الأربعاء، فبراير ٢٠، ٢٠١٣

مواقف سيارات للعمارات السكنية

نشرت ''الاقتصادية'' تحقيقاً حول مواقف السيارات في العمارات السكنية الحديثة في المملكة، الذي كشف عن اتجاه بعض المُلاك إلى عدم إنشاء مواقف للسيارات، على الرغم من أن ترخيص إنشاء العمارة يلزم المالك بذلك، إلا أن بعض المُلاك يتحايل على إنشائها، من المؤكد أن اتجاه المُلاك إلى ذلك التصرُّف يرجع إلى ارتفاع أسعار الأرض، ورغبة المُلاك في تعظيم العائد على التكلفة الثابتة المرتفعة لها من خلال محاولة الاستغلال الأقصى للأرض من ناحية، وتقليل تكاليف الإنشاء من ناحية أخرى.

إن إهمال إنشاء مواقف لسيارات المستأجرين أو المُلاك للشقق السكنية يمكن أن يعمل في حالة واحدة وهي انخفاض ملكية السيارات بين السكان، بحيث تقل الحاجة إلى إنشاء مثل هذه التسهيلات، حيث يمكن أن تعمل أرصفة الطرق في المنطقة السكنية كمواقف للسيارات. غير أن ارتفاع نسبة تملك السيارات بين السكان في المملكة بشكل عام يعني أنه في مقابل كل أسرة توجد هناك سيارة واحدة على الأقل، ولا بد أن تتوافر لها تسهيلات الوقوف بشكل مستقل ومريح في الوقت ذاته، حتى لا تصبح عملية إيجاد موقف للسيارة مهمة صعبة.

إن محاربة هذا الاتجاه بين الملاك بتغليظ العقوبات على عدم توفير مثل هذه التسهيلات للسكان تصبح ضرورة ملحة في الوقت الحالي، حيث يتزايد الاتجاه نحو إنشاء العمارات السكنية كوسيلة أنسب لاستيعاب قدر أكبر من السكان، وحتى لا تتحوّل الحياة في مثل هذه المناطق السكنية إلى جحيم.

الثلاثاء، فبراير ١٩، ٢٠١٣

النمو الأمريكي يتجه نحو الصفوة


 

معظم الصناعة المالية في العالم تتركز في وول ستريت وفي لندن (the city)، غير أن معظم صناديق التحوط Hedge funds) والتي تضارب أساسا في النقود المقترضة) تركزت في جرينتش والتي تبعد عن مانهاتن بحوالي 40 دقيقة بالقطار، غير أن مديري هذه الصناديق كانوا يحصلون على مرتبات خيالية، على سبيل المثال فإن أعلى 25 مديرا لهذه الصناديق من حيث الراتب تقاضوا رواتب ومكافآت في عام 2006 فقط بحوالي 14 مليار دولارا (تخيل 25 شخصا فقط)، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف مرتبات (86 ألفا من)  المدرسين في مدينة نيويورك.

عندما كان أمثال هؤلاء يشترون المساكن في جرينتش، لم يكن للأسعار أي دور في قرار الشراء، فقد كانوا يحرصون على أن يشترون أكبر القصور القديمة، وفي الكثير من الحالات قاموا بهدمها وبناء قصور أكبر، ووفقا للإحصاءات كان متوسط القصر الذي يتم شراءه حوالي 15 ألف قدم مربعا. بل إن احد هؤلاء المديرين والمتخصص في صناديق التغطية في مجال الرعاية الصحية اشترى قصرا ب 20 مليون دولارا ليقوم بهدمه لكي يقوم ببناء قصرا أكبر على مساحة تزيد عن 30 ألف قدم مربع، وهذه المساحة تقارب مساحة قصر تاج محل في الهند، لقد كان هذا كان هو نمط الحياة لهؤلاء المديرين.

للأسف الشديد بعض المحللين يدعي أن الفترات التي شهدت التحرير المالي بعد عام 1980، قد شهدت أيضا نمو اقتصاديا استثنائيا، غير أن بول كروجمان يؤكد بأن الفترات التي شهدت القيود على الصناعة المالية شهدت نموا اعلى من ذلك المتحقق في أثناء فترات التحرير المالي. على سبيل المثال يشير "يوجين فاما" عالم الاقتصاد المالي المشهور من جامعة شيكاغو (صاحب نظريات كفاءة الأسواق) بأن الفترات التي شهدت تحريرا ماليا شهدت نموا اقتصاديا كبيرا، بينما لم يشهد الاقتصاد في الواقع شيئا من هذا القبيل كما يدعي كروجمان. ولكن ما الذي دعا "يوجين فاما" إلى الادعاء بأن فترة التحرير المالي قد شهدت نمو اقتصاديا غير عادي. في وجهة نظر كروجمان (متهكما) ربما يرجع ذلك إلى أن بعض الأشخاص (وليس كل الأشخاص)، بصفة خاصة هؤلاء الذين يرعون المؤتمرات حول النظرية المالية قد حققوا في الواقع نموا غير عادي في دخولهم.

ويؤكد كروجمان على صدق ما يدعيه بحساباته عن متوسط دخل الأسر الأمريكية والتي توصل من خلالها أن متوسط دخول الأسر الأمريكية لم يرتفع بعد التحرير المالي بعد عام 1980، على العكس من ذلك كانت دخول الأسر الأمريكية ترتفع بصورة اسرع في الفترة التي سبقت عام 1980 عن الفترة التي لحقتها، كذلك قام كروجمان بحساب مؤشر منوال دخول الأسر الأمريكية، وتوصل إلى أن هذا المنوال كان ينموا بعد 1980 بمعدلات اقل مما قبلها. ولكن لماذا حدث ذلك؟ على المستوى الكلي بالطبع كانت هناك زيادة في الدخول، لكن معظم هذه الزيادة تركزت في يد عدد قليل جدا من السكان، وهم الفئات الدخلية المرتفعة بصفة خاصة العاملين في القطاع المالي.

من ناحية أخرى قام بول كروجمان بحساب دخول أعلى شريحة دخليه في الولايات المتحدة، شريحة أعلى 1%، وقد وجد أنه بالنسبة لهؤلاء كان النمو في الدخول بعد التحرير المالي مبهرا، حيث تضاعفت دخول هؤلاء بأربعة أضعاف خلال الفترة من 1980 حتى اليوم. وبالتالي حققت الصفوة معدلات نمو هائلة في دخولها، مع التحرير المالية، أما صفوة الصفوة super elite، وصفوة صفوة الصفوة Super doper elite، أو السكان في الشريحة 0.1% والشريحة 0.01% فقد حققت مستويات افضل، حيث أن اكبر 10000 من أثرياء الولايات المتحدة تمكنوا من أن يحققوا نموا بمعدل 660%، وهذا هو السبب في انتشار قصور تاج محل في ولاية كينيتكيت.

 

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان.

 

 

صُنع في مكة

نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا حول نية غرفة مكة دراسة إنشاء هيئة متخصصة لمنح الشعارات لمصنوعات مكة، والإشراف على منطقة صناعية متخصصة في المنتجات الخاصة بموسم الحج والعمرة. ''صُنع في الصين'' هو الشعار الذي تحمله معظم المنتجات التي تباع في مكة، وعلى رأسها سجادة الصلاة والمسابح وقائمة طويلة جدا من السلع الأخرى.
مشروع ''صُنع في مكة'' هو مشروع ريادي، يمكن أن يكون له وقع خاص لدى الحجاج والمعتمرين وذويهم في الداخل والخارج، ومن المؤكد أن المنتجات التي ستحمل شعار صُنع في مكة، ستجد إقبالا شديدا من جموع الحجاج والمعتمرين لاعتبارات عديدة مرتبطة بقدسية المكان.
وكي يمكن استبدال شعار صُنع في الصين بشعار صُنع في مكة، فإن الأمر يحتاج إلى مثل هذه المبادرات الجريئة، بمنح التسهيلات المناسبة لتشجيع إنشاء مناطق صناعية متخصصة في مكة، وعلى رأسها بالطبع الأرض. ففي مثل هذه المناطق الصناعية يمكن أن ينشأ عدد كبير من المشروعات المتخصصة في المنتجات التي يحتاج إليها زوار بيت الله الحرام، والتي تضم قائمة طويلة جدا من المنتجات التي يسهل توطينها في مكة.
أن يزور مكة ملايين الحجاج والمعتمرين سنويا، ويتحول جانب لا بأس به من إنفاق زوار البيت الحرام إلى الصين، فإن ذلك يعد هدرا للقدرة والفرص الضخمة التي تتيحها مثل هذه الأفكار الإبداعية لتوطين صناعات هذه المنتجات الخاصة على أرض المملكة، التي يمكن أن تفتح فرصا استثمارية مجزية أمام مئات المبادرين من العمالة الوطنية.

الاثنين، فبراير ١٨، ٢٠١٣

لجان سعودة الوظائف

نشرت ''الاقتصادية'' خبراً عن قرار إعادة لجان السعودة إلى إمارات المناطق، لتكون برئاسة أمير المنطقة أو مَن ينيبه، بحيث تتولى المناطق التأكد من تطبيق نظام سعودة الوظائف في المشروعات الحكومية فيها. من الواضح أن القرار يهدف إلى تدعيم جهود سعودة الوظائف في الأقاليم، حيث يمكن فرض قدر أكبر من الرقابة بحكم القرب من تلك المشروعات.
أعتقد أن الاهتمام الأساسي يجب ألا ينصب على أماكن تواجد هذه اللجان بقدر ما يجب أن يتم الاهتمام بكيفية مكافحة التوظيف الوهمي، حيث تلجأ بعض الشركات إلى استيفاء متطلبات السعودة على الورق، من خلال تقديم حوافز لتشجيع الشباب على قبول التوظيف الوهمي نظير التمتع ببعض المزايا النقدية حتى تتمكّن الشركات من ممارسة أعمالها بصورة طبيعية دون أن تخضع للعقوبات التي قد ينص عليها في حال عدم الالتزام بنسب توظيف العمالة الوطنية.
في رأيي أن مشكلة صانع السياسة في المملكة أن السعودية دولة لا تفرض ضرائب على أرباح الشركات، هذه الأداة الفعّالة من أدوات السياسة المالية يمكن استخدامها لتحفيز الشركات على توظيف العمالة الوطنية في مقابل التمتع بإعفاءات ضريبية خاصة، وفي الوقت ذاته إخضاع الشركات التي لا تلتزم بنسب السعودة لمعدلات ضريبة تصاعدية تجعل من عملية توظيف العمالة غير الوطنية مسألة مكلفة جداً للشركات. قد لا يبدو أن المملكة تفكر حالياً في إدخال الضرائب، وحتى يتم ذلك ستظل سعودة الوظائف مشكلة حقيقية تواجه سوق العمل.

لماذا الحاجة إلى الإنفاق الحكومي



يقول كروجمان أنه عندما تطلع على وجهات النظر السائدة حاليا حول حالة الاقتصاد الأمريكي والسبل التي يمكن اللجوء اليها للتعامل مع الأزمة الحالية سوف تصل إلى نتيجة خلاصتها أن الجميع يعمل باستخدام النموذج الخطأ. فالنظرة السائدة للاقتصاد الأمريكي هو أنه أشبه بأسرة تواجه وضعا اقتصاديا صعبا، حيث انخفضت مستويات دخولها بسبب ظروف خارجة عن إرادتها، وارتفعت مستويات ديونها إلى دخلها، والروشة المقترحة في هذه الحالة هي، ضرورة ربط الحزام، وخفض مستويات الإنفاق، ودفع الديون التي على عاتق الأسرة وتخفيض تكاليف المعيشة بالنسبة لها، ولكن هل هذا هو حال الاقتصاد الأمريكي فعلا، وهل هذه هي السبل لحل المشكلة التي يواجهها.  

يقول كروجمان أن طبيعة الأزمة الحالية للاقتصاد الأمريكي لا تتوافق مع هذا النوع من التفكير، فالاقتصاد الذي نعيش فيه تنخفض فيها الدخول بسبب أننا ننفق أقل مما يجب، وان خفض مستويات الإنفاق بصورة اكبر سوف يترتب عليه انخفاض مستويات الدخول بصورة أكبر، أي أن الأمور سوف تسير على نحو أعقد. كذلك فإن الولايات المتحدة تواجه مشكلة ارتفاع في مستويات الديون، ولكن هذه الديون لا تستحق أساسا للأجانب، وإنما للأمريكيين أو المؤسسات الأمريكية، وهذا يمثل فارقا كبيرا عن الحالة التي تكون فيها الديون مملوكة للأجانب. أما الدعوة إلى خفض الإنفاق في الولايات المتحدة فلا بد وان تواجه بهذا السؤال، خفض التكاليف بالنسبة لمن؟، لو قام كل فرد في الولايات المتحدة بتخفيض تكاليفه، فإن الأمور سوف تتعقد بصورة أكبر.

فحاليا يواجه الاقتصاد الأمريكي مزيجا من مصيدة السيولة وانخفاض معدلات الفائدة إلى الصفر، وهذ المزيج ليس كافيا لحل مشكلة التوظف ورفع مستوياته، وجميع ما يطالب به الآخرون للخروج مما تعانيه الولايات المتحدة حاليا يؤدي إلى نتيجة واحدة، وهي أنه يحول الأوضاع نحو الأسوأ. على سبيل المثال لو فرضنا أن الجميع يحاول أن يدخر بصورة أكبر في نفس الوقت، قد يظن البعض أن ذلك سوف يترتب عليه زيادة مستويات الادخار وبالتالي مستويات الاستثمار من جانب قطاع الأعمال وهو ما يؤدي إلى زيادة مستوى الثروة ومن ثم تحسين التوقعات حول المستقبل في الاقتصاد. غير أنه في وقت الكساد عندما يحاول الجميع زيادة ادخاره وتقليل إنفاقه، فإن الدخول تنخفض في الاقتصاد وينخفض مستوى النشاط الاقتصادي وبالتالي حجم الاقتصاد، وعندما يحدث ذلك فإن قطاع الأعمال سوف يستثمر بصورة أقل، أي أنه عندما نحاول أن ندخر بصورة أكبر سوف ينتهي الوضع في الاقتصاد بمستويات ادخار اقل، على العكس من الهدف الأساسي من عملية زيادة الادخار.

من ناحية أخرى زيادة عبء الدين يؤدي إلى مفارقتين أخريين؛ الأولى هي مفارقة تخفيض عبء الدين التي تناولناها في نظرية إرفنج فيشر أعلاه، والتي تتمثل في أن محاولة المدينين تخفيض عبء الدين على عاتقهم سوف يترتب عليها زيادة عبء الدين من الناحية الحقيقية على عاتقهم وبصورة اكبر، وهو ما يعقد مشكلة الدين ولا يحلها، ففي الاقتصاد الذي يحاول فيه الكثير من الأشخاص في ذات الوقت تخفيض مستويات الدين على عاتقهم هو اقتصاد سيواجه انخفاضا في مستويات الدخول والثروة.

المفارقة الثانية وهي مرتبطة بفرضية المرونة في الأجور والأسعار وتتمثل في الآتي؛ لو أن شخصا ما يحاول بيع اصل ما ويجد مشكلة في إيجاد مشتر له عند السعر الحالي للأصل، فإن رد الفعل الطبيعي سوف يتمثل في لجوءه إلى تخفيض السعر، وبالتالي فقد يبدو من الطبيعي أن الحل لانتشار البطالة هو خفض مستويات الأجور، وهناك بعض التفسيرات لارتفاع معدلات البطالة أثناء الكساد الكبير تتمثل في أن السبب في ارتفاع معدلات البطالة هو أنه في الوقت الذي كان يجب أن تنخفض مستويات الأجور، كانت الأجور ترتفع بالفعل، ولا تنخفض، وبالتالي فإن هناك ادعاء بأن مرونة سوق العمال الأمريكي مطلوبة في الوقت الحالي لمعالجة ارتفاع مشكلة البطالة. غير أنه على المستوى الفردي عندما يقوم عامل بخفض أجره فإنه يصبح اكثر جاذبية لأرباب العمل مقارنة بباقي العمال في سوق العمل، غير أن قيام كل العمال جميعهم وفي ذات الوقت بخفض مستويات أجورهم سوف يترتب عليها أن جميع العمال سوف يكونون في ذات الوضع، ولن تتحسن فرص التوظيف لأي من العمال في سوق العمل، والنتيجة التي ستترتب على ذلك هي انخفاض دخول جميع العمال في سوق العمل، بينما يظل مستوى الدين كما هو. ما هو المقصود بذلك؟ إن الفرضية الكلاسيكية بمرونة الأجور والأسعار لا تؤدي إلى تحسين الأوضاع في الاقتصاد، بل على العكس سوف تحول الأوضاع على نحو أسوأ.

ما العمل إذن؟ يشير كروجمان إلى أنه في الوقت الذي يحاول فيه الجميع تخفيض إنفاقهم وبيع أصولهم، لابد من أن يقوم طرف ما بفعل العكس، أي يقوم بزيادة الإنفاق اعتمادا على الاقتراض، هذا الطرف هو الحكومة. أي أن الإنفاق الحكومي هو الاستجابة الطبيعية للحالة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد الأمريكي حاليا.

ولكن هل ارتفاع الأجور والأسعار في هذه الحالة سوف يؤدي إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية حتى في ظل تصاعد التضخم، الإجابة هي نعم، لأسباب عديدة أهمها أن التضخم سوف يؤدي إلى خفض قيمة الدين من الناحية الحقيقية بالإضافة إلى الآثار الإيجابية للتضخم في أوقات الكساد، وبالتالي فإن الخروج النهائي من الركود لن يكون سوى بزيادة الإنفاق الحكومي.  

 

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان.

الأحد، فبراير ١٧، ٢٠١٣

نظرية ارفنج فيشر "محاولات خفض مستويات الدين تسبب الركود"


في عام 1933 كتب الاقتصادي الأمريكي إرفنج فيشر أحد أهم أعماله بعنوان The debt deflation theory of great depressions، يقول فيشر لو تصورنا الانحسار في النشاط الاقتصادي دفع بالمدينين في الاقتصاد إلى محاولة التخلص من ديونهم من خلال بيع أية أصول يملكونها أو تسييل تلك الأصول أو تخفيض مستويات إنفاقهم لكي يدخروا جانبا أكبر من دخولهم لسداد الديون التي عليهم. هذه الإجراءات قد تكون محدودة التأثير في الاقتصاد إذا لم يكن الاقتصاد في حالة أزمة، وأن الأفراد او مؤسسات الأعمال لا يحاولون بيع أصولهم في ذات الوقت.

غير أنه عندما يجد عدد كبير من الأفراد أو مؤسسات الأعمال انفسهم في ورطة في ذات الوقت، فإن سلوكهم الكلي لتحسين وضع الديون التي عليهم سوف يترتب عليه نتيجة عكسية، أي ارتفاع مستويات الديون التي على عاتقهم. تخيل هذا الوضع، أن المقترضين للقروض العقارية حاولوا بيع مساكنهم لسداد الديون التي عليهم، أو استولت البنوك على المساكن من مالكيها لسداد الديون التي عليهم، ثم قامت ببيعها في ذات الوقت لتحصيل قيمة القروض التي منحتها لشراء هذه المساكن، النتيجة الطبيعية لذلك سوف تكون حدوث انخفاض كبير في أسعار المساكن، وهو ما يؤدي إلى وضع الكثير من مالكي المساكن في وضع أسوأ ودفعهم أيضا إلى بيع المزيد من الأصول التي يملكونها.

وعندما تجد البنوك انفسها في حالة نقص في السيولة فتحاول بيع السندات التي تملكها، النتيجة التي ستترتب على ذلك هي تراجع أسعار السندات فتكتشف البنوك أن ما حصلت عليه من سيولة نتيجة بيع السندات اقل مما كانت تتوقع، وهو ما يدفع البنوك إلى بيع المزيد من السندات للحصول على مقدار السيولة الذي يحتاجون إليه، وهو ما يدفع بأسعار السندات نحو الحضيض.

كذلك عندما يحاول المستهلكون خفض إنفاقهم الاستهلاكي لسداد ما عليهم من ديون الكروت الائتمانية فإن النتيجة هي تراجع مستويات الإنفاق الكلي في الاقتصاد، وهو ما يؤدي إلى زيادة مستويات البطالة والدخول، وتحدث نتيجة غريبة هي زيادة بالتالي عبء الديون على المدينين، وعندما تسوء الأوضاع الاقتصادية فإن الاقتصاد يدخل في حالة كساد وتسوء الأوضاع بصورة اكبر.

ولكن لماذا يزداد عبء الديون على المدينين؟ الإجابة هي أنه مع دخول الاقتصاد في حالة كساد، يحدث انكماش سعري، وبالتالي ترتفع القوة الشرائية للدولار، أي ببساطة يرتفع عبء الديون على المدينين على الرغم من تراجع قيمة الدين من الناحية الإسمية، إلا أن ما يتبقى من الدين على كاهل المدينين ترتفع قيمته الحقيقية نتيجة ارتفاع قيمة الدولار.

من هذا التحليل يخلص ارفنج فيشر إلى نتيجة في غاية الأهمية، وهي أنه في ظل ظروف الانكماش السعري، كلما حاول المدينين سداد جانب من الديون التي عليهم، كلما ارتفعت أعباء الدين على عاتقهم (نتيجة ارتفاع القوة الشرائية للدين بسبب تراجع الأسعار).

استخدم ارفنج فيشر هذه النظرية في تفسير الكساد العظيم الذي لحق بالولايات المتحدة في نهاية العشرينيات، حيث يقول بأن هذه هي القصة الحقيقية وراء الركود الذي حدث، هي دخول الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت حالة الركود بقدر هائل من الديون، وهو ما جعله اكثر عرضة لتراجع أسعار الأصول والانكماش السعري، وهذا ما يتشابه إلى حد كبير مع حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الآن.

 

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان.


 

لحظة مينسكي Minsky moment


 

لطالما حذر هايمان مينسكي من مخاطر الأزمات المالية، ولكن أحدا لم يستمع إليه. بل إن مينسكي نفسه عاش كاقتصادي على الهامش طوال حياه المهنية، ومات أيضا على الهامش على الرغم من أهمية أعماله، دون أن يستمع أحد إليه، فقد عاش مينسكي كأستاذ في جامعة واشنطن/سانت لويس. ربما ساعد على ذلك صعوبة أعماله التي كتبها، فعلى الرغم من أهمية أفكاره إلا أنها ضمنها أعمالا توسع فيها في استخدام الرياضيات غير الضرورية والنماذج الصعبة، على القارئ العادي فكانت النتيجة أنه أنتج أعمالا هامة ولكنها غير مقروءة. غير أنه تنبأ بثلاثة من التسع أزمات المالية التي مر بها العالم.

عندما حدثت الأزمة المالية العالمية ادرك الكثير من الاقتصاديين في العالم أهمية الفرضية التي عاش لها مينسكي وهي فرضية "عدم الاستقرار المالي"، وأعلن الكثير من الاقتصاديين في العالم، بما فيهم بول كروجمان، أنهم كانوا يتمنوا لو قرأوا أعمال مينسكي من قبل.

مينسكي يركز على الرافعة المالية Leverage أو نسبة الديون إلى الأصول أو الدخل، فمن وجهة نظره تؤدي فترات الاستقرار المالي إلى المزيد من الرفع المالي وذلك بسبب تراجع مخاطر عدم قدرة المقترضين على سداد ديونهم، غير أن هذه الزيادة في الرفع المالي تؤدي إلى عدم الاستقرار الاقتصادي، أو بمعنى آخر تمهد الأرض للأزمات المالية والاقتصادية.

ربما يكون من الأنسب الإشارة إلى أهمية الديون في الاقتصاد، يقول كروجمان أن الديون ليست شيئا سيئا كما يعتقد البعض، وكثرة الديون لا تعني أن الاقتصاد سوف يكن افقر، على العكس ربما تؤدي زيادة الديون إلى زيادة مستوى النشاط، ذلك أن الدين الذي يحصل عليه طرف ما، هو أصل يملكه طرف آخر. غير أن هذه الفكرة تكون صحيحة اذا ما نظرنا إلى العالم كله، فالدول المدينة يقابلها دول دائنة.

هنا يفجر بول كروجمان مفاجأة للقارئ، حيث يدعي أن ما نسمعه عن تدهور الوضع المالي للولايات المتحدة وزيادة ديونها الخارجية غير صحيح أو مبالغ فيه، فكما ينظر للولايات الولايات المتحدة على أنها دولة مدينة، فإن للولايات المتحدة أصول واستثمارات أيضا في الخارج، وأن صافي الأصول الخارجية للولايات المتحدة (الفرق بين الديون التي عليها، والأصول التي تملكها في الخارج) ليس مرتفعا كما يرى البعض، إنه كما يدعي بول كروجمان لا يتجاوز 2.5 تريليون دولارا. يقول كروجمان، قد ينظر البعض إلى هذا الرقم على أنه ضخم، غير أنه لا يعتبر كذلك بالنسبة لاقتصاد ينتج سنويا ما يزيد عن 15 تريليون دولارا من السلع والخدمات.

لقد تزايدت ديون الولايات المتحدة بدءا من 1980، ولكن هذه الديون لم تؤدي إلى تعريض سلامة الولايات المتحدة للخطر حتى الأزمة الحالية، غير أنها أدت زيادة تعريض الولايات المتحدة للخطر عندما تحولت الأوضاع الاقتصادية على نحو سيئ. على المستوى المايكرو لقد حدث قدر كبير من الرفع المالي لملايين الأسر الأمريكية وارتفعت مستويات الديون إلى أصولهم ودخولهم. لم يحدث ذلك بالنسبة للأسر فقط، وإنما لقطاع الأعمال ولمعظم قطاعات الاقتصاد الأمريكي.

عندما ترتفع الرافعة المالية للقطاعات المختلفة، فإن الاقتصاد بأكمله يكون عرضه للأزمة عندما تتحول الأوضاع على نحو غير مناسب، حيث تؤدي ارتفاع مستويات الديون إلى جعل الاقتصاد اكثر عرضة لحلزون الديون debt spiral  (انظر مقالي في الاقتصادية عن الموضوع). ويؤدي إقبال المدينين على تخفيض الديون على عاتقهم إلى التخلص من بعض الأصول إلى زيادة حجم الديون التي تقع على عاتقهم، وليس العكس (وهذه هي فكرة ارفنج فيشر) التي سأتناولها بشكل مستقل.

الخلاصة هي أن لحظة مينسكي هي اللحظة التي يضطر فيها المقترضون الذين ارتفعت مستويات الديون على عاتقهم إلى بيع أصولهم الجيدة لسداد هذه الديون، وهو ما يؤدي إلى حدوث أزمة في أسواق المال نتيجة انخفاض أسعار الأصول بصورة حادة، وزيادة الطلب على الكاش، ويحدث اضطراب مالي يمكن أن يتحول إلى أزمة اقتصادية. هذا بالضبط ما حدث خلال الأزمة المالية الأخيرة.

 

 من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان.

 

توسيع نطاق الخدمات الصحية العامة في السعودية

نشرت "الاقتصادية" خبراً حول لجوء وزارة الصحة في المملكة إلى القطاع الخاص، وإلى العلاج في الخارج لاستكمال تدبير الخدمات اللازمة لمعالجة المواطنين، والتي لا تتوافر لدى الوزارة، أو تجد الوزارة مشكلة في تدبيرها؛ نظراً لانخفاض الطاقة الاستيعابية في بعض الأحوال، وأن تكلفة لجوء الوزارة لتوفير هذه الخدمات الصحية المساندة بلغت نحو 1.8 مليار ريال، منها أكثر من 700 مليون تكلفة العلاج في المستشفيات الخاصّة.
من منظور التكلفة والعائد، أن تنفق الوزارة هذا الرقم لتقديم الخدمات الصحية للمواطنين من خلال المستشفيات الخاصة أمرٌ يحتاج إلى مراجعة جادة؛ ذلك أن تقديم هذه الخدمات في مستشفيات الوزارة مسألة إمكانات مادية لا أكثر ولا أقل، وأنه من الأجدى أن تقوم الوزارة بتدبير إمكانات تقديم هذه الخدمات من خلال مستشفياتها. فمثل هذا الإنفاق ينبغي ألا ينظر إليه على أساس تكلفته السنوية الجارية، إنما من منطلق الاعتمادات الرأسمالية التي يمكن أن تسمح بتوفير هذه الخدمات داخل نطاق الوزارة. من هذا المنظور، فإن أي حسابات للجدوى الاقتصادية لتقديم الخدمات الصحية خارج نطاق الوزارة لا بد أن تنتهي إلى نتيجة مؤداها أن الوزارة تدفع مبالغ ضخمة جداً نظير تدبير خدمات يمكن أن تقدم من خلال قنواتها بتكلفة أقل لو تم تدبير الموارد الرأسمالية اللازمة للتوسُّع المناسب لتغطية هذه الخدمات، ولا أعتقد أن تدبير الاعتمادات الرأسمالية اللازمة لذلك مشكلة في ظل الأوضاع المالية الحالية للمملكة.

توطين الطاقة النووية في السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تحقيقاً حول حلقة حوارية نظّمتها مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجدّدة، تمّت من خلالها مناقشة القضايا المرتبطة بتطوير وإدارة المشاريع النووية وتوطين الطاقة النووية في المملكة. استراتيجية توطين الطاقة النووية في المملكة هي إحدى الاستراتيجيات الرائدة التي ستقدم للمملكة عديداً من المزايا، أهمها أنها ستوفر من استهلاك النفط، وتقدم مصدراً آمناً للطاقة، وتؤمّن الاحتياجات المستقبلية للمملكة من الكهرباء لعقود طويلة قادمة.
من المعلوم أن من أهم مزايا الطاقة النووية أنها توفر مصدراً هائلاً للطاقة باستخدام مواد خام محدودة جداً. ومقارنة بالمصادر الأخرى للطاقة، فإن الطاقة النووية هي أقل إضراراً بالبيئة، وعندما تعمل محطات الطاقة النووية بطاقتها الكاملة يمكنها أن تنتج الكهرباء بتكلفة رخيصة جداً، مقارنة بالمصادر البديلة لتوليد الكهرباء.
وعلى الرغم من أن الاستثمار في مجال الطاقة النووية يتطلب استثمارات أولية مرتفعة، إلا أنه في الوقت ذاته يؤدي إلى بناء وحدات لتوليد الكهرباء تنتج طاقة هائلة لعشرات السنوات، حيث يتراوح عمر المحطة النووية بين 40 و60 عاماً، وهي من هذا البُعد الزمني لعمر المشروع تمثل استثماراً مجدياً، وتساعد على استرداد رأس المال المستثمر فيها بسرعة بالنسبة لعمرها الإنتاجي.
أعتقد أن الوقت الحالي هو الأنسب للمملكة، لكي تدخل هذا المجال مستفيدة مما تملكه حالياً من احتياطيات مالية ضخمة تمكّنها من إنشاء عشرات من محطات توليد الطاقة النووية التي تؤمّن احتياجات المملكة من الكهرباء في المستقبل.

السبت، فبراير ١٦، ٢٠١٣

هل يمكن الخروج من الكساد الحالي؟


 
في منتصف الثلاثينيات، كان الاقتصاد الأمريكي قد تخطى أسوأ آثار الكساد الكبير، غير أن الكساد لم يكن قد انتهى بالفعل، في هذا الوقت لم تكن الحكومة الأمريكية تجمع بيانات دقيقة عن معدلات البطالة، ولكن التقديرات التي تمت بعد ذلك تشير إلى أن معدل البطالة في هذا الوقت كان أعلى من 11%، أي أن استعادة النشاط الاقتصادي كانت ضعيفة، غير أن الأوضاع بدأت في الانعكاس في 1937، عندما تعرض الاقتصاد الأمريكي لكساد حاد جديد (تراجع مزدوج). غير انه بعد سنتين من عودة الكساد كان الاقتصاد الأمريكي ينتعش وأخذت معدلات البطالة في التراجع على نحو كبير، فما الذي حدث؟
يقول بول كروجمان، أخيرا أصبح هناك من يقوم بالإنفاق بصورة تكفي لعودة الاقتصاد الأمريكي إلى طاقاته الكامنة مرة أخرى، هذا الذي قام بالإنفاق هو بالطبع الحكومة. جانب كبير من هذا الإنفاق كان في الجانب العسكري، وليس في الجانب الاقتصادي، فقبل هجوم بيرل هاربور ارتفع الإنفاق العسكري بصورة كبيرة عندما بدأت الحكومة الأمريكية في إنشاء المزيد من السفن والمدمرات البحرية لاستبدال القديم منها، فضلا عن إنشاء القواعد العسكرية لكي تسع ملايين الجنود الأمريكيين. مع تزايد الإنفاق العسكري تم فتح ملايين الوظائف وتزايدت الدخول، وأخذت دخول الأسر الأمريكية في التزايد، وأخذ الاستهلاك الخاص في التصاعد. بالطبع عندما رأى قطاع الأعمال الخاص مبيعاته تتزايد، بدأ هو الآخر في انفاق المزيد نحو الاستثمار، وبالتالي انتهى الكساد العظيم الذي ضرب الولايات المتحدة من 1929، وعاد ملايين الأمريكيين إلى وظائفهم.
ولكن هل يفرق نوع الإنفاق الذي تقوم به الحكومة في التأثير على الاقتصاد، الإجابة على المستوى الكلي لا، فزيادة الإنفاق تؤدي إلى خلق الطلب، أيا كان مصدره. إذا لماذا لم تقم الحكومة الأمريكية بنفس الإجراء على نحو مماثل لكي تخرج من الكساد الحالي؟ لماذا لم تتم زيادة الإنفاق الحكومي أثناء هذا الكساد؟ يقول كروجمان أن الإجابة تكمن في السياسيين والسياسة، حيث تصاعدت أصوات السياسيين محذرة من مخاطر الإفراط في الإنفاق بعد تبني برنامج الإنفاذ المالي لأوباما الذي تضمن انفاق حوالي 900 مليار دولارا (سوف آتي على مكونات هذا الإنفاق لاحقا)، والنتيجة هي أن حجم الإنفاق الذي قامت به الحكومة لم يكن كافيا لدفع الطلب الكلي إلى المستويات الكفيلة بفتح الوظائف الكافية الاستيعاب ملايين العاطلين من الأمريكيين.
يرى كروجمان أن التهديد العسكري الذي تعرضت له الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كان كفيلا بإسكات أصوات المعارضين لزيادة الإنفاق الحكومي، وهو ما فتح الباب لاستعادة النشاط الاقتصادين وتمكن الاقتصاد الأمريكي من الخروج بهذا الإنفاق من حالة الكساد، لذلك يقول كروجمان أنه في قدم نكتة في صيف 2011 بأن أمريكا في حاجة اليوم تهديد زائف عن غزو كائنات من الفضاء للولايات المتحدة، حتى تبدأ الولايات المتحدة في الإنفاق على الدفاعات المناسبة لمواجهة تهديد هذه الكائنات الفضائية، حتى يمكن للإنفاق الحكومي أن يجد مبررا قويا لإسكات الأصوات المعارضة له، بمعنى آخر ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي من وجهة نظر كروجمان هو موجة جديدة من الإنفاق الحكومي الضخم حتى يبدأ الاقتصاد الأمريكي في استعادة نشاطه مرة أخرى.
ولكن هل سيكون هذا الأمر سهلا وسلسا، يقول كروجمان ببساطة شديدة نعم، وقبل الإجابة عن ذلك يرى كروجمان أنه قد يحتاج إلى مناقشة السياسة النقدية، واثر ذلك على الدين العام، وسبل التأكد من أن الاقتصاد لن يعود إلى الكساد مرة أخرى عندما يتوقف الإنفاق الحكومي، وأيضا مناقشة قضية إلغاء الديون على الأسر الأمريكية وكذلك البعد الاقتصادي الدولي والمصيدة التي وضعت أوروبا نفسها فيها، وهو ما يناقشه كروجمان بامتياز في باقي أجزاء الكتاب (سوف أدون ملاحظاتي لاحقا). ولكن يعود كروجمان يؤكد أن ما يحتاج إليه العالم اليوم هو أن تقف الحكومات وتبدأ في تبني برامج ضخمة للإنفاق للخروج من حالة الكساد العظيم الذي يغطي العالم حاليا. فالخروج من هذا الكساد الحالي يمكن أن يكون سهلا للغاية لو اضطلعت الحكومات بمسئولياتها نحو الاقتصاد وأخذت الإجراءات الجادة في هذا الاتجاه.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now، لبول كروجمان.

 
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now، لبول كروجمان.

مصيدة السيولة Liquidity Trap


 
كانت استجابة الاحتياطي الفدرالي للأزمة الحالية بزيادة الأساس النقدي Monetary Base (كمية النقود المطبوعة من الدولار والتي يفترض أن تتواجد لدى البنوك كاحتياطيات أو في أيدي الأفراد كنقود سائلة)، غير أن الاحتياطي الفدرالي عندما قام بذلك، لم يقم بتسليم هذه السيولة للأفراد أو لقطاع الأعمال في الاقتصاد الأمريكي، وإنما قام الاحتياطي الفدرالي بإقراض هذه النقود للقطاع المصرفي، على أمل أن يقوم القطاع المصرفي بإعادة تدوير هذه النقود في الاقتصاد الحقيقي، وهذه هي الفكرة الأساسية التي تقف وراء التوسع النقدي.
من الناحية الفنية فإن زيادة عرض النقود تتم من خلال قيام البنك المركزي بشراء سندات من البنوك وبالتالي زيادة رصيدها النقدي، وهو ما يفترض أنه يؤدي إلى رفع درجة سيولة القطاعات، من خلال قيام البنوك بزيادة عمليات الإقراض لها، ويجعلها بالتالي تقوم بالإنفاق بصورة أكبر. لكن لاحظ أن زيادة عرض النقود لا تؤدي إلى زيادة ثروات الأفراد أو قطاع الأعمال، وإنما زيادة درجة السيولة التي يتمتعون بها وهو ما يشجعهم على زيادة الإنفاق بدون أن يقلقوا من انخفاض مستويات السيولة التي يتمتعون بها.
غير أنه من الناحية الواقعية لكي يحصل الأفراد وقطاع الأعمال على المزيد من السيولة لابد وان يقترضوها، بل وأن يدفعوا ثمنا في مقابلها وهو معدل الفائدة. وما يفعله البنك المركزي عند زيادة عرض النقود في سوق النقود هو الضغط على معدل الفائدة نحو التراجع، مما يشجع الإنفاق الاستهلاكي وكذلك الاقتراض بغرض الاستثمار.
ولكن ما هي المشكلة الأساسية التي تواجه البنك المركزي في أوقات الكساد؟ المشكلة هي أن هناك حدا أقصى لقدرة البنك المركزي على تخفيض معدل الفائدة، بعد هذا الحد تفقد السياسة النقدية كامل قوتها في التأثير على الاقتصاد، ويحدث ذلك عندما يصل معدل الفائدة إلى الصفر. عندما يصل معدل الفائدة إلى الصفر فإن الجميع، بما فيهم البنوك، سوف يفضل في هذه الحالة عدم إقراض النقود، ويفضل الاحتفاظ بالنقود في صورة سائلة لأن تكلفة الاحتفاظ بها سائلة هي أساسا صفر. ما حدث في الكساد الحالي هو أن معدل الفائدة تراجع بسرعة كبيرة نحو الصفر في خلال عام فقط بعد انطلاق الأزمة، ومع ذلك استمر الاقتصاد الأمريكي غارقا في الكساد، وهذا ما يطلق عليه أثر مصيدة السيولة Liquidity trap.
ماذا يعني ذلك، إن ذلك يعني أنه على الرغم من أن البنك المركزي اغرق الاقتصاد بالكاش، إلا أن هذا الكاش يظل في المصيدة (لدى الأفراد أو لدى البنوك) والتي تحول دون خروجه للدوران في جسد الاقتصاد الوطني ليشجع عمليات الإنفاق، ويظل بالتالي الطلب الكلي في الاقتصاد عند حدوده الدنيا، وتستمر بالتالي حالة الكساد.
من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان

القوى الدافعة للاقتصاد الأمريكي قبل الأزمة




قبل بداية الأزمة المالية العالمية كان الاقتصاد الأمريكي يسير بقوتين أساسيتين، عمليات الإنشاء الضخمة للمساكن، والإنفاق الاستهلاكي الضخم، غير أن هاتان القوتان كانتا تتأثران بالتبعية بارتفاع أسعار المساكن في الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى طفرة في الإنفاق وزيادة الاستهلاك بواسطة المستهلكين الذين شعروا مع زيادة أسعار المساكن أنهم أغنى (أثر الثروة على الاستهلاك)، غير أن ارتفاع أسعار المساكن كان من الناحية الفعلية مجرد فقاعة ضخمة، قامت أساسا على التوقعات غير الواقعية باستمرار ارتفاع أسعار المساكن بدون حدود في المستقبل.
عندما انفجرت الفقاعة انخفضت قوتا الدفع الرئيسيتان في الاقتصاد الأمريكي بصورة كبيرة، وهما مرة أخرى الإنفاق على إنشاء المساكن والإنفاق الاستهلاكي، على سبيل المثال في 2006 وفي أوج الفوران قامت شركات البناء بإنشاء 1.8 مليون مسكن جديد، مقارنة بحوالي نصف مليون مسكن فقط في 2010، وفي 2006 اشترى المستهلكون الأمريكيون 16.5 مليون سيارة، أما في عام 2010 فقد اشتروا 11.6 مليون سيارة فقط. في غضون عام بعد انفجار أزمة المساكن، استطاع الاقتصاد الأمريكي التنفس من خلال زيادة الصادرات، غير أنه مع نهاية 2007، انقلبت الأوضاع ودخل الاقتصاد الأمريكي حالة الركود التي لم يستفق منها حتى اليوم.

من خلاصة قراءتي في كتاب End this Depression Now للاقتصادي بول كروجمان

وجهات نظر في الكساد 2


كروجمان أنه من الصعب بالفعل إقناع معارضي الاتجاه الكينزي في تفسير الكساد بصحة وجهة نظره، سواء تم ذلك من خلال النقاش أو من خلال الإثبات العلمي بالنماذج الرياضية، والتي ربما تقنع اقتصاديا من خلالها أو ربما قد تلقى معارضة أيضا لكنها بالتأكيد لن تعمل عملها في إقناع غير الاقتصاديين. الأفضل إذن أن تقص قصة تقرب بها ما تحاول أن تصل اليه.
كروجمان يقول أن قصته الاقتصادية المفضلة هي قصة حقيقية وهي المؤسسة التعاونية للجلوس بالأطفال
Baby sitting co-op.، وهي منشورة في Journal of Money Credit and Banking
في عام 1977، وهي قصة 150 شخصا الأزواج من صغار السن الذين قرروا أن يوفروا في الإنفاق على العناية بالأطفال من خلال التعاون فيما بينهم للجلوس بالأطفال. هذا التعاون فيما بين الأزواج من خلال المؤسسة التعاونية يخلق ميزة أساسية، حيث يساعد العدد الكبير من المشاركين في المؤسسة على رفع احتمال أن يجد الأعضاء شخصا يجلس بأطفالهم عندما يحتاجون إلى ذلك، لكن المشكلة الأساسية هنا هي كيف يمكن التأكد من أن كل شخص في المؤسسة سوف يؤدي دوره المنوط به وبصورة عادلة وبحيث يتوزع العمل بصورة عادلة بين الأعضاء؟
للتعامل مع هذه المشكلة قام مؤسسو المؤسسة بابتكار نظام للتأكد من تحقق ذلك، وبمقتضى هذا النظام يتم تسليم كل عضو 20 كوبونا، كل كوبون يكفي لدفع قيمة خدمة ما يقابل نصف ساعة من خدمة العناية بالأطفال، على أنه يفرض على الأعضاء عندما يغادرون المؤسسة بضرورة أن يقوموا بتسليم نفس العدد من الكوبونات التي استلموها. الهدف الأساسي من ذلك بالطبع هو التأكد من أن كل عضو من الأعضاء سوف يحرص على أن يقدم نفس العدد من ساعات العناية بالأطفال التي قدمت له، حتى يتمكن من تسليم نفس العدد من الكوبونات التي سلمت له، وإلا يواجه عجزا في عدد الكوبونات التي يحملها.
غير أن المؤسسة وقعت في مشكلة كبيرة وهي أن الأزواج حرصوا على أن يحتفظوا بأكبر كمية من الكوبونات خشية احتياجهم لها لاحقا عندما يضطرون إلى الخروج مثلا، فكانت النتيجة هي أن عدد الكوبونات التي تستخدم داخل المؤسسة أصبحت اقل بكثير مما هو متوقع، وفقدت المؤسسة بالتالي هدفها الأساسي الذي أنشئت من أجله. فما الذي حدث؟
ما حدث هو أن الأزواج حرصوا على ألا يخرجوا ويتركوا أطفالهم في المؤسسة قبل أن يقدموا خدمة الجلوس للأخرين وزيادة ما يحتفظون به من كربونات كاحتياطي، ولكن هذا السلوك أدى إلى تناقص فرص حصول الآخرين على كربونات للخدمة داخل المؤسسة بشكل عام، من ناحية أخرى حرص الأزواج على ألا يخرجوا حتى لا يضطروا إلى استخدام ما لديهم من رصيد من الكوبونات، وهو ما أدى إلى تناقص كمية الكوبونات المستخدمة بصورة اكبر، وبالتالي أدى انخفاض عدد الكوبونات المتداولة إلى توقف تقديم خدمة الجلوس بالأطفال في المؤسسة، أي أن المؤسسة وقعت في حالة ركود إلى أن تمكن الاقتصاديون في المؤسسة من إقناع المؤسسة بزيادة عرض الكوبونات للجميع.
ماذا يستفاد من هذه القصة؟ المؤسسة هنا هي الاقتصاد، والقصة تعبر عن حقيقة مهمة وهي أن انفاق شخص من الأشخاص في هذا الاقتصاد هو دخل شخص آخر فيه. وبالتالي عندما يحدث الكساد ويقوم الأفراد بتخفيض إنفاقهم وتقوم الحكومة بتخفيض إنفاقها في ذات الوقت، إذن لمن سيباع الإنتاج الذي يتم في الاقتصاد. كذلك الحال في اطار الاقتصاد العالمي، فإن واردات دولة ما هي صادرات دولة أخرى، أي أن انفاق دولة ما هو دخل أيضا للدول الأخرى، وبالتالي فإنه في حالة الكساد لا يمكن لكل الدول أن تبيع اكثر مما تشتري في ذات الوقت.
ما هي الدروس التي يمكن تعلمها من هذه القصة كما يشير كروجمان، أنها ببساطة هي:
1 – أن نقص الطلب الكلي في الاقتصاد هو احتمال حقيقي في حالة الكساد، فعندما قرر بعض أعضاء الجمعية خفض استخدام الكوبونات لادخارها لم يؤد ذلك إلى زيادة استخدام الكوبونات بواسطة الأعضاء الآخرين، على العكس قام الآخرون أيضا بخفض استخدامهم للكوبونات، وهو ما أثر على حجم الخدمة المقدمة من خلال الجمعية (أي خفض الإنتاج).
2 – أن الجمعية وقعت في هذه المشكلة لا لسبب جوهري، وإنما لسبب بسيط للغاية، وهو انخفاض عرض الكوبونات، وهو نفس فكرة كينز، أي أنه من الممكن أن يقوم شخص واحد أو مجموعة أشخاص بخفض إنفاقهم، لكن من غير الممكن أن يقوم العالم ككل بخفض إنفاقه، فالنتيجة التي ستعقب ذلك هي ركود مثل الذي يعانيه العالم اليوم. معنى ذلك أنه عندما تقدم البنوك على خفض إقراضها، فإن الإنفاق في الاقتصاد سوف يقل بالتبعية، وأن الأمر يقتضي أن يتقدم طرف لتعويض هذا الإنفاق.
3 – أن المشكلات الاقتصادية الكبرى يمكن أن تكون حلولها سهلة للغاية، فالجمعية خرجت من مشكلتها من خلال طبع المزيد من الكوبونات، وهو ما يقود إلى تساؤل أساسي، هل يمكن حل مشكلة العالم من خلال نفس السلوك، أي هل طبع مزيد من النقود هو كل ما يحتاجه الاقتصاد الأمريكي للخروج من الكساد؟ ولكن الاحتياطي الفدرالي قام بطبع كميات هائلة من النقود، على سبيل المثال قام بمضاعفة كميات النقود إلى ثلاثة أضعاف مستواها، ومع ذلك ظل الاقتصاد كما هو، فما الحل؟ الحل هو التدخل الحكومي وزيادة الإنفاق العام.
من خلاصة قراءتي في كتاب
End this Depression Now.

هل ستسدد الولايات المتحدة ديونها يوما ما؟


إن ارتفاع مستويات الدين الأمريكي ليست ظاهرة جديدة على الولايات المتحدة، فقد وصل الدين الأمريكي إلى مستويات حرجة بعد الحرب العالمية الثانية، ومنذ بداية الأزمة المالية العالمية والكساد الذي تبعها أخذت معدلات النمو في الدين الأمريكي في التزايد متجاوزة معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما أدى إلى تصاعد نسبة الدين إلى الناتج على نحو كبير متجاوزة نسبة الـ 100 في المائة للمرة الثانية في التاريخ الأمريكي في أواخر العام الماضي.
لقد خرجت الولايات المتحدة من الحرب العالمية الثانية بدين ضخم بلغ في عام 1946 271 مليار دولار. ربما يستصغر القارئ هذا الرقم، وذلك مقارنة بالأرقام الحالية للدين العام الأمريكي، لكن على القارئ ألا يندهش عندما يعلم أن هذا الدين هو أضخم مستوى للدين العام في التاريخ الأمريكي حتى اليوم، فقد بلغت نسبة هذا الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 121.7 في المائة في ذلك العام، لم يحدث في التاريخ الأمريكي أن بلغ الدين العام هذه المستويات المرتفعة كنسبة من الناتج إلى اليوم.
لتقريب الصورة لا بد أن نعلم أن الدولار في ذلك الوقت كانت قوته الشرائية مرتفعة، فقد كانت أوقية الذهب في ذلك الوقت تساوي 35 دولارا فقط، من ناحية أخرى، كان حجم الاقتصاد الأمريكي في ذلك الوقت أيضا صغيرا نسبيا مقارنة بالوضع الآن، لدرجة أن هذا الدين قد مثل جبلا ضخما من الديون على الاقتصاد الأمريكي، وثار التساؤل الأساسي في ذلك الوقت، كيف ستتمكن الولايات المتحدة من سداد هذا الدين؟
بمرور الوقت مالت نسبة الدين الفيدرالي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو التراجع بصورة واضحة، ففي عام 1948 تراجعت نسبة الدين الفيدرالي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من 100 في المائة، ومع استمرار تزايد نمو الناتج الأمريكي تراجعت نسبة الدين إلى الناتج حتى بلغت أدنى مستوى لها في عام 1981، حيث مثل الدين الفيدرالي نحو 32.5 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أدنى نسبة للدين إلى الناتج في التاريخ الأمريكي منذ الحرب العالمية الثانية، فهل قامت الولايات المتحدة بسداد هذا الجبل من الديون بالفعل؟ وهل انخفض الدين العام الأمريكي من الناحية المطلقة؟ ربما يدهش القارئ عندما يعلم أن الإجابة هي لا، لم تقم الولايات المتحدة بسداد ديونها، ففي هذا العام ارتفع الدين من الناحية المطلقة حتى بلغ إجمالي الدين الفيدرالي في هذا العام نحو 995 مليار دولار، أي ما يقارب أربعة أضعاف مستواه في 1946، بل ويتخطى عتبة التريليون دولار في العام الذي يليه.
إذا كان الوضع كذلك فما الذي حدث؟ وفقا للبيانات التاريخية التي ينشرها المكتب التنفيذي لرئيس الولايات المتحدة عن ميزانية حكومة الولايات المتحدة، فإن القيمة المطلقة للدين الأمريكي أخذت في التراجع بعدة مليارات للدولارات حتى بلغت نحو 252 مليار دولار في عام 1948، ثم أخذت قيمة الدين في التصاعد السريع بعد ذلك، وفي عام 1954، أي بعد ثمان سنوات فقط، عاد الدين الفيدرالي إلى مستوياته عام 1946. معنى ذلك أن الولايات المتحدة لم تقم بسداد ديونها، بل أخذت هذه الديون في التصاعد بعد ذلك، ووفقا للبيانات التاريخية بلغ الدين الفيدرالي 381 مليار دولار في عام 1970، وفي عام 1982 تجاوز الدين الفيدرالي حاجز التريليون دولار كما سبقت الإشارة، حيث بلغ 1137 مليار دولار. في عام 1990 بلغ الدين الفيدرالي 3.2 تريليون، وفي عام 2007 قبل انطلاق الأزمة المالية العالمية بلغ الدين الفيدرالي نحو تسعة تريليونات دولار، ثم أخذت معدلات النمو في الدين الفيدرالي في التسارع حتى بلغ حاليا نحو 16.5 تريليون دولار، حيث تمت إضافة نحو سبعة تريليونات دولار في غضون خمس سنوات فقط.
والآن ماذا تعني هذه الأرقام؟ إنها تعني ببساطة مرة أخرى أن الدين العام الأمريكي لا يتراجع من الناحية المطلقة، أو بمعنى آخر ما يؤكد الفكرة الأساسية لهذا المقال من أن أمريكا لا تسدد ديونها، وإنما تزيد من اقتراضها لديون جديدة عاما بعد عام، وأن الدين الفيدرالي غير قابل للتخفيض من الناحية المطلقة بشكل عام، ولكن إذا كان الوضع كذلك كيف يقال: إن الدين الفيدرالي الأمريكي تراجع من أعلى مستوياته بعد الحرب العالمية الثانية؟ وهل سيستمر الدين الفيدرالي الأمريكي في الزيادة إلى ما لا نهاية؟
لشرح الموضوع بصورة أبسط لا بد وأن نشير إلى أننا عندما نقوم بتحليل المخاطر التي يمثلها الدين العام في اقتصاد ما لا نهتم بحجم الدين من الناحية المطلقة، وإنما ننظر دائما إلى المعيار الأهم عند تحليل عبء الدين وهو نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، حيث ينظر باهتمام شديد إلى نسبة نمو الدين مقارنة بنسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي لمعرفة اتجاهات نسبة الدين إلى الناتج. فإذا كانت نسبة النمو في الدين أقل من نسبة نمو الناتج أو تساويها، فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستميل نحو التراجع أو الثبات، الخطر الحقيقي الذي يواجه الدولة هو أن يكون معدل نمو الدين أعلى من معدل نمو الناتج لفترة طويلة من الزمن، في هذه الحالة ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع بالتبعية نسبة خدمة الدين إلى الناتج ومن الممكن أن تتجاوز قدرة الاقتصاد على خدمة ديونه، فتضطر الدولة إلى إعلان توقفها عن خدمة ديونها، وهو ما يعتبر من الناحية الفنية بمثابة إعلان إفلاس الدولة.
ولكن كيف نحكم على ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي؟ هناك بشكل عام اتفاق على أنه طالما أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في حدود 60 في المائة من الناتج، حيث يظل الدين العام بشكل عام في حدود آمنة بالنسبة للدولة، غير أن ذلك لا يمنع من أن تلجأ الدولة لإعلان إفلاسها عند مستويات أقل من هذه النسبة، خصوصا إذا كانت معدلات الفائدة على الدين العام للدولة مرتفعة، وقد حدث أن أعلنت دول إفلاسها عند مستويات أقل من هذه النسبة. إذن حتى مع هذا المستوى الآمن يمكن أن تحيط مخاطر الدين بالدولة، فما العوامل الأخرى التي تؤثر على استدامة الدين العام للدولة عند مستويات آمنة؟
مرة أخرى فإن كتب النظرية الاقتصادية تخبرنا بأن هناك عاملين مهمين يؤثران في قدرة الدولة على خدمة ديونها، واتجاهات نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وهما معدل الفائدة الحقيقي على الدين ومعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي. فبشكل عام إذا كان معدل الفائدة الحقيقي على الدين أقل من معدل النمو في الناتج فإن نسبة الدين العام إلى الناتج تميل نحو التراجع، خصوصا إذا كانت الميزانية العامة للدولة تحقق فائضا. أما إذا كان معدل الفائدة الحقيقي أعلى من معدل نمو الناتج فإن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستميل نحو التصاعد بصفة خاصة إذا كانت الميزانية العامة للدولة تواجه عجزا.
ما الذي نتوصل إليه من هذا التحليل؟ الإجابة هي أنه يكفي الدولة أن تدفع معدلا مناسبا للفائدة على دينها العام، لكي تضمن استدامة دينها في الحدود الآمنة، وكما يتضح مما سبق فإن المعدل المعقول للفائدة هو معدل يقل عن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وهو بالفعل ما تفعله الولايات المتحدة حاليا، حيث تنخفض معدلات الفائدة بصورة واضحة، لدرجة أن معدلات الفائدة الحقيقية على بعض أنواع الدين الأمريكي سالبة.
والآن نعود إلى السؤال الأساسي وهو هل ستسدد الولايات المتحدة ديونها يوما ما؟ الإجابة كما أثبتنا من التحليل التاريخي للدين الأمريكي ومفهوم الحدود الآمنة للدين العام هي لا! لن تسدد الولايات المتحدة ديونها، وسيستمر الدين الأمريكي في التصاعد من الناحية المطلقة، ولكن هل من دليل يؤيد هذه المزاعم التي ذهب إليها المقال؟ لحسن الحظ أنه وأثناء كتابة هذا المقال أن مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي قد أصدر آخر تقاريره حول الاتجاهات العامة للميزانية الأمريكية خلال الفترة من 2013 حتى 2023، وكما توقعت، لقد قدر مكتب الميزانية في الكونجرس الأمريكي حجم الدين العام الأمريكي في عام 2023 بنحو 26 تريليون دولار، أي بزيادة عشرة تريليونات دولار عن مستوياته الحالية. هل هذه أخبار سيئة؟ ربما يندهش القارئ عندما يعلم أن الإجابة هي لا! لأنه ووفقا لتقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس في عام 2023 ستتراجع نسبة الدين الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 104 في المائة اليوم إلى 69 في المائة فقط في عام 2023.

الجمعة، فبراير ١٥، ٢٠١٣

حوافز للقيادة الآمنة للسيارات في السعودية


نشرت ''الاقتصادية'' خبرا حول الاتجاه نحو تأسيس مشروع السجل التأميني لقائدي السيارات في السعودية، بهدف مكافأة قائدي السيارات الذين تخلو سجلاتهم من أي حوادث أو مخالفات مرورية، لا شك أن هذه الخطوة ستحدث فارقا واضحا في سلوك قائدي السيارات وطريقة قيادتهم، فالحساب والعقاب في التأمين على السيارات اتجاه حميد لضبط السلوك، ذلك أن تكلفة الحوادث المباشرة لا شك هائلة، أما التكاليف غير المباشرة فهي أشد تنوعا وأكثر تكلفة.
التأمين في جوهره هو مشروع مشاركة أو تكافل بين المؤمنين في تحمل ما يحدث لأي منهم من أضرار مرتبطة بنوع التأمين، وغالبا ما يتحمل المؤمنون حصتهم بالتساوي، ما يحدث في الواقع في حالة التأمين على السيارات هو أن من يلتزم بأصول القيادة الآمنة يدفع حصة أعلى مما يجب أن يتحمل، بينما يدفع المستهتر في القيادة تكلفة أقل بكثير مما يجب أن يدفع، وبالتالي فإن مثل هذا المشروع التعاوني لا ينبغي أن يتعامل مع مجموع المؤمنين على الدرجة نفسها، حيث إن المعاملة المتساوية للجميع تؤدي إلى تشجيع بعض قائدي السيارات على اللامبالاة، حيث لن يحاسبهم أحد، طالما أن شركة التأمين (أو بالأحرى المؤمنين الآخرين المشتركين معه في الشركة نفسها) تدفع ما ينتج عن ذلك من أضرار.
مكافأة قائدي السيارات الملتزمين، ومعاقبة قائدي السيارات المستهترين، أو حتى رفض التأمين لهم، هو اتجاه سيدفع الجميع إلى أن يقود سيارته بأمان، حفظ الله الجميع.

مشروعات الشباب السعودي

نشرت "الاقتصادية" تحقيقاً حول المعوقات التي تواجهها مشاريع الشباب في المملكة، والتي من أهمها ارتفاع التكلفة المبدئية للمشروع بسبب ارتفاع الإيجارات والقيود البيروقراطية والقيود الخاصّة بالتمويل؛ نظراً لعزوف المصارف عن تمويل مشروعات الشباب بشكل عام.
الشباب السعودي الباحث عن المبادرات لا بد أن يتعلم فن المبادرة، وهذا يتطلب الاهتمام بتدريس هذه المادة في الجامعات، بغض النظر عن التخصُّص، ولو بشكل اختياري، أو تكوين النوادي الطلابية الخاصّة بها والتي تهدف إلى توعية الشباب بسبل تطوير المبادرات، وكيفية اختبار احتمالات نجاحها، وسبل التمويل الممكنة من المصادر المختلفة، وكيفية التعامل مع المخاطر المختلفة مع إبراز أهمية دراسات الجدوى وسبل تقييم المشروعات بصورة علمية وعملية.
مشروعات المبادرين من الشباب، خصوصاً حديثي التخرُّج، ينبغي أن تحظى برعاية خاصّة من الدولة، وأن يقدم لها الدعم الكامل حتى ترى النور وتصبح مشاريع للأعمال على أرض الواقع، فبدلاً من أن يقضي الشاب أشهراً وربما سنوات يبحث عن عمل، ويكلف الدولة بالتالي مبالغ طائلة نظير الدعم الحكومي المقدم أثناء فترة البطالة، فإن دعم مبادرات الشباب يمكن أن يخفّض جانباً كبيراً من تكلفة رعاية الشباب الباحث عن العمل، وفي الوقت ذاته يقلل من معدلات البطالة ويرفع معدلات التوظيف ويرفع مستويات الإنتاج، باختصار دعم مشروعات الشباب جوانبه كلها إيجابية، فقط تحتاج الدولة إلى أن تتأكد من أن ما يقدم من أفكار يتسم بالجدية المناسبة وتوافر الجدوى التي تضمن إلى حد معقول نجاح الأفكار المقترحة.

مكافحة الفساد

نشرت ''الاقتصادية'' عرضا لما دار في محاضرة في الغرفة التجارية بالشرقية حول الفساد، حيث أشارت إلى ارتفاع تكلفة جرائم الفساد في عالمنا العربي، والتي قدرت بنحو 300 مليار دولار سنوياً، تمثل موارد لعالمنا العربي تهدرها الفئات المشاركة في عمليات الفساد على اختلاف أنواعها. الفساد آفة تعانيها المجتمعات في العالم كافة، سواء تلك المتقدمة أو النامية، ولا يوجد مجتمع خالٍ من الفساد، وانتشار الفساد وتعمّق جذوره يجهض الجهود التنموية وينشر الإحباط بين الفئات المختلفة من السكان، ويحول دون استغلال الكوادر الوطنية المخلصة.
وهناك فروق واسعة بين الدول في مستوى الشفافية التي يتمتع بها المجتمع، وقدرة المؤسسات المختلفة على المساءلة، خصوصا لذوي النفوذ، ومدى شيوع جهود محاربة الفساد، ودرجة وعي المواطنين بالفساد وبآثاره ومدى السماح لمؤسسات المجتمع المدني بأن تعمل بصورة فاعلة في مكافحة هذه الظاهرة.
غير أن محاربة الفساد تعد من المهام الصعبة، نظراً لتشابك العوامل المختلفة ذات العلاقة بانتشار الفساد من جهة، وتداخل مصالح جماعات الضغط في المجتمع من جهة أخرى، كما أن الفساد كظاهرة، يخضع لثقافة المجتمع وتقاليده، فما قد يعتبر سلوكاً فاسداً في مجتمع ما، قد يكون مقبولاً في مجتمع آخر، ولمكافحة الفساد لا بد أن تضمن الدولة عدم استفادة المشتركين في عمليات الفساد من العمليات التي يقومون بها، وأن تسهل المؤسسات عملية ملاحقة الفاسدين قانونياً وقضائياً بنظام قانوني صارم، وقوة شرطة خاصة، ومحاكم وهيئات قضائية متخصّصة في قضايا الفساد.

باب رزق جميل

 
نشرت «الاقتصادية» لقاء مع المهندس محمد عبد اللطيف جميل، رئيس مبادرات عبد اللطيف جميل الاجتماعية، والذي تناول فيه عديدا من القضايا المرتبطة بعملية تأهيل وتوظيف العمالة الوطنية وأوضاع سوق العمل السعودي، غير أهم ما يجذب الانتباه في اللقاء هو مشروع "باب رزق جميل"، الذي تتبناه شركة عبد اللطيف جميل، والذي يهدف إلى تأهيل الشباب السعودي ومساعدته على إيجاد فرص عمل ملائمة يكسب منها رزقه وتقل بها نسبة البطالة المتصاعدة حاليا في المملكة.
باب رزق جميل هو إحدى المبادرات الخاصة التي تمثل أحد الأوجه الناصعة لما يمكن أن يسهم به القطاع الخاص الذي يدرك مسؤوليته أمام مجتمعه، وأن المجتمع بالنسبة لبعض رواد القطاع الخاص ليس بالنسبة فقط بابا للتسويق وتحقيق الربح والثروة، وإنما هناك التزام أخلاقي لا بد أن ينشأ تجاه المجتمع وقضاياه الملحة، والتي أهمها حاليا مشكلة البطالة.
لا شك أن الدولة تحاول على عدة أصعدة أن تخفف من حدة مشكلة البطالة بين المواطنين بتشجيع القطاع الخاص تارة، وبتضييق فرص العمل أمام العمالة الوافدة تارة أخرى، ولكن بعض هذه الجهود تجد مقاومة كبيرة من جانب بعض مؤسسات القطاع الخاص، الذين تبدو القضية بالنسبة لهم مسألة حسابية للعائد والتكلفة، ولكن القضايا الاجتماعية لا تقاس من هذا المنظور الضيق فقط، هذه المبادرة مثال للقطاع الخاص المسؤول اجتماعيا، وهي دعوة للقطاع الخاص لكي يساعد على فتح باب رزق جميل للشباب العاطل عن العمل في المملكة.