الاثنين، سبتمبر ٣٠، ٢٠١٣

محدودية المصارف الأجنبية في السعودية

نشرت "الاقتصادية" تقريراً بعنوان "محدودية الترخيص للمصارف الأجنبية في السعودية تغيّب خدمة الأفراد"، الذي تعرّض لهيكل المنافسة في السوق المصرفية السعودية التي تسيطر عليها تماما المصارف السعودية، في الوقت الذي يسمح فيه لعدد محدود من المصارف الأجنبية بفتح فروع لها في المملكة، وذلك تنفيذاً لالتزاماتها أمام منظمة التجارة العالمية.
قصر عمل فروع المصارف الأجنبية على خدمات الشركات دون خدمات الأفراد، قد تكون الحجة من ورائه حماية الأفراد من المخاطر التي تتعرّض لها المصارف العالمية، التي بدت أكثر وضوحاً في أثناء الأزمة المالية الأخيرة، غير أن هذه الصيغة للعمل في الصناعة لا تمكّن الأفراد من الحصول على خدمات مصرفية تنافسية وبتكاليف أقل.
إن إلغاء القيود على طبيعة عمل المصارف الأجنبية في المملكة بحيث تعطى لها كل التسهيلات التي تمنح للمصارف المحلية سيؤدي إلى زيادة درجة المنافسة في السوق المصرفية السعودية، وهو ما سيدفع المصارف المحلية نحو العمل على تقديم تشكيلة خدمات مصرفية أوسع بتكلفة أقل، بصفة خاصة فإن السماح للمصارف الأجنبية بتقديم خدمات الإيداع والإقراض للأفراد في ظل نظام تأمين مناسب للودائع، سيدفع جميع المصارف، محلية وأجنبية، إلى تقديم الخدمات المصرفية بصورة أفضل للمستهلك سواء من حيث التكلفة التي تفرض عليه أو العوائد التي يحصل عليها، في ظل غياب ذلك فإن اتساع قاعدة المصارف لن ينعكس على درجة المنافسة في سوق الخدمات المصرفية أو طبيعة الخدمات التي تقدم للأفراد فيها.

السبت، سبتمبر ٢٨، ٢٠١٣

خصخصة الخطوط الجوية السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تصريحا للمتحدث الرسمي باسم الخطوط الجوية السعودية، بأن خصخصة المؤسسة ستكتمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وأن أهم المشكلات التي تواجه الخطوط السعودية حاليا هي الديون المتراكمة عليها.
استمرار الخطوط الجوية السعودية في الملكية العامة للدولة سيؤدي إلى زيادة حجم الديون التي على المؤسسة، والتي تصل إلى 11 مليار ريال حاليا، فخصخصة المؤسسة وإعادة هيكلتها هي السبيل الوحيد لرفع قدرتها على المنافسة في صناعة تستند أساسا إلى الكفاءة، فالمنافسة في صناعة الطيران منافسة عالمية، والمؤسسة تملك فرصا كامنة على خطوط الطيران المحلي والخارجي لم يحسن استخدامها حتى الآن لتوسيع حصتها من سوق الطيران العالمي، مستفيدة من المكانة التي تحتلها السعودية في قلب العالم الإسلامي، حيث يمكن أن تلعب المؤسسة دور المعبر الرئيس لأداء الشعائر، ولكنها على ما يبدو لا تجيد تسويق نفسها على هذا النحو.
خصخصة الخطوط الجوية السعودية سوف تفك المؤسسة من قيود الملكية العامة والروتين الحكومي الذي يكبلها، لتسمح لها بدينامكية أكثر في الحركة وقدرة أكبر على دراسة اعتبارات التكلفة على الخطوط المختلفة، وإعادة هيكلة خدماتها على النحو الذي يعظم أرباحها على الخطوط المختلفة.
لقد حققت بعض الشركات الخليجية تقدما واضحا في تنافسيتها على المستوى الدولي بإداراتها المهنية وطواقمها الفاعلة، والمفترض أن تخطو المؤسسة خطوات فاعلة في هذا المجال على النحو الذي يمكنها من إعادة هيكلة عملياتها واستقبال الصناعة باستراتيجيات جديدة ترفع من كفاءتها على مختلف الخطوط.

الجمعة، سبتمبر ٢٧، ٢٠١٣

مستقبل صناعة الطيران في العالم

تعد صناعة الطيران من أكثر صناعات العالم نموا، حيث يزداد الطلب عليها بشكل مستمر نتيجة لعدة عوامل منها ما هو اقتصادي أو ديموغرافي أو جغرافي أو غير ذلك. على سبيل المثال يعد تزايد مستويات التحضر داخل الدول وتحول عدد كبير من السكان نحو المدن، وكذلك ارتفاع مستويات الثروة، وارتفاع مستويات الدخل المتاح الذي يؤدي إلى زيادة نسبة الطبقة المتوسطة من بين الطبقات الداخلية المختلفة في الدولة من العوامل التي تؤثر بشكل جوهري في الطلب على النقل الجوي، وتتعدد أغراض السفر عن طريق الجو على سبيل المثال لأداء الأعمال، أو زيارة الأهل أو الأصدقاء، أو لقضاء عطلة إلى آخر هذه القائمة الطويلة، ونظرا لتأثير هذه العوامل يتضاعف الطلب على السفر بالطيران كل 15 عاما تقريبا، الذي يضمن تحقق تلك التوقعات هي الزيادة المستمرة في سكان العالم، وكذلك النمو في الدخول وتحول السكان بشكل مستمر نحو المناطق الحضرية واتساع حجم المدن ونمو أعداد السكان فيها.
أصدرت هذا الأسبوع شركة إيرباص لصناعة الطائرات في أوروبا تقريرها لهذا العام بعنوان رحلات المستقبل Future Journeys عن الفترة من 2013-2032 والذي ضمنت فيه توقعاتها لنمو الطلب على النقل الجوي وتأثير ذلك في الطلب على الطائرات الجديدة في مختلف مناطق العالم، ومع أن هذه التقديرات تتم لمدة عشرين عاما في المستقبل، إلا أنها بالنسبة لصناعة الطيران ليست مدة طويلة لعدة أسباب أهمها أن الطائرات من المنتجات المعمرة جدا، وأن عمليات بيع وتسليم الطائرات تستلزم وقتا طويلا، قد يصل في بعض الأحيان إلى ثماني سنوات من وقت التعاقد حتى تتم عملية تسليم الطائرة.
تتوقع إيرباص أنه بحلول 2032 سيتضاعف عدد الطائرات في أساطيل الطيران في العالم لتتجاوز 36 ألف طائرة، وأن العالم سينفق نحو 4.5 تريليون دولار تقريبا على شراء طائرات جديدة، وذلك بالأسعار الحالية لهذه الطائرات، بالطبع أسعار المستقبل ستكون مختلفة.
بنيت هذه التنبؤات على توقع الشركة بأن النمو الاقتصادي في الدول الناشئة سيتجاوز النمو في الدول المتقدمة، وأنه بفعل استمرار قوى النمو سيتحول جانب كبير من سكان العالم في غضون سنوات قليلة قادمة إلى فئات متوسطة الدخول، والذين تقدرهم إيرباص بنحو 62 في المائة من السكان في العالم، كذلك من المتوقع أن يحدث ارتفاعا في درجة التحضر في الاقتصادات الريفية، فمع استمرار الهجرة من الريف إلى المدن سوف تتضاعف أعداد المدن الضخمة سكانيا، أي التي يزيد عدد سكانها على عشرة ملايين نسمة، إلى نحو 92 مدينة في العالم، مما سيزيد من الحاجة إلى ربط هذه المدن من خلال الطيران العالمي، كل ذلك سيعمل على زيادة الطلب على خدمات الطيران.
حاليا تتوقع الشركة أن الطلب على النقل الجوي سيستمر في الزيادة بمعدل 4.7 في المائة في المتوسط في المستقبل خلال العشرين عاما القادمة، أكثر من نصفها سيأتي من الاقتصادات الناشئة، حيث يتوقع أن ينمو النقل الجوي بين الدول المتقدمة والدول الناشئة بمعدل 4.9 في المائة، أما أكبر معدلات النمو المتوقعة خلال العقدين الآتيين هو النقل الجوي من منطقة الشرق الأوسط والمتوقع بأن ينمو بمعدل 7.1 في المائة متفوقا على جميع مناطق العالم.
بالنسبة لاتجاهات الطلب على الطائرات فإن الشركة تتوقع أن يأتي النمو في الطلب بصورة أساسية من جانب الدول الآسيوية، ومن أوروبا. وبسبب نمو الطلب في منطقة آسيا والباسفيك، يتوقع أن يأتي نحو 47 في المائة من الطلب العالمي على الطائرات الضخمة من هذا الإقليم، وإن كانت الشركة تتوقع أن يكون إجمالي طلبات شركات الطيران الأوروبية بنحو 20 في المائة والشركات الأمريكية بنحو 19 في المائة. هذا لا يعني بالطبع تراجع أهمية الدول الصناعية، بالعكس ستظل هذه الدول تحتل مكانة مهمة في صناعة النقل الجوي، على العكس ربما ستمثل الرحلات من وإلى الدول المتقدمة تمثل نحو 60 في المائة من حركة النقل الجوي في العالم بحلول 2032.
يتوقع أن يتركز طلب الشركات الأمريكية على الطائرات طويلة المدى مثل بوينج 737 ودريم لاينرA320، والتي تقدر طلباتها بنحو 5500 طائرة لأغراض إحلال الأساطيل القديمة وزيادة حجم أسطولها لمواجهة الزيادة المتوقعة في الطلب على النقل الجوي، كما أن الطلب العالمي على النقل الجوي سيتركز في أربع مناطق في العالم تقريبا، ستمثل ثلث عمليات النقل بالطيران العالمي، وهي الولايات المتحدة والصين وغرب أوروبا والهند. بصفة خاصة ستصبح الصين أكبر منطقة للطيران المدني في العالم متجاوزة الولايات المتحدة.
بحلول 2032 تتوقع إيرباص أن يتم تسليم سيارة 20242 طائرة ذات سطح واحد والتي تمثل الجانب الأكبر من عمليات تسليم طائرات النقل الجوي خلال العقدين القادمين، بينما يتوقع أن يصل الطلب على الطائرات مزدوجة الأسطح إلى 6779 طائرة جديدة، في الوقت الذي يتوقع فيه أن يتم تسليم 1711 طائرة عملاقة مثل دريم لاينر، بينما سيبلغ الطلب على طائرات الشحن 494 طائرة. في مقابل هذا النمو في الطلب على الطائرات استجابت الصناعة بصورة ديناميكية من خلال بناء طائرات أكبر وأوسع وأكثر من حيث عدد كراسي الركاب وأطول من حيث المدى، والتي يمكن أن تعبر العالم من شرقه إلى غربه أو من شماله إلى جنوبه دون توقف، ويفكر مصنعو الطائرات في الوقت الحالي في بناء طائرات أوسع بعدد أكبر من كراسي الركاب لمواجهة النمو في الطلب على رحلات النقل بعدد أقل من الطائرات.
من المعلوم أن هذه الصناعة العالمية تتسم بالتركز الشديد، حيث تسيطر شركتان فقط على مجريات هذه الصناعة في احتكار مزدوج، جعلت هاتان الشركتان تعدلان من استراتيجياتهما المستقبلية بالتركيز على التطوير والتوسع للاستعداد لمثل هذه التطورات في المستقبل، من خلال التأكد من تحقيق التفوق على الطرف الآخر، برصد ميزانيات كافية للبحوث والتطوير والتوسع في الطاقات الإنتاجية لمواجهة هذا التوسع المتوقع في الطلب.
هذه هي الصورة المتوقعة لهذا القطاع الحيوي في الاقتصاد العالمي في المستقبل، حيث سينمو الطلب على رحلات النقل الجوي في بلادنا بأعلى نسبة نمو في العالم، حتى 2032، فهل استعدت شركات الطيران لدينا لمثل هذا اليوم؟. الدولتان الوحيدتان اللتان تهتمان بآفاق هذا النمو هما الإمارات وقطر.
باقي دول الخليج، على الرغم من ارتفاع فرص النمو في هذه الصناعة فإنها لا تلقي لها بال، خصوصا في الكويت والسعودية، وهو ما يؤدي إلى ضياع فرصة كامنة للتوسع خارج نطاق قطاع النفط التقليدي واقتناص جانب من هذه الصناعة على المستوى الدولي.

كسر احتكار تنفيذ المشاريع الحكومية

نشرت "الاقتصادية" خبراً أن المقام السامي أصدر قراراً بمنع ترسية المشاريع الحكومية على شركات معينة، أو طرحها في منافسات محدودة، بعد أن لوحظ كثرة الاستثناءات في ترسية المناقصات على المشاريع الكبرى بما يتنافى مع قواعد المنافسة الحرة في المملكة.
عملية تكرار ترسية المشاريع الحكومية الضخمة على شركات بعينها تؤدي إلى عديد من الآثار السلبية على قطاع الأعمال، خصوصا قطاع المقاولات، حيث يتسبّب ذلك في تعميق مستويات الاحتكار في السوق السعودية ويرفع من درجة التركز فيه، ويحد من المنافسة بين مختلف العاملين في أحد أهم القطاعات في الدولة، كما يحول دون انطلاق المبادرات لإنشاء شركات المقاولات الكبرى لأن المحتكرين الكبار، بمثل هذه الممارسات، سيجبرون أي شركة جديدة على الخروج من السوق.
من ناحية أخرى، فإن كثرة الاستثناءات في عمليات الترسية وتركز المناقصات في شركات بعينها يفتحان الباب واسعاً أمام انتشار الفساد في إجراءات المناقصات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة عمليات تنفيذ المشاريع الحكومية وارتفاع الميزانيات التي تخصّصها الدولة سنوياً لمثل هذه المشاريع، فضلاً عن انخفاض مستويات الجودة في عمليات التنفيذ، حيث تنعدم المنافسة بين الشركات على من يقدم العروض الأفضل بالأسعار الأقل.
كسر احتكار تنفيذ المشاريع الحكومية وإتاحة الفرصة لأكبر عدد من الشركات في المنافسة يدعمان قواعد المنافسة في قطاع الأعمال، ويمكّنان الدولة من تحقيق أفضل الشروط في عمليات ترسية المناقصات وهي أهم مزايا هذا القرار السامي.

تصدير التمور السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' عدة تقارير حول تصدير التمور السعودية وفتح أسواق خارجية لها، وأهمية الالتزام بالمواصفات الدولية حتى لا تعوق عمليات تصديرها.
المملكة من أكبر دول العالم إنتاجا للتمور، التي يستهلك الجانب الأعظم منها في السوق المحلية، في الوقت الذي تتوافر فيه فرص التوسع في إنتاج وتصدير التمور، بشرط التغلب على مشكلة التسويق الدولي لها خارج المملكة، فمن الممكن البناء على هذه الميزة التنافسية للمملكة من خلال الاهتمام بالجودة والالتزام بأرفع المواصفات عند التصدير، حتى يمكن ضمان استمرار تأمين الأسواق الخارجية للمنتج، فالتصدير للأسواق الخارجية يتطلب الالتزام باعتبارات خاصة تختلف تماما عن تلك التي يتم الالتزام بها عندما يتم تسوق السلعة في الداخل. لنجاح عملية تصدير التمور إلى الخارج لا بد من إجراء دراسات مناسبة لأسواق التصدير للتعرف على خليط المنتج الذي يمكن أن يسهل عملية التصدير للخارج، من حيث الأنواع والعبوات والأوزان المناسبة للاستهلاك للفرد والأسر المستهلكة في الخارج، وطريقة التعبئة والتغليف وشروطها وطبيعة المواد المناسبة لعمليات التغليف، والعمليات الإضافية التي يجب أن تتم على التمور قبل عمليات تعبئتها، والأسعار المناسبة للتصدير، فضلا عن تنسيق الحملات الإعلانية وحملات الترويج الخارجي للمنتج. كل هذه الجهود لا يمكن أن تتم بشكل فردي، وتحتاج إلى إنفاق مخطط من اتحاد لمنتجي ومصدري التمور، وربما دعم من الدولة في المراحل الأولى لعمليات فتح الأسواق الخارجية حتى يمكن للمملكة أن تنطلق بهذه السلعة الغذائية إلى الخارج، وتحقق مكانة دولية في تصديرها.

الثلاثاء، سبتمبر ٢٤، ٢٠١٣

البنية التشريعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الخليج

نشرت ''الاقتصادية'' تصريحا لمسؤول خليجي بأن مستقبل الصناعات الخليجية مهدد بسبب عدم وجود بنية تشريعية حديثة خاصة بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة، تسهم في تعزيز عمليات توطين هذه الصناعات محليا.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي أهم السبل الكامنة حاليا في دول المجلس لتوفير فرص عمل مناسبة للعمالة الخليجية بعيدا عن دواوين الحكومة ومقاومة القطاع الخاص. إن سيناريوهات النمو السكاني في دول المجلس تشير إلى أنها مقدمة على أهم التحديات التي يمكن أن تواجهها في تاريخها الحديث، وهي مشكلة البطالة بين الخريجين الجدد، في ظل ضعف عمليات خلق الوظائف الجديدة لاستيعابهم وانقطاع الصلة تقريبا بين المؤسسات التعليمية وسوق العمل، ونظرا لطبيعة الهيكل الاقتصادي الحالي والدور الذي تقوم به الحكومات في هذه الدول، فإن فرص استيعاب هذه الزيادات في أعداد الخريجين خارج نطاق القطاع الحكومي ستتطلب حلولا غير تقليدية لدول الخليج، وعلى رأسها تفعيل توطين المشروعات الصغيرة والمتوسطة كي يمكن أن تستوعب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.
غير أن تشجيع مثل هذه المشروعات يتطلب جهدا تشريعيا في دول الخليج لإصدار قوانين موحدة أو شبه موحدة لتنظيم هذه المشروعات، ولتشجيع إنشائها وتهيئة بيئة الأعمال لها وتقديم الرعاية الحكومية المناسبة لها، حتى تحظى هذه المشروعات والمبادرون لها بالعناية المناسبة كي تمارس الدور التقليدي الذي تلعبه في اقتصاديات دول الخليج، مثلما هو الحال في الاقتصادات الغربية، حيث تتعاظم القيمة المضافة لهذه المشروعات وفرص التوظيف التي تقدمها

الأحد، سبتمبر ٢٢، ٢٠١٣

هل نفتح البورصة السعودية للأجانب؟

تناولت ''الاقتصادية'' أكثر من مرة قضية فتح البورصة السعودية للأجانب، والمتتبع لتلك التقارير يلاحظ أن هناك تباينا في وجهات النظر بين مؤيد ومعارض. وجهة نظر المؤيدين هي أن فتح البورصة سيعمق السوق ويرفع من درجة سيولته، فضلا عن أنه سيعزز من استراتيجيات التعامل، ويسهم في نضج البورصة على نحو كبير، لتتماشى مع البورصات العالمية بما يسمح بإدراجها ضمن أسواق الدول الناشئة.
لست مع المؤيدين للفتح، وتعليقي هو أن فتح البورصة للأجانب سيؤدي إلى زيادة حدة التقلبات التي تحدث في أسعار الأسهم بفعل اشتداد عمليات المضاربة على الأسهم المتداولة فيها، وهو بلا شك أثر سلبي لا يمكن إهماله، في سوق يتسم أصلا بارتفاع حدة تقلب أسعار الأسهم فيه.
لا شك في أن فتح البورصة سيزيد من درجة سيولتها، ولكن السؤال الأساسي هو: هل تحتاج البورصة السعودية لمزيد من السيولة؟ ثم إن طبيعة السيولة الأجنبية المتوقعة مع فتح السوق هي أنها ستكون من النوع الساخنHot Money، الذي يدخل السوق بسرعة، ويخرج أيضا بنفس السرعة التي دخل بها، نعم هي سيولة، إلا أنها سيولة من النوع الذي سيتبخر عندما تحتاج السوق إليها مع تراجع مؤشراتها وتحقيق المحافظ فيها خسائر، وستتراكم هذه السيولة محدثة قفزات سعرية غير مبررة من الناحية الأساسية، عندما تحقق المحافظ في البورصة أرباحا رأسمالية غير اعتيادية، ما يؤدي إلى اشتداد التقلبات السعرية في البورصة.

السبت، سبتمبر ٢١، ٢٠١٣

قيادة المرأة السعودية للسيارة

نشرت "الاقتصادية" أمس أن الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ الرئيس العالم لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال: إن حظر قيادة المرأة للسيارات في السعودية لا يفرضه أي نص شرعي. ومن عدة أشهر نشر الوليد بن طلال تغريدة على "تويتر" نصها أن "قيادة المرأة للسيارة تؤدي للاستغناء على الأقل عن 500 ألف سائق وافد، مما له مردود اقتصادي واجتماعي على الوطن".
هناك جدل طويل بين المؤيدين والمعارضين لقيادة المرأة للسيارة. وجهة نظر المعارضين هي أن ذلك يفتح المجال لانتشار التحرش بالنساء ولانتشار الفتن، بينما يرى المؤيدون أن الوضع الحالي فيه أيضا حرمة أكبر، لأن المرأة تتنقل مع سائق الأسرة أو سائق التاكسي وهو شخص أجنبي عنها، بينما إذا تمكنت المرأة من الانتقال بمفردها تخدم نفسها وأبناءها وتذهب إلى عملها دون أن تتعرض لهذه الحرمة.
رأيي هو أن هناك خلطا واضحا بين العادات والتقاليد والدين في هذه القضية، وأن نساء المسلمين يقدن السيارات في العالم كله، وأن علينا أن نزن الأمور بميزانها الصحيح، ولا نسد بابا كبيرا للمنافع لمجرد الشك في احتمال حدوث مفسدة، فحظر القيادة للمرأة السعودية يحول جانبا كبيرا منهن إلى عاطلات بسبب عدم قدرتهن على الانتقال إلى العمل أو حتى مجرد البحث عنه، وبقيادة المرأة للسيارة يتحقق الكثير من المنافع للأسرة والمجتمع، وتستغني الدولة عن جانب من العمالة الوافدة، وأن قيادة المرأة السعودية للسيارة هي مسألة وقت، لا أكثر ولا أقل.

تابع التعليقات حولا الموضوع
http://www.aleqt.com/2013/09/21/article_787475.html

الجمعة، سبتمبر ٢٠، ٢٠١٣

النقود الافتراضية «بت كوين» 2

تناولنا في الأسبوع الماضي مفهوم النقود الافتراضية، باستخدام البت كوين كأنجح الأمثلة الحية لمثل هذه النقود، وتناولنا بالتحليل كيفية إصدار هذه النقود والمزايا الأساسية لها التي تؤدي إلى تزايد الإقبال العالمي عليها، والواقع أنه منذ إصدار هذه النقود الغريبة فإنها تواجه طلبا متزايدا على استخدامها، مما يؤدي إلى رفع قيمتها، وتوجد تقديرات عديدة لحجم المعاملات باستخدام هذه النقود، بعضها يقدر حجم المعاملات بالبت كوين بما يعادل نحو مليار دولار سنويا. قد يبدو هذا الرقم صغيرا بالقياس إلى حجم المعاملات النقدية التي تتم حول العالم، التي تزيد على خمسة تريليونات دولار يوميا، إلا أن هذا النمو السريع لهذه النقود الافتراضية في غضون هذه الفترة القصيرة لا شك يدق ناقوس الخطر من الفوضى التي يمكن أن تعم العالم إذا ما انتشرت مثل هذه العملات التي يتم إصدارها بعيدا عن رقابة السلطات النقدية الوطنية في دول العالم المختلفة.
إذ تتعدد المخاطر المصاحبة لانتشار استخدام مثل هذه النقود على نطاق واسع، فكيف سيمكن للسلطات النقدية في العالم التحكم في عرض النقود والسيطرة على نموها بما يتوافق مع الأهداف الاقتصادية الكلية للسياسة النقدية في هذه الحالة؟ كيف يمكن تبني مستويات مستهدفة للتضخم والسعي نحو تحقيقها باستخدام الأدوات المتعارف عليها للسياسة النقدية إذا خرجت عملية التحكم في عرض النقود من سيطرة البنك المركزي؟ كيف يمكن تجنب الأزمات المالية التي يمكن أن تنشأ عن انتشار مثل هذه النقود في العالم على نطاق واسع؟ ولمن يمكن تحميل المسؤولية عنها؟ إنها أسئلة كثيرة وخطيرة في الوقت ذاته، فهل يترك العالم أمثال هذه النقود لتنتشر فيه ليكتشف بعد فوات الأوان أن الأمر أصبح خارج نطاق السيطرة فتسود الفوضى في الأسواق النقدية والمالية؟ أم يستيقظ العالم مبكرا ويمنع انتشار مثل هذه العملات في هذه المعاملات الخطيرة على المستوى الدولي؟
لعل أهم المشكلات التي تصاحب انتشار النقود الافتراضية كما ذكرنا أن عملية تعدينها ''إصدارها'' تتم بواسطة أشخاص مجهولي الهوية، كما أن عمليات تبادلها أو إنفاقها تتم تحت أسماء مستعارة وغير حقيقية، ومثل هذه الخاصية تفتح المجال أمام استخدام النقود الافتراضية في إجراء العمليات المالية غير القانونية أو القذرة مثل عمليات غسيل الأموال أو سداد قيمة تجارة المخدرات، أو تحويل أرباح عمليات الجريمة المنظمة... إلخ، ولذلك يلاحظ أن هناك تفضيلا بشكل عام لاستخدام هذه النقود في المواقع الإلكترونية غير القانونية، بل إن هناك تخوفا من أن تصاعد استخدام مثل هذه النقود الافتراضية يمكن أن يسهم في ازدهار الأنشطة الإجرامية عبر أنحاء العالم، باعتبار أن هذه النقود يمكن تحويلها إلى نقود طبيعية في نقطة زمنية الأمر الذي يضفي عليها خاصية السيولة.
من الأمثلة الشائعة أخيرا في استخدام العملات الافتراضية في عمليات غسيل الأموال، أنه في أيار (مايو) 2013 تم القبض على مجموعة أشخاص قاموا بإنشاء موقع للنقود الافتراضية أطلق عليهLiberty Reserve، وقد قامت الولايات المتحدة بتوجيه الاتهام لعدد من الأشخاص المرتبطين بالعمليات التي يقوم بها الموقع بأنهم قاموا عن قصد بإنشاء الـ Liberty Reserve كذراع لتمويل الأنشطة الإجرامية في العالم، وذلك لمساعدة المجرمين في تمويل العمليات الإجرامية وغسيل الأموال الناجمة عنها، من خلال جعل أنشطة التمويل لهذه العمليات تتم تحت أسماء مستعارة أو وهمية، وتقدر عمليات غسيل الأموال التي تمت من خلال الموقع بنحو ستة مليارات دولار من الأموال القذرة، كما أن هناك بعض الكتابات التي تشير إلى أن موقع طريق الحرير Silk Road كان يوزع مخدرات محظورة من خلال استخدام البت كوين، أكثر من ذلك يشار إلى أنه يتم استخدام البت كوين حاليا في إيران لشراء السلع من الخارج وتحويل النقود من إيران إلى الخارج، وهي العمليات التي من المستحيل أن تتم من خلال استخدام الريال الإيراني.
كذلك فإنه في تموز (يوليو) الماضي اكتشفت لجنة الأوراق المالية أن شخصا في تكساس يطبق مخطط بونزي من خلال عمليات البت كوين، حيث تمكن أحد النصابين من جمع نحو 4.5 مليون دولار من مستثمرين في البت كوين، ثم استخدم جانبا منها لنفقاته الشخصية، وغطى تلك المسحوبات عن طريق إقناع مستثمرين جدد بالاستثمار لديه، وقد حذرت لجنة الأوراق المالية من أن العملات الافتراضية يمكن أن تؤدي إلى مزيد من عمليات النصب والاحتيال.
من المخاطر المصاحبة لاستخدام النقود الافتراضية هي أن قيمتها يمكن أن تتقلب بصورة شديدة، بصفة خاصة أنها لا يتم ربطها بسلعة مثل الذهب أو بعملة حقيقية مثل الدولار، وهو ما يعرض حائزي هذه العملة لخسائر ناجمة عن تراجع قيمتها. التقلب الشديد في قيمة البت كوين يمكن إظهاره من خلال البيانات المتاحة عن التقلبات التي حدثت في قيمتها في نيسان (أبريل) من هذا العام، ففي هذا الشهر انخفضت قيمة الوحدة من البت كوين من 266 دولارا إلى 160 دولارا في يوم واحد، وفي حزيران (يونيو) انخفضت قيمتها إلى 20.3 دولار فقط.
أما الخطورة الحقيقية التي تمثلها مثل هذه النقود للسلطات النقدية فتتمثل في أنها ربما تمثل تهديدا للاستقرار النقدي في الدول التي ينتشر فيها استخدامها، فعندما تزداد الكميات المستخدمة من البت كوين فإن ذلك يعني أن عرض النقود لم يعد تحت سيطرة السلطات النقدية كإحدى وسائل الاستقرار الاقتصادي الكلي، بالطبع بالنظر إلى الحد الأقصى الموضوع على عمليات تعدين البت كوين الذي يساوي 21 مليار دولار، فإن الكميات المتداولة منها مهما بلغ سعرها ستظل تمثل نسبة ضئيلة من عرض النقود، غير أن نجاح البت كوين قد يسهل ظهور عملات افتراضية أخرى منافسة أسهل في الاستخدام وأعلى في القيمة، حيث يتمكن المستخدم من إصدار أي كمية منها، الأمر الذي يجعل التحكم في عرض النقود من جانب السلطات النقدية الوطنية أمرا صعبا.
بقي أن أشير إلى أن مستقبل هذه النقود ما زال مشكوكا فيه، فمن الممكن أن تتعرض هذه النقود لفقاعة نتيجة تكثيف عمليات المضاربة فيها، ومن الممكن أن يؤدي ذلك إلى انهيار الثقة بها ومن ثم انهيار الطلب عليها، خصوصا أنه ليس هناك أي سند قانوني يدعمها، فالنقود العادية تحمل قوة إبراء للذمة تنبع من القانون الذي تصدر بمقتضاه، الذي يحمي النقود ويضمن استمرار التعامل بل يلزم المقيمين داخل حدود الدولة باستخدامها، وهي خصائص لا تتوافر للنقود الافتراضية.

الجمعة، سبتمبر ١٣، ٢٠١٣

النقود الافتراضية "البت كوين" 1

تتفتق أذهان البعض من وقت لآخر عن أفكار ابتكارية بعضها يكون مفيدا والبعض الآخر يكون ضارا، بعضها يحدث فوضى والبعض الآخر يفيد البشرية بصورة عظيمة، معظمها يبوء بالفشل والنادر منها من يلقى النجاح. البت كوين، أو النقود الافتراضية هي أحد الابتكارات الحديثة التي تم اطلاقها في 2008 بواسطة شخص مجهول الهوية (أو ربما مجموعة من الأشخاص) يدعى ساتوشي نوكاموتو، وتعتبر من النقود الرقمية Digital Money التي يتم اصدارها بدون اللجوء الى سلطة مركزية مثل البنك المركزي، وتهدف هذه النقود الى تمكين مستخدميها سداد التزاماتهم الكترونيا ونقل الأموال إلى أي مكان في العالم دون الحاجة الى إلى وسيط يتولى عمليات تحويل الأموال وبدون أن تقع هذه التحويلات تحت سيطرة أو رقابة أي جهة في العالم.
البت كوين إذن نقود لا يصدرها بنك مركزي، وانما يتم اصدارها من خلال شبكة خاصة، والتي تتم ببرامج خاصة عن طريق أجهزة الحاسوب للمستخدمين، ويطلق على عملية اصدار البت كوين عملية "تعدين البت كوين Bitcoin mining"، حيث يحتاج المستخدم الى حل عدد من الألغاز التي تميل الى التعقد كلما ارتفعت الكمية التي يصدرها، غير أن النظام الحالي للبت كوين مبرمج بحيث يكون الحد الأقصى من الكميات التي يمكن اصدارها من البت كوين هو 21 مليون وحدة فقط، وذلك حرصا على الكمية المتداولة منها وأسعار تداولها، ووفقا للتقارير المتاحة حاليا هناك حوالي 11 مليون وحدة من البت كوين تم اصدارها في العالم حتى الآن، وقد تراوح سعر الوحدة بين حوالي 84 دولارا إلى 266 دولارا حيث تتقلب أسعار البت كوين بصورة كبيرة.
وفقا للنظام الحالي لشبكة البت كوين يمكن للمتعامل فيها من خلال المبرمجات المفتوحة على الانترنت تحويل النقود الطبيعية الى نقود افتراضية والعكس، كما يمكن للمتعامل الواحد أن يقوم بإنشاء أي عدد من الحسابات على النظام، ويفترض أنه يمكن من خلال شبكة البت كوين مراقبة وفحص عمليات الاصدار للوحدات الجديدة من خلال عمليات التعدين، وكذلك عمليات التحويل التي تتم بين المستخدمين في الشبكة.
تتصف عملية التعدين بأنها مكثفة من الناحية الحسابية، حيث يتطلب الأمر من المستخدم حل الكثير من الألغاز لكشف سلسلة طويلة من الأرقام والحروف لإصدار البت كوين وتحويلها الى محفظة الكترونية، وبالطبع كلما زادت عمليات التعدين كلما أصبحت الألغاز أصعب، ويتطلب حلها برامج حاسوب متخصصة، لذلك يحرص المستخدمون للنظام على التسلح بأجهزة حاسوب قوية وببرامج متخصصة متقدمة لإصدارها، وربما أيضا محاولة قرصنة حواسيب الآخرين لاستخدامها في عمليات تعدين البت كوين، كذلك يفترض أن كل عملية تتم على البت كوين يتم تسجيلها في سجل عام يسمى Block Chain والذي يضم معلومات عن الحسابات التي تم استخدامها في عمليات التعدين والتبادل وعدد البت كوين التي تم تبادلها وذلك لتحليل هذه المعاملات وللتأكد من أن المتعاملين لا يتعاملون في نفس الوحدات بشكل مستمر.
ينظر إلى البت كوين على أنها وسيلة لإتمام المعاملات المالية بصورة خاصة، حيث يمكن استخدامها لسداد قيمة المعاملات الدولية عن طريق الانترنت بدون اللجوء الى منافذ الدفع وبدون تكلفة، غير أن عمليات البت كوين ليست شفافة للمنظمين مثل معاملات بطاقات الائتمان، لذلك فإنه على الرغم من أنها قد لا تبدو مهمة للغالبية العظمى من المتعاملين في العالم، إلا أنها تشكل نقودا مهمة لفئة من الناس عبر العالم، بصفة خاصة هؤلاء الذين يحتاجون الى سداد قيمة معاملات غير قانونية أو مشبوهة ومن على شاكلتهم، على سبيل المثال يمكن استخدام البت كوين في عمليات المقامرة على الانترنت أو لسداد قيمة المعاملات غير المشروعة مثل عمليات غسيل الأموال وعمليات دفع قيمة صفقات غير قانونية مثل المخدرات، بينما تمثل بالنسبة للبعض الآخر أصل استثماري يمكن أن يحقق من خلاله المضاربين أرباحا جيدة.  
حاليا أخذت البت كوين في الانتشار على نحو واضح، ففي غضون وقت قصير أخذت هذه النقود الافتراضية تكتسب أرضا على المستوى العالمي، ويتزايد الاهتمام بها يوما بعد يوم باعتبارها أداة دفع وأداة استثمار أو مضاربة، وقد ادرجت وزارة المالية الألمانية البت كوين الشهر الماضي على أنها أحد وحدات الحساب باعتبارها أداة مالية، وان كانت لا تمثل نقود الكترونية، غير أن غالبية المتعاملين ينظر الى وحدات البت كوين على أنها وحدات استثمارية، حيث يميل سعرها الى التقلب بشكل واضح مما يعطي الفرصة للمضاربين لتحقيق ارباح من التعامل فيها. 
ولكن لماذا يفضل بعض الناس التعامل بمثل هذه النقود؟ الاجابة تكمن في أنها تتمتع بمزايا كثيرة، بصفة خاصة يمكن نقلها في أي وقت الى أي مكان في العالم، وبخصوصية تامة وبدون ان تمر أي على هيئة رقابية أو بنك، وبدون دفع أن رسوم تحويل او تحمل فروق معدلات الصرف للعملات المختلفة أو غير ذلك من التكاليف التي تفرض من خلال القنوات التقليدية لنقل الأموال، وهناك من المتعاملين في النقد الأجنبي دوليا الذين يتأثرون بشكل أساسي بتكلفة التحويل، على سبيل المثال هناك شكوى دائمة من العمال المهاجرين في العالم الذين يقومون بتحويل مدخراتهم من ارتفاع تكلفة التحويل، خصوصا بالنسبة للمعاملات صغيرة القيمة، لمثل هذه الفئات تصبح البت كوين خيارا مثاليا حيث يمكنهم تحويل ما يريدون بسرعة وبدون تكلفة.
أكثر من ذلك فإن هذه التحويلات لا يمكن أن تتعرض للتجميد أو للمصادرة أو غير ذلك من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها التحويلات التقليدية إن كانت مشكوك فيها أو تتم لسداد معاملات غير قانونية، ذلك أن عمليات تجميد أو مصادرة هذه النقود تعد مسألة مستحيلة لأن مالكها هو الوحيد الذي لديه السلطة على كيفية استخدامها وأين يمكنه استخدامها.
غير أن أهم العوائق التي تقف أمام انتشار استخدام البت كوين في العالم هي صعوبة إصدارها بواسطة المستخدم العادي نظرا لتعقد برامج الوصول اليها وتعقد العمليات الحسابية اللازمة لإجراء عمليات التعدين، من ناحية أخرى فإن أسعارها تتقلب بشكل شديد من وقت لآخر، أما المشكلة الأساسية التي ربما يمكن أن تعترض استخدام البت كوين في عمليات التحويل هي أنه ربما لا يجد من يتم التحويل اليه طلبا جاهزا أو كافيا للتخلص منها بالسرعة المناسبة، أو التأكد من أن عمليات البيع سوف تتم بالسعر الذي تم ارسالها به. 

مهمة الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي

ينظر حاليا إلى قرار الرئيس الأمريكي باختيار الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي على أنه ربما أهم القرارات الاقتصادية على الاطلاق في 2013، ويعود ذلك الى طبيعة الوضع الحرج الذي يمر به الاقتصاد الأمريكي، بما يجعل من عملية اختيار الشخص المناسب لهذا المنصب مسألة حيوية ليس فقط لأمريكا وإنما للأسواق المالية عبر العالم، ولكن لماذا هذا الاهتمام بشخصية الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي؟ لا شك أن سير عملية صناعة السياسة النقدية واتجاهاتها سوف تعتمد على شخص الرئيس الجديد. فهناك اعتقاد حاليا بأن الاحتياطي الفدرالي يسير في اتجاه وقف عمليات شراء السندات والتي تتم في اطار ما يسمى بسياسات التيسير الكمي، ربما هذا الخريف، وبالتالي تمهيد السبيل لعودة معدلات الفائدة شبه الصفرية حاليا الى مستوياتها الطبيعية قبل الأزمة، وقد بدأت بالفعل بعض شواهد هذا التحول، حيث أنه بدءا من مايو الماضي أخذت معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية في الارتفاع.
هناك قائمة طويلة من القضايا والسياسات التي تنتظر قرارات حاسمة من الرئيس الجديد، والتي على رأسها سياسات التيسير الكمي، ومعدلات الفائدة الصفرية، ومعدلات البطالة المستهدفة، ومستوى التضخم المستهدف.. الخ وذلك لبدء تحول اتجاهات السياسة النقدية، وهو ما يجعل من فهم هذه المتغيرات وطبيعتها والعوامل المؤثرة فيها أمرا حيويا بالنسبة لمن سيتولى هذا المنصب. أكثر من ذلك فإن وجهات نظر ورؤى رئيس الاحتياطي الفدرالي حول بعض القضايا مثل درجة التفاعل بين السياستين النقدية والمالية، ودور الاحتياطي الفدرالي في عمليات تنظيم القطاع المصرفي، والتي يمكن أن يترتب عليها تغير جوهري في صناعة السياسة النقدية في الولايات المتحدة، تعد مهمة.
فمع حلول عام 2008 واشتعال الأزمة حرص الاحتياطي الفدرالي على خفض معدلات الفائدة الى مستويات قريبة من الصفر، وعندما لم يستجب الاقتصاد الأمريكي تم اللجوء الى استخدام أدوات غير التقليدية مثل التيسير الكمي، حيث قام الاحتياطي الفدرالي بشراء الأنواع المختلفة من السندات من البنوك لزيادة عرض النقود بهدف زيادة حجم السيولة لرفع مستويات التوظف، فقد بلغت ميزانية الاحتياطي الفدرالي قبل الكساد العظيم الحالي حوالي 900 مليار دولارا فقط، اليوم أدت سياسات التحفيز النقدي بأشكالها المختلفة الى زيادة حجم الميزانية بأكثر من ثلاثة أضعاف الى 3.3 تريليون دولارا.
غير أن التوسع النقدي صاحبه تزايد حجم الاحتياطيات الزائدة للبنوك من 45 مليار دولارا فقط في 2007 الى 1.9 تريليون حاليا، الأمر الذي يعكس ظاهرة مصيدة السيولة، حيث فضلت البنوك الاحتفاظ بأموالها في صورة سائلة لدى الاحتياطي الفدرالي بدلا من اقراضها وتحمل مستويات مرتفعة من المخاطر، الأمر الذي ساهم في تعميق أثر الأزمة والحد من الآثار الإيجابية للتيسير الكمي، فقد أدى هذا الإجراء من جانب البنوك إلى معادلة تأثير السياسات التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي لزيادة السيولة، بتحويلها الى مودعات لديه مرة أخرى.
كان الاحتياطي الفدرالي قد كشف أكثر من مرة عن استراتيجيته للخروج من سياسات التوسع النقدي، في أعقاب الاتهامات له بدفع الاقتصاد الأمريكي نحو التضخم الجامح، ولكن المهندس الأصلي لاستراتيجية الخروج سوف يتخلى عنها ليتم تطبيقها من خلال رئيس جديد، عليه أن يتولى بعناية فائقة مهمة التخلص من تريليونات الدولارات من السندات بدون أن يؤدي ذلك الى رفع معدلات الفائدة حتى لا تتأثر جهود استعادة النشاط الاقتصادي بصورة سلبية، ليس فقط ذلك وإنما عليه أن يراقب التضخم ويتابع في ذات الوقت معدلات البطالة.. إلى آخر هذه المتغيرات الحرجة، لذلك فإن مهمة الرئيس القادم للاحتياطي الفدرالي لن تكون سهلة، حيث يجب عليه تفكيك هذه التشابكات المعقدة. فهل سيستمر الرئيس الجديد في انتهاج سياسات متسقة مع السياسات التي اتبعها برنانكي لتقوية تعافي النشاط الاقتصادي للولايات المتحدة واستكمال رحلة الخروج من الكساد العظيم الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي منذ 2007؟ أم أنه سيسلك سبيلا آخر للخروج من الكساد؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على من سيكون الرئيس الجديد.
يفترض ان يختار أوباما هذا الشهر من سيحل محل برنانكي الذي تنتهي مدة رئاسته في آخر يناير القادم، وقد طلب بعض المراقبين من أوباما توسيع نطاق البحث بين الشخصيات المؤهلة لكي تتولى هذا المنصب الرفيع، نظرا للآثار الخطيرة المتوقع حدوثها من تغيير من سيجلس على كرسي رئيس الاحتياطي الفدرالي على مسار التعافي الاقتصادي الأمريكي، وتتعدد التخمينات حاليا حول شخصية الرئيس الجديد، فقد أعلن أوباما أن وزير الخزانة السابق لورانس سمرز، وكذلك  نائبة رئيس الاحتياطي الفدرالي الحالية جانيت يلين مؤهلين للوظيفة ولكنه يركز في ذات الوقت على آخرين مؤهلين أيضا مثل دون كون.
بحكم منصبها فإن جانيت يلين معروفة بتوجهاتها التشجيعية لسياسات الفائدة الصفرية وسياسات التيسير الكمي التي يتبعها الاحتياطي الفدرالي حاليا، وهو ما يشير الى انه في حالة اختيارها سوف تسير على نفس النهج الذي سار عليه برنانكي، وعلى الرغم من أنه من أقوى المرشحين للمنصب لا توجد شواهد قوية يمكن الحكم من خلالها على وجهة نظر سمرز حول الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية ومدى تأييده للسياسات الحالية التي ينتهجها برنانكي، ومن هذا المنطلق ربما يترتب على اختياره تأثيرات على الأسواق المالية في العالم، على الأقل لفترة حتى تتضح رؤاه التي سيتبناها. من ناحية أخرى فإن دون كون معروف باتجاهاته المعارضة لسياسات برنانكي، وقد أعرب عن ذلك في العديد من الخطب التي ألقاها حول قدرة الاحتياطي الفدرالي على توقع ومعالجة الازمات المستقبلية، وقد ركز أكثر من مرة على أهمية استخدام السياسات المالية في معالجة الفقاعات السعرية بدلا من السياسة النقدية، وعلى الرغم من أن خبراته الأساسية في مجال صناعة السياسة النقدية وتنظيم القطاع المصرفي، فإن عملية صناعة السياسة النقدية قد تشهد تحولا جوهريا على يديه.
لذلك يمكن القول بأنه من الآن وحتى تتم عملية تسمية الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي سوف تستمر ظروف عدم التأكد حول الاتجاهات المستقبلية للسياسة النقدية الأمريكية، وتستمر معها حالة عدم الاستقرار التي تلف الأسواق وأسعار الأصول، بصفة خاصة الذهب، وإلى أن تتضح الرؤية، ربما نشهد المزيد من حالات التقلب والمرشحة لأن تستمر حتى بداية العام القادم إذا تأخرت عملية تسمية رئيس الاحتياطي الفدرالي الجديد.

الجمعة، سبتمبر ٠٦، ٢٠١٣

لماذا تتراجع الروبية الهندية؟

في عام 1975، كان معدل صرف الدولار أقل من عشر روبيات هندية، ومنذ ذلك الوقت ومعدل صرف الدولار يرتفع بشكل شبه مستمر، حتى اقترب من حاجز الـ 70 روبية الأسبوع الماضي، ففي 28 آب (أغسطس) الماضي ارتفع معدل صرف الدولار إلى 68.825 روبية، قبل أن يتراجع بشكل محدود حاليا، وبكل المقاييس تعد الروبية الهندية أسوأ العملات الآسيوية أداء لهذا العام، فمنذ بداية العام وحتى الآن فقدت الروبية نحو ربع قيمتها، فما أهم العوامل المسؤولة عن هذا التراجع؟
قيمة العملة المحلية لدولة ما هي أحد أهم المؤشرات على صحة اقتصادها المحلي، وعندما تتراجع العملة المحلية، فإن ذلك يعني أن الاقتصاد يواجه مصاعب تتعلق بقدرته على تعبئة موارد النقد الأجنبي من مصادره المختلفة، وهذا هو الواقع الذي يعيشه الاقتصاد الهندي حاليا.
تتعدد العوامل المسؤولة عن تراجع الروبية الهندية، وأهم هذه العوامل هو تراجع معدلات النمو، فمنذ نشوء الأزمة المالية العالمية ونمو الاقتصاد الهندي يتراجع بعد معدلات النمو الاستثنائية التي حققها حتى 2008. لم تكن الهند هي الاقتصاد الناشئ الوحيد الذي واجه هذه المصاعب في النمو بعد الأزمة ولكنه من أكثرها تأثرا، فمعظم قطاعات الاقتصاد الهندي، بصفة خاصة القطاع الصناعي والتعدين، شهدت انحسارا في مستويات نشاطها ومعدلات نموها، وهو ما انعكس في صورة ارتفاع معدلات البطالة. آخر البيانات المتاحة تشير إلى أن الاقتصاد الهندي نما بمعدل 4.4 في المائة في الربع الثاني من هذا العام، وهو معدل أقل من معدل النمو المتوقع الذي كان يدور حول 4.7 في المائة، بينما كان معدل النمو ضعف هذا المعدل تقريبا في سنوات الرواج، الأمر الذي عزز المخاوف حول تراجع معدلات النمو عن المعدل المحقق خلال العقد الماضي.
من ناحية أخرى، يمثل عجز ميزان المدفوعات أحد الأسباب الأساسية المسؤولة عن التراجع في معدل صرف الروبية، ويرجع ذلك الخلل الواضح بين صادرات الهند ووارداتها من الخارج، مع عجز الدولة عن تدبير الكميات المناسبة من النقد الأجنبي التي تكفي لتمويل احتياجاتها من الواردات من الخارج. لقد أدى ارتفاع أسعار النفط إلى ضغوط شديدة على الروبية، حيث تستورد الهند نحو 80 في المائة من احتياجاتها من النفط من الخارج. المشكلة الأساسية هي أن ضعف الروبية يؤدي إلى تعقيد وضع الميزان التجاري للهند لأنه يؤدي إلى تزايد الطلب على الذهب الذي ينظر إليه على أنه ملجأ ضد التضخم، حيث تقدر واردات الذهب في 2013 بنحو 1017 طنا، في الوقت الذي تستهدف فيه الحكومة قصر واردات الذهب على 700 طن فقط.
من الواضح أن أكبر سلعتين تستوردهما الهند هما الذهب والنفط، وعندما ترتفع أسعار النفط ترتفع فاتورة الواردات وبالتالي تتراجع قيمة الروبية الأمر الذي يصب في زيادة الطلب على الذهب الذي يستورد أساسا من الخارج. المشكلة هي أن تراجع قيمة العملة يؤدي إلى تعقد وضع الميزان التجاري في حالة عدم استجابة الصادرات، لأن انخفاض قيمة العملة يؤدي ارتفاع فاتورة الواردات ومن ثم تزايد العجز. هذا التزايد في فاتورة الواردات يحدث تأثيرا مزدوجا، فمن ناحية يؤدي إلى تراجع قيمة الروبية، ومن ناحية أخرى، يؤدي تزايد الحاجة إلى رفع ميزانيات الدعم لكي تحافظ الحكومة على أسعار السلع للطبقات المستحقة.
يؤدي تزايد الإنفاق على الدعم إلى سوء وضع العجز المالي مع تزايد تكلفة الوقود وارتفاع أسعار الواردات، وهناك تخوف من أن تؤدي خطط الغذاء الرخيص التي تتبعها الهند إلى زيادة عجز الميزانية. فأخيرا تم إقرار خطة لرصد 20 مليار دولار لتوفير الحبوب الرخيصة للفقراء، وهو ما أدى إلى تصاعد المخاوف حول تزايد العجز بصورة أكبر في المستقبل، بالطبع عندما ترتفع ميزانيات الدعم الحكومي فإن عجز الميزانية يتعمق مما يؤدي إلى زيادة الحاجة نحو المزيد من الاقتراض وارتفاع مستويات الدين المحلي. في ظل هذا الوضع يصعب أن تلزم الحكومة نفسها بنسبة عجز الميزانية المستهدفة الناتج، الذي يصل إلى 4.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المؤكد أنه مع تزايد الضغوط المالية ستضطر الحكومة إلى تخفيض بعض الجوانب الأخرى من إنفاقها العام، وهو ما سيؤدي إلى آثار معاكسة على النمو الضعيف أساسا. أكثر من ذلك فإن استمرار ضعف الروبية مع ضعف النمو يضع صانع السياسة النقدية في مأزق، فلو حاول أن يرفع من معدلات الفائدة لكي يساند الروبية، ويحارب التضخم الذي يبلغ نحو 6 في المائة حاليا، فإنه سيؤدي إلى تراجع النمو بصورة أكبر.
لقد أدى تزايد واردات الهند من النفط والذهب إلى ارتفاع نسبة العجز في الناتج المحلي، الأمر الذي أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين بالاقتصاد الهندي، وهو رابع العوامل المسؤولة عن تراجع الروبية، وقد فشلت الحكومة حتى الآن في أن تقنع المستثمرين الأجانب بأن يضخوا رؤوس أموال في الاقتصاد الهندي، ويمكن القول بشكل عام إن انسحاب الاستثمارات من الهند يتوافق مع اتجاهات التدفقات الخارجية للأموال الأجنبية من أسواق الدول الناشئة بعد إعلان الاحتياطي الفيدرالي أنه سيوقف برنامج شراء السندات، في إشارة إلى تحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة، حيث تسعى أموال صناديق الاستثمار حاليا خلف العوائد الأعلى في الغرب، وهو ما أدى إلى ضغوط على عملات الدول الناشئة، مثل الروبل الروسي والريال البرازيلي والراند الجنوب إفريقي والروبية الإندونيسية والليرة التركية.
حاولت الحكومة الهندية التعامل مع نتائج التراجع في قيمة العملة باتخاذ مجموعة من الإجراءات كان من أهمها رفع الضريبة على واردات الذهب من الخارج من 2 إلى 8 في المائة، كما حاول البنك المركزي وقف الضغط على الروبية من خلال فتح نافذة خاصة للشركات النفطية المملوكة للدولة للسماح لها بشراء احتياجاتها من الدولار التي تقدر بنحو 8.5 مليار دولار شهريا بشكل مباشر لشراء النفط من الخارج، الأمر الذي أدى إلى تراجع سعر الدولار لنحو 67 روبية حاليا، كذلك حاولت الحكومة فتح القطاعات المختلفة أمام الاستثمار الأجنبي ليشمل قطاعات مثل الدفاع وتجارة التجزئة والتأمين وذلك لجذب المستثمرين الأجانب، غير أن الحكومة فشلت حتى الآن في أن تقنع المستثمرين الأجانب بأن يضخوا رؤوس أموال إضافية في الاقتصاد الهندي.
ويمكن القول إنه على الرغم من هذه المحاولات لمساندة الروبية، فإن تراجع الروبية سيستمر لأنه ذو طبيعة هيكلية، ولن تتحسن الروبية ما لم تتحسن أوضاع الاقتصاد الهندي.

الاثنين، سبتمبر ٠٢، ٢٠١٣

السعودية.. نمو اقتصادي قوي وتحديات كامنة

نشر صندوق النقد الدولي يوم الثلاثاء الماضي ملخصا عن نتائج زيارة بعثته إلى المملكة خلال أيار (مايو) لتقييم الوضع الاقتصادي فيها، أشار فيه إلى أن المملكة تمكنت من تحقيق معدلات نمو مرتفعة خلال الأعوام الخمسة الماضية، حيث كانت ثالث أكبر دول مجموعة العشرين نموا بعد الصين والهند، من ناحية أخرى استمرت المملكة منذ بداية الألفية تقريبا في التمتع بموقف مالي قوي وفوائض ضخمة في ميزانيتها مكنتها من تخفيض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى المستوى الأقل في العالم، كما مكنت الفوائض المالية الكبيرة المملكة من بناء قاعدة أصول مالية احتياطية ضخمة، تقدر وفقا لمعهد صناديق الثروة السيادية الدولي بنحو 538 مليار دولار، وربما لا تحتل المملكة في الوقت الحالي المرتبة الأولى كصاحبة أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، لكني أتوقع أنه مع استمرار أسعار النفط مرتفعة أن تزيح المملكة الصين عن هذا المركز لتصبح صاحبة أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم في غضون سنوات قليلة مقبلة.
أما عن آفاق النمو في المستقبل فإن الصندوق يرسم نظرة مستقبلية إيجابية للاقتصاد السعودي، حيث يتوقع أن ينمو خلال العام الحالي بنحو 4.4 في المائة، ووفقا لقاعدة بيانات تقرير World Economic Outlook الذي أصدره الصندوق في شهر أبريل الماضي، يتوقع الصندوق أن يصل متوسط معدل النمو السنوي في المملكة إلى 4.3 في المائة حتى عام 2018. من ناحية أخرى، يشير الصندوق إلى حدوث تطور مهم في معدلات نمو القطاع غير النفطي في المملكة الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 7.6 في المائة هذا العام، وعلى الرغم من توقع تراجع الإيرادات النفطية في 2013 إلا أن الفائض في الميزانية يتوقع أن يكون أيضا جوهريا. هذا بالطبع إلى جانب دورها الأساسي كضابط إيقاع للسوق العالمي للنفط الخام لضمان الحد من التقلبات التي تحدث في أسعار النفط الخام لصالح الاقتصاد العالمي.
هذا الوضع المالي المريح يمكن المملكة من أن تلعب دورا مهما في تدفقات المساعدات إلى الدول الأخرى في العالم، وكذلك في تدفقات تحويلات العمالة الوافدة إلى الخارج، التي تشكل جانبا جوهريا من دخول الأسر في دول المنشأ، فوفقا لتقديرات البنك الدولي بلغت تحويلات العمالة من المملكة نحو 104 مليارات دولار خلال الفترة من 2008 إلى 2011.
في مقابل هذه الصورة الإيجابية للاقتصاد السعودي، فإن المملكة تواجه أيضا العديد من التحديات الكامنة. أهم التحديات التي تواجه المملكة هي الهيكل السكاني صغير السن والمرتفع النمو. يتسم هذا الهيكل بشكل عام بارتفاع مستويات التعليم، وهو ما يفترض أنه سيساعد على دفع النمو في المملكة عند توجه هؤلاء إلى سوق العمل، غير أن المشكلة الأساسية هي أن سوق العمل في المملكة، بصفة خاصة سوق العمل الخاص، لا يخلق فرص العمل الكافية أو المناسبة لاستيعاب هؤلاء، لذلك نجد أن معدلات البطالة بين الداخلين الجدد إلى سوق العمل مرتفعة جدا، وفي رأيي أن هذا التحدي هو أهم ما يواجه صانع السياسة في المملكة اليوم وفي المستقبل.
صحيح أن هناك إجراءات جادة تتخذها الحكومة حاليا لرفع نسبة مساهمة العمالة السعودية في القطاع الخاص، إلا أن مقاومة هذا القطاع لتوظيف العمالة السعودية من الواضح أنها مرتفعة، هذا من جانب، ومن جانب آخر، من الواضح أيضا أن هيكل القيم لدى العمالة الوطنية في حاجة إلى تغيير جذري، بصفة خاصة حول ثقافة العمل ومفهومه وطبيعته وقيمته، فالكثير من الوظائف التي تشغلها العمالة الوافدة في القطاع الخاص غير قابلة لأن تشغلها العمالة الوطنية لسبب جوهري وهي أنها غير مناسبة من وجهة نظر العامل الوطني، وهذا عائق أساسي نحو رفع نسبة توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص.
من ناحية أخرى، فإن درجة تنافسية العمالة السعودية في مقابل العمالة الوافدة في حاجة إلى التحسن وهذا يتطلب نظاما تعليميا كفئا وكذلك خدمات تدريبية مناسبة، وقوانين صارمة لتضييق الفجوة بين أجور العمالة الوافدة والعمالة الوطنية في القطاع الخاص، أكثر من ذلك فإن رفع نسبة مساهمة الإناث في سوق العمل يتطلب تذليل الصعوبات التي تقف أمام حرية التنقل بالنسبة لمعظمهن، وكذلك تشجيع المبادرين من الداخلين الجدد لسوق العمل بدعم مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة حتى يمكن تخفيض المعدل العام للبطالة في المملكة.
التحدي الثاني الذي يواجه المملكة هو تنامي استهلاك الطاقة، الذي يدفعه بشكل أساسي سياسة الدعم غير المباشر التي تتبعها المملكة حاليا التي تؤدي إلى الإفراط في الاستهلاك، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى بلوغ مستويات استهلاك الطاقة في المستقبل مستويات حرجة في ظل ارتفاع معدلات النمو السكاني، الأمر الذي قد يهدد قدرة المملكة على تأمين الإيرادات المالية اللازمة لتمويل الإنفاق العام من خلال تصدير النفط في المستقبل.
يشير تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن الحكومة تستجيب لتنامي الطلب على الطاقة من خلال العمل على رفع درجة كفاءة استهلاك الوقود والبحث عن مصادر بديلة لتوليد الطاقة، ومع تقديري لهذا التوجه، إلا أنني أرى أن التعامل الأساسي مع مشكلة نمو الطلب على الطاقة في حالة المملكة لا يكون من جانب فك قيود العرض بشكل أساسي، بقدر ما يتطلب في الدرجة الأولى ترشيد الطلب، الذي من الواضح أن النمط الحالي له يعكس درجة واضحة من الهدر في الاستهلاك، ولن تتم السيطرة على هذا الهدر سوى من خلال السياسات الصحيحة لتسعير الطاقة على نحو أكثر كفاءة.
التحدي الثالث الذي يواجه المملكة هو أنه مع تصاعد النمو السكاني تزداد الحاجة إلى توفير الخدمات الأساسية اللازمة لهم، بصفة خاصة تدبير احتياجات السكان من المساكن، وهي مهمة أراها صعبة في سوق عقاري يتسم باتساع مستويات الاحتكار وانتشار المضاربة على الأراضي، وفي ظل تضاؤل تأثير المبادرات الحكومية لحل المشكلة الإسكانية على أسعار المساكن، التي من الواضح أنها بلغت حاليا مستويات تفوق الإمكانات الداخلية للأسرة السعودية في المتوسط.
التحدي الرابع، الذي دائما ما يصاحب معدلات النمو المرتفع، هو ارتفاع معدل التضخم، فمع ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي خصوصا المدفوع بالإنفاق الحكومي تزداد الضغوط التضخمية، وهو ما يحمل أخبارا سيئة لكل من المستهلكين والمالية العامة للدولة، ذلك أن خروج معدل التضخم عن السيطرة يترتب عليه تراجع القوة الشرائية لدخول المقيمين في المملكة، وبما أن الجانب الأكبر من السكان يعمل في الحكومة، أو يرتبط بها بشكل ما، فإن الضغوط التضخمية ستقتضي ضرورة تعديل دخول هؤلاء بما يساعدهم على الحفاظ على القوة الشرائية لدخولهم، وهو ما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام، أكثر من ذلك فإن ارتفاع معدل التضخم في ظل السياسات المكثفة للدعم غير المباشر سيتطلب بالتبعية توجيه مخصصات مالية أكبر لمواجهة ارتفاع الأسعار.
بالطبع ربما تساعد الأوضاع المريحة للدولة في الوقت الحالي على مواجهة الأعباء المالية اللازمة لاحتواء الآثار التضخمية للنمو، غير أن هذا الوضع المالي ليس مضمونا على المدى الطويل، وهي مشكلة أساسية في الدول التي يعتمد الناتج فيها على الموارد الطبيعية التي تصدر إلى الخارج، لأن السيطرة على التضخم في مثل هذه الاقتصاديات مسألة ليست سهلة، خصوصا إذا كانت معظم الضغوط التضخمية مستوردة من الخارج. فمثل هذا الهيكل يشكل في الأساس تحديا لعملية صناعة السياسة الاقتصادية في الاقتصاديات ذات القاعدة الإنتاجية الضيقة، حيث قد يتطلب الأمر أن تخفض المملكة من معدلات نموها للسيطرة على التضخم.

صناعة المعارض والمؤتمرات السعودية

نشرت "الاقتصادية" تقريراً عن صناعة المعارض في السعودية، كشفت فيه عن انخفاض الترتيب الدولي للمملكة في صناعة المعارض والمؤتمرات بشكل لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي للدولة، ولا أهميتها باعتبارها أكبر دول المنطقة وأقواها اقتصادياً، وقد أشار التقرير إلى أن هناك حاجة إلى تحرُّك حكومي لإحداث نقلة نوعية في صناعة المعارض والمؤتمرات السعودية.
صناعة المعارض والمؤتمرات من الصناعات التي تمنح الدول قدراً من القوة الناعمة، والتي تلعب دوراً مهماً في نقل المعارف والأفكار والنظم والتقنيات الحديثة، كما تسهم في تنمية العلاقات التجارية بين الدولة والخارج، فضلاً عن أنها تسهم في نمو الناتج بما تؤدي إليه من قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، فسياحة المعارض والمؤتمرات تجذب أعداداً كبيرة من الزائرين من ذوي الدخول والثقافات المرتفعة، ومثل هذا النوع من الزوّار غالباً ما يكون متوسط إنفاقهم مرتفعاً.
الدعم الحكومي لصناعة المعارض والمؤتمرات في المملكة يجب أن يكون في صورة الاستثمار الحكومي بصورة مباشرة، أو دعم الاستثمار الخاص، في البنى التحتية للمعارض والمؤتمرات، وذلك من خلال إنشاء عدد مناسب من مراكز المؤتمرات والمعارض بمواصفات وتسهيلات عالمية، في مناطق عدة في المملكة استنادا إلى ما تملكه تلك المناطق من مزايا، سواءً من حيث النشاط أو الأهمية الاقتصادية أو الموقع الجغرافي أو حتى المناخ، بحيث تتمكن المملكة من خلالها من جذب هذا النشاط على مستوى المنطقة وعلى المستوى العالمي، لترفع ترتيبها الدولي في هذا الصناعة المهمة.

السعودية تستورد البنزين والديزل من الخارج

نشرت "الاقتصادية" أمس تقريرا عن أن السعودية ستستورد هذا العام كميات شبه قياسية من الديزل استعدادا لفصل الصيف ولمواكبة الزيادة في السفر في شهر رمضان، كما يتوقع أن تستورد أيضا كميات كبيرة من البنزين. من يمكنه أن يتصور أن بلدا يسبح فوق بحيرة نفطية يستورد منتجات النفط الأساسية من الخارج؟
اللجوء إلى الاستيراد لا شك يعكس قيودا على عمليات الإنتاج في المصافي، خصوصا في أوقات الذروة، وهو ما يقتضي تعديل استراتيجية تحديد الطاقة الإنتاجية القصوى للمصافي الحالية والجديدة، حيث تكون تسهيلات الإنتاج قادرة على توفير احتياجات المملكة عند أقصى مستوى متوقع للاستهلاك يوميا في الوقت الحالي، مع الأخذ في الاعتبار معدلات نمو الاستهلاك في المستقبل، وذلك لتلافي اختناقات العرض في أوقات زيادة الطلب.
ذلك أن حدوث نقص في المعروض من المنتجات النفطية واللجوء إلى استيراده من الخارج يحمل المملكة تكاليف فادحة لسببين، الأول هو ارتفاع أسعار المنتجات النفطية المستوردة قياسا بسعر النفط الخام وذلك لارتفاع القيمة المضافة في المنتجات النفطية المستوردة، والآخر هو أن المملكة ستستورد هذه المنتجات بالسعر العالمي لتعيد بيعها بالسعر المدعم محليا، كما هو معروف، وهو ما يرفع من تكاليف الدعم المقدم للوقود في المملكة في هذه الحالة، وأخيرا فإن سياسة الوقود الرخيص تحتاج إلى مراجعة جادة، حيث تتم السيطرة على النمو في الاستهلاك الناجم عن رخص أسعار الوقود وبما يحافظ على الثروة النفطية للمملكة.

ملاحظات على هيكل ودائع المصارف السعودية (2 من 2)

بالأمس تناولت بالتعليق ملاحظتي الأولى على هيكل الودائع في المصارف السعودية، الذي يختلف عن النمط المتوقع في النظم المصرفية في العالم كما أسلفت. ملاحظتي الثانية هي أن ارتفاع نسبة المودعات الجارية تعكس قيم المودع السعودي الذي ينظر إلى الفوائد على المودعات لأجل لدى المصارف على أنها نوع من الربا، وبحكم أن الغالب الأعم من المودعين ملتزمون دينيا، فيحاولون البعد عن الشبهات من خلال الاحتفاظ بمودعاتهم في صورة جارية، الأمر الذي يعد في مصلحة المصارف لأنها تحصل على الأموال بصورة مجانية تقريبا، والمصارف كما هو معروف مجرد وسيط مالي يحقق أرباحه من هامش الوساطة بين تكلفة الأموال التي يحصل عليها والعائد على الأموال التي يستثمرها.
للأسف، مثل هذا الوضع يعكس حقيقة مهمة وهي أن المصارف السعودية لا تبذل جهدا لتقديم الحلول المالية المناسبة لهذه الشريحة العريضة من المودعين على النحو الذي يمكنها من التمتع بمزايا السيولة، وفي الوقت ذاته تحقيق عوائد على هذه المودعات، ومن المؤكد أن المصارف لا ترغب في أن تقوم بذلك طالما أنها مستفيدة من هذا الوضع، كما أنها أيضا لن تبذل أي جهد لتطوير حلول مالية في هذا الاتجاه. لذلك أعتقد أنه ينبغي على مؤسسة النقد السعودي النظر في إمكانية تطوير حلول مالية تناسب هذه الشريحة العريضة من المودعين بما لا يغبن حقهم في الحصول على عوائد مناسبة على مودعاتهم السائلة وفي الوقت ذاته لا تخالف الشريعة.

ملاحظات على هيكل ودائع المصارف السعودية (1 من 2)

نشرت "الاقتصادية" دراسة عن نمو الودائع في المصارف السعودية أعدتها وحدة التقارير الاقتصادية بالصحيفة، وأظهرت نتيجة غريبة مقارنة بما يتوقع أن يكون سائدا في النظم المصرفية في العالم، وهي أن الجانب الأكبر من الودائع (60%) في مصارف المملكة هي ودائع جارية، وهي الودائع التي لا تدفع عنها المصارف فوائد، بينما تشكل الودائع لأجل 40 في المائة فقط من إجمالي الودائع.
هذا الهيكل يختلف عن الهيكل العام للودائع في النظم المصرفية في العالم، حيث يتحول هذا الهيكل من الودائع الجارية الى الودائع لأجل، التي تشكل حاليا النسبة الأكبر من الودائع لسببين رئيسيين؛ الأول أن الودائع الجارية لا تعطي عوائد لأصحابها، بعكس الودائع لأجل التي يتزايد العائد عليها كلما طال المدى الزمني للإيداع، الأمر الثاني، وهو الأهم، أن الميزة الأساسية للودائع الجارية التي تتمثل في السيولة، أصبحت متاحة بدرجة ما للودائع لأجل، حيث أصبح من حق أصحابها سحب أموالهم في أي وقت، وذلك بسبب التطورات في الصناعة المصرفية نتيجة عمليات التحرير المالي Deregulation، التي تمكن الآن المودع لأجل من سحب مودعاته في أي وقت وبتكلفة منخفضة عن ذي قبل، وذلك نتيجة المنافسة الشديدة بين المصارف.
هذه التطورات بالطبع تدفع المودع الرشيد إلى تعظيم عوائده من مودعاته بتدنية الأرصدة التي يحتفظ بها في صورة جارية وتعظيم المودعات لأجل، بعكس الحال في المملكة، بالطبع هذا الهيكل يعكس قيم الخوف من الوقوع في الربا.

أخطر ديون العالم

نشرت مؤسسة CMA تقريرها عن الربع الأول لعام 2013 حول مخاطر الديون السيادية لدول العالم، حيث يتم ترتيب الديون السيادية للدول المدينة وفقا لأخطرها وكذلك أكثرها أمانا، وذلك مقارنة بترتيب هذه الديون في الربع السابق شاملة، الاحتمال التراكمي للتوقف عن خدمة هذه الديون خلال السنوات الخمس المقبلة.
الأسواق تضع دائما في اعتبارها مثل هذه الترتيبات وتوليها عناية فائقة، لأن ارتفاع مخاطر الدين السيادي للدولة يعني ضمنا ارتفاع احتمالات توقف الدولة عن خدمة دينها السيادي، وهي عملية غالبا ما تكون مكلفة للجهات الدائنة، حيث تضطر إلى الدخول مع الدولة المدينة في مفاوضات شاقة إما بصورة مباشرة، أو غير مباشرة من خلال نادي باريس للدول الدائنة، وذلك لضمان استمرار الدولة في خدمة دينها سواء حاليا أو في المستقبل.
أهم التطورات في هذا التقرير هو التصنيف السيادي الذي تم منحه للدين السيادي المصري، حيث استمر تراجع ترتيبه وأصبح وفقا للمؤسسة خامس أخطر دين سيادي في العالم، وذلك بعد الديون السيادية لكل من الأرجنتين وقبرص وباكستان وفنزويلا، وهي الدول التي تحتل هذه المراتب كصاحبة أخطر الديون في العالم منذ فترة. دخل أيضا القائمة الدين السيادي التونسي، حيث أصبحت تونس صاحبة عاشر أخطر دين سيادي في العالم.
بالطبع هذا التراجع في ترتيب الدين السيادي المصري والتونسي يعكس حالة عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية والاقتصادية، التي تحوم معها الشكوك حول قدرتهما على الوفاء بالتزاماتهما تجاه دائنيهما.

شبكة خليجية للاعتماد الأكاديمي

نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا عن قرب تأسيس شبكة خليجية للاعتماد الأكاديمي في مسقط بعُمان، وذلك من أجل ضمان جودة الخدمات التعليمية للجامعات في منطقة الخليج، فالاعتماد الأكاديمي هو أحد سبل رفع مستويات الجودة في الجامعات على اختلاف تخصصاتها، لذلك يتوقع أن تكون الشبكة الخليجية للاعتماد الأكاديمي، مؤسسة ضخمة تضم فرقا للاعتماد لجميع التخصصات الجامعية، حيث تختلف أسس الاعتماد من تخصص لآخر في معظم الأحوال.
لكي تحقق شبكة الاعتماد الأكاديمي رسالتها يفترض أن يكون الاعتماد الأكاديمي للجامعات الخليجية إجباريا سواء للجامعات الحكومية أو الجامعات الخاصة، بصفة خاصة للأخيرة، وأن تتبنى الهيئة معايير للاعتماد لا تقل في مستوياتها عن تلك التي تستخدمها أرفع مؤسسات الاعتماد الأكاديمي العالمية، بحيث تلتزم بها جميع الجامعات في دول الخليج سواء من حيث هيكل المناهج، أو نوعية أعضاء هيئة التدريس، أو إسهاماتهم الفكرية الدورية، أو سبل قياس جودة المخرجات التعليمية للجامعات الخليجية، وجودة عمليات التعلم، ومناخ التعليم، إلى آخر القضايا المرتبطة بالاعتماد الأكاديمي.
من ناحية أخرى، لكي يكون هذا الاعتماد فاعلا ينبغي أن تكون فترات التقييم الدوري قصيرة نسبيا، وذلك حتى توضع الجامعات الخليجية تحت ضغط التطوير المستمر لبرامجها التعليمية والهيئات التدريسية فيها، لضمان مخرج تعليمي جامعي جيد وقادر على المنافسة في سوق العمل، كما ينبغي أن تكون الشبكة قادرة على تقديم المشورة والمساعدة اللازمة لرفع مستويات الأداء للجامعات التي تثبت عمليات تقييمها أن جودة النظم التعليمية فيها دون المستوى.

استراتيجية الأمن الغذائي في السعودية

نشرت "الاقتصادية" تقريرا عن أن المملكة تدرس حاليا إقامة شراكات لإنتاج الأرز في بنجلادش ضمن إطار مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج.
توسيع الاستثمارات السعودية في مجال الاستثمار الزراعي المباشر أو غير المباشر هو أحد الخيارات الاستراتيجية التي ينبغي أن تتوسع فيها المملكة خارج نطاق حدودها في جميع الدول الزراعية، سواء في آسيا أو أمريكا اللاتينية أو إفريقيا. فمثل هذا الاستثمار يحقق للمملكة العديد من العوائد الاستراتيجية والتي أهمها أنه يؤمن حاجاتها من الغذاء بعد أن ثبت أن المزايا النسبية التي تمتلكها المملكة في هذا الجانب محدودة بسبب ندرة المياه الجوفية، وقلة موارد المملكة من مصادر المياه المتجددة سنويا، وارتفاع مستويات الدعم اللازم لتحويل زراعة الغذاء إلى إنتاج مجد من الناحية الاقتصادية، الأمر الذي يرفع تكلفة تأمين الغذاء من مصادر الإنتاج المحلية على نحو كبير.
البديل الأمثل من الدرجة الثانية، هو توسيع الاستثمار الزراعي السعودي في الخارج من خلال إما تملك مساحات من الأراضي الزراعية إذا كانت القوانين تسمح بذلك، أو الاستثمار المشترك مع المنتجين الزراعيين في الخارج، أو تمويل عمليات الإنتاج الزراعي خارجيا، حيث يتم توجيه الإنتاج أساسا نحو المملكة. بهذا الشكل تضمن المملكة تأمين احتياجاتها من الغذاء ضد الصدمات التي يمكن أن تحدث في عرض الغذاء عالميا، وتضمن استقرار أسعار الغذاء الذي تستورده من الخارج، وهي مزايا تفوق بلا شك أي عوائد من الاستثمار المالي خارجيا.

مستقبل شركات الاتصالات المتنقلة غير مضمون

نشرت ''الاقتصادية'' خبرا عن أن عقوبة استخدام برنامج ''سكايب'' للاتصالات عبر الإنترنت في الإمارات، تراوح وفقا للقانون بين السجن والغرامة، وواقع الحال أن مثل هذا النص القانوني لن يوقف بأي صورة من الصور استخدام مثل هذه البرامج المجانية للاتصالات في فضاء تكنولوجيا النقل الرقمي الذي يعيشه العالم حاليا.
صناعة الاتصالات المتنقلة تتعرض اليوم لتغيرات هيكلية لم تدرك خطورتها أو أهميتها شركات الاتصالات المتنقلة في العالم أجمع، فمستقبل صناعة الاتصالات المتنقلة المدفوعة الثمن أصبح اليوم غير مضمون بسبب التكنولوجيا الرقمية Digitization، التي في طريقها لقلب معطيات صناعة الاتصالات المتنقلة رأسا على عقب، حيث يمكن للمبادرين أصحاب الأفكار غير التقليدية اجتياح هذه الصناعة برأسمال محدود واستثمارات هامشية وجذب مئات الملايين من المستخدمين عالميا في غضون فترة زمنية قصيرة.
إذا لم تعِ شركات الاتصالات المتنقلة طبيعة التحولات الهيكلية التي تحيط بالصناعة، وتفكر بصورة جدية في كيفية التأقلم معها وتطويعها لتعظم استفادتها منها، فإن قطار التكنولوجيا الرقمية سيفرمها في طريقه، تماما مثلما حدث لشركة ''كوداك'' عملاق صناعة كاميرات التصوير في العالم. حيث لم تنتبه الشركة إلى خطورة التطورات الهيكلية التي تحدث في الصناعة نتيجة تكنولوجيا التصوير الرقمي. فعلت الشركة القليل لإنقاذ أعمالها في مواجهة هذا البركان الكاسح، واكتفت تقريبا بدور المتفرج لما ستسفر عنه التطورات في هذا المجال، فاضطرت في النهاية إلى اللجوء إلى القانون الأمريكي لتعبئة استمارة إفلاسها.

السعودية لاعب الوسط في سوق النفط الخام

نشرت "الاقتصادية" كلمة ألقاها وزير البترول والثروة المعدنية، في منتدى الطاقة في مركز إسطنبول الدولي للطاقة والمناخ، الذي أكد فيها أن ما تنشده المملكة هو استقرار أسعار النفط بشكل يطمئن الحكومات والأشخاص ويساعد على التخطيط والنمو الاقتصادي باعتبار أن تقلب الأسعار ليس في مصلحة أحد.
عبر عقود طويلة من الزمن والمملكة تنتهج سياسة ثابتة في الإنتاج، تهدف أساساً إلى ضبط إيقاع السوق العالمية للنفط الخام، خصوصاً مع اتجاه الأسعار نحو الارتفاع بصورة كبيرة. وجهة النظر السعودية، وهي وجهة نظر سليمة، هي أن الأسعار المرتفعة للنفط الخام لا تخدم المستهلكين ولا المنتجين.
فبالنسبة للطرف الأول تؤدي الأسعار المرتفعة للنفط إلى التأثير بصورة سلبية في مستويات النشاط الاقتصادي ورفع الأسعار، وهو ما ينعكس سلباً على مستويات الطلب والنمو في الدول المستهلكة، الأمر الذي لا بد أن ترتد آثاره إلى الدول المنتجة، من ناحية أخرى، فإن الأسعار المرتفعة للنفط تشحذ همم الدول المستوردة نحو البحث في كيفية إيجاد البدائل المحلية أو الرخيصة للنفط لتقليل تكاليف إنتاج الطاقة، وهو ما ترتد آثاره مرة أخرى إلى الدول المنتجة، والسعر المعقول للنفط هو الذي يضمن تأخير اكتشاف البدائل للنفط.
لكن هذه السياسة المتزنة قد تلقى معارضة من بعض الصقور داخل "أوبك"، الذين ينظرون تحت أقدامهم ويحاولون تعظيم عوائدهم في الأجل القصير، بغض النظر عن آثار الأسعار المرتفعة في صناعة النفط الخام على الأجل الطويل.

لماذا يزور أوباما معرضا لمشاريع طلاب مدرسة؟

نشرت "الاقتصادية" في باب "الحدث في صورة" صورتين للرئيس أوباما أثناء جولة في معرض لمشاريع طلاب مدرسة في مدينة مانور في ولاية تكساس، ترى ما الذي يجعل الرئيس الأمريكي، وهو رئيس أعظم دولة في العالم يهتم بزيارة معرض كهذا؟ بل يجد الوقت الكافي ليطلع بنفسه على ما أبدعت عقول الطلاب في المدرسة من مشاريع؟
إن ذلك يعكس إيمان الرئيس الأمريكي بأن قوة بلاده الحقيقية تعتمد أساسا على ما تجود به عقول المبدعين من مواطنيها في المراحل كافة والمؤسسات كافة، وأن الريادة الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة تعتمد أساسا على السبق الذي تحققه أمريكا في الابتكارات والاختراعات المختلفة، وأن ضمان تفوق أمريكا يقتضي أن تكون معدلات الابتكار فيها أسرع من أي دولة أخرى في العالم. فعلى مثل هذه المشروعات القائمة على البحث والتطوير تقوم نهضة أمريكا، وأن النشء من المبدعين ينبغي أن تقدم لهم الرعاية المناسبة ويحظوا بالاهتمام الكافي من جميع المسؤولين في أمريكا وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي نفسه، لأنهم مخترعو المستقبل.
ترى متى نرى في بلادنا شبابنا المبدع وقد قدمت لهم التسهيلات كافة التي تساعدهم على تحويل أفكارهم إلى ابتكارات ومنتجات ننافس بها باقي دول العالم؟ متى نؤمن بأن شبابنا المبدع هو سلاحنا وخطوط دفاعنا الأولى في مواجهة المنافسة الخارجية؟ ومتى نعطي مثل هذه الفرص لشبابنا المبدع ونسخِّر لهم ما يحتاجون إليه من إمكانات لتحقيق أحلامهم في النبوغ والإبداع؟

هل انتهت سياسات التقشف في منطقة اليورو؟

قبل عدة أيام استعرضت في زاوية ''مجرد تعليق'' في صحيفة ''الاقتصادية'' بعض التقارير الصادرة عن مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي ''اليوروستات''، التي عكست مدى عمق الأزمة التي تعاني منها منطقة اليورو في الوقت الحالي، حيث بلغ معدل البطالة مستويات قياسية جديدة، وتراجع معدل التضخم من 2.6 في المائة في نيسان (أبريل) 2012 إلى 1.2 في المائة فقط في نيسان (أبريل) 2013، وهو ما يعكس تراجع مستويات الطلب الكلي في المنطقة، وقد أشرت إلى أن مثل هذه النتائج السيئة تعكس سياسات التقشف التي تتبعها أوروبا في الوقت الحالي والتي ترتب عليها تراجع نسبة العجز المالي من 6.4 في المائة في 2009 إلى 3.7 في المائة فقط في 2012، والتي كما هو واضح أدت إلى التأثير سلبا في معدلات النمو ورفعت من ضغوط سوق العمل، حيث ارتفعت معدلات البطالة، في الوقت الذي لم تساعد فيه، كما كان يؤمل، على خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، والتي ارتفعت من 80 في المائة في عام 2009 إلى 90.2 في المائة في 2012.
للأسف فإن تنبؤات اللجنة الأوروبية حول اتجاهات البطالة في العام القادم لا تختلف تقريبا عن المعدلات الحالية، حيث توقعت اللجنة أن معدل البطالة المتوسط في منطقة اليورو سيظل أعلى من 12 في المائة خلال عام 2014، وقد أصبح من الواضح أن الحجة وراء استخدام السياسات التقشفية للحد من العجز المالي في دول اليورو تؤدي إلى نتائج كارثية على البطالة، مثلما حدث في اليونان وإسبانيا حيث تصل البطالة إلى أعلى مستوياتها.
منذ أكثر من ثلاث سنوات وسياسات التقشف المالي هي التي تسود عملية صناعة السياسة الاقتصادية في أوروبا، وذلك استنادا إلى الإيمان بأن السياسات الاقتصادية التي تؤدي إلى زيادة مستويات الدين العام هي سياسات غير مستدامة، وستنعكس لاحقا على مزيد من التراجع في النمو، مثل هذه النظرة الحديثة لدور التقشف في النمو تختلف تماما عن المنهج الكينزي لمعالجة مشكلة الركود، حيث غالبا ما تلجأ الحكومات إلى تعزيز مستويات الإنفاق العام على المشروعات العامة لمعالجة تراجع الطلب الكلي، ولكن أوروبا بدلا من ذلك كانت تسير عكس التيار من خلال اللجوء إلى التقشف كسياسة لمواجهة الأزمة.
الضغوط تتزايد اليوم على القادة في أوروبا، بمن فيهم ميركل، بالتركيز على السياسات التي تحقق النمو وفتح الوظائف، وليس على التقشف، غير أن وجهة النظر الألمانية تقوم على الاعتقاد بأن النمو القائم على نمو الدين هو نمو غير مستدام، ولكن من الواضح أن الإيمان بوجهة النظر هذه قد بدأ في التزعزع، أخذا في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية في الدول المدينة بصفة خاصة إسبانيا واليونان وإيطاليا وفرنسا والبرتغال. فالاقتصاد الفرنسي لم ينم في 2012، بينما حقق معدل نمو سالب في الربع الأول من 2013، كذلك يتوقع أن يتراجع النمو في ألمانيا بشكل كبير إلى أقل من 1 في المائة، في الوقت الذي يتوقع أن ينخفض النمو في إيطاليا بنسبة 1.5 في المائة.
الوضع في ألمانيا مختلف بعض الشيء باعتبار أن الظروف الاقتصادية لم تصل بعد إلى مستوى السوء نفسه الذي تعانيه الدول الأخرى، ولذلك تستمر ألمانيا في تأييد السياسات التقشفية، وهي سياسات أعتقد أن ألمانيا يمكن أن تتخلى عنها بسهولة مع أول صدمة نمو يمكن أن تتعرض لها أو مع تصاعد معدلات البطالة فيها على النحو الذي تواجهه الدول الأخرى في المنطقة.
لم تكن هذه التأثيرات لسياسة التقشف تقتصر فقط على الدول المدينة مثل مجموعة الـ PIIGS، وإنما أيضا امتدت لفرنسا ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ومنذ أن تم انتهاج هذه السياسة كنت أصف هذه السياسات التي تطبقها أوروبا بأنها الروشتة الخطأ، لأنها تؤدي إلى تعميق المشكلة وليس حلها، فما تحتاج إليه أوروبا في الواقع هو سياسات ترفع من قدرتها على مواجهة النمو في ديونها، وهذه السياسات بالتأكيد ليست التقشف، وإنما السياسات المحفزة للنمو، فبالنمو يتم فتح المزيد من الوظائف ومعالجة معدلات البطالة المرتفعة وتزداد قدرة الاقتصادات الوطنية على مواجهة أعباء الدين، وفي الوقت ذاته تساعد على تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي وهو الأهم.
منذ أن تم انتخاب هولاند رئيسا لفرنسا من نحو عام تقريبا، أخذت العلاقة مع المستشارة الألمانية ميركل في التحول حول سياسات التقشف، إذ يعارض هولاند هذه السياسة، وقد ثار جدل طويل بينهما حول مدى مناسبة سياسات التقشف في التعامل مع الأزمة، وكان ذلك من أهم العوامل التي تعكر صفو العلاقة بين القائدين، وبمرور الوقت أصبح من الواضح أن الفجوة تتسع بين ألمانيا وفرنسا حول كيفية معالجة الأزمة، فمع تراجع معدلات النمو في فرنسا قاد هولاند ووزير ماليته حملة ضد السياسات الألمانية لخفض الميزانية، وبعد أن كانت فرنسا الحليف الأول لألمانيا، فإن الأخيرة تنظر اليوم إلى فرنسا على أنها حليف ضعيف بسبب أوضاعها الاقتصادية الضعيفة وضعف أوضاعها المالية.
كان الاقتصاد الفرنسي يدفع ثمن هذه السياسات من نموه وتنافسيته في الوقت الذي لم تفلح فيه هذه السياسات في تمكين فرنسا من السيطرة على العجز المالي، إلى الحد الذي كانت فيه فرنسا معرضة للعقوبات من منطقة اليورو نتيجة لعدم التزامها بمستهدفات التقشف، حيث أخفقت فرنسا في الالتزام بالنسبة المتفق عليها للعجز إلى الناتج المحلي وهي 3 في المائة، إذ يتوقع أن يصل العجز إلى 3.9 في المائة هذا العام و4.2 في المائة في العام القادم، وكما هو واضح فإن فرنسا تعاني من العجز المزدوج أو التوأم، حيث بلغ العجز التجاري هذا العام يقارب 80 مليار دولار، الأمر الذي يعكس تراجع تنافسية فرنسا.
منذ فترة أعلن الرئيس هولاند بأنه سيضغط على ميركل لكي يتم تعديد أسلوب التعامل مع الأزمة في المنطقة وذلك بالبعد عن استخدام خطط التقشف مثل رفع مستويات الضرائب أو خفض الإنفاق العام والتي أدت إلى إضعاف اقتصاديات المنطقة، واحتفالا بمرور عام على تنصيبه رئيسا لفرنسا، أعلن هولاند عن عزمه تنفيذ حزمة إنقاذ تهدف إلى تحفيز النشاط الاقتصادي في فرنسا وذلك وسط تراجع شعبيته بصورة سريعة بعد توليه السلطة، نظرا للأوضاع المتردية للاقتصاد الفرنسي. خطة الإنقاذ تتمثل في إنفاق نحو 34 مليار دولار على مشروعات البنية التحتية خلال العقد القادم. بعض المراقبين يرى أن الحزمة المقترحة محدودة جدا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي، وأن تأثيرها المتوقع سيكون محدودا كذلك، ولتمويل هذه الحزمة ستستفيد فرنسا من حزمة الإنفاق على البنية التحتية التي أقرها الاتحاد الأوروبي في العام الماضي بنحو 120 مليار يورو، وذلك لتمويل مشاريع البنية التحتية.
من ناحية أخرى، فقد سمحت اللجنة الأوروبية الأسبوع الماضي لفرنسا بأن تخالف المستهدفات الخاصة بالعجز للسنتين القادمتين بسبب الوضع الاقتصادي السيئ حاليا، وكذلك التوقعات السيئة لمسار الاقتصاد في المستقبل، وهي الخطوة التي نظر اليها المراقبون على أنها نقطة تحول مهمة في حزمة السياسات الاقتصادية التي تطبقها منطقة اليورو للتعامل مع الأزمة، ولذلك خرج وزير المالية الفرنسي ليعلن أن مرحلة التقشف المالي قد انتهت، بعد أن عرض رفيقه الألماني وكذلك الاتحاد الأوروبي إمكانية السماح بقدر أكبر من المرونة لفرنسا في عمليات تخفيض العجز المالي، كما أعرب عن أن ذلك يعكس نهاية الاعتقاد بأن التقشف هو الأداة التي يمكن من خلالها معالجة أزمة الديون السيادية لمنطقة اليورو، وأن سياسات التقشف تعطل النمو.
بعد الخطوة التي تمت لصالح فرنسا دخلت إيطاليا على الخط من منطلق أنه إذا ما تم السماح لبعض الأعضاء في المنطقة بتجاوز المستهدفات الخاصة بالعجز، فلماذا لا تمنح إيطاليا هذه الميزة، وهي حجة لا يمكن الجدل ضدها؟ يقول رئيس الوزراء الإيطالي أن أي يورو يتم إنفاقه على الدين لا يتم استثماره في فتح الوظائف أو في التعليم أو البحوث .. إلخ، ولذلك فإن منطقة اليورو بجانب التزامها بوضع مالي مستدام، فإنها أيضا تحتاج إلى اللجوء إلى إجراءات تدعم النمو لمعالجة مشكلة البطالة، بصفة خاصة بين الداخلين الجدد إلى سوق العمل والتي بلغت نسبا تاريخية في الكثير من دول منطقة اليورو. فهل بالفعل انتهت سياسات التقشف في منطقة اليورو؟ سؤال ستجيب عنه الأيام المقبلة.