الأحد، يونيو ٢٩، ٢٠٠٨

إلى أين تأخذون الكويت

ارتكزت الأهداف الأساسية للسياسة الاقتصادية لدولة الكويت منذ استقلالها على إتباع ما يسمى بسياسات الرفاه، والتي ترتكز على "مبدأ تقسيم الثروة" والذي هدف إلى رفع مستويات الرفاهية لكافة أفراد الشعب من خلال تبني نظام مكثف للدعم والإعانات والالتزام بتقديم معظم السلع والخدمات الأساسية إما مجانا أو بأسعار منخفضة لا تعكس تكاليفها الحقيقية، وأشكالا أخرى للتدخل. وقد اقتضى القيام بهذا الدور أن تتملك الدولة الجانب الأكبر من الأصول الإنتاجية، الأمر الذي مكنها من أن تلعب دور الموظف الرئيسي للداخلين الجدد إلى سوق العمل من المواطنين، فضلا عن ذلك أصبح الجانب الأكبر من الإنفاق العام يوجه بشكل أساسي لأغراض الإنفاق الجاري، بينما تنخفض نسبة الإنفاق الرأسمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل واضح مقارنة بالدول المثيلة. وقد ترتب على انخفاض مستويات الإنفاق الاستثماري عدم النجاح في إرساء أساس متين لتنويع هيكل الدخل والناتج، مما أدى إلى تعميق الطبيعة الريعية للاقتصاد المحلي وزيادة اعتماده على مصدر شبه وحيد للناتج والدخل، بحيث أصبح جل النشاط الاقتصادي المحلي يعتمد بشكل واضح على تطورات أوضاع السوق العالمي للنفط. ويشكل الدور الحيوي الذي يلعبه القطاع النفطي تحديا كبيرا لدولة الكويت، حيث يقف عائقا أمام تحقيق معدلات مستقرة للنمو.

غير أن اخطر إفرازات سياسات الرفاه المرتكزة على مبدأ تقسيم الثروة هي أنها أدت إلى "إهدار لتلك الثروة"، ولعل أخطر ما ترتب على تلك السياسات هو نشر ثقافة الهدر على كافة الأصعدة، وأصبح هناك تسابق حميم للمطالبة بحرق ثروة الكويت، من خلال المطالبات الشعبية المختلفة، وقد قدرت صحيفة القبس تكلفة تلك مطالب النواب حاليا بحوالي 17 مليار دينار (أي حوالي 60 مليار دولار)، وللأسف كلما مال سعر النفط نحو الارتفاع، كلما شحذ هؤلاء ألسنتهم للمطالبة بالمزيد، فالشعب الكويتي يستاهل.

نعم شعب الكويت يستاهل، ولكن من خلال المزيد من تسهيلات إنتاج حقيقية، من خلال المزيد من الإنتاجية، من خلال المزيد من الموارد التي تنمي الثروة، من خلال أساس اقتصادي قوي يوفر استدامة النمو على المدى الطويل، وليس من خلال ثقافة توزيع الكنز ونشر أنماط استهلاك ترفي ضار. المطالبون بحرق ثروة الكويت هم أعداء الكويت الحقيقيون، ومشكلتهم الأساسية أنهم أعداء من الداخل، لهم أصوات وأقلام وصحف ومتحدثين، والمشكلة الأخطر أن البعض ينظر إليهم على أنهم أبطال قوميين، أنصار الشعب والساهرين على خدمته، والساعين لرفع مستوى معيشته... الخ. ولكن بأي الثمن؟ الثمن الحقيقي، هو مستقبل الكويت ومستقبل أجيالها، الثمن الحقيقي لكل العبث الذي يحدث تدفعه أجيال الدولة في المستقبل. فهل لهذا العبث من نهاية.

بالأمس تم إقرار زيادة الـ 50 دينار كزيادة ليست الأخيرة في الرواتب، كما أعلن البعض، وتم كذلك إقرار صندوق المعسرين، والبقية تأتي. إلى أين تأخذون الكويت، بحرق ثروتها وهدر إمكانياتها، إلى أين تأخذون الكويت بنشر ثقافة الهدر والاستهلاك، إلى أين تأخذون الكويت بتنمية شبه مشلولة، إلى أين تأخذون الكويت بمشاريع تراوح مكانها، إلى أين تأخذون الكويت باقتصادها الريعي، إلى أين تأخذون الكويت؟.

لا نملك إلا أن ندعو الله أن يحمي ثروة الكويت من أعداءها الحقيقيين.

السبت، يونيو ٢١، ٢٠٠٨

تقنين عملية إنتاج وتصدير النفط الكويتي

أعلن نواب كتلة العمل الشعبي احمد السعدون ومسلم البراك ومرزوق الحبيني فضلا عن د. حسن جوهر إعادة تقديم اقتراح بقانون في شأن المحافظة على الثروة النفطية وحسن استغلالها. وينص القانون على تحديد إنتاج النفط الخام المصرح به سنويا اعتبارا من أول السنة المالية التالية لتاريخ العمل بالقانون من جميع الحقول النفطية في الكويت، شاملة نصيب الكويت في الحقول النفطية في المنطقة المقسومة، بنسبة مئوية لا تجاوز متوسط الإنتاج السنوي الفعلي من النفط الخام للسنتين الماليتين 2004-2005 و2005-2006 مقسوما على إجمالي الاحتياطي النفطي المؤكد في جميع هذه الحقول. ودعا القانون المقترح الحكومة إلى كشف النقاب عن حقيقة الاحتياطيات النفطية لدولة الكويت.

وكان موضوع الحجم الحقيقي للاحتياطيات الكويتية من النفط الخام قد أثار كثيرا من الجدل حول الحجم الحقيقي لتلك الاحتياطيات في عام 2006، وذلك عندما نشرت مجلة Petroleum Intelligence Weekly تقريرا يشير إلى انخفاض الاحتياطيات النفطية الكويتية إلى النصف. فوفقا للأرقام الرسمية فان احتياطيات دولة الكويت من النفط الخام تصل إلى حوالي 99 مليار برميل، أي حوالي 10% من الاحتياطي العالمي للنفط الخام. بينما تشير الـ Petroleum Intelligence Weekly إلى أن هناك تقارير تشير إلى أن الحجم الحقيقي للاحتياطيات من النفط الخام ربما يكون اقل من نصف الرقم المعلن، حيث تضع تلك المصادر احتياطيات النفط الخام لدولة الكويت بحوالي 48 مليار برميل من النفط، وفقا لرويترز ونقلا عن الـ Petroleum Intelligence Weekly.

وقد أشارت تلك المصادر إلى أن البيانات الرسمية لا تفرق بين الاحتياطيات المؤكدة، والمحتملة والممكنة للنفط، وأنه من بين الـ 48 مليار برميل المؤكدة والغير مؤكدة، هناك حوالي 24 مليار برميل فقط تمثل احتياطيات مؤكدة. من ناحية أخرى قال مدير عام معهد الكويت للأبحاث العلمية بالوكالة الدكتور نادر العوضي أن أكثر من نصف احتياطيات الكويت من النفط غير قابلة للإنتاج بالطرق التقليدية، أي أن هناك حوالي 50 مليار برميل غير قابلة للإنتاج بالأساليب التقليدية الرخيصة التكلفة.

مما لا شك فيه أن الموضوع في غاية الحساسية والخطورة في ذات الوقت. فإذا صدقت تلك التقارير عن الحجم الحقيقي للاحتياطيات، وأن هناك 24 مليار برميل فقط من تلك الاحتياطيات قابلة للاستخراج، فإنه بمعدلات الاستخراج الحالية، والتي تقترب من حوالي مليار برميل سنويا (بافتراض أن مستوى الانتاج الحالي 2.6 مليون برميل يوميا)، فإن احتياطي الكويت من النفط القابل للاستخراج سوف يكفي الكويت لمدة 25 عاما تقريبا فقط، مقارنة بالأرقام الرسمية التي تصل بهذا المدى إلى حوالي تسع وتسعون عاما. في ظل هذا التناقض في الأرقام حول احتياطيات دولة الكويت من النفط جاءت الدعوة إلى تقنيين عملية استخراج النفط الخام من آبار الكويت.

الدعوة إلى تقنين عملية إنتاج النفط الخام قد تبدو في ظاهرها دعوة رشيدة لضمان استدامة الإيرادات النفطية لأطول فترة ممكنة، وحفظا لحقوق الأجيال القادمة في تلك الثروة. إلا أن تلك الدعوة تؤدي إلى عدد من المشكلات في غاية الخطورة لدولة الكويت، وهذه المشكلات هي:

الأولى هي أن تقنين الإنتاج النفطي الكويتي في ضوء الاحتياطيات المؤكدة يعني تخفيض الإنتاج النفطي إلى أقل من نصف مستوياته حاليا، وهو ما سيؤدي إلى حرمان السوق العالمي للنفط الخام من أكثر من واحد وربع مليون برميل يوميا، وهي كمية ضخمة يمكن أن تدفع بأسعار النفط نحو الارتفاع بشكل كبير في ضوء النقص الحاد في عرض النفط الحالي في مقابل الطلب عليه، ومن ثم ستخلق اضطرابا حادا في السوق، وهو ما يمكن ان يخلق سخطا عالميا من قبل المستهلكين على دولة الكويت.

الثانية أنها ستمثل مشكلة لمنظمةالأوبك، خصوصا في وقت يطالب فيه العالم الأوبك بزيادة إنتاجها من النفط الخام لوقف الضغوط على الأسعار نحو الارتفاع.

أما ثالثة الأثافي فهي أن تقنين الإنتاج النفطي يصطدم بعقبة أكبر وأخطر، وهي أن الإيرادات المتوقعة لهذه الكمية المقترحة من الإنتاج سوف تؤدي إلى الحصول على إيرادات لا تكفي لتمويل احتياجات الإنفاق العام الحالي في الميزانية العامة للدولة، خصوصا في ظل النمو المتزايد لبنود الإنفاق الجاري في الميزانية بصورة كبيرة، وتنامي المطالب الشعبية على الأموال العامة لزيادة الرواتب وإلغاء القروض..الخ، ومن ثم فإن الدعوة إلى تقنين انتاج النفط الخام ستؤدي الى خلق عجز حاد ومستمر في الميزانية العامة لدولة الكويت.

فهل أدرك القارئ خطورة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الكويتي حاليا، ومدى الحاجة الحقيقية الى إصلاح اقتصادي يفك الاقتصاد الكويتي من الاعتماد على النفط الخام وينوع مصادر ايرادات الدولة ويقلل من اعتماد الميزانية العامة للدولة على صادرات النفط، والتي تم التأكيد عليها مرارا وتكرارا في هذه المدونة. مرة أخرى، إذا كانت تلك التقديرات حقيقية، فإن أمامنا 25 عاما فقط لنتج ونصدر فيها النفط. ندعو الله أن تكون تلك التقديرات غير حقيقية.

http://today.reuters.com/news/articlebusiness.aspx?type=tnBusinessNews&storyID=nL20548125&from=business
http://www.moo.gov.kw/Default.aspx?nid=2630&pageId=64

الجمعة، يونيو ٠٦، ٢٠٠٨

تفعيل برامج التخصيص لضمان دور أكبر للقطاع الخاص في دولة الكويت

يكمن الخلل الأساسي في الهيكل الاقتصادي في دولة الكويت، في هيمنة الدولة على مقدرات الاقتصاد الوطني، ومن المعلوم أن الدولة بشكل عام مدير سيئ للموارد. ومن ثم فان وجود قطاع حكومي ضخم يضر باعتبارات الكفاءة الاقتصادية في استغلال الموارد الوطنية ويؤثر بشكل سلبي على معدلات النمو الكامنة. ومما لا شك فيه أن استمرار اضطلاع الدولة بدورها الحالي يتناقض مع فلسفة النظام الاقتصادي لدولة الكويت، وان دفع عملية النمو وزيادة كفاءة استغلال الموارد الوطنية يقتضي إعادة صياغة ذلك الدور، بحيث يتم إفساح المجال بشكل اكبر للقطاع الخاص، وهذا الأمر يقتضي ضرورة أخذ الخطوات الآتية لتهيئة البيئة الاقتصادية والتشريعية لضمان مساهمة أكبر للقطاع الخاص بحيث يصبح المنتج ال في الدولة. الأساسي، والموظف الرئيسي لقوة العمل والمولد الأكبر للدخل في الدولة.

تهيئة البيئة التشريعية المناسبة لعمليات التخصيص
وذلك بسرعة إصدار قانون التخصيص، وذلك لتنظيم عمليات تحويل الأصول العامة للقطاع الخاص على نحو يضمن الشفافية اللازمة لجذب رأس المال الخاص المحلي والأجنبي، مع التأكيد على ضرورة منح القطاع الخاص مزايا تكفل تعزيز المنافسة في جميع الأنشطة المستهدف تخصيصها، وبما يضمن حقوق العمال، وتوسعة قاعدة المشاركة في الملكية في تلك الأصول بما في ذلك الملكية الأجنبية.

توسيع نصيب القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي
من خلال توسيع قاعدة الملكية للجهاز الإنتاجي لصالح القطاع الخاص، واستكمال برامج نقل ملكية حصص الدولة في الشركات المساهمة العامة إلى القطاع الخاص، مع الأخذ بعين الاعتبار اختيار التوقيت المناسب لطرح تلك الحصص في سوق الأوراق المالية بحيث لا تتأثر القيم السوقية لتلك الأصول المحولة، ومراجعة المشروعات العامة المرشحة للتخصيص، وتحديد الأسلوب المناسب لبيع جزء أو كامل حصة الدولة في هذه المشروعات، ودراسة المبادرات التي يقدمها القطاع الخاص في هذا الصدد. ويساعد هذا الامر على تحويل جانب كبير من الأعباء الخاصة بخلق فرص عمل جديدة للمواطنين إلى القطاع الخاص، فضلا عن التحويل التدريجي للعمالة الحالية من خلال عمليات التخصيص، وفتح مجالات استثمار القطاع الخاص في المشروعات التي تسهم في تعزيز الروابط الأمامية والخلفية لكافة لقطاعات الإنتاج المحلية، ومن ثم دفع مستويات النمو في الناتج المحلي الإجمالي.

إعادة هيكلة وتأهيل المشروعات العامة
وذلك لكي تكون قادرة على التعامل مع آليات السوق الحر، قبل بدء عملية التخصيص لضمان عدم تعثر هذه المؤسسات بعد عملية التخصيص، خصوصا بعد أن ظلت لفترة طويلة مدعومة من قبل الدولة وتدار على أسس غير تجارية، والتخلص من العمالة الزائدة بتلك المؤسسات من خلال منح تلك العمالة عدة خيارات مثل التقاعد المبكر، أو حزمة مادية، أو إعادة التأهيل، أو غيرها من الحزم، وذلك بالاستعانة بالتجارب الدولية في هذا المجال. ومما لا شك فيه أن إعادة تأهيل المشروعات العامة سوف تضمن حصول الدولة على سعر عادل لأصول تلك المشروعات.

الحرص على ضمان كفاءة عمليات تسعير الأصول العامة
وذلك للتأكد من أن عملية التسعير تتم بشكل يعكس القيمة الحقيقية لتلك الأصول، وبما يضمن حصول الدولة على المقابل العادل لتلك الأصول، حتى لا يترتب على عملية التخصيص فقدان جانب كبير من المقابل المادي لتلك الأصول. وهي خسارة للميزانية العامة للدولة، يمكن أن تساعد الدولة في تعزيز برامج الإنفاق على البنى التحتية المعززة لفرص النمو والتنافسية الدولية.

توسيع نطاق الملكية للأصول العامة التي يتم تحويلها للقطاع الخاص
وذلك من خلال تخصيص الجانب الأكبر من أسهم الشركات التي يتم تحويلها على المواطنين لضمان العدالة في استفادة أفراد الشعب من تلك الأصول الوطنية، ولضمان حشد التأييد الشعبي والبرلماني لعمليات التخصيص.

التأكد من استمرار احتفاظ الدولة بقدر من النفوذ
أي في المؤسسات التي يتم تحويلها إلى القطاع الخاص، بصفة خاصة المؤسسات التي تقدم سلعا أو خدمات حيوية للجمهور، مثل تلك التي تقدم خدمات توفير الكهرباء والماء والاتصالات، على الأقل في المراحل الأولى لعملية التخصيص، ويمكن أن يتم ذلك من خلال تملك الحكومة لسهم ذهبي Golden Share في تلك الشركات، وذلك لضمان استمرار تلك المؤسسات في تقديم الخدمات بكميات وأسعار مناسبة، وبما لا يؤدي إلى الإضرار بالمستهلك نتيجة عملية التخصيص.

تقديم تسهيلات للقطاع الخاص للاستثمار في مجال المشاريع الإستراتيجية
على سبيل المثال توسيع نطاق القطاعات التي يمكن تحويلها إلى القطاع الخاص لتشمل الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء، أو تحويل تسهيلات إنتاج أو توزيع هاتين السلعتين إلى القطاع الخاص، لضمان رفع كفاءة عمليات الإنتاج والتوزيع ومن ثم تقليل الهدر في إنتاج وتوزيع هاتين السلعتين، وكذلك خفض تكاليف الإنتاج، على أن تتولى الحكومة شراء إنتاج المحطات من الكهرباء والماء من القطاع الخاص، ودفع الفرق بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع للمستهلك، وذلك في المراحل الأولى لعمليات تحويل تلك التسهيلات إلى القطاع الخاص، لحين الانتهاء من عمليات تعديل أسعار هاتين السلعتين بحيث يصبح تقديم هذه السلع بشكل كامل من قبل القطاع الخاص مجديا من الناحية الاقتصادية.

إزالة تشوهات الأسعار
بحيث تعكس المستويات السوقية لتكلفة للسلع والخدمات، حيث يترتب على المستويات الحالية للأسعار ضعف الجدوى الاقتصادية للمشروعات التي تقدم سلعا عامة، وبحيث تصبح تلك الأنشطة جذابة للقطاع الخاص لضمان قدرة قطاع الأعمال الخاص على تحقيق عائد معقول يبرر مشاركته بصورة فعالة في تقديم السلع والخدمات العامة، وهو ما يساعد على توسيع مشاركة القطاع الخاص في تقديم كافة السلع والخدمات، بما فيها تلك التي يقتصر تقديمها حاليا على الدولة.

حل مشكلة تفاوت الأجور بين القطاعين العام والخاص
وذلك بهدف تصحيح الاختلال الهيكلي في سوق العمل، وتقليل الفروق بين تكلفة العمالة الوطنية في القطاعين العام والخاص، من خلال وقف نمو مرتبات العمالة بالقطاع الحكومي، والحد من المزايا الأخرى لخلق مناخ طارد للعمالة الوطنية في القطاعين الحكومي والعام، وفي ذات الوقت العمل على رفع كلفة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص من خلال الرسوم والضرائب المختلفة، فضلا عن توسيع مخصصات صندوق دعم العمالة الوطنية وإعادة النظر في أسلوب عمل الصندوق بحيث يتجه إلى دفع إعانات لمؤسسات القطاع الخاص في مقابل كل فرصة عمل حقيقية جديدة يتم خلفها للعمالة الوطنية، ومنح مزايا تفضيلية حقيقية لتلك المؤسسات التي ترتفع بها نسبة العمالة الوطنية.

خلق بيئة أعمال أفضل لقطاع الأعمال الخاص
بما في ذلك مناخ الأعمال للاستثمار الأجنبي المباشر من خلال القضاء على القيود والعوائق الإدارية في مجال الأعمال، والقضاء على الإجراءات البيروقراطية المطولة عند التعامل مع الإدارات الحكومية، وخفض تلك القيود إلى حدها الأدنى إجرائيا وزمنيا.

ضمان حقوق العمالة الوطنية المتبقية في المشروعات التي يتم تخصيصها
وذلك بالاستعانة بالخبرة الدولية في هذا المجال، لخلق مناخ أكثر استقرارا لقوة العمل بتلك المشروعات، ولتخفيف المقاومة لبرامج الخصخصة من قبل العمال. من ناحية أخرى يمكن تعميق انتماء العمال لتلك المشروعات من خلال تخصيص نسبة من أسهم المشروعات التي يتم تحويلها نحو القطاع الخاص للعاملين، أو بأسعار مخفضة مع تسهيلات في السداد، أو منحها لهم دون مقابل.

إنشاء مكتب رقابة لكل قطاع يتم تخصيص مؤسساته
وذلك لضمان عدم تأثر رفاهية المستهلكين لسلع وخدمات المشروعات التي يتم تحويلها إلى القطاع الخاص بصورة سلبية نتيجة عملية التخصيص، بحيث تتولى تلك المكاتب مهمة التحقيق في شكاوى المستهلكين والعمال، والعمل على حلها مع مجالس إدارات تلك المشروعات، مثل مكاتب الاتصالات Offtel والمياه Offwater التي أنشأتها الحكومة البريطانية لمراقبة أنشطة شركات الاتصالات والمياه بعد تحويلها إلى القطاع الخاص.

إنشاء مؤسسة وطنية لإعادة التدريب والتأهيل
تتولى مهمة إعادة تأهيل العمالة الوطنية التي يتم الاستغناء عنها نتيجة عملية التخصيص، وتدريبها لرفع مستويات إنتاجيتها لكي تتوافق مع احتياجات سوق العمل الخاص، بصفة خاصة العمالة التي هي في حالة بطالة مقنعة، وذلك لخفض معدلات البطالة المتوقعة نتيجة عمليات التخصيص والعمل على إحلالها محل العمالة الوافدة بالقطاع الخاص.

تطوير سوق المال
فقد أثبتت تجارب التخصيص الناجحة الأهمية الحيوية التي يلعبها سوق المال الكفء، في تسهيل عمليات تحويل المشروعات العامة، خصوصا المشروعات الكبرى، إلى القطاع الخاص. ومما لاشك فيه أن الأداء الجيد لأسواق الأسهم سوف يستفيد من المشاركة الأوسع للمشروعات المحلية وكذلك المستثمرين الأجانب. غير انه من المهم تطوير الأطر القانونية التي تكفل التقليل من عمليات المضاربة على الأسهم في الأسواق والمحافظة على ثقة القطاع الخاص وتهيئة المناخ لتوطين الاستثمارات الوطنية العاملة بالخارج. من ناحية أخرى فان إنشاء هيئة مستقلة لسوق المال للمساعدة على حماية المستثمرين وتطوير سوق رأس المال وضمان عمليات الإفصاح والشفافية والنزاهة من خلال إلزام المتعاملين في السوق بتطبيق التشريعات التي تضمن حسن أداء السوق، ومنحها سلطة الإحالة للقضاء.

الأربعاء، يونيو ٠٤، ٢٠٠٨

التضخم في الكويت: هل البنك المركزي هو المسئول

أعلن بنك الكويت المركزي منذ يومين أن معدل التضخم في الكويت بلغ خلال خلال السنة الماضية (فبراير 2007 – فبراير 2008) ما يعادل 10.14%، وهو مستوى قياسي لمعدل التضخم منذ ما يزيد عن ربع قرن في دولة الكويت. ويوضح الشكل التالي سلوك معدلات التضخم السنوي في دولة الكويت خلال الفترة من 1980-2007 وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. ويتضح من الشكل أن أعلى معدل للتضخم في الكويت خلال تلك الفترة هو 9.8%، وهو المعدل الذي ساد في الكويت في سنة 1990، واستمر مرتفعا عند مستويات مقاربة في عام 1991. ومعلومة هي المسببات التي أدت إلى ارتفاع معدل التضخم إلى هذا المستوى خلال هاتين السنتين. ومع ذلك فقد بلغ معدل التضخم السنوي المتوسط خلال الفترة من 1980 - 2007 حوالي 3.1%، مما يشير الى أن دولة الكويت هي من الدول ذات معدلات التضخم المنخفض. ومن ثم فإن تلك المعدلات القياسية للتضخم تمثل تطورا هاما على الصعيد الاقتصادي، حيث يرتفع معدل التضخم الحالي بشكل واضح عن مستواه المتوسط خلال 28 عاما.

المصدر: صندوق النقد الدولي International Financial Statistics - CD ROM

وإذا ما استمر معدل التضخم في الارتفاع على هذا النسق الذي لوحظ خلال السنتين الأخيرتين، كما يوضح الشكل التالي، فإن دولة الكويت سوف تنتقل بالتالي من قائمة الدول ذات معدل التضخم المنخفض إلى قائمة الدول ذات معدل التضخم المرتفع، بعد ان كانت تتمتع بأقل معدلات للتضخم في العالم. وهو الأمر الذي أصبح يشعر به سكان دولة الكويت، حيث تتآكل القوة الشرائية للدينار بشكل واضح في السنوات الاخيرة، بفعل ارتفاع المستوى العام للأسعار، وبالشكل الذي يجعل المواطن العادي يتساءل، ماذا جنينا من ارتفاع اسعار النفط؟ والاجابة لدى نفس المواطن هي زيادة محدودة في الرواتب، وارتفاعا قياسيا في الاسعار، يفوق بشكل واضح معدلات الزيادة في الدخول. معنى ذلك أن الفاتورة الحقيقية للتضخم سوف يدفعها المواطن البسيط ذو الدخل المحدود والثابت.

المصدر: بنك الكويت المركزي - النشرة الاحصائية الفصلية - أعداد مختلفة

وقد ادعى الكثير من الكتاب أن التضخم في دولة الكويت هو أساسا تضخم مستورد ناجم عن الإستمرار في ربط الدينار الكويتي بعملة ضعيفة هي الدولار الامريكي، وأن هناك حاجة إلى فك ارتباط الدينار بالدولار، ومن ثم سارع البنك المركزي في مايو 2007 إلى التخلي عن نظام ربط الدينار بالدولار، وقد كانت الكويت هي الدولة الوحيدة التي خرجت عن المنظومة الخليجية لمعدل الصرف ذو المثبت المشترك (وهو الدولار الامريكي)، وأخذت هذه الخطوة سعيا من البنك المركزي للجم جماح التضخم المستورد. ومنذ ذلك الوقت أخذ معدل صرف الدولار الأمريكي في التراجع بشكل واضح، كما يتضح من الشكل التالي، فهل أدت هذه الخطوة الى التأثير على معدلات التضخم نحو التراجع؟

المصدر: بنك الكويت المركزي - النشرة الاحصائية الفصلية - أعداد مختلفة


كان من المنتظر مع فك ربط الدينار الكويتي بالدولار الامريكي أن تأخذ الأسعار في التراجع، اذا كان التضخم في دولة الكويت هو بالفعل من النوع المستورد. ولكن على العكس من ذلك استمرت الاسعار في الارتفاع على نحو أعلى من تلك المستويات التي سادت خلال فترة الربط.

فهل يعني ذلك ان التضخم في دولة الكويت ليس مستوردا، وأنه تضخم ناجم عن تفاعل قوى الطلب الكلي والعرض الكلي في أسواق السلع والخدمات في دولة الكويت، والذي يلعب عرض النقود فيه عاملا حاسما؟. وإذا كان الوضع كذلك فما هو دور السياسة النقدية في خلق هذه المعدلات المرتفعة للتضخم؟. الواقع أن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى مسئولية السياسة النقدية في دولة الكويت عن هذه المستويات المرتفعة للاسعار. يوضح الشكل التالي أنه خلال السنتين الماضيتين (حسب آخر البيانات المتاحة) ارتفع عرض النقود (التعريف الواسع للنقود M2) على نحو غير مسبوق أيضا في تاريخ دولة الكويت، ليتزايد من 14.5 مليار دينار في مارس 2006، إلى 20.4 مليار دينار في مارس 2008، أي بمعدل نمو 35% خلال سنتين. وهو معدل نمو يساوي ضعف معدل نمو المستوى العام للاسعار خلال نفس الفترة، حيث تزايد المستوى العام لإسعار خلال نفس الفترة بحوالي 17%. معنى ذلك أن متوسط معدل نمو عرض النقود خلال السنتين الماضيتين هو 17.5% سنويا، بينما كان معدل التضخم المتوسط خلال نفس الفترة هو 8.5% سنويا. ومن المعلوم وفقا للتحليل النقودي للتضخم، أنه في الاوقات التي يميل فيها عرض النقود نحو الارتفاع بمعدلات سريعة، تأخذ مستويات الطلب الكلي أيضا في التزايد، بالشكل الذي يؤدي إلى إحداث ضغوط تضخمية على المستوى العام للاسعار، ويبدأ الإقتصاد المحلي في مواجهة موجة من معدلات التضخم المرتفع. فهل يعني ذلك أن البنك المركزي في دولة الكويت هو المسئول عن الزيادات الاخيرة في المستوى العام للاسعار؟، يبدو من التحليل السابق ان الاجابة هي نعم. صحيح أن أسعار العقارات قد ارتفعت، ونتيجة لذلك ارتفعت الإيجارات، كما ارتفعت أسعار الغذاء، بفعل الازمة العالمية للغذاء، وكذلك أسعار السلع والخدمات الاخرى، إلا أن كل ذلك لم يكن ليؤثر على هذا النحو الذي نشاهده، إذا لم يكن ذلك مصحوبا بتلك الزيادات الكبيرة في عرض النقود والتي تسهم في تغذية ضغوط الطلب المحلي على كافة السلع والخدمات، وتساعد في تمويل صفقات المضاربة في قطاع العقار.

المصدر: بنك الكويت المركزي - النشرة الاحصائية الفصلية - أعداد مختلفة

مصطلحات:

الطلب الكلي: إجمالي الطلب على السلع والخدمات في الاقتصاد، ويشمل طلب المستهلكين على السلع والخدمات الاستهلاكية، وطلب المستثمرين على الآلات المعدات والتجيزات والادوت والخدمات الاستثمارية، والإنفاق الحكومي على السلع والخدمات، والفرق بين الصادرات والواردات.
العرض الكلي: الكمية المعروضة من الناتج المحلي الإجمالي من السلع والخدمات عند المستويات المختلفة من المستوى العام للأسعار.
التضخم المستورد: هو الارتفاع في الأسعار الناجم عن ارتفاع أسعار السلع المستوردة من الخارج.
عرض النقود M2، هو النقود المتداولة في يد الجمهور واحتياطيات البنوك والمودعات الجارية وحسابات الادخار والمودعات لأجل
.

الثلاثاء، يونيو ٠٣، ٢٠٠٨

زيادة العمالة الوافدة تؤدي إلى المزيد من الطلب على العمالة الوافدة

أدى صغر حجم السكان الوطنيين، وعدم كفاية المعروض من قوة العمل الوطنية، سواء من حيث الكم أو الكيف، للوفاء بالاحتياجات المتزايدة لعملية التنمية، إلى تزايد أعداد العمال الوافدين بمعدلات فاقت مثيلاتها بالنسبة للمواطنين، وقد ترتب على ذلك اختلال هيكل السكان، حيث يسيطر السكان الوافدون على هيكل السكان في الدولة، وكذلك اختلال هيكل سوق العمل، حيث يسيطر العمال الوافدون على سوق العمل المحلي، بصفة خاصة سوق العمل المحلي الخاص، على الرغم من التحسن الواضح في معدلات مساهمة المواطنين في النشاط الاقتصادي وارتفاع المستوى التعليمي لقوة العمل الوطنية، ولا سيما من الإناث.

وعلى الرغم من محاولات الحد من العمالة الوافدة وجهود إحلال العمالة الوطنية محل العمالة الأجنبية، إلا أن أعداد العمالة الوافدة تميل إلى الزيادة بشكل عام. وتؤدي زيادة الطلب على العمالة الوافدة إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات المختلفة الأمر الذي يخلق الحاجة إلى المزيد من الطلب على العمالة، وبسبب قيود العرض من العمالة المحلية فان هذه الزيادة في الطلب يتم الوفاء بها بشكل أساسي من خلال المزيد من العمالة الوافدة، أي أن زيادة أعداد العمالة الوافدة تؤدي إلى تزايد الطلب عليها، وهكذا في "حلقة مفرغة" بين الطلب على العمالة الوافدة والمزيد من الطلب على السلع والخدمات ومن ثم المزيد من الطلب على العمالة الوافدة. وفي ظل هذا الوضع من المتوقع أن تتزايد معدلات البطالة بين العمالة الوطنية. ويمكن التعبير عن الدائرة المفرغة للطلب على العمالة الوافدة في الشكل التالي:


لقد أدى الاعتماد المفرط على العمالة الوافدة إلى تعقيد ظاهرة تجزئة سوق العمل Segmentation (وجود سوقين للعمل، هما سوقي العمل العام والخاص، يعملان جنبا إلى جنب ومع ذلك تختلف مستويات الأجور والمزايا الأخرى، وساعات العمل والإنتاجية .. الخ بينهما بشكل واضح)، حيث أدى ذلك إلى موقف ساد فيه العمال الوافدون الأنشطة في القطاع الخاص، بينما تركزت العمالة الوطنية في القطاع الحكومي. ومع بلوغ قيود الميزانية العامة حدودها القصوى، أصبح من الصعب الاستمرار في توظيف العمالة الوطنية، وازدادت بالتالي معدلات البطالة بين المواطنين. الأمر الذي وضع الكويت أمام خيارين حرجين: إما تقييد دخول العمالة الوافدة وفرض توظيف العمالة الوطنية، بما قد يحمله من آثار سلبية على القدرة التنافسية للقطاع الخاص، على الأقل في الأجل القصير، أخذا في الاعتبار فروق الأجور بين المواطنين والأجانب، أو الاستمرار في الحفاظ على سياسة منفتحة نحو العمالة الوافدة ومواجهة الأعباء الاجتماعية لارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين. وقد اختارت الكويت حلا وسطا من خلال محاولة التقليل من العمالة الوافدة عن طريق فرض نسب للعمالة الوطنية بمؤسسات القطاع الخاص، واستخدام نظم الحوافز لتشجيع القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية. ويمكن القول بأنه إذا لم يتم القضاء على ظاهرة تجزئة سوق العمل، فان جهود عملية الإحلال لن تحقق الأهداف المرجوة منها، على الأقل في الأجلين القصير والمتوسط.