الأربعاء، ديسمبر ٣١، ٢٠٠٨

المشاريع الكبرى في الكويت تتهاوى الواحد تلو الآخر

منذ فترة طويلة وهناك جدل كبير بين مؤيد ومعارض لصفقة الداو، والتي تعد أحد المشاريع الإستراتيجية التي عقدتها دولة الكويت مع شركة داو كيميكال في مجال الصناعة النفطية. والمشروع في حد ذاته، بغض النظر عن ما دار حوله من ملاحظات، كان خطوة هامة في سبيل تطوير الصناعة النفطية في دولة الكويت، لو تم عقد الصفقة بصورة تعظم عوائد الكويت وتدني أعباءها من المشروع، ولو تم دراسة المشروع من قبل فريق فني وطني متمرس.

بعد إلغاء مشروع المصفاة الرابعة تلغى الكويت اليوم صفقة مشروع الداو، تحت ضغط نيابي كبير ودفاع مستميت من الوزير المعني، حيث اختارت الحكومة الطريق الأسهل متبعة في ذلك المثل الشعبي الذي يقول "الباب اللي يجي لك من الريح سده واستريح". وهكذا يتهاوى ما سبق أن أعلنت عنه الحكومة من مشروعات كبرى واحدا بعد الآخر. ولكن إذا كان مشروعا ما مثل المصفاة الرابعة أو الداو به عيوبا قانونية، أو يحمل غبنا على الكويت، أو به عيوب فنية فادحة فهل الحل يكون بإلغاء الصفقة؟.

الإجابة هي بالطبع لا، فلن يخلو أي مشروع من المشروعات الضخمة من عيوب، ولا يوجد في العالم ذلك المشروع الكامل المتكامل، حتى في أعتى الدول الصناعية، الذي يخلو من العيوب. وإذا كان التعامل مع الأمور يتم بهذه الصورة، فلن يتم إقرار أي مشروع تنموي في دولة الكويت، لأن أي مشروع لن يخلو من عيوب يستند إليها أي طرف للمطالبة بإلغاء المشروع، بل وستتأثر سمعة الكويت الدولية في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث ستحجم الشركات الدولية عن الدخول في اتفاقيات مع الكويت لعقد مثل تلك المشروعات المشتركة، طالما انه ليس هناك ضمانة في أن يتم إقرار تلك المشروعات، أو يسهل إلغاءها بجرة قلم، بل وسيحرص كل من يتفاوض مع الدولة أن يضع شرطا جزائيا كبيرا ليضمن بذلك أن جهوده في التفاوض لن تذهب سدى.

الإجراء الطبيعي الذي كان يجب على الحكومة القيام به هو تجميع كافة الملاحظات على المشروع، وتشكيل فريق فني لدراسة تلك الملاحظات في ضوء العقد المبرم مع الشركة وفي ظل التزامات الكويت في العقد، وإعداد الرد الفني المناسب عليها، فإذا ما ثبت صحة تلك الملاحظات يتم إعادة التفاوض مع الشركة المعنية في ضوء التقرير الفني، وإذا ما ثبت عدم صحة تلك الملاحظات يتم السير في إجراءات تنفيذ المشروع، مع إطلاع كافة الإطراف بشفافية تامة على نتيجة التقارير الفنية، أما أن يلغى المشروع بجرة قلم فانه بلا شك هدر للجهود التي بذلت في سبيل دراسته والتفاوض عليه، وإضاعة فرصة هامة لتنفيذ احد المشروعات العملاقة، فضلا عن إساءته الشديدة لسمعة الكويت في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر.

ما هو الحل إذن؟ من المؤكد أن الحل لا يكون بإلغاء المشروعات أو الصفقات الكبرى، وإنما بتطوير فريق وطني متمرس يتسم بأعلى درجات المهنية في التفاوض لديه القدرة على عقد الصفقات ودراستها من كافة جوانبها الفنية والقانونية والإدارية والاقتصادية والتسويقية والبيئية وبحيث يمكن تحقيق أعلى المكاسب لدولة الكويت من أي مشروع تموله أو تساهم فيه، وتتدنى تكاليف وأعباء تلك المشروعات على الدولة إلى أدنى حد، ووضع بدائل للتعامل مع أوجه العيب أو النقص في تلك المشروعات.

إذا استمر الوضع بهذا الشكل وأصبح كل مشروع استراتيجي عرضة للإلغاء بسبب عيوبه، فلن تقيم الدولة مشروعا واحدا، لأنه لا يوجد مشروع بدون عيوب، وعلينا أن نتعامل بدرجة عالية من الرشد الاقتصادي في الحكم على المشروعات وان نقبل بقدر ما من التكلفة في سبيل أن تدور العجلة. أما أن تلغى المشروعات بهذا الشكل فان التنمية لا محالة في سبيلها إلى الشلل.

الثلاثاء، ديسمبر ٢٣، ٢٠٠٨

الآوبك تفقد سيطرتها على الاسعار

نشر في جريدة القبس بتاريخ 16/12/2008
بدءا من عام 2003 حتى يوليو 2008 كانت أسعار النفط الخام قد ارتفعت بأكثر من 300%، مدعومة بمعدل نمو عالمي قياسي والتي سادت العالم خلال هذه الفترة، وباتجاهات المضاربة على الأسعار نحو الارتفاع والتي جعلت من تلك السلعة مجالا للاستثمار، فضلا عن عرض مقيد إلى حد كبير ببلوغ الطاقة الإنتاجية للدول الأعضاء في الأوبك إلى مستوياتها القصوى.

غير أن أسعار النفط قد تعرضت لانتكاسة حادة مع تعرض العالم لأسوأ أزمة مالية مر بها منذ أزمة 1929 في القرن الماضي والتي أدت إلى خفض الطلب العالمي على النفط الخام، مما أدى إلى انهيار أسعار النفط من حوالي 150 دولارا للبرميل في يوليو 2008 إلى أدنى مستوى لها حاليا في السنوات الأربع الأخيرة حيث لامست الأسعار حدود الـ 40 دولارا للبرميل الشهر الماضي. ويمثل الانخفاض الحاد في الأسعار نهاية لفترة انتعاش تاريخية شهدتها أسعار النفط في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتعكس المستويات الحالية للأسعار الطبيعة التطايرية لسوق هذه السلعة الحيوية عالميا. وقد اعترفت الأوبك بقلة سيطرتها على التقلبات السعرية في أسعار النفط العالمي الخام، على الرغم من أن حصة الأوبك تصل إلى حوالي 40% من السوق العالمي للنفط الخام. وقد اتخذت الأوبك قرارا في أكتوبر الماضي بخفض حصص الانتاج للدول الأعضاء، وفي نوفمبر فشلت الأوبك في التوصل إلى اتفاق على خفض إضافي للحصص، وتم الاتفاق على تأجيل خفض الحصص في اجتماع الجزائر في 17 ديسمبر القادم.

من الواضح أن الأوبك تعاني من مشكلات هيكلية داخلية تهدد تماسكها كأقوى تكتل للمنتجين في العالم، وهناك من الشواهد ما يشير إلى أن سيطرة الأوبك على الأسعار شبه مفقودة تقريبا. وتشير التطورات الحادثة في مستوى النشاط الاقتصادي والعرض العالمي من النفط والطلب عليه فضلا عن مستويات المخزون أن زمام السيطرة على أسعار النفط الخام قد يفلت من يد الأوبك، وربما ينتهي الأمر بأن تصبح الأوبك تكتلا بلا فاعلية كما حدث عدة مرات في الماضي.

ويقف وراء الانخفاض الحالي في الأسعار عاملين رئيسيين هما:

الأزمة الاقتصادية العالمية

يعاني العالم الآن من انكماش ربما يكون الأعمق منذ الأزمة العالمية في 1929، فأسعار السلع التجارية أخذت في الانخفاض بشكل واضح، كذلك انخفضت أسعار المساكن وكذلك أسعار الأسهم في كافة أسواق المال في العالم. فقد انخفضت أسعار النفط الخام بحوالي 75%، من أعلى سعر لها في 2008، كما انخفضت أسعار القمح بحوالي 60% من أعلى أسعار لها في 2008، كذلك انخفضت أسعار المساكن بحوالي 20%، كما قضى انخفاض أسعار الأسهم على جانب كبير من ثروات المتعاملين، وهو ما يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك من خلال ما يعرف بأثر الثروة. ووفقاً لأحدث تقرير صدر عن البنك الدولي بعنوان "الآفاق الاقتصادية العالمية 2009"، فإن الاقتصاد العالمي يمر في الوقت الراهن بمرحلة انتقالية بعد فترة طويلة من النمو القوي، إلى حالة من عدم اليقين والغموض الناجم الآثار الشديدة التي ألحقتها الأزمة المالية في البلدان المتقدمة بالأسواق العالمية. ويتوقع التقرير أن ينمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 2.5% فقط في عام 2008 و 0.9% في عام 2009. ومن المرجح أن يبلغ معدل النمو في البلدان النامية 4.5% في العام القادم مقابل 7.9% في عام 2007، في حين ستشهد البلدان المرتفعة الدخل تحقيق نمو سلبي، مع توقع حدوث انكماش في حجم التجارة الدولية بنسبة 2.1% في عام 2009. جميع هذه المؤشرات تشير إلى تراكم الضغوط على الاسعار نحو الانخفاض.

وعلى الرغم من أن هذا الانخفاض في الأسعار قد يبدو جيدا للمستهلك، إلا انه يحمل معه مخاطر أن يدخل الاقتصاد العالمي في حلزون الانكماش السعري الذي يعمق من احتمالات الركود الاقتصادي العالمي. وهناك عدة أسباب تقف وراء هذا الحلزون الانكماشي في الأسعار، منها تخمة العرض في الأسواق التي تدفع بالأسعار نحو الانخفاض، وهو أمر ملحوظ في أسواق النفط والعقار والمواد الخام والسيارات والأسهم وغيرها من الأصول. وعندما تميل الأسعار نحو الانخفاض فإنها تؤدي إلى تأثير سلبي على إنفاق المستهلكين من خلال اثر التوقعات الانكماشية، حيث يميل المستهلكين نحو إنفاق قدر اقل إما خوفا من احتمال فقدانهم لوظائفهم في المناخ الانكماشي، أو لتوقعهم انخفاض الأسعار بشكل أكبر في المستقبل، ومن ثم فان الاستهلاك المستقبلي يكون أرخص بالنسبة لهم. وفي ظل هذه الأوضاع يميل الإنفاق الاستهلاكي نحو الانخفاض، وهو ما يؤثر سلبا على الإنفاق الاستثماري ومن ثم مستويات النمو الاقتصادي.

ومما لا شك فيه أن مكافحة استدامة الانكماش سوف تحتاج إلى تحرك حكومي واسع وسريع على مستوى العالم، بصفة خاصة من قبل دول العشرين لمجابهة احتمال دخول العالم مرحلة من الركود الاقتصادي الطويل الأمد. فالبنوك المركزية في دول العالم تضخ المزيد من السيولة في اقتصادياتها كما تشجع كل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري من خلال خفض معدلات الفائدة الاسمية، على سبيل المثال تم خفض معدل الفائدة بين البنوك في الولايات المتحدة إلى 1%، وقد أعلن برنانكي أن معدلات الفائدة في الولايات المتحدة من الممكن أن تنخفض بشكل أكبر، أي تصل إلى مستوى الصفر. غير انه في ظل هذه الأوضاع وميل معدل الفائدة الاسمي إلى أن يصل إلى أرضيته وهي الصفر، فان هناك احتمال أن يدخل الاقتصاد العالمي في مصيدة الانكماش. ذلك أن معدل الفائدة الحقيقي (معدل الفائدة الاسمي مطروحا منه معدل التضخم)، قد يصبح موجبا مع تحول معدلات التضخم إلى معدلات سالبة، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة الحقيقية عن المستويات اللازمة لاستعادة مستويات النشاط الاقتصادي إلى مستوياتها التوازنية أو المستهدفة، ومع ميل معدل التضخم نحو الانخفاض أكثر فأكثر فان معدل الفائدة الحقيقي يرتفع تبعا لذلك وهو ما يدخل الاقتصاد في ما يسمى بمصيدة الانكماش. على سبيل المثال فان الاقتصاد الياباني دخل في مصيدة الانكماش ولفترة طويلة خلال التسعينيات على الرغم من أن أسعار الفائدة كانت مساوية للصفر تقريبا، وهي مصيدة يصعب الخروج منها من خلال الإجراءات الكلاسيكية للسياسة النقدية. إذ لا بد في هذه الحالة من تحفيز الاقتصاديات من خلال السياسة المالية أو خلق مناخ يعكس التوقعات الانكماشية إلى توقعات تضخمية تدفع بمعدل الفائدة الحقيقي نحو الانخفاض إلى المستويات اللازمة لإنعاش الطلب الكلي.

ولكن هل يدخل العالم هذه المصيدة الانكماشية، المحللون يؤكدون أن العالم لن يدخل هذه المصيدة خصوصا في ضوء الدروس المستفادة من الكساد العالمي الكبير، ومن الأزمة اليابانية في التسعينيات حول مصيدة الانكماش، وأن البنوك المركزية في العالم ما زال لديها العديد من الأسلحة التي لم تستخدم بعد لمواجهة الاتجاه الانكماشي لاقتصادياتها.

على أي حال فان انخفاض النمو العالمي سوف يعني أن الطلب على النفط الخام سيكون اقل بكثير من المتوقع، ويقدر أن حجم الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية قد انخفض بحوالي 2 مليون برميل يوميا حاليا، وكذلك الحال في الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى اتساع الفجوة بين العرض العالمي من النفط والطلب عليه والتي أخذت في الاتساع مع انخفاض الطلب العالمي على النفط كما يوضح الشكل التالي.

الطلب والعرض العالمي من النفط 2004-2008

المصدر: وكالة الطاقة الدولية 2008

ارتفاع المخزون الاحتياطي لدى الدول الصناعية

حيث تشير البيانات المتاحة إلى تراكم مستويات المخزون لدى دول العالم الصناعي بصفة خاصة الولايات المتحدة، وقد ساعد ارتفاع مستويات المخزون على الضغط على الأسعار نحو الانخفاض، وعلى ذلك فان عدم خفض الإنتاج الآن من جانب الأوبك يحمل مخاطر جمة بالنسبة لتوازن السوق العالمي للنفط، وأهم تلك المخاطر هو تمكين الدول الصناعية من رفع مستويات مخزونها الاحتياطي إلى حوالي 60 يوما، وهو مستوى كفيل بسحق أسعار النفط الخام في السوق الحاضر. والجدير بالذكر أن المستويات الحالية للمخزون تماثل ذلك المستوى الذي انهارت عنده أسعار النفط إلى 11 دولارا للبرميل في ديسمبر 1998. إن مستويات المخزون في الدول الصناعية وفقا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ربما تصل إلى 56 يوما في أكتوبر من هذا العام. ومما لا شك فيه أن ارتفاع مستويات المخزون يجعل من مهمة رفع أسعار النفط مسألة صعبة بالنسبة للأوبك. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تنخفض مستويات المخزون الاستراتيجي لدى الدول الصناعية في الشتاء الحالي، إلا أن تراجع مستويات الطلب للأغراض الصناعية ربما يقلل من تأثير فصل الشتاء على أسعار النفط.

المخزون الاستراتيجي من النفط لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (م برميل)
2008

المصدر: وكالة الطاقة الدولية

إن تراجع مستويات الأسعار بالشكل الحالي يخلق العديد من الضغوط على دول الأوبك والتي تهدد تماسكها كتكتل للمنتجين وتعقد مهمة محاولة السيطرة على الأسعار. وتأتي تلك الضغوط من عدة أوجه أهمها:

الضغوط المالية

يعتمد معظم منتجو الأوبك على إيراداتهم من النفط في تمويل برامج الإنفاق العام، وقد بنيت خطط الإنفاق الحالية في معظم هذه الدول على أساس أسعار مرتفعة للنفط، على سبيل المثال تم وضع الميزانية الروسية على أساس سعر 90 دولارا للبرميل، بينما تم وضع الميزانية الفنزويلية على أساس سعر 60 دولارا للبرميل في 2009، وكذلك الحال بالنسبة لباقي دول الأوبك. وللأسف فان سعر النفط اللازم لتوازن ميزانيات دول الأوبك قد ارتفع كثيرا في خضم فورة الإنفاق التي عمت تلك الدول في السنوات الأخيرة مدفوعة بالأسعار الاستثنائية للنفط الخام، ومن الواضح أن الميزانيات العامة لجميع الدول سوف تعاني حتى لو تحدثنا عن معدل 60 دولارا للبرميل.

ويحدث ميل أسعار النفط نحو الانخفاض، ومن ثم الإيرادات النفطية نحو التراجع، آثارا سلبية على ميزانيات الدول المصدرة. على سبيل المثال أعلن الرئيس أحمدي نجاد أن انخفاض أسعار النفط سوف يجبر إيران على تخفيض الإنفاق على نطاق واسع، ووقف جانب من المشروعات التي تنفذها البلاد، وربما تضطر إيران إلى خفض الدعم وزيادة الضرائب. وهو ما يضيف إلى مجموعة المشاكل الأساسية التي تعاني منها البلاد بصفة خاصة البطالة والتضخم. وفي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس نجاد انتقادات متزايدة بسبب أداءه الاقتصادي، خصوصا بالنسبة لمعدلات التضخم المرتفع. إيران هي ثاني اكبر دول الأوبك تصديرا للنفط، وتعتمد بشكل واضح على الإيرادات النفطية، على الرغم من تنوع مصادر الدخل في إيران، إلا أن حوالي 80% من الإيرادات الخارجية للدولة تأتي من خلال مبيعات النفط الخام. وبسبب الارتفاع الكبير في حجم الإنفاق العام في إيران فان سعر النفط اللازم لتوازن الميزانية ربما يزيد عن 80 دولارا، في الوقت الذي تحتاج فيه الدولة إلى إعادة تقييم برامج الإنفاق فيها لتتوافق مع الأسعار المنخفضة بشكل كبير عن هذا المستوى، ومن المتوقع أن تنخفض أعداد المشروعات التي تنفذها الدولة، خصوصا في مجال الخدمات العامة، مثل المياه والكهرباء، وكذلك في مجالي النفط والغاز. من ناحية أخرى فان خفض الدعم ربما يرفع معدل التضخم بشكل كبير في إيران. تضيف أسعار النفط المنخفضة بعدا إضافيا للمشاكل الاقتصادية للدولة، بصفة خاصة عجز الميزانية. في حال استمرار العجز فان الدين الخارجي للدولة سوف يرتفع، وهو يصل حاليا إلى حوالي 30 مليار دولارا. وللأسف فان الاقتصاد الإيراني ربما يكون الاقتصاد الوحيد في المنطقة الذي لم يكون احتياطيات نقد أجنبي ضخمة في ظل الأسعار المرتفعة للنفط.

من ناحية أخرى فان الضغوط المالية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط أصبحت تهدد الآن برامج الإنفاق الاشتراكي لفنزويلا، والذي أعلنت عن احتمال حدوث عجز كبير في الميزانية في ظل الأسعار الحالية وفي ظل التزام الرئيس شافيز بنهجه الاشتراكي.

كذلك أعلنت الكويت عن مراجعة خطتها الخمسية نظرا لتراجع أسعار النفط مما يؤثر على توقعات وضع الميزانية العامة للدولة ومعدل النمو المستهدف في الخطة.

ضغوط الاستثمارات الجديدة

تحتاج خطط الاستثمار في تطوير مصادر جديدة للنفط الخام إلى معدلات مرتفعة للأسعار تبرر الإنفاق المتزايد والتكلفة المرتفعة لإنتاج النفط من تلك المصادر الجديدة للعرض. على سبيل المثال قامت شركة شل بتخفيض خططها الرامية إلى استغلال الرمال النفطية الكندية بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاء، حيث يقتضي الأمر أن تكون أسعار النفط في حدود 80 دولارا للبرميل لكي يكون الاستغلال تجاريا.

من ناحية أخرى فان دول الأوبك قد وجهت استثمارات ضخمة في مجال توسعة تسهيلات الإنتاج بها، والتي كان من المفترض أن تضيف 2.5 مليون برميل يوميا في خلال الـ 12 شهرا القادمة. مثل هذه الأوضاع تضيف ضغوطا أكبر على دول الأوبك في الالتزام بأي صيغة لتخفيض حصص الإنتاج، ذلك أن ميزانيات الاستثمار في مجال التسهيلات الإنتاجية الإضافية لا بد وان تحقق عوائد تبرر تلك النفقات، وفي حال تخفيض الإنتاج فان تلك التسهيلات الإنتاجية الجديدة لا بد من إغلاقها، أو تخفيض مستويات الضخ منها، وهو ما يمثل خسارة لعوائد تلك الاستثمارات في تلك الدول.

عدم التزام الأعضاء بقرارات الأوبك

هناك شك حاليا في أن أعضاء منظمة الأوبك يلتزمون بتعهداتهم بالنسبة للقرارات الخاصة بحصص الإنتاج من قبل الأوبك. على سبيل المثال فان وزير النفط السعودي تمنى بأن يلتزم أعضاء الأوبك في الاجتماع القادم في الجزائر على الأقل بنسبة 80% من الخفض المستهدف في أكتوبر 2008، في إشارة إلى أن الأوبك لم تحقق حتى الآن تعهداتها، وانه ربما يحقق الأعضاء حاليا حوالي 60% من تعهداتهم بالنسبة للخفض الأول في الإنتاج، ربما انتظارا لكي تتحمل المملكة العربية السعودية النصيب الأكبر من تلك التخفيضات. ومن الناحية التاريخية، كانت المملكة العربية السعودية هي أكبر من يتحمل أعباء سياسات الخفض في الأوبك، بصفة خاصة عندما كانت تلعب دور المنتج المكمل في الثمانينيات.

فقدان الثقة المتبادل هو الوباء التقليدي لاتحادات المنتجين، خصوصا في أوقات انحسار الطلب. فمن الممكن أن يتم إقرار تخفيضات الإنتاج، ولكن هل تلتزم الدول الأعضاء بهذا التخفيض في الحصص؟ الاحتمال الأكبر انه في ظل ضغوط الميزانية وضغوط الإنفاق الاستثماري في الطاقات الفائضة إلا يتم الالتزام بالحصص سوى في العلن، وتعود دول الأوبك مرة أخرى إلى سابق عهدها بالتعامل وفقا لما يعرف بصفقات ما تحت المنضدة.

وفي ظل ظروف عدم التأكد من التزام الدول الأعضاء بخفض الحصص الذي تم إقراره في أكتوبر 2008، صرح النعيمي وزير النفط السعودي انه ربما لا تحتاج المنظمة لأي تخفيض إذا بلغت درجة الالتزام 80% للخفض الذي تم إقراره سابقا. وقد كان ذلك احد الأسباب التي دعت إلى عدم إقرار أي خفض اضافي في الحصص في اجتماع القاهرة، بسبب عدم توافر معلومات عن مدى التزام الأعضاء نحو التخفيض الذي تم بمقدار 1.5 م برميل يوميا في اكتوبر. ربما هدفت السعودية في اجتماع القاهرة أيضا إلى الضغط على الأسعار بشكل اكبر لكي تجبر الأعضاء على الالتزام بأي تخفيض مستقبلي. وقد كان اجتماع الأوبك في القاهرة كارثيا بكافة المعايير، خصوصا بالنسبة لتوافق الدول الأعضاء حول استرايتجية محددة لحماية الأسعار، مثل هذا الوضع شبه المفكك يفتح الباب على مصراعيه أمام انخفاض الأسعار على هذا النحو الذي نشاهده الآن.

تعاون الدول غير الأعضاء

يوما بعد يوم تتزايد الاكتشافات النفطية خارج محيط الأوبك حتى أصبح العديد من الدول المصدرة للنفط خارج الأوبك ينتج ويصدر كميات أكبر من تلك التي تتم من قبل بعض أعضاء الأوبك، ونتيجة لذلك تراجعت حصة الأوبك في سوق النفط الخام بمرور الوقت، وفي ظل هذه الأوضاع يصبح من الصعب على الأوبك أن تعمل على ضمان استقرار السوق العالمي للنفط الخام بدون تعاون الأعضاء من خارج الأوبك. وقد تمنى رئيس منظمة الأوبك شكيب خليل وزير النفط الجزائري أن يلتحق بعض المنتجين الأساسيين للنفط من خارج الأوبك مثل روسيا والنرويج بمنظمة الأوبك، أو على الأقل أن يوافقوا على التعاون مع الأوبك على تخفيض مستويات إنتاجهم للتحكم في الأسعار. وعلى الرغم من تلاقي المصالح بين الأوبك والدول غير الأعضاء، إلا أن التزام الدول خارج الأوبك باستراتيجيات الأوبك يعد أمرا مكلفا على الأقل من الناحية المالية للدول غير الأعضاء.

من ناحية أخرى هناك شكوى من أعضاء منظمة الأوبك أن خفض الحصص الذي يقومون به للدفاع عن الأسعار العالمية للنفط ينتهي في غير صالحهم، حيث يترتب على ذلك فقدانهم لحصص سوقية لصالح المنتجين من خارج الأوبك. وهو موقف يزداد سوءا مع تراجع الحصة العالمية للأوبك في سوق النفط العالمي لصالح المنتجين من خارج الأوبك. وهناك سعي أساسي للتعاون مع المنتجين من خارج الأوبك لكي تتخذ هذه الدول إجراءات لخفض مستويات الإنتاج لديها لوقف الاتجاه التنازلي للأسعار. حيث من المحتمل أن يترتب على قرار الأوبك بخفض الإنتاج زيادة الإنتاج من خارج سعيا وراء تعويض النقص في الإيرادات الناجم عن انخفاض أسعار النفط من خلال زيادة الكمية المصدرة من النفط. في ظل هذا السيناريو سوف تستمر الأسعار في التراجع لا محالة.

ومن الأمور المبشرة أن روسيا قد أعلنت عن استعدادها للتعاون مع الأوبك للحفاظ على استقرار الأسعار، وتعد روسيا ثاني اكبر منتح للنفط بعد المملكة العربية السعودية، ويعد الالتزام الروسي مهم جدا لتوازن السوق العالمي للنفط الخام. غير أن النرويج خامس منتج للنفط في العالم والتي كانت قد اشتركت مع الأوبك من عشر سنوات مضت في خفض الإنتاج، يبدو أنها غير مستعدة هذه المرة لتلبية دعوة الأوبك للتعاون.

تحسن الأوضاع الأمنية في العراق

اضطربت إمدادات النفط الخام من العراق بشكل واضح مع بدء الحرب بين العراق وإيران، وما تلاها من اضطرابات سياسية في منطقة الخليج بلغت ذروتها في أعقاب إعلان الرئيس الأمريكي الحرب على العراق في 2003. وخلال تلك الفترة الطويلة لم يتمكن العراق من استغلال طاقاته الإنتاجية الكامنة في الإنتاج والتصدير، وقد بدأت الأوضاع الأمنية للعراق في التحسن بشكل واضح أخيرا، وهو ما قد يساعد على ضخ كميات اكبر تتوافق مع القدرة الإنتاجية الكامنة لهذه الدولة المنتجة للنفط، الأمر الذي سيضيف من الضغوط على الأوبك، خصوصا وان العراق كعضو للأوبك مستثنى من الالتزام بقرارات الأوبك حول خفض حصص الإنتاج.

هل السعر المنخفض للنفط أمر جيد للعالم

قد ينظر إلى الأسعار المنخفضة للنفط على أنها أمر جيد بالنسبة للمستهلكين، بصفة خاصة الدول الفقيرة، إلا أن استمرار انخفاض أسعار النفط يترتب عليه عدد من الآثار الخطيرة والتي يمكن أن تضر بتوازن السوق على المدى الطويل. فقد ترتب على انخفاض أسعار النفط تراجع الاستثمار في مجال الاكتشافات الجديدة للنفط، وهو ما قد ينذر بتخفيض الإمدادات المستقبلية، كذلك فان الأسعار المنخفضة للنفط لها عدة آثار أخرى أهمها أنها تعطل الجهود المبذولة في مجال التكنولوجيا المدخرة للطاقة، الأمر الذي يزيد من الاعتماد على النفط وغيره من المصادر الهيدروكربونية والتي تزيد من الغازات الضارة بالبيئة. وتشير وكالة الطاقة الدولية أن العالم يحتاج إلى حوالي 26 مليار دولار من الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة على مدى العشرين عاما القادمة للتأكد من توفير احتياجات العالم من الطاقة، وفي ظل الأوضاع الحالية لأسعار النفط يصعب إنفاق مثل هذا المبلغ.

معنى ذلك أن السعر المنخفض للنفط الخام يضع العالم في وضع حرج، حيث أن للنفط الرخيص آثارا هامة على الصناعة أهمها أنه يؤثر بشكل كبير على استقرار السوق في الأجل الطويل، خصوصا إذا علمنا أن هناك كميات هائلة من النفط مرتفع التكاليف يمكن للعالم استخراجها والاستفادة منها مثل نفط أعماق المحيطات، ونفط الرمال النفطية الكندية، أو نفط المجال القطبي في روسيا، كافة هذه المصادر توفر كميات هائلة من النفط، إلا أن المشكلة الأساسية التي تواجهها هي أنها تحتاج إلى أن يكون سعر النفط مرتفعا بالقدر الذي يبرر التكاليف المرتفعة للإنتاج من مثل هذه المصادر. الأسعار الحالية للنفط تهدد الإنتاج من هذه المصادر، وعملية تطويرها وتنميتها لكي تكون جاهزة لسد الفجوة في العرض في مصادر الطاقة في المستقبل.

ما هو السعر العادل للنفط

مما لا شك فيه أن هناك اختلافا كبيرا حول ما يقصد به السعر العادل للنفط، ومن الناحية الفنية فإن السعر العادل للنفط يجب أن يتوافق مع التكلفة الحدية لإنتاج وحدات الطاقة البديلة للنفط، بما يعكس الندرة الحقيقية للنفط. وترى وكالة الطاقة الدولي أن سعر النفط لا بد وأن يكون مرتفعا بالمستوى الذي يضمن استدامة الاستثمارات في مجالات الطاقة الجديدة، بما في ذلك عمليات التنقيب في أعماق البحار. على سبيل المثال تبلغ تكلفة إنتاج البرميل من النفط من المياه العميقة في خليج المكسيك حوالي 90 دولارا للبرميل.

غير أن الأسعار السوقية تتحدد وفقا لاتجاهات قوى العرض والطلب واتجاهات التوقعات المستقبلية بما فيها اتجاهات المضاربة. وليس هناك اتفاقا واضحا بين أعضاء الأوبك حول ما هية السعر العادل للنفط. فقد أعلن الرئيس الفنزويلي شافيز عن رغبته في أن تتخذ الأوبك تدابير تحمي سعر النفط بين 80 – 100 دولارا للبرميل. من ناحية أخرى فقد أعلن الملك عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في حديثه إلى جريدة السياسة الكويتية أن سعر 75 دولارا للبرميل يعد سعرا عادلا للنفط. وقد أوضح النعيمي وزير النفط السعودي لاحقا أن هذا السعر يشجع الإنتاج الجديد من المصادر الهامشية ذات التكاليف المرتفعة.

المملكة العربية السعودية كانت دائما تفضل الأسعار المعتدلة للنفط، وربما يكون 75 دولارا للبرميل سعرا مرتفعا بالقياس إلى الاتجاه العام لأسعار النفط في الماضي. مغزى الرسالة السعودية هي أنها إشارة إلى المستهلكين بان الأسعار المنخفضة للنفط لا يمكن أن تستمر لفترات طويلة بدون أن تتأثر الطاقة الإنتاجية للنفط في الدول المصدرة بفعل تراجع خطط تنمية الإنتاج. ومن الواضح أن السعودية أيضا لا تريد أن ترى الاقتصاد العالمي المتداعي أصلا يضار من جراء الأسعار المرتفعة للنفط. ولكن ما لم تتحرك الأوبك فان أسعار النفط سوف تواصل الانخفاض، وربما تنهار في ظل اختلاف وجهات النظر بين صقور وحمائم الأوبك.

في ظل الأوضاع الحالية، وفي ظل غياب أي إستراتيجية واضحة للأوبك حول السعر المستهدف وفي ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية يبدو أن السعر المستهدف من قبل السعودية، 75 دولارا للبرميل، قد يكون هدفا صعب المنال. ومن الواضح أن السبيل الوحيد أمام الأوبك الآن للدفاع عن الأسعار هو خفض الإنتاج. إلا أن مسألة خفض الإنتاج كانت ومازالت مهمة صعبة التحقيق بالنسبة للأوبك، والتي تميل إلى أن تكون فعالة فقط عندما يكون الطلب مرتفعا على النفط الخام. وعلى ذلك ربما يظل سعر الـ 75 دولارا للبرميل هدفا صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية والضعف الكامن في الأوبك. من ناحية أخرى فإن التنبؤات المستقبلية لسعر النفط الخام في إطار سوق NYMEX futures market للنفط لا تضع سعرا للنفط يقترب من 75 دولارا حتى عام 2012، انظر الشكل التالي.

تنبؤات سوق نيويورك لتبادل السلع التجارية: السوق المستقبلي للنفط الخام
دولار أمريكي المصدر:
http://www.nymex.com/lsco_fut_csf.aspx

مخاطر عدم تماسك الأوبك

إذا استمرت أسعار النفط الخام في اتجاهها النزولي، فان عجز الميزانيات العامة للدول النفطية سوف يكون رهيبا، أخذا في الاعتبار مستويات الإنفاق العام حاليا في هذه الدول، إلى الحد الذي سيستنزف احتياطيات تلك الدول بشكل سريع في ضوء أحادية مصادر الإيرادات العامة الذي تعاني منه معظم هذه الدول. إذا تحقق هذا السيناريو فان وحدة أعضاء الأوبك التي شهدها العالم منذ أوائل القرن الواحد والعشرين مهددة بالتفكك، فمن المعلوم نظريا أن تكتلات المنتجين، مثل الأوبك، تكون فعالة فقط في أوقات زيادة الطلب عن العرض، حيث يسهل السيطرة على السوق من جانب تكتل المنتجين. أما في أوقات زيادة العرض، فان أعضاء التكتل يميلون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال التنصل من التزاماتهم أمام اتحاد المنتجين فيما يتعلق بحصص الإنتاج، خصوصا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها ميزانيات الدول الأعضاء في التكتل.

ويقف العالم أجمع حاليا في انتظار قرارات الأوبك حول حصص الإنتاج، والذي يبدو أنه لن يكون قرارا سهلا، سواء من حيث الإقرار، وبدرجة أكبر من حيث التطبيق. وفي ظل التحليل السابق، من الواضح أن أسعار النفط سوف تستمر في الانخفاض إذا فشلت الأوبك في تحقيق خفض فعلي قوي في المعروض من النفط، وليس خفضا على الورق. من ناحية أخرى فان استمرار حالة الركود التي يعاني منها العالم الصناعي اليوم تعني أن الضغوط على النفط سوف تستمر في التزايد. ومن الواضح أن الأوبك سوف تكون في حاجة إلى إحداث عدة تخفيضات متتالية لكي تحقق مستهدفاتها فيما يتعلق بالأسعار. بعض أعضاء الأوبك مثل فنزويلا وإيران ونيجيريا والإكوادور تواجه مشكلات ضخمة في ميزانيتها العامة، والتي تجعلها تقاوم خفض كميات الإنتاج، لان ذلك يؤدي إلى تخفيض إيراداتها بشكل اكبر.

ومن الواضح أن الأزمة الاقتصادية الحالية لا يتوقع أن تحل في غضون المدد التي تم تحديدها حول نهاية الكساد الحالي، والتي تتراوح بين عام ونصف إلى عامين. المشكلة أن الأوبك يديها مقيدتان باعتبارات الأداء الاقتصادي العالمي، حيث من المتوقع أن يترتب على الخفض في الإنتاج ورفع الأسعار التأثير السلبي على الأداء الاقتصادي للعالم. فعلى الرغم من وجود قلق حول الاتجاه النزولي للأسعار، فان هناك قلق أكبر يتمثل في وضع ضغوط أشد على الأداء الاقتصادي العالمي مع ارتفاع الاسعار.

ومن الواضح أن المنظمة تنوي خفض الأسعار في اجتماع الجزائر في ديسمبر 17 القادم، بعد أن فشلت في التوصل إلى اتفاق حول الخفض في اجتماع القاهرة في نوفمبر الماضي. ويبدو من ظاهر الأمور أن أعضاء الأوبك منقسمون الآن في وجهات النظر حول مقدار الخفض المطلوب والذي يتراوح بين مليون إلى مليوني برميل، ففي حديثه إلى جريدة الحياة يرى وزير النفط السعودي انه ربما لا تكون هناك حاجة لخفض إنتاج النفط، من ناحية أخرى نجد أن صقور الأوبك مثل إيران وفنزويلا يرغبون في أن يروا النفط عند مستويات مرتفعة لمواجهة متطلبات الإنفاق المتصاعد ومواجهة احتياجات الميزانية، بينما يرى حمائم الأوبك بصفة خاصة المملكة أن الأسعار يجب أن تكون متوافقة مع متطلبات عملية استعادة النشاط الاقتصادي في الدول المستهلكة والتي تعاني حاليا من آثار الأزمة المالية العالمية، ومن ثم فان أهداف عملية خفض الحصص يجب أن تنصب أساسا على استقرار الأسعار عند مستويات معقولة للنفط.

الموقف الآن خطير جدا، لان الأوضاع في دول الأوبك لم تعد على سابق عهدها، فقد سبق أن فشلت الأوبك في الدفاع عن النفط، عندما انخفضت الأسعار إلى نحو حوالي 10 دولارات للبرميل منذ عشر سنوات مضت. ومما لا شك فيه أن الفترة المقبلة ستمثل فترة عصيبة لتكتل الأوبك، وأن اعتبارات الظروف الدولية واتجاهات النمو الاقتصادي الحقيقي في دول العالم سوف تجعل من مسألة سيطرة الأوبك على زمام أمور سوق النفط الخام مسألة في غاية الصعوبة، فهل تفلت الأمور من يد الأوبك مثلما حدث عدة مرات سابقا، هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.