الجمعة، أغسطس ٣٠، ٢٠١٣

استدامة الزراعة في السعودية 2

تناولنا في الاسبوع الماضي مفهوم استدامة الزراعة، والجوانب الأساسية لها، وطبيعة المعضلة التي تواجهها المملكة في الوقت الحالي عندما تحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، بصفة خاصة الغذاء، وقد لاحظنا أن سياسات استدامة قطاع الزراعة تهدف الى ضمان توافر الفرص لعمليات الانتاج الزراعي المجدي من الناحية الاقتصادية بحيث يحقق الاستثمار الزراعي معدلات عائد مناسبة، بما يحافظ على التوازن في النظام البيئي ويحد من الاختلالات البيئية، وفي ذات الوقت يضمن تحقيق مستويات مناسبة من الدخل والأرباح للعاملين في القطاع الزراعي.
على أنه ربما ينشأ نوع من سوء الفهم عند البعض عندما يخلط بين استدامة الزراعة والأمن الغذائي أو الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية، فكلاهما قضيتان مختلفتان، بالطبع تلعب استدامة الزراعة دورا هاما في الأمن الغذائي أو سياسات ضمان الاكتفاء الذاتي، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أننا عندما نتناول قضايا الأمن الغذائي أو الاكتفاء الذاتي في المملكة لا يمكننا الحديث عن أمن غذائي أو اكتفاء ذاتي كامل في هذا المجال، أخذا في الاعتبار طبيعة الموارد المتاحة للقطاع الزراعي في المملكة سواء من حيث الكم أو النوع. إن أفضل ما يمكن الحديث عنه هو كيفية تعظيم عرض الغذاء أو العرض من المنتجات الزراعية في ظل القيود على الموارد المتاحة والتي تتسم بأنها محدودة بشكل عام حاليا، وعلى النحو الذي يضمن استدامة القطاع الزراعي في المملكة بهيكله الحالي ودعم قدراته على النمو على المدى الطويل.
ولتحقيق هذه الأهداف تحتاج المملكة الى اعادة صياغة سياساتها في هذا المجال لدعم استدامة القطاع الزراعي وضمان درجات أعلى من الأمن الغذائي في الوقت الذي تحافظ فيه على الشروط البيئية من الاختلال، وفي ظل سعي الحكومة لضمان استدامة الزراعة لا بد وأن تستهدف السياسات الزراعية مجموعة من الأهداف أهمها؛
-        الحفاظ على مصادر المياه والتي هي أهم الموارد في مجال الانتاج الزراعي، وذلك من خلال الاهتمام أساسا باستخدام تقنيات الانتاج الزراعي الموفرة للمياه، وكذلك  بالمزروعات قليلة الاستخدام للمياه، إذ يعد الري الزراعي من أكبر الاستخدامات للمياه، ويذهب الجانب الأكبر منه الى عمليات انتاج الغذاء سواء البشري أو الحيواني، وعلى المستوى الدولي يقدر أن حوالي 80% من مصادر المياه في العالم تستخدم في عمليات الري الزراعي. وتشير الدراسات إلى أن الاستخدام غير المستدام للمياه الجوفية يؤدي الى مخاطر غير منظورة مثل زيادة تركز العناصر السامة في المياه الجوفية، فضلا عن أن الاستهلاك من المياه في عمليات الري قد يؤدي الى انخفاض منسوب المياه بسبب أن الطلب على المياه يتجاوز معدلات اعادة تعبئة هذه المياه في طبقات المياه الجوفية، وهذا بالضبط ما حدث مع المملكة وفقا للتقارير التي سبقت عمليات وقف زراعة القمح في المملكة والتي أكدت على تراجع مخزون المياه الجوفية في المملكة على نحو غير مستدام، وحاليا تحاول المملكة أيضا الحد من النمو في زراعة النخيل للحفاظ على رصيد مياهها الجوفية. 
-        الاهتمام بتقنيات الزراعة الحديثة، مثل الزراعة المغطاة، ودعم عمليات الانتاج داخل البيوت الزجاجية وتلك المغطاة بالبلاستيك لتقليل استخدام المياه وتهيئة الظروف المناخية للمحصول على نحو أفضل، ودعم قدرة المزارع على استخدام وسائل الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.
-        الاهتمام بمراكز البحوث الزراعية ودعم قدراتها على اجراء الأبحاث الأساسية التي تدعم القطاع الزراعي في المملكة، إضافة الى دعم جهود الارشاد الزراعي للمنتجين وخلق علاقات وثيقة معهم والعمل على التعامل مع مشكلات الانتاج لديهم على النحو الصحيح.
-        تخفيض استخدام المدخلات الصناعية وغير الطبيعية والتي يمكن أن تسبب أضرارا للبيئة ولصحة العاملين في القطاع الزراعي وكذلك للمستهلكين لمنتجات القطاع، وذلك لتخفيض الآثار الخارجية الضارة لمدخلات القطاع الزراعي على البيئة والصحة بشكل عام، وتعزيز عمليات استخدام المدخلات الطبيعية في عمليات الانتاج للحفاظ على التنوع والتوازن البيئي.
-        تكثيف استخدام السلالات الحديثة من النباتات المعدلة جينيا بحيث تحقق قدرا أكبر من الانتاج لنفس المساحة من الأرض، حيث تنتشر هذه الأيام تكنولوجيا تعديل النباتات جينيا والتي ترفع قدرة المحاصيل على مقاومة الآفات أو نقص المياه وفي ذات الوقت تحقق محصولا أوفر.
وبالإضافة الى ما سبق فإن هناك مجموعة من الاجراءات المساندة لسياسات استدامة الزراعة من أهمها:
-        دعم الانتاج الزراعي، سواء بالنسبة لمستلزمات الانتاج المختلفة أو المعدات أو تخفيض فوائد القروض الممنوحة للمنتجين في القطاع.
-        مكافحة الهدر في الانتاج الزراعي، والذي يعود الى أسباب كثيرة، تتعلق بطرق الحصاد والتخزين والتعبئة والتغليف.. الخ، حيث يتم فقد كميات هائلة من المحاصيل سنويا نتيجة لذلك، وتقدر منظمة الزراعة والأغذية "الفاو" أن حوالي ثلث الانتاج الزراعي في العالم، والذي يقدر بحوالي 1.3 مليار طن، يتم فقدانه عالميا بشكل سنوي دون ان تستفيد منه البشرية على نحو يمكن أن يساعد على خفض أسعار الغذاء أو زيادة العرض العالمي منه، وتتعدد مصادر الهدر في الانتاج الزراعي، بصفة خاصة الغذاء، فإما أن يتم الهدر في الانتاج حتى وصوله الى المستهلك النهائي، أو يتم الهدر أثناء عمليات الاستهلاك، وتشير الدراسات إلى أن طبيعة هذا الهدر تختلف حسب طبيعة الدولة التي نتحدث عنها ومستويات الدخول فيها، فبالنسبة للدول متوسطة ومرتفعة الدخل، فإن الجانب الأكبر من الهدر في الغذاء يحدث عند الاستهلاك، بينما في الدول الفقيرة فإن الجانب الأكبر من الهدر يحدث في مرحلة الإنتاج لأسباب متعددة أهمها عدم القدرة على مواجهة الآفات الزراعية، وعدم توافر تسهيلات التخزين المناسبة، وتخلف العمليات التي تجرى على المحصول منذ حصاده حتى بيعه في السوق.. الخ، بالطبع فإن عرض الغذاء يمكن أن يتحسن بصورة جوهرية إذا ما تم التقليل من الفاقد في العرض من الغذاء أو الكميات المستهلكة منه.
-        وأخيرا، وليس آخرا، ينبغي العمل على رسم سياسات مناسبة للاستثمار الزراعي في الخارج بحيث تكون هذه الاستثمارات الخارجية مساندة للإنتاج الزراعي المحلي في تدبير احتياجات المملكة من الغذاء والمحاصيل الزراعية الأخرى. بالطبع المقصود بالاستثمار الزراعي الخارجي هنا ليس هو الاستثمار الزراعي الخاص، وإنما استخدام الدولة لجانب من فوائضها العامة في الاستثمار المباشر في القطاع الزراعي في دول العالم المختلفة، بصفة خاصة المنتجة للغذاء، أو تملك حصص مؤثرة في شركات الانتاج الزراعي خارجيا، بحيث يخصص الجانب الأكبر من المحصول الناتج عن المزارع التي تستثمر فيها المملكة في الخارج نحو التصدير الى المملكة. 

استدامة الزراعة في السعودية (1)

حقق القطاع الزراعي على المستوى العالمي نجاحات ضخمة بصفة خاصة خلال الـ 50 عاما الماضية، حيث تمت مضاعفة مستويات الإنتاج الزراعي عالميا، وتمت مواجهة الاحتياجات المتزايدة لقطاع عريض من السكان في العالم، وتم رفع نسبة ما يحصل عليه الفرد في المتوسط من الغذاء كما تم تحسين نوعية الغذاء الذي يتناوله الإنسان بشكل عام.
بالطبع لا يمكن تعميم هذه النتائج على كل أنحاء العالم، فقد تمايز أداء القطاع الزراعي بشكل واضح بين الأجزاء المختلفة في العالم. على سبيل المثال استطاعت آسيا أن تحقق زيادات واضحة في نصيب الفرد من الغذاء، وبدرجة أقل أمريكا اللاتينية، بينما كان أداء إفريقيا سيئا في هذا المجال بشكل عام، حيث انخفض متوسط نصيب الفرد من الغذاء.
لم يكن هذا النجاح الدولي في رفع مستويات الإنتاجية الزراعية سهلا، بل على العكس لقد جلب معه العديد من التحديات للعالم التي أصبحت اليوم تهدد استدامة عمليات الإنتاج الزراعي على النطاق الدولي. فالقطاع الزراعي هو أكبر القطاعات استخداما للموارد البيئية مثل المياه والغابات والمراعي والأسمدة والمغذيات الزراعية على اختلاف أشكالها، ومن ثم تعتمد استدامة الإنتاج الزراعي على درجة توافر هذه الموارد البيئية.
بشكل عام تشير الدراسات إلى أن هناك عدة مصادر للتحديات البيئية التي تهدد استدامة الإنتاج الزراعي في العالم والتي تتمثل في تدهور نوعية التربة، والقيود على توافر مياه الري اللازمة للإنتاج الزراعي، وفقدان التنوع البيولوجي، فضلا عن التغير البيئي.
لقد ألقت هذه التحديات بظلالها على مستقبل استدامة الإنتاج الزراعي في العالم والشروط البيئية المصاحبة له، وأخذت الجهود الدولية تتصاعد لضمان توفير الشروط اللازمة لضمان استدامة النظم الزراعية في العالم وتحسين أدائها، والتي أخذت أبعادا عدة تمثل أهمها في التركيز على التطوير التكنولوجي لتقليل استخدام الموارد، بصفة خاصة غير المتجددة، والمدخلات الضارة بالبيئة.
وتهدف سياسات استدامة الزراعة إلى تحقيق أربعة أهداف أساسية، أولها هو ضمان توفير احتياجا المجتمع من الغذاء وغيره من المنتجات التي ينتجها القطاع الزراعي وضمان رفع متوسط نصيب الفرد منها بمرور الزمن، والثاني وهو تعزيز وتقوية النظام البيئي وحماية قاعدة الموارد التي يستخدمها القطاع الزراعي في البلاد بصفة خاصة غير المتجددة، والثالث وهو وضمان استدامة الجدوى الاقتصادية لعمليات الإنتاج الزراعي وتحقيق هذا القطاع لأرباح تضمن استمرار تدفقات الاستثمار المناسب فيه، وأخيرا تحسين نوعية الحياة للمنتجين الزراعيين والعاملين في قطاع الزراعة وللمجتمع كله. وتتمثل المشكلة الأساسية في أن هذه الأهداف يوجد بينها قدر كبير من التعارض، الأمر الذي يجعل من عملية استدامة الزراعة مهمة في غاية الدقة والصعوبة في الوقت ذاته.
في اقتصاد نفطي أحادي المورد تقريبا مثل السعودية، يفترض أن يحتل قطاع الزراعة قدرا كبيرا جدا من الأهمية من الناحية الاستراتيجية، لأنه يمثل إشكالية صعبة الحل في اقتصاد يعتمد على التعدين، بينما يتضاءل دور هذا القطاع بالنسبة للحكومة كمصدر للناتج أو الإيرادات. فقد ظل نصيب القطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي محدودا جدا بشكل عام، ففي عام 1981 اقتصر الناتج في قطاع الزراعة والغابات والأسماك على 6.2 مليار ريال، مثّلت1 في المائة فقط من الناتج المحلي الاجمالي بالأسعار الجارية لذلك العام، وعلى الرغم من ارتفاع الناتج في هذا القطاع في عام 2012 إلى نحو 50 مليار ريال بالأسعار الجارية، إلا أن مساهمته مثلت نحو 1.8 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، مما يعني أنه يمكن اهمال دور هذا القطاع نظرا لتضاؤل نسبة مساهمته في الناتج المحلي للمملكة.
ونظرا لانخفاض مساهمة قطاع الزراعة لعدة عوامل أهمها انخفاض درجة توافر مياه الري من مصادرها المختلفة، بصفة خاصة الأمطار، وطبيعة التربة الصحراوية وفقرها من حيث توافر المواد الأساسية اللازمة لعمليات الإنبات، فقد اعتمدت المملكة بشكل أساسي في استيفاء احتياجاتها من الغذاء على الاستيراد من الخارج.
ففي عام 1984 بلغت واردات المجموعات الغذائية المختلفة من الخارج 18.7 مليار ريال، مثّلت نحو 16 في المائة من إجمالي الواردات في المملكة، وفي عام 2012 ارتفعت واردات المجموعات الغذائية إلى 81.2 مليار ريال، مثّلت نحو 14 في المائة من إجمالي الواردات السلعية من الخارج. هذا الارتفاع في الاعتماد على الخارج في توفير الاحتياجات الغذائية للمملكة يحمل بعض المخاطر من الناحية الاستراتيجية، على الرغم من أن قدرة المملكة على تدبير احتياجات الاستيراد من النقد الأجنبي تعد مرتفعة جدا حاليا، كما أن أسواق الاستيراد تعد أيضا مؤمنة إلى حد كبير، لكن يظل الاعتماد المكثف على الخارج في تدبير احتياجات الدولة من الغذاء يحيط به الكثير من المخاطر.
لقد حاولت المملكة تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المنتجات الزراعية، بصفة خاصة القمح، من خلال استخدام أساليب الإنتاج ذات النطاق الواسع، ولقد تمكنت بالفعل من تحقيق نجاحات في هذا الجانب، ولكن ذلك كان بتكلفة إنتاج مرتفعة جدا، نظرا لأن المملكة لا تقع ضمن ما يسمى حزام القمح العالمي، حيث تتوافر أفضل الظروف المناخية لإنتاج الحبوب، فضلا عن ذلك فقد ترتب على محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في المملكة استنزاف كميات ضخمة من المياه الجوفية، والتي تتصف بصعوبة إعادة تعبئتها، نظرا لانخفاض معدلات سقوط الأمطار في المملكة، الأمر الذي أصبح يهدد استدامة الأمن المائي في المملكة على نحو خطير، وها هي المملكة اليوم تحاول إعادة هيكلة عملية استخدام المياه الجوفية في الأغراض الزراعية، حيث تصل إلى حل أمثل فيما يتعلق باستيفاء احتياجات القطاع الزراعي من الماء، وفي الوقت ذاته تحافظ على استدامة أمنها المائي من أن يتهدد في المستقبل.
نحن إذن أمام معضلة متعددة الجوانب، فمن ناحية تحتاج المملكة إلى تنمية قطاعها الزراعي، على الرغم من أن ما تمتلكه من مزايا نسبية في هذا القطاع لا تؤهل هذا القطاع لأن يلعب دورا فاعلا في الناتج، حيث تتضاءل مساهمة هذا القطاع على نحو استثنائي كما أشرنا، ومن ناحية أخرى، تحتاج المملكة إلى تأمين احتياجاتها من السلع الزراعية، بصفة خاصة المواد الغذائية لأغراض استراتيجية في الدرجة الأولى لضمان استدامة أمنها الغذائي، ومن ناحية ثالثة تحتاج المملكة إلى التأكد من أن عمليات استخدام المياه في الإنتاج الزراعي تجري على نحو لا يهدد استدامة أمنها المائي على المدى الطويل، ومن ناحية رابعة تحتاج المملكة إلى التأكد من أن عمليات الإنتاج الزراعي تتم في إطار لا يهدد الشروط البيئية في المملكة، ويحافظ على استدامة توازنها البيئي بشكل عام. وأخيرا لا بد أن يتم كل هذا على النحو الذي يضمن جدوى الإنتاج الزراعي وربحيته، وهذه هي التحديات الأساسية أمام استدامة القطاع الزراعي في السعودية.

الأحد، أغسطس ٢٥، ٢٠١٣

أسبوع استثنائي للذهب

شهد هذا الأسبوع تحقيق الذهب مكاسب كبيرة، حيث لامس حاجز الـ 1400 دولار للأوقية يوم الجمعة الماضي قبل إغلاق التعاملات لهذا الأسبوع عند 1397.8 دولار. هذا الارتفاع الكبير تقف وراءه أسباب عدة، أهمها تزايد الطلب على الذهب، وتراجع مؤشرات أسواق الأسهم في الدول الناشئة، كما أن العملات الآسيوية تحت ضغوط كبيرة حاليا، في الوقت الذي يعتقد فيه أن الأسهم الأمريكية مقومة حاليا بأعلى من قيمتها الحقيقية، فضلا عن توقعات بحدوث بعض التراجع في المعروض من الذهب في الأشهر القادمة، وهي جميعا أوضاع مثالية لصعود الذهب.
بعض المراقبين يرى أن السوق اليوم هو سوق تصاعد سعري، وأن معطيات سوق الذهب تتغير على نحو واضح هذه الأيام، وأن الذهب قد بلغ هذا الحاجز ليأخذ في الارتفاع المستمر، وقد قدر البعض أن الذهب سيطرق حاجز الـ 1600 دولار بنهاية العام، والبعض الآخر يعتقد أن سعر الذهب سيتخطى حاجز الـ 1700 في العام القادم، ومن الواضح أن معنويات المضاربين في الذهب مرتفعة جدا حاليا.
أعتقد أن هناك مبالغة في هذه التقديرات، فعلى الرغم من أن الذهب بالفعل حقق مكاسب كبيرة هذا الأسبوع، إلا أنه من الممكن أن ينعكس الاتجاه السعري للذهب مع ظهور أي أخبار معاكسة، على سبيل المثال فإن وقف الاحتياطي الفيدرالي لعمليات شراء السندات والمتوقع أن تبدأ في سبتمبر القادم سوف يترتب عليه ارتفاع معدلات العائد على السندات وهو ما سيؤدي إلى تقليل جاذبية الذهب.

عقارات دبي تنتعش مرة أخرى

نشرت صحيفة الوول ستريت جورنال تحقيقا عن أسعار العقارات في دبي، والذي أظهر عودة الانتعاش بشكل واضح لأسعار العقارات في الإمارة، إذ تشير الصحيفة إلى أن صندوق النقد الدولي قدر ارتفاع أسعار العقارات هذا العام بحوالي 16% حتى ابريل الماضي، في الوقت الذي ارتفعت فيه الإيجارات بأكثر من 30% هذا العام.
هذه التطورات الإيجابية سمحت بإطلاق العديد من مشروعات الاستثمار العقاري الضخمة وعلى رأسها مدينة الشيخ محمد بن راشد، والتي من المقرر أن تضم أكبر مركز للتسوق في العالم. غير أن صندوق النقد الدولي يبدي بعض القلق من احتمالات تكون بالون أخرى لأسعار العقار في الإمارة، ولذلك يقترح الصندوق على دبي بأن تفرض رسوما أعلى على التعاملات العقارية والتي تقتصر حاليا على 2%، وذلك لكي تنوع من إيراداتها وتوقف الاتجاه نحو عمليات المضاربة في العقار.
أعتقد أن اقتراح صندوق النقد الدولي يمكن أن يقلل من جاذبية سوق العقارات في دبي ويجهض بالتالي خطط توسع الاستثمارات العقارية التي يتم ضخها سنويا فيه، لذلك أرى أن نجاح دبي في أن تستمر في الحفاظ على مركزها الدولي في مجال الاستثمار العقاري يتطلب ضرورة المراقبة اللصيقة لبالونات أسعار العقار، والعمل على التدخل في التوقيت المناسب لمنع تكون مثل هذه البالونات بالوسائل المختلفة، فلا شك أن أي انفجار آخر لبالون أسعار العقارات في دبي سوف يكون له آثارا مدمر على مستقبل الاستثمار العقاري في الإمارة. 

الجمعة، أغسطس ٢٣، ٢٠١٣

تقارير سيئة من منطقة اليورو

أصدر مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي "اليوروستات"، الأسبوع الماضي، عدة تقارير عكست مدى عمق الأزمة في أوروبا في الوقت الحالي، فقد حمل تقرير البطالة في آذار (مارس) أنباء عن استمرار ارتفاع معدل البطالة في منطقة اليورو إلى مستويات قياسية جديدة، حيث بلغ 12.1 في المائة، وكانت أعلى المعدلات في اليونان 27.2 في المائة، وإسبانيا 26.7 في المائة.
من ناحية أخرى، أظهر تقرير معدلات التضخم في نيسان (أبريل) استمرار تراجع معدلات التضخم في المنطقة من 2.6 في المائة في نيسان (أبريل) 2012 إلى 1.2 في المائة فقط في نيسان (أبريل) 2013، وهو ما يعكس تراجع مستويات الطلب الكلي في المنطقة على نحو أصبح يخشى معه أن تقع منطقة اليورو في مصيدة الانحسار السعري Deflation Trap.
أما التقرير الثالث عن عجوزات الميزانية في دول منطقة اليورو فقد كان يكشف جزئيا عن أسباب هذه التطورات، فوفقا للتقرير تراجعت نسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي في منطقة اليورو من 6.4 في المائة في 2009 إلى 3.7 في المائة فقط في 2012، وهو ما يعكس جهود التقشف الضخمة التي تمارسها هذه الدول للسيطرة على العجز المالي، ولكن هل تراجعت نسبة الديون إلى الناتج؟ الإجابة هي لا؟ لقد ارتفعت نسبة الدين المحلي إلى الناتج من 80 في المائة في عام 2009 إلى 90.2 في المائة في 2012.
من الواضح أن أوروبا تطبق السياسات الخطأ، فوصفة التقشف ليست هي الوصفة المناسبة للمرض الأوروبي، فلم تؤد إلى السيطرة على نمو دينها العام، والأخطر تراجعت معها معدلات النمو الاقتصادي.

اليابان تدق طبول الحرب

حدث تحول جوهري في اتجاه السياسات النقدية والمالية لليابان، فقد بدا من الواضح أن الحكومة اليابانية الجديدة عازمة على الخروج من حالة الركود الاقتصادي الطويل الذي عاشته معظم الفترات خلال العشرين عاما الماضية، والتي قضاها الاقتصاد الياباني بين معدلات نمو سالبة أو انحسار سعري، وذلك بأي ثمن، حيث تم تبني سياسات تحفيز نقدي ومالي غير مسبوقة.
تمثل التحفيز المالي في تبني خطة للإنفاق العام بميزانية 116 مليار دولار تم تخصيص ربعها لمشروعات الأعمال العامة، فيما يشكل تطبيقا مباشرا للروشتة الكينزية في تحفيز مستويات الطلب الكلي من خلال الإنفاق على مشروعات الأعمال العامة في أوقات الكساد. من ناحية أخرى، بعد أن تولى هاروهيكو كورودا رئاسة البنك المركزي الياباني أعلن عن خطط ثورية للتحفيز النقدي، بهدف تحقيق مستوى مستهدف للتضخم عند 2 في المائة، وأعلن أنه سيتخذ جميع الإجراءات لكي يكسر حالة الانحسار السعري الذي تعيشه اليابان منذ وقت طويل، وهي مهمة ثبت أنها صعبة التحقيق في ظل الانكماش السعري الشديد الذي عاشته اليابان في الماضي.
بالطبع فإن تبني معدل تضخم 2 في المائة سيتطلب ضرورة ضخ المزيد من عرض الين للضغط على الأسعار نحو الارتفاع، وبالتالي المزيد من انخفاض معدل صرفه وهنا مكمن الخطر. فوفقا لخطة البنك المركزي الياباني سيتم شراء 7.5 تريليون ين من السندات الحكومية شهريا حتى تتم مضاعفة الأساس النقدي الياباني ليصل إلى 270 تريليون ين في آذار (مارس) 2015. آخذا في الاعتبار هذه المستويات من الأساس النقدي، وبوضع أي تقدير متوسط للمضاعف النقدي، فإن تطبيق هذا البرنامج سيعني أن اليابان مقدمة على عرض هائل من النقود، يتوقع معه أن يرتفع التضخم في اليابان ويتحول الى أرقام موجبة، بعد أن ظل سالبا لمعظم الأوقات مسبقا، وهو ما سيترتب عليه خفض كبير في قيمة الين.
منذ فترة طويلة والين الياباني يميل نحو الانخفاض، غير أن خطط التسهيل النقدي الأخيرة صاحبها تراجع واضح للين الياباني وبشكل كبير، فخلال الأشهر الستة الماضية تراجعت قيمة الين بنحو الربع تقريبا، ومع استمرار تراجع الين الياباني أصبح ثالث أرخص عملة بعد الدولار واليوان، وأصبحت بالتالي الصادرات اليابانية رخيصة بالنسبة لمنافسيها، بصفة خاصة الصين التي من الواضح أن لديها قلقا كبيرا من تراجع قيمة الين، وقد حذرت اليابان أكثر من مرة من مغبة الاستمرار في الضغط على الين نحو التراجع، ومن أن الدول الناشئة هي التي ستدفع ثمن حرب العملات إذا اشتعلت. كذلك أصبحت طوكيو أكثر جاذبية للسياح الأجانب بعد أن انخفضت تكلفة الإقامة بشكل كبير نتيجة لتراجع قيمة العملة.
لا خلاف على أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجهها اليابان حاليا، يعد الاتجاه نحو تخفيض العملة اتجاها صحيحا من الناحية النظرية، ولكن عندما تكون لاعبا رئيسا في السوق التجاري الدولي، وعندما يكون هذا التحرك في ظل أزمة طاحنة تدك العالم أجمع، بمن فيهم منافسوك، فإن هذه الخطوة سوف تكون لها عواقب وخيمة على الجميع، بمن فيهم البادئ.
للإنصاف، لا بد من الإشارة إلى أن الين الياباني ليس هو العملة الوحيدة في العالم التي تتراجع قيمتها بشكل متعمد، فلا شك أن الدولار الأمريكي واليوان الصيني أيضا ضعيفان في القيمة وبصورة متعمدة أيضا، أي أن عملاقي التجارة الدولية يفعلان ما تفعله اليابان بشكل أو بآخر، فالولايات المتحدة تضخ مئات المليارات من الدولارات في صورة تيسير كمي طويل الأمد، والصين تصر على الابقاء على معدل صرف الرينمنبي منخفضا بعيدا عن قوى السوق، ومن هذا المنطلق فإن اليابان لا تفعل شيئا مختلفا عما يفعله الشركاء الكبار.
غير أن الحكومتين الصينية والأمريكية تعلنان دائما أن أسباب ضعف عملتيهما تأتي نتيجة للأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية، وليس نتيجة خطوات خبيثة قامتا باتخاذها لتعزيز وضع عملتيهما على المستوى الدولي، وهو أيضا ما سارعت اليابان إلى إعلانه، فاليابانيون ينفون أن ما يقومون به من تسهيل نقدي الهدف منه هو إضعاف الين، وإنما الهدف الأساسي منه مقاومة الركود والانحسار السعري الذي تعاني منه اليابان منذ فترة طويلة، وهو أمر له آثاره الإيجابية على اليابان وشركاء اليابان ومنافسيها بل والعالم أجمع.
غير أن الكثير من المراقبين يعتبر الخطوة اليابانية بأنها بمثابة إعلان حرب على العالم، وقد جاءت ردود الفعل على الخطوة اليابانية من عدة أماكن في العالم، ففي شباط (فبراير) الماضي حذر الرئيس الفرنسي هولاند من أن جهود فرنسا لتحسين مستويات تنافسيتها التجارية ربما تذهب هباء بسبب القيمة المرتفعة لليورو في مقابل عملات الدول التجارية الرئيسة في العالم ودعا دول منطقة اليورو إلى وضع مستويات مستهدفة لليورو في الأجل المتوسط للمساعدة على الحفاظ على قيمة اليورو لحماية مصالح الدول الأعضاء في العملة الموحدة. من ناحية أخرى، صرح رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي بأن الباب مفتوح لاتخاذ أي إجراءات نقدية لمواجهة الآثار الاقتصادية المترتبة على ارتفاع قيمة اليورو في مواجهة العملات الأخرى.
كان الأثر المباشر لضعف الين على جارتها كوريا الجنوبية، التي تراجع معدل نمو صادراتها بصورة واضحة هذا العام، في الوقت الذي أخذت فيه صادرات اليابان في التصاعد، وهناك بوادر لتأثر مبيعات وأرباح شركات السيارات الكورية التي يتم عزوها حاليا لضعف الين، ولذلك أعلنت رئيسة كوريا الجنوبية بارك عن أن حكومتها ستتخذ الخطوات الوقائية المناسبة لضمان استقرار الوون الكوري نتيجة الانخفاض الكبير في الين الياباني الذي أضر بشكل واضح بالشركات الكورية الجنوبية، وأنها ستتخذ ما يلزم من إجراءات لضمان حماية الشركات الكورية من تحقيق خسائر من جراء ذلك.
وفي تايلاند أعلن وزير الخارجية كتيرات رانونج أنه يضغط حاليا على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة لمساعدة الصادرات وللحد من تدفقات رؤوس الأموال إلى الداخل التي أدت إلى رفع قيمة البات التايلاندي بالنسبة للين لأكثر من 15 في المائة في الربع الأول من هذا العام الذي يعد الارتفاع الأكبر بين العملات الآسيوية.
أكثر ردود الفعل هجومية جاءت من الصين، فقد أخذ الاقتصاديون الصينيون في مطالبة البنك المركزي الصيني "بنك الشعب" بأن يقوم باتخاذ إجراءات مناسبة للرد على تخفيض قيمة الين من خلال محاولة الضغط على اليوان بالنزول لكي تحمي الصين مصالحها التجارية، حيث يعتقدون أن ما تقوم به اليابان هو من أعمال الحرب التجارية، وأن ما تدعيه اليابان من أن ما تقوم به حاليا هو محاولة لرفع معدلات التضخم التي ظلت منخفضة خلال عقدين من الزمان تقريبا هو في واقع الأمر مؤامرة نقدية من اليابان تستهدف الدول الآسيوية المصدرة مثل الصين، وأن البنك المركزي يجب أن يفعل المزيد من خلال شراء الدولار لكي يخفض اليوان، ولكي يواجه الهجوم الياباني. من ناحية أخرى، حذر رئيس الصندوق السيادي اليابان من استمرار النظر إلى جيرانها على أنهم مستودع للقمامة، وذلك بقيامها بتخفيض الين، وذلك في نبرة خطاب حادة لليابان.
المشكلة الأساسية هي أن اليابان تريد أن تنهي أزماتها في مناخ أزمة كما سبقت الإشارة، وهو توقيت غير مناسب على الإطلاق للتعامل مع استحقاقات الركود الطويل الذي مرت به اليابان، وحتى هذه اللحظة يقف العالم موقف المتفرج دون ردة فعل عملية على الخطوة اليابانية، ربما باعتبار أن الرد سيؤدي إلى انطلاق حرب العملات بين القوى التجارية الرئيسة في العالم، التي ستؤثر سلبا على جميع الاقتصادات بما فيها جيران اليابان، ومن المعلوم أن حرب العملات هي حرب لا رابح فيها، لأنها دائما تستدعي التدخل من جميع الأطراف لمحاولة كل طرف الحفاظ على مصالحه من هجوم الطرف الآخر.
للأسف الشديد فإن انطلاق أي حرب للعملات ستعقبها حرب تجارية وقيود جمركية وغير جمركية يمكن أن تشل حركة الإنتاج والتجارة في العالم، وعندما تتخذ مثل هذه الإجراءات فمن المؤكد أن ذلك سيؤثر أيضا في حركة رؤوس الأموال على المستوى الدولي، وهذا هو مكمن الخطورة من انجراف العالم نحو هذا الاتجاه بعد أن دقت اليابان طبول حرب العملات، إنه باختصار شديد سباق نحو القاع.

عندما يتعلق الأمر بإعادة هيكلة التعليم.. أهل مكة ليسوا أدرى بشعابها

نشرت "الاقتصادية" عرضاً لتفاعلات بعض القرّاء تحت عنوان "الشركات العلمية لا تناسبنا.. وأهل مكة أدرى بشعابها"، وذلك حول خبر نشرته تحت عنوان "شركات عالمية تعيد هيكلة التعليم في السعودية"، حيث أشار بعض القرّاء إلى أنه يجب ألا تقوم شركات عالمية بتطوير نظام التعليم في المملكة لأن رؤاها وبيئتها وأساليبها تختلف عنا، وأن أهل مكة أدرى بشعابها في مثل هذه الأمور.
المشكلة هي أن البعض لا يدرك مفهوم ومتطلبات وآليات وهيكل النظام التعليمي الحديث، الذي يستهدف إعداد قوة عمل تنافسية قادرة على الانخراط في بيئة العمل في أي مكان في العالم، وقادرة على التعامل مع التحديات الرقمية والتقنية التي تتطور فيه كل يوم تقريباً، لا يمكن لقوة العمل أن تتعامل مع البيئة العالمية الجديدة بنظام تعليمي تقليدي، ولذلك انصب اهتمام الدول الناشئة في العالم على النهوض بنظامها التعليمي كأحد المتطلبات الأساسية لنهوضها مستعينة بأفضل الخبرات العالمية.
عندما تفكر المملكة في إعادة هيكلة نظامها التعليمي فإنها تستهدف أساساً بناء نظام تعليمي حديث لا يقل عن النظم التعليمية المطبقة في الدول المتقدمة، وهذه النظم لا نملك نحن سبل تطويرها أو إعادة هيكلتها، ونحتاج إلى أن نلجأ في ذلك إلى متخصّصين في هذه النظم الحديثة حتى تتم عملية إعادة الهيكلة على الوجه الصحيح الذي يضمن أن تتمتع المملكة بنظام تعليمي فعال، وهذا لا يدري أهل مكة بشعابها فيه

الاختبارات التحصيلية وتطوير نظام التعليم

نشرت "الاقتصادية" أمس تحقيقا عن أن وزارة التربية والتعليم سوف تبدأ في إجراء أول اختبار تحصيلي لنحو مليون طالب وطالبة في الصفين السادس الابتدائي، والثالث المتوسط مطلع الشهر المقبل؛ وذلك بهدف قياس الأداء والوقوف على مستوى تحصيل الطلبة في هاتين المرحلتين.
متابعة أداء الطلبة ومستوى تحصيلهم التعليمي والوقوف على نقاط الضعف الأساسية التي يعانونها، خصوصا في مجالات الرياضيات والعلوم بفروعها المختلفة، أمر في غاية الأهمية لتصميم استراتيجيات التدخل المناسب لإصلاح الخلل في النظام التعليمي ووضع الخطط المناسبة للتدخل لرفع مستويات المعلم والمناهج وطرق التدريس ومستوى الكتب ومناخ التعليم، وغير ذلك من الأسس التي يقوم عليها النظام التعليمي الجيد.
فالدولة تخصص مئات المليارات للتعليم سنويا، وإذا لم ينعكس هذا الإنفاق على مخرج تعليمي جيد، فإن ذلك يعكس هدرا واسعا في إنفاق الدولة على هذا القطاع الحيوي، والدولة تنفق على التعليم، كي ترفع من درجة استعدادها لمواجهة المستقبل بكل تحدياته، والعالم الذي نعيش فيه اليوم تختلف ظروفه عن أي مرحلة زمنية سابقة. فاليوم تلعب التكنولوجيا الحديثة والتقنيات الرقمية والقدرة على الابتكار والتطوير الدور الحاسم في الوضع الذي تأخذه الدول على خريطة التنافسية العالمية، وقد أدركت دول العالم أن استعدادها وقدرتها على التنافس عالميا يعتمد أساسا على نظام التعليم لديها، أو بالأحرى فإن الإنفاق على التعليم في المدارس يفترض أن يتحول لاحقا إلى اختراعات وابتكارات وإسهامات فكرية ترتقي بإنتاج الدولة واقتصادها.

ندوة "الاقتصادية" عن الكهرباء.. الدولة تدفع ثمن الأجهزة الرديئة

عقدت "الاقتصادية" ندوة عن الجوانب المتصلة بتوليد واستهلاك الكهرباء في المملكة، قدمها المهندس علي البراك الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للكهرباء. لفت نظري مما دار داخل الندوة ما أشار إليه بأن رداءة الجودة لبعض أجهزة التكييف تنعكس على أداء الشبكة، ولذلك اضطرت الدولة إلى استثمار أربعة مليارات ريال لرفع كفاءة الشبكة نتيجة ارتباطها بمكيفات رديئة.
إن استيراد السلع الرديئة لا يقتصر تأثيره السلبي كما هو واضح على المستهلك، وإنما يمتد أيضا إلى الدولة، التي تجد نفسها مضطرة إلى إنفاق أموال طائلة للتعامل مع آثار الأجهزة الرديئة في كفاءة الشبكة، وقد كان من الممكن توجيه هذه الأموال إلى استخدامات أفضل للدولة وللأفراد كرفع مستوى خدمات الكهرباء أو الخدمات العامة الأخرى مثل الصحة والتعليم والأمن وغيرها، أن تأتي مجموعة من المستوردين مدفوعين بتحقيق أرباح أعلى بإدخال سلع رديئة، بغض النظر عن آثار ذلك في المصلحة العامة والخاصة، فإن ذلك لا بد أن يواجه بالحزم المناسب حماية للمستهلكين وللدولة والمال العام.
إن ضبط معايير الجودة والأمان والسلامة وغيرها من الشروط الواجب توافرها في السلع المستوردة، لا بد أن يحظى بالعناية المناسبة من جانب أجهزة الجمارك والمسؤولين عن الكشف عن تلك السلع، فمن المفترض أن تزود الجمارك بالكفاءات القادرة على الكشف الصحيح عما يتم استيراده في ظل قواعد صارمة للجودة وقوانين رادعة للاحتيال الحيلولة دون دخول السلع الرديئة للأسواق.

مقاومة الاتجاه نحو الجودة في الجامعات السعودية

نشرت "الاقتصادية" تحقيقا عن أن بعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعات السعودية قد سعوا بالفعل إلى مواجهة التغيير الذي تتطلبه عملية سعي الجامعات لتبني معايير لضمان جودة التعليم العالي.
الاتجاه نحو الجودة في الجامعات غالبا ما يأتي ضمن سعيها نحو الحصول على الاعتماد الأكاديمي من مؤسسات الاعتماد الدولية، والاعتماد الأكاديمي للجامعات مثل شهادة الآيزو للشركات، الذي يعني التزام الجامعات بمعايير الجودة في تقديم الخدمة التعليمية، وسعيها نحو قياس مخرجاتها التعليمية بشكل منهجي، وتطوير البرامج بناء على ذلك، مع التزام أعضاء هيئة التدريس بتطوير أنفسهم علميا من خلال البحث العلمي، وعمليا من خلال خدمة المجتمع في مجالات تخصصاتهم.
ولأن الجامعات لا بد أن تثبت أنها بالفعل تلتزم بالمعايير التي تضعها مؤسسات الاعتماد الأكاديمي، فضلا عن ضرورة صيانة هذا الاعتماد الأكاديمي بشكل مستمر، غالبا كل خمس سنوات، فإن ذلك يعني أن أعضاء هيئة التدريس يكونون تحت ضغط مستمر لتحسين الجودة. بعض أعضاء هيئة التدريس يعتقد أن في حصوله على درجة الدكتوراه نهاية المطاف لمشواره العلمي والعملي، وهؤلاء يمثلون عبئا على الجامعات في سعيها لتحسين الجودة، فلا يكون أمام الجامعات سوى خيارين، الأول هو التخلص من هؤلاء، وهو أمر مستحيل في الجامعات الحكومية، أو محاولة إقناعهم بأهمية تطوير أنفسهم حتى يكونوا عند المستوى اللائق بالجامعة، وهي مهمة ثبت أنها صعبة التحقيق حينما يكون عقد عضو هيئة التدريس مع الجامعة غير محدد المدة.

بنك الأسرة في السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تحقيقا عن أن هناك مفاوضات تجري حاليا لنقل تجربة بنك الأسرة في البحرين إلى السعودية، من أجل المساعدة على تقديم قروض للأسر الفقيرة، يتم استخدامها في القيام بالمشاريع الصغيرة التي يمكن أن تساعدها على الخروج من حالة الفقر. الفكرة في جوهرها تطبيق لبنك جرامين في بنجلادش الذي يقدم نوعا من التمويل متناهي الصغر للفقراء.
أيا كان الترتيب الذي على أساسه سوف تتم عملية نقل تجربة بنك الأسرة أو بنك الفقراء إلى المملكة، فمما لا شك فيه أن مثل هذا المشروع ينبغي أن يحظى بأولوية مناسبة، لأنه سيساعد على تحقيق عدة أهداف في الوقت ذاته. فمن ناحية يمكن من خلال البنك إنشاء عدد كبير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة على أسس اقتصادية وهو ما يرفع مستويات الإنتاج في القطاعات التي ستنشأ فيها هذه المشاريع الصغيرة، كما أنه سيؤدي إلى خفض معدلات البطالة بين الفقراء من خلال مساعدتهم على فتح فرصة عمل في المشاريع الصغيرة التي سيتم تمويلها من خلال البنك، فضلا عن أنه سيساعد على التقليل من التفاوت في الدخول بين الطبقات الداخلية الدنيا في المجتمع السعودي وذلك من خلال فتح المجال أمام المبادرين من الفقراء لتحسين أوضاعهم، والأهم من ذلك كله أن هذه المشاريع الممولة سوف تحول الفقراء إلى منتجين لا يعتمدون في معيشتهم على ما يقدمه لهم الغير أو ما تقدمه لهم الدولة من مساعدات.

معالجة أوضاع الاستثمارات السعودية في مصر

 
نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا عن تشكيل لجنة من قِبل وزارة التجارة والصناعة لمتابعة المشاريع الاستثمارية السعودية القائمة في مصر. لا شك أن الاستثمارات السعودية في مصر أصبحت أحد الملفات الشائكة بين البلدين الشقيقين بعد الثورة، وقد ثار حولها جدل طويل سواء من الجانب المصري أو السعودي، وأيا كانت الحجج التي تساق في هذا المجال، فمن المؤكد أن معالجة هذا الملف وعلى وجه السرعة هو أحد المتطلبات الأساسية لتحسين مناخ الاستثمار المصري، ولرفع درجة التعاون الاقتصادي بين مصر والسعودية وتعزيز قدرة الاقتصاد المصري على جذب الاستثمارات المباشرة، وبصفة خاصة الخليجية.
الأوضاع الحالية لمصر تتطلب أن يتم حل جميع المشكلات المرتبطة بهذا الملف من الجانب المصري، وبصورة نهائية، وذلك لفتح الآفاق أمام مزيد من تدفقات الاستثمارات السعودية إلى السوق المصري الواعد، مع تقديم جميع التسهيلات التي تضمن عمل هذه الاستثمارات على نحو سلس، وبما يساعد على تعزيز معدلات نمو الناتج المصري وتوفير مزيد من الوظائف للعمالة المصرية والحد من انتشار البطالة.
مصر الثورة ينبغي أن تطوي جميع الملفات المرتبطة بالنظام السابق، وأن تبدأ صفحة جديدة مع الجميع، وأن تعزز من علاقاتها الاقتصادية مع جميع دول العالم، وبصفة خاصة أشقائها الخليجيين، فالشراكة بين الاقتصاد المصري والاقتصاد السعودي لها آفاق واعدة تصب في مصلحة الطرفين، السعودية برأس المال، ومصر بالقوى العاملة والسوق الكبير، مما يمكن أن يترتب عليها نتائج هائلة للتعاون الاقتصادي بين البلدين.

ماذا حدث للذهب؟

لم يكن عام 2013 عاما مثاليا للذهب أو للمتعاملين فيه، فقد بدا من الواضح أن الذهب بدأ يفقد علاقة الارتباط الوثيقة بين سعر الذهب والأحداث العالمية الرئيسة التي تحدث في العالم من فترة إلى أخرى، ففي الأوقات التي كنا نتوقع أن نشهد فيها ارتفاعا قويا للذهب ظل سعر الذهب يراوح مكانه، بل ويميل نحو التراجع بشكل عام. انخفاض حساسية الذهب للعوامل التي يفترض أنها تدفع سعره نحو الارتفاع هذا العام أدى إلى تغذية التوقعات بين المتعاملين بأن الذهب بدأ يفقد بريقه، وأن سوق الذهب ربما يتحول إلى سوق نزول سعري Bear market، بعد أن ظل لنحو 12 عاما سوق ارتفاع سعري Bull market، ارتفعت خلالها أسعار الذهب لأكثر من خمسة أضعاف، فكان الذهب عبر هذه السنوات تابعا أمينا للمضاربين فيه.
شهد الأسبوع قبل الماضي تسونامي سعري للذهب فاق التوقعات كافة، حيث تراجع سعر الذهب بنحو 13 في المائة عبر يومين متتاليين، والذي نظر إليه على أنه انخفاض تاريخي، لدرجة أن البعض بدأ يتحدث عن انهيار الذهب وانفجار فقاعته، التي تكونت عبر السنوات الماضية، حيث أخذ سعر الذهب في الانحراف بصورة واضحة عن تكلفة إنتاجه، حتى تجاوز 1900 دولار للأوقية، وأخذ مروجو الذهب يتحدثون عن قرب اختراق حاجز الـ 2000 دولار والـ 3000 دولار، بل والـ 5000 دولار، فالذهب، من وجهة نظر هؤلاء، هو الأصل الوحيد الذي يحفظ القيمة عبر الزمن.
إذا كان الذهب هو مخزن القيمة الذي يحمي ضد التضخم فيفترض، أنه كسلعة تجارية مقومة بالدولار، أن يعكس الارتفاع في سعر الذهب معدل التضخم على الدولار بشكل أساسي، ولكن الارتفاع في سعر الذهب تجاوز معدلات التضخم على الدولار بشكل كبير، وهو ما يعكس حقيقة أن سعر الذهب منفوخ، وأي سعر منفوخ لا بد أن تتم عملية تصحيحه في نقطة زمنية محددة، غير أن هذه النقطة الزمنية لم تحن بعد، فما زالت الظروف التي تدفع إلى النفخ في سعر الذهب قائمة، ولكننا من وقت إلى آخر نشهد بعض التصحيحات الجزئية للسعر التي تؤكد أن سعر الذهب منفوخ بصفة خاصة عندما يحدث تحول في العوامل المسؤولة عن ارتفاع سعر الذهب. لكني ما زلت أؤمن بأن عملية التصحيح المنتظرة قادمة لا محالة يوما ما.
يفترض أن يتحدد سعر السلع بشكل عام من خلال قوى العرض والطلب، حيث يعكس السعر بشكل أساسي متوسط التكلفة الكلية للوحدة من السلعة على المدى الطويل، هذا إذا كان السوق حرا، ولكن في الكثير من الأحيان قد لا يكون السوق حرا, وتلعب المراكز الاحتكارية لكل من البائعين أو المشترين دورا في انحراف السعر عن التكلفة المتوسطة للسلعة، وهذا ما يحدث حاليا في سوق الذهب، فحاليا تصل تكلفة إنتاج أوقية الذهب في المتوسط في حدود 600 دولار، فإنه يصعب تبرير أي سعر للذهب يتجاوز 700 إلى 800 دولار للأوقية، فما بالك أن يتجاوز السعر 1900 دولار للأوقية.
ولكن هل هذا الذهب هو جنة الأمان للمدخرات فعلا؟ تشير التقديرات للانحراف المعياري لسعر الذهب تقدره بأنه نحو 21 في المائة، وهذا مستوى أكبر من الانحراف المعياري لمؤشرات أسواق الأسهم، الأمر الذي يعكس شدة التقلب التي يتعرض لها الذهب وارتفاع عبر الزمن. ما يجب أن يعلمه صغار المضاربين في الذهب هو أن المضاربين الكبار وصناديق التجارة في المعدن لا تؤمن بأن الذهب هو جنة الأمان للمدخرات، ولكنهم يرددون هذه العبارة طالما أنها تصب في مصلحة السوق.
والآن ما الأسباب التي تقف وراء التراجع الحاد الذي شهدناه أخيرا في سعر الذهب؟ واقع الأمر أن هذا التراجع هو نتيجة مجموعة متنوعة من العوامل، فقد كان واضحا منذ البداية أن هناك دلائل تشير إلى ضعف العلاقة المفترضة بين التطورات في العالم وسعر الذهب، مما أدى إلى فقدان الثقة باستجابة الذهب التقليدية للحوادث الاقتصادية على المستوى العالمي.
كانت هناك بعض التكهنات المتواترة عن تفضيل بعض أعضاء لجنة السوق المفتوح في الاحتياطي الفيدرالي بالخروج مبكرا من الاستراتيجية الحالية للتسهيل النقدي، ووقف عمليات التسهيل النقدي التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي قبل الموعد المقترح لها، ومن المعلوم أن إحدى الحجج الأساسية للمضاربة على الذهب هي برامج التيسير الكمي التي يتبعها الاحتياطي الفيدرالي وما يتوقع أن تخلفه من ضغوط تضخمية يخشى معها أن تؤثر سلبا في المدخرات بالدولار الأمريكي، وباعتبار أن الذهب هو أحد الأصول التي تحمي المدخرات ضد التضخم، كما يدعي المضاربون على الذهب، فإن مثل هذه القرارات تقضي على الأسباب المعلنة لاستمرار المضاربة في الذهب.
منذ فترة والأخبار تتوالى عن تراجع مستويات النشاط الاقتصادي في العالم، فمعدلات النمو في الولايات المتحدة تتراجع بعد أن بدا من الواضح أن النمو الأمريكي المدفوع بالتسهيل النقدي يفقد عزمه سريعا بمرور الوقت، كما أن النمو الأوروبي يتحول إلى نمو سالب، وآسيا تتباطأ معدلات نموها على نحو واضح، غير أن أوضح تأثيرات هذه الأوضاع بدت عندما تم الكشف عن معدلات النمو الصيني والتي جاءت أقل مما هو متوقع، فقد كان من المتوقع أن تحقق الصين معدل نمو لا يقل عن 8 في المائة في العام الماضي، غير أن البيانات الفعلية التي تم نشرها في الربع الأول من العام لم تزد على 7.7 في المائة، مما أدى إلى التدافع على بيع الذهب وتراجع سعره على النحو الذي شهدناه، باعتبار أن الصين إحدى القوى الأساسية الدافعة للارتفاع المستمر في سعر الذهب.
من ناحية أخرى، انتشرت تقارير بأن قبرص ستضطر إلى بيع احتياطياتها الذهبية من أجل أن تتمكن من سداد ديونها، وهو ما أدى إلى انتشار حالة من الهلع بين البائعين والمستثمرين من احتمالات ما يمكن أن يترتب على ذلك من زيادة عرض الذهب، أكثر من ذلك فإن هذا الخبر قد أدى إلى تعزيز التوقعات بأن الدول المدينة الأخرى في القارة قد تضطر إلى أن تسلك نفس السلوك لسداد ديونها وهو ما قد يغرق سوق الذهب بالعرض من السبائك الذهبية، وقد أدى السباق لتجنب الخسارة إلى تعميق حالة الهلع من احتمالات انتهاء حالة الارتفاع المصطنع في سعر الذهب، إلى نزوله الحر بالفعل، وأيا كان الوضع فقد كشف ذلك الأمر عن مدى هشاشة سوق الذهب وطبيعة عمليات المضاربة عليه، وأن السوق معرض للهبوط العنيف في أي لحظة، وأن الذهب بالفعل الذهب مقوم بأعلى من قيمته العادلة، ومثل هذه الخصائص لا تجعل الأصل الذي نتحدث عنه آمنا من الناحية الاستثمارية.
يتمثل أهم وقود لعمليات المضاربة في الذهب في الأموال التي تتمكن صناديق الاتجار في المعدن من جمعها، وكانت الفترة الأخيرة قد شهدت تراجعا في معدلات نمو تدفقات الأموال إلى تلك الصناديق، بل لقد شهدت الفترة الأخيرة حالة خروج حاد للأموال التي تستخدم في تمويل عمليات المضاربة في الذهب في صناديق التجارة في الذهب ETFs مثل GLD. على سبيل المثال قد قدرت الأموال الخارجة من الصندوق الأخيرة بنحو 5.4 مليار دولار، وهو ما ترتب عليه اضطرار صناديق الاتجار في الذهب إلى بيع ممتلكاتها الفعلية من الذهب الأمر الذي أدى إلى الضغط على سعر الذهب نحو التراجع.
ما ساعد على تعميق هذا الاتجاه في سوق الذهب هو التوافق الزمني بين هذه الأوضاع في سوق الذهب وقيام الهند، التي تعد أكبر مستورد للذهب في العالم، بفرض ضرائب على واردات الذهب بسبب تصاعد العجز التجاري الهندي والذي توقع معه أن يترتب على ذلك انخفاض الواردات من الذهب من الخارج، وهو ما يعني تراجع الطلب العالمي على الذهب ومن ثم أسعاره.
كان أكبر المتضررين من تراجع الذهب هم المستثمرون الصغار الذين يحتفظون بالذهب بالفعل، والذين يعدون، في رأيي، أخلص المستثمرين للمعدن النفيس وأكثرهم التصاقا به، فالمستثمرون الكبار يلعبون بالذهب لعبة المضارب الذي يتخلص منه مع أي فرصة سانحة لتحقيق الربح، ثم العودة إليه مرة أخرى حينما تبدو الفرص سانحة لتحقيق أرباح وهكذا. أما المستثمر الصغير فلا يملك هذه الرؤية غالبا، ولا تتوافر له الأدوات المناسبة للتصرف السريع في حالة ميل الأسعار نحو الارتفاع، لذلك غالبا ما يكون أول من يدفع فاتورة ما يحدث للسعر.
للأسف اليوم عاد المستهلكون للذهب لشرائه على نحو واسع، بصفة خاصة في آسيا في سوق التجزئة لأغراض الحلي، حيث يتزايد الطلب على نحو كبير مستفيدا من الأسعار الاستثنائية الحالية، ومدفوعا بالعوامل نفسها من أن الذهب ربما بلغ قاعه وأنه سيعاود الارتفاع قريبا، إنها القصة القديمة نفسها.

فرض الإفصاح المالي على المنشآت الخيرية

نشرت "الاقتصادية" تحقيقاً عن استبعاد بعض المنشآت الخاصّة والجمعيات الخيرية في المملكة من مسابقة السعفة للشفافية؛ بسبب رفضها الإفصاح عن قوائمها المالية وتقديم المستندات الدالة على شفافية تعاملاتها المالية. حسناً فعلت مؤسسة "السعفة"، فمما لا شك فيه أن تعميق مبادئ الحوكمة والشفافية من الأمور المطلوب تطبيقها في جميع مناحي العمل بما فيها العمل الخيري، وذلك لضمان عدم انحرافه عن أهدافه الأساسية التي يعمل من أجلها.
إذا كانت الشفافية أحد أسس العمل العام، فالأحرى بالمؤسسات الخيرية أن تكون أول من يبادر بالالتزام بها، حتى يعلم المجتمع أين تذهب صدقات الناس وزكاتهم، وأنها بالفعل تصل الى مستحقيها الحقيقيين، ويضمن أنه لا يُساء توجيهها بما يضر بأمن المملكة أو سمعتها على المستوى الدولي.
منذ أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) وأصابع الاتهام توجه للعمل الخيري في الدول الإسلامية، بأنه الممول الرئيس للأعمال الإرهابية على مستوى العالم. وقد اتهمت أمريكا والدول الأوروبية عديداً من المؤسسات الخيرية بأنها تقف وراء الأعمال الإرهابية في العالم، غير أنه لو كانت تلك المؤسسات تعمل بشفافية تامة، لكان من السهل دحض هذه الادعاءات.
من المؤكد أن مَن يقدّمون صدقاتهم أو زكاة أموالهم يرجون رضا الله - سبحانه وتعالى -، ويهمهم في المقام الأول أن تذهب هذه الأموال حيث يتوقعون، أن تكون أعمال المؤسسات الخيرية شفافة، فإن ذلك يزيد من درجة اطمئنان المتبرعين، والمجتمع، بل العالم، ويعمل على تسهيل أعمال تلك المؤسسات.

تجريم السلع المقلَّدة في دول مجلس التعاون

نشرت "الاقتصادية" خبرا عن أن البرلمان السويسري يعتزم إصدار تشريع تتحول بمقتضاه عمليات تقليد السلع إلى جريمة منظمة، مما يعكس الاتجاه نحو تشديد العقوبة على من يقوم بالتقليد أو من يجلب تلك السلع، بعد أن بلغ حجم التجارة الدولية في السلع المقلدة نحو 650 مليار دولار سنويا.
من المؤكد أن تقليد السلع هو سرقة لجهود البحث والتطوير التي يبذلها صاحب السلعة الأصلي التي تتكلف أموالا طائلة من أرباحه، ولذلك تعد أحد حقوق الملكية التي كفلها له القانون والاتفاقات التجارية على مستوى العالم. المشكلة الأساسية هي أن بعض أنواع السلع المقلدة قد تحمل مخاطر ضخمة لمستخدميها قد تصل إلى حد الموت، إذا لم تستوف هذه السلع شروط الأمان أو السلامة في صناعتها، مثل المواد الغذائية والأدوية وقطع غيار السيارات والمعدات الكهربائية.. إلى آخر هذه القائمة من السلع التي تكتظ بها أسواقنا.
دول مجلس التعاون تفتقد هيئة موحدة للتقييس ومعايير الجودة التي يمكن أن تفرض شروط السلامة على ما يتم إنتاجه محليا أو ما يستورد من الخارج من السلع الاستهلاكية، في ظل هذه الظروف يصبح إنتاج أو جلب السلع المقلدة جريمة تستوجب العقوبة، التي يجب أن تتصاعد كلما تصاعدت مخاطر السلع المقلدة على الصحة أو السلامة. أعتقد أنه قد آن الأوان أن يتم تشديد القوانين إزاء هذه الجريمة لحماية المستهلك في الخليج من الغش الذي ينتشر على نطاق واسع.

قناة تلفزيونية للعمالة المنزلية في دول الخليج

نشرت «الاقتصادية» خبرا عن أن المديرية العامة للدفاع المدني بصدد إعداد عدد من الحلقات التلفزيونية التوعوية لعاملات المنازل بعدة لغات، بما فيها لغة الإشارة، بهدف تنمية وعي العمالة المنزلية بالمخاطر التي قد تحدث في داخل المنازل وكيفية التصرف السليم في التعامل معها.
لا يخفى على الجميع طبيعة المشاكل التي تصاحب استقدام العمالة المنزلية نتيجة اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد وغير ذلك من عوامل تؤدي في بعض الأحوال إلى نتائج كارثية. لذلك أعتقد أن التوعية السليمة للعمالة المنزلية لا تكون بإعداد عدة برامج قد يشاهدها البعض منهن وقد لا تتمكن الأغلبية من مشاهدتها، لذلك أطرح الاقتراح التالي؛ وهو أن يتم إنشاء قناة متخصصة على نطاق دول مجلس التعاون موجهة للعمالة المنزلية، لا تتناول فقط الجوانب التوعوية، وإنما أيضا يمكن أن يتم عبرها بث مجموعة متنوعة من البرامج الموجهة.
على سبيل المثال يمكن طرح برامج عن كيفية حماية المساكن من المخاطر المختلفة مثل كيفية التصرف في الحالات الحرجة مثل الحريق أو تسرب الغاز... إلخ، برامج في قواعد السلوك داخل المنازل، برامج عن بعض أخطاء العمالة المنزلية، برامج في أسس الأخلاق الحميدة، برامج في اللغة العربية، برامج عن الدين الإسلامي، برامج ثقافية عامة، برامج عن أسس التعامل مع الأطفال في الأعمار المختلفة... إلخ، مع بث البرامج المهمة في الأوقات التي تقضيها هذه العمالة في حالة راحة عادة. بهذا الشكل يمكن توجيه سلوكيات هذه العمالة بصورة منهجية.

لماذا لا نفعل مثل الصينيين؟

أقرأ حالياً في كتاب SCREWED للمؤلفين Dick Morris and Eileen McGann اللذين يحاولان إثبات أن الولايات المتحدة تتعرّض لعمليات استنزاف من دول كثيرة في العالم، مثل الصين وروسيا وفنزويلا والسعودية والاتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية، بل الأمم المتحدة، وأن قادة أمريكا يساعدون هذه الدول على تحقيق هذه الأهداف.
لا تعجبني طريقة تحليل المؤلفين المتطرفة، ولكن في الجزء الرابع من الكتاب يتناول المؤلفان السياسة الصينية في عمليات استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، وأن الصينيين يضعون شرطاً أساسياً لكل مَن يرغب في الاستثمار في الصين والاستفادة من السوق الصينية الضخمة، وهو أن يعمل على نقل التكنولوجيا إلى الصين، فمَن يسهل عملية استفادة الشركات الصينية من تقنيات الإنتاج الحديثة يسمح له بالاستمرار في الإنتاج وتحقيق أرباح من السوق الصينية، ومَن يرفض ذلك فإن عليه أن يحمل عصاه ويرحل فوراً عن الصين، فلا استثمار دون مقابل في الصين، ورضخت الشركات الأمريكية الكبرى لذلك الشرط بما فيها "جنرال إلكتريك".
دولنا العربية تستقطب تدفقات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنوياً، والتي تحقق أرباحاً ضخمة، دون أن تستفيد دولنا من هذه الاستثمارات في تعميق استعدادنا التقني وزيادة قدراتنا التنافسية وتوطين الصناعات الأجنبية محلياً. أعتقد أننا يجب أن نحذو حذو الصين في أن نجعل من نقل التكنولوجيا شرطاً أساسياً من شروط عقود الاستثمار الأجنبي المباشر في بلادنا، حتى تعظم منافعنا من هذه الاستثمارات ولا تكون دولنا مجرد محطة لتحقيق الأرباح.

معالجة أوضاع الجالية البرماوية

نشرت «الاقتصادية» تحقيقاً حول الإجراءات التي تتخذها المملكة حالياً للتعامل مع الجالية البرماوية لتقنين أوضاعهم وإقاماتهم وضمان الخدمات التعليمية والصحية المقدمة لهم وغير ذلك. لا جدال في أن تقنين أوضاع المقيمين بطريقة غير قانونية هي معالجة، فضلاً عن كونها إنسانية، ذات مردود أمني واجتماعي بالدرجة الأولى، وضماناً لعدم زيادة أعدادهم في المستقبل من خلال إحكام الرقابة على الأعداد الحالية منهم.
ذلك أن إهمال مثل هذه الفئات وعدم توفير فرص التعليم المناسب لهم هو بمنزلة مشروع تخريج طوائف لا تدرك طبيعة مسؤولياتها أو التزاماتها نحو المجتمع أو مؤسساته أو نحو الغير، وهو ما قد يسهّل معه انحرافها لتشكل خطراً كبيراً على المجتمع بأكمله.
من ناحية أخرى، فإن هذه الجاليات يجب أن تعطى أولوية في سوق العمل عن العامل المستقدم من الخارج، لتأمين أوضاعهم المادية، الأمر الذي يتطلب إعدادهم لسوق العمل على نحو مناسب مثلما يتم إعداد السعودي، وينبغي أن يوضع في الحسبان أنه على المدى الطويل قد تضطر المملكة إلى تجنيس أعداد منهم أو الأجيال التالية من هذه الفئات الذين لم يعرفوا سوى المملكة، مثلما تفعل بعض دول العالم، لذلك يجب العمل من الآن على إعداد الأجيال الثانوية لهذه الفئات بحيث يكونون مؤهلين بشكل جيد ومتعلمين على مستويات المواطن نفسها، حتى يسهل استيعاب بعض هذه الفئات في المجتمع السعودي بسهولة ويسر ودون أي آثار جانبية لدمج هذه الفئات في المجتمع السعودي مستقبلاً.

التأمين على العمالة المنزلية في السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا عن اعتزام مكاتب استقدام سعودية البدء في تطبيق نظام للتأمين على العمالة المنزلية لتغطية المستقدمين ضد المخاطر المالية المترتبة على هروب العمالة المنزلية أو رفضها العمل أو رغبتها في المغادرة قبل انتهاء مدة العقد.
التأمين على العمالة المنزلية لا شك فكرة جديدة، نشأت نتيجة تزايد معاناة بعض المستقدمين من السلوك غير المناسب لبعض العمالة المنزلية، ولكن لا بد أن نأخذ في الحسبان أيضا أن بعض جوانب هذا السلوك قد تكون انعكاسا للسلوك غير المناسب من بعض المستقدمين.
لا شك أن هذا التأمين له مزاياه المتمثلة في تغطية المخاطر المالية التي يتعرض لها المستقدم، لكن المشكلة هي أن الخطر المؤمن ضده هنا غير محدد المعالم، ويصعب إثبات المسؤول عنه بسهولة، وخصوصا أنه ليس هناك تعريف محدد لعبء العمل الذي ينبغي أن تقوم به هذه العمالة، أو عدد ساعات عملهم، أو طبيعة الظروف التي ينبغي أن يعيشوا فيها... إلخ.
أكثر من ذلك، فإن وجود مثل هذا التأمين قد يشجع على المخاطر الأخلاقية Moral hazard والمقصود بذلك هو تعمد المستقدم إساءة معاملة تلك العمالة إذا أراد التخلص منها، أو تعمد العمالة المنزلية إساءة التصرف للتخلص من الكفيل إذا علمت بشروط التأمين، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة مشكلات العمالة المنزلية الأمر، الذي سينعكس سلبا على السمعة الدولية للمملكة، لذلك أعتقد أن الموضوع في حاجة إلى دراسة متأنية قبل التطبيق.

أهمية المساعدات العربية للاقتصاد المصري

ما من شك في أن الاقتصاد المصري لم يمر بظروف أصعب من تلك التي يمر بها حاليا، حيث تعمل جميع الأوضاع لغير مصلحته، مما يترتب عليه تراجع الأوضاع على نحو يضر بمستويات معيشة الغالبية العظمى من المصريين مع تراجع قيمة الجنيه وميل الأسعار نحو الارتفاع نتيجة لذلك مدفوعة أيضا بقيود العرض وضعف معدلات الاستثمار، في الوقت الذي تميل فيه الموارد الرئيسة للنقد الأجنبي، بصفة خاصة الإيرادات من السياحة نحو التآكل.
مشكلة الاقتصاد المصري حاليا هي أنه اقتصاد تزداد درجة اعتماده على الخارج بشكل واضح، في الوقت الذي يعاني قصورا في موارد النقد الأجنبي، فتكون النتيجة الطبيعية لذلك هي تزايد الضغوط على الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي وتراجع مستوياتها مع مرور الوقت. فعندما قامت ثورة يناير 2011 كانت احتياطات مصر من النقد الأجنبي نحو 36 مليار دولار، انخفضت إلى نحو النصف في مارس الماضي لتصل إلى 13.4 مليار دولار، لترتفع معها المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها الجنيه المصري.
تراجع الاحتياطيات يؤدي إلى تعقيد الأمور على نحو أكبر، فمع كل تراجع في احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي تقل قدرته على التدخل في سوق النقد الأجنبي لتدبير فائض الطلب في السوق ومن ثم الدفاع عن معدل صرف الجنيه، ويؤدي ذلك إلى تغذية الدوافع نحو المضاربة على انخفاض الجنيه، مما يغذي الطلب على النقد الأجنبي على نحو أكبر، ومن ثم تدهور قيمة الجنيه بصورة أسرع. من الطبيعي في ظل هذه الظروف إن تنتشر السوق السوداء للعملة الأجنبية استنادا إلى نقص الاحتياطيات وضعف قدرة البنك المركزي على الدفاع عن قيمة الجنيه في مواجهة تزايد الطلب عليه.
تراجع قيمة الجنيه يتسبب في عدة نتائج تؤدي إلى تعقيد الأوضاع الاقتصادية في مصر على النحو التالي:
فأولا مع تراجع قيمة الجنيه ترتفع معدلات التضخم خصوصا التضخم الناجم عن ارتفاع قيمة السلع المستوردة من الخارج سواء أكانت مواد خام أو سلعة وسيطة تستخدم في عمليات الإنتاج أو سلع نهائية. المشكلة أن الاقتصاد المصري حاليا ترتفع نسبة الواردات فيه إلى الناتج المحلي الإجمالي، مما يؤدي إلى تكثيف هذا الأثر التضخمي لتراجع قيمة الجنيه.
ثانيا: أن ارتفاع الأسعار، بما يؤدي إليه من تراجع القوة الشرائية لدخول المصريين، ستعقبه مطالبات بزيادة الأجور مما يؤدي إلى ضغوط شديدة على الميزانية العامة للدولة وارتفاع مستويات العجز المالي، وارتفاع مستويات الدين بالتبعية، ومن ثم مزيد من العجز وهكذا.
ثالثا: إن ارتفاع الأسعار سيتطلب ضرورة رفع مستويات الدعم للحفاظ على الأسعار الحالية، وهو ما يثقل كاهل الميزانية العامة للدولة والتي شهدت ارتفاعات كبيرة في مخصصات الدعم بعد الثورة، بحيث أصبحت مستوياتها غير مستدامة، كنسبة من الإنفاق العام.
هذه الآثار لنقص الاحتياطيات من النقد الأجنبي تعقد أوضاع الاقتصاد المصري المنهك بعد الثورة، خصوصا في ظل غياب أية رؤى واضحة حاليا حول كيفية معالجة قضاياه الأساسية. غير أنه تنبغي الإشارة إلى أن جانبا كبيرا من هذه الآثار يمكن تجنبه، على الأقل مرحليا، إذا تمكن البنك المركزي المصري من رفع مستوى احتياطياته من النقد الأجنبي، أو تم تدبير جانب من احتياجات مصر من النقد الأجنبي لتدبير الاحتياجات المختلفة، والتي تمثل عنق الزجاجة للاقتصاد المصري في الوقت الحالي.
المصاعب المرحلية التي يواجهها الاقتصاد المصري حاليا تتطلب مساندة خارجية للتخفيف من الآثار السابقة ومساعدته على تخطي المرحلة الحالية بسلام. بشكل عام مصر تواجه صعوبات عديدة في محاولاتها للحصول على المساعدات من الخارج، خصوصا في ظل عدم استقرار الوضع السياسي، والذي يمكن أن يتم الاستناد إليه بسهولة لتبرير رفض منح المساعدات للاقتصاد المصري، ولعل المساعي المرهقة التي تبذل مع صندوق النقد الدولي منذ فترة طويلة خير مثال على ذلك، وفي ظل هذه الأوضاع تلعب المساعدات العربية جانبا مهما في تخفيض الضغوط على الاقتصاد المصري.
لعل أهم الخطوات التي اتخذت لتقديم المساعدة لمصر في أوج أزمتها هو ما قامت به المملكة العربية السعودية، فمنذ بداية الثورة كانت المملكة أول دولة عربية تعلن دعمها للاقتصاد المصري بنحو أربعة مليارات دولار، تتوزع بين منح لا ترد، وقروض ميسرة وودائع مصرفية لدى البنك المركزي. تفاصيل حزمة المساعدات تمثلت في تقديم 500 مليون دولار على شكل منحة عاجلة لدعم الميزانية العامة و500 مليون دولار لشراء سندات للخزانة المصرية، وقرض ميسر بقيمة 500 مليون دولار و500 مليون دولار أخرى في صورة قروض ميسرة من الصندوق السعودي للتنمية، إضافة إلى تخصيص 750 مليون دولار كمساعدات لعملية تمويل الصادرات السعودية إلى مصر، فضلا عن إيداع مليار دولار كوديعة لدى البنك المركزي المصري، بهذا الشكل يبلغ إجمالي المساعدات المقدمة من المملكة الشقيقة إلى مصر 3950 مليون دولار، تم تقديم نحو ملياري دولار من هذه المساعدات، بينما تؤكد المملكة من وقت لآخر استمرار التزامها بمساعدة مصر.
الأسبوع الماضي تم الإعلان عن عزم قطر على شراء سندات مصرية بالدولار قيمتها ثلاثة مليارات دولار. على الرغم من أن الخطوة القطرية تمثل دينا على مصر، إلا أن مصر في الأوضاع الحالية تواجه صعوبات شديدة في عملية الاقتراض الخارجي بسبب تخفيض التصنيف الائتماني للديون السيادية لمصر عدة مرات من مؤسسات التصنيف الائتماني مثل موديز إلى مستويات قريبة من سندات الخردة، والتي عادة ما لا تجد مشتريا لها، وإذا حدث فإنها المقرض عادة ما يطلب معدلات فائدة مرتفعة للغاية نظرا لأن علاوة المخاطرة المضافة إلى معدل الفائدة الأساسي تكون مرتفعة، لكي تعوض حملة هذه السندات عن ارتفاع مخاطر التوقف عن خدمة هذه السندات. ليس لدينا، وحتى الآن، تفاصيل حول شروط هذا القرض من حيث مدته أو معدلات الفائدة عليه، أو عنصر السماح في هذا القرض، ولكن لا بد من الإشارة إلى أنه إن تقدم دولة مثل قطر على شراء ثلاثة مليارات دولار من هذه السندات في مثل هذه الظروف، فإن ذلك أقرب إلى المساعدة منه إلى القرض، ولا شك يمثل إضافة مهمة لرصيد العملات الأجنبية في مصر.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقدم فيها قطر مساعدات لمصر بعد الثورة، فقد قامت قطر بمنح مصر حزمة مساعدات بقيمة 2.5 مليار دولار، منها نصف مليار منحة لدعم الميزانية العامة؛ كما أودعت ملياري دولار في البنك المركزي المصري، لمواجهة شح السيولة من النقد الأجنبي التي يعانيها البنك المركزي، فضلا عن الإعلان عن تمويل بعض المشاريع في مصر كاستثمار قطري مباشر.
من ناحية أخرى، أعلنت ليبيا الأسبوع الماضي أيضا قيامها بإيداع ملياري دولار في البنك المركزي المصري. القرار الليبي ذو طبيعة مختلفة، حيث يمثل إيداعا بالعملات الأجنبية تحت تصرف البنك المركزي المصري، بالطبع قدرة البنك المركزي على التصرف في هذا الإيداع هي إلى حد ما محدودة، ولكن مجرد وجود هذا الإيداع في حسابات البنك المركزي المصري يدعم حجم الاحتياطيات من النقد الأجنبي وبالتالي يقوي مركز الجنيه المصري في سوق النقد الأجنبي.
بهذا الشكل يكون قد تم من الناحية النظرية إضافة خمسة مليارات دولار إلى احتياطيات مصر بالنقد الأجنبي، لترتفع من الناحية النظرية إلى أكثر من 18 مليار دولار، وهو أعلى مستوى بلغته الاحتياطيات منذ فترة طويلة. بهذا الشكل تتعزز احتياطيات مصر، وتزداد قدرتها على الدفاع عن الجنيه المصري، في الوقت الذي تطمئن فيه المتعاملين في سوق النقد الأجنبي في مصر بارتفاع قدرة البنك المركزي على مواجهة فجوات الطلب على النقد الأجنبي وهو ما يساعد على إحداث استقرار، ولو مؤقت، في معدل صرف الجنيه، حتى تتمكن مصر من التوصل إلى اتفاقات أخرى لتدبير موارد إضافية للنقد الأجنبي والتي على رأسها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي والذي من الواضح إنه يتعثر يوما بعد الآخر. الصعوبات التي تواجهها في الاقتراض أو الحصول على المساعدات لا تقتصر فقط على صندوق النقد الدولي، وإنما مع جهات عديدة منها الاتحاد الأوروبي.
الخلاصة أنه في ظل الظروف التي يمر بها الاقتصاد المصري حاليا تلعب المساعدات العربية لمصر دورا حيويا في استقرار أوضاع سوق النقد الأجنبي، وإذا كان الاقتصاد المصري في حاجة مساعدات الأشقاء العرب فمن المؤكد أنه أحوج ما يكون لذلك اليوم أكثر من أي وقت آخر.

ماذا يعني حذف العراق 3 أصفار من الدينار العراقي؟

وفقا لـ "سي إن إن" أعلنت اللجنة المالية في البرلمان العراقي أن البنك المركزي سيبدأ في العام الحالي بحذف ثلاثة أصفار من العملة المحلية، بمعنى آخر أن وحدة العملة فئة ألف دينار من العملة القديمة سيتم استبدالها بدينار واحد فقط من العملة الجديدة، وهكذا.
الخطوة التي أقدم عليها العراق الهدف منها إصلاح نظام العملة المحلية الذي يقوم على استخدام عملة بفئات مرتفعة جدا، وهو ما يؤدي إلى صعوبات في التعامل وفي الحسابات الخاصة بالمعاملات، فضلا عن ارتفاع الأسعار الناجم عن استخدام وحدات نقدية بفئات مرتفعة، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع معدل صرف العملة وانخفاض القوة الشرائية للدينار على نحو كبير.
في فترات الاضطراب النقدي وتراجع الإيرادات العامة للدولة في الوقت الذي تزداد فيها نفقاتها، تلجأ الدول غالبا إلى طباعة مزيد من عملتها المحلية، مما يؤدي إلى رفع الأسعار وحدوث تضخم مرتفع، فتنشأ الحاجة إلى عملات ذات فئات مرتفعة مثل الألف والمائة ألف والمليون... إلخ. ومع كل رفع في فئات العملة يدخل الاقتصاد في أتون التضخم.
إحدى وسائل السيطرة على التضخم المرتفع هي الإصلاح النقدي المصحوب بتغيير في السياسة النقدية من خلال استبدال العملة القديمة بفئاتها المرتفعة بعملة جديدة ذات فئات أقل حتى تميل الأسعار نحو الانخفاض. ولكن هل يقضي ذلك على التضخم؟ الإجابة هي لا، لأن القضاء على التضخم يشترط اتباع الدولة سياسة نقدية معتدلة.

الهاكرز أحد أهم الجنود في الجيوش الحديثة

نشرت ''الاقتصادية'' خبرا عن رفع الجيش الكوري الجنوبي لدرجة التحذير من هجوم معلوماتي، وذلك بعد التعطل المفاجئ لأنظمة الكمبيوتر لدى محطات تلفزيون رئيسة ومصارف كورية جنوبية نتيجة اختراق هاكرز من كوريا الشمالية.
من أخطر عمليات الاختراق الإلكتروني للهاكرز في التاريخ ما تم في عام 2009، عندما استطاع هاكرز صينيون اختراق نظم التحكم الخاصة بشبكة إنتاج وتوزيع الكهرباء في الولايات المتحدة، وبسرية تامة تم زرع مبرمجات خبيثة يمكنها بضغطة زر على الجانب الآخر في الصين أن توقف إمدادات الكهرباء في الولايات المتحدة تماما، ومن ثم إحداث شلل تام في الاقتصاد الأمريكي في الوقت الذي تريده الصين.
الجيوش الحديثة في العالم اليوم لديها دائما خطط جاهزة لاختراق نظم التحكم الحيوية للدول المعادية من خلال الهاكرز، حيث تتمكن بالهجوم الإلكتروني من شل قدرات أعدائها. الاختراق الإلكتروني من جانب جيش محترف من الهاكرز أصبح أحد الأسلحة الفتاكة في العصر الحديث التي يمكن أن تحدث دمارا هائلا إذا ما تم توجيهها نحو نظم التحكم الحساسة، مثل نظم التحكم في الإمدادات من الكهرباء أو المياه أو الغاز أو النظم المالية والمصرفية، وهو ما يجعل المواجهات المباشرة بين الدول أمرا أكثر صعوبة في عالم اليوم مقارنة بالأوضاع السابقة، ولا شك أن الحجم الحقيقي للضرر الذي يمكن أن ينشأ عن تفعيل مثل هذا السلاح ستكشف عنه المواجهات المستقبلية بين أي جيشين رئيسين في العالم.

هل توقفت رحلة صعود الذهب؟

لا خلاف على أن هذا العام شهد أسوأ أداء للمعدن الأصفر منذ بدأت رحلة صعوده في 2001، فقد تراجعت معدلات الارتفاع في أسعار الذهب بشكل لم يحدث من قبل، ومقارنة بالاستثمار في الأصول الأخرى، فإن الذهب يمثل حتى هذه اللحظة أسوأ استثمار في 2013. المستثمرون الذين احتفظوا بالذهب في العام الماضي فقدوا ما يزيد على 20 في المائة من قيمته عبر الفترة من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، حيث بلغ الذهب أعلى أسعاره في العام الذي مضى حتى أسعار إقفال الذهب في نهاية هذا الأسبوع يوم الجمعة الماضي.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو: هل توقفت رحلة صعود الذهب وبدأت فقاعة الذهب في الاتجاه نحو الانفجار؟ رأيي الشخصي، هو لا، والسبب في ذلك هو أن العوامل التي تقف وراء الصعود الحديث لأسعار الذهب ما زالت قائمة، فمعدلات الفائدة ما زالت شبه صفرية، والمخاطر المحيطة بالأصول المنافسة للذهب ما زالت مرتفعة، بصفة خاصة سندات الديون السيادية، والمخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي لم تتراجع بعد، بصفة خاصة في أوروبا، ومعدلات نمو النقود مرتفعة.
هل سيتجه الذهب نحو الارتفاع في المستقبل أم نحو الانخفاض؟ كل من يحاول الإجابة عن هذا السؤال هو ببساطة شديدة كاذب؛ لأن أي تنبؤ لأسعار الذهب استناداً إلى التحليل الفني باستخدام بيانات صمّاء، لا يمكن أن يعكس الاتجاهات المستقبلية للذهب، الذي يعكس حالياً عوامل المضاربة غير التوازنية أساساً أكثر من أي عامل آخر.

ماذا لو وفرت كل منشأة مخالفة فرصتي عمل فقط للسعوديين؟

نشرت ''الاقتصادية'' تحقيقا حول توعد وزارة العمل لـ 340 ألف منشأة من منشآت القطاع الخاص لم تقم بتعيين سعودي واحد بإدراجها في النطاق الأحمر، أي منعها من تجديد رخص وإقامات عمالتها الوافدة. وفقا لآخر الإحصاءات المنشورة حول البطالة بين السعوديين، يوجد هناك نحو 603 آلاف عاطل في الأعمار من 15 عاما فأكثر. بهذا الشكل يصل معدل البطالة بين العمالة السعودية إلى 12 في المائة، وهو معدل مرتفع للغاية، لا يفترض أن يكون على هذا النحو في اقتصاد مستورد للعمالة أصلا، أي يعاني نقصا في عرض قوة العمل.
لو قامت كل منشأة من هذه المنشآت بتوظيف سعوديين اثنين فقط، فإنها ستفتح بهذا الشكل 680 ألف وظيفة جديدة أمام العمالة الوطنية، وهو ما يزيد على أعداد العاطلين من المواطنين في سوق العمل، ولو تم شغر هذه الوظائف من خلال العاطلين السعوديين لانتهت المشكلة وانخفض معدل البطالة بين العمالة السعودية إلى الصفر.
لكن السؤال الأساسي هو: ماذا يحول دون قيام هذه المنشآت بذلك؟ ولماذا يترك هذا العدد من المنشآت المخالفة طوال هذا الوقت دون أن توجه إليها الإنذارات أو تتخذ ضدها الإجراءات التي تجبرها على الانصياع بالالتزام بنسب السعودة؟ من الواضح أن الإجابة عن هذا السؤال ستقودنا إلى استنتاج حقيقة أن المسؤول عن مشكلة البطالة بين السعوديين ليس القطاع الخاص، بقدر ما هو تقصير أجهزة الرقابة.

لماذا الإصرار على ضريبة الأراضي البيضاء؟

منذ فترة يدور جدل عقيم حول الضريبة على الأراضي البيضاء، وقد نشرت "الاقتصادية" تحقيقات متنوعة ومتعددة عن الموضوع. الهدف الأساسي من الضريبة كما هو واضح هو رفع تكلفة الاحتفاظ بالأراضي البيضاء وإجبار حائزيها على بيعها أو التخلص منها لزيادة عرض الأراضي، ومن ثم خفض أسعارها بالتبعية.
فرض الضريبة على الأراضي البيضاء، هو بمثابة اتباع طريق طويل غير مضمون لتحقيق هذا الهدف، فالمملكة ليس لديها نظام ضريبي ولا جهات حكومية متخصصة في فرض وتحصيل الضريبة لضمان تحقيق الهدف منها، بينما الحل أبسط من ذلك بكثير، ولكنه يحتاج إلى إرادة وحزم في التطبيق. إذ من المفترض أن عملية توزيع الأراضي البيضاء قد تمت أساسا لتحقيق هدف محدد من التخصيص، وهو تحويل هذه الأراضي إلى مساكن، وعندما يقوم من تم تخصيص الأراضي لهم بعدم البناء عليها وإمساك الأراضي للمضاربة فيها، فإن ذلك يمثل انحرافا عن الهدف الأساسي الذي من أجله تمت عملية التخصيص، وهو ما يقتضي ضرورة فسخ عقد التخصيص للأراضي غير المستغلة. الحل إذن هو أن يتم منح حائزي الأراضي البيضاء مهلة زمنية محددة لاستخدام هذه الأراضي في الغرض الذي تم تخصيصها من أجله، ومن لا يلتزم بذلك خلال هذه المدة يتم نزع ملكية الأرض منه وإعادتها مرة أخرى للدولة، لتتم إعادة عرضها بأي وسيلة أخرى، كي تضمن المملكة فك أسر الأراضي من المضاربين فيها وتحويلها إلى الجادين في استخدامها.

هل فقد اليورو بريقه؟

أ.د. محمد إبراهيم السقا
مع إصدار اليورو كعملة موحدة في كانون الثاني (يناير) 1999 تصاعدت الآمال بأن اليورو، العملة الأوروبية الموحدة، ستحل محل الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية، أو على الأقل ستسمح لبنوك العالم المركزية بأن تنوع من احتياطياتها وتقلل بالتالي من مخاطر تركز الاحتياطيات في عملة واحدة، وأن الأوان قد آن للعالم أن يتخلص من عالم العملات الاحتياطية أحادي القطب والمتمثل أساسا في الدولار الأمريكي، وذلك عندما يتحول اليورو إلى منافس حقيقي للدولار.
ما حدث بالفعل هو أنه في غضون سنوات قليلة من إصداره تحول اليورو إلى ثاني أكبر عملة احتياط من العملات الأجنبية للبنوك المركزية في العالم. وظل الكثير من المراقبين يرى أن اليورو يمكن أن يلعب دورا كعملة احتياط عالمية، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلا للدولار وأن الدولار سيظل عملة الاحتياط الأولى في العالم برغم بروز اليورو.
أخيرا وبعد أكثر من عقد من الزمان من النمو المستمر في الطلب على اليورو جاءت التقارير الأخيرة عن احتياطيات البنوك المركزية من النقد الأجنبي لتؤكد تراجع الطلب على اليورو نتيجة لزعزعة الثقة فيه وذلك مع تزايد المخاطر المحيطة بالكتلة النقدية الأوروبية. فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي بلغت احتياطيات العالم من اليورو في الربع الأول من عام 1999 عندما تم إصدار اليورو لأول مرة نحو 224 مليار دولار، وبحلول الربع الأول من عام 2008 قبل انطلاق الأزمة المالية العالمية بلغت احتياطيات العالم من اليورو نحو 1.17 تريليون دولار. خلال هذه الفترة كانت احتياطيات العالم من اليورو تنمو في المتوسط بمعدل 4.6 في المائة سنويا.
مع انطلاق الأزمة أخذت معدلات نمو الطلب على اليورو في التراجع، وبحلول الربع الثاني من عام 2011 بلغ إجمالي احتياطيات العالم من اليورو 1.47 تريليون دولار، حيث تراجع متوسط معدل النمو السنوي في احتياطيات العالم من اليورو إلى 1.6 في المائة فقط، غير أن احتياطيات العالم من اليورو قد أخذت في التراجع بعد ذلك، حيث بلغ متوسط معدل النمو السنوي -0.17 في المائة، حيث اقتصرت احتياطيات العالم من اليورو في الربع الرابع من 2012 على 1.455 تريليون دولار، وكما يتضح من الشكل فقد تراجعت نسبة احتياطيات العالم من اليورو من نحو 28 في المائة في الربع الثالث من عام 2009 إلى نحو 24 في المائة في الربع الرابع من عام 2012.
لم يكن هذا الاتجاه على نفس النحو في جميع دول العالم، فوفقا لبيانات صندوق النقد الدولي استمرت الدول المتقدمة في العالم في زيادة احتياطياتها من اليورو بشكل مستمر من 168 مليار دولار في الربع الأول من 1999 إلى 778 مليار دولار في الربع الرابع من 2012، وذلك بمعدل نمو متوسط 2.98 في المائة سنويا، وخلال تلك الفترة بلغ متوسط إجمالي احتياطيات تلك الدول من اليورو إلى إجمالي احتياطياتها من النقد الأجنبي 22 في المائة، وخلال الفترة من الربع الثالث في عام 2009 إلى الربع الرابع من عام 2012، تراجعت نسبة احتياطيات هذه الدول من اليورو من 25.5 إلى 23.7 في المائة على التوالي كما يتضح من الشكل.
هذا الوضع كان مختلفا بعض الشيء بالنسبة للدولة النامية والناشئة، ففي الوقت الذي استمرت فيه الدول المتقدمة بزيادة احتياطياتها من اليورو فإن الدول النامية والناشئة كانت أكثر الدول ابتعادا عن اليورو، كما كانت أكثرها تخلصا منه. ففي الربع الأول من 1999 احتفظت هذه الدول بنحو 56.5 مليار دولار فقط من اليورو، غير أن محتفظاتها منه استمرت في النمو إلى نحو 765 مليار دولار في الربع الثاني من 2011، ومنذ ذلك الوقت وهذه الدول تتخلص من احتياطياتها من اليورو والتي انخفضت إلى 676 مليار دولار في الربع الرابع من 2012، وفي الربع الثالث من عام 2009 بلغت نسبة احتياطيات الدول النامية والناشئة من اليورو نحو 31 في المائة من إجمالي احتياطياتها من النقد الأجنبي، ومن ذلك الوقت ونسبة احتياطياتها من اليورو تتراجع على نحو واضح حتى بلغت 24 في المائة فقط في الربع الرابع من 2012 كما يتضح من الشكل.
هذه التطورات تعكس حقيقة أن العالم آخذ في التخلص من اليورو ويزيد من انكشافه على العملات الأخرى، بصفة خاصة الدولار الأمريكي، والذي كان أهم المستفيدين من هذه التطورات الحادثة، إضافة إلى بعض العملات الأخرى غير التقليدية والتي يزيد الطلب عليها عالميا لتضاف إلى احتياطياته من النقد الأجنبي، ولكن مشكلتها الأساسية هي أن نطاق أسواقها يعد محدودا بالنسبة للدولار واليورو، ومن أهم هذه العملات الدولار الأسترالي، والكندي والنيوزيلاندي، والفرنك السويسري.
ولكن هل تعني هذه التطورات أن اليورو قد أخذ في التراجع كعملة احتياط دولية؟ وهل تعني هذه التطورات أن العالم يستعد لكي يهجر استخدام اليورو كعملة احتياط؟ بالطبع هذه البيانات التي عرضناها تأخذ اتجاها محددا منذ فترة، ولكن هذا التراجع كما نلاحظ يتزامن مع اشتداد أزمة الديون السيادية الأوروبية، كما أنه من الواضح أن هذا التطور لا يعني حدوث تحول هيكلي في توزيع الاحتياطيات الدولية بين عملات العالم بعيدا عن اليورو، ذلك أن تغير التوزيع النسبي للاحتياطيات مفهومة أسبابه بصورة جيدة، وتراجع نسبة اليورو إلى إجمالي احتياطيات العالم في غضون هذه الفترة القصيرة لا يعني حدوث تحول جوهري في توزيع الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، وإذا ما أردنا التأكد من حدوث هذا التحول الجوهري علينا أن ننتظر لفترة زمنية أطول لكي نحكم ما إذا كان هناك تحول هيكلي في توزيع عملات الاحتياطيات الدولية بعيدا عن اليورو.
لكي نفهم الأسباب الحقيقية لهذا التراجع لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن البنوك المركزية عندما تحتفظ باحتياطيات من النقد الأجنبي فإنها لا تحتفظ بهذه الاحتياطيات أساسا في صورة نقدية، "كاش"، وإنما تحتفظ بها في صورة سندات أو أذون خزانة، والتي تمثل جزءا من الدين الذي على الدول التي تحتفظ بعملاتها بها، بالطبع مع تصاعد أزمة الديون السيادية لدول الاتحاد النقدي الأوروبي، من ناحية أخرى فقد تم تخفيض التصنيف الائتماني لبعض الدول الأعضاء في المنطقة من مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية، وهو ما يعني تراجع درجة جودة أدوات الدين لهذه الدول. في ظل هذه الظروف لا بد أن تفقد أدوات الدين قصيرة الأجل الخاصة بمنطقة اليورو جاذبيتها مع تصاعد مخاطرها، ولذلك يعد هذا التصرف من جانب البنوك المركزية في العالم تصرفا طبيعيا ومتوقعا في مثل هذه الظروف.
فوفقا لمسح تم على مديري الاحتياطيات في البنوك المركزية في العالم فإن التأثير الأساسي على اليورو جاء من التحول عن الاحتياطيات قصيرة الأجل في اليورو، في الوقت الذي ما زال فيه مديرو الاحتياطيات في تلك البنوك يحتفظون بنفس النظرة لليورو عندما يتعلق الأمر بالأجل الطويل، حيث لم تتزعزع تلك النظرة الأولية لليورو كعملة احتياط عالمية.
غير أنه من الواضح أن التطورات الحالية تبرز على الساحة حاجة العالم إلى مزيد من العملات الاحتياطية، فهل يدخل الرينمنبي الصيني المنظومة ليملأ جانبا من الفراغ الناجم عن تركز الاحتياطيات العالمية بعدد محدود جدا من العملات؟ حتى الآن لا يبدو الرينمنبي جاهزا لكي يلعب هذا الدور، وحتى يتم ذلك سيظل اليورو هو أهم ثاني عملة احتياط في العالم.

من يدفع مشروع السيارة غزال؟

لا شك أن الجميع يذكر ما نشر منذ ثلاث سنوات تقريبا عن مشروع تصنيع أول سيارة سعودية أطلق عليها غزال، والتي أعلنت عنها جامعة الملك سعود، حيث علق الكثير آمالا وقتها بأن السيارة ستكون أول سيارة تحمل شعار صنع في السعودية.
حتى اليوم لم يرَ المشروع النور، حيث يبدو أنه لم يتقدم أي مبادر من القطاع الخاص أو الحكومي لتبني مشروع إنتاج السيارة، ففكرة تصنيع غزال هي نتاج أبحاث علمية للجامعة، تحتاج إلى أن يتبعها خطوات عملية من قطاع الأعمال لتحويل المشروع من فكرة بحثية إلى واقع عملي يأخذ صورة مصنع للسيارات، حتى نرى السيارة تسير على الطرق السعودية.
من المؤكد أن مثل هذا المشروع سيواجه عقبات كثيرة في البداية سواء فنية أو مالية أو تسويقية.. إلخ، وسيكون هناك الكثير من المشكلات نظرا لغياب الخبرة في الصناعة، ولكن هكذا بدأت صناعة السيارات في جميع أنحاء العالم، ولا توجد سيارة تم إنتاجها لأول مرة بدون أوجه قصور في البداية، لذلك تحتاج السيارة غزال إلى مبادر جريء أو مجموعة من المبادرين الطموحين الذين يمكنهم أن يقسموا مخاطر المشروع فيما بينهم، وحبذا لو تم ذلك بدعم حكومي سخي ربما يمثل عبئا على الميزانية في الوقت الحالي، ولكن من المؤكد أن له مردودا مرتفعا في مجالات عديدة في المستقبل بنجاح عملية توطين مثل هذه الصناعة الاستراتيجية، فهل من مبادر لهذه الفكرة؟

المخاطر المالية للنمط الحالي لاستهلاك الطاقة في المملكة

ما من شك في أن معدلات النمو في استهلاك الطاقة تتطور على نحو مقلق، أحد السيناريوهات المستقبلية يشير إلى أن استمرار النمو في استهلاك الطاقة بالمعدلات الحالية سيترتب عليه تراجع نسبة النفط المصدر إلى الخارج إلى ثلث الإنتاج اليومي للمملكة.
من المؤكد أن نتائج مثل هذا السيناريو على المالية العامة وميزان التبادل التجاري للمملكة ستكون في منتهى الخطورة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تصور نتائج مثل هذا السيناريو على المملكة، وذلك إذا أخذنا في الاعتبار أن الحكومة تعتمد اعتمادا تاما على إيرادات التصدير من النفط، وأن مستويات الإنفاق العام للدولة تتزايد بصورة مرتفعة للغاية تجعل الميزانية العامة للدولة غير مستدامة على المدى الطويل، وأن النفط ما زال يمثل العمود الفقري الميزان التجاري للدولة حاليا. فكيف يمكن للحكومة أن تسير أمورها بما نسبته ثلث الإيرادات اليومية من النفط فقط؟ من المؤكد أن الدولة ستعاني عجزا ضخما جدا في ميزانيتها، وسيترتب على ذلك نمو هائل في الدين العام للدولة.
البديل الحتمي سيتمثل في تخفيض الدولة دورها في النشاط الاقتصادي والسماح للقطاع الخاص بأن يلعب الدور الرائد في الاقتصاد الوطني وهو أيضا سيناريو لا يمكن تصوره لأن الاقتصاد السعودي قائم أساسا على الإنفاق الحكومي، ولا يتوقع أن يكون القطاع الخاص مؤهلا لقيادة النشاط الاقتصادي في الدولة خلال 20 عاما. إذن ترشيد استهلاك الطاقة ليس خيارا للمملكة.

تقرير سيئ لسوق العمل الأمريكية

أصدر مكتب إحصاءات العمل الأمريكي الجمعة الماضي، التقرير الأخير عن أوضاع سوق العمل خلال شهر آذار (مارس)، وقد كان الجميع ينتظر فتح عدد كبير من الوظائف، خصوصاً أن تقارير الأشهر السابقة أظهرت تحسناً واضحاً في عملية التوظيف وتراجع معدلات البطالة، على سبيل المثال، تم فتح 270 ألف وظيفة تقريباً في شهر شباط (فبراير)، كما أخذت معدلات البطالة في التراجع على نحو محسوس حتى بلغت 7.7 في المائة في شهر شباط (فبراير) الماضي.
فُوجئ الجميع، وعلى نحو غير متوقع، ببيانات ضعيفة جداً لسوق العمل الأمريكية في شهر آذار (مارس)، حيث اقتصر عدد الوظائف الجديدة التي تم فتحها على 88 ألف وظيفة فقط، وقد كانت التوقعات تدور حول إضافة ما لا يقل عن 190 ألف فرصة عمل جديدة.
البيانات الضعيفة لسوق العمل الأمريكية عززت المخاوف الأخيرة التي صاحبت تراجع معدلات النمو في الربع الرابع من 2013، والتي اقتصرت فقط على 0.4 في المائة، في الوقت الذي بدأت فيه خطة التخفيض الإجباري للإنفاق الحكومي Sequestration، ومن المؤكد أن هذا الأداء السيئ لو استمر سيدعم اتجاه الاحتياطي الفيدرالي في استمرار تكثيف السياسات النقدية التوسعية. تجدر الإشارة إلى أن التراجع في أداء سوق العمل أدى إلى انتعاش أسعار الذهب والمعادن الثمينة مرة أخرى، بعد أن كانت قد تراجعت بصورة واضحة في بداية هذا الشهر مع تراجع المخاطر حول الدين الأوروبي، والارتفاع المستمر في مؤشرات بورصات الأسهم.