السبت، سبتمبر ٢٧، ٢٠١٤

تقرير صندوق النقد الدولي عن السعودية

أفرج صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء الماضي عن تقرير خبرائه الأخير عن المملكة العربية السعودية، الذي تضمن خلاصة المشاورات التي تتم سنويا وفقا للمادة الرابعة، وذلك عن العام 2014، الذي أكد على متانة الوضع الاقتصادي للمملكة على المستوى الكلي، حيث حققت المملكة معدلات نمو تعد الأعلى بين مجموعة العشرين، على الرغم من تراجع معدلات النمو أخيرا.
كما أنها تتمتع بوضع مالي قوي نظرا لاستمرار الإيرادات النفطية عند مستويات مرتفعة، بسبب الأوضاع المواتية في السوق العالمي للنفط الخام خلال السنوات الماضية، الأمر الذي مكن المملكة من أن تصبح واحدة من أقل الدول المدينة في العالم، حيث لا يتجاوز الدين العام 2.7 في المائة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
  
من ناحية أخرى فإن نظرة الصندوق المستقبلية للاقتصاد السعودي تعد مستقرة، حيث يتوقع أن يستمر النمو مرتفعا في الأجل المتوسط، وإن كان يتوقع أن يأتي الجانب الأكبر من هذا النمو من نمو القطاع غير النفطي مدفوعا بالإنفاق الحكومي الضخم على مشروعات البنية التحتية، التي يضطلع بها القطاع الخاص بصورة أساسية، ولا شك أن نمو القطاع غير النفطي يعد تطورا إيجابيا، لكن مصدر نموه هو المثير للقلق، لأن هذا النمو سوف يظل معتمدا على اتجاه مسار الإنفاق العام.
عبر السنوات الأخيرة تمكنت المملكة من رفع مستويات إنفاقها العام على نحو غير مسبوق، ساعدها في ذلك ارتفاع مستويات الإيرادات النفطية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإنفاق على بعض أشكال الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والإسكان، وغيرها من مدفوعات الرفاه الاجتماعي بصورة كبيرة. المشكلة الأساسية في هذا النوع من الإنفاق أن النمو السكاني المرتفع يؤدي إلى تزايد الضغوط على هذا الإنفاق نحو التزايد بشكل مستمر، وهو ما يتطلب ضرورة حدوث نمو مماثل في إيرادات الدولة العامة على النحو الذي يمكنها من مواجهة هذه الضغوط. غير أن الآفاق المستقبلية التي يرسمها الصندوق لمسار الإيرادات النفطية لا يتوقع لها أن تسير على هذا النحو، حيث من المتوقع أن يؤدي استمرار الإنفاق المرتفع على الرفاه وغيره من أشكال الإنفاق إلى القضاء على الاحتياطيات المتراكمة للدولة، وهو ما يضع المالية العامة للمملكة في مأزق، لذلك يقترح الصندوق ضرورة ضبط الإنفاق العام في الأجل المتوسط ليكون متوافقا مع الإيرادات المتوقعة.
على سبيل المثال انخفض فائض المالية العامة في المملكة من 12 في المائة من الناتج في 2012، إلى 8.5 في المائة فقط في 2013، في الوقت الذي ظل فيه العجز غير النفطي (الفرق بين إيرادات الحكومة غير النفطية وإجمالي نفقاتها في السنة المالية، وهو المقياس الأكثر دقة ومناسبة فيما يتعلق بعرض الصورة الحقيقية لأوضاع المالية العامة للحكومة) ثابتا عند مستويات مرتفعة جدا من الناتج المحلي الإجمالي (نحو 60 في المائة)، الأمر الذي يعكس حقيقة أن جهود تنويع هيكل الإيرادات العامة للدولة غير فعالة في الوقت الحالي. لذلك أعتقد أن توصية الصندوق بضرورة العمل على تحسين كفاءة الإنفاق العام، وكشف مواطن الهدر فيه من خلال استحداث مؤشرات فعالة لقياسه أداء الإدارات الحكومية والعمل على تنويع الإيرادات غير النفطية من أهم التوصيات التي تضمنها التقرير.
ترجع متانة الوضع المالي إلى أن المملكة تمكنت عبر السنوات الأخيرة من تكوين احتياطيات ضخمة نتيجة الفوائض التي حققها ميزانها التجاري، ووفقا للصندوق سوف تساعد هذه الاحتياطيات على رفع قدرة المملكة في مواجهة الصدمات المتوقعة في سوق النفط الخام على النحو الذي يساعد المملكة على تحقيق استقرار مناسب في ماليتها العامة، غير أن أهم المخاطر في هذا المجال هو أن المسار الحالي للإنفاق العام الجاري بمستوياته الحالية من الممكن أن يؤدي إلى تآكل هذه الاحتياطيات في غضون فترة زمنية قصيرة. لذلك ينبه الصندوق إلى ضرورة ضبط أوضاع المالية العامة للمملكة من خلال برنامج للإصلاح الاقتصادي يساعد على حماية هذه الاحتياطيات، ويمكن من إحداث قدر أكبر من العدالة بين الجيل الحالي والأجيال القادمة على المملكة.
من ناحية أخرى أكد صندوق النقد الدولي أن المملكة تعد من أعلى البلدان على مستوى العالم من حيث مستوى استهلاك الفرد للطاقة ولكنها في الوقت ذاته من أقل البلدان من حيث أسعار الطاقة، حيث يشير تقرير الصندوق إلى أن استهلاك الطاقة في المملكة مرتفع بما يشكل عبئا واضحا على المالية العامة في صورة مستويات الدعم الضخمة التي تدفعها الدولة سنويا والناجمة عن ارتفاع الاستهلاك، في الوقت الذي لا تسعر فيه الطاقة على النحو الذي يسهم في ترشيد الاستهلاك من جانب ويقلل من فاتورة الدعم التي تدفعها المملكة سنويا للمقيمين في المملكة من المواطنين والأجانب من جانب آخر. لذلك يقترح الصندوق على المملكة رفع أسعار الطاقة لرفع كفاءة الاستهلاك وترشيد الدعم.
بالنسبة لي أعتقد أن رفع أسعار الطاقة دون أن يصاحب ذلك برنامج لضمان حصول محدودي الدخل على احتياجاتهم الأساسية من الطاقة قد يسهم في إيجاد أوضاع اجتماعية غير مرغوبة، وربما سياسية أيضا، لذلك فإن عملية إعادة تسعير الطاقة لا بد أن تسير جنبا إلى جنب مع سياسات فعالة لكيفية توجيه الدعم، وذلك لضمان قصر دعم الطاقة على الفئات محدودة الدخل، وعلى النحو الذي يحقق مستهدفات المملكة أيضا في مجالات النمو الصناعي بصفة خاصة، لذلك فإن دعم الطاقة في حاجة إلى دراسات عميقة لتحديد سيناريوهات الآثار المتوقعة على رفع الدعم عن القطاعات المختلفة للاقتصاد.
من ناحية أخرى يقترح الصندوق تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال فرض ضريبة عقارية، على العقارات مرتفعة الثمن، وكذلك فرض ضريبة على الأراضي الفضاء، وزيادة الرسوم على الخدمات الحكومية.
أعتقد أن النمو السكاني هو أهم التحديات التي تواجه صانع السياسة السعودي في الوقت الحالي وفي المستقبل، ففي اقتصاد تعد فيه معدلات النمو السكاني واحدة من أعلى المعدلات في العالم، فإن ذلك يولد ضغوطا ديموغرافية كبيرة على الخدمات العامة من جانب، وعلى سوق العمل من جانب آخر، وقد أشرنا إلى أن استمرار الضغوط الديموغرافية يهدد المالية العامة للمملكة ما لم تتم عملية صياغة برنامج للإصلاح المالي يكفل عدالة المشاركة في تحمل أعباء الخدمات العامة بين الدولة والمواطن على النحو الذي يقلل من الضغوط المستقبلية للنمو السكاني على المالية العامة، من ناحية أخرى فإن النمو الديموغرافي سوف يستمر في تغذية سوق العمل بأعداد متزايدة من الداخلين الجدد، وهنا يكمن التحدي الأكبر للمملكة والمتمثل في كيفية إيجاد فرص العمل التي تتناسب مع هذا النمو خارج القطاع الحكومي، وعلى النحو الذي يساعد على السيطرة على تكلفة الأجور في الميزانية العامة للدولة. فعلى الرغم من ارتفاع مساهمة القطاع الخاص في إيجاد فرص عمل للعمالة الوطنية، مازالت الحكومة هي القطاع الذي يوجد فرص العمل للعمالة الوطنية بصورة أساسية. لذلك يجب أن تحتل استراتيجية تعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد المحلي أهمية خاصة في الوقت الحالي.
ولا شك أن ذلك يتطلب العمل على تعزيز بيئة الاستثمار الخاص، على النحو الذي يضمن فتح فرص عمل جديدة للمواطنين بعيدا عن القطاع الحكومي، وهذا لن يتم سوى من خلال تنويع الهيكل الإنتاجي لضمان تنويع النشاط الاقتصادي من خلال تطوير البنى التحتية، وتعزيز نظام التعليم وتطوير مهارات العمال، وتحسين بيئة الأعمال، وتوسيع قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة لاستيعاب جانب من الضغوط المتزايدة في سوق العمل، وهي جميعها تتطلب إنفاقا عاما ضخما سوف تمثل عملية تدبيره أهم تحديات المالية العامة في المستقبل.
من ناحية أخرى فإن رفع مساهمة القطاع الخاص في توظيف العمالة الوطنية لا يمكن أن يتم بدون إصلاح سوق العمل في ظل قانون عمل وسياسات للهجرة والإقامة تصب أساسا لصالح زيادة أعداد المواطنين العاملين في هذا القطاع.
الخلاصة هي أنه بقدر ما تضمن تقرير الصندوق من إيجابيات تحققت عبر السنوات الماضية، فقد كشف التقرير عن الكثير من التحديات التي تواجه المملكة حاليا وفي المستقبل التي تتطلب رسم الاستراتيجيات المناسبة لمواجهتها.

السبت، سبتمبر ٢٠، ٢٠١٤

اختبار ضغط

اختبار ضغط
أستمتع حاليا مع كتاب وزير المالية الأمريكي السابق تيموثي جايثنر بعنوان "اختبار ضغط" في إشارة الى اختبارات الضغط التي أجرتها دول العالم لمؤسساتها المالية لاختبار قدرتها على استيعاب صدمات الأزمة وسيناريوهات الخسائر والاحتياجات الرأسمالية التي تحتاج إلى في حال تعرضها لتلك الصدمات.
حيث يحكي من المطبخ أحداث الأزمة المالية العالمية يوما بيوم، بل وأحيانا ساعة بساعة، والعوامل التي أدت الى انهيار النظام،
بصفة خاصة اطلعت على أبعاد جديدة لسقوط بنك ليمان براذرز، لم أكن على دراية بها، وهو بنك الاستثمار الذي أدى انهياره إلى سقوط العالم في هاوية الكساد الذي ما زلنا نعيشه حتى اليوم.
أدركت بصورة أكبر الدرس الخطير الذي نتج عن انهيار هذا البنك، والمعني الحقيقي لعبارة Too big to fail، أو Too interconnected to fail.
الكتاب غني جدا بالأحداث، ولا أعتقد أننا يمكن أن نفهم العوامل المؤدية للأزمة المالية العالمية والكساد الذي تبعها بدون قراءة هذا الكتاب، وهو متوفر بنسخ مختلفة، ورقية والكترونية وصوتية.
أنصح باقتناء هذا الكتاب وتفاصيله هي: 
Timothy F. Geithner "Stress Test: Reflections on Financial Crises" 2014 by Crown Publishers

آفة التكفير

آفة التكفير
التكفير هو المحلل الذي يتخذه التكفيريون كمطية لتبرير القتل وسفك الدماء والسطو وانتهاك الأعراض والحرمات،،، 
وهذه الأعمال بالنسبة للتكفيريين هي الطريق إلى الجنة،،،
التكفير آفة اصيب بها بعض من يسمون أنفسهم بالمسلمين،،، 
فوجدوا فيها ضالتهم في طرح ما في عقولهم الضالة،،، 
وما نفوسهم المريضة على من حولهم،،،
سمعت بأذني ورأيت بأم عيني بعض التكفيريين ينادي بالسطو على محلات الذهب التي يملكها المسيحيون وقت انتشار هذا الفكر في مصر في السبعينيات والثمانينيات  لتمويل أعمالهم ضد الدولة،،، 
يعني يجاهد في سبيل الله (من وجهة نظره) بمال مسروق... 
ونسوا "أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا"
نحن نعيش اليوم في محنة حقيقية،،، 
بانتشار التكفير هنا وهناك،،، 
وتزايد اعداد من يؤمنون به،،، 
ليلتقط أعداء الإسلام أعمالهم المسجلة والمصورة وأفلامهم البشعة،،، 
لينشروها بين الناس،،،

انظروا .. هذا هو الإسلام،،، 
وهؤلاء هم المسلمون..

المصطلحات الجديدة في اللغة العربية،،،

المصطلحات الجديدة في اللغة العربية،،،
نظرا لانعدام مساهمة العرب في الحضارة الحديثة في العالم،،،
وتحولهم إلى عالة على الدنيا تقريبا،،، 
امتلأت اللغة العربية بالمصطلحات الغربية،،، 
بل إن الأفعال الأجنبية اصبحت تتعرب اليوم وتستخدم لنفس المعنى خصوصا في الاستخدامات باللغة العامية،،، 
أغلب المصطلحات التي تضاف إلى اللغة العربية اليوم كلها تقريبا أعجمية،،، 
لسبب بسيط أن هذه المصلحات ليس لها مقابل عربي،،، 
فأصبحنا نستخدمها كما هي،،،
مثل "نمنشن" و "نرتوت" و"نلايك" ..
انترنت، موبايل، كومبيوتر، لاب توب... الخ 
أعتقد أنه خلال عقود قليلة سيصبح نصف مصطلحات اللغة العربية أصله أعجمي...
لسبب بسيط أن مساهمتنا في الحضارة الانسانية الآن هي ...

صفر...

طباعة الدولار...

طباعة الدولار...

عدد كبير ممن يناقشونني حول الدولار يدعون أن الاحتياطي الفدرالي أغرق الدنيا بالدولارات...
وما إن تتحدث مع احد في الموضوع حتى يفتح لك ملف طبع الدولار، طبع الدولار...
عمليات التوسع النقدي لم تكن بطباعة الدولار،،،
وإنما بشراء السندات وتعلية حساب البائعين بقيمتها،،،
كمية الدولارات المطبوعة لا تزيد سوى بالنسب التي يحتاجها الاقتصاد الأمريكي والطلب على الدولار في العالم...
بالطبع من الناحية الفنية التأثير واحد،،،
لكن من الناحية العملية...
التوسع النقدي عن طريق شراء السندات يجعل من عملية انعكاس اتجاه السياسة أمرا أسهل وأسرع...
هناك تطورات كبيرة في سياسة التوسع النقدي في الوقت الحالي...
بدءا من نوفمبر القادم سوف يوقف الاحتياطي الفدرالي تماما برنامج شراء السندات،،،
انتظارا لقرارات انعكاس اتجاه السياسة لكي يبدا الاحتياطي الفدرالي عمليات بيع السندات مرة أخرى وتخفيض حجم ميزانيته...

الغاوي ينقط بطاقيته


تقول الأغنية..
مش قادرة اصبر مش قادرة...... هابعت له جواب في البوسطة
وهاقولو خلاص من بكرة...........هتجيلي واجيلك يا اسطى
حسوووووونة
عندما استمعت إلى هذه الأغنية المصرية للمغنية صباح اللبنانية...
عادت بي الذاكرة إلى الستينات والسبعينات حيث كان البوسطجي وعامل التلغراف هو أهم شخصية يجب أن تتعرف عليها،،،
ببساطة لأنهما نافذتك على العالم من حولك...
كلمات الأغنية تعبر عن حدة الشوق الذي بلغ مداه لدى من تغني فقررت أن تتصل بحبيبها بأقصى سرعة،،،
ما هي الوسيلة السريعة التي ستتصل به بها؟ ... تبعث له جواب في البوسطة!!!...
قلت سبحان الله...
اليوم عندما تبعث بخطاب في البوسطة لا يصل سوى بعد دهر،، هذا إن وصل...
أين نحن الآن من ذلك الزمن...
من المؤكد أن كاتب هذه الأغنية إذا كان يعيش بيننا اليوم وقدر له أن يعد كتابتها فأعتقد أنه ربما يعيد صياغة البيت الأولى على هذا النحو
....
مش قادرة أصبر مش قادرة.... ها بعت له إيميل دلوقتي
....
أو ربما يستخدم وسيلة "الواتس آب" أو "إس إم إس" إو غير ذلك من وسائل التواصل الفوري...
لكن من المؤكد أن صياغة الكلمات لن تكون بهذه الحدة ...
لأن الشوق اليوم أصبح اقل بكثير من الماضي،،،
بسبب هذه الوسائل الحديثة التي تربطنا ببعضنا البعض اليوم بصورة وقتية...
فلماذا نشتاق إذن...
البعد سبب أساسي للشوق...
وهذه المسافات الزمنية كسرتها وسائل التكنولوجيا الحديثة اليوم...
لهذا السبب في رأيي لم نعد نسمع عن حالات مثل "قيس وليلي" أو "روميو وجولييت"
لأن قيس أصلا سهران طول الليل بيعمل تشات مع ليلي...
فلماذا يجن بها؟؟؟؟
أخشى أن تسبب وسائل الاتصال الحديثة في اصابتنا بالتبلد
 ...

الصدمة التي أحدثها انهيار «ليمان براذرز»


تحل هذه الأيام ذكرى انطلاق الأزمة المالية العالمية في أيلول (سبتمبر) 2008، وتعرض العالم لزلزال مالي لم يشهد مثله من قبل منذ أيام الكساد العالمي العظيم في عشرينيات القرن الماضي، قبل انطلاق الأزمة بدأت بعض المؤسسات المالية في الانهيار، ولكنها جميعا لم تكن ذات حجم مؤثر، عندما حل الدور على مصرف "ليمان براذرز" كان من الواجب في ظل هذه الظروف أن تحول الحكومة الأمريكية دون انهيار المصرف بأي ثمن.
غير أن المشكلة الأساسية التي كانت تواجه عملية إنقاذ المصرف أنه لم يكن مصرفا تجاريا، وإنما كان خامس أكبر مصارف الاستثمار الأمريكية، فكان أحد ما يطلق عليها "بنوك الظل"، وبالتالي لم يكن يخضع لتعليمات الاحتياطي الفيدرالي، ولم يكن يحتفظ باحتياطيات قانونية أو نسب سيولة أو نسب محددة لرأس المال بالنسبة للأصول، كما لم يكن تحت مظلة الصندوق الفيدرالي لتأمين المودعات الذي يقدم الحماية لمودعات الأمريكيين في المصارف التجارية ضد إفلاس المصارف. كانت عملية إنقاذ هذا المصارف تحتاج إلى تشريع خاص يقره الكونجرس الأمريكي، ليسمح للحكومة الأمريكية بأن تستخدم أموال دافعي الضرائب في إنقاذ المصرف، ولم يكن النواب مستعدين في ظل هذا الاضطراب الحادث لإنقاذ من تسببوا فيه، وحتى على فرض أنهم قاموا بذلك، فقد كانوا سيتعرضون لحملة انتقادات واسعة جدا، في أنها تقوم بإنقاذ من تسببوا أو تلاعبوا مسببين الأزمة.
لقد كان من الصعب بالفعل إقناع أحد بتدخل الحكومة لإنقاذ المصرف، وأقصى ما كان المسؤولون مستعدون لفعله هو الإسراع بتسهيل عملية بيع المصرف، فقد كان هناك عرضان لشراء المصرف، الأول من بانك أوف أميركا، والذي على ما يبدو اكتشف الحجم الضخم للأصول المسمومة التي تحتويها ميزانيته، فانسحب من عملية الشراء، وكذلك بنك باركليز البريطاني والذي أعلن في آخر لحظة أن عملية شراء هذا المصرف ستحتاج إلى موافقة حملة الأسهم، والتي من الممكن أن تستغرق شهرا حتى تتم، كما أشار تيموثي جايثنر في كتابه "اختبار ضغط"، فضلا عن أن النظام المصرفي البريطاني كان مشبعا أصلا بعدد كبير من المؤسسات المالية المضطربة.
عندما لم تنجح عملية بيع المصرف، وعندما بدا من الواضح أنه من غير الممكن في ذلك الوقت ضخ أموال عامة في المصرف، سواء في صورة شراء لجانب من أصوله المسمومة أو رفع رأسماله حتى ترفع قدرته على تحمل الخسائر، قام المصرف بتعبئة استمارة الإفلاس تحت الفصل الحادي عشر. حيث أصبح من الواضح في ظل عزوف الحكومة الأمريكية عن إنقاذ المصرف، أن خيار إعلان إفلاس المصرف لا مناص منه.
كان من الواضح أن الحكومة الأمريكية في حاجة إلى صدمة قاسية حتى يمكن أن تعي بدقة حقيقة مخاطر السماح لمصرف على مستوى ليمان براذرز بالسقوط، وقد كان سماح الحكومة الأمريكية بسقوط المصرف أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الحكومة الأمريكية على الإطلاق منذ بداية الأزمة، لأن الصدمة التي أحدثها انهيار المصرف ترتب عليها انهيار النظام المالي العالمي، ثم تبعه انهيار اقتصادي ما زلنا نعاني آثاره في أنحاء العالم المختلفة حتى اليوم.
بعض المحللين يؤكد أن النظام المالي العالمي كان سينهار إن آجلا أو عاجلا، سواء انهار "ليمان براذرز" أم لا، لكن في ظل ظروف الأزمة أقصى ما يحتاج إليه النظام هو الاستمرار في بناء الثقة وعدم السماح لها بالتزحزح بأي ثمن حتى لا ينتشر الذعر المالي بين الناس وتجف منابع السيولة بالتدافع نحو سحب المودعات أو توقف رؤوس الأموال عن التدفق من مصادرها المختلفة إلى أسواق المال.
أدت الصدمة بالحكومة التي رفضت تمويل المصرف باعتباره مصرفا خاصا إلى إنقاذ شركات كان يخشى من سقوطها على تدمير النظام المالي في العالم، مثل شركة التأمين العالمية AIG، والتي كانت على حافة الانهيار وقد بذلت الحكومة الأمريكية جهودا حثيثة لإنقاذها من خلال تخصيص أموال ضخمة بلغت 70 مليار دولار تقريبا. ورضخ النواب الذين كانوا يعارضون مساعدة المؤسسات المالية المضطربة، وتمت الموافقة بأغلبية واضحة على برنامج إنقاذ الأصول المضطربة TARP بميزانية بلغت 700 مليار دولار.
بعض التقديرات كانت تشير إلى أن ليمان براذرز كان يحتاج إلى نحو 40 مليار دولار فقط، والبعض الآخر قدرها بـ 72 مليار دولار، وتقديرات أخرى ترفع الرقم إلى نحو 90 مليار دولار، وهو ما نظر إليه على أنه أمر مستحيل الحدوث. بعد انهيار المصرف اضطرت الحكومة صاغرة، إلى أن تدفع تريليونات الدولارات لكي تنقذ نظامها المالي والاقتصادي، مثل تخصيص 700 مليار دولار لإنقاذ المؤسسات المالية من أن تتعرض لانهيار دومينوز، ونحو 900 مليار دولار لبرامج التحفيز المالي للاقتصاد الأمريكي، بل وبدأ الاحتياطي الفدرالي في أكبر عملية توسع نقدي في تاريخ العالم، حيث تم ضــخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الأمريكي في إطار ما هو معروف بسياسات التيسير الكمي.
أوضح انفجار مصرف مثل "ليمان براذرز" بجلاء مدى هشاشة النظام المالي العالمي الحالي، القائم على المشتقات المالية التي ليس لها أساس متين أو سليم، فقد انخرط "ليمان براذرز" في عمليات ضخمة لأصول مالية مغطاة بالرهون العقارية، وهو نوع من الاستثمارات الخطرة التي يتم تجميعها وتقطيعها وتقسيمها إلى شرائح يتم تغليفها وبيعها على صورة حزم لا يعلم من اشتروها عن حقيقة الرهون التي تحتويها هذه الحزم، والتي ثبت لاحقا أنها أصول لا قيمة حقيقية لها، نتيجة لسياسات الإقراض التي اتبعت مع عمليات الإقراض للعملاء الذين لا ملاءة مالية واضحة لهم.
أشاعت صدمة انهيار "ليمان براذرز" حالة رعب مالي في العالم، وسحبت في غضون فترة زمنية قصيرة جدا مئات المليارات من المصارف والمؤسسات المالية في العالم، واختفت مئات المليارات من الأصول المسمومة من قوائم المصارف، وتراجعت مؤشرات بورصات الأوراق المالية على نحو كبير، وجفت منابع السيولة في النظام المالي، والتي تمثل سائل الحياة بالنسبة لها، وتوقفت رؤوس الأموال عن التدفق وسعت أساسا نحو الأمان بدلا من الركض وراء الربح، وتوقف المستثمرون بجميع أشكالهم عن الإقراض، وبدأ مسلسل انهيار الاقتصاد الأمريكي.
بعد انهيار ليمان "براذرز" لم تسمح الحكومة الأمريكية تحت أي ظرف من الظروف أن يسقط بنك بحجمه، بل وأجبرت المصارف الكبرى على الانصياع وتمكين الحكومة الأمريكية من تملك جانبا من رأسمالها، وإجبار صندوق تأمين المودعات على أن يعزز من نطاق التأمين، ويضاعف من حجم المودعات التي يضمنها. فقد كانت ميزانية الـ TARP، على الرغم من ضخامتها، تمثل نقطة في محيط الأصول المسمومة للمصارف والمؤسسات المالية الأخرى، ولذلك اختارت الحكومة بدلا من شراء الأصول أن تعزز من قدرة المؤسسات المالية على التعايش مع ارتفاع قيمة الأصول المسمومة، فتقرر شراء رأس مالها بدلا من شراء أصولها، لمضاعفة قدرتها على مواجهة الخسائر.
لقد كان من الممكن أن تتحمل الحكومة الأمريكية خسائر هذا المصرف لتجنب نفسها والعالم خسائر كبيرة بإنقاذ هذا المصرف، أو السعي بصورة أكثر جدية للتوصل إلى حل لمشكلته. غير أن النظرة الضيقة لبعض الصقور في الكونجرس حالت دون إنقاذ المصرف، وسقط "ليمان براذرز"، وتعلمت الحكومة الأمريكية من الدرس أنها لا يجب أن تسمح في أي وقت بانهيار مصرف في هذا الحجم، ولكنها تعلمت متأخرة. إن صدمة «ليمان براذرز» قدمت الكثير من الدروس، ولكنها دروس مؤلمة ومكلفة جدا في الوقت ذاته.

الجمعة، سبتمبر ١٢، ٢٠١٤

اقتصاديات التقليعة: تحدي دلو الثلج

تنتشر هذه الأيام تقليعة جديدة تحمل اسم تحدي دلو الثلج Ice Bucket Challenge، لجمعية خيرية مهتمة بمرضAmyotrophic lateral sclerosis ALS، "التصلب الجانبي الضموري" وهو اضطراب يؤثر في وظائف الأعصاب والعضلات لمن يصابون به، وعدد المصابين به قليل نسبيا مقارنة بالأمراض الخطيرة الأخرى في العالم، على سبيل المثال وفقا للجمعية فإن نحو 5600 شخصا يتم تشخيصهم بهذا المرض سنويا في الولايات المتحدة "من بين سكانها البالغ عددهم نحو 320 مليونا تقريبا".
وفقا لهذا التحدي يخير الشخص خلال 24 ساعة بين أن يتبرع للجمعية بمبلغ 100 دولار، أو أن يصب على رأسه دلوا من الماء والثلج، وعندما يخوض التحدي بنجاح فإنه يتحول إلى متحد للآخرين فيمكنه، وفقا للقواعد، أن يسمي ثلاثة أشخاص ويدعوهم لقبول التحدي أو التبرع، وهكذا تتسع دائرة التقليعة بتزايد أعداد من يقومون بها على نحو أسي. من الناس من قام بالتبرع مفضلا عدم قبول التحدي، ومنهم على سبيل المثال الرئيس أوباما، ومنهم من قبل التحدي ونفذ التجربة بالفعل مثل الرئيس السابق بوش الابن، ربما لكي يثبت للرئيس الحالي أنه الأقدر، وهناك أيضا من قاموا بقبول تحدي صب المياه المثلجة على أجسامهم وإثبات تحملهم لهذا التحدي، وفي الوقت ذاته قاموا بالتبرع للجمعية.
لقد أصبح انتقال الأفكار اليوم عبر حدود العالم سريعا بصورة لم نشهدها من قبل، فقد تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى آلة إعلامية رهيبة ليس لها نظير في التاريخ، حيث يلتقي مئات الملايين من الأشخاص يوميا عبر العالم أجمع، لتبدأ سلسلة من الدوائر نقل الأفكار والأحداث عبر الوسائل المختلفة للتواصل، وهو ما يمكن أن نشبهه بمفهوم المضاعف Multiplier، المتعارف عليه في التحليل الاقتصادي الكلي، وفكرته الأساسية هي أن إنفاق دولار واحد في الاقتصاد يولد سلسلة من الدوائر من تدفقات للدخل والإنفاق تنتهي بزيادة الدخل فيه بعدة أضعاف الإنفاق المبدئي، مع الفارق في أن مضاعف انتقال الأفكار عبر وسائل التواصل الاجتماعي في عالم اليوم له قيمة هائلة للغاية، لأن التوسع هنا يكون على صورة أسية، نظرا لاتساع النطاق الجغرافي لانتقال الأفكار عبر العالم، وسرعة انتقال الأفكار عبر الدوائر المختلفة، مقارنة بالأنواع المختلفة من دوائر الدخل والإنفاق التي نستخدمها في التحليل الاقتصادي الكلي.
غير أن سرعة انتقال هذه التقليعة وما صاحبها من صخب هائل على المستوى العالمي أخرج التقليعة عن هدفها الأساسي، وأصبح اهتمام أكثر الناس في العالم هو قبول التحدي وخوض التجربة، بغض النظر عن التنبه إلى الفكرة الأساسية من ورائها وهي الترويج للمرض ومساعدة المرضى، وما حدث هو تحول استخدام التقليعة كوسيلة إثبات للذات أو الشهرة أو حتى الدعابة.. إلخ، وأصبحت حديث العالم كله لعدة أسابيع، وقد حرص الكثير من المشاهير سواء في مجال الفن أو الرياضة أو السياسة أو غيرهم من الجنسين على خوض الاختبار، بل تسجيل ونشر المحاولة على الوسائل المختلفة، بصفة خاصة "الفيس بوك" و"اليوتيوب".
كما نلاحظ، فإن الفكرة في حد ذاتها بسيطة، لكنها ولدت زخما هائلا عبر العالم نظرا لانتشارها بصور عدة بين المجموعات السكانية المختلفة، فوفقا لإحصاءات "الفيس بوك" فإنه منذ أول تموز (يوليو) حتى منتصف الشهر تقريبا، كان هناك 28 مليون مشترك يتناولون الموضوع، في الوقت الذي تم فيه تحميل 2.4 مليون فيلم للتحدي، وقد كان نتيجة انتشار التقليعة أن الجمعية تمكنت من جمع تبرعات تجاوزت 100 مليون دولار حسب آخر التقديرات المتاحة في آب (أغسطس) الماضي، مقارنة بنحو 2.5 مليون دولار عن الفترة ذاتها في العام الماضي، وهي بجميع المقاييس تعد نتيجة رائعة لمثل هذه الجمعية، حيث تفوق تلك المبالغ ميزانية الجمعية الحالية على نحو كبير.
اليوم خفت حدة التقليعة نسبيا وذاب الكثير من تفاصيلها تحت وقع الأخبار الجديدة عن الأوضاع الأخرى في العالم، ولكن المراقبين يرون أن هذا التبرع السخي كان على حساب عمليات التبرع لجمعيات أخرى مماثلة تجمع تبرعات لأمراض أخطر تحصد أعدادا هائلة من البشر سنويا، مثل أمراض القلب والسرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة في العالم التي تحتاج بلا شك إلى أضعاف ما تحتاج إليه هذه الجمعية من ميزانيات لأغراض البحث والتطوير للتوصل إلى سبل معالجتها أو التخفيف من حدتها أو محاصرتها.
بقيت تلك الجمعيات تشاهد وتراقب ما يحدث، وربما يخرج علينا بعضها بأفكار مثيلة، ذلك أن نجاح تحدي دلو الثلج قد يكون مقدمة لسباق حول تصميم ونشر التقليعات بين الجمعيات الخيرية المختلفة في العالم لتحفيز الأشخاص على التبرع. غير أنه يصعب تكرار نفس التقليعة في غضون فترة زمنية قصيرة، إذ سرعان ما يسأم الناس تكرار نفس التجربة التي خاضوها مسبقا، والبشر بطبيعتهم يبحثون عن التغيير، ومن ثم فإن احتمالات تكرار التجربة نفسها بالنجاح الذي شهدناه هذا العام سوف يحتاج إلى أفكار إبداعية تستهوي الناس للدخول في تحد جديد ولكن على نحو أكثر إثارة، وهي مسألة قد تتطلب تشكيل فرق خاصة للبحث عن أفكار جديدة لتشجيع الناس على التبرع بأساليب تستهويهم.
ولكن يبقى السؤال الأهم، هل ما جمعته تلك الجمعية يساوي ما تم إنفاقه من تكلفة مباشرة وغير مباشرة لتنفيذ هذا التحدي؟ البعض وصف مثل هذا التحدي بأنه مثل خطة بونزي، ذلك النصاب الشهير الذي كان يدفع معدلات مرتفعة للعائد لمن يستثمرون أموالهم لديه في مقابل دعوتهم للآخرين بالمشاركة بأموالهم لديه، ليدفع هو لهم عوائدهم من الأموال التي يستثمرها المستثمرون الجدد لديه، وهو ما يعرف بالخطة الهرمية، وبمعنى آخر لا فائدة موجبة ترجى منه على المستوى الكلي.
فمن المتعارف عليه في علم الاقتصاد، كما ندرس طلبتنا في الجامعة، بأنه نظرا لندرة الموارد في هذا العالم لا يوجد شيء من دون تكلفة، أو مثلما يقول المثل الإنجليزي There is no such thing as a free lunch، فواقع الحال أنه لا يوجد شيء مجاني في هذا العالم حتى ولو لم ندفع شيئا مقابله، ففي جميع الأحوال لا بد من وجود طرف آخر يتحمل التكلفة، سواء أكان فردا أم مؤسسة أو حتى الدولة. ففي مقابل ما جمعته الجمعية لا بد أن نحسب التكلفة الحقيقية لكل ما تم، ولكي نقوم بذلك علينا أن نحسب التكلفة المباشرة للمياه النقية التي أهدرت في تنفيذ التقليعة، وتكلفة الكهرباء التي استخدمت في تحويل الماء إلى ثلج، وتكلفة الفرصة البديلة للوقت الذي أنفق في تصميم وإعداد وتنفيذ كل اختبار تم عبر العالم وتكلفة بثه.. إلى آخر هذه القائمة الطويلة من التكلفة المباشرة وغير المباشرة، وقبل أن نقوم بحساب ذلك بدقة لا يمكننا الحديث عن المساهمة الحقيقية لمثل هذه الحملة.
إن أهم الدروس المستخلصة من تقليعة تحدي دلو الثلج هي أنها نبهتنا لخطورة الدور الذي يمكن أن تقوم به وسائل التواصل الاجتماعي كناقل للأفكار عبر العالم، مقارنة بوسائل الإعلام التقليدية، وأنه من الممكن توجيه هذه الوسائل لتحقيق أهداف محددة بسرعة فائقة، إذا تمت صياغة هذه الأهداف على نحو مثير لمستخدميها، وأنه من المؤكد أننا سنشهد حالات مماثلة على نحو أوضح مع تطور الدور الذي تؤديه مثل هذه الوسائل في المستقبل.

الأربعاء، سبتمبر ١٠، ٢٠١٤

عصر فوضى النقود: البت كوين وأخواتها

مكن انتشار الإنترنت من اصدار عملات افتراضية Crypto-coins، بأسماء مختلفة تم استخدامها من جانب المتعاملين فيها في إبرام الصفقات وتسوية قيمة المشتريات .. الخ، مثلها مثل النقود التقليدية، وأشهرها هو ما يسمى ب "البت كوين" وهي عملة رقمية Crypto-currency، تم انشاءها بواسطة شخصية وهمية تدعى ناكاموتو ساتوشي في 2009، والتي بمقتضاها يتم تعدين (اصدار) وحدات نقدية الكترونية (رقمية) غير قابلة للتكرار من خلال مبرمجات متخصصة يطلق عليها عمليات التعدين، ويتم تشغيلها على خوادم خاصة صممت لإصدار كمية محددة بصورة سنوية، وبحيث يتم تخفيض هذه الكميات المصدرة إلى النصف كل أربعة سنوات، ويفترض أن تتوقف عمليات اصدار هذه العملة بحلول عام 2040، وذلك عندها تصل الكمية المصدرة منها الى 21 مليون وحدة، وهو الحد الأقصى للكمية التي يمكن تعدينها منها، حيث تعمد مصدرو العملة خلق نوع من الندرة للكميات المتداولة منها بهدف الحفاظ على قيمتها من التدهور نتيجة الافراط في عمليات الاصدار منها مثل العملات العادية، من ناحية أخرى ولضمان بلوغ هذه العملة أية قيمة فقد تم تقسيم الوحدة الواحدة منها الى 100 مليون جزء يطلق على الجزء تسمية ساتوشي.
حتى هذه اللحظة تم تعدين حوالي 13 مليون وحدة بت كوين بلغت قيمتها السوقية حوالي 16 مليار دولارا في ديسمبر 2013. في الوقت الذي ظلت فيه البت كوين بلا قيمة تقريبا حتى 2013 عندما بدأت عمليات المضاربة واسعة النطاق على العملة مع اتساع نطاق المضاربة على الأصول المختلفة بتعمق أوضاع الأزمة العالمية، وارتفع سعرها الى 1328 دولارا في ديسمبر 2013، وهو أعلى سعر بلغته البت كوين حتى الآن.
ترتب على نجاح البت كوين في أن تجد طريقها كعملة افتراضية بين مجموعة من المضاربين في العالم إغراء الكثير من المصدرين لهذه العملات على دخول مجال الصناعة، وأخذت أعدادها في التزايد على نحو كبير، فحتى كتابة هذا التحليل بلغت أعداد هذه العملات 460 عملة افتراضية وهي العملات التي لها سوق للتداول وذلك وفقا لموقع http://coinmarketcap.com/currencies/views/all/، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف عدد العملات الرسمية التي تصدرها البنوك المركزية في العالم، وقد أخبرني أحد من جادلتهم حول فوضى النقود الافتراضية في العالم بأن أعدادها الحقيقية تصل إلى الآلاف.
لم يحدث في التاريخ أن تمت عمليات اصدار عملات على هذا النحو من غير ذي صفة أو غير ذي سلطة، فاليوم كل ما تحتاجه لإصدار عملة افتراضية هو  جهاز حاسب وموقع الكتروني وبرنامج لتعدين العملة، وبهذا يكون قد تم اصدار عملة رقمية جديدة لتضاف الى القائمة الطويلة حاليا من هذه العملات في العالم، ولا أدرى كم سيصل عدد هذه العملات عندما يتعلم النيجيريون تكنولوجيا اصدارها.
الغريب أن المهووسين بهذه العملات، خصوصا البت كوين، يؤكدون بأنها المستقبل القادم للعملات في العالم، وبأن عصر النقود الرسمية البنوك المركزية مثل الدولار وغيرها قد شارف على الأفول، وأن العصر الذي تتمكن فيه البنوك المركزية من طبع نقود من الهواء سوف ينتهي قريبا، لكن يبقى السؤال الأهم، إذا كانت البنوك المركزية لدول العالم تطبع نقودا من الهواء، فماذا يفعل من يقومون بتعدين هذه العملات؟ وأي أصل يغطيها؟ وما هي السلطات النقدية المستعدة لكي تدافع عنها؟ ومن الذي يضمن استقرار قيمتها في الأسواق؟ ومن الذي يمكن أن يفرض قوة الإبراء لها؟ أسئلة كثيرة عندما أطرحها على المهووسين بهذه العملات، لا أجد إجابة عليها.
عندما تطبع البنوك المركزية أوراقا نقدية من الهواء فإنها تمثل دخلا للدولة، يتم استخدامه في الإنفاق على السلع والخدمات العامة، مثل بناء المدارس والمستشفيات والبنى التحتية وغيرها من أوجه الإنفاق العام التي يستفيد منها الناس، أما إيرادات تعدين هذه العملات فتذهب لمن؟ ببساطة شديدة تذهب لمجموعة من الطفيليين الذين يستولون على نقود الغير وأصولهم في مقابل ما يقدمونه لهم من أرقام الكترونية، لا قيمة حقيقية لها سوى بإيمان من يتعاملون فيها بأن لها قيمة حقيقية.
إذا اختار العالم بالفعل التعامل مع هذه العملات فإن ذلك يعني أن العالم بالفعل سوف يدخل عصر فوضى النقود الرقمية التي تشمل عددا كبيرا من العملات، والتي تتنافس فيما بينها على ضمان قيمة الثروة لمن يحتفظ بها، غير أن هذه المنافسة من جانب المبادرين لإصدار مثل هذه العملات يمكن أن تنتهي بانهيار هذه العملات، ولكن بعد أن يدفع العالم ثمنا غاليا لهذه الفوضى، مثلما يدفع العالم اليوم ثمن الفوضى في عمليات التمويل اللا مسئول في سوق المساكن الأمريكي والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية.
سعر البت كوين في الوقت الحالي أعلى قليلا من 500 دولارا أمريكيا، وتتقلب هذه القيمة بشكل واضح من يوم إلى آخر، وإن كانت البت كوين قد شهدت تراجعا واضحا في الأيام الأخيرة، وكانت البت كوين قد تعرضت لضربة شديدة بعد أن توقف موقع MtGox، وهو أكبر مواقع تداول البت كوين عن السماح بسحب العملة من المحافظ التي يتم الاحتفاظ بها لديه، بعد أن أعلن الموقع عن فقدان حوالي 750 ألف وحدة بت كوين من الموقع، أو ما يعادل نصف مليار دولارا تقريبا في ذلك الوقت، ذابت نهائيا وأصبحت غير قابلة للاسترداد بسبب طبيعة هذه العملة، مما أثار موجة غضب كبيرة بين مالكي محافظ البت كوين، قبل أن يعلن الموقع إفلاسه وتوقف أعماله بشكل نهائي، الأمر الذي كشف بشكل واضح درجة هشاشة هذه العملة، الغريب أن الموقع عاد بعد ذلك وأعلن عن أنه قد وجد أكثر من 200 ألف وحدة من هذه العملة كان ضائعة بصورة ما على النظام الالكتروني للموقع.
البت كوين هي أحد اكثر العملات إثارة للجدل في الوقت الحالي، خصوصا مع انفتاح شهية المبادرين الآخرين حول العالم بإصدار عملات شبيهة من أهمها اللايت كوين، والدارك كوين، والبير كوين، والدوج كوين، والنيم كوين، والماستر كوين وغيرها من القائمة الطويلة جدا من الأسماء، بعضها تم تحديد حدا أقصى على الكميات التي يمكن تعدينها منه مثل البت كوين لخلق نوع من الندرة لها كما سبقت الإشارة، والبعض الآخر ليس له حد أقصى حول الكميات التي يمكن تعدينها منها، ويلاحظ أن الاقبال على هذه العملات البديلة كبيرا من جانب من يكتنزونها طمعا في أن تنجح جهود تسويقها على المستوى الدولي، وتجد قبولا من الأفراد في العالم، وعندها سوف ترتفع أسعارها السوقية وتتحول الأرقام الالكترونية الى ثروة، مثلما حدث مع البت كوين.
بشكل عام فإن العملات الافتراضية مثل البت كوين ليس لها قيمة في حد ذاتها، كما أنه ليس هناك أي جهة من أي نوع تتحكم في أسعارها،  سوى العرض والطلب عليها في سوق المضاربة على هذه العملة وفي ظل غياب السلطة التي تتولى ضمان التوازن بين العرض والطلب منها لضمان استقرار قيمتها، وهو ما يفقدها أهم شروط العملة التقليدية، وهو الاستقرار النسبي في القيمة، على الأقل في الأجل القصير. أكثر من ذلك فإنه لا توجد سياسة نقدية محددة تهدف الى التحكم في الكميات المتداولة منها للسيطرة على التقلبات في أسعارها، أو للحيلولة دون  ارتفاعها الشديد أو انخفاضها الشديد، وهو ما يزيد من درجة هشاشة هذه العملات وتعرضها للتقلبات السريعة في أسعارها، الأمر الذي يرفع من مستوى المخاطر المصاحبة لحملها.
وبالمقارنة مع النقود التقليدية فإن النقود الافتراضية مثل البت كوين قابلة للتقسيم مثل غيرها من العملات والأصول، بصفة خاصة الذهب، وفي ذلك يشبه المتعاملون في هذه العملات مثل البت كوين بالذهب، وهو تشبيه لا يستقيم، حيث أن الذهب له قيمة في ذاته Intrinsic value، بينما لا تحمل البت كوين أي قيمة في حد ذاتها، مثلها مثل النقود القانونية Fiat money التي نتداولها حاليا، ومع ذلك فإن مقارنتها  مع النقود التقليدية لا تستقيم، فالنقود التقليدية لها قيمة سوقية تتحدد بالعرض والطلب عليها، ويتحكم البنك المركزي في الكميات المصدرة منها بحيث يتمكن من تحديد اتجاه قيمتها في أغلب الأحوال وهي أكثر استقرارا من حيث قوتها الشرائية في الأجل القصير، من ناحية أخرى فإن النقود التقليدية هي وحدة ابراء للقيمة، وقوة ابراءها مضمونة بواسطة القانون في الدولة التي أصدرتها، بينما لا توجد أي قوة ابراء قانونية للبت كوين وغيرها سوى استعداد الأطراف المتعاملة فيها لقبولها، أكثر من ذلك فإن الاحتفاظ بالنقود التقليدية يترتب عليه الحصول على فائدة، بينما لا يمكن ضمان ذلك في أغلب الأحوال عند الاحتفاظ بالبت كوين.
البعض أيضا يرى أن هناك عملات شبيهة بالبت كوين قد تكون مستخدمة في التداول مثل الكوبونات الورقية التي قد تصدرها محلات السوبر ماركت الكبرى، وغيرها، ولكن مرة أخرى هناك فارق جوهري بين هذه الكوبونات وبين البت كوين وغيرها من النقود الافتراضية وهو أن هذه الكوبونات قابلة للاسترداد بسلعة أو أصل أو نقود، وأن هناك مؤسسات مسئولة عنها وتضمن عملية الحصول على قيمتها، بعكس هذه العملات الافتراضية، فليس هناك أي ضمان لاسترداد قيمتها، وهناك تقارير تنشر حاليا بأن قدرا لا بأس به من عملة البت كوين قد فقد أثناء عمليات التداول، المشكلة هي أن كل وحدة بت كوين يتم فقدانها في نظام التداول لا يمكن اصدار بديل لها، لأن هذه الوحدات حسب التعريف المقدم لها غير قابلة للازدواجية على نظام التعدين الخاص بها.
أما بالنسبة لنظام التداول الالكتروني لهذه العملات فإنها تتم في اطار شخصي بين متبادلين  للعملة بصورة الكترونية عبر مبرمجات خاصة تسمح لحاملها بتحويل ما يحتفظ به من العملة في محفظته المالية الالكترونية الى المحفظة أو المحافظ المالية لمن يتعامل معهم، وعلى الرغم من أن التدقيق في محافظ العملة يخلع على ما يتم الاحتفاظ به منها صفة الاكتناز، يرى المتعاملون أن ما يتم الاحتفاظ به منها يمثل ادخارا وليس اكتنازا، هذا ويتم التداول غالبا تحت اسماء مستعارة، حيث يسهل إخفاء الشخصيات الحقيقية للمتعاملين، الأمر الذي يفتح الباب أمام عمليات استخدام البت كوين في تمويل الأنشطة المشبوهة حول العالم، ولعل ذلك أحد الأسباب الرئيسة وراء الانتشار الواسع للبت كوين عندما تم اصدارها حيث استخدمت في تمويل انشطة غير قانونية مثل الاتجار في المخدرات أو غسيل الأموال، وأهم تلك المواقع التي مولت هذه الأنشطة هو موقع طريق الحرير Silk Road الالكتروني.  
وتعاني هذه العملات في الوقت الحالي من العديد من المشكلات التي تهدد بالفعل قدرتها على أن تتحول الى عملة يتعامل بها الناس، ولكن بشكل عام اليوم تجد البت كوين اهتماما كبيرا بالنسبة لغيرها من العملات بسبب الارتفاع الكبير الذي حدث في سعرها، مقارنة بالعملات الأخرى مثل اللايت كوين والدوج كوين وغيرها. المشكلة هي أن من يدافعون عن النقود الافتراضية يضعون في أذهانهم عملة واحدة فقط هي البت كوين، وينسون، أو يتناسون، أن هناك المئات من العملات الأخرى الموجودة في العالم والتي يجب أن تنضم أيضا إلى قائمة النقود الافتراضية في العالم، وقد انتقد العديد من الاقتصاديين تلك العملات، على سبيل المثال انتقد بول كروجمان البت كوين على أساس أنها تشجع الاكتناز، كما أنها تتسبب في الانكماش السعري، اذا استمرت أسعارها في الارتفاع، وبالتالي فإن آثارها الاقتصادية سوف تكون مدمرة حال تبنيها كعملات للتداول. *
أكثر من ذلك فإن محافظ هذه العملات التي يتم الاحتفاظ بها على نظم التبادل عرضة للقرصنة بصورة كبيرة، ومن وقت لآخر تأتي التقارير عن عمليات قرصنة تتم لسرقة محتويات محافظ هذه العملات، وعندما تتم عمليات القرصنة يفقد مالكي هذه العملات قيمتها للأبد، بعكس الحال بالنسبة للنقود التقليدية، فإنها غالبا ما تكون محفوظة في حسابات مصرفية ويكون المصرف مسئولا عنها وبالتالي تتبع أية عمليات غير قانونية تتم بالنسبة لها بما يضمن حقوق المودعين لهذه العملات. أكثر من ذلك تتزايد التقارير التي تثبت بأنه بسبب صعوبة الكشف عن المتعاملين في هذه العملات، حيث غالبا ما يتم التعامل تحت أسماء مستعارة كما ذكرنا، فإن جانبا من هذه العملات يستخدم حاليا في عمليات تمويل قيمة الصفقات المشبوهة، على سبيل المثال تلعب البت كوين دور وسيط التبادل المفضل للمجرمين وعصابات الجريمة المنظمة لسهولة اخفاء هذه العمليات بما أن عمليات التمويل تتم خارج نطاق البنوك ومؤسسات التمويل التقليدية، والأهم خارج نطاق رقابة البنوك المركزية. 
مؤخرا تصاعد القلق الدولي حول انتشار استخدام البت كوين في دفع قيمة العديد من السلع وتزايد حجم الجهات التي تقبل العملة، ومنها جامعة نيقوسيا في قبرص، كما انتشرت ماكينات الصرف الآلي لها في العديد من الدول الأمر الذي دعا بعض الدول الى حظر استخدامها كأداة قانونية لإبراء الذمة مثل الصين وروسيا، من ناحية أخرى فقد خلعت الولايات المتحدة مؤخرا عنها صفة العملة ووصفتها بأنها مجرد أصل من الأصول، وبالتالي أصبحت عرضة لفرض الضرائب عليها مثلها مثل غيرها من الأصول، لكني أعتقد أن وقف تداول هذه العملات على المستوى الدولي لن يأتي إلا بعد أن تتسبب في أزمة للمتعاملين فيها تدفع البنوك المركزية في العالم إلى تجريم التعامل فيها ووقف استخدامها كأداة إبراء للذمة على المستوى الدولي. 

التنافسية العالمية لدول مجلس التعاون

مكن انتشار الإنترنت من اصدار عملات افتراضية Crypto-coins، بأسماء مختلفة تم استخدامها من جانب المتعاملين فيها في إبرام الصفقات وتسوية قيمة المشتريات .. الخ، مثلها مثل النقود التقليدية، وأشهرها هو ما يسمى ب "البت كوين" وهي عملة رقمية Crypto-currency، تم انشاءها بواسطة شخصية وهمية تدعى ناكاموتو ساتوشي في 2009، والتي بمقتضاها يتم تعدين (اصدار) وحدات نقدية الكترونية (رقمية) غير قابلة للتكرار من خلال مبرمجات متخصصة يطلق عليها عمليات التعدين، ويتم تشغيلها على خوادم خاصة صممت لإصدار كمية محددة بصورة سنوية، وبحيث يتم تخفيض هذه الكميات المصدرة إلى النصف كل أربعة سنوات، ويفترض أن تتوقف عمليات اصدار هذه العملة بحلول عام 2040، وذلك عندها تصل الكمية المصدرة منها الى 21 مليون وحدة، وهو الحد الأقصى للكمية التي يمكن تعدينها منها، حيث تعمد مصدرو العملة خلق نوع من الندرة للكميات المتداولة منها بهدف الحفاظ على قيمتها من التدهور نتيجة الافراط في عمليات الاصدار منها مثل العملات العادية، من ناحية أخرى ولضمان بلوغ هذه العملة أية قيمة فقد تم تقسيم الوحدة الواحدة منها الى 100 مليون جزء يطلق على الجزء تسمية ساتوشي.
حتى هذه اللحظة تم تعدين حوالي 13 مليون وحدة بت كوين بلغت قيمتها السوقية حوالي 16 مليار دولارا في ديسمبر 2013. في الوقت الذي ظلت فيه البت كوين بلا قيمة تقريبا حتى 2013 عندما بدأت عمليات المضاربة واسعة النطاق على العملة مع اتساع نطاق المضاربة على الأصول المختلفة بتعمق أوضاع الأزمة العالمية، وارتفع سعرها الى 1328 دولارا في ديسمبر 2013، وهو أعلى سعر بلغته البت كوين حتى الآن.
ترتب على نجاح البت كوين في أن تجد طريقها كعملة افتراضية بين مجموعة من المضاربين في العالم إغراء الكثير من المصدرين لهذه العملات على دخول مجال الصناعة، وأخذت أعدادها في التزايد على نحو كبير، فحتى كتابة هذا التحليل بلغت أعداد هذه العملات 460 عملة افتراضية وهي العملات التي لها سوق للتداول وذلك وفقا لموقع http://coinmarketcap.com/currencies/views/all/، أي ما يعادل أكثر من ثلاثة أضعاف عدد العملات الرسمية التي تصدرها البنوك المركزية في العالم، وقد أخبرني أحد من جادلتهم حول فوضى النقود الافتراضية في العالم بأن أعدادها الحقيقية تصل إلى الآلاف.
لم يحدث في التاريخ أن تمت عمليات اصدار عملات على هذا النحو من غير ذي صفة أو غير ذي سلطة، فاليوم كل ما تحتاجه لإصدار عملة افتراضية هو  جهاز حاسب وموقع الكتروني وبرنامج لتعدين العملة، وبهذا يكون قد تم اصدار عملة رقمية جديدة لتضاف الى القائمة الطويلة حاليا من هذه العملات في العالم، ولا أدرى كم سيصل عدد هذه العملات عندما يتعلم النيجيريون تكنولوجيا اصدارها.
الغريب أن المهووسين بهذه العملات، خصوصا البت كوين، يؤكدون بأنها المستقبل القادم للعملات في العالم، وبأن عصر النقود الرسمية البنوك المركزية مثل الدولار وغيرها قد شارف على الأفول، وأن العصر الذي تتمكن فيه البنوك المركزية من طبع نقود من الهواء سوف ينتهي قريبا، لكن يبقى السؤال الأهم، إذا كانت البنوك المركزية لدول العالم تطبع نقودا من الهواء، فماذا يفعل من يقومون بتعدين هذه العملات؟ وأي أصل يغطيها؟ وما هي السلطات النقدية المستعدة لكي تدافع عنها؟ ومن الذي يضمن استقرار قيمتها في الأسواق؟ ومن الذي يمكن أن يفرض قوة الإبراء لها؟ أسئلة كثيرة عندما أطرحها على المهووسين بهذه العملات، لا أجد إجابة عليها.
عندما تطبع البنوك المركزية أوراقا نقدية من الهواء فإنها تمثل دخلا للدولة، يتم استخدامه في الإنفاق على السلع والخدمات العامة، مثل بناء المدارس والمستشفيات والبنى التحتية وغيرها من أوجه الإنفاق العام التي يستفيد منها الناس، أما إيرادات تعدين هذه العملات فتذهب لمن؟ ببساطة شديدة تذهب لمجموعة من الطفيليين الذين يستولون على نقود الغير وأصولهم في مقابل ما يقدمونه لهم من أرقام الكترونية، لا قيمة حقيقية لها سوى بإيمان من يتعاملون فيها بأن لها قيمة حقيقية.
إذا اختار العالم بالفعل التعامل مع هذه العملات فإن ذلك يعني أن العالم بالفعل سوف يدخل عصر فوضى النقود الرقمية التي تشمل عددا كبيرا من العملات، والتي تتنافس فيما بينها على ضمان قيمة الثروة لمن يحتفظ بها، غير أن هذه المنافسة من جانب المبادرين لإصدار مثل هذه العملات يمكن أن تنتهي بانهيار هذه العملات، ولكن بعد أن يدفع العالم ثمنا غاليا لهذه الفوضى، مثلما يدفع العالم اليوم ثمن الفوضى في عمليات التمويل اللا مسئول في سوق المساكن الأمريكي والتي تحولت إلى أزمة اقتصادية عالمية.
سعر البت كوين في الوقت الحالي أعلى قليلا من 500 دولارا أمريكيا، وتتقلب هذه القيمة بشكل واضح من يوم إلى آخر، وإن كانت البت كوين قد شهدت تراجعا واضحا في الأيام الأخيرة، وكانت البت كوين قد تعرضت لضربة شديدة بعد أن توقف موقع MtGox، وهو أكبر مواقع تداول البت كوين عن السماح بسحب العملة من المحافظ التي يتم الاحتفاظ بها لديه، بعد أن أعلن الموقع عن فقدان حوالي 750 ألف وحدة بت كوين من الموقع، أو ما يعادل نصف مليار دولارا تقريبا في ذلك الوقت، ذابت نهائيا وأصبحت غير قابلة للاسترداد بسبب طبيعة هذه العملة، مما أثار موجة غضب كبيرة بين مالكي محافظ البت كوين، قبل أن يعلن الموقع إفلاسه وتوقف أعماله بشكل نهائي، الأمر الذي كشف بشكل واضح درجة هشاشة هذه العملة، الغريب أن الموقع عاد بعد ذلك وأعلن عن أنه قد وجد أكثر من 200 ألف وحدة من هذه العملة كان ضائعة بصورة ما على النظام الالكتروني للموقع.
البت كوين هي أحد اكثر العملات إثارة للجدل في الوقت الحالي، خصوصا مع انفتاح شهية المبادرين الآخرين حول العالم بإصدار عملات شبيهة من أهمها اللايت كوين، والدارك كوين، والبير كوين، والدوج كوين، والنيم كوين، والماستر كوين وغيرها من القائمة الطويلة جدا من الأسماء، بعضها تم تحديد حدا أقصى على الكميات التي يمكن تعدينها منه مثل البت كوين لخلق نوع من الندرة لها كما سبقت الإشارة، والبعض الآخر ليس له حد أقصى حول الكميات التي يمكن تعدينها منها، ويلاحظ أن الاقبال على هذه العملات البديلة كبيرا من جانب من يكتنزونها طمعا في أن تنجح جهود تسويقها على المستوى الدولي، وتجد قبولا من الأفراد في العالم، وعندها سوف ترتفع أسعارها السوقية وتتحول الأرقام الالكترونية الى ثروة، مثلما حدث مع البت كوين.
بشكل عام فإن العملات الافتراضية مثل البت كوين ليس لها قيمة في حد ذاتها، كما أنه ليس هناك أي جهة من أي نوع تتحكم في أسعارها،  سوى العرض والطلب عليها في سوق المضاربة على هذه العملة وفي ظل غياب السلطة التي تتولى ضمان التوازن بين العرض والطلب منها لضمان استقرار قيمتها، وهو ما يفقدها أهم شروط العملة التقليدية، وهو الاستقرار النسبي في القيمة، على الأقل في الأجل القصير. أكثر من ذلك فإنه لا توجد سياسة نقدية محددة تهدف الى التحكم في الكميات المتداولة منها للسيطرة على التقلبات في أسعارها، أو للحيلولة دون  ارتفاعها الشديد أو انخفاضها الشديد، وهو ما يزيد من درجة هشاشة هذه العملات وتعرضها للتقلبات السريعة في أسعارها، الأمر الذي يرفع من مستوى المخاطر المصاحبة لحملها.
وبالمقارنة مع النقود التقليدية فإن النقود الافتراضية مثل البت كوين قابلة للتقسيم مثل غيرها من العملات والأصول، بصفة خاصة الذهب، وفي ذلك يشبه المتعاملون في هذه العملات مثل البت كوين بالذهب، وهو تشبيه لا يستقيم، حيث أن الذهب له قيمة في ذاته Intrinsic value، بينما لا تحمل البت كوين أي قيمة في حد ذاتها، مثلها مثل النقود القانونية Fiat money التي نتداولها حاليا، ومع ذلك فإن مقارنتها  مع النقود التقليدية لا تستقيم، فالنقود التقليدية لها قيمة سوقية تتحدد بالعرض والطلب عليها، ويتحكم البنك المركزي في الكميات المصدرة منها بحيث يتمكن من تحديد اتجاه قيمتها في أغلب الأحوال وهي أكثر استقرارا من حيث قوتها الشرائية في الأجل القصير، من ناحية أخرى فإن النقود التقليدية هي وحدة ابراء للقيمة، وقوة ابراءها مضمونة بواسطة القانون في الدولة التي أصدرتها، بينما لا توجد أي قوة ابراء قانونية للبت كوين وغيرها سوى استعداد الأطراف المتعاملة فيها لقبولها، أكثر من ذلك فإن الاحتفاظ بالنقود التقليدية يترتب عليه الحصول على فائدة، بينما لا يمكن ضمان ذلك في أغلب الأحوال عند الاحتفاظ بالبت كوين.
البعض أيضا يرى أن هناك عملات شبيهة بالبت كوين قد تكون مستخدمة في التداول مثل الكوبونات الورقية التي قد تصدرها محلات السوبر ماركت الكبرى، وغيرها، ولكن مرة أخرى هناك فارق جوهري بين هذه الكوبونات وبين البت كوين وغيرها من النقود الافتراضية وهو أن هذه الكوبونات قابلة للاسترداد بسلعة أو أصل أو نقود، وأن هناك مؤسسات مسئولة عنها وتضمن عملية الحصول على قيمتها، بعكس هذه العملات الافتراضية، فليس هناك أي ضمان لاسترداد قيمتها، وهناك تقارير تنشر حاليا بأن قدرا لا بأس به من عملة البت كوين قد فقد أثناء عمليات التداول، المشكلة هي أن كل وحدة بت كوين يتم فقدانها في نظام التداول لا يمكن اصدار بديل لها، لأن هذه الوحدات حسب التعريف المقدم لها غير قابلة للازدواجية على نظام التعدين الخاص بها.
أما بالنسبة لنظام التداول الالكتروني لهذه العملات فإنها تتم في اطار شخصي بين متبادلين  للعملة بصورة الكترونية عبر مبرمجات خاصة تسمح لحاملها بتحويل ما يحتفظ به من العملة في محفظته المالية الالكترونية الى المحفظة أو المحافظ المالية لمن يتعامل معهم، وعلى الرغم من أن التدقيق في محافظ العملة يخلع على ما يتم الاحتفاظ به منها صفة الاكتناز، يرى المتعاملون أن ما يتم الاحتفاظ به منها يمثل ادخارا وليس اكتنازا، هذا ويتم التداول غالبا تحت اسماء مستعارة، حيث يسهل إخفاء الشخصيات الحقيقية للمتعاملين، الأمر الذي يفتح الباب أمام عمليات استخدام البت كوين في تمويل الأنشطة المشبوهة حول العالم، ولعل ذلك أحد الأسباب الرئيسة وراء الانتشار الواسع للبت كوين عندما تم اصدارها حيث استخدمت في تمويل انشطة غير قانونية مثل الاتجار في المخدرات أو غسيل الأموال، وأهم تلك المواقع التي مولت هذه الأنشطة هو موقع طريق الحرير Silk Road الالكتروني.  
وتعاني هذه العملات في الوقت الحالي من العديد من المشكلات التي تهدد بالفعل قدرتها على أن تتحول الى عملة يتعامل بها الناس، ولكن بشكل عام اليوم تجد البت كوين اهتماما كبيرا بالنسبة لغيرها من العملات بسبب الارتفاع الكبير الذي حدث في سعرها، مقارنة بالعملات الأخرى مثل اللايت كوين والدوج كوين وغيرها. المشكلة هي أن من يدافعون عن النقود الافتراضية يضعون في أذهانهم عملة واحدة فقط هي البت كوين، وينسون، أو يتناسون، أن هناك المئات من العملات الأخرى الموجودة في العالم والتي يجب أن تنضم أيضا إلى قائمة النقود الافتراضية في العالم، وقد انتقد العديد من الاقتصاديين تلك العملات، على سبيل المثال انتقد بول كروجمان البت كوين على أساس أنها تشجع الاكتناز، كما أنها تتسبب في الانكماش السعري، اذا استمرت أسعارها في الارتفاع، وبالتالي فإن آثارها الاقتصادية سوف تكون مدمرة حال تبنيها كعملات للتداول. *
أكثر من ذلك فإن محافظ هذه العملات التي يتم الاحتفاظ بها على نظم التبادل عرضة للقرصنة بصورة كبيرة، ومن وقت لآخر تأتي التقارير عن عمليات قرصنة تتم لسرقة محتويات محافظ هذه العملات، وعندما تتم عمليات القرصنة يفقد مالكي هذه العملات قيمتها للأبد، بعكس الحال بالنسبة للنقود التقليدية، فإنها غالبا ما تكون محفوظة في حسابات مصرفية ويكون المصرف مسئولا عنها وبالتالي تتبع أية عمليات غير قانونية تتم بالنسبة لها بما يضمن حقوق المودعين لهذه العملات. أكثر من ذلك تتزايد التقارير التي تثبت بأنه بسبب صعوبة الكشف عن المتعاملين في هذه العملات، حيث غالبا ما يتم التعامل تحت أسماء مستعارة كما ذكرنا، فإن جانبا من هذه العملات يستخدم حاليا في عمليات تمويل قيمة الصفقات المشبوهة، على سبيل المثال تلعب البت كوين دور وسيط التبادل المفضل للمجرمين وعصابات الجريمة المنظمة لسهولة اخفاء هذه العمليات بما أن عمليات التمويل تتم خارج نطاق البنوك ومؤسسات التمويل التقليدية، والأهم خارج نطاق رقابة البنوك المركزية. 
مؤخرا تصاعد القلق الدولي حول انتشار استخدام البت كوين في دفع قيمة العديد من السلع وتزايد حجم الجهات التي تقبل العملة، ومنها جامعة نيقوسيا في قبرص، كما انتشرت ماكينات الصرف الآلي لها في العديد من الدول الأمر الذي دعا بعض الدول الى حظر استخدامها كأداة قانونية لإبراء الذمة مثل الصين وروسيا، من ناحية أخرى فقد خلعت الولايات المتحدة مؤخرا عنها صفة العملة ووصفتها بأنها مجرد أصل من الأصول، وبالتالي أصبحت عرضة لفرض الضرائب عليها مثلها مثل غيرها من الأصول، لكني أعتقد أن وقف تداول هذه العملات على المستوى الدولي لن يأتي إلا بعد أن تتسبب في أزمة للمتعاملين فيها تدفع البنوك المركزية في العالم إلى تجريم التعامل فيها ووقف استخدامها كأداة إبراء للذمة على المستوى الدولي.