الجمعة، أكتوبر ٣١، ٢٠٠٨

انفجار بالون البورصة

من المعلوم أن سلوك المتعاملين في بورصات الأوراق المالية، يكون أشبه بسلوك القطيع. ففي أوقات انتشار التوقعات التفاؤلية، يتحرك الجميع في اتجاه واحد، دون أي تفكير للعواقب أو فيما قد يكون هناك من مفاجآت عند نهاية الطريق، وهو المضاربة على الصعود، أما في أوقات التوقعات التشاؤمية فان الجميع يتحرك في الاتجاه المعاكس، وهو التخلص من الأسهم تجنبا للمزيد من الخسائر. سلوك القطيع في الحالتين خطير جدا، ففي الحالة الأولى يكون بمثابة نفخ لبالون الأسعار حتى يصل إلى مستويات حرجة تفوق قدرة جدار البالون على تحمل الضغط الداخلي المتمثل في انتفاخ الأسعار، فيحدث الانفجار الذي يساعد عليه سلوك الحالة الثانية.

في هذه الرسالة نحاول أن نفهم ما حدث لبالون سوق الكويت للأوراق المالية، اعتمادا على ما هو متاح على موقع السوق من بيانات تاريخية. الشكل رقم (1) يوضح أنه يوم 17/6/2001، وهو أول يوم يوجد فيه بيانات مسجلة عن مؤشر سوق الكويت للأوراق المالية في موقع سوق الكويت للأوراق المالية الالكتروني، بلغت قيمة المؤشر عند الإقفال في ذلك اليوم 1669 نقطة. منذ ذلك الوقت والاتجاه العام للمؤشر يأخذ الشكل الصعودي، حتى بلغ المؤشر يوم 24/6/2008، قيمة 15654 نقطة، وهي أعلى قيمة بلغها المؤشر السعري في تاريخه حتى اليوم. ويعني ذلك انه في غضون 7 سنوات تقريبا تضاعف المؤشر السعري حوالي 10.5 ضعفا، أي أنه في المتوسط كان المؤشر السعري خلال السبع سنوات الماضية ينمو بمعدل 150% تقريبا سنويا. انه وبكل المقاييس نموا مبهرا. لا غرابة إذن في أن تجتذب البورصة هذا العدد من المتعاملين، وتحظى بتلك السمعة "سبيل الثراء السريع". بقي أن نشير إلى انه خلال السبع سنوات تلك تم إدراج بعض الشركات في البورصة، وهو ما يسهم في رفع قيمة المؤشر السعري.


غير أن هذا النمو في المؤشر السعري لم يكن على نمط واحد، حيث اختلف معدل النمو من فترة لأخرى. فقبل حرب تحرير العراق، كان المؤشر يدور حول قيمة اقل من 3000 نقطة، (انظر الشكل رقم 2)، وفي غضون الفترة المتبقية من عام 2003، شهد المؤشر نموا واضحا نتيجة للدعم الذي تلقاه المؤشر من استقرار الأوضاع الأمنية على الحدود، وزوال النظام السابق في العراق، حتى أن المؤشر تجاوز في نهاية عام 2003 حاجز الـ 4500 نقطة. أصبح من الواضح الآن أن القيود التي كان تعوق انطلاق الاقتصاد الكويتي قد تراخت، بصفة خاصة المخاطر المصاحبة للتهديد المستمر على الحدود. في نفس الوقت بدأت أسعار النفط في اتخاذ مسار تصاعدي. باختصار كانت كافة المؤشرات في صالح المؤشر، وهو ما ساهم في تغذية التوقعات التفاؤلية حول اتجاه المؤشر في المستقبل.

منذ عام 2004 تكثفت عمليات التعامل في البورصة مدفوعة بمستويات السيولة المرتفعة للاقتصاد الكويتي، وبدأ المؤشر في النمو بمعدلات غير مسبوقة. من وجهة نظري فان عام 2005 هو أخطر أعوام البورصة، حيث أخذ المؤشر منحى جديدا، وهو عام الأرقام القياسية بالنسبة للمؤشر، حيث تزايد المؤشر من 6400 نقطة يوم 1 يناير 2005 إلى 11445 في آخر تعاملات هذا العام الكارثي، حيث تخطى المؤشر لأول مرة حاجز العشرة آلاف نقطة وسط دهشة وذهول الجميع، وبالطبع تهليل المتعاملين في البورصة. وأصبح من الواضح للعيان أن سبيل الثراء السريع هو البورصة، صيد سهل، وعناء قليل، وربح وفير. كل ما عليك فعله هو تدبير "كام بيزة" وإتباع رموز معينة في السوق في تعاملاتها. يوما بعد يوم، ينضم إلى قائمة المتعاملين عدد أكبر ممن ليس لديه أية دراية بقواعد اللعبة.


وبشكل عام لم تتعرض البورصة لأي حركة تصحيح للمؤشر السعري حتى عام 2005. غير انه مع تخطي المؤشر حاجز الـ 12000 نقطة في عام 2006 بدأت أول عملية تصحيح رئيسية للسوق خلال هذا العقد، كما يتضح من الشكل رقم (4)، حيث تهاوى المؤشر إلى 9268 نقطة في ذكرى يوم العدوان العراقي على الكويت. وبصفة عامة يمكن القول بأن عام 2006 كان عام تصحيح للمؤشر السعري لسوق الكويت للأوراق المالية، والذي استمر حتى الربع الأول تقريبا من عام 2007. بعض المتعاملين في السوق قد استوعب الدرس، وخرج من السوق مكتفيا بما حقق، من ربح أو خسارة. غير أن المؤشر، كما يتضح من الشكل رقم (4) سرعان ما استرد عافيته، واخذ في الصعود مجددا حتى اخترق حاجز الـ 13000 نقطة، وهو رقم قياسي جديد للمؤشر تحقق في تعاملات يوم 7/10/2007. إلا انه ما أن مر وقت قصير حتى بدأت حركة تصحيح قصيرة للمؤشر الذي هبط إلى 12000 نقطة في 29/11/2007. إلا أن فترة التصحيح لم تستمر لفترة طويلة، حيث اخذ المؤشر في الارتفاع مرة أخرى. يوما بعد يوم بالون السوق ينتفخ ويزداد ضغط مؤشر الأسعار فيه حتى بلغ المؤشر مستواه القياسي يوم 24/6/2008، بإقفال السوق على مؤشر قيمته 15654 نقطة. بلغ ضغط مؤشر الأسعار داخل البالون حدوده القصوى، وكان من الواضح أن ما يحدث في السوق هو نوع من الجنون، وان الأسعار السوقية لأسهم الشركات لا تعبر من الناحية الفنية عن القيمة الحقيقة لأصول تلك الشركات، أو مستويات توزيعات أرباحها. ماذا تعكس الأسعار السوقية إذن، أنها تعكس فقط اتجاهات المضاربة داخل السوق.


منذ ذلك اليوم السعيد بدأ الهبوط المدوي للبورصة، حيث توالت الأخبار السيئة سريعا من هبوط أسعار النفط إلى اقل من النصف، وتسرب أنباء الأزمة المالية العالمية، ودخول العالم المتقدم مرحلة الكساد، وتهاوي مؤشرات الأسعار في البورصات العالمية والإقليمية، لتبدأ أكبر حركة تصحيح في تاريخ بورصة الكويت للأوراق المالية الحديث، كما يتضح من الشكل رقم (5)، حيث استمر المؤشر في الهبوط المستمر حتى بلغ 9676 نقطة، ويعني ذلك أن المؤشر قد انخفض خلال 3 أشهر تقريبا بنسبة 62%، وهو انخفاض مدوي بكل المقاييس. ولكن هذه هي البورصة، حيث ترتفع مستويات المخاطرة إلى أعلى مستوياتها، ولا يمكن الحديث عن ما يسمى بالمخاطرة المحسوبة، فمن الممكن أن تنقلب الأوضاع رأسا على عقب في غضون فترة زمنية قصيرة جدا.

حسبما نقلت الصحف أن صغار المتعاملين في السوق تجمعوا أمام السوق وقرروا الاتجاه نحو مجلس الوزراء مطالبين بالتدخل، والبعض الآخر نادى بأن يقوم السوق برد خسائرهم، كما طالب البعض الأخر برفع قضايا على السوق لأنه السبب في شفط ثرواتهم. أمثال هؤلاء لا يعلم كما يقول المثل العامي "وين الله جاطه"، فالسوق هو مجرد مكان منظم لتسهيل التقاء أمثاله لتداول الأوراق المالية. يفترض في هذا المكان أن يكون سوقا كفء بحيث لا يسمح لفئة من المتعاملين بتحقيق أرباح غير عادية اعتمادا على المعلومات المتاحة في السوق.


عندما يكون السوق صغيرا من حيث الحجم وعدد الشركات والقيمة الرأسمالية له، فان فرص أن يكون السوق كفئا تكون محدودة. ومثل هذا المناخ يخلق أرضية مناسبة لتحقيق أرباح غير عادية للمتعاملين الكبار ذوي الاستراتيجيات طويلة الأجل، الذين لديهم القدرة المالية على تحمل خسائر في الأجل القصير، واستراتيجيات ثابتة للتعامل ترتكز أساسا على قيمة محافظهم المالية في الأجل الطويل. وهؤلاء يربحون في الحالتين، أي في حالة الصعود وحالة الهبوط. ففي حالة الصعود حيث تكون الفرصة سانحة لعمليات البيع، استنادا إلى تقدير هؤلاء حول النقاط الزمنية التي تكون فيها أسعار الأسهم قد استنفذت اتجاهات الصعود، وانه وفي ضوء المؤشرات الأخرى، فان الأسهم لا بد وان تنخفض في المستقبل القريب. وفي حالة الهبوط حيث تكون الفرص سانحة لعمليات إعادة الشراء بأسعار منخفضة للأسهم، استعدادا للرحلة التالية من الصعود، وهكذا.

للأسف فان بعض صغار المتعاملين يقحمون أنفسهم في هذا النشاط الذي لا يفهمون فيه، وليس لديهم القدرة على تحمل أعباءه، وليس لديهم أية استراتيجيات للتعامل في السوق، ولا يفهمون في التحليل الفني للسوق، أو التحليل الاقتصادي له، ويعيشون على ما يصل إليهم من معلومات عن سلوك كبار المتعاملين، والذي قد يكون في بعض الأحيان مضللا. عندما تحدث الأزمة تحدث الكارثة لهؤلاء، خصوصا وان البعض يكون قد رهن منزله، أو باع مجوهرات زوجته، أو اقترض ثروة أقرباءه.. الخ، طمعا في الثراء السريع، وهو لا يدري أن هذه الثروة يمكن أن تتبخر في لحظات، وهنا تبدأ المأساة الإنسانية لهؤلاء.

الاثنين، أكتوبر ٢٧، ٢٠٠٨

مرحبا بعودة الضمان الحكومي لودائع البنوك في دولة الكويت

بوادر الأزمة المصرفية التي بدأت تنتشر في دولة الكويت بعد الإعلان عن تعرض بنك الخليج بدولة الكويت لخسائر نتيجة عدم قدرة أحد العملاء على إعادة سداد التزاماته قبل البنك والتي تم استخدامها في تمويل عقود للمشتقات، انتشرت بشكل سريع وفي غضون فترة زمنية قصيرة جدا. الذي حدث هو أن بعض عملاء بنك الخليج قد أسرعوا إلى سحب بعض أو كل مودعاتهم في البنك، كذلك تأثر بعض عملاء البنوك الأخرى، حيث أخذت عدوى الذعر المالي تنتشر بينهم، بحيث ارتفع الطلب على السيولة بشكل كبير خوفا من أن تكون باقي بنوك دولة الكويت تواجه نفس المشكلة. الملاحظ أيضا انه قد تم فرض حدود قصوى على قدرة المودع على السحب من حسابه في اليوم الواحد، وذلك لتقنين عمليات السحب النقدي بالشكل الذي يمكن البنوك من توفير حد أدنى من السيولة لكافة المودعين في حدود هذا الحد الأقصى.

الإجراء الذي تم اتخاذه بوضع حد أقصى لعمليات السحب اليومي من المودعات هو إجراء سليم من الناحية الاقتصادية لترشيد عملية السحب وإعطاء القدرة للسلطات النقدية على توفير السيولة اللازمة للبنوك في مواجهة زيادة الطلب على السيولة من قبل العملاء.

حالة الذعر المالي التي سادت بين بعض المودعين ترجع أساسا إلى انه ليس هناك ضمان حكومي حاليا لكافة المودعات في بنوك دولة الكويت، والذي كان قد تم إلغاؤه منذ سنوات قليلة مضت مع تلاشي المخاطر التي كان النظام المالي قد تعرض لها بعد أزمة المناخ وما تلاها من أزمات أخرى. فضلا عن اعتقاد بعض العملاء بأن الأوضاع المالية السيئة التي تمر بالعالم وبالمنطقة على وجه الخصوص قد بدأت تلقي بظلالها على قطاع البنوك في دولة الكويت.

والواقع أن ما يحدث من تأثيرات سلبية على القطاع المالي في الدولة لا تبرره معطيات الواقع الاقتصاد الكلي في الدولة بشكل عام. فالموقف المالي الحالي لدولة الكويت متين جدا، والأداء الاقتصادي على المستوى الكلي جيد جدا. معطيات الواقع إذن لا تبرر الاضطرابات التي يعاني منها القطاع المالي في الدولة.

من الواضح أن هناك أزمة ثقة محلية تدعمها الأوضاع العالمية الطاحنة والتي يمكن أن تحمل في طياتها أخبارا سيئة للجميع. المتعاملين في القطاع المالي في حاجة إلى الهدوء، وهو ما يحتاج إلى اتخاذ خطوات سريعة من جانب الحكومة لبث الثقة في القطاع المالي ووقف التدهور ونزيف الخسائر. التحرك الحكومي الحالي لمواجهة الأزمة يتسم بالبطء بشكل عام.

قبيل أزمة بنك الخليج كان بنوك دولة الكويت مدعوة للمساهمة في إنقاذ الشركات المتعثرة وإنعاش بورصة الأوراق المالية ومواجهة الخسائر المتزايدة للمحافظ المالية. ومن المعلوم أن مساهمة البنوك في حل الأزمة يمكن أن تأخذ اتجاهين:

الأول: هو أن يتم استخدام البنوك لالتزاماتها من مودعات للقطاعات المختلفة في عملية إنقاذ الشركات من خلال إقراضها ومساعدتها على الخروج من أزمة السيولة التي تواجهها، بصفة خاصة الشركات المتعثرة، وكذلك المساعدة في زيادة مستويات السيولة في بورصة الأوراق المالية لوقف نزيف مؤشر البورصة والحد من الاتجاه النزولي للأسعار.

الثاني: هو أن تقوم البنوك بمهمة إنقاذ القطاع المالي ولكن من خلال مودعات حكومية للبنوك تتوافق مع حجم التمويل المطلوب من قبل هذا القطاع بحيث تكون هذه المودعات الحكومية هي الضامن لقروض تلك البنوك، ومن ثم تتحمل الحكومة في النهاية المخاطر المصاحبة لحالة عدم الاستقرار المالي بعيدا عن مودعات القطاعات المختلفة في البنوك، وذلك ضمانا لحماية البنوك ضد أي مخاطر يمكن إن تتعرض لها والتي يمكن أن تنشأ عن تعثر بعض الشركات أو إفلاسها في خضم الأزمة.

غير أن الاختيار الأول قد يحمل كارثة للمودعين لدى البنوك في حال استمرار سوء أوضاع البورصة وتدهور قدرات الشركات على الوفاء بالتزاماتها المالية، خصوصا الشركات المتعثرة أو التي ترتفع درجة المخاطرة في محافظها الاستثمارية، إذ أن أسوأ نتائج هذا الوضع أن تنتقل عدوى المخاطر المالية إلى البنوك، وهي عصب الحياة المالية في الدولة.

الاختيار الثاني قد يحمل أخبارا سيئة للحكومة، في حال استمرار أوضاع القطاع المالي في التدهور، وفي هذه الحالة سوف تنصب الخسائر على الاحتياطي العام للدولة والذي قد يضيع جانب منه لمواجهة الأزمة. هذا هو بالضبط ما تفعله بلاد العالم الأخرى في سعيها لتجنب الآثار المدمرة للازمة المالية العالمية، من خلال رفع درجة سيولة القطاع المالي بحيث تضمن توفير حجم الائتمان اللازم لضمان حد أدنى من الطلب على الأصول المالية لوقف التدهور في الأسعار وبث الثقة لدى المتعاملين في أوضاع قطاعاتها المالية.

المطلوب حاليا أن تتم معالجة أوضاع القطاع المالي على أساس انتقائي، ومن خلال دراسة دقيقة لأوضاع الشركات، بحيث يمكن للبنوك أن تتولى مهمة مساعدة الشركات التي تضررت من الأزمة المالية، ولكن ما زال موقفها المالي سليم ومن ثم ليس من المتوقع أن يكون هناك تأثيرا جوهريا للأزمة عليها، وأن المسألة هي مسألة وقت حتى تتعافي تلك الشركات من آثار الأزمة.

أما بالنسبة لباقي الشركات والتي تضررت بشكل كبير والتي بلغت خسائرها والتزاماتها المالية قدرا كبيرا من أصول تلك الشركات إلى الحد الذي قد يهدد قدرتها على الاستمرار أو التي ترتفع مستويات المخاطر المصاحبة لتعديل أوضاع تلك الشركات، أو أن هذه الشركات تحتاج إلى تعديل هيكلي بالشكل الذي يسمح باستمرار أعمالها في المستقبل بأمان، فان أمر تمويل هذه الشركات يمكن أن يترك للحكومة في إطار خطتها التي تقضي بضخ كمية كافية من السيولة لبث الثقة في القطاع المالي.

في جميع الأحوال فان اقتراح عودة الضمان الحكومي للودائع في البنوك في الوقت الحالي هو اقتراح ممتاز من الممكن أن يعطي البنوك الكويتية دفعة ثقة أكبر تقوي من المركز المالي لتلك البنوك وتقلل احتمال تعرض أي من تلك البنوك للإفلاس، وهو ما سيساعد على التقليل من أي احتمال حدوث عمليات سحب جماعي للأموال من البنوك، ومن ثم تجنب آثار حالة الذعر المالي في حال عدم قدرة أي من تلك البنوك على مواجهة طلبات السحب بسبب نقص السيولة، أو تعرض أحد تلك البنوك لخسارة جوهرية قد تهدد سلامته في ظل ظروف الأزمة.

الأحد، أكتوبر ٢٦، ٢٠٠٨

هل آن الأوان لانضمام العراق لمجلس التعاون

في زيارته الأخيرة إلى العراق صرح وزير خارجية البحرين، بأن العراق هي امتداد طبيعي لمجلس التعاون في إشارة إلى إمكانية توسع المجلس شمالا بانضمام العراق إلى منظمة دول مجلس التعاون. من ناحية أخرى فقد طالب العراق بعد الحرب في أكثر من مرة بانضمامه إلى عضوية منظمة دول مجلس التعاون، الموضوع إذن ليس من الموضوعات الجديدة، ولكن هل فعلا العراق مستعد حاليا للانضمام إلى عضوية المجلس، وهي المجلس يمكن أن يستوعب الأعباء التي يمكن أن تترتب على انضمام العراق إلى عضوية المجلس.

تشير نظرية التكامل الاقتصادي إلى أن التكتل الاقتصادي يكون ناجحا في حالة تشابه الهياكل الاقتصادية والسياسية للدول الأعضاء، وتقارب مستويات الدخول والاستهلاك .. الخ، حيث يسهل في هذه الحالة خلق التجارة بين دول التكتل ورفع معدلات النمو ومن ثم مستويات التوظف والمعيشة في التكتل. وبمراجعة مدى انطباق شروط التكتل الاقتصادي على دول المجلس والعراق يلاحظ انه هناك وجه واحد للتشابه، وهو أن العراق منتج رئيسي للنفط الخام. فيما عدا ذلك تتباعد الفوارق بين العراق ودول مجلس التعاون بحيث أنه من الممكن أن يترتب على انضمام العراق إلى عضوية المجلس مشكلات خطيرة تهدد سلامة المجلس بوضعه الحالي. حيث يلاحظ الآتي:

وجود فوارق كبيرة في معدل البطالة بين العراق ودول مجلس التعاون، حيث يصل معدل البطالة في العراق وفقا لبعض التقارير إلى 50%، وهي ربما تكون أعلى معدل للبطالة في العالم. وعندما تدخل العراق إلى عضوية دول المجلس فسوف يعطي العراق معاملة تفضيلية بالنسبة لفرص التوظيف المتاحة، مثل تلك التي تمنح لمواطني الدول الأعضاء الآخرين في المجلس، ونظرا للفوارق الهائلة في مستويات الأجور بين العراق ودول المجلس الأخرى، فانه من المتوقع أن يحدث فيضان من الهجرة للعمال العراقيين إلى دول المجلس مستفيدين في ذلك بالتسهيلات التي تمنحها الاتفاقية والمرتبطة بحرية التنقل بين دول المجلس. ومن شأن ذلك أن يحدث مشكلة كبيرة لأسواق العمل داخل هذه الدول، فضلا عن أنه قد يهدد السياسات الحالية الرامية إلى إحداث نوع من التوازن بين الجنسيات المختلفة للعمال في سوق العمل الخليجي.

الفروق الواضحة في مستويات الدخول والاستهلاك بين العراق ودول المجلس، مما يحد من فرص استفادة دول المجلس من عمليات خلق التجارة بينها وبين العراق، حيث سيظل العراق سوقا محدودة بسبب الانخفاض الواضح في القوة الشرائية مقارنة بباقي دول المجلس.

الفروق الواضحة في مستويات التعليم وتكوين رأس المال البشري، حيث تتدنى مستويات التعليم وتسهيلاته بشكل واضح في العراق مقارنة بدول المجلس، فضلا عن تواضع فرص التدريب وإعادة التأهيل لرأس المال البشري في العراق. مما يعني عدم مناسبة المخرجات الحالية لنظام التعليم والتدريب في العراق لأسواق العمل في دول مجلس التعاون.

الفروق الهائلة في البنى التحتية بين العراق ودول المجلس، مما يحد من فاعلية وديناميكية الاقتصاد العراقي في التفاعل مع متطلبات التعاون المتوقع بين العراق ودول المجلس. إن تواضع البنى التحتية في العراق سوف يظل يمثل قيدا هائلا أمام تنمية هذا البلد ومن ثم ستظل فروق مستويات النمو بين العراق ودول المجلس كبيرة لسنوات طويلة في المستقبل، وهو ما يحد من فرص التكامل بين العراق ودول المجلس.

عدم الاستقرار السياسي في العراق، حيث أنه ليس من الواضح حتى الآن متى ستستقر الأوضاع السياسية في العراق، وماذا يحمل المستقبل لهذا البلد، خصوصا في حالة انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية وترك الأمور المرتبطة بالأمن والدفاع للعراقيين. وفي ظل تعدد العرقيات والمذاهب الواضح في العراق، فانه استقرار العراق السياسي في المستقبل أمر يحيط به الكثير من الشك. ومن المعلوم انه في ظل أوضاع عدم الاستقرار السياسي تصبح بيئة الأعمال غير مناسبة على الإطلاق لتدفق الاستثمار المباشر. ويعني ذلك أن الاقتصاد العراقي سوف يظل مغلقا، شئنا أم أبينا، أمام رؤوس الأموال الخليجية، نظرا لارتفاع مستوى المخاطر بشكل كبير الناجم عن الأوضاع السياسية.

الحاجة إلى برنامج ضخم لإعادة تأهيل العراق لكي تصبح في مستوى اقتصادي موازي لمستويات النمو الاقتصادي في باقي دول المجلس، وهو ما سيتطلب خطط ضخمة للإنفاق على البنى التحتية، وعلى قطاعات التعليم والصحة وتطوير القطاع المالي.. الخ، وهو من الأمور التي ستلتزم تخصيص ميزانيات ضخمة تفوق قدرة دول المجلس على ذلك، خصوصا في ظل التزاماتها الأخرى قبل اقتصادياتها. وبدون برنامج إعادة تأهيل الاقتصاد العراقي فان فرص نجاح انضمامه إلى منظومة دول المجلس ستظل ضعيفة، وقد تخلق مشكلات عديدة تفوق في أثرها، العائد المتوقع على دول المجلس من انضمام العراق.

ما هو الحل المناسب إذن؟ من الممكن القبول حاليا بمستويات أدنى للتعاون بين العراق ومنظمة دول مجلس التعاون، مثل إقامة منطقة تجارة حرة مشتركة، وتوسيع نطاق التعاون من خلال إنشاء مشروعات مشتركة مثل ربط السكك الحديدية والربط الكهربائي والمائي .. الخ، وعلى مستوى يتناسب مع قدرات الاقتصاد العراقي حاليا على التعاون.

الأربعاء، أكتوبر ٢٢، ٢٠٠٨

الفوائض المالية مؤقتة وخادعة

في الحديث الذي ألقاه سمو أمير البلاد حفظه الله يوم الثلاثاء 21/10/2008 في افتتاح دور الانعقاد العادي الثاني من الفصل التشريعي الثاني عشر لمجلس الأمة، أشار سموه "ولعلها مناسبة طيبة لنذكر بما سبق أن حذرنا منه بأن متحصلات الفوائض المالية التي ينعم بها اقتصادنا، قد تكون مؤقتة وخادعة، وأن مستقبل الأمة وأجيالها مرهون بحسن استغلال هذه الفوائض في مواضعها وترشيد إنفاقها، وتوجيهها الوجهة الصحيحة التي تكفل تأمين مقومات الاقتصاد القوي الراسخ"، ولقد أصاب سموه كبد الحقيقة عندما ذكر بأن الفوائض المالية التي تتمتع بها الكويت حاليا قد تكون مؤقتة وخادعة.

والحقيقة هي أن هذه الفوائض المالية التي تتمتع بها الكويت حاليا، بل وجل الإيرادات النفطية التي تأتينا، سواء تحقق منها فائض أم لم يتحقق، هي مؤقتة بطبيعتها، لأنها ترتبط أساسا بمورد ناضب هو النفط الخام، سوف ينتهي هذا المورد يوما ما، ربما بعد 50 عاما، أو أقل من ذلك أو أكثر يعتمد ذلك على كمية الاحتياطيات الحقيقية التي تملكها الكويت من النفط ومعدل الاستخراج من تلك الاحتياطيات. إن أفضل التقارير المتاحة لدينا الآن تشير إلى أن النفط ربما ينضب في غضون خمسين عاما على الأكثر. معنى ذلك أن الفوائض النفطية هي بطبيعتها مؤقتة، شئنا ذلك أم أبينا.

ما هي خطورة هذا الوضع إذن؟ إن مكمن الخطورة ينبع من أننا نعيش حاليا على إيراد ناضب بطبيعته، وسوف ينفذ هذا المورد يوما ما. ومرة أخرى، وكما أشرت مرارا وتكرارا، فإننا عندما نتحدث عن عمر الأمم فان فترة خمسون عاما تعد فترة قصيرة جدا جدا. إن جانبا من الجيل الحالي في الكويت سوف يشهد هذا اليوم، أي اليوم الذي سوف ينضب فيه النفط تماما، إنهم أطفالنا الذين يعيشون بيننا الآن، سوف يأتي عليهم ذلك اليوم الذي يعلن فيه عن إغلاق آخر آبار النفط، وانتهاء الحقبة النفطية في الكويت. إذا كانت أفضل التوقعات حول الفترة التي سوف تستمر فيها الكويت تصدر النفط هي خمسين عاما، فان أطفال اليوم سوف يشهدون هذا اليوم قبل بلوغهم سن التقاعد. أي سوف يأتي اليوم على طفلك الصغير، الذي يعيش بين يديك الآن، ليشهد اللحظة التي تصل فيه صادرات النفط الخام إلى الصفر. ماذا سيحدث لإبنك في هذا اليوم. من المؤكد أن آثار الكارثة سوف تكون قد بدأت قبل ذلك اليوم بوقت طويل. فماذا أعددنا لهذا اليوم.

الفوائض النفطية هي أيضا خادعة، لأنها توحي لنا، بل وتوهمنا، بأننا أمة غنية، لديها فوائض، وإذا كان الأمر كذلك فينبغي أن ينعم الناس بهذه الفوائض. وحقيقة الأمر أننا لسنا أمة غنية كما قد يتصور البعض، إننا أمة فقيرة جدا في مواردها. فبدون النفط سنواجه كارثة تهدد بقائنا على هذه الأرض الطيبة، أو ربما تهدد استقلالنا كدولة. وربما يرد البعض بالقول بأننا أمة عاشت عمرها بدون نفط، فليذهب النفط، ونحن باقون. نعم هذا صحيح، ولكن على أي صورة، وبأي حال؟ من المؤكد أننا سنبقى، ولكن في حال مختلفة تماما عما نعيشه اليوم.

لقد صدق سمو الأمير حفظه الله عندما قال "وأن مستقبل الأمة وأجيالها مرهون بحسن استغلال هذه الفوائض في مواضعها وترشيد إنفاقها"، نعم مستقبل الكويت يصنع الآن، ولكن لسوء الحظ في ظل بعض دعوات للهدر وتدمير الثروة. هؤلاء الذين يطالبون بنثر الأموال هنا وهناك هم خونة لأولادهم ولكافة الأجيال القادمة على هذه الأرض الطيبة، وينبغي ألا نسير وراءهم ونهلل لهم، لأنهم ببساطة أعداؤنا الحقيقيون في الداخل.

للمرة الألف، إن الوفرة الحالية التي تمر بها الكويت تمثل فرصة ذهبية نادرة، ربما لا تتكرر أبدا في تاريخ الكويت، فإما أن نكون على مستوى المسئولية والحدث ونتعامل مع تلك الفوائض بما ينبغي، بدلا من دعوات الهدم والهدر سعيا وراء الأصوات الانتخابية أو السمعة والشهرة، أو تحقيق نفع أو مكسب ذاتي، وإلا فان الثمن سيكون فادح جدا، إنه مستقبل الكويت ومستقبل أجيالها، وربما وجودها كدولة مستقلة. إن التاريخ والأجيال القادمة لن ترحم الجيل الحالي إذا لم يحسن استخدام الفرصة ويكون على القدر المناسب من المسئولية قبل أجيالنا القادمة، فماذا نحن فاعلون.

الأحد، أكتوبر ١٩، ٢٠٠٨

هل تفلت الأمور من يد الأوبك

يوما عن يوم، ومنذ أن ضربت الأزمة المالية العالمية الحالية أسواق العالم حتى تحول أثرها إلى الجانب الحقيقي من الاقتصاد العالمي، وأصبح من الواضح إننا على أعتاب أزمة ركود عالمي تضرب اقتصاديات الدول المتقدمة غربا وشرقا، ومنها تمتد إلى باقي دول العالم النامي، ومع تراجع مستويات النمو الاقتصادي وكذلك تراجع التوقعات حول مستقبل النمو في الدول المتقدمة والناشئة في السنتين القادمتين، أخذت أسعار النفط الخام في التراجع إلى مستوي يقل عن نصف مستوياتها منذ 3 أشهر مضت. الانخفاض الكبير في أسعار النفط اتسم بأنه حدث في غضون فترة زمنية قصيرة، وكذلك بدون أدنى تدخل من قبل تكتل المنتجين (الأوبك) لوقف هذا التدهور في الأسعار، على الأقل من الناحية السيكولوجية لتهدئة اتجاه الأسعار الهبوطي، حيث قنعت الأوبك بدور المتفرج انتظارا لما ستكشف عنه الأحداث.

دول منظمة الأوبك للأسف الآن بين خيارين أحلاهما مر:

الخيار الأول: هو أن تترك أسعار النفط تواصل اتجاهها الهبوطي، دون أدنى تدخل من جانبها باعتبار أن ما يحدث هو عملية تصحيح لأوضاع السوق في ظل ظروف ضعف الطلب العالمي على النفط واتجاهات الطلب العالمي المتناقص في المستقبل، وفي ظل هذا الخيار من الواضح انه ليس هناك أي قيود تمنع أسعار النفط نحو الهبوط، وربما، وفقا لأسوأ سيناريو، نجد سعر النفط يعاود الهبوط إلى مستوى 10 دولارات مثلما حدث في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، أي منذ ما يناهز عشر سنوات مضت، وهو ما سيمثل كارثة حقيقية للدول النفطية بكافة المقاييس.

الخيار الثاني: هو أن تتحرك دول الأوبك، كما أعلنت، لوقف هذه التدهور في الأسعار واتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف نزيف الإيرادات النفطية الناجم عن انخفاض أسعار النفط الخام، والحفاظ على ما تراه سعرا عادلا للنفط الخام، والذي يتراوح حاليا بين 80-100دولارا للبرميل. وفي ظل هذا الخيار سوف تواجه الأوبك بهجوم واسع من قبل دول العالم المستوردة للنفط من منظور أن هذا التحرك يعقد من المشكلات التي يواجهها الاقتصاد العالمي، والدول الصناعية المستوردة للنفط، فضلا عن أثاره المأساوية على الدول النامية والفقيرة في ظل ظروف الركود العالمي، الأمر الذي سيعقد الجهود العالمية لمعالجة الأزمة المالية ووقف الانهيار في أسواق المال وانعكاساته على القطاعات السلعية في هذه الاقتصاديات.

العالم يتوقع الآن من الأوبك أن تتحمل نصيبها في عملية إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال قبول أسعار اقل للنفط الخام لتخفيف الضغوط الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة في أوقات الكساد. ولكن هل الأوبك مستعدة لان تلعب هذا الدور؟

أغلب الظن أن الإجابة ربما تكون لا، أخذا في الاعتبار ردود فعل صقور الأوبك مثل فنزويلا وإيران من فكرة ترك أسعار النفط تنخفض كأحد نتائج الوضع الاقتصادي العالمي حاليا. من ناحية أخرى فان باقي دول الأوبك أصبحت الآن في وضع مالي لا تحسد عليه. صحيح أن هذه الدول قد تمكنت خلال السنوات الثلاث السابقة من تكوين احتياطيات مالية ضخمة تمكنها من استيعاب آثار انخفاض أسعار النفط على ميزانياتها العامة، إلا أن هذه الدول للأسف قد أفرطت في التفاؤل حول مستقبل أسعار النفط في المستقبل، إلى الحد الذي صاحبه إجراءات اتخذتها حكومات تلك الدول ترتب عليها ارتفاع مستويات الإنفاق الجاري لديها، إلى الحد الذي تحولت فيه ميزانياتها العامة إلى ميزانيات شديدة التأثر، مقارنة بأي وقت مضى، بتقلبات أسعار النفط الخام.

إذا استمرت أسعار النفط الخام في اتجاهها النزولي، فان عجز الميزانيات العامة للدول النفطية سوف يكون رهيبا، أخذا في الاعتبار مستويات الإنفاق الجاري العام حاليا في هذه الدول، إلى الحد الذي سيستنزف احتياطيات تلك الدول بشكل سريع في ضوء أحادية مصادر الإيرادات العامة الذي تعاني منه معظم هذه الدول. إذا تحقق هذا السيناريو فان وحدة أعضاء الأوبك التي شهدها العالم منذ أوائل القرن الواحد والعشرين مهددة بالتفكك، فمن المعلوم نظريا أن تكتلات المنتجين، مثل الأوبك، تكون فعالة فقط في أوقات زيادة الطلب عن العرض، حيث يسهل السيطرة على السوق من جانب تكتل المنتجين. أما في أوقات زيادة العرض، فان أعضاء التكتل يميلون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة من خلال التنصل من التزاماتهم أمام منظمة التكتل فيما يتعلق بحصص الإنتاج، خصوصا في ظل الضغوط المالية التي تواجهها ميزانيات الدول الأعضاء في التكتل، وفي هذا الصدد فان لأعضاء الأوبك تاريخا طويلا في عدم الالتزام بالحصص المتفق عليها والخوض في صفقات تحت المنضدة حيث تكون النتيجة انهيار الأسعار.

مما لا شك فيه أن الفترة المقبلة ستمثل فترة عصيبة لتكتل الأوبك، وأن اعتبارات الظروف الدولية واتجاهات النمو الاقتصادي الحقيقي في دول العالم سوف تجعل من مسألة سيطرة الأوبك على زمام أمور سوق النفط الخام مسألة في غاية الصعوبة، فهل تفلت الأمور من يد الأوبك مثلما حدث عدة مرات سابقا، هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القادمة.

الجمعة، أكتوبر ١٠، ٢٠٠٨

ها قد جاء اليوم الأسود سريعا

عندما حدثت الوفرة النفطية الحالية عقدت ندوة في كلية العلوم الدراية حول سبل استغلال الوفرة النفطية، وحذرت من تبديد تلك الفرصة الذهبية هباء بنثر الأموال هنا وهناك، وضرورة توجيه تلك الوفرة نحو رفع قدرات الكويت على تنويع مصادر دخلها لكي تتخلص من قيد المورد شبه الوحيد للدخل. وفي أكثر من مرة حذرنا من أن البعض يتعامل مع الوفرة الحالية والأسعار المرتفعة للنفط على أنها أمر أبدي وأنه ليس هناك أي مجال للعودة إلى الوراء، وأن قفزة النقط هي قفزة أبدية، وان النفط لا خوف عليه، وأننا ننتظر اليوم الذي سيعلن قريبا عن سعر 200 دولارا للبرميل، وربما 500 دولارا للبرميل. إذن الإوزة التي في باطن الأرض تبيض ذهبا بمعدلات تفوق قدرتنا على حمله، وإذا كان الأمر كذلك وجب على الحكومة فك كيسها ونثر الوفرة على الناس يمنة ويسارا.

تبارى الكثير من ممثلي الأمة للأسف المطالبة بتدمير تلك الثروة الناشئة بأقصى سرعة ممكنة فهذا يطالب بإلغاء القروض، وهذا يطالب بمضاعفة الرواتب، وذلك يطالب بإلغاء فواتير الكهرباء والماء، وآخر يطالب برفع معاشات التقاعد.... الخ، قائمة طويلة جدا من المطالب على ثروة يبدو أننا لسنا الذين نملكها. ماذا كانت النتيجة لذلك. النتيجة توضحها بجلاء ارقام آخر ميزانية للكويت (انظر
فوائض الكويت النفطية تتجه نحو الرواتب ومعاشات التقاعد في 3/7/2008 و إلى أين تأخذون الكويت في 29/6/2008 في هذه المدونة)، حيث قفز الإنفاق العام إلى مستويات حرجة ونتيجة لذلك ارتفع سعر النفط اللازم لتوازن ميزانية الكويت إلى ما يجاوز 65 دولارا للبرميل، أي أن هذا السعر هو الحد الأدنى الذي يجب أن يسود لسعر النفط الكويتي حتى نحصل على إيرادات نفطية تكفي لتمويل الإنفاق العام للدولة. وعندما كنا نتحدث عن ذلك، كان البعض يرد، وما الضير في ذلك، أن سعر 65 دولارا للبرميل أصبح من التاريخ.

اليوم ينخفض سعر النفط الأمريكي إلى ما دون 80 دولارا، أي انخفاض من حوالي 145 دولارا منذ شهور قليلة، والبقية تأتي. اليوم النفط الكويتي دون الـ 70 دولارا، ونحن نقترب بسرعة من سعر توازن الميزانية. وتشير التوقعات إلى انه يسير إلى مستوى تحقق معه الميزانية عجزا في العام القادم. حيث تشير التوقعات إلى أن العالم سوف يدخل أزمة ركود كبير بسبب امتداد تأثير أزمة القطاع المالي في دول العالم إلى القطاع الحقيقي، حيث تميل معدلات النمو نحو الانخفاض، والمؤسسات الدولية راجعت توقعاتها حول معدلات نمو الاقتصاد العالمي في ظل تلك التطورات، حيث يؤكد صندوق النقد الدولي استمرار تراجع معدلات النمو في المستقبل حتى في أعلى دول العالم نموا وهي الصين والهند. وقد أصبح من المؤكد الآن أننا سندخل مرحلة ركود اقتصادي بما يحمله لنا من أخبار سيئة من تراجع مستويات النمو وارتفاع مستويات البطالة وانخفاض مستويات الدخول. تراجع معدلات النمو العالمي سوف يؤدي إلى التأثير بصورة سلبية على أسعار النفط الخام، حيث تهبط الأسعار بسرعة كبيرة، ومعها تمحى المليارات من الدولارات المتوقع الحصول عليها من تصدير النفط، مثلما تنمحي مليارات الدولارات من الصندوق السيادي الذي تملكه الكويت، والذي سبق أن حذرنا أيضا من مخاطره على دولة الكويت.

للأسف فان فترة الوفرة مرت سريعا، وكان أسوأ نتائجها مستويات ضخمة للإنفاق العام للدولة يفوق قدرة الكويت على تمويله على المدى الطويل، ما هو رأي أعداء المال العام.

الاثنين، أكتوبر ٠٦، ٢٠٠٨

الأثر المتوقع للأزمة المالية العالمية على التضخم العالمي

يعزى التضخم الحالي الذي يمر بالعالم إلى عدة أسباب، منها ارتفاع أسعار النفط الخام، وارتفاع أسعار الغذاء نتيجة لعوامل عدة، منها المستوى الحالي لأسعار النفط، وارتفاع أسعار السلع الصينية المصدرة للعالم، وهناك من يعزو التضخم أساسا إلى النظام المالي الدولي الحالي، الذي يتسم بدرجة كبيرة من التسيب وعدم المراقبة وقلة الشفافية والمسئولية. حيث حرص النظام المالي في كل دول العالم تقريبا على الإفراط في الإقراض الأمر الذي أدى إلى تغذية مستويات الطلب الكلي عالميا، مما تسبب في تصاعد معدلات التضخم.

وبشكل عام يعتمد أثر الأزمة المالية العالمية على مستويات الأسعار للسلع والخدمات على مسار الأزمة المالية العالمية في المستقبل. وبشكل عام فان الآثار المتوقعة للازمة المالية العالمية على الأسعار تدخل في نطاق الآثار المباشرة وغير المباشرة. وبالنسبة لمسار الأزمة فان هناك سيناريوهان لاتجاهات الأزمة في المستقبل:

السيناريو الأول: هو أن تفشل الجهود المبذولة حاليا من قبل الولايات المتحدة والدول المتقدمة الأخرى في معالجة نتائج الأزمة والحد من الانهيار المستمر في النظام المالي العالمي. ووفقا لهذا السيناريو من المتوقع أن تسود حالة ركود اقتصادي حاد في الولايات المتحدة تمتد آثاره لباقي دول العالم، بصفة خاصة تلك التي ترتبط بعلاقات تجارية قوية مع الولايات المتحدة. ومن الآثار المتوقعة لهذا الركود ارتفاع معدلات البطالة وميل معدلات التضخم في العالم نحو الانخفاض.

من المتوقع أيضا وفقا لهذا السيناريو أن ينخفض الطلب العالمي على النفط والسلع التجارية الرئيسية ومن ثم ميل أسعار النفط نحو الانخفاض. الامر الذي سيؤدي الى انخفاض تكاليف الطاقة، ومن ثم انخفاض المستويات العامة للاسعار.

ويترتب على انخفاض اسعار النفط وأسعار السلع التجارية الرئيسية ذلك ميل الإيرادات الحكومية، بصفة خاصة بالنسبة للدول النفطية نحو الانخفاض، وهو ما قد سيدفع بحكومات تلك الدول نحو تخفيض خطط الإنفاق، الآمر الذي يقلل من ضغوط الطلب الكلي المحلي، وبالتالي يتوقع أن يؤدي إلى تخفيض الضغوط التضخمية.

أما بالنسبة للدول التي تمتلك صناديق استثمار سيادية مثل غالبية الدول النفطية فيتوقع أن تميل معدلات العوائد على أصول الصناديق الاستثمارية السيادية نحو الانخفاض، وقد تتعرض قيمة بعض أصول تلك الصناديق إلى الانخفاض بفعل الأزمة، في كافة الظروف سوف تميل الإيرادات الرأسمالية لتلك الدول نحو الانخفاض، ومن ثم انخفاض الإيرادات العامة للدولة وهو ما يؤدي الى نفس الاثر السابق.

من ناحية أخرى فانه من المتوقع وفقا لهذا السيناريو أن تستمر الضغوط على الدولار الأمريكي نحو الانخفاض، ومن ثم يتوقع بالنسبة للدول التي تربط عملتها بالدولار الأمريكي، أو التي يلعب الدولار الأمريكي دورا هاما في تحديد قيمة عملاتها، أن تزداد الضغوط التضخمية المستوردة، وذلك بالنسبة للسلع والخدمات التي يتم استيرادها من خارج الولايات المتحدة، مثل أوروبا وآسيا.

السيناريو الثاني هو أن تنجح الجهود الدولية في معالجة الأزمة المالية الحالية، وتتعافي النظم المالية العالمية من آثار تلك الأزمة بعودة الثقة في تلك النظم مرة أخرى، وفي ظل هذا السيناريو يتوقع أن تستمر الضغوط التضخمية الحالية التي يعاني منها العالم، بصفة خاصة في ظل استمرار أثار أزمة الغذاء وميل معظم أسعار السلع الغذائية نحو الارتفاع.

غير أنه من المتوقع حتى مع نجاح الجهود الدولية لمعالجة الازمة المالية العالمية ان تنخفض معدلات النمو في الاقراض على المستوى العالمي، بسبب القيود التنظيمية الجديدة التي ستفرضها دول العالم لضبط ايقاع اسواق المال وللحيلولة دون حدوث أزمة مالية أخرى مشابهة، الامر الذي سيؤدي الى تراجع مستويات الطلب الكلي ومن ثم معدلات التضخم على المستوى العالمي.

الخلاصة هي أن الأثر المتوقع للازمة المالية العالمية على مستويات التضخم في دول العالم سوف يعتمد على مسار الأزمة واتجاهاتها المستقبلية، غير ان الجانب الاكبر من التحليل يشير الى احتمال تراجع الضغوط التضخمية وميل معدلات النمو في الاسعار نحو الانخفاض.

الأربعاء، أكتوبر ٠١، ٢٠٠٨

هل يجب أن تتدخل الحكومة لإنقاذ بورصة الأوراق المالية

أنا لست من أنصار التدخل الحكومي في شئون الحياة الاقتصادية بأي شكل من الأشكال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فالتدخل الحكومي يؤدي إلى تشويه الأسواق وضعف كفاءة عملية تخصيص الموارد، وهو ما يؤثر في النهاية سلبا على معدلات النمو ومن ثم على رفاهية جموع الأفراد بشكل عام.

في الآونة الأخيرة مال الرقم القياسي للأسعار في بورصة الأوراق المالية في الكويت، حالها حال باقي دول الخليج، نحو الانخفاض الحاد متأثرا في ذلك بالموجة العالمية للانخفاض في مؤشرات الأسعار نتيجة للازمة المالية الرهيية التي نعيشها حاليا، وبشائر حالة الذعر المالي الدولي التي نحن مقبلون عليها في المستقبل القريب ما لم تنجح الجهود الدولية للتخفيف من آثار تلك الأزمة واستعادة ثقة جمهور المتعاملين في أسواق المال، للحد من حالة الذعر المالي التي يمكن أن تدمر الجهاز المالي الدولي، ومن ثم تحسين، أو على الأقل تثبيت، توقعات المتعاملين في أسواق المال بحيث يتوقف التدهور في أداء البورصات العالمية، أو على أسوأ الظروف يقل معدل التدهور فيه.

فمع ميل الرقم القياسي للأسعار نحو الانخفاض محيت من القيمة الرأسمالية للسوق مليارات الدنانير، للأسف كان الأثر الأساسي فيها منصبا على صغار المتعاملين، أو الذين هم اقل المتعاملين استعدادا للتعامل مع نتائج هذا التدهور السريع في الأسعار. ومن ثم بدأت الدعوات إلى ضرورة التدخل الحكومي لإنقاذ السوق من التدهور، والحفاظ على ثروات المتعاملين في السوق من الضياع.

ومن الواضح أن هناك انقساما واضحا في الرأي حول أهمية التدخل الحكومي لإنقاذ السوق، فالبعض يرى انه لا يجب على الحكومة التدخل بأي صورة، وان تترك من يأخذون عنصر المخاطرة في التعامل في أسواق المال يتحملون نتائج تلك المخاطرة. خصوصا أنهم لا يشاركون أحدا في الأرباح الكبيرة التي يحققونها عندما تميل أسعار الأسهم نحو الارتفاع، حيث تذهب تلك الأرباح حلالا بلالا إلى جيوب هؤلاء دون أن يحاسبهم عليها أحد. فلماذا إذن عندما تميل الأسعار نحو الانخفاض يطالبون الحكومة، ومن ثم المالية العامة بتحمل نتائج هذا الانخفاض. في ظل هذه الظروف فان مثل هذه المطالب تعد غير عادلة، فما ذنب المواطن الذي لا يضارب او يستثمر في البورصة في أن يتحمل، من خلال المال العام، نتائج انخفاض الأسعار.

الرأي الثاني، وهو أغلبية يرى أن هناك حاجة إلى أن تتدخل الحكومة من خلال ضخ المزيد من السيولة في الاقتصاد، أيا كان أسلوب الضخ، وذلك لتوفير المال اللازم الذي يرفع من مستويات السيولة في مؤسسات السوق المالي بالشكل الذي يساعد على استمرار الطلب على الأوراق المالية مرتفعا، حتى يتوقف التدهور في الأسعار، وكذلك حتى تبدو المؤسسات المالية أكثر استعدادا لمواجهة أي تدهور في الثقة في متانة تلك المؤسسات.

أنا لست بشكل عام من أنصار الرأي الثاني، غير أن الأمر يختلف هذه المرة، حيث يرجع السبب الأساسي في ذلك التدهور في الأسعار في الجانب الأكبر منه إلى أزمة ثقة مصدرها الأساسي ليس الأوضاع الاقتصادية المحلية او أداء الاقتصاد الوطني، بل على العكس فان أداء الاقتصاد الوطني يعد جيدا بشكل لا يبرر هذا التدهور في أوضاع البورصة، وإنما ترجع أزمة الثقة إلى الأزمة المالية العالمية التي أخذت تكتسح أسواق العالم اجمع من الولايات المتحدة حتى اليابان. ومعها محيت تريليونات الدولارات من القيمة الرأسمالية للأوراق المالية المتداولة في بورصات العالم.

اذا استمرت الأوضاع هكذا ولم تنجح الجهود الدولية لمعالجة الأزمة فان العالم سوف يدخل مرحلة من الركود الاقتصادي الشديد على نسق ذلك الكساد العظيم الذي حدث في عام 1929 واجتاح العالم اجمع مخلفا وراءه خسائر اقتصادية هائلة في كافة دول العالم. الوضع إذن مختلف هذه المرة، وهناك حاجة إلى تعاون دولي على كافة الأصعدة لمواجهة الأزمة، بغض النظر عن المسئول عنها. ذلك أن خطورة الأزمة تتمثل في الآثار الانتشارية التي تحدثها عبر اقتصاديات العالم أجمع، سواء من شارك في تلك الأزمة او من لم يشارك فيها.

فقد ترتب على العولمة المالية التي اجتاحت العالم في العقود القليلة الماضية، أن أصبحت أسواق المال في دول العالم أكثر ترابطا، بحيث أصبحنا نتحدث تقريبا على سوق مالي عالمي واحد، يرتبط ببعضه البعض بشكل وثيق، ويعمل على مدار الساعة عبر العالم اجمع، وهو مفتوح تقريبا لكافة المتعاملين عبر الكرة الأرضية. ويعني ذلك انه عندما تحدث أزمة في أحد أركان هذا السوق، بصفة خاصة في الأركان المؤثرة منه، فان آثار تلك الأزمة تنتشر بسرعة البرق إلى باقي أركان السوق، ومن ثم يميل السوق كله نحو التدهور.

ما هي خلاصة التحليل السابق. الخلاصة هي أننا الآن في أمس حاجة إلى تعاون دولي لتدارك الأزمة والحد من تداعياتها على المستويات المحلية والدولية، وان كل جهد تبذله دولة ما سوف يساعد في عملية إنقاذ السوق المالي الدولي من المأزق المالي الحاد الذي يعاني منه حاليا، ووقف المزيد من التدهور في أوضاع هذا السوق. ومن ثم نحن الآن في حاجة حقيقية إلى تدخل كافة حكومات العالم، ومنها حكومة دولة الكويت في عملية الإنقاذ وتثبيت أوضاع السوق نحو الاستقرار ووقف هذا التدهور.