الجمعة، نوفمبر ٢٥، ٢٠١١

إشكالية العضوية في العملة الموحدة

نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 25/11/2011

مما لا شك فيه أن الدعوة الى إنشاء مناطق عملة مثلى، وإنشاء عملة موحدة لاقت صدى كبيرا في السنوات السابقة، خصوصا بعد الاطلاق الناجح لأهم عملة موحدة في العالم، بعد الدولار الأمريكي، وهي اليورو، وقد شجع النمو الثابت لليورو الدعوات في مناطق أخرى من العالم إلى السير على خطى منطقة اليورو لا طلاق عملات موحدة، في أسيا وافريقيا وفي مجلس التعاون الخليجي للاستفادة من المزايا المختلفة التي يمكن تحقيقها من الالتحاق باتحاد نقدي واستخدام عملة موحدة. غير أن أزمة اليورو الأخيرة أبرزت على السطح الوجه الآخر للعملة الموحدة والمشكلات الحقيقية التي يمكن أن تواجه الاتحاد النقدي، وذلك مع تصاعد أزمة الديون السيادية لبعض الدول الأعضاء في اليورو، مما وضع المنطقة بأكملها، سواء الدول المدينة أو الدائنة، في مأزق خطير، تناولنا الكثير من جوانبه فيما سبق. في هذا المقال نحاول استعراض المشكلات التي يمكن أن تواجه الدول الأعضاء في اتحاد نقدي وتستخدم عملة موحدة مثل اليورو.
على سبيل المثال عندما تتعرض دولة في الاتحاد لعجز في ميزان مدفوعاتها (بسبب زيادة وارداتها عن صادراتها من السلع والخدمات)، فإن هذه الدولة سوف تحتاج إلى أن ترفع من تنافسيتها الدولية للسيطرة على العجز في ميزان المدفوعات، ويمكن رفع التنافسية الدولية من خلال سبيلين؛ الأول هو محاولة الدولة تخفيض تكلفة السلع والخدمات التي تصدرها إلى الخارج من الناحية الحقيقية، على سبيل المثال من خلال خفض الأجور، وهو إجراء قد يبدو صعب التحقيق من الناحية العملية، أو أن تقوم الدولة بتخفيض قيمة عملتها لكي ترفع تنافسيتها بصورة مصطنعة حتى تتعامل مع العجز في ميزان مدفوعاتها، مثلما هو مفترض في الدول التي تملك عملات وطنية مستقلة لها.
بانضمام الدولة إلى الاتحاد النقدي سوف تفقد قدرتها على رفع درجة تنافسيتها من خلال خفض معدل صرف عملتها، لأن  الدولة العضو في الاتحاد النقدي تكون عضوا بالتبعية في العملة الموحدة للاتحاد، ومن ثم يتم استبدال عملتها الوطنية بالعملة الموحدة، والتي يتم إدارة شئونها من خلال البنك المركزي الموحد والذي غالبا ما لا يقوم بتحريك معدل الصرف لمواجهة عجز الميزان التجاري لدولة ما أو لمجموعة من الدول داخل الاتحاد، وإنما يحرص البنك المركزي الموحد على الابقاء على معدل الصرف مستقرا لضمان استقرار الاوضاع النقدية في الاتحاد النقدي في مجمله. وعلى ذلك فإن الدول الأعضاء في عملة موحدة والتي تعاني من عجز في موازين مدفوعاتها لن تستطيع معالجة هذا العجز من خلال تعديل معدل الصرف لرفع درجة تنافسيتها في الأسواق الدولية، مثل هذه المشكلة تعاني من آثارها اليونان بصورة حادة، كما سبق أن اشرنا في مقالات سابقة.
قد يبدو فقدان الدولة لقدرتها على تحديد معدل الفائدة الخاص بها أقل أهمية، على أساس أنه يفترض في حال حدوث اتحاد نقدي فإن مجموعة الدول الأعضاء لا بد وأن تتصف بتماثل الصدمات الاقتصادية التي تتعرض لها، وبالتالي فإنه في حالة وجود صدمات فإن هذه الصدمات يفترض ان تعم دول الاتحاد بنفس الدرجة تقريبا، ومن ثم فإن المستويات التي سيحددها البنك المركزي لمعدلات الفائدة سوف تكون مناسبة للتعامل مع الصدمات الاقتصادية التي يواجهها عموم الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي.
التجربة الأوربية أبرزت بعدا آخر لعملية الاتحاد النقدي، وهو أن الاتحاد النقدي لن يسير بصورة آمنة ما لم يكن هناك اتحاد مالي Fiscal. إشكالية العملة  الموحدة في التطبيق الحالي لليورو تتمثل في أنه في الوقت الذي يطبق فيه البنك المركزي الأوروبي سياسة نقدية موحدة على جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، فإنه يترك لكل دولة حرية ادارة سياساتها المالية بما يتوافق مع مستهدفاتها الوطنية وبدون النظر عما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من مشكلات للاتحاد. حيث تستطيع  كل دولة عضو في الاتحاد أن تحدد المستوى المستهدف من العجز أو الفائض في ميزانياتها العامة، باعتبار أن ذلك لن ينعكس بالتبعية على المعروض من اليورو، كون العملة الموحدة تطبع وفقا للسياسات التي يضعها البنك المركزي الموحد. على سبيل المثال تشترط اتفاقية ماستريخت في حالة اليورو ضرورة ألا تتجاوز نسبة العجز في الميزانية 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك ألا تتجاوز نسبة الدين العام للدولة إلى الناتج المحلي الإجمالي للدولة التي ترغب في الالتحاق باليورو 60% عند الانضمام فقط، ولا توجد أية قيود تلزم الدولة العضو في استمرار الحفاظ على هذه النسب بعد الانضمام، أو طوال فترة عضويتها في العملة الموحدة، والآن ما الذي يحدث عنما تتصف دول الاتحاد بعدم الانضباط المالي مثل اليونان؟
يفترض أن عدم الانضباط المالي في دولة ما لن يؤثر على باقي الدول الأعضاء، طالما أن عجز الميزانية في هذه الدولة سوف ينعكس في زيادة الدين المحلي (السيادي في هذه الحالة) للدولة العضو غير المنضبطة من الناحية المالية. ذلك أن عضوية الدولة في العملة الموحدة سوف يفتح سوق المال في منطقة الاتحاد النقدي أمامها على نطاق أوسع بحيث تتم عمليات طرح الديون في سوق الاتحاد النقدي وليس في السوق المحلي، وهو ما يعني بالتبعية أن عدد أكبر من البنوك سوف يشارك في عملية الاكتتاب في سندات الدين لهذه الدولة، مما ينعكس في وفرة عملية التمويل ومن ثم اغراء الدولة العضو على الإفراط بصورة أكبر في سياساتها المالية طالما أن التمويل لا يواجه أية قيود، وأن عملية الاكتتاب في سندات الدين لهذه الدولة أمر ميسر.
على الجانب الآخر، فإن الدول غير المنضبطة ماليا، مثل اليونان، عندما تواجه مشكلات تحد من قدرتها على خدمة ديونها، فإنها تجبر دول الاتحاد الدائنة لها على مساعدتها بتوفير ما تحتاجه من تمويل، وذلك بموجب ما يسمى ببرامج الإنفاذ لتحفيز اقتصاداتها ولمواجهة الصعوبات التي يمكن أن تواجهها في حالة تعرضها لضغوط التعثر، معنى ذلك أن مشكلة التعثر في السداد ليست فقط مشكلة الدول المدينة، وإنما أيضا، وبصورة أخطر، مشكلة الدول الدائنة، حيث تجد هذه الأخيرة نفسها في وضع في غاية الخطورة بالنسبة لسلامة نظامها المالي نتيجة ارتفاع مخاطر الديون السيادية للدول المدينة، إلى درجة أنها تضطر إلى أن تركع أمام مطالب المساعدات من الدول المدينة لإنقاذ اقتصاداتها ورفع قدرتها على خدمة ديونها، حتى لا تضطر إلى أن تواجه سلسلة من عمليات الإفلاس لمؤسساتها المالية الحاملة لسندات الدين، وما يصاحب ذلك من عواقب خطيرة، ولعل هذا ما يصف بدقة حالة ألمانيا وفرنسا اليوم. 
معنى ذلك أنه بدلا من أن تدفع الدول غير المنضبطة ماليا، مثل اليونان وإيطاليا، تكلفة عدم الانضباط المالي اللتان سارتا عليه لفترات زمنية طويلة دون أن تواجه أي قيود من جانب الاتحاد النقدي، فإنها تكافئ في مقابل ذلك. بالطبع من يتحمل تكلفة ذلك هي الدول الأخرى في الاتحاد بصفة خاصة الدائنة منها، أو بالأحرى دافعي الضرائب في تلك الدول. 
لقد أثبتت التجربة الأوروبية أن الاتحاد النقدي Monetary يقتضي بالتبعية أن يصاحبه ترتيبات لاتحاد مالي Fiscal، وبمقتضى هذا الاتحاد يجب أن توضع قيود صارمة على نسبة العجز في الميزانيات العامة إلى الناتج المحلي الإجمالي وضمان الانضباط المالي للحكومات الأعضاء ليس فقط عند الانضمام إلى الاتحاد، وإنما أيضا طوال فترة وجودها في الاتحاد. لأن ذلك يضمن استقرار أفضل للاتحاد في مواجهة أية عواصف مالية تنتج عن تصاعد مخاطر الدين السيادي للدول الأعضاء في الاتحاد، وغني عن البيان أن الانضباط المالي لا يقصد به فقط ضبط أداء الدول التي تحتفظ بعجز مرتفع في ميزانيتها إلى الناتج المحلي لها، وإنما أيضا الدول التي تحتفظ بفائض كبير في ميزانياتها بالنسبة لا جمالي الناتج المحلي الإجمالي بها، وهو ما يعني تخلي أكبر من جانب الدول الأعضاء عن جانب من سيادتها الوطنية لسلطة فوق قومية من اجل ضمان أمان الاتحاد النقدي.
خلاصة ما تقدم هي أن دخول الدولة لعضوية العملة الموحدة يجرد هذه الدولة من أدوات هامة لسياساتها النقدية والمالية، والتي تحتاج اليها في التعامل مع مشكلات العجز في ميزان مدفوعاتها وكذلك للتعامل مع ديونها، ونظرا لوجود قيود على قدرة وحرية الدول الأعضاء في استخدام تلك الأدوات فإن ذلك يفاقم من مشكلات الاتحاد النقدي عند تعرض واحدة أو مجموعة من الدول الأعضاء لأزمة تحد من قدرتها على خدمة ديونها، ومما لا شك فيه أن دولا مثل اليونان وإيطاليا كان يمكنها التعامل بصورة اكثر سلاسة مع مشكلاتها الحالية لو كانت خارج العملة الموحدة.

الجمعة، نوفمبر ١٨، ٢٠١١

اليونان في عين العاصفة 2/2

نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 18/11/2011

هجر اليورو والعودة إلى العملة السابقة لا بد وأن يصاحبه انخفاض فوري في القيمة السوقية للدراخمة مقارنة بقيمة التعادل مع اليورو (معدل صرف الدراخمة باليورو وقت انضمام اليونان إلى الاتحاد النقدي الأوروبي) وكذلك أمام العملات الأجنبية الأخرى مثل الدولار، الأمر الذي سوف يترتب عليه خسارة كبيرة للمودعين في البنوك اليونانية. حيث يتصور من الناحية العملية أن يتم تحويل مودعات اليونانيين في البنوك اليونانية من اليورو إلى الدراخمة بالسعر الرسمي (وهو سعر سيقل بكثير عن السعر السوقي لها)، ومن ثم ستنخفض كافة المودعات في البنوك بالفرق بين سعر التعادل والسعر السوقي للدراخمة. الأثر الصافي لهذه الخسارة سوف يعتمد بالطبع على سلوك معدل صرف الدراخمة في المستقبل، ومقدار عمليات السحب التي ستتم من المودعات. فقد تتدهور أوضاع اليونان على نحو أسوأ وتميل الدراخمة نحو التراجع بصورة أكبر في المستقبل، وإزاء مثل هذه التوقعات قد يلجأ الجمهور إلى التهافت على السحب بصورة أكبر من البنوك اليونانية، فتكون خسارة المودعين أعظم.

مع تراجع قيمة العملة تتراجع القيمة السوقية للأصول، ومن الناحية النظرية يفترض أن إقبال الجمهور على الاستهلاك يقل عندما تتراجع القيمة السوقية لثرواته، حيث يشعر الناس بأنهم اصبحوا أفقر نسبيا، مقارنة بأوضاعهم السابقة، فيقل ميل الأفراد نحو الاستهلاك ويتزايد الادخار، ومثل هذا التطور يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية على نحو أسوأ ويترتب عليه تعميق مستويات الكساد مما يؤدي إلى تعقيد وضع الدورة التي يمر بها الاقتصاد، وإذا ما قرنا ذلك بخطط التقشف الحكومي التي تمارسها الحكومة حاليا، والتي يتوقع أن يتزايد مداها عقب الخروج من اليورو، فإن معدلات النمو في اليونان من المتوقع أن تشهد انحدارا كبيرا نحو الاتجاه السالب، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة بصورة أكبر عما هو موجود حاليا، وتراجع مستويات الدخول على نحو واضح. أكثر من ذلك فإن تراجع قيمة العملة سوف يصحبه ارتفاع واضح في معدلات التضخم، بصفة خاصة بالنسبة لأسعار السلع المستوردة من الخارج.

الوضع بالطبع سوف يكون سيئا أيضا بالنسبة لحائزي السندات اليونانية، فعلى الرغم من الاتفاق الذي تم التوصل إليه في القمة الأوروبية الشهر الماضي مع مالكي السندات اليونانية بالتنازل عن 50% من القيمة الاسمية لسنداتهم في عملية إعادة هيكلة رسمية للدين اليوناني، فإن أوضاع حائزي هذه السندات سوف تميل إلى التطور على نحو أكثر سوءا، حيث ستتحول القوة التفاوضية في عملية إعادة هيكلة الدين اليوناني من عملية تتم بين طرفين؛ الحكومة اليونانية وحائزي السندات، إلى طرف واحد فقط هو الحكومة اليونانية، التي ستصبح بالتبعية صاحبة الكلمة العليا في مقدار الخصم الذي سيتم السماح بدفعه على القيمة الاسمية لسندات الدين اليوناني، ومن ثم يبقى على حاملي السندات إما أن يقبلوا به أو يتصرفون فيما لديهم من سندات في سوق السندات اليونانية والتي هي سوق سندات خردة Junk أصلا.  

ولكن هل للإفلاس من أثر إيجابي؟ الإجابة هي نعم، هناك آثار إيجابية للإفلاس، أولها أنه يفترض من الناحية النظرية، مع تراجع القيمة السوقية للعملة الجديدة لليونان، أن ترتفع درجة تنافسية اليونان وتزيد صادراتها إلى الخارج، نظرا لتراجع أسعارها (بالنسبة للمشترين في الخارج لهذه الصادرات)، وتقل وارداتها من شركاءها في التجارة (نظرا لارتفاع أسعار هذه الواردات عندما تحول إلى العملة المحلية في اليونان)، وهو ما قد يساعد ميزان المدفوعات اليوناني، ومن ثم استعادة اليونان معدلات نموها بصورة اسرع. غير أن هذا الأثر غير مؤكد، على الأقل في الأجل القصير، إذ يعتمد الأمر على مرونات الطلب السعرية للصادرات والواردات، أو ما يعرف نظريا بشروط مارشال/ليرنر. فمن الممكن أن يترتب على تخفيض قيمة العملة اليونانية تراجع في أوضاع ميزان المدفوعات اليوناني على نحو أكثر سوءا. فالمشكلة التي يمكن أن تواجه اليونان هي أن الشروط الخارجية لتحسن معدلات النمو شبه غائبة، بمعنى آخر، أن تخفيض قيمة العملة اليونانية سوف يأتي في ظل أوضاع اقتصادية دولية بالغة السوء، حيث يواجه الاقتصاد الدولي تعقيدات تراجع معدلات النمو في العديد من الاقتصادات المفتاحية على مستوى العالم، بينما يتطلب تحسن معدلات النمو الناجم عن تخفيض قيمة العملة أوضاعا اقتصادية خارجية مناسبة حتى يمكن أن تحدث عملية التخفيض آثارها المتوقعة على النمو.  

ثاني هذه الآثار هي أنه مع تراجع القيم السوقية للأصول اليونانية، بصفة خاصة الأصول العقارية والمالية، فإن ذلك يمكن أن يغري المستثمرين الأجانب، على إعادة الدخول إلى اليونان لشراء الأصول اليونانية الرخيصة، وهو ما يساعد على عودة رؤوس الأموال مرة أخرى، فضلا عن أنه قد يفتح فرصا هامة لاستثمار رؤوس الأموال، بصفة خاصة للدول التي لديها احتياطيات ضخمة، مثل الدول الخليجية.

ولكن هل إفلاس اليونان سوف يكون بمثابة طوق الإنقاذ لليورو؟ من المؤكد أن إفلاس اليونان وخروجها من اليورو لن يكون نهاية الصداع الأوروبي، فهناك نقاط ساخنة أخرى ما زالت تغلي تحت السطح، والتي يمكن أن تنفجر بين لحظة أو أخرى، فالضربات القاصمة التي تتعرض لها أوروبا الموحدة أصبحت تأتيها اليوم من كل اتجاه، وهذا موضوع مقالنا القادم بإذن الله تعالى.

السبت، نوفمبر ١٢، ٢٠١١

رسم كارتوني عن أزمة أوروبا

أعجبني هذا الرسم الكارتوني عن أزمة أوروبا الاقتصادية والتي تتطور على نحو غير متوقع يوما عن الآخر، حيث تتعقد أوضاع الأزمة الأوروبية بصورة مثيرة للقلق. فبعد أزمة اليونان، تأتينا اليوم الأخبار السيئة من ايطاليا بصورة تمحو أي أمل في انفراج قريب للأزمة العالمية، فإيطاليا هي ثالث أكبر دولة مدينة في العالم والتعامل مع دينها العام مسألة ليست بذات القدر من السهولة مثلما هو الحال بالنسبة لباقي دول أوروبا المدينة، خصوصا وأن مخصصات صندوق الاستقرار المالي الأوروبي والذي يواجه مشكلات في توفير التمويل اللازم لبلوغ الميزانية المستهدفة له (تريليون يورو) وفقا لقرارات القمة الأوروبية الأخيرة، وذلك بعد فشل الاتحاد الأوروبي في تأمين هذه الأموال.


الشكل يوضح انه بينما تحاول دول اوروبا ان تسند المعبد (الاقتصاد) اليوناني المتهاوي، فإن الاقتصاد الإيطالي والمرموز له ببرج بيزا المائل (رمز ايطاليا) يأخذ في التهاوي هو الآخر لينوء بقدرة دول أوروبا عن توفير الجهد اللازم لعملية انقاذ الدولتين سويا.

اليونان في عين العاصفة 1

نشر في صحيفية الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 11/11/2011
في خطوة غير محسوبة العواقب، ورغبة منه في تأمين التأييد الشعبي للحزمة المعروضة على اليونان بمقتضى قرارات القمة الأوروبية الأخيرة، قرر رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو إجراء استفتاء شعبي على حزمة الإنقاذ. باباندريو كان يهدف إلى حشد التأييد الشعبي للمضي قدما في برامج التقشف والخصخصة في حال الموافقة على الحزمة من خلال صناديق الاقتراع، دون أن يضطر إلى مواجهة المعارضة الشعبية أو الاحتجاجات المتكررة التي تندلع من وقت لآخر في اليونان على خلفية ازمتها الاقتصادية. غير أن كل من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قد قرئا مقدما النتيجة المحتملة لمثل هذا الاستفتاء، وتم استدعاء باباندريو على الفور وتهديده بوقف المساعدات المالية لليونان، بل وإلقاء بلاده خارج منطقة اليورو اذا لم يتم قبول الحزمة المقترحة على اليونان كما هي.

بنفس الدرجة من السرعة، عاد باباندريو إلى اليونان ليعلن إلغاء الاستفتاء المزمع إجراءه على حزمة الإنقاذ، ليتعرض نتيجة لذلك إلى اقتراع بسحب الثقة في البرلمان اليوناني اليوم الجمعة، وبغض النظر عن نتيجة الاقتراع فإنه من الواضح أن الأوضاع اليونانية آخذة في التعقد على نحو كبير.

اليونان دولة طالما عاشت خارج نطاق إمكانياتها، مستفيدة في ذلك من انضمامها، المشكوك في صحة الأسس التي قام عليها، إلى الاتحاد النقدي الأوروبي، والتمويل السخي الذي حصلت عليه من البنوك الفرنسية والألمانية، قبل الأزمة، وهو ما ترتب عليه تكون جبل من الديون المتراكمة على هذا الاقتصاد الصغير والتي تفوق قدرته على خدمتها على نحو سلس. التقديرات المتاحة عن ديون اليونان تشير إلى أن إجمالي الدين القائم يصل إلى حوالي 355 مليار يورو (حوالي 500 مليار دولار)، منها حوالي 127 مليار يملكها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك المركزي الأوروبي، وحوالي 90 مليار تملكها البنوك الأوروبية، وحوالي 80 مليار تملكها مؤسسات غير مصرفية خارج أوروبا. مع تصاعد مستويات المخاطر المحيطة بالدين اليوناني أخذت البنوك الأوروبية في التخلص من ممتلكاتها من هذا الدين بخسارة كبيرة، بل إن هناك مؤخرا موجة تخلص من الديون السيادية من جانب البنوك في الاتحاد الأوروبي، كان من نتيجتها انخفاض القيمة السوقية للدين اليوناني بحوالي 42%. عمليات البيع المكثف التي تجري حاليا لسندات الديون السيادية تؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض للدول المدينة مثل اليونان، في الوقت الذي تراجعت عمليات الإقراض إلى هذه الدول بصورة كبيرة، وهو ما يضع الدول مثل اليونان في موقف مالي صعب جدا.   

التطورات على الأرض تشير إلى أنه ما لم تستقر الأوضاع السياسية بما يؤمن الإذعان غير المشروط لخطة الإنقاذ المالي الثانية، فإن اليونان ربما تسير بخطى ثابتة نحو الإفلاس، لتجبر على ترك اليورو، ويتخلص الاتحاد النقدي الأوروبي من واحدة من أكثر مصادر الإزعاج الذي تعرض له منذ انطلاق الأزمة. فقد كان هناك دعوات في منطقة اليورو للتخلص من عضوية اليونان في العملة الموحدة، لكي تتخلص مجموعة اليورو من التزامها بالمساعدة الحتمية لاقتصاد يعيش منذ انطلاق الأزمة في غرفة الإنعاش، والسماح لليونان بحرية أكبر في الحركة على صعيد السياسة النقدية لمحاولة رفع درجة تنافسيتها، من خلال العودة للعملة اليونانية القديمة (الدراخمة) وتخفيض قيمة هذه العملة لتحسين الحساب الجاري لها. ترى إذا حدث أن اضطرت اليونان إلى إعلان إفلاسها، ماذا يتوقع أن يحدث في الاقتصاد اليوناني؟ في هذا المقل أحاول أن أرسم سيناريو تطور الأوضاع في اليونان فقط (بإهمال الآثار على المستوى الأوروبي أو الدولي، بصفة خاصة في الأسواق الدولية) وذلك عندما تضطر الحكومة اليونانية إلى إعلان إفلاس الدولة.

سيناريو إفلاس اليونان بلا شك سوف يحدث آثارا مرعبة على الأجلين القصير والمتوسط، ذلك أن إحساس الجمهور بقرب الإعلان عن الإفلاس سيؤدي إلى عمليات سحب استثنائية للمودعات في البنوك، وربما تحويل هذه المودعات إلى مكان أكثر أمانا لحماية هذه المدخرات، وهو ما قد يؤدي إلى عمليات خروج ضخمة لرؤوس الأموال إلى الخارج وعجز حاد في حساب رأس المال، ما لم تقم الحكومة بفرض قيود على خروج رؤوس الأموال، وبما أنه ليس من المتوقع أن يقدم البنك المركزي الأوروبي التسهيلات اللازمة لمد البنوك اليونانية باحتياجاتها من السيولة، بسبب خروجها من اليورو، فإن ذلك سوف يؤدي إلى نقص حاد في السيولة المتاحة للجمهور، لعدم قدرة البنوك على توفيرها بالكمية المناسبة وفي التوقيت المناسب.

تجربة أزمة الأرجنتين في 2001 تمدنا بالكثير من الدروس في هذا المجال، فقد اضطر الجمهور إلى النوم في الشوارع أمام البنوك انتظارا لعملية إعادة تعبئة ماكينات صرف النقود للحصول على الحد الأدنى اللازم المسموح بسحبه من المودعات، وإزاء تزايد الطلب على الدولار الأمريكي، إما للتغطية ضد مخاطر انهيار البيزو أو لتحويل المدخرات إلى الخارج، اضطرت الحكومة إلى تجميد كافة المودعات بالعملات الأجنبية في البنوك ووضع حد أقصى على عمليات السحب من الحسابات الدولارية بـ 250 دولارا فقط، وهو ما أدى إلى هجوم كاسح لجمهور المودعين على البنوك الأرجنتينية. بقية القصة معروفة وهي أن الاقتصاد الأرجنتيني دخل بصورة أعمق في حالة كساد، وتدهورت أوضاع قطاع الأعمال الخاص، خصوصا المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وانتشرت جرائم السرقة بسبب برامج التقشف وخفض الأجور، حتى تمكن الاقتصاد الأرجنتيني من تحسين أوضاعه الاقتصادية بسبب الأوضاع الاقتصادية العالمية الموائمة في ذلك الوقت.

من المؤكد أن القطاع المصرفي اليوناني سوف يضطر إلى أن يغلق أبوابه أمام الجمهور لفترة محددة حتى تتم عملية إعادة هيكلة المودعات وتحويلها من مودعات باليورو إلى مودعات بالعملة الجديدة لليونان، وخلال هذه الفترة سوف تنقطع السبل بمن ليس لديهم كميات كافية من السيولة أو وصول إلى مصادر دخل إضافية، غير أنه يتوقع أن تكون هذه الآثار قصيرة الأمد. قد تتضمن العملية تعقيدات أخرى مرتبطة بكيفية تحويل المودعات بالعملات الأخرى غير اليورو، فهل سيتم أيضا إجبار مالكيها على تحويلها إلى الدراخمة بالسعر الرسمي لها؟ ربما تلجأ الحكومة اليونانية إلى ذلك لتسهيل أزمة السيولة التي ستواجهها من العملات الأخرى غير اليورو، إلا أن اللجوء إلى هذا الخيار ربما يكون إجراء غير تقليدي أو غير مبرر من الناحية العملية.

الجمعة، نوفمبر ٠٤، ٢٠١١

مأزق الاتحاد الأوروبي


نشر في صحيفة الاقتصادية السعودية بتاريخ الجمعة 4/10/2011
عندما انطلقت الأزمة المالية العالمية وتحولت بعد ذلك إلى أزمة اقتصادية صاحبها ارتفاع كبير في معدلات البطالة، عمل الكثير من الدول على محاولة الخروج من الأزمة بأقصى سرعة ممكنة مستخدمين في البداية أدوات السياسة النقدية، بصفة خاصة خفض معدلات الفائدة إلى مستويات قريبة من الصفر ومحاولة ضخ المزيد من السيولة في جسد الاقتصاد لتحفيز الائتمان المحلي وتشجيع النشاط الإنتاجي الخاص، فضلا عن بعض السياسات النقدية غير التقليدية، مثل التيسير  الكمي. غير أن عمق الأزمة وارتفاع المخاطر المصاحبة لها لم يؤد إلى تحقيق النتائج المطلوبة في دفع مستويات الاستثمار الخاص إلى المستويات اللازمة لرفع معدلات النمو والحد من البطالة. لذلك أخذت دول العالم في اللجوء إلى السياسة المالية من خلال تصميم حزم ضخمة من التحفيز المالي في محاولة لدفع عمليات الإنقاذ الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى تحقيق الميزانيات العامة لهذه الدول لعجوزات كبيرة انعكست في ارتفاع معدلات الاقتراض الحكومي وزيادة الدين العام بها ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات حرجة.

نظرا للأوضاع الاقتصادية السيئة المصاحبة لضعف معدلات النمو، لم تتمكن الحكومات من تحصيل القدر اللازم من الإيرادات لخدمة هذه الديون، وفي الوقت الذي استمرت فيه معدلات النمو في التراجع في العالم بدأت تطفو على السطح بوادر أزمة أخرى أخطر وأشد، حيث بدأت الأزمة المالية العالمية تأخذ طورا آخر وهو أزمة الديون السيادية للدول، بصفة خاصة في أوروبا، وبات من الواضح أن هناك مجموعة من الدول الأعضاء في منطقة اليورو تواجه مستويات مرتفعة للغاية من الدين، سواء من الناحية المطلقة أو بالنسبة إلى ناتجها المحلي الإجمالي بصفة خاصة في اليونان.

بدءا من الربع الثاني من هذا العام أخذ العالم يشهد تطورات سيئة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، ففي الولايات المتحدة أخذت معدلات النمو في الناتج في التراجع على نحو مثير للقلق، حيث بلغت في الربع الثاني من هذا العام 1.3%، وهو أقل معدل للنمو حققه الاقتصاد الأمريكي منذ أن أعلن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية NBER عن انتهاء حالة الكساد في الولايات المتحدة في نهاية 2009،  كذلك تابع العالم بقلق شديد تطورات أزمة رفع سقف الدين العام الأمريكي والتي ترتب على سوء التعامل معها تراجع تصنيف الدين العام الأمريكي لأول مرة في التاريخ.

على الجانب الأوروبي كانت الأمور تسير على نحو أسوأ بكثير، حيث بات من الواضح أن أوروبا تتعرض لصدمتين؛ الأولى هي تراجع معدلات النمو في النصف الأول من هذا العام، خصوصا في الاقتصاد المفتاح بالنسبة لأوروبا وهو ألمانيا. فقد اقتصر معدل النمو على مستوى منطقة اليورو (17 دولة) في الربع الثاني على 0.2% فقط، كذلك اقتصر متوسط معدل النمو في الاتحاد الأوروبي (27 دولة) على 0.2% فقط، وبهذا الشكل اقتصرت معدلات النمو السنوي حتى الربع الثاني من هذا العام في كل من الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو على 1.7%.

من ناحية أخرى أدى فشل اليونان في الالتزام بتعهداتها حول معدلات النمو وعجز الميزانية المستهدف وفقا لبرنامج الإنقاذ الذي وضعه صندوق النقد الدولي بالتعاون مع منطقة اليورو والبنك المركزي الأوروبي، إلى مزيد من القلق حول مستقبل الأوضاع الاقتصادية والمالية لهذه الدولة،  وكان من المنتظر في ظل هذه الأوضاع أن يتم رفض خطة إنقاذ اليونان الثانية على أساس أن اليونان لن تتمكن من استيفاء تعهداتها، وهو ما يعني من الناحية العملية السماح لليونان بالتوقف عن سداد التزاماتها وبالتالي إعلان إفلاسها.

حبس العالم أنفاسه هذا الأسبوع مع تطورات اجتماع القمة الأوروبية في بروكسل والتي تعد واحدة من أطول القمم التي عقدت في العالم على مدى 6 أيام تقريبا، والتي هدفت إلى التوصل إلى حل لمشكلة الديون السيادية من خلال دعم المصادر المالية لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي وإيجاد حل لمشكلة اليونان التي اصبح من الواضح أن التعامل معها، بدون إعادة هيكلة ديونها السيادية، مجرد تضييع للوقت وتأجيل لموعد إعلان إفلاس اليونان، بل وربما خروجها من الاتحاد النقدي الأوروبي، حتى تتمكن من التعامل مع مشكلاتها بحرية أكبر، نظرا لعدم قدرة الاقتصاد اليوناني على استيفاء المتطلبات المستهدفة منه بموجب اتفاقيات الإنقاذ بسبب ضعف تنافسية الاقتصاد اليوناني على نحو واضح في ظل القيود الحالية التي تفرضها عضويته في الاتحاد النقدي.

لقد ارتفعت معدلات العائد على السندات اليونانية إلى مستويات فلكية، وأصبحت تحمل خصائص سندات الخردة Junk bonds، وازدادت درجة تقلبات الأسواق مع تواتر الأخبار عن الاقتصاد اليوناني، وأصبح اليورو في مأزق خطير نظرا لطول المفاوضات التي جرت في الأسابيع الأخيرة لمحاولة التوصل إلى حل للمشكلة اليونانية، بدون التوصل إلى اتفاق ناجع للتعامل مع مشكلة الديون السيادية بشكل عام، والمشكلة اليونانية بشكل خاص.

يوم الأربعاء الماضي طلعت علينا وكالات الأنباء فجرا بأن القمة الأوروبية قد انتهت وان المؤتمرون قد توصلوا إلى مجموعة من القرارات الهامة والتي نظر اليها، من وجهة نظرهم، بأنها الحل الناجع للأزمة الحالية. التفاصيل العامة لهذا الاتفاق تدور حول 3 جوانب أساسية هي باختصار شديد:

الجانب الأول من الاتفاق تمثل في توصل القمة إلى اتفاق مع البنوك التي تحمل السندات الأوروبية على تخفيض الدين اليوناني بنسبة 50%، وكانت القمة قد أشارت إلى أن معالجة الأزمة اليونانية لا يجب أن تتحملها الحكومات بصورة أساسية، وأن القطاع الخاص (حائزي السندات اليونانية) لا بد وأن يسهم في حل المشكلة. نسبة الخمسين بالمئة كانت حلا وسطا بين مطالب الساسة بألا تقل نسبة الخفض عن 60%، وعرض البنوك بألا تزيد نسبة الخفض عن 40%.

الجانب الثاني من الاتفاق ويتعلق بالبنوك، حيث طلب من البنوك الأوروبية سرعة رفع مستويات رأس المال فيها من خلال بيع بعض أصولها، لمواجهة أي مخاطر مستقبلية يمكن أن تنشأ من اندلاع أي أزمة أخرى للديون السيادية في أوروبا. بالطبع كان لا بد وأن تمنح البنوك مهلة زمنية مناسبة للتخلص من الأصول بأسعار مناسبة حتى لا يترتب على التهافت على عمليات البيع تراجع أسعار أصول البنوك ومن ثم خسارة جانب غير مبرر من رؤوس أموالها، وقد أمهلت البنوك حتى منتصف 2012 لكي تحتفظ باحتياطيات رأسمالية لا تقل عن 9% من أصولها المرجحة بالمخاطرة.

الجانب الثالث من الاتفاق كان زيادة المخصصات المالية لصندوق الاستقرار المالي الأوروبي بصورة مبدئية إلى ما يقارب التريليون يورو (1.4 تريليون دولارا)، وهو لا شك تسهيل ضخم، لكنه يعكس تعاظم حجم المخاطر التي تواجهها أوروبا، وكانت مخصصات صندوق الاستقرار المالي الأوروبي أساسا تتكون من 440 مليار يورو، انخفضت إلى ما بين 250 إلى 275 مليار بعد التسهيلات التي قدمت إلى اليونان وإيرلندا والبرتغال. بالطبع هذه الأموال كانت تمثل نسبة صغيرة نسبيا مما يمكن أن يحتاجه الاتحاد الأوروبي في حال اندلاع أزمة أخرى.

ولكن ما الذي يجبر البنوك على القبول بخفض أصولها من الدين السيادي اليوناني بنسبة 50%؟ ألا يؤدي ذلك إلى تحقيق البنوك لخسائر ضخمة تنعكس بصورة حادة على ميزانياتها ومستويات رأسمالها وقد تدفع بعضها إلى إعلان إفلاسه؟ الإجابة على هذه الأسئلة تتمثل في أن البنوك في الواقع ليس لديها خيارات للتعامل مع الأزمة، سوى أن تقبل بأي حل يطرح عليها من جانب الحكومات الأوروبية، خصوصا إذا كان هذا الحل مقرونا بوعود لمساعدة تلك البنوك على زيادة مستويات رأسمالها اذا فشلت في تدبير الموارد الرأسمالية اللازمة لمواجهة تدهور نسبة رأسمالها إلى أصولها.

ولكن هل هذا يعني انتهاء مشكلة اليونان؟ من الواضح أن الإجابة هي لا. إذ لا بد من الإشارة إلى أنه بخفض الدين السيادي اليوناني بنسبة 50% (ليس من بينها الأموال التي قدمت لليونان في اطار خطة الإنقاذ الأولى)، فإن نسبة الدين اليوناني إلى الناتج المحلي يتوقع أن تنخفض إلى 120% بحلول عام 2020، وذلك مقارنة بنسبة 180% بدون إجراء الخفض. لاحظ أن نسبة الدين إلى الناتج حتى مع الخفض ما زالت مرتفعة جدا، وأن تطورات المشكلة في المستقبل سوف تعتمد على اتجاهات النمو المستقبلي في اليونان والتي تبدو غير مشجعة على الإطلاق، على الأقل أخذا في الاعتبار السيناريوهات الحالية.

لكن من الواضح أن القمة الأوروبية قد حرصت على الانتهاء سريعا من المشكلة اليونانية والحيلولة دون لجوؤها إلى إعلان الإفلاس، لأن ذلك كان سيعزز توقعات الأسواق بأن الاتحاد سوف يسمح أيضا للدول الأخرى التي تواجه مشكلات في ديونها السيادية مثل إيطاليا بإعلان إفلاسها، ومن ثم انتهاء اليورو والاتحاد النقدي الأوروبي، كما صرح نيكولا ساركوزي.

في الأسبوع القادم، إن أحيانا الله سبحانه وتعالى نتابع نتائج القمة الأوروبية ونقيم مدى نجاعة ما تم التوصل اليه من قرارات في التعامل مع مشكلة الديون السيادية الأوروبية، وبمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، أتقدم بالتهنئة إلى جميع إخواني من قراء الاقتصادية، أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمة الإسلامية جميعا بالخير واليمن والبركات، وكل عام وأنتم بخير.