز 24 عالميا، متساوية مع سابرينا، الشركة البلغارية التي أفلست العام التالي، ومنذ ذلك العام والشركة تحقق نموا كبيرا سواء من حيث أعداد المسافرين أو من حيث المسافة التي تقطعها، وفي العام الماضي أصبحت الاماراتية اكبر ناقل على الخطوط الدولية. أكثر من ذلك، بهذه الصفقة، تمتلك الإماراتية الآن ميزة تنافسية كبيرة بالنسبة لمنافسيها، حيث أصبحت تكلفة الميل/للكرسي اليوم في الإماراتية أقل من أي ناقل آخر في العالم. بهذه الإضافة الهائلة أصبحت الشركة تمتلك الآن قوة ضاربة تمكنها من نقل المسافرين الدوليين عبر القارات من أمريكا الشمالية إلى آسيا، ومن أوروبا إلى آسيا واستراليا وهكذا. وتخطط الشركة بأن تصل إلى الشاطئ الغربي في الولايات المتحدة من دبي بدون توقف في 2014.



اليوم تسير الإماراتية 14 رحلة يومية من المملكة المتحدة، وذلك من ست مطارات منها خمس رحلات من هيثرو وثلاث من جيتويك، أكثر من ذلك فإن 40% من الرحلات التي تنطلق من المملكة المتحدة تقوم بعمل ترانزيت في دبي. ونظرا للموقع المتميز واستراتيجية الاعمال التي تتبناها دبي لمطارها، فقد شهد المطار في العام الماضي ازديادا في أعداد المسافرين منه بنسبة 9.2%، إلى 41 مليون مسافر، ليحتل مطار دبي المركز الرابع عالميا في مارس الماضي بعد مطار "هيثرو" في لندن، ومطار باريس "شارل دي جول"، ومطار هونج كونج. أتوقع أن يتقدم الترتيب الدولي لمطار دبي قريبا بصورة أكبر، خصوصا وأن أحدث البيانات المتاحة عن النمو في أعداد المسافرين في مايو الماضي تشير إلى حدوث ارتفاع بنسبة 14%. بهذا الشكل يصبح النقل الجوي أكثر الصناعات نموا حاليا في دبي، بعد ان تأثرت باقي القطاعات سلبا بأزمة المديونية في 2009، والتي ترتب عليها خسائر في قيم العقارات بنسبة تصل إلى 50%، وتراجع النمو في دبي بشكل عام.



منافسي الشركة الأوروبيين يعترضون على أن الشركة تحقق مزايا تنافسية والتي تأتي من مصدرين؛ الأول هو الدعم الحكومي، والثاني هو انخفاض تكلفة النقل بسبب الطائرات الجديدة. الشركة تشكل الآن أيضا تهديدا للوفتهانزا وإير فرانس-كي إل إم بسبب المسافرين الذين يقومون بعمل ترانزيت من مطارات فرانكفورت وباريس وأمستردام، أكثر من ذلك فإن الإماراتية ربما تستفيد من خطط الحكومة الألمانية بفرض ضريبة على المسافرين من المطارات الألمانية لجمع مليار يورو في السنة كضرائب للحكومة الفدرالية.



من أعماق قلبي أتمنى لعملاق النقل الجوي العربي، الإماراتية، كل التوفيق والتقدم على منافسيها، وأن ترفع رأس العرب في هذه الصناعة المهمة عالميا، وأن تحقق من خلالها نقلة هامة في مصادر تنويع دخلها الذي تسير فيه على نحو جيد، وأنتظر بلهفة اليوم الذي اكتب فيه عن الاماراتية كأكبر ناقل جوي في العالم، ومطار دبي كصاحب المركز الأول في العالم.


الثلاثاء، يونيو ٢٢، ٢٠١٠

ماذا يريد العالم من قمة العشرين

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية بتاريخ الثلاثاء 22/6/2010.
تم إنشاء مجموعة العشرين في أعقاب الأزمة المالية الآسيوية وذلك في عام 1999، وتضم مجموعة العشرين 19 دولة بالإضافة إلى ممثل عن الاتحاد الأوروبي، وهذه الدول هي الأرجنتين واستراليا والبرازيل وكندا والصين وفرنسا وألمانيا والهند واندونيسيا وايطاليا واليابان والمكسيك وجمهورية كوريا وروسيا والمملكة العربية السعودية وجنوب إفريقيا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وقد كانت اجتماعات مجموعة العشرين في السابق تقتصر على وزراء المالية ومديري البنوك المركزية في هذه الدول، غير أنه منذ نشوب الأزمة المالية العالمية في 2008، أخذت هذه الاجتماعات تضم قادة هذه الدول، حيث يلتقي القادة لمناقشة القضايا الأساسية التي تواجه الاقتصاد العالمي، وتحتضن مدينة تورونتو الكندية قمة مجموعة العشرين الأسبوع القادم تحت شعار "استعادة النشاط وبدايات جديدة".

على مدى يومين سوف يقوم قادة دول مجموعة العشرين بفحص مدى نجاح الجهود المبذولة حتى هذه اللحظة لمعالجة الأزمة المالية، وتقييم مدى التقدم المتحقق على طريق استعادة النشاط الاقتصادي في العالم، ومن ثم تجديد التزامهم بالوفاء بتعهداتهم التي قطعوها على أنفسهم في اللقاءات السابقة منذ انطلاق الأزمة المالية العالمية. يلتقي قادة مجموعة العشرين هذه المرة في ظروف ربما تبدو أفضل، حيث أن المرحلة الحرجة من الأزمة المالية قد مرت، وبدأ العالم رحلة التعافي من الأزمة، غير انه لسوء الحظ، كافة المؤشرات المتاحة الآن تشير إلى أن هذا التعافي ربما يكون هشا، وذلك في ظل بروز ملامح مخاطر أزمة جديدة للديون السيادية هذه المرة، فضلا عن تزايد المخاوف من حدوث تراجع مزدوج لمستويات النشاط الاقتصادي، ليتكرر سيناريو أزمة الكساد العالمي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. بل لقد أصبح في حكم المؤكد ألا يكون النمو في النصف الثاني من هذا العام على نفس النحو الذي شهده العالم في النصف الأول منه، حيث يتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي في معظم دول العالم. معنى ذلك أنه على قمة العشرين ان تدرك انه من المبكر جدا حاليا أن يتم اتخاذ أي إجراءات لإيقاف برامج التحفيز المالي التي تبنتها تلك الدول لمعالجة آثار الأزمة المالية على اقتصادياتها، وأن العالم ما زال في حاجة إلى المزيد من الجهود في هذا المجال لضمان استقرار نمو الطلب العالمي واستقرار أسواق العمل، وذلك على الرغم من المخاطر المصاحبة لمثل هذا الاتجاه على سلامة الأوضاع المالية للدول.

قمة مجموعة العشرين تأتي في وقت يدرك الجميع فيه أن المستويات الحالية للطلب، على الرغم من المشكلات التي تواجه استقرارها، تنطلق أساسا من جهود مالية غير عادية للتحفيز، وان هذه الجهود، على الرغم من أنها رفعت من مستويات النشاط الاقتصادي، إلا أنها قد ساعدت في خلق مشكلة خطيرة هي مشكلة تفاقم عجز الميزانية في الكثير من الدول وتصاعد مخاطر الديون العامة التي أخذت في التزايد على نحو مثير للقلق، ومن ثم فإن على دول المجموعة أن تعي حقيقة أن معالجة الأزمة المالية لا يجب أن يتسبب في خلق أزمة أخرى، وأن على المجموعة أن تتأكد من أن الأوضاع المالية على الأجلين المتوسط والطويل تتسم بالاستدامة، وان نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي تسير في الحدود الآمنة، و على النحو الذي لا يهدد الأسواق ويعمق ثقة المستثمرين في كافة أنحاء العالم.

في خطابه إلى قادة مجموعة العشرين القادمة في تورنتو أشار الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى أنه عندما التقى بالقادة أول مرة في لندن في ابريل 2009 كان العالم يواجه أسوأ أزمة مالية تعرض لها منذ الثلاثينيات، وقد استجابت دول العالم للازمة بسرعة وقوة غير معهودة واتخذت إجراءات لرفع مستويات الطلب الكلي بها، كما أعادت إصلاح نظمها المالية. وفي مدينة بتسبره عندما أخذ النشاط الاقتصادي في العالم يتعزز، اتفق قادة العالم على العمل سويا لإعادة التوازن في النمو العالمي وإجراء الإصلاحات المالية لتقوية النظام المالي العالمي وحماية اقتصاديات العالم من مخاطر عدم الاستقرار. أما في تورنتو فان قادة العالم يلتقون في ظروف قد لا تبدو مختلفة، حيث تجددت التحديات للاقتصاد العالمي مرة أخرى، وأصبح الوقت الحالي هو الأنسب للعمل سويا من اجل تعزيز استعادة النشاط الاقتصادي في العالم، والالتزام بالعمل بهدف استعادة استدامة الماليات العامة في الأجل المتوسط، فضلا عن العمل على استكمال إصلاح النظام المالي العالمي.

يشير الرئيس أوباما أن استدامة استعادة النشاط تتطلب طلب عالمي متوازن، ويعاني العالم اليوم من ضعف جوهري في اقتصاديات دول مجموعة العشرين، حيث أن تراجع الطلب من قبل القطاع الخاص يدعو إلى القلق، وان على اقتصاديات المجموعة أن تتأكد من ضمان نمو الطلب العالمي بحيث تتلافى عدم تكرار عدم الاستقرار السابق. ويمكن دعم الطلب الكلي بعدة سبل والتي تختلف من اقتصاد لآخر، ففي بعض الدول يمكن من خلال تقوية شبكات الأمان الاجتماعي دعم المستويات المنخفضة من الاستهلاك، وفي دول أخرى يمكن أن يؤدي إصلاح أوضاع سوق العمل إلى دعم كل من مستويات الاستهلاك والاستثمار، كما ان أوباما يؤكد (في إشارة واضحة لموضوع إعادة تقييم اليوان الصيني) بأن معدلات الصرف يجب ان يتم تحديدها على أساس من قوى السوق لضمان حيوية الاقتصاد العالمي، فالإشارات التي توفرها معدلات الصرف الحرة تعد ضرورية لدعم النمو الاقتصادي المتوازن في الاقتصاد العالمي.

ويؤكد الرئيس أوباما أن على دول المجموعة أن تلتزم بتثبيت معدلات الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات مناسبة في الأجل القصير. وأنه ملتزم شخصيا باستعادة الاستدامة المالية في الولايات المتحدة ويعتقد ان كل دول مجموعة العشرين يجب أن تتبنى خططا مناسبة للنمو لاستعادة استدامة مالياتها العامة. على انه لا بد وأن يؤخذ في الاعتبار ان ذلك يجب أن يتم مع مراعاة احتياجات الاقتصاد العالمي، وقوة الطلب في القطاع الخاص والأوضاع الاقتصادية المحلية، ويجب ان يؤخذ في الاعتبار أخطاء الماضي عندما تم سحب خطط التحفيز المالي مبكرا، الأمر الذي أدى إلى عودة تهديدات عدم الاستقرار مرة أخرى. وقد أشار الرئيس أوباما ان الولايات المتحدة سوف تستمر في تبني الإجراءات لدعم استمرار الطلب الخاص والتأكد من عودة العاطلين إلى أعمالهم، وفي ذات الوقت سوف تقوم بوضع الخطط اللازمة لضمان استقرار الأوضاع المالية في الأجل المتوسط، ولتحقيق ذلك سوف تعمل الحكومة الأمريكية على خفض العجز الذي ورثته إلى النصف في السنة المالية 2013، كما سوف تعمل على تخفيض نسبة العجز في الميزانية العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 3% في السنة المالية 2015، وهو ما سوف يعمل على تثبيت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات مقبولة في هذا العام.

أهم الموضوعات التي ستتناولها قمة العشرين في تورنتو هي العمل على الالتزام بإطار عام لإصلاح النظام المالي العالمي بما يضمن الآتي:

- ضرورة فرض متطلبات رأسمال وسيولة صارمة على المؤسسات المالية، بحيث تلتزم تلك المؤسسات بضرورة الاحتفاظ بمستويات أعلى من رؤوس الأموال وتعريف أفضل له، ومعدلات محددة للرفع المالي، وكذلك متطلبات سيولة مناسبة، بحيث تقل آثار المخاطر التي يمكن ان تتعرض لها تلك المؤسسات.

- فرض رقابة أقوى على أسواق المشتقات المالية، بحيث يتم وضع نظام متفق عليه عبر كافة الأسواق المالية الرئيسية في العالم للرقابة على أسواق المشتقات، ويجب ان يخضع كافة المتعاملين في المشتقات المالية للرقابة وللقانون، كما يجب إعداد التقارير الدورية عن هذه الأنشطة وتطبيق قواعد صارمة للسلوك يلتزم بها كافة المتعاملين في هذه الأسواق بهدف تخفيف المخاطر النظامية الكامنة التي يمكن أن تنشأ عن وسوء استغلال هذه الأسواق.

- العمل على ضمان شفافية اكبر ومستويات أفضل من الإفصاح لتشجيع تكامل الأسواق وتخفيف الاتجاه نحو التلاعب بالأسواق لتحقيق الإرباح.

- التنسيق بين دول العالم من اجل تقليص حجم الشركات المالية العالمية وأن يصاحب ذلك الالتزام بقواعد تحول دون تحمل الأعباء التي يمكن أن تترتب على انهيار مثل هذه الشركات على دافعي الضرائب، وهو ما يعرف بحالة الشركات الأكبر من أن تسقط أو أن تفشل، وتهيئة مناخ أفضل للمنافسة.

غير أن مقترحات إصلاح النظام المالي العالمي لم تأخذ في الاعتبار ضرورة العمل على ضمان أن مصالح المستهلكين وصغار المستثمرين في العالم يتم حمايتها على نحو مناسب، وذلك في أي إطار تنظيمي يقترح لإصلاح القطاع المالي في المستقبل. من ناحية أخرى فإن نجاح مجموعة العشرين في التعامل مع الأزمة الحالية بفعالية غير مسبوقة، يقتضي البناء على هذا الأداء بحيث تنشئ مجموعة العشرين سكرتارية دائمة لها لضمان فعالية الأداء، وأن تعزز من تعاونها بحيث لا يرتبط فقط بالأزمة الحالية، وإنما ينبغي ان يستمر التعاون للتعامل مع كافة المشكلات التي يواجهها العالم، بحيث توضع القضايا الأخرى الملحة للعالم على رأس قائمة أولويات اجتماعات القمة القادمة للمجموعة، مثل قضايا مكافحة الفقر وقضايا التنمية وقضايا البيئة ومشكلة نقص الغذاء .. إلى آخر هذه القائمة الطويلة من القضايا الحرجة التي تهدد العالم، بصفة خاصة الدول النامية فيه.

من ناحية أخرى مطلوب من قمة العشرين أن تأخذ في الاعتبار ليس فقط التركيز على المصالح الاقتصادية للصفوة، وإنما يجب أيضا أن تأخذا في الاعتبار الدول الفقيرة، وأن تعمل على ضرورة تمثيل الدول الصغيرة والضعيفة اقتصاديا فيها على نحو مناسب وبحيث يكون لهذه الدول صوت مسموع في مثل هذه المحافل حتى لا تتأثر سلبا بما يتم الاتفاق عليه من سياسات وما يتم اتخاذه من إجراءات بدون وجود أي تمثيل لها. صحيح أن معدلات البطالة المرتفعة وانخفاض معدلات النمو التي صاحبت الأزمة ما زالت تمثل مخاطر مستمرة في الدول المتقدمة، إلا أن تباطؤ النشاط الاقتصادي في الدول المتقدمة لا شك أنه سوف يعكس آثاره السلبية على الدول النامية، بصفة خاصة على تدفقات التجارة والمساعدات بأشكالها المختلفة لتمكين الدول الفقيرة لكي تتعامل مع مفرزات الأزمة.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

إعادة التفكير في العملة الخليجية الموحدة 3: معايير التقارب

نشر في جريدة الوطن البحرينية بتاريخ الثلاثاء 22/6/2010.
يقصد بمعايير التقارب مجموعة المتغيرات الاقتصادية الكلية التي تعكس الأداء الاقتصادي على المستوى الكلي، مثل نمو الناتج، والوضع المالي، ومعدلات التضخم والفائدة، وغيرها من المؤشرات التي يمكن على أساسها الحكم على مدى جاهزية مجموعة من الدول للدخول في اتحاد النقدي، دون أية مشاكل للاتحاد النقدي في حال تعرض الدول الأعضاء لصدمات لاحقة على إنشاءه، وتهدف معايير التقارب إلى ضمان التناغم بين اقتصاديات الدول المشتركة في العملة الموحدة، كما تعد أيضا وسيلة يمكن من خلالها ضبط سلوك الدول الأعضاء المقبلة على تشكيل اتحاد نقدي، خصوصا في المجال المالي. ومن ثم يفترض استيفاء الدول الأعضاء لتلك المعايير عند الدخول، والحفاظ على تلك المعايير طوال فترة العضوية، ويفترض أن توافر هذه المعايير يعد دليلا على التزام الدول الأعضاء بتهيئة الأرضية اللازمة لإطلاق العملة الموحدة، وأنه ليس من المحتمل أن تنشأ مشكلات جوهرية بمرور الوقت. غير أن التجربة الأوروبية أثبتت أن استيفاء هذه المعايير عند الدخول ليس ضمانة لاستمرار استدامة هذه المعايير بعد ذلك.



في قمة أبو ظبي 2005 أقر المجلس الأعلى معايير التقارب والتي تتماثل مع معايير التقارب التي نصبت عليها اتفاقية ماسترخت، ومن الناحية النظرية ليس هناك ما يدعو دول المجلس لتبني نفس المعايير التي استخدمتها دول الاتحاد الأوروبي وفقا لاتفاقية ماسترخت، للتأكد من انخراط الدول الأعضاء في اليورو بسهولة، ذلك أن تلك المعايير تعني شيئا بالنسبة لتلك الاقتصاديات التي تواجه أوضاع تجارية خارجية وأوضاع اقتصادية كلية داخلية شبه مستقرة. أما بالنسبة لدول المجلس فليس هناك أي ضمانة على أن استيفاء إحدى الدول لتلك المعايير عند دخولها استقرار تلك المعايير بعد الدخول، وذلك بسبب احتمالات التقلب الشديد في الأوضاع التجارية الخارجي والذي من الممكن أن يعصف بكافة الأوضاع الاقتصادية الداخلية، ومن ثم فان عوامل عدم الاستقرار الكامنة تعد كبيرة للغاية بحيث لا توفر أي ضمانات لاستمرار معايير التقارب عند مستوياتها المرغوبة سواء في الأجلين القصير أو الطويل، ويرى Buiter (2007) أن دول مجلس التعاون لسوء الحظ قد تبنت تلك المعايير، لأن المعايير المالية بالذات تعد غير ملائمة تماما لحالة دول المجلس، على الرغم من أهميتها، وفيما يلي معايير التقارب التي أقرتها دول مجلس التعاون:



1. ألا تزيد نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 60٪
2. ألا يزيد عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 3٪
3. ألا يزيد معدل التضخم عن المتوسط المرجح + 2٪
4. ألا يزيد سعر الفائدة في المتوسط عن متوسط أدنى ثلاث دول + 2٪
5. ألا تقل الاحتياطيات من النقد الأجنبي عن 4 اشهر من إجمالي الواردات

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو هل تستوفي دول مجلس التعاون معايير التقارب التي تم الاتفاق عليها؟ بالنسبة لمعدلات الفائدة يلاحظ أن معدلات الفائدة في دول مجلس التعاون تتحرك بشكل عام سويا، وهو ما يعكس حقيقة أن عملات هذه الدول مثبتة بالدولار الأمريكي، ومن ثم فان معدلات الفائدة المحلية لا بد وان تتماشى مع تلك الخاصة بالاقتصاد الأمريكي، ومن الواضح حتى الآن أن دول المجلس تفضل أن تستمر في الحفاظ على معدلات فائدة تتماشى مع تلك التي تتحدد بالنسبة للدولار الأمريكي، والخلاصة هي أن معدلات الفائدة لدول المجلس متقاربة بشكل كبيرة نتيجة ربط عملاتها بالدولار الأمريكي. أما بالنسبة لباقي المعايير فإن الجدول التالي يلخص مدى استيفاء دول مجلس التعاون لمعايير التقارب وفقا لاتفاقية ماسترخت، ومن الجدول يتضح أن دول مجلس التعاون تتسم بانخفاض معدلات التضخم بشكل عام، ومن الجدول يتضح إن تطبيق معيار متوسط معدل التضخم كمعيار للتقارب في دول المجلس فإن كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر لا تستوفيان هذا المعيار من معايير التقارب بشكل عام.

بالنسبة لعجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي فإنه فيما عد البحرين فإن دول مجلس التعاون تواجه حاليا أوضاعا مثالية فيما يتعلق بماليتها العامة، ومن ثم فان معيار التقارب الخاص بنسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي تستوفيه جميع دول المجلس. بل على العكس من ذلك فان الميزانيات العامة في الوقت الراهن تواجه فائضا كبيرا لكافة دول المجلس نتيجة الأوضاع المريحة لسوق النقط العالمي. فهل يعني ذلك نجاح انخراط الدول الأعضاء في العملة الموحدة استنادا إلى هذا المعيار. ينبغي التنبيه إلى أن دول أوروبا عندما استخدمت هذا المعيار فان ذلك كان مبنيا على طبيعة هياكل المالية العامة لديها، والتي تعتمد على مصادر شبه مستقرة للإيرادات العامة وهي الضرائب، والتي تتماشى مع مستويات الدخل المحلي في تلك الدول. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون فان المالية العامة بها تعاني من اختلالات هيكلية سبق ذكرها آنفا لا تضمن، استنادا إلى تلك الأوضاع، استمرار مستويات الفائض الحالي نظرا للتقلب الشديد في إيراداتها العامة حسب المستويات السائدة لأسعار النفط. وعلى ذلك فمن الممكن أن ينعكس الفائض الكبير في الميزانيات العامة لدول المجلس إذا ما حدث انعكاس في سلوك أسعار النفط، مما يعني أن الوضع الحالي لنسبة الفائض إلى الناتج المحلي يعطي صورة مضللة حول أوضاع المالية العامة لدول المجلس في المدى الطويل.

فيما يتعلق بنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإنها تعكس أوضاع المالية العامة واحتياجات عمليات الاستقرار الاقتصادي المحلي، بصفة خاصة في أوقات الانحسار. ويهدف هذا المعيار إلى التأكد من أن مستوى الدين العام إلى الناتج يسير عند معدلات معقولة بحيث لا تضطر الدولة العضو إلى الإفراط في الاقتراض ومن ثم تتعقد أوضاعها النقدية بسبب ضغط الحاجة نحو زيادة عرض النقود لتمويل خدمة الدين العام المحلي، الأمر الذي يؤثر بصورة سلبية على مستقبل العملة الموحدة. ووفقا للجدول فإنه فيما عدا المملكة العربية السعودية التي كونت دينا محليا تتجاوز نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي النسبة التي تنص عليها في الاتفاقية، وذلك حتى عام 2004، إلا أن المملكة استطاعت خلال فترة زمنية قصيرة جدا أن تطفئ جانبا كبيرا من هذا الدين العام، مستفيدة في ذلك من ارتفاع أسعار النفط الخام، بحيث انخفضت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي من حوالي 97% خلال الفترة من 1998-2002، إلى 13% تقريبا عام 2008، ومن المؤكد أن معظم دول العالم لا تستطيع تطفئ هذا القدر من الدين العام في غضون هذه الفترة الزمنية القصيرة، ولكن هل يعني ذلك أن هذا الانخفاض في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي هي ظاهرة طويلة الأجل في المملكة؟ أن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على اتجاه أسعار النفط في المستقبل. فإذا ما صدقت التوقعات الحالية بان الارتفاع الحالي في أسعار النفط أصبح ظاهرة مستدامة في المستقبل، فان التقارب المالي سوف يكون أمرا سهلا للمملكة، ومن ثم لباقي دول المجلس أيضا، أما إذا انعكس اتجاه أسعار النفط، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تصاعد نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في المملكة مرة أخرى، وبشكل عام يمكن القوم بأن جميع دول مجلس التعاون تستوفي حاليا هذا المعيار للتقارب.


* يشير اللون الأحمر إلى عدم استيفاء الدولة لهذا الشرط من شروط التقارب.
** المصدر: صندوق النقد الدولي
 
أما بالنسبة للمعيار الأخير وهو نسبة الاحتياطيات من النقد الأجنبي لعدد أشهر الواردات، فإنه كل من مملكة البحرين والإمارات العربية المتحدة لا تحتفظان بكميات كافية من احتياطيات النقد الأجنبي بشكل عام، غير أنه لا يمكن المساواة بين كل من الإمارات والبحرين، باعتبار أن الأولى تملك استثمارات مالية ضخمة في إطار صناديقها الاستثمارية السيادية، وهو ما يشكل عنصر أمان لتلك الدول إذا ما واجهت نقصا في الاحتياطيات من النقد الأجنبي.

الخلاصة هي أن دول مجلس التعاون تستوفي في ظل الأوضاع الحالية معايير التقارب للدخول في اتحاد نقدي وإصدار عملة موحدة، غير أنه نظرا للخصائص الهيكلية لدول مجلس التعاون فإن هذا الاستيفاء الحالي ليس مستداما على المدى الطويل، نظرا للتقلبات الحادة التي تتعرض لها اقتصاديات تلك الدول من فترة لأخر، مما يجعل من الصعب على هذه الدول الحفاظ على استدامة هذه المعايير على المدى الطويل.

الاثنين، يونيو ٢١، ٢٠١٠

العالم مقدم على أزمة في الغذاء

شهد العامين الماضيين انخفاضا غير مسبوق في أسعار الغذاء بعد ان ازدادت أسعار السلع الغذائية إلى مستويات تاريخية في عامي 2007-2008. ومما لا شك فيه أن أهم الآثار الايجابية للازمة المالية العالمية هي تراجع أسعار الغذاء وانخفاض أعباء فاتورة الغذاء على الدول الفقيرة التي كانت تواجه أزمة حقيقية في هذا الوقت، حيث ارتفعت أعداد الجوعى في العالم بصورة واضحة. الشكل التالي يوضح اتجاهات أسعار أهم الحبوب الغذائية في العالم وهي الارز والقمح والذرة وفول الصويا، لاحظ الارتفاع الكبير الذي حدث في اسعار الارز بالذات.




صدر الأسبوع الماضي التقرير المشترك لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن عام 2010، والذي يتوقع ارتفاع أسعار القمح في العشر سنوات القادمة بما بين 15-40% (ارتفاع في الأسعار الحقيقية بعد التعديل بمعدل التضخم)، مقارنة بأسعاره خلال الفترة من 1997-2006. بينما يتوقع التقرير ارتفاع أسعار الألبان ما بين 16-45%. كذلك يتوقع أن ترتفع أسعار المواشي بصورة أقل بشكل عام، على الرغم من أن الطلب العالمي على اللحوم يتزايد بصورة أسرع من باقي المنتجات الزراعية الأخرى.



العوامل المسئولة عن الأزمة المتوقعة متعددة ولكن أهم هذه العوامل هي:



ارتفاع مستويات الدخول لقطاعات عريضة من السكان في الدول الناشئة، وهو ما يؤدي إلى تعديل العادات الغذائية للسكان، والتحول السريع من الاعتماد على تناول الحبوب بصورة أساسية إلى اللحوم والألبان والبيض، بصفة خاصة في الصين والهند، حيث يوجد حوالي ثلث سكان العالم. تغير العادات الغذائية لسكان هاتين الدولتين هو من أكثر العوامل التي تهدد أسعار الغذاء في العالم، بصفة خاصة الطلب على اللحوم والألبان، فاليوم بدأ اللحم يقدم كطبق رئيسي على الموائد الصينية والهندية، ومن المعلوم ان إنتاج اللحوم يتكلف قدرا كبيرا من إنتاج الحبوب. فكل كيلو من اللحوم والحليب يحتاج إلى عدة كيلوات من الحبوب للحصول عليه، وعلى ذلك فإن تزايد تفضيل أكل اللحوم سوف يخلق أزمة في العرض العالمي من الحبوب الغذائية. مثل هذه الاتجاهات في العرض العالمي من الحبوب الغذائية تهدد بصورة أساسية الدول التي لا تنتج غذاءها من الحبوب الغذائية مثل منطقة الخليج ومصر، والكثير من الدول الفقيرة.



السبب الثاني هو تزايد الاتجاه في الدول الصناعية نحو إنتاج الوقود البيولوجي، وذلك من خلال استخدام المنتجات الزراعية مثل الذرة وفول الصويا وقصب السكر لإنتاج وقود لتسيير السيارات، والتي تتم أساسا لتحقيق مستهدفات تلك الحكومات فيما يتعلق بمستويات وارداتها النفطية، كافة الدول المتقدمة، بصفة خاصة الولايات المتحدة وأوروبا ومنها ألمانيا على وجه الخصوص، لديها خططا طموحة للتوسع في إنتاج الوقود البيولوجي، وهو ما يشكل طلبا إضافيا على المنتجات التي يصنع منها الوقود الحيوي، الأمر الذي سيضيف ضغوطا إضافية على أسعار تلك السلع بصفة خاصة أسعار القمح والزيوت الغذائية والسكر. إسقاطات إنتاج الوقود البيولوجي تشير إلى تزايد الاتجاه نحو إنتاج هذا النوع من الوقود، يساعد على ذلك استمرار أسعار النفط عند مستويات مرتفعة، الشكل التالي يوضح إسقاطات إنتاج وقود الايثانول حتى عام 2019، حسب مصادره المختلفة بصفة خاصة من الحبوب وقصب السكر.



أهم السلع التي يتوقع ان يتزايد استخدمها لإنتاج الايثانون هي قصب السكر حيث يتوقع ان يتم استخراج 40% من الزيادة في إنتاج هذا الوقود منه، بصفة خاصة في البرازيل لمواجهة الطلب المتزايد محليا وفي الولايات المتحدة، كذلك يتزايد الاقبال على استخدام دبس السكر، وكذلك بنجر السكر والزيوت الزراعية نحو انتاج هذا الوقود، كما يتضح من الشكل التالي، ولعل ذلك يفسر اسباب ارتفاع اسعار زيوت الطعام والسكر هذه الايام.




السبب الثالث هو تزايد الإنتاج الزراعي خلال العقود القادمة بمعدلات نمو اقل من تلك التي شهدها العالم في العشر سنوات الماضية، مما يعكس تراجع معدلات نمو الإنتاج الزراعي، وهو ما يشكل تهديدا للعرض العالمي من الغذاء. أما أهم الدول التي سينمو فيها إنتاج الغذاء فهي البرازيل حيث يتوقع أن يرتفع إنتاج الغذاء فيها بنسبة 40% حتى عام 2019، كذلك يتوقع ان يرتفع إنتاج الغذاء بمعدل 20% في الصين والهند وروسيا الاتحادية وأوكرانيا.



السبب الرابع هو أنه على الرغم من تزايد إنتاج الغذاء في العالم فإن الارتفاع في أسعار الغذاء سوف يترك أعدادا متزايدة من سكان العالم تعاني من سوء التغذية، على سبيل المثال ترتب على الارتفاع الأخير في أسعار الغذاء إلى وجود حوالي مليار شخص في العالم يعانون حاليا من سوء التغذية، وهو ما يعني ان العالم ليس فقط في حاجة إلى المزيد من إنتاج الغذاء، ولكنه أيضا في حاجة إلى إعادة توزيع الغذاء بصورة أكثر عدالة بين سكان العالم من الدول ذات الفائض إلى المناطق التي تعاني من نقص حاد في عرض الغذاء، حني يمكن التغلب على مشكلة سوء التغذية بين هذه الأعداد الضخمة من سكان العالم ومواجهة الأمراض التي تنشأ عنها.



السبب الخامس هو استمرار أسعار الغذاء مرتفعة في الكثير من دول العالم، بصفة خاصة تلك التي تواجه نقصا شديدا في عرض الغذاء حتى على الرغم من ميل أسعار السلع الغذائية نحو التراجع في العامين الماضيين. على سبيل المثال على الرغم من تراجع أسعار الغذاء في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلا أن أسعار الغذاء في الدول النامية والناشئة ظلت مرتفعة، وإذا ما استمرت أسعار الغذاء مرتفعة فإن ذلك سوف يهدد الأمن الغذائي، بصفة خاصة في الدول الفقيرة حيث ينفق الناس جانبا كبرا من ميزانياتهم على الغذاء.



إنها بالفعل صورة تدعو إلى القلق وتشكل تهديدا واضحا للدول التي لا تنتج غذاءها، وبالطبع نحن في الخليج من أكثر دول تلك المجموعة عرضة لمخاطر الأزمة، لأننا ببساطة لا نقع في حزام انتاج الغذاء العالمي، حيث لا يوجد لدينا تربة صالحة لانتاج الغذاء على نحو واسع، ولا تتوافر لدينا المياه اللازمة لإنتاج زراعي على نحو مناسب وبكميات كافية لاستهلاكنا من كافة المحاصيل، حيث نقع في أحد أكثر مناطق العالم جفافا. لهذه الاسباب فإنني أدعو المسئولين في الدول الخليجية إلى أن يوجهوا جانبا متزايدا من استثمارات صناديقهم السيادية نحو الإنتاج الزراعي في الدول التي توجد بها أراضي صالحة للإنتاج الزراعي في إفريقيا، بصفة خاصة في السودان، وآسيا في باكستان والهند وفيتنام واندونيسيا، وفي امريكا اللاتينية واستراليا، حيث توجد مساحات شاسعة من الأراضي صالحة لانتاج الغذاء. أزمة الغذاء المنتظرة تعني شيئا واحدا، أن اسعار الاراضي الزراعية تستعد للانطلاق نحو الأعلى، طالما أن اسعار المحاصيل الزراعية آخذة في التزايد، ومن ثم من المتوقع أن يكون الاستثمار الزراعي أحد أكثر أوجه الاستثمار من حيث معدلات العوائد في المستقبل.

محفظة الاستثمار في أصول الإنتاج الزراعي ينبغي أن تضاف إلى محافظ صناديق الأصول السيادية للدول الخليجية، وينبغي أن ينظر الى تلك المحافظ على أنها تشكل خيارا استراتيجيا من الدرجة الأولى، تتمكن دول الخليج من خلاله من أن تؤمن لنفسها العرض اللازم من الغذاء لأسواقها المحلية وللاحتياجات المتزايدة للسكان فيها، وحتى يمكنها أن تتحكم في اسعار الارز والقمح والسكر وزيت الطعام واللحوم والدواجن التي تباع في اسواقها، أو تتمكن من بيع الغذاء بأسعار قريبة من تكلفة انتاجه، بدلا من أن يدفع المستهلك في هذه الدول الاسعار العالمية للغذاء، والتي لن تعكس في المستقبل مستويات التكلفة، وانما سوف تعكس بالأساس مستويات الندرة، وأن توجه دعم الغذاء لأصولها الانتاجية الزراعية التي تملكها بدلا من أن تدفع اسعارا عالية لمنتجات يملك اصول انتاجها الغير، وحتى لا يصبح الغذاء سلاحا يمكن أن توجهه الدول المنتجة لتهديد هذه الدول، مثلما تفعل الولايات المتحدة مع مصر. 

في رأيي أنه أصبح من الواضح أن من سيسيطر على الغذاء في المستقبل، سوف يملك قوة إستراتيجية جبارة في هذا العالم. وأعتقد جازما أن تملك دول الخليج لمزارع لانتاج الارز والقمح والذره وقصب السكر وغيرها من المحاصيل الاساسية في الخارج، ومراعي للأبقار والأغنام وغيرها من الحيوانات، أفضل من أن تتملك تلك الدول اسهما في مصانع مثل ديلمر بنز أو دايو، وإذا كانت جهود انتاج القمح ذاتيا في المملكة العربية السعودية قد فشلت إما بسبب ارتفاع تكاليفه، أو بسبب نقص المياه، فلا أقل من أن تتملك المملكة مزارع لإنتاج المحصول في الخارج كخيار أمثل من الدرجة الثانية، حتى تتمكن من أن تؤمن غذاءها لنفسها من خلال اصول انتاجية تملكها أو تسيطر عليها، فهل يستمع صانع السياسة في الدول الخليجية لهذا النداء؟.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون.

أمريكا والصين في عيون العالم

أجرى مركز Pew Research Centre مسحا عالميا لمواقف الأفراد من كل من الولايات المتحدة والصين، وذلك لدراسة درجة تفضيل أو عدم تفضيل هاتين الدولتين بين الأفراد في أنحاء دول العالم. الشكل التالي يوضح نتائج المسح الذي اجري في هذا المجال لأعلى 20 دولة. المقطع الأيسر من الشكل يوضح أن الكينيين كانوا أكثر الناس في العالم تفضيلا للولايات المتحدة، وكذلك للصين. بينما كانت النسبة التي لا تفضل الولايات المتحدة في هذه الدولة قريبة من الصفر تقريبا. الغريب في الموضوع هو ان شعبية الرئيس أوباما باعتباره كيني الأصل طغت بشكل واضح على تفضيلات المشتركين في المسح الدولي، رغم أنه من المؤكد أنه إذا ما تعارضت مصالح كينيا مع مصالح الولايات المتحدة فإن الرئيس الكيني الأصل سوف يختار بالطبع مصالح الولايات المتحدة، حتى وان دعا ذلك إلى إلقاء كينيا في المحيط. هل تفكير الأفراد الذين تم إجراء المسح عليهم غير عقلاني؟ ربما يكونون كذلك، لكن من الواضح ان الجميع مأسور بفكرة أن يجلس على عرش الولايات المتحدة ويسكن في بيتها الأبيض شخص من أصول كينية. يشترك مع كينيا في تفضيل الولايات المتحدة نيجيريا، وهو أمر مثير للدهشة أيضا، هل هو لذات السبب أن يجلس شخص ذو أصول سوداء على إدارتها، أم لأسباب أخرى مرتبطة بدعم الولايات المتحدة لنيجيريا؟.


المصدر: http://www.economist.com/research/articlesBySubject/displaystory.cfm?subjectid=7933596&story_id=16396576  

باقي الدول التي تفضل أو لا تفضل الولايات المتحدة تتوافق مع التوقعات، حيث يلي هاتين الدولتين في تفضيل الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، وبالطبع السبب واضح جدا، فلولا الولايات المتحدة لكانت كوريا الجنوبية ترزح الآن تحت الحكم الشيوعي في الشمال، وبولندا، والتي وجدت ثورة العمال فيها كل الدعم اللازم للتخلص من الحكم الشيوعي، وبالطبع الهند واليابان وبريطانيا، إلى آخر تلك القائمة من الدول التي ترتبط بمصالح وثيقة مع الولايات المتحدة.



المقطع من الشكل يشير أيضا إلى أن أكثر من يكرهون الولايات المتحدة هي الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل تركيا ومصر وباكستان والأردن، والسبب طبعا معروف وهو التحيز المفضوح وشبه الأعمى للولايات المتحدة لإسرائيل عدو المسلمين الأول، على الرغم من المحاولات التي بذلها الرئيس أوباما لتحسين صورة الولايات المتحدة لدى المسلمين ومخاطبة المسلمين من مصر بلد الأزهر، ومن جامعة القاهرة التي دعا فيها إلى فتح صفحة جديدة بين المسلمين والولايات المتحدة، وقام بزيارة الأزهر والمعالم الإسلامية، غير أن مواقف أوباما لاحقا كشفت للمسلمين أن الرئيس أوباما هو جورج بوش آخر ولكن بلون اسود.


الأمر المثير للدهشة هو أن هذه النظرة لا تجدها واضحة في اندونيسيا ذات الأغلبية المسلمة، والتي يفضل الأفراد فيها بشكل اكبر الولايات المتحدة، وكذلك في لبنان، على الرغم من الويلات التي طالت هذا البلد من إسرائيل، مسلميه ومسيحيه. المثير للدهشة أيضا هو النتائج المرتبطة بآراء الفرنسيين، والذين يميلون حاليا إلى تفضيل الولايات المتحدة، فمن الناحية التقليدية لا يفضل الفرنسيون الولايات المتحدة ويكرهونها، وكذلك نظرة الأفراد في روسيا العدو التقليدي للولايات المتحدة، والتي تحسنت بصورة كبيرة اليوم، حيث يفضل الناس بشكل أكبر الولايات المتحدة، ومن المؤكد أن ذلك بسبب الجهود الدبلوماسية الأمريكية المكثفة في هذا الجانب.


على الجانب الآخر يوضح المقطع الأيمن من الشكل درجة تفضيل الصين بين المقيمين في دول العالم، وفيما عدا الكينيين، الذين يبدو أنهم لا يفرقون بين الولايات المتحدة والصين، فالدولتين سواء بالنسبة لهم، فإن أكثر الدول التي تفضل الصين هي الدول ذات الأغلبية المسلمة، مرة أخرى مثل باكستان واندونيسا والأردن ومصر، وهو تفضيل أراه غير رشيد أيضا، فالصين تقف من الإسلام على نفس الخط الذي تقفه الولايات المتحدة، ومساندة الصين لبعض الدول الإسلامية تنطلق أساسا من عداءها للولايات المتحدة، وليس من منطلق تأييدها للدول الإسلامية. أكثر الدول التي لا تفضل الصين هي تلك الدول التي تفضل الولايات المتحدة كما يوضح الشكل.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون. 

السبت، يونيو ١٩، ٢٠١٠

الهدوء ما زال يخيم على القطاع المصرفي الأمريكي

شهد هذا الأسبوع إفلاس بنك أمريكي واحد هو بنك Nevada Security Bank, Reno, Nevada، وهو البنك الثالث في نيفادا الذي يفلس منذ بداية العام، وكان آخر بنك أفلس في الولاية هو بنك Sun West Bank, Las Vegas الذي أعلن عن إفلاسه في 28 مايو الماضي. ويعد Nevada Security Bank من البنوك الصغيرة، حيث بلغت مودعاته في 31 مارس الماضي 480.3 مليون دولارا، والمودعات فيه 479.8 مليون دولارا. سوف يترتب على إفلاس هذا البنك تحمل الصندوق الفدرالي للتأمين على الودائع 80.9 مليون دولارا. بهذا الشكل يصل إجمالي البنوك الأمريكية التي أفلست منذ بداية العام 83 بنكا.



تجدر الإشارة إلى أن هذا هو الأسبوع الثاني على التوالي الذي تقتصر فيه أعداد البنوك التي يتم إعلان إفلاسها على بنك واحد، مما يعكس الهدوء النسبي لحركة الإفلاس، مقارنة بالأوضاع التي كانت سائدة سابقا. ولكن هل هذا يعني أن عمليات الإفلاس في طريقها إلى التراجع؟، المؤشرات المتاحة بين أيدينا تشير إلى أن الهدوء الحالي هو ربما ما يسبق العاصفة، حيث تشير آخر التقديرات هذا الأسبوع إلى ان قائمة البنوك الأمريكية المضطربة ماليا قد شهدت تغيرات كثيرة حيث ارتفعت قائمة تلك البنوك إلى 781 بنكا، بأصول تبلغ 404 مليار دولار، مقارنة بقائمة الأسبوع الماضي التي بلغ عدد البنوك المدرجة فيها 760 بنكا بإجمالي أصول 385.2 مليار دولارا. فقد تم إضافة 22 بنكا إلى القائمة بأصول تبلغ 19.6 مليار دولارا، وتم رفع البنك الذي أفلس هذا الأسبوع. أهم البنوك التي تم إضافتها إلى القائمة هي Pacific Capital Bank، بأصول تبلغ 7.4 مليار دولار، وبنك Bank Midwest بأصول تبلغ 4.3 مليار دولارا، وبنك Bank of Hampton Roads بأصول تبلغ 2.7 مليار دولارا وبنك Seaside National Bank & Trust بأصول تبلغ 808 مليون دولارا، ومن الواضح أن قائمة البنوك المعرضة للافلاس تتزايد على نحو مثير للقلق.
المصدر: راجع،  و راجع

الجمعة، يونيو ١٨، ٢٠١٠

عالم لا يتعلم من أزماته 3/12: فقاعة بحر الجنوب

نشر في جريدة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 18/6/2010
حدثت أزمة اليوم في بريطانيا في أوائل القرن الثامن عشر، وهي تمثل تجسيدا لما يمكن ان نسميه بـ "السلوك غير الرشيد للمستثمرين"، الذين سمحوا للآخرين بأن يخدعوهم، بدون أن يكلفوا أنفسهم عناء مناقشة ما يدور في أنفسهم من تساؤلات حول مدى صدق ما يتم الترويج له من شائعات، فقد كان كل هم المتعاملين في السوق هو الحصول على أوراق، أي أوراق، لكي يضاربوا عليها. كان القرن الثامن عشر بالنسبة للإمبراطورية البريطانية هو قرن الرفاهية والثروة، مما يعني أن الكثير من الناس في هذا الوقت كان لديهم الكثير من المدخرات، وكانوا يبحثون عن فرص لكي يستثمروا فيها هذه الأموال، ولم تجد شركة بحر الجنوب South Sea Company، أفضل من هذه الظروف لكي تنفخ أحد أهم الفقاعات المالية في التاريخ، وكيف لا، وهي لم تواجه أي مشكلة في جذب هؤلاء المغفلين.
تماشت هذه النظرة السائدة مع الإدارة المحنكة لشركة بحر الجنوب والتي قامت بإنشاء أكثر المكاتب فخامة وكلفة في بريطانيا، وعندما كان الناس يرون هذا المستوى الرفيع من الترف، كانوا لا يستطيعون أن يمنعوا أموالهم من الانجذاب نحو شركة بحر الجنوب، ولذلك تم تسويق الشركة بسهولة شديدة. هذا النجاح الباهر في تسويق الشركة، وكذلك النجاح الأبهر الذي حققه جون لو في فرنسا، رفع مستوى الزهو البريطاني إلى عنان السماء، وساد الاعتقاد بين الجمهور بأن الشركات البريطانية لا يمكن أن تسقط.
تم إنشاء شركة بحر الجنوب في عام 1711 بإيحاء من "هربرت هارلي"، إيرل أكسفورد، والتي تتشابه أهداف إنشاءها مع شركة المسيسبي التي تناولنا فقاعتها في الحلقة السابقة، وهي تحويل ديون الحكومة البريطانية الناتجة عن الحرب مع اسبانيا إلى أسهم في مقابل فائدة تدفعها الحكومة البريطانية، وقد كان الدين الحكومي البريطاني صعب التسويق في أوائل القرن الثامن عشر، وبعضه غير قابل للسداد، وعلى الرغم من أن العوائد على الدين الحكومي كانت مرتفعة، إلا أن السندات كانت تباع بخصم كبير.
كانت أول العمليات الجوهرية للشركة هي تحويل أكثر من مليون جنيه إسترليني إلى أسهم، في مقابل مدفوعات فائدة من الحكومة، ونتيجة لذلك انخفضت مدفوعات الدين الحكومي بشكل كبير، وشهد حملة السندات السابقين أن القيمة السوقية للأوراق التي يحملونها ترتفع بشكل واضح، وحققت الشركة أرباحا كبيرة نتيجة لذلك. في المقابل منحت الشركة احتكارا على حقوق التجارة في بحر الجنوب، وكانت عبارة بحر الجنوب تطلق في هذا الوقت على المياه المحيطة بأمريكا الجنوبية. ومن المعلوم في ذلك الوقت أن العرش الاسباني كان يحتكر حق التجارة والنقل مع هذا المحيط الضخم، غير أنه كانت هناك آمال بأن تفضي المفاوضات بين الحكومتين البريطانية والأسبانية عن منح بريطانيا حق الوصول إلى هذه المناطق، كالمكسيك وبيرو وباقي المناطق. كان النشاط التجاري للشركة محدودا للغاية، هذا إذا ما استثنينا بعض شحنات العبيد والمنسوجات التي أبحرت تحت علم الشركة، ومن الناحية الفعلية، كانت الشركة أكثر المتعاملين في الدين الحكومي منها في مجال التجارة الخارجية، بل إن الكثير من المؤشرات كانت تشير إلى أن إدارة أعمال الشركة كان تتم على نحو سيئ، لدرجة أنها لم تحقق حتى مستوى التعادل في تغطية تكاليفها.
كانت النظرة السائدة في هذا الوقت أن المكسيكيين والجنوب أمريكيين ينتظرون فقط أن يقدمهم أحد للإمبراطورية البريطانية لكي يتم تبادل خيوط الصوف والملابس الصوفية التي تصنعها بريطانيا في مقابل أكوام المجوهرات والذهب، ومرة أخرى لم يسأل أحد نفسه عن مدى معقولية هذا الاحتمال، بل لقد كان الانطباع السائد هو "شراء الأسهم المرتفعة الثمن بأقصى سرعة ممكنة وبمجرد أن تعرض للبيع". كانت فكرة المشروع شبه وهمية وكما هو الحال في كل الأزمات، لم يكن هناك وقت أو رغبة في التحقق من مدى صحة تلك الادعاءات. كانت ردة فعل الجمهور للفرص التي ستتيحها الشركة غير متوقعة، استنادا إلى التوقعات حول العوائد التي يمكن ان يتم تحقيقها من الشركة.
في عام 1719 قامت الشركة مرة أخرى ببيع أسهم في مقابل ديون الحكومة، وبنهاية العام كانت الشركة تستحوذ على حوالي 20% من الدين العام البريطاني، ترتب على نجاح الشركة إقبالها على خطط اكبر، حيث اقترحت الشركة أن تتولى استبدال باقي الدين العام، وفي المقابل منحت الشركة حق إصدار أسهم لتمويل عملية التحويل. وللمفارقة أن الشركة قد تنافست مع بنك أوف انجلاند للحصول على الحق في عملية التحويل، ولكن الرشاوى التي دفعتها الشركة أمنت الصفقة لصالحها، ويقال أن الشركة قامت بدفع رشاوى في صورة أسهم لشركة بحر الجنوب كهدايا مجانية للوزراء الأساسيين في مقابل منح العديد من مديري المشروع فرص الحضور في البرلمان لجعل المزايا المتوقعة من الشركة معلومة للجميع، كما تم دفع نفس الرشاوى لـ 27 من أعضاء البرلمان و6 من أعضاء مجلس اللوردات، بالإضافة إلى العديد من الوزراء، ويقال أن الملك وأمير ويلز قد تلقيا رشاوى أيضا. كذلك تم الكشف لاحقا ان مديري المشروع كانوا في منتهي الكرم في منح أنفسهم أسهما للشركة.
في بداية ابريل 1720 وافق البرلمان والملك على أن تتولى شركة بحر الجنوب عملية التحويل، وهو ما أدى إلى تضاعف سعر سهم الشركة، وبما أن معامل التحويل بين سندات الدين الحكومي وأسهم الشركة لم يكن محددا، فإن الشركة كان يمكنها أن تحول المزيد من الدين العام بقيم أرخص في ظل تزايد أسعار سهم الشركة، وقد قامت الشركة بأربعة إصدارات بأسعار أعلى في كل مرة، كما قامت الشركة بعقد بعض القروض في مقابل أسهمها متسببة بذلك في خفض المعروض من هذه الأسهم وزيادة الطلب عليها، وبدأ مديري الشركة في الترويج للشائعات بأن أسهم الشركة مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، لأن الأسواق لم تأخذ في الاعتبار الحقوق الحصرية للشركة للتجارة مع العالم الجديد، وأن التجارة مع العالم الجديد توفر الأمان لحملة الأسهم، وأخذت أسعار الأسهم ترتفع بشكل متتالي من 128 جنيها في يناير إلى 330 جنيها في مارس، ثم إلى 550 جنيها في مايو و 890 في يونيو وحوالي 1000 جنيها في يوليو من نفس العام.
لم يحدث في تاريخ بريطانيا ان تحول الناس إلى أثرياء بهذه السرعة، ولم يقتصر الأمر بالطبع على بحر الجنوب، فقد تمت محاولات لإنشاء شركات مثيلة أو مبتكرة للمشاركة في أرباح الرواج الذي أحدثته الشركة في سوق المال. كان المستثمرون البريطانيون في حاجة ملحة لاستثمار أموالهم، وقد كانت شركة بحر الجنوب وأمثالها ناجحين فقط في إعطاء الجمهور ما يرغب فيه بالفعل، المزيد من الورق لكي يضاربوا عليه. لقد أدى الطلب المتزايد على الاستثمار إلى عرض الاكتتابات من كل حدب وصوب، ولأفكار شركات لا يمكن ان تخطر على قلب بشر، وفتح المجال على مصراعيه أمام مدمري ثروات المضاربين، لدرجة قد تجعل الفرد يشك فيما إذا كان ما ينشر عن أفكار هذه الشركات حقيقيا، فمثلا عرضت اكتتابات لشركات لاستعادة ضوء الشمس من الخضروات، وشركات لبناء قصورا عائمة لتوسيع مساحة الأراضي البريطانية، كما تم الإعلان عن اكتتابات لشركات للتأمين على الخيول، ولتحسين صناعة الحساء، ولشركات في فن صناعة الصابون، والتجارة في الشعر، ولتحويل الفضة إلى معدن ثمين، وشركات لإعادة إصلاح أو بناء شخصية الأفراد، وشركات لتحفيز الناس على رعاية الأطفال غير الشرعيين، وهكذا في إسهال غير مسبوق للشركات المعروضة للمستثمرين في سوق المال، ومع ذلك بيعت هذه الاكتتابات في جنون ليس له نظير. ألم أقل لكم إن الناس كانوا في أمس الحاجة إلى أوراق، حتى وان كانت بلا قيمة، لكي يضاربوا عليها.
ارتكبت إدارة الشركة خطئا قاتلا في نهاية هذا الجنون، حيث أخذت إدارة الشركة أول خطوة نحو الوراء، حينما أدركت الإدارة أن قيمة ممتلكاتها الشخصية من أسهم الشركة لا يمكن أن تعكس القيمة الحقيقية للشركة أو إيراداتها المثيرة للشفقة، فبدأ أعضاء إدارة الشركة في بيع أسهمهم سرا في صيف 1720، آملين ألا يشيع الخبر بين الناس، ولكن، مثل كل الأخبار السيئة، انتشر خبر قيام إدارة الشركة ببيع محتفظاتهم الشخصية من الأسهم بسرعة البرق، وانتشر الذعر بين حملة الأسهم، وبدأت حملة البيع المذعورة لأوراق ليس لها قيمة حقيقية، وفي أغسطس 1720 انتهت الحفلة، وأدرك المستثمرون ان المستعمرات الاسبانية التي تمتلك الشركة الحق الحصري في الاتجار معها تقع تحت سيطرة الأسبان، وان حق الاحتكار الذي تمتلكه الشركة هو حق صوري، وأن عمليات الشركة في مجال التجارة محدودة للغاية، وأن الشركة لا تحقق إيرادات، وأن الموضوع بالكامل كان عملية نصب محكمة، ومن ثم بدأت الفقاعة في الانفجار المدوي، وكما هو الحال في كل الأزمات ما إن يبدأ الانهيار فإنه يصبح من المستحيل إيقافه أو عكس اتجاه الكارثة.
كانت الشركة قد أنشأت شركة The Sword Blade لكي تكون الذراع المالي لها، غير أن الشركة أصبحت مفلسة في سبتمبر، وأخذ سعر سهم الشركة في التراجع بنفس السرعة التي صعد بها، لدرجة أنه في ديسمبر انخفض سعر السهم إلى 124 جنيها، مع سطوع حقيقة أن نهاية شركة بحر الجنوب باتت على الأبواب، أي إلى حوالي سبع أقصى قيمة وصل إليها، ومع تصاعد المطالبات بالتعويض تم اكتشاف اكبر فضيحة مالية في بريطانيا.
كشفت الفقاعة عن ثلاثة أركان أساسية ساهمت فيها هي:
الأول هو الوهم اللازم لبدء الفقاعة، فقد كان جميع الأطراف مشتركا في نفخ الفقاعة، بما فيهم الحكومة، وإدارة الشركة، والمضاربين الذين توهموا أن الاستثمارات المبدئية التي يقومون بها هي مجرد عملية إعادة تمويل للدين العام، بصفة خاصة توهم المستثمرون أن شركة بحر الجنوب تتصرف كما لو كانت بنكا، حيث قامت بالاستثمار في سندات الديون العامة، وأن هذه السندات سوف تدفع معدلات للفائدة لسنوات طويلة قادمة، كما أن الشائعات التي روجت لها إدارة الشركة أدت إلى تراكم الزخم اللازم لبدء الفقاعة، وبمجرد أن قام البرلمان بإعطاء الحق الحصري في التجارة لشركة بحر الجنوب أخذت الأسعار في الارتفاع الجنوني.
الثاني وهو بقعة المستثمرين العمياء، ذلك أن القراءة المتأنية لوقائع الأزمة تجعل الفرد يصاب بالدهشة من هذا القدر من البلاهة المثير للدهشة، كيف أهمل المستثمرون في الشركة حقيقة أن الشركة لا تحقق أي إيرادات من نشاطها التجاري؟، وأنه ليس هناك أي مبرر لان ترتفع أسعار أسهم الشركة إلى هذا المستوى الجنوني؟.
الثالث وهو التواطؤ الحكومي، وهو ما أدى إلى تعميق المشكلة، ذلك أنه مع إنشاء شركة بحر الجنوب استطاعت الحكومة أن تتخلص من حوالي خمس دينها العام، ومن ثم لم يكن أي أحد في الحكومة يرغب في أن يستفسر عن مدى فعالية الحل الذي تقدمة شركة بحر الجنوب لتحويل الدين الحكومي، المهم أن تتخلص الحكومة من أعباء الدين بأي ثمن.
أدى انفجار الفقاعة إلى أن خسرت بريطانيا كل مدخرات الأشخاص المقيمين فيها تقريبا، وأصبحت حوادث الانتحار روتين شبه يومي، وطالب الجمهور الذي خسر مدخراته، سعيا وراء الثروة، بالثأر ممن تسببوا في الكارثة. الآن جاء دور البحث عن كبش الفداء، والذي كان على نطاق واسع هذه المرة، حيث تم إجراء تحقيقات من قبل البرلمان، الذي لعب دورا في الكارثة، وتم عزل وزير الخزانة John Aislabie من مركزه وسجن، كما تم فصل العديد من أعضاء البرلمان ومصادرة أموال المدراء التنفيذيين للشركة الذين شاركوا في إنشاء والترويج للشركة، لتعويض الخسائر، على الأقل بشكل جزئي، التي لحقت بمن اشتروا الأسهم، ومنهم من سجن أو انتحر أو هرب خارج القارة، ومن الحالات المشهورة، تناول مدير مكتب البريد العام السم، بينما تجنب ابنه، الذي كان وزير دولة، الكارثة عندما مات بالجدري، وبالطبع تم إلقاء اللوم على هؤلاء جميعا، غير أن المغفلين الحقيقيين هم المستثمرين الذين سمحوا لهؤلاء بأن يخدعوهم في ظل رغبتهم الشديدة في الإثراء السريع، لدرجة حولت هؤلاء المضاربين إلى مجموعة من البلهاء ذوي التفكير السطحي لدرجة لا يمكن تصديقها.
كانت من المفترض ان يترتب على انفجار هذه الفقاعة حدوث انهيار اقتصادي تام في بريطانيا بدءا بانهيار البنوك، غير أن هذا الانهيار قد تم تجنبه نتيجة الوضع الاقتصادي المتين للإمبراطورية البريطانية في هذا الوقت، ووقوف الحكومة البريطانية وراء البنوك لمساعدتها على ضمان استقرار الصناعة المصرفية، كما قامت الحكومة البريطانية بحظر عمليات إصدار شهادات الأسهم بالقانون، والذي ظل ساريا لأكثر من مائة عام بعد ذلك. أشهر ما قيل في انهيار الفقاعة هو ما تردد على لسان العالم إسحاق نيوتن الذي قال مقولته المشهورة بعد أن خسر ثروة تقدر بحوالي عشرين ألف جنيها "يمكنني ان أقيس حركة الأجسام الكونية، ولكن لا يمكنني أن أقيس الجنون البشري"، وصدق إسحاق نيوتن، كيف يمكن قياس مثل هذا الجنون.
انتهت القصة، ولكنها سوف تتكرر بكافة حذافيرها لاحقا، بعد أكثر من 250 عاما في دولة عربية هي الكويت، فيما عرف في ذلك الوقت بأزمة سوق المناخ، حيث وجد فرسان المناخ ضالتهم المنشودة في شغف الجمهور نحو شراء وتداول الأوراق المالية، أي أوراق، المهم أن يكون مكتوبا عليها إسم شركة، حتى ولو كانت هذه الشركة وهمية أو مجهولة الهوية، إنه بالفعل عالم لا يتعلم من أزماته، وتلك قصة أزمة أخرى سوف أتناولها لاحقا في ترتيبها الزمني، إذا أحيانا الله.
مدونة اقتصاديات الكويت ودول مجلس التعاون