الاثنين، أكتوبر ٢١، ٢٠١٣

الصين تخفِّض التصنيف الائتماني لأمريكا

أعلنت وكالة داجونج Dagong الصينية للتصنيف الائتماني، الخميس الماضي، أنها قامت بتخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من التصنيف A إلى التصنيف - A، مع نظرة سلبية للمستقبل. تخفيض التصنيف تمّ على الرغم من قيام الكونجرس برفع سقف الدَّين الأمريكي وفتح أبواب الحكومة بشكل مؤقت، هذه هي المرة الثانية التي تقوم بها هذه الوكالة بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، فقد قامت الوكالة بالإجراء نفسه في موقف مماثل في 2011 بعد أزمة رفع سقف الدَّين. استندت الوكالة في قرارها إلى أن العوامل الأساسية وراء احتمالات توقف الولايات المتحدة عن خدمة ديونها ما زالت قائمة ولم تتغيّر، وأن السياسيين في الولايات المتحدة وضعوا اقتصاد العالم كله رهينة لأزمتهم، في إشارة إلى عدم المسؤولية الاستثنائية التي يتصف بها بعض السياسيين الأمريكيين المستعدين للمخاطرة باقتصاد العالم في سبيل تحقيق مآربهم الحزبية الضيقة، الذين أعلن بعضهم صراحة أنه لا مشكلة تتأتى من توقف الحكومة الأمريكية عن سداد التزاماتها لدائنيها، بينما دعا بعضهم الآخر إلى ترتيب الدائنين وفقاً لأهميتهم وخدمة المقرضين السوبر مثل الصين، والتوقف عن خدمة الدَّين الذي يملكه الآخرون حتى تتوصّل الولايات المتحدة لآلية تسيطر بمقتضاها على نمو دينها العام.
الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين يأخذ منحى خطيراً في الوقت الحالي على كل من الاقتصاد الأمريكي والعالم، وتعود خطورته الأساسية إلى الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، حيث يعيش الجميع أزمة اقتصادية طاحنة.

«أرامكو» والغاز الصخري

نشرت ''الاقتصادية'' تقريرا عن أن شركة أرامكو تستعد للحاق بالولايات المتحدة في مجال إنتاج الغاز الصخري كمصدر غير تقليدي للطاقة الذي ستخصصه في البداية لمحطة لتوليد الكهرباء.
إمكانات المملكة في مجال الغاز الصخري على ما يبدو ضخمة جدا، فوفقا للتقديرات التي أعلنها المهندس علي النعيمي وزير البترول والثروة المعدنية، فإن احتياطيات الغاز غير التقليدية تقدر بأكثر من 600 تريليون قدم مكعبة، وهو ما يزيد على ضعف الاحتياطيات المؤكدة من الغاز التقليدي في المملكة، الأمر الذي يجعل احتياطيات المملكة من الغاز الصخري في المركز الخامس عالميا في هذا المجال.
لا شك أن قرار التحول نحو الغاز الصخري قرار استراتيجي في الدرجة الأولى وله عديد من الفوائد التي يمكن أن تعود على الدولة، حيث يمكّن المملكة من استغلال هذا المصدر غير التقليدي داخليا للتوفير في استهلاك النفط التقليدي في عمليات توليد الكهرباء، وتخصيصه أساسا لأغراض التصدير وذلك لتعظيم إيرادات المملكة من صادرات النفط التقليدي. من ناحية أخرى، فإن هذا المصدر يمكن المملكة من الاحتفاظ باحتياطياتها من النفط لفترات زمنية أطول.
وكما أشار تقرير ''الاقتصادية'' فقد يلعب نقص المياه دورا في الحد من القدرات الإنتاجية لـ ''أرامكو'' في استغلال الغاز الصخري، غير أن هذا القيد يجب أن يدفع ''أرامكو'' لدراسة التقنيات البديلة لإنتاج الغاز الصخري وما إذا كان من الممكن استغلال هذا المصدر من خلال تقنيات غير كثيفة الاستخدام للمياه، بدعوة الشركات المتخصصة للاستفادة من خبراتها في هذا المجال.

السياحة السعودية إلى البحرين

نشرت "الاقتصادية" تقريرا عن أعداد السيارات المغادرة للبحرين خلال فترة الأعياد، المتوقع أن يتجاوز عددها 300 ألف سيارة، الغالبية العظمى منها من السعودية.
باستخدام أي تقدير لمتوسط عدد المسافرين في كل سيارة يمكننا أن نتوصل بسهولة إلى أن عدد المسافرين سيكون كبيرا جدا في غضون هذه الفترة القصيرة، ولا شك أن هؤلاء سينفقون أموالا ضخمة خلال فترة وجودهم هناك، حيث ذكر التقرير أن حجم الإنفاق المتوقع للسعوديين خلال أيام العيد قد يبلغ نحو 400 مليون ريال تتمثل في نفقات الإعاشة فقط، ولا تشمل الإنفاق على المشتريات الأخرى، وهو ما يمثل إضافة للناتج المحلي البحريني، في الوقت الذي يمثل تسربا من الناتج المحلي السعودي.
المؤكد أن كثافة الهجرة إلى البحرين في مثل هذه المناسبات تعكس وجود خلل في قطاع السياحة الداخلية السعودي، يتمثل في نقص المعروض من المنتج السياحي المناسب، وضعف قدرة القطاع على جذب المواطنين في مثل هذه المناسبات، لذلك فإن قطاع السياحة في المملكة يحتاج، كما سبق أن ذكرت عدة مرات من قبل، إلى تطوير لإمكاناته وقدراته على تقديم منتج سياحي مخطط له بشكل احترافي كي يتناسب مع أذواق المواطنين، وعلى النحو الذي يسمح باستغلال الموارد السياحية للمملكة، وهي كثيرة ومتعددة، ولكنها تفتقر إلى الاستراتيجية المناسبة للتطوير، في ظل هيكل حوافز مناسب للمبادرين في القطاع، ورعاية حكومية لهذا القطاع ضمن استراتيجيات تنويع مصادر الدخل في المملكة، وجهود خلق الوظائف للعمالة السعودية.

الجمعة، أكتوبر ١٨، ٢٠١٣

تأجيل معركة رفع سقف الدين وإغلاق الحكومة الأمريكية

حبس العالم أنفاسه هذا الأسبوع وهو يتابع الصراع الدائر بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري حول إعادة فتح أبواب الحكومة الأمريكية ورفع سقف الدين الأمريكي، وذلك لتجنيب أمريكا عواقب خلو الخزانة الأمريكية من الأموال اللازمة للإنفاق على الخدمات العامة والاستمرار في خدمة دينها العام، حتى تم تمرير اتفاق على اصدار تشريع مساء يوم الأربعاء الماضي لمعالجة هذين الموضوعين بصورة مؤقتة. بمقتضى الاتفاق يعود العاملين الأمريكيين الذين تم ايقافهم عن العمل بصورة مؤقتة بسبب عدم وجود اعتمادات مالية لدفع رواتبهم نتيجة عدم اقرار مشروع الميزانية 2013/2014 إلى مكاتبهم، لتمارس الحكومة الفدرالية خدماتها كالمعتاد، بعد أن توقف جانب من هذه الخدمات غير الأساسية لمدة 16 يوما. من ناحية أخرى سوف يسمح القانون للخزانة بالاستمرار في اصدار سندات لاقتراض احتياجاتها التمويلية.
اتفاقات آخر دقيقة لتجنب الآثار الكارثية على الاقتصاد الأمريكي أخذت تصبغ الصراع بين الحزبين على القضايا المالية الحرجة على النحو الذي يهدد بتدمير ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي وتراجع تصنيفه الائتماني، فالدول التي تتميز بتصنيفها الائتماني الممتاز لا يستخدم السياسيون فيها أدوات مثل سقف الدين كأداة ضغط على الحكومة، وأن بالسماح لمثل هذه الممارسات أن تحدث، فإن الولايات المتحدة تتخلى عن مسؤولياتها بوصفها مصدر العملة الاحتياطية في العالم، والتي يفترض أن تكون خالية من المخاطر، خصوصا وأن دينها العام بلغ حاليا حوالي 109% من ناتجها القومي، في الوقت الذي يتوقع فيه أن تنمو التزامات الحكومة الأمريكية نحو الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية الى مستويات كبيرة في العقود القليلة القادمة.
لقد أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة بدأت الآن تسير على خطى الامبراطوريات السابقة التي زالت في العالم، حيث أخذت عوامل الضعف تدب في جسد الامبراطورية الأمريكية وبات الحلم الأمريكي اليوم مهددا أكثر من أي وقت مضى.
بكل المقاييس تعد الأزمة الحالية من أقسى الأزمات التي مرت بين الحزبين لأنها تمس قضيتين مزدوجتين في ذات الوقت، الإغلاق الجزئي للحكومة ووقف رفع سقف الدين، فإذا ما أضفنا الى ذلك طبيعة الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها الولايات المتحدة حاليا فإن استمرار الصراع على هذا النحو يحمل مخاطر هائلة على مستقبل النشاط الاقتصادي، ليس فقط في الولايات المتحدة، وإنما في العالم أجمع.
لقد أدت الأزمة الى انزعاج حلفاء الولايات المتحدة ومقرضيها الرئيسيين على السواء بصفة خاصة الصين، والتي تعد أكبر حائزي سندات الدين الأمريكي خارج الولايات المتحدة، حيث أخذت الصحف تثير التساؤل حول أثر الازمة على هيبة الولايات المتحدة، وحاليا تحاول الصين بالذات أن تنوع من احتياطياتها بعيدا عن الدين الامريكي، وهو أمر اعتقد أنها لن تستطيع أن تتمكن من تحقيقه في ظل الأوضاع العالمية الحالية ومشاكل الديون السيادية في أوروبا أو الوضع الحرج في اليابان، باختصار بسبب عدم وجود بدائل أكثر أمنا من الدين الأمريكي.
من جانبها أعلنت الخزانة الأمريكية ذاتها بأن الأزمة من الممكن أن تضر بسمعة الولايات المتحدة كمركز مالي آمن ومستقر، وكرد فعل مباشر للأزمة أعلنت مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني يوم الثلاثاء الماضي بأنها يمكن أن تخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة عند AAA، وأن الوكالة تراقب عن كثب تصنيفها الائتماني الحالي للاقتصاد الأمريكي بنظرة سلبية، وأنها ربما تخفض تصنيف الائتماني للولايات المتحدة في أوائل العام القادم حتى ولو تم التوصل الى اتفاق لتفادي عجز الحكومة عن خدمة ديونها، وذلك بسبب تراجع الثقة في فعالية السياسة الاقتصادية الحكومية في الولايات المتحدة، نتيجة لما يسمى بسياسات حافة الهاوية لرفع سقف الدين.  
بعد أن نفذ صبر العالم تقريبا وهو يراقب ديكة الحزبين تتصارع وتفشل من وقت لآخر في التوصل لاتفاق، تم تشريع ينص على أعادة فتح الحكومة ورفع سقف الدين وتمريره الى الرئيس اوباما لتوقيعه وإصداره كقانون، حيث تم إقرار التشريع بأغلبية ساحقة من جانب مجلس الشيوخ والذي يسوده الديمقراطيين حيث صوت 81 عضوا لصالح القانون في مقابل رفض 18 عضوا التصويت على القانون، أما في مجلس النواب والذي يسيطر عليه الجمهوريون صوت 198 عضو ديمقراطي و 87 عضوا جمهوريا في صالح مشروع القانون، بينما صوت 144 عضوا جمهوريا في غير صالح المشروع ولم يعارضه أي من الأعضاء الديمقراطيين.
وتتمثل التفاصيل الأساسية لهذا التشريع في الآتي:
-        يتم السماح للخزانة الأمريكية بالاستمرار في الاقتراض حتى 7 فبراير القادم، الأمر الذي يجنب الخزانة مخاطر التوقف عن خدمة الدين العام، المثير للاهتمام في القانون هو أنه على الرغم من محاولات الجمهوريين وقف حق الخزانة في اتخاذ التدابير الطارئة للاستمرار في الاستدانة حتى ولو لم يتم رفع سقف الدين من جانب الكونجرس، فإن القانون المصدر لا يمنع الخزانة من اتخاذ أي اجراءات غير اعتيادية لتتجنب التوقف عن خدمة الدين إذا لم يتم رفع سقف الدين في 7 فبراير القادم، وهو ما يجنب العالم تلك المخاطر على الأقل بشكل مؤقت، ربما لشهر أو أكثر قليلا، حتى يتوصل الكونجرس لاتفاق حول سقف الدين القادم، ومن وجهة نظري فإن هذه النقطة تمثل أهم ما في الاتفاق لأن القانون ليس فقط سيؤدي الى رفع سقف الدين ويسمح للخزانة بالاقتراض حتى 7 فبراير القادم، ولكنه سيسمح للخزانة باستخدام أدواتها لزيادة قدرتها على الاقتراض بشكل مؤقت بعد هذا التاريخ، حتى لو فشل الكونجرس في رفع سقف الدين في بداية العام القادم، وهو ما سيعمل على تهدئة ردة الفعل المتوقعة للأسواق عندما يفشل الطرفان في التوصل الى اتفاق على رفع سقف الدين.
-        تم إدخال آلية للتأكيد على حق أعضاء الكونجرس في التصويت على قرارات الرئيس الأمريكي برفع سقف الدين من طرف واحد، حيث سيقوم الرئيس أوباما بإعلام الكونجرس بقراراته حول رفع سقف الدين، معطيا اياهم حق وقف هذه القرارات إذا تم التصويت ضد هذه القرارات بأغلبية الثلثين في كل من مجلس الشيوخ والكونجرس، وهو احتمال ضعيف لسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ.
-        سوف يتم السماح باستمرار الانفاق الفدرالي عند مستوياته الحالية حتى 15 يناير، وهو ما يعني استمرار العمل ببرنامج خفض الانفاق المعروف باسم "sequestration"  والذي بدأ العمل فيه في بداية هذا العام لتجنب سقوط الاقتصاد الأمريكي فيما أسمي آنذاك بالهاوية المالية، على أن تتم لاحقا معالجة القضايا الخاصة بخفض الانفاق العام، ولكن القانون لم يتضمن منح الوكالات الحكومية المرونة في اتخاذ القرارات المناسبة لتجنب أثار الخفض في الانفاق تاركا الموضوع للمفاوضات القادمة المرتبطة بإعادة مناقشة تمويل الحكومة في منتصف يناير القادم للتوصل الى اتفاق بشأن الموضوع.
-        سوف يتم تكوين لجنة من الحزبين لمحاولة وضع أفكار لخطة طويلة الأجل لخفض العجز في الميزانية على أن يشترط أن تتم الموافقة عليها من كل أعضاء الكونجرس، وقد وضع القانون موعدا زمنيا للجنة للانتهاء من أعمالها بحلول 13 ديسمبر القادم، والتي قد تشتمل على اصلاحات لبرامج التأمين الاجتماعي وبرامج الرعاية الصحية والطبية، في ذات الوقت اصلاح نظام الضرائب بما يعمل على زيادة الايرادات العامة في الميزانية الأمريكية.
-        يتضمن القانون اتخاذ اجراءات للكشف عن مستويات دخول الراغبين في الحصول على الدعم في ظل قانون الرعاية الصحية المصدر في 2010 والمعروف بقانون اوباما كير، بحيث تمنع تقديم الدعم الفدرالي الذي يدفع في ظل قانون للأشخاص الذين لا تؤهلهم دخولهم للحصول عليه، وهو ما يعني أنه بهذا الشكل لن يتم المساس بقانون الرعاية الصحية "اوباما كير"، اللهم إلا هذا التعديل البسيط.
-        تتحمل الميزانية تكاليف دفع مرتبات العاملين الفدراليين عن فترة الاغلاق، والذين تم تسريحهم بشكل موقت ولم يستلموا مرتباتهم بسبب الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية، والذي أصبح بهذا الشكل بمثابة اجازة اجبارية مدفوعة الأجر على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين، مع احتمال مواجهة الإغلاق مرة أخرى عند حلول هذا التاريخ، وحتى الأن تقدر تكاليف اغلاق الحكومة لمدة 16 يوما بحوالي 24 مليار دولارا وفقا للتقديرات الأولية لمؤسسة ستاندرد أند بور.
بهذا القانون سوف تفتح الحكومة الفدرالية ابوابها لإعادة تقديم الخدمات غير الأساسية التي تم إغلاقها، ويعود موظفو الحكومة الى أعمالهم صباح الخميس، ولكن هل أدى هذا القانون إلى حل المسائل العالقة بين الحزبين بشكل جذري؟ الإجابة للأسف الشديد هي لا. فأفضل ما يمكن وصف القانون به هو أنه إجراء مؤقت لفتح أبواب الحكومة وتجنب عجز الخزانة عن خدمة الدين، حيث فشلت المفاوضات بين الحزبين في الاتفاق على معالجة القضايا الجوهرية المتعلقة بالإنفاق العام والعجز في الميزانية والمسئولة عن الهوة الحادثة بين الحزبين، حيث أن جذور الصراع ما زالت قائمة لأن القانون ببساطة شديدة سوف:
-        يسمح بتمويل الحكومة حتى 15 يناير القادم فقط، وهو ما يعني أنه من الممكن في حال عدم اقرار مشروع الميزانية للعام المالي 2013/2014 أن نرى أبواب الحكومة الأمريكية مغلقة مرة أخرى بحلول هذا التاريخ.
-        يسمح برفع سقف الدين حتى 7 فبراير القادم فقط، الأمر الذي يعني من الناحية العملية تأجيل معركة رفع سقف الدين الحالية حتى ذلك التاريخ.
إذا كان الأمر كذلك فما هي إذن أهمية هذا الاتفاق؟ الإجابة هي أنه على أفضل الأحوال كسر الجمود الذي اتصفت به المفاوضات بين الحزبين في الساعات الأخيرة قبل حلول موعد انتهاء سقف الدين الحالي الذي يصل الى 16.7 تريليون دولارا.
بمجرد الإعلان عن الاتفاق ارتفع مؤشر داو جونز وكذلك الأسهم الآسيوية، وارتفعت أسعار سندات الخزانة بينما صعدت قيمة الدولار في أسواق النقد الأجنبي، وتنبغي الإشارة إلى أن ردود أفعال الأسواق أثناء الأزمة لم يكن مبالغا فيها، ربما للشعور السائد بحتمية التوصل لاتفاق اللحظة الأخيرة لتجنيب الاقتصاد الأمريكي ويلات وقف رفع سقف الدين.
كريستين لا جارد رئيسة صندوق النقد الدولي أشارت إلى أن الكونجرس الأمريكي اتخذ خطوة هامة وضرورية لوقف الإغلاق المؤقت للحكومة الفدرالية ورفع سقف الدين، والتي تمكن الحكومة من الاستمرار في عملياتها بدون توقف خلال الأشهر القليلة القادمة حتى تعاود مفاوضات الميزانية الاستمرار مرة أخرى، وأن التشريع يعد ضروريا لتخفيض حالة عند التأكد المحيطة بالسياسة المالية الأمريكية لرفع سقف الدين بصورة أكثر استدامة، وأن صندوق النقد الدولي يشجع الحكومة الأمريكية على اقرار الميزانية وأن يستبدل سياسات خفض الانفاق الحالية بإجراءات تدريجية لا تضر بعملية استعادة النشاط الاقتصادي الحالية وأن تتبنى خطة مالية متوازنة ومكثفة في الأجل المتوسط.
بينما صرح جيم كيم رئيس البنك الدولي بأن الاتفاق يحمل أخبارا جيدة للدول النامية ولفقراء العالم، فقد تجنب العالم كارثة كامنة، وأنه يأمل بأن يركز صناع السياسة في كافة دول العالم على صياغة وتنفيذ سياسات تشجع النمو الاقتصادي وتزيد من فرص التوظف للجميع.
الاتفاق يمثل انتصارا لأوباما الذي رفض التفاوض حول تغيير قانون الرعاية الصحية، والذي يعد أهم الفائزين بموجب هذا القانون، ولقد عبر أوباما في أول رد فعل لتمرير القانون عن ابتهاجه بالاتفاق بقوله بأنه "يمكن الآن أن يبدأ في إزالة سحب عدم التأكد وعدم الارتياح على قطاع الأعمال والشعب الأمريكي"، وأكد على ضرورة أن تتوقف الولايات المتحدة من هذا الأسلوب في الادارة من خلال اصطناع أزمة. بينما عبر السيناتور شارلز شومر بأنه إذا كانت هناك بطانة فضية لهذه السحابة فإن هذه الهزيمة تعني أن قوة الذين ظلوا يدعون الى الصدام من الحزب الجمهوري قد بلغت حدودها القصوى، وأن الكونجرس يمكنه من الأن فصاعدا أن يبدأ عملية التشريع بصورة ثنائية بدون أن يتعرض لسياسات حافة الهاوية الخطيرة.
من جانب آخر فإن القانون يمثل هزيمة للجمهوريين وبصفة خاصة للجناح المعروف باسم حزب الشاي المؤيد لغلق الحكومة ووقف رفع سقف الدين في الحزب الجمهوري قبل أن يتم اجراء تعديلات جوهرية على قانون أوباما كير للرعاية الصحية. فقد تلقى الجمهوريون لطمة كبيرة وفقا لاستطلاعات الرأي التي أشارت الى تراجع شعبية الحزب على نحو كبير، حينما حاول الحزب انتهاز فرصة رفع سقف الدين لفرض تعديلاتهم المقترحة على قانون الرعاية الصحية مهددين بتوقف الحكومة الأمريكية عن خدمة ديونها والتي من الممكن أن تدفع بالاقتصاد الأمريكي الى الكساد مرة أخرى ومن ثم كارثة اقتصادية عالمية، فقد تراجع التأييد الشعبي للحزب على نحو تاريخي، كما أظهرت ذلك استطلاعات الرأي واحدا بعد الآخر، وقد عبر السيناتور جون ماكين عن الأزمة بقوله "إنها تمثل أكثر الفصول المخجلة التي عشتها في مجلس الشيوخ"، موضحا بأنه كان قد حذر الجمهوريون من خطورة ربط تغييرات برنامج اوباما كير مع قضية رفع سقف الدين أو تمويل الحكومة، في إشارة إلى أن ذلك يمكن أن ينعكس بشكل سلبي على شعبية الحزب، وهو ما حدث بالفعل.
من جانبه صرح السيناتور الجمهوري ليندسي جراهام بأن هذه هي اللحظة المناسبة لإعادة التقييم الذاتي داخل الحزب، فإما أن تتم عملية تقييم مسار الحزب وتصحيح الوضع بصورة ذاتية، أو أن يستمر الحزب على نفس النهج الذي يسير عليها حاليا والذي من الممكن أن يضر الحزب الجمهوري على المدى الطويل.
أبرز المستفيدين من هذا القانون هم الدائنين الرئيسيين لأمريكا مثل الصين واليابان والذين كانوا يواجهون حالة من القلق الشديد حول المخاطر المحيطة باستثماراتهم في الدين الأمريكي. كذلك تجنب النفط ضربة قاسية كان من الممكن أن يتلقاها في حال تعقدت الأوضاع وعاد الاقتصاد الأمريكي مرة أخرى الى الكساد، وارتدت أثار ذلك على الاقتصاد العالمي الذي يعاني ضعف الأداء في الوقت الحالي، فمثل هذه الأزمات يمكن أن تؤثر في الطلب على النفط وأسعاره على نحو جوهري، وهو ما يعرض المالية العامة للدول الخليجية لخسائر تراجع الايرادات النفطية بفعل انخفاض الطلب على النفط وتراجع أسعاره في ذات الوقت.
من ناحية أخرى فإن الدول الناشئة مثل الصين والهند الأكثر انفتاحا على العالم الخارجي، حيث تلعب الصادرات دورا هاما في ناتجها المحلي والتي تواجه تراجعا في معدلات النمو الاقتصادي حاليا وتحاول تنشيط اقتصاداتها، كان من الممكن أن تتلقى ضربة قاصمة لتلك الجهود مع تراجع النمو الاقتصادي العالمي، في حال لم يتم اقرار رفع سقف الدين.
على الرغم من ان الجمهوريين خرجوا من الأزمة بخفي حنين، إلا أن بعض الأعضاء يرفض الاعتراف بالهزيمة مؤكد أن مشروع القانون ليس نهاية الصراع وانما بدايته، وقد أعلن بعض النواب أن الدورة القادمة سوف تشهد تركيزا أكبر من جانب الحزب الجمهوري على القضايا المرتبة بالميزانية. 
باختصار فإن أفضل ما يمكن أن نصف به الاتفاق الحالي هو أنه بمثابة وقف لإطلاق النار بين الجمهوريين والبيت الأبيض حول مشكلة الانفاق العام وعجز الميزانية التي أدت الى الإغلاق الجزئي لأبواب الحكومة. ولقد عبر رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب والذي لم يصوت في صالح المشروع عن ذلك قائلا بأن التشريع لا يساعد الولايات المتحدة في خفض مستوى الدين المتنامي، وأن الموضوع من وجهة نظره لا يعني انتهاء الصراع بين الحزبين، وإن ما قمنا به بالفعل هو أننا "ركلنا العلبة إلى مسافة أبعد على نفس الطريق"، في إشارة الى تأجيل المعركة لوقت آخر في المستقبل على الأرجح في أوائل العام القادم. 

السوق العالمي للنقد الأجنبي

السوق العالمي للنقد الأجنبي



نشر بنك التسويات الدولية تقريره الذي يصدره كل ثلاث سنوات عن تقديرات حجم المعاملات اليومية في السوق العالمية للنقد الأجنبي، والذي يستند إلى مسح تشترك فيه البنوك المركزية والمؤسسات النقدية الرئيسة في العالم، ويشمل حجم التعاملات اليومية في سوق النقد الأجنبي العالمي جميع الاستخدامات وبجميع العملات في هذا السوق، وقد اشترك في المسح الذي يجريه بنك التسويات الدولية لغرض إعداد تقرير هذا العام 53 بنكا مركزيا ومؤسسة نقدية، وتمثل أهم البنوك والمؤسسات النقدية في العالم، منها مؤسسة النقد السعودي ومؤسسة النقد البحريني وهما المؤسستان الوحيدتان من المنطقة العربية اللتان تشتركان في هذا التقرير، ويعرض تقرير هذا العام أكثف التقديرات لحجم التعاملات اليومية بالنقد الأجنبي.
تنبع أهمية هذا من استجلاء تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على سوق النقد العالمي، بصفة خاصة الدولار الأمريكي، الذي يتعرض لضغوط كبيرة منذ بداية الأزمة المالية العالمية، ومطالب باستبداله بعملة عالمية أخرى، غير أن نتائج التقرير كانت مفاجئة في إجمالي التداولات اليومية من النقد الأجنبي ونسبة الدولار الأمريكي في حجم هذه التعاملات، الذي يثبت يوما بعد يوم أنه عملة التبادل الأساسية في العالم.
السوق العالمي للنقد الأجنبي هو أكبر أسواق العالم على الإطلاق، ولا يضاهيه في ذلك أي سوق آخر بما في ذلك السوق العالمي للنفط الخام أو الذهب، حيث تبلغ التقديرات الأولية لمتوسط حجم التعامل اليومي في هذا السوق وفقا لبنك التسويات الدولية 5.345 تريليون دولار كل 24 ساعة، وهو بكل المقاييس رقم أسطوري، حيث يعني ذلك أن متوسط حجم الكميات التي يتم تبادلها في الساعة يبلغ 222.7 مليار دولار، أو 3.7 مليار دولار في الدقيقة الواحدة. في عام 2010 بلغ متوسط إجمالي المعاملات اليومية 3.969 تريليون دولار، أي أنه خلال السنوات الثلاث السابقة حقق السوق العالمي للنقد الأجنبي نموا بمعدل 34.7 في المائة، أو بمعدل نمو سنوي متوسط 11.6 في المائة، وهو معدل نمو كبير يفوق متوسط معدلات النمو الاقتصادي العالمي ومعدلات النمو السنوي في التجارة الدولية.
تتوزع المعاملات اليومية في النقد الأجنبي بين معاملات السوق الحاضر أو الفوري Spot 2.046 تريليون دولار يوميا بنسبة 34 في المائة من إجمالي المعاملات، ومعاملات الترتيبات المتبادلة في النقد الأجنبي Swaps 2.228 تريليون دولار بنسبة 41.7 في المائة، وعقود الخيارات Options 337 مليار دولار بنسبة 6.3 في المائة، والعقود الآجلة 680 مليار دولار بنسبة 12.7 في المائة. من بين هذه المعاملات كان نحو 42.3 في المائة يتم داخل حدود الدول ويقدر بـ 2.259 تريليون دولار، مقارنة بنسبة 35.1 في المائة في 2010، بينما بلغت المعاملات خارج حدود الدول 3.086 تريليون دولار، أي بنسبة 57.7 في المائة، مقارنة بنسبة 64.9 في المائة في عام 2010، أي أن نسبة المعاملات خارج الحدود في النقد الأجنبي قد تراجعت بشكل واضح، وهو الأمر الذي يمكن أن نعزوه إلى ظروف الأزمة الاقتصادية العالمية.
أما عن الأهمية النسبية للعملات الدولية المستخدمة في تسوية هذه المعاملات، فإن التقرير يشير إلى أن الدولار ما زال عملة العالم الأساسية، بل إن أهميته النسبية في سوق النقد الأجنبي العالمي تزايدت على الرغم من كل ما يحدث، فوفقا للتقرير فإن متوسط قيمة العمليات التي تمت بالدولار الأمريكي مع العملات الأخرى بلغ 4.652 تريليون دولار أي بنسبة 87 في المائة من المعاملات اليومية في النقد الأجنبي، مقارنة بنسبة 85 في المائة من المعاملات المالية الدولية في عام 2010، بالطبع يلي الدولار في الأهمية اليورو الأوروبي، والذي بلغ حجم التعامل اليومي به 497 مليار دولار بنسبة 8.3 في المائة من إجمالي المعاملات اليومية، وبالرجوع إلى التقرير الماضي في 2010، نجد أنه على الرغم من زيادة حجم التعامل اليومي باليورو في 2013 عن 2010، حيث كان حجم المعاملات اليومي 452 مليار دولار، فإن نسبة التعاملات باليورو قد انخفضت من 11.4 في المائة في عام 2010، إلى 8.3 في المائة فقط في 2013. كما احتل الين الياباني المركز الثالث من حيث الأهمية النسبية، حيث بلغ حجم التعامل اليومي فيه 106 مليارات دولار بنسبة 2 في المائة، وتمثل هذه العملات الثلاث نحو 97 في المائة من إجمالي المعاملات اليومية في السوق العالمي للنقد الأجنبي، أما أهم العملات الأخرى التي يتزايد ثقلها الدولي فهي الدولار الأسترالي والفرنك السويسري والدولار الكندي، وهي العملات التي يطلق عليها حاليا الأحصنة السوداء.
أما بالنسبة لمتوسط حجم التعامل اليومي بالنقد الأجنبي في المملكة فقد قدر بنحو خمسة مليارات دولار يوميا، تمثل نحو 0.1 في المائة من اجمالي المعاملات اليومية في السوق العالمي للنقد الأجنبي، وقد احتل الريال الترتيب 34 من بين العملات التي يشملها التقرير دوليا، وهو العملة العربية الوحيدة التي لها تصنيف في العملات الدولية المستخدمة عالميا.
بالنسبة للأهمية النسبية لمراكز النقد الأجنبي في العالم، فإن مركز لندن في المملكة المتحدة ما زال يمثل أكبر مركز لمعاملات النقد الأجنبي في العالم وهو كذلك من الناحية التاريخية، بل وتتزايد أهميته على نحو مستمر، من نحو 32.6 في المائة في عام 1998، إلى 40.9 في المائة هذا العام، في الوقت الذي تحتل فيه الولايات المتحدة المركز الثاني، حيث مثلت المعاملات اليومية 18.9 في المائة من إجمالي المعاملات اليومية، تليها سنغافورة بنسبة 5.7 في المائة ثم اليابان بنسبة 5.6 في المائة. أما على النطاق العربي فقد بلغت المعاملات اليومية في البحرين تسعة مليارات دولار تمثل 0.15 في المائة من إجمالي المعاملات الدولية، تليها السعودية، حيث تبلغ المعاملات اليومية نحو خمسة مليارات دولار، تمثل نحو 0.1 في المائة من إجمالي المعاملات في النقد الأجنبي في العالم.

اختبارات قدرات للمقترضين لتمويل المشروعات

نشرت "الاقتصادية" على لسان مسؤول في البنك السعودي للتسليف والادخار، أن البنك يجري اختبار قدرات للسعوديين الراغبين في تمويل مشاريعهم للتحقق من قدرتهم على إدارة تلك المشاريع بنجاح، بالطبع الهدف الأساسي من تلك الاختبارات هو الحد من حالات التعثر التي يمكن أن تنتج عن سوء إدارة المشروعات.
المشروع الناجح يرتكز إلى دعامتين أساسيتين، دراسة جدوى واقعية قائمة على فروض صحيحة وتقييم دقيق للسوق وحصة المشروع المقترح منه، وإدارة محترفة. اختبارات القدرات المصحوبة ببرنامج تدريبي مكثف على كيفية إدارة المشروعات، وأسس اتخاذ القرارات، وسبيل تعظيم العوائد وتقليل التكاليف للقرارات، وأسس تقييم المخاطر، وأسس التخطيط السليم للإنفاق، والحدود الآمنة للاقتراض، وغير ذلك من الجوانب الأساسية لإدارة المشروعات تعد من المهارات الضرورية التي ينبغي أن يتقنها المبادر، قبل أن يبدأ إدارة أي المشروع، حتى لا يتخذ قرارات كارثية من الممكن أن يترتب عليها انهيار المشروع، وبالتالي تعثره عن السداد، مما يخلق مشكلة للمقترض وللبنك في الوقت ذاته.
مما يعظم من العوائد التي تتحقق نتيجة لهذه السياسة أن يقوم البنك أيضا بتوظيف مجموعة من المستشارين المتخصصين للمقترضين، وذلك لتقديم النصح اللازم عند الضرورة، إما مجانا وإما بمقابل مادي محدود، فمثل هذه الجهود التطوعية للبنك لا شك لها مردود مهم على المقترض، وعلى المجتمع، وبالطبع على البنك، حيث تقلل من معدلات التوقف عن السداد وانخفاض نسبة الخسائر الناجمة عن الديون المعدومة المترتبة على ارتفاع معدلات فشل المشروعات.

التعاون الإفريقي - الخليجي

نشرت "الاقتصادية" على لسان مسؤول خليجي أن دول مجلس التعاون تبحث عن فرص استثمارية في إفريقيا لتأمين احتياجات دول المجلس من الغذاء بعد تضاعف أعداد السكان في دول الخليج على نحو كبير خلال العقود الماضية.
الاستثمار الزراعي في إفريقيا يمكن أن يساعد دول الخليج على توفير بعض المواد الغذائية الأساسية، ومن المؤكد أن الدول الإفريقية سترحب بتدفقات الاستثمارات الخليجية في ظل ضعف مستويات الدخول والمدخرات التي تحد من الاستثمار المحلي في هذه الدول، ولكن لا بد من مراعاة أن إفريقيا ليست من القارات المنتجة للحبوب لأنها لا تقع ضمن ما يسمى بحزام القمح العالمي، ولكنها بالتأكيد يمكن أن تمد الخليج باحتياجاته من اللحوم وبعض السلع الغذائية الأخرى، غير أن ضعف البنية التشريعية قد يشكل أهم المخاطر التي يمكن أن تواجه الاستثمارات الخليجية في إفريقيا، كذلك فإن عدم الاستقرار السياسي، فضلا عن المشكلات الأخرى مثل المشكلات العرقية وغيرها قد تشكل مخاطر مستمرة لمثل هذه الاستثمارات.
سيتطلب التعاون الخليجي ــــ الإفريقي وضع أطر محكمة لاتفاقيات الاستثمار تتضمن آلية مناسبة للتحكيم في حال حدوث خلافات أو عدم استقرار اقتصادي أو سياسي لحماية الاستثمارات، ولكن من الواضح أن أوضاع إفريقيا تتحسن بمرور الوقت، مما قد يجعل الخيار الإفريقي خيارا مناسبا لضخ استثمارات زراعية تساعد هذه الدول على استغلال مواردها الطبيعية، وفي الوقت ذاته تأمين جانب من احتياجات دول المجلس من المواد الغذائية الأساسية.

الثلاثاء، أكتوبر ١٥، ٢٠١٣

التنويع الأمثل للاحتياطيات السعودية

نشرت ''الاقتصادية'' تحليلاً لوحدة التقارير الاقتصادية في الصحيفة عن احتياطيات مؤسسة النقد السعودي ''ساما''، الذي أشار إلى أن استثمارات المملكة في الأوراق المالية ارتفعت الى 1.92 تريليون ريال، وهو ما يمثل 73 في المائة من إجمالي الأصول الاحتياطية السعودية البالغة 2.62 تريليون ريال.
تتعدد الدوافع وراء الاحتفاظ بالاحتياطيات لكني أعتقد أن أهم هذه الدوافع في حالة المملكة هي الاعتقاد أن الاقتصاد الوطني لا يمكنه استيعاب هذه الاحتياطيات، وكذلك لأغراض إدارة معدل صرف العملة والدفاع عن الريال في سوق الصرف الأجنبي، ومواجهة التطورات غير المؤكدة في المستقبل حول الإيرادات النفطية، فضلاً عن تنويع قاعدة الموارد للمملكة.
لا شك أن هذا الحجم الضخم من الاحتياطيات الرسمية يعد أهم الأصول الوطنية في الوقت الحالي، ولا شك أن عملية إدارتها على النحو الصحيح يجب أن تولى الاهتمام المناسب. قد يعتقد البعض أن هذا التوزيع للأصول الاحتياطية فيه قدرٌ من التركز الذي يرفع تكلفة الفرصة البديلة لاستثمار الاحتياطيات، لكن هذا التركز في الأوراق المالية قد يضمن سيولة أكبر لهذه الاحتياطيات، وإن كان العائد من مثل هذا النوع من الاستثمارات سيكون محدوداً نسبياً آخذاً في الحسبان تواضع معدلات العائد حالياً بسبب ظروف الأزمة، وهو ما يحتم على ''ساما'' أن تدرس التنويع الأمثل لهذه الأصول الاحتياطية، خصوصاً مع تراكم هذه الاحتياطيات إلى مستويات ضخمة وغير مسبوقة، لضمان التوازن في توزيع تلك الأصول الاحتياطية بين جميع أوجه الاستثمار المالي في الداخل والخارج.

الاثنين، أكتوبر ١٤، ٢٠١٣

هل النفط الصخري لا يشكل تهديدا للنفط التقليدي؟

نشرت ''الاقتصادية'' تصريحا للأمين العام لمنظمة ''أوبك''، أشار فيه إلى أن النفط الصخري لا يقلق ''أوبك''، وأن انخفاض أسعار النفط التقليدي سيؤثر في الجدوى الاقتصادية لإمدادات النفط الصخري.
في الحقيقة نحن أمام موضوع شائك، بين مهوِّل للتأثير المتوقع للنفط الصخري في السوق العالمي للنفط ومنتجيه ودرجة اعتماد المستوردين الرئيسين للنفط الخام مثل الولايات المتحدة، على إنتاجها الذاتي منه، وبين مقلل للتأثير الكامن للنفط الصخري في مستقبل الإمدادات ونصيب ''أوبك'' منها، ودرجة استقرار السوق العالمي للنفط، مدللا على ذلك بضعف الاحتياطيات وارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلا عن التأثيرات البيئية لاستخراج هذا الخام غير التقليدي، بل إن ''أوبك'' تتوقع خروجه من المعادلة تماما بحلول 2018.
ولأن إنتاج النفط الصخري ما زال في مراحله الأولية فلا يمكن الحكم بشكل مؤكد على ضعف التأثيرات المحتملة لهذا النفط، وخصوصا أن إنتاجه ما زال محصورا في الولايات المتحدة، ولم تبدأ الدول الأخرى في العالم التي لديها احتياطيات كبيرة منه في إنتاجه، كما أن الشركات الأمريكية المنتجة لهذا النفط لم تبدأ في الخروج خارج الولايات المتحدة باحثة عن فرص استثمار لتوظيف خبراتها في مجال إنتاج النفط الصخري. لذلك أعتقد أن إصدار أحكام مسبقة في ظل هذه المرحلة المبكرة لعمليات إنتاج النفط الصخري، والادعاء بأن النفط الصخري لن يشكل أهمية ذات تأثير في النفط التقليدي، سيكون بمثابة من يدفن رأسه في الرمال.

هل تؤدي زيادة الرواتب إلى تحسين أوضاع العاملين في الدولة؟

ما زال النقاش حول موضوع ''الراتب لا يكفي الحاجة'' يجتذب زخماً، من وقت إلى آخر، حيث يعبّر الكثير من العاملين في الدولة عن عدم رضاهم عن مستويات الرواتب في المملكة مقارنة بباقي دول الخليج ومتحجّجين بأن الراتب بمستوياته الحالية لا يكفي لتدبير الاحتياجات المعيشية للأسر، بصفة خاصة محدودة الدخول.
ما يتخيله المناقشون هو أن قيام الحكومة بزيادة راتب كل موظف بمئات عدة من الريالات أو بنسبة مئوية محدّدة سيصلح من أحوالهم المادية ويرفع من مستويات معيشتهم، في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار الذي تشهده بعض السلع حالياً، وهو تصوّر غير صحيح، يُطلق عليه في علم الاقتصاد الوهم النقدي Money Illusion، حيث يهتم الناس بكمية النقود التي يحصلون عليها وليس بقدرتها الشرائية، أو بالأحرى قيمتها الحقيقية.
زيادة المرتبات في دولة مثل المملكة لن تعني سوى شيء واحد هو ارتفاع مستويات الأسعار على نحو أكبر، ومن ثم تراجع القوة الشرائية للدخول، حيث تتحوّل زيادة الراتب إلى إنفاق يضغط على الأسعار نحو الارتفاع ومن ثم المزيد من التضخم، فمع الإعلان عن أي زيادة تضاف إلى دخول الموظفين يبدأ قطاع الأعمال الخاص بدراسة نسبة الزيادة التي ينبغي أن تضاف للأسعار بعد هذه الزيادة في الدخول. في ظل الهيكل الحالي للاقتصاد السعودي، ربما يكون من الأفضل أن يحصل العاملون على زيادات تتماشى مع معدل التضخم حتى لا تكون زيادات الرواتب بلا جدوى.

السبت، أكتوبر ١٢، ٢٠١٣

السياسة النقدية الأمريكية .. محلك سر

اختار الرئيس أوباما الأسبوع الماضي جانيت ييلين نائبة رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" رئيسا للمؤسسة، خلفا للرئيس الحالي بن برنانكي مهندس سياسات التوسع النقدي غير المسبوقة، التي تتبعها الولايات المتحدة منذ بداية الأزمة، منهيا بذلك الجدل الطويل الذي ثار حول شخصية من سيخلف برنانكي.
قرار الرئيس الأمريكي هو أفضل الخيارات الممكنة لضمان استقرار عملية صناعة السياسة النقدية الأمريكية، حيث إن جانيت ييلين تعمل في "الاحتياطي الفيدرالي" منذ فترة طويلة، وقد اكتسبت الخبرة التي تؤهلها لقيادة "الاحتياطي الفيدرالي" في الفترة القادمة بما فيها من تحديات ضخمة، التي في رأيي، على رأسها كيفية التخلص من تريليونات الدولارات التي تم إصدارها في إطار عمليات التوسع النقدي، التي أهمها استراتيجيات التيسير الكمي، دون أن يترتب على ذلك آثار ارتدادية على الاقتصاد الأمريكي، وبما لا يضر بعملية استعادة النشاط الاقتصادي التي تتم حاليا حتى تؤمن الخروج الكامل للاقتصاد الأمريكي من أزمته.
مما يعزز فرص نجاح جانيت ييلين أنها تفهم طبيعة الاستراتيجيات التي تم وضعها للخروج من السياسة الحالية لزيادة حجم ميزانية "الاحتياطي الفيدرالي" من خلال شراء السندات وإصدار الدولار في مقابلها، ومن ثم ستتمكن من توظيف الآليات التي من خلالها يتم سحب تريليونات الدولارات المصدرة حاليا، وبما لا يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة على النحو الذي يهدد التعافي، وفي الوقت ذاته يحافظ على معدلات التضخم ضمن نطاق المعدل المستهدف بواسطة "الاحتياطي الفيدرالي".

المخاطر الكامنة لعدم رفع سقف الدين الأمريكي

لم يحدث أن أعلنت الولايات المتحدة توقفها عن خدمة دينها العام، ولذلك لا يمكن الحديث بشيء من الواقعية عن المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها العالم إذا ما  فشل الكونجرس في رفع سقف الدين، وخلت الخزانة الأمريكية سوى من إيرادات الضرائب والرسوم العامة، وتوقفت أمريكا عن سداد فوائد السندات في مواعيدها أو دفع قيمة ما يستحق من تلك السندات، وللأمانة لا يمكننا تقييم استجابة اسواق الدين لفشل أكبر دولة مدينة في العالم في خدمة ديونها بدقة، وكيف يؤثر ذلك على أسواق الديون الأخرى في العالم. فمن المؤكد أنها ستتوقف عن العمل على المستوى العالمي، ومن المؤكد أن الدولار سوف يتراجع، وسوف ترتفع معدلات الفائدة على السندات الأمريكية، وسوف تنطلق من الولايات المتحدة صدمة مالية تهز العالم أجمع، ربما تتجاوز في تأثيرها صدمة سوق المساكن الامريكي التي أدت الى انطلاق أكبر أزمة مالية عرفها العالم منذ الكساد العالمي العظيم في نهاية العشرينيات من القرن الماضي.
لم يحدث أن تجرأ الكونجرس منذ أن تم تعديل الدستور الأمريكي بفرض ضرورة الحصول على موافقة مجلس النواب قبل أي عملية لرفع الحد الأقصى المسموح للحكومة الأمريكية بالاقتراض في نطاقه أن تم رفض رفع سقف الدين، وكانت موافقة الكونجرس على رفع سقف الدين تمر في أغلب الأحوال على نحو شبه اوتوماتيكي، حتى جاء موعد رفع سقف الدين الأمريكي السابق في أغسطس 2011، حيث تم تأجيل الموافقة على رفع سقف الدين حتى آخر لحظة قبل أن يقر الكونجرس رفع سقف الدين والسماح للحكومة الأمريكية بالاقتراض حتى سقف 16.7 تريليون دولارا والذي ستصله الخزانة الأمريكية في 17 اكتوبر القادم.
على الرغم من رفع سقف الدين في موعده، إلا أنه في خضم الخلافات العميقة التي حدثت بين الحزبين اضربت الأسواق المالية في العالم، وتراجعت ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال الأمريكي بصورة كبيرة، وارتفعت معدلات البطالة بسبب تراجع النمو في الوظائف في سوق العمل الأمريكي، وجاءت ثالثة الأثافي عندما تم تخفيض تصنيف الدين الأمريكي من جانب مؤسسة ستاندرد أند بور لأول مرة لتقفد الولايات المتحدة تصنيفها الممتاز لأول مرة في تاريخها، واستمر التأثير السلبي لما حدث لعدة أشهر حتى استعادت ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال مستوياتها قبل محادثات رفع سقف الدين.
وفقا لدراسة لمكتب الميزانية الأمريكية بالكونجرس عن سقف الدين الأمريكي، امتدت آثار تعثر محادثات رفع سقف الدين في أغسطس 2011 حتى عام 2012، على الرغم من رفع سقف الدين قبل انتهاء الموعد المحدد، وذلك نتيجة لتراجع ثقة المستهلكين وقطاع الأعمال، وانخفاض أسعار الأسهم وارتفاع تكلفة الاقتراض بشكل عام في الولايات المتحدة في ذلك الوقت، وقد أشارت بيانات مؤشر ستاندرد أند بور 500، إلى أن أسعار الأسهم الأمريكية تراجعت بنسبة 17% في الفترة التي حدث فيها النزاع حول رفع سقف الدين في اغسطس 2011، ولم يسترد المؤشر خسائره حتى النصف الأول من 2012، وهو ما أدى الى تراجع ثروة القطاع العائلي في الولايات المتحدة بحوالي 2.4 تريليون دولارا، الأمر الذي أثر سلبا على الانفاق الاستهلاكي والذي يحتل أهمية استثنائية في الانفاق الكلي في الولايات المتحدة.
لسوء الحظ فإن رفع سقف الدين يتزامن هذه المرة مع رفض الكونجرس تمرير الميزانية الأمريكية للعام المالي 2013/2014، وأصبحت المصالح الحكومية الأمريكية بلا اعتمادات مالية لدفع رواتب العاملين فيها، ومن المتوقع أنه اذا استمر الإغلاق لفترة طويلة أن تتعثر جهود استعادة النشاط ويواجه الاقتصاد الأمريكي كسادا مزدوجا Double dip، بعد أن كان قد تهيأ للخروج من الأزمة وأخذ الاحتياطي الفدرالي يلمح بأنه سوف يخفض من عمليات شراء السندات الأمريكية وإنهاء سياسات التوسع النقدي المطبقة منذ بداية الأزمة والمعروفة بسياسات التيسير الكمي.
من المؤكد أن هذه الاضطرابات سوف يترتب عليها تأثر وول ستريت وأسواق المال في العالم، والملاحظ حاليا أن جميع أسواق المال في العالم تتأثر بصورة أو بأخرى باستمرار الأزمة الدائرة حاليا، ومثل هذه المخاطر تؤثر بشكل سلبي على خطط قطاع الأعمال الخاص ويترتب عليها تراجع في مستويات الانفاق الاستهلاكي والاستثماري ومن ثم معدلات النمو.
إذا ما رفض الكونجرس رفع سقف الدين فسوف تقتصر السيولة المتاحة في الخزانة الأمريكية على ايرادات الضرائب والرسوم العامة والإيرادات الأخرى، وسوف تتوقف معها مدفوعات المساعدات الاجتماعية وبرامج الرفاه. للأسف فإن من يقرأ تصريحات الجمهوريين ربما يصل إلى قناعة بأنهم ماضون في رفض رفع سقف الدين مثلما أغلقوا الحكومة الأمريكية بالأمس، على سبيل المثال يلمح جون بونر في لقاء له مع بلومبرج بأن على الحكومة الأمريكية أن تعيد ترتيب أولويات الانفاق بحيث تدفع الفائدة المستحقة على ديونها في موعدها وبهذا الشكل تظهر التزامها لحاملي السندات وتتفادى إعلان توقفها عن خدمة ديونها، وهو بلا شك كلام غير مسئول، أولا لأن عملية اعادة ترتيب الأولويات مسألة لن تتم بين يوم وليلة، ولا شك أنها ستستغرق وقتا والأسواق لا تملك رفاهة الانتظار، وثانيا لأنه يتجاهل الأثر المدمر لفقدان الثقة في قدرة الاقتصاد الأمريكي على خدمة ديونه على الأسواق والنشاط الاقتصادي العالميين، وهناك تخوف من أن تزداد عمليات بيع السندات الأمريكية قبل 17 اكتوبر القادم مع تزايد مخاطر عدم رفع سقف الدين، وهو ما سوف يرفع معدلات الفائدة على نحو يهدد تعافي الاقتصاد الأمريكي.
غير أنني ما زلت أعتقد بأن الكونجرس سوف يقر رفع سقف الدين، أو أن الرئيس الأمريكي سوف يجد مخرجا لتجاوز رفع سقف الدين، فبعض المراقبين يرون أن للقضية بعد قانوني، حيث أن الحكومة الأمريكية لديها التزام تعاقدي بدفع التزاماتها عندما يحل موعد هذه الالتزامات، ولذلك يرى البعض أنه إذا رفض الكونجرس رفع سقف الدين فلا بد وأن يبحث الرئيس عن مخرج قانوني لإيجاد موارد مالية للخزانة الأمريكية حتى تتمكن الحكومة الأمريكية من سداد التزاماتها القانونية بما في ذلك تلك الخاصة بمدفوعات خدمة الدين، وقد أشارت النيويورك تايمز أن الخبراء يؤكدون بأنه أمام الرئيس الأمريكي عدة سبل لتجاوز رفض رفع سقف الدين، مشيرين إلى الجزء الرابع من التعديل الرابع عشر للدستور والأجزاء الأخرى التي تسمح له بأن يفعل ذلك. فهل سيواجه العالم هذه المخاطر الكامنة؟ للأسف علينا الانتظار حتى 17 أكتوبر القادم حتى نعرف.

الخميس، أكتوبر ١٠، ٢٠١٣

مخاطر إغلاق الحكومة الأمريكية ورفع سقف الدين على الكويت

فشل الكونجرس الأمريكي في تمرير الميزانية الأمريكية للعام المالي 2013/2014، وأصبحت المصالح الحكومية الأمريكية بلا اعتمادات مالية لدفع رواتب العاملين فيها، فتم تحويل حوالي 800 ألف عام الى عاطلين عن العمل بدون أجور، ولكن البنتاجون قام باستدعاء العاملين فيه مرة أخرى ليقل عدد العاطلين عن العمل من العاملين في الحكومة بحوالي 400 ألف عاملا. 
الخلاف الأساسي بين الجمهوريين والديمقراطيين يتمثل في كيفية السيطرة على عجز الميزانية الأمريكية، حيث يحاول الديمقراطيون معالجة عجز الميزانية من خلال زيادة الايرادات، بينما يرى الجمهوريون ضرورة الحد من حجم الحكومة وتخفيض الانفاق الحكومي، بصفة خاصة على برامج الرعاية الاجتماعية المكلفة، مثل برنامج أوباما كير للرعاية الصحية، الذي أصر الجمهوريون على تأجيله لمدة عام كشرط لإقرار الميزانية وعدم اغلاق الحكومة الأمريكية. لمن لا يعلم، ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إغلاق الحكومة الأمريكية، بسبب الخلاف حول القضايا المالية بين الحزبين فقد أغلقت الحكومة الأمريكية أبوابها 17 مرة من قبل لمدة تتراوح بين يوم واحد وشهرا تقريبا، وهذه هي المرة الثامنة عشر التي تغلق فيها الحكومة الأمريكية أبوابها في الساعة 12 صباح الأول من هذ الشهر.
ترتب على إغلاق الحكومة الأمريكية لأبوابها وترحيل العمالة التي تؤدي الخدمات غير الأساسية الحكومة، ولذلك لم تنشر التقارير الاقتصادية الأساسية المفترض أن تنشر في هذا الوقت من الشهر، وعلى رأسها تقرير سوق العمل الأمريكي، ولم يعرف سكان الولايات المتحدة ولا العالم حجم تطور معدل البطالة في الولايات المتحدة في الشهر الماضي، كما لم يتم تم نشر المراجعة الشهرية للميزانية الأمريكية لهذا الشهر بسبب إغلاق الحكومة.
حتى الآن لا تبدو ملامح في الأفق حول قرب التوصل لاتفاق لتمرير الميزانية وانهاء اغلاق الحكومة، واستمرار إغلاق الحكومة يزيد من سخط الأمريكيين على الحزب الجمهوري، بصفة خاصة ما يسمى جناح حزب الشاي داخل الحزب الجمهوري، فضلا عن أنه يؤدي الى الكثير من المخاطر الاقتصادية على المستوى الأمريكي والدولي.
ولكن ما هي الأثار التي يمكن أن تترتب على إغلاق الحكومة الأمريكية، على دول مجلس التعاون والكويت بصفة خاصة. ما أسرده الآن هو الآثار الكامنة إذا طالت مدة الاغلاق وكان ذلك مصحوبا برفض رفع سقف الدين الأمريكي.
إذا استمر الإغلاق لمدة طويلة فإن ذلك سيؤثر سلبا في معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي كما حدث من قبل، فعندما تم إغلاق الحكومة الأمريكية نحو شهر في عهد الرئيس كلينتون انخفض النمو الاقتصادي بنحو 1.4 في المائة، وبالتالي فإن هذا الاثر السلبي على النمو متوقع أيضا في هذه المرة، الأمر الذي يعظم من تأثير المخاطر المحتملة لإغلاق الحكومة حاليا في هذه المرحلة الحرجة من عمر الاقتصاد الأمريكي، فمن الممكن أن تتعثر جهود استعادة النشاط ويواجه الاقتصاد الأمريكي كسادا مزدوجا، بعد أن كان قد تهيأ للخروج من الأزمة وبدأ الاحتياطي الفدرالي يلمح بأنه سوف بخفض من عمليات شراء السندات الأمريكية وإنهاء سياسات التوسع النقدي المعروفة بسياسات التيسير الكمي.
إذا تحققت هذه المخاوف فإن الأثر على الكويت سوف يكون ثلاثي الأبعاد، حيث سيستمر الدولار الأمريكي في التراجع في سوق الصرف الأجنبي، ومعه تتراجع القيمة الحقيقية لإيرادات الكويت من تصدير النفط الخام، فحتى اليوم انخفض معدل صرف الدولار بالنسبة للدينار الى 282 فلسا للدولار من حوالي 287 فلسا، ومعه تفقد الحكومة الكويتية حوالي 2% من إيراداتها النفطية بالدينار الكويتي يوميا، بالطبع مع تراجع قيمة الدينار سوف تزداد خسارة ميزانية الدولة من الإيرادات النفطية بالدينار.
البعد الثاني سوف يتمثل في تراجع الطلب على النفط مع تراجع نمو الاقتصاد الأمريكي، وما يحدثه ذلك من آثار ارتدادية على النمو العالمي خصوصا في أوروبا والدول الناشئة مثل الصين التي تعتمد تجارتها الخارجية على التصدير إلى الولايات المتحدة، هذا التراجع في النمو سوف يؤدي الى خفض الطلب العالمي على النفط الخام، ومن ثم تتأثر الكويت من خلال انخفاض صادراتها من النفط من ناحية، وتراجع أسعار النفط الخام من ناحية أخرى، وهو ما يضاعف من الأثر على الميزانية الناجم عن تراجع قيمة الدولار الأمريكي.
أما البعد الثالث فيتمثل في التأثير على الاستثمارات المالية للكويت في الدين العام الأمريكي، فمن المتوقع أنه مع اطالة مدة الإغلاق وعدم رفع سقف الدين الأمريكي والمفترض أن يتم قبل 17 أكتوبر القادم بحد أقصى، فإن ذلك لا محالة سوف يعني إعلان الولايات المتحدة عن التوقف عن سداد التزاماتها نحو ديونها، سواء بالنسبة لسداد الفوائد المستحقة على الدين أو اقساط الدين التي يحل موعد سدادها، وهو ما سينعكس بصورة سلبية على المخاطر المحيطة باستثمارات الكويت في السندات الأمريكية.
بصفة خاصة فإن توقف الحكومة الأمريكية عن سداد التزاماتها بالنسبة لدينها العام سيعني الكثير بالنسبة للأسواق العالمية وللقطاع المالي، ومن الممكن أن يهز ثقة المستثمرين في سندات الدين الأمريكي والذي ستكون نتائجه في غاية الخطورة على الاستقرار المالي العالمي، ومن المتوقع معه أن تتراجع مؤشرات الأسهم في بورصة الأوراق المالية في الكويت، فالتوقف عن سداد الالتزامات المالية لن يؤثر فقط على مستويات الإنفاق، وإنما يمكن أن يدمر الوضع الائتماني للولايات المتحدة بخفض الإقبال على شراء سنداتها وبزيادة مستوى الفوائد المطلوبة على تلك السندات، أكثر من ذلك فإنه وفقا للتقديرات المتاحة، إذا ما رفض الكونجرس رفع سقف الدين ستضطر الحكومة الأمريكية إلى خفض إنفاقها السنوي بنحو 600 مليار دولار، أي بنحو 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، هذه النسبة من الخفض في الإنفاق تعتبر جوهرية إلى الحد الذي يمكن أن تؤدي إلى عودة الكساد مرة أخرى إلى الاقتصاد الأمريكي وللعالم. والتاريخ الأمريكي يمدنا بالدليل العملي على الآثار التي يمكن أن تترتب على توقف الولايات المتحدة عن سداد التزاماتها، ففي عام 1979 أعلنت فيها الحكومة الأمريكية توقفها عن سداد التزاماتها وهي الحالة الوحيدة التي حدث فيها ذلك عن طريق الخطأ، وعلى الرغم من أن الالتزامات المالية التي توقفت الحكومة عن دفعها في ذلك الوقت كانت محدودة، إلا أنها كلفت الحكومة الأمريكية مليارات الدولارات، وهو ما يعني أن التوقف الحالي للحكومة عن سداد التزاماتها الضخمة ستكون آثاره أخطر ولا يمكن التقليل من قدرها.

ولكن هل هذه المخاطر حقيقية، أو حتمية الحدوث، من وجهة نظري لا ينبغي التهويل من حدة الآثار المتوقعة لإغلاق الحكومة الأمريكية ولرفع سقف الدين الأمريكي، ذلك أن احتمال استمرار اغلاق الحكومة الأمريكية لفتة طويلة هو احتمال لا أتوقعه، فمن المؤكد أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي سوف يتوصلان لاتفاق ما حول الميزانية لإيذان البدء بفتح اعتمادات الانفاق أمام الحكومة، كما أن مسألة رفع سقف الدين الأمريكي أعتقد أيضا أنها من الخطورة بمكان وبدرجة لا تجعل أي حزب يجرؤ على المساس به. قناعتي هي أن الحزبان سوف يتوصلان الى اتفاق حول هاتين القضيتين الخطيرتين، فلا يمكن للحزبين أن يخاطرا بالريادة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية بسبب خلاف يمكن التوصل الى حل وسط حوله. 

التحديات التي تواجه الرئيس الجديد للاحتياطي الفدارلي

يتوقع في الفترة القادمة أن يقوم الرئيس الأمريكي باراك أوباما باختيار رئيس جديد للاحتياطي الفدرالي الأمريكي ليحل محل الرئيس الحالي بن برنانكي، والذي اظهر قدرة كبيرة على الابتكار في ادخال أدوات غير تقليدية للسياسة النقدية للتعامل مع الأزمة الحالية، ونظر للظروف الحالية التي يمر بها العالم، وتمر بها الولايات المتحدة على وجه الخصوص ينظر الى هذا القرار على أنه ربما يكون أهم القرارات التي يتخذها الرئيس الأمريكي هذا العام، ذلك أن عملية اختيار الشخص المناسب لهذا المنصب تعتبر مسألة حرجة ليس فقط لأمريكا وإنما أيضا للأسواق المالية عبر العالم أجمع. فهناك حاليا العديد من نقاط التعثر في الاقتصاد الأمريكي مثل معدلات البطالة في سوق العمل الأمريكي، ومشكلة الديون السيادية في أوروبا، وتراجع معدلات النمو في الصين، والسياسات الجديدة لرئيس الوزراء الياباني آبي، وغيرها من القضايا التي يمكن أن تخلق تحديات كبيرة للرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي.
رئيس الاحتياطي الفدرالي يقوم بالعديد من الأدوار المتعلقة بإدارة السياسة النقدية والرقابة على الجهاز المصرفي وتنظيم أعماله ومراقبة الأسواق بشكل عام، وإن كانت أهم أدواره أنه هو الشخص الذي يتولى قيادة عملية صناعة السياسة النقدية في الولايات المتحدة خصوصا ادارة احتياطيات النظام المصرفي والتي تؤثر على كمية النقود المتاحة للمتعاملين في الاقتصاد الأمريكي بما في ذلك الحكومة، ويأتي هذا الاهتمام الكبير من المراقبين بشخصية الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي من منطلق أن سير عملية صناعة السياسة النقدية واتجاهاتها سوف تعتمد على شخص الرئيس الجديد، فالسياسة النقدية الحالية لا بد وان تستمر للتأكد من خلق الوظائف على نحو مناسب، والتأكد من تحقيق الاقتصاد الأمريكي لمعدلات مناسبة من النمو في ظل مستويات معقولة من التضخم تتماشى مع المعدلات المستهدفة والتي تدور حاليا حول 2%، ولعل أهم ما تحتاج إليه الأسواق في الولايات المتحدة والعالم في الوقت الحالي هو التأكيد على استمرار اتباع نفس السياسات التي تم تطبيقها في عهد الرئيس الحالي، وأن الرئاسة القادمة سوف تسير في نفس الاتجاه بحيث لا يترتب على تبديل مقعد الرئيس أي تعديل جوهري فيها.
التحديات التي ستواجه الرئيس الجديد للاحتياطي الفدرالي غير مسبوقة في هذه المرحلة الحرجة، ذلك أن هناك قائمة طويلة من القضايا والسياسات التي تنتظر قرارات حاسمة من الرئيس الجديد، والتي على رأسها سياسات التيسير الكمي Quantitative Easing، ومعدلات الفائدة الصفرية، ومعدلات البطالة المستهدفة، ومستوى التضخم المستهدف.. الخ وذلك بسبب استعداد الاحتياطي الفدرالي لبدء تحويل اتجاهات سياساته النقدية، الأمر الذي يجعل من فهم هذه المتغيرات وطبيعتها والعوامل المؤثرة فيها أمرا حيويا بالنسبة لمن سيتولى هذا المنصب. فحجم السيولة النقدية التي تم ضخها منذ بداية الأزمة في الاقتصاد الأمريكي ضخم جدا، ولم يحدث في التاريخ الأمريكي أن تم ضخ هذا القدر من السيولة في النظام النقدي الأمريكي. فكيف سيتم الخروج من الاستراتيجية الحالية واعادة تعديل وهيكلة ميزانية الفدرالي الاحتياطي للتخلص من عدة تريليونات من السندات التي يحتفظ بها الاحتياطي الفدرالي نتيجة لعمليات التيسير الكمي المكثف التي صاحبت الأزمة الحالية؟ أكثر من ذلك فإن وجهات نظر ورؤى رئيس الاحتياطي الفدرالي حول بعض القضايا مثل درجة التفاعل بين السياستين النقدية والمالية، ودور الاحتياطي الفدرالي في عمليات تنظيم القطاع المصرفي، والتي يمكن أن يترتب عليها تغير جوهري في الصناعة المصرفية وعملية إدارة السياسة النقدية في الولايات المتحدة، تعد مهمة.
لعل أهم التحديات التي تواجه الرئيس القادم هو متابعة برامج التحفيز النقدي التي تم تطبيقها أثناء الأزمة الحالية والتي كانت تهدف في الأساس الى خفض معدلات الفائدة لتحفيز الاقتصاد الأمريكي على الخروج من الأزمة، فمع حلول عام 2008 واشتعال الأزمة المالية العالمية حرص الاحتياطي الفدرالي على خفض معدل الفائدة على الأموال الفدرالية Federal Funds Rate، أي على الاحتياطيات المتبادلة بين البنوك والذي يمثل قاعدة هيكل معدلات الفائدة الأمريكية، الى مستويات قريبة من الصفر لخفض تكلفة الائتمان ودفع مستويات الطلب الكلي، وعندما لم يستجب الاقتصاد الأمريكي تم اللجوء الى استخدام أدوات غير تقليدية وعلى رأسها التيسير الكمي، والتيسير الكمي هو قيام البنك المركزي بشراء السندات بهدف التأثير على هيكل معدلات العوائد السوقية للسندات التي يشتريها الاحتياطي الفدرالي، وذلك من خلال التأثير الذي تتركه عمليات الاحلال التي يقوم بها المستثمرون في محافظهم المالية على معدلات العائد لجانب كبير من الأصول المالية.
ترتب على التوسع في هذه السياسة ضخ كميات ضخمة جدا من السيولة في الاقتصاد الأمريكي أصبحت تهدد بتعرضه لضغوط تضخمية شديدة في أي وقت ما لم يتم التعامل بكفاءة مع هذه السيولة. فقد بلغت ميزانية الاحتياطي الفدرالي قبل الكساد العظيم الحالي حوالي 900 مليار دولارا فقط، وقد ترتب على سياسات التحفيز النقدي بأشكالها المختلفة الى زيادة حجم الميزانية بأكثر من ثلاثة أضعاف لتصل حاليا الى حوالي 3.3 تريليون دولارا.
يفترض من الناحية النظرية أن تجد هذه النقود الجديدة سبيلها الى قطاع الأعمال في صورة قروض ائتمانية في ظل تضاؤل معدلات الفائدة، وهو ما لم يحدث، فقد تحول الجانب الأكبر منها إلى ودائع للبنوك الكبرى في الاحتياطي الفدرالي، لكي تحصل منها على عوائد من الاحتياطي الفدرالي ذاته، أو تحولت الى المضاربة في أسواق المال في الوول ستريت أو في بورصات العالم، على عكس ما كان متوقعا أن تتحول هذه السيولة الى ائتمان لقطاع الأعمال الخاص بشكل أساسي لكي تساعده على زيادة مستويات الاستثمار ومن ثم رفع مستويات التوظف والتخفيف من مشكلة البطالة المرتفعة التي صاحبت الكساد الحالي.
وفقا لخطة التيسير الكمي 3 التي يتم تطبيقها حاليا يقوم الاحتياطي الفدرالي بشراء حوالي 85 مليار دولارا من السندات شهريا سواء من سندات الخزانة الأمريكية أو السندات المغطاة بقروض للرهون العقارية، وهو رقم ضخم جدا مقارنة بخطط التيسير الكمي 1 و 2 السابقتين، ولقد أدى التوسع النقدي الكبير الذي قام به الاحتياطي الفدرالي إلى تزايد حجم الاحتياطيات الزائدة Excess Reserves للبنوك بصورة غير مسبوقة من 45 مليار دولارا فقط في 2007 الى 1.9 تريليون دولارا حاليا، الأمر الذي يعكس ما يعرف في علم الاقتصاد بظاهرة مصيدة السيولة Liquidity Trap، حيث فضلت البنوك الاحتفاظ بأموالها في صورة سائلة على شكل مودعات لدى الاحتياطي الفدرالي بدلا من اقراضها وتحمل مستويات مرتفعة من المخاطر، وقد أدى هذا الإجراء من جانب البنوك إلى معادلة تأثير سياسات التوسع النقدي التي اتخذها الاحتياطي الفدرالي لزيادة السيولة بتحويلها الى مودعات لديه مرة أخرى، وأيضا تحقيق دخل منها الأمر الذي ساهم في تعميق أثر الأزمة والحد من الآثار الإيجابية لسياسات التيسير الكمي. فمع انطلاق الأزمة المالية العالمية قام الاحتياطي الفدرالي باتخاذ بعض الإجراءات في المجال المالي منها أخذ موافقة الكونجرس على أن يدفع فوائد على المودعات التي تقوم البنوك بإيداعها لديه، ومن ثم اصبحت البنوك الأمريكية تحصل حاليا على دخول من المودعات التي تحتفظ بها لدى الاحتياطي الفدرالي.
من ناحية أخرى فإن جانبا كبيرا من السيولة التي تم خلقها في إطار سياسات التيسير الكمي الحالية قد وجدت طريقها للأسواق المالية وأسواق الأصول الأمر الذي أسهم في نمو فقاعات الأصول مثل أسعار الأسهم والسلع، كما غذت عمليات المضاربة فيها الأمر الذي أدى الى زيادة حدة التقلبات في أسعارها.
لقد أعلنت اللجنة الفدرالية للسوق المفتوح بأنها ستستمر في مراقبة التطورات في سوق العمل الأمريكي، فإذا لم يحدث تحسن جوهري، فإن اللجنة ستستمر في عمليات شرائها للسندات، وكذلك أدواتها الأخرى حتى يتحسن وضع سوق العمل في ظل استقرار الأسعار، وقد تم تعريف تحسن سوق العمل بأنه الحالة التي تنخفض فيها البطالة إلى معدل 6.5 في المائة، من ناحية أخرى فإنه أخذا في الاعتبار أن الضغوط التضخمية التي صاحبت التوسع النقدي الحالي لم تؤد إلى الضغط على الأسعار نحو الارتفاع أو أن يخرج معدل التضخم الأمريكي عن نطاق السيطرة حتى اليوم، أو حتى عن المستويات التي يستهدفها الاحتياطي الفيدرالي بشكل دائم، فإن الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في اتباع سياسة معدلات الفائدة الصفرية حتى يرتفع التضخم عن 2.5 في المائة، وهو مستوى أعلى من المستوى المستهدف للنمو من الاحتياطي الفيدرالي الذي يساوي 2 في المائة بنصف في المائة، كما أن النظرة الحالية لمعدلات التضخم تضع هذه المعدلات عند مستوى أقل من 2.5%.
هناك اعتقاد بأن الاحتياطي الفدرالي يسير حاليا في اتجاه وقف عمليات شراء السندات والتي تتم في اطار بسياسات التيسير الكمي، ربما هذا الخريف، وبالتالي تمهيد السبيل لعودة معدلات الفائدة شبه الصفرية حاليا الى مستوياتها الطبيعية قبل الأزمة، وقد بدأت بالفعل بعض شواهد هذا التحول، حيث أنه بدءا من مايو الماضي أخذت معدلات الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية في الارتفاع، وكانت لجنة السوق المفتوح قد رهنت عمليات ايقاف شراء السندات بمدى التحسن الذي يحدث في معدلات البطالة، والذي من الواضح أنه يسير على نحو غير مرض وفقا للتقارير الأخيرة لسوق العمل الأمريكي.
غير أن وجهات النظر تختلف بشكل واضح حول التوقيت المناسب لتغيير اتجاه السياسة النقدية في الولايات المتحدة، فالاحتياطي الفدرالي متلهف حاليا على الخروج من السياسات النقدية غير التقليدية التي يتبعها منذ بداية الأزمة والعودة مرة أخرى لأسس السياسة النقدية التقليدية، والتي يقف في مركزها بالطبع رفع معدلات الفائدة شبه الصفرية على الأموال الفدرالية، وهو إجراء على ما يبدو أنه صعب التحقيق، على الأقل في الوقت الحالي نظرا للمخاطر التي يمكن أن تصاحبه على عمليات تعافي الاقتصاد الأمريكي، حيث يحذر بعض المراقبين حاليا من وقف عمليات شراء السندات، على اعتبار أن الشروط التي تم وضعها لعملية التوقف لم تتحقق بعد، وأن البيانات التي تتدفق من سوق العمل الأمريكي ليست مشجعة على النحو المناسب، المشكلة الأساسية هي أن أي تحرك في الوقت الحالي بأي خفض في عمليات الشراء حتى ولو بمقدار بسيط سوف تنظر اليه الأسواق على أنه وقف لعمليات التيسير الكمي وما يمكن أن يصاحب ذلك من اضطرابات في الأسواق وعلى مجريات النشاط الاقتصادي، والمخاطر المصاحبة لهذا التوجه كثيرة جدا، فلا شك أن معدلات الفائدة سوف ترتفع وهو ما قد يهدد التعافي الاقتصاد الأمريكي، بصفة خاصة لتأثيراتها السلبية على سوق المساكن في الولايات المتحدة، والذي يمثل أحد أهم القطاعات في الاقتصاد الأمريكي، وكذلك التأثير السلبي على سوق العمل.
من وجهة نظري أعتقد أن اصعب التحديات التي ستواجه الرئيس القادم للاحتياطي الفدرالي ليست هي عملية الاستمرار في شراء السندات من عدمه، وانما في كيفية تطبيق استراتيجية الخروج من السياسات الحالية والآليات التي سينسحب بمقتضاها الاحتياطي الفدرالي من الوضع الحالي بإعادة سحب النقود التي تم اصدارها، واعادة تعديل هيكل ميزانية الاحتياطي الفدرالي لتعود الى سابق عهدها قبل الأزمة. فكيف سيتحول الرئيس الجديد بالسياسة النقدية من السياسة النقدية التوسعية الى سياسة طبيعية؟ وما هي مراحل هذا التحول ودرجة سرعته .. الخ؟ ذلك أن الخروج من الاستراتيجية الحالية يحتاج الى عناية فائقة لأن التسرع في عمليات الخروج ربما يؤثر بشكل سلبي على تعافي الاقتصاد الأمريكي ويجهض الجهود التي بذلك لتحسين أداءه. من ناحية أخرى فإن التأخر في الخروج من الممكن أن يؤدي الى زيادة أسعار الأصول في ظل المعدلات المنخفضة للفائدة، وهو ما يمكن أن يترتب عليه تكوين فقاعات إضافية لأسعار الاصول.
كان الاحتياطي الفدرالي قد كشف أكثر من مرة عن استراتيجيته للخروج من سياسات التوسع النقدي في أعقاب الاتهامات التي وجهت له بدفع الاقتصاد الأمريكي نحو التضخم الجامح. اليوم سيتخلى المهندس الأصلي لاستراتيجية الخروج عنها ليتم تطبيقها من خلال رئيس جديد، عليه أن يتولى بعناية فائقة مهمة التخلص من تريليونات الدولارات من السندات بدون أن يؤدي ذلك الى رفع معدلات الفائدة حتى لا تتأثر جهود استعادة النشاط الاقتصادي بصورة سلبية.
ليس فقط ذلك وإنما على الرئيس الجديد أن يراقب التضخم بعناية شديدة، حيث ينظر حاليا الى مخاطر التضخم التي تحيط بالاقتصاد الأمريكي على أنها مخاطر حقيقية، في ظل فيضان السيولة الهائل الذي يغرق سوق النقود في الولايات المتحدة حاليا، والتدخل بسرعة للحيلولة دون تفاقم الضغوط التضخمية إذا ما تطورت الظروف على هذا النحو.
أكثر من ذلك فإن على الرئيس الجديد أن يتابع في ذات الوقت معدلات البطالة واتجاهاتها وضغوط سوق العمل الأمريكي، بصفة خاصة البطالة طويلة الأجل والتي تعد أخطر سمات سوق  العمل الأمريكي في الازمة الحالية، لذلك فإن مهمة الرئيس القادم للاحتياطي الفدرالي لن تكون سهلة، حيث يجب عليه تفكيك هذه التشابكات المعقدة، ومن المؤكد أنه مع تغير رئيس الاحتياطي الفدرالي فإن الأسواق سوف تختبر اتجاهاته في السنة الأولى تقريبا حتى تتضح معالم عملية صناعة السياسة النقدية على يديه، ومن ثم تسود حالة من عدم التأكد خلال هذه الفترة، ربما يبدو هذا الأمر طبيعيا في الفترات العادية، ولكن عندما يكون الاقتصاد الأمريكي يمر بحالة كساد عظيم فإن الأوضاع تختلف وتصبح حساسية الأسواق أعلى لأدنى تغير في اتجاهات السياسة النقدية. فهل سيستمر الرئيس الجديد في انتهاج سياسات متسقة مع السياسات التي اتبعها بن برنانكي لتقوية تعافي النشاط الاقتصادي للولايات المتحدة واستكمال رحلة الخروج من الكساد العظيم الذي يعيشه الاقتصاد الأمريكي منذ 2007؟ أم أنه سيسلك سبيلا آخر لاستكمال عمليات الخروج من الكساد؟ لا شك في أن إن الإجابة على هذا السؤال تعتمد على من سيكون الرئيس الجديد.


هل ريادة أمريكا العالمية مهددة؟

تتمتع الولايات المتحدة بعديد من الخصائص تجعل منها الدولة الرائدة عالميا، أهمها أنها صاحبة عملة العالم المستخدمة في تقييم وسداد قيم تجارته الخارجية وكاحتياطي لبنوكه المركزية، وعلى أساسها تسعر السلع التجارية الدولية كالنفط. وعلى الرغم من الصعود الصيني المبهر في السنوات الأخيرة ما زالت صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، وسنداتها هي أهم أدوات الاستثمار الدولي، وعلى الرغم من الأزمة المالية الطاحنة التي تعرضت لها، ظلت أمريكا صاحبة أفضل تصنيف ائتماني في العالم، وعلى الرغم من جبل الديون الذي تحمله على كاهلها، إلا أن العالم يلهث وراء أي إصدارات جديدة للسندات الأمريكية، حتى من ألد أعدائها، روسيا والصين.
البعض يرى أن كل هذا التميز مهدد حاليا بالزوال نتيجة الصراع الحالي بين الحزبين الرئيسين في أمريكا، فالخزانة الأمريكية ستنكشف في 17 تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وستضطر أمريكا لأن تعلن عن عدم قدرتها على خدمة ديونها سواء بدفع الفوائد المستحقة عليها أو بإعادة سداد ما يحل من أقساط لهذه الديون، كما أن بعض أوجه الإنفاق العام داخليا معرضة للتوقف، مثلما هو الحال بالنسبة لكثير من الخدمات الحكومية المتوقفة حاليا بسبب الإغلاق الحالي لأبواب الحكومة، فهل ريادة أمريكا مهددة؟ "إجابتي هي لا" وسؤالي لمن يرددون ذلك: تفقد أمريكا ريادتها لمصلحة مَن؟ ما الدولة التي تمتلك عناصر الريادة التي أشرت إليها والتي يمكن بالتالي أن تحل محل أمريكا؟ الإجابة مرة أخرى لا يوجد مثل هذه الدولة.