السبت، أكتوبر ٢٥، ٢٠١٤

هل استعادت أمريكا السيطرة على ميزانيتها؟

أصدر مكتب الكونجرس لشؤون الميزانية تحديثا حول آخر تطورات الميزانية الأمريكية هذا العام، وتوقعاته حول اتجاهات الإنفاق والإيرادات ومعدلات التضخم والفائدة، ومن ثم اتجاه الدين العام الأمريكي في العقد القادم حتى عام 2024، وذلك بمناسبة انتهاء السنة المالية، ومن المعلوم أن نهاية السنة المالية في الولايات المتحدة تكون بنهاية شهر أيلول (سبتمبر) لتبدأ السنة المالية الجديدة في أول تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام.
ما أثار انتباهي في تقرير مكتب شؤون الميزانية هو التحسن الواضح، الذي شهدته الأوضاع المالية للولايات المتحدة للسنة المالية المنقضية، الذي يتوقع أن يستمر أيضا هذا العام، فوفقا للتقرير يتوقع أن يحدث تحسن في أوضاع الميزانية الأمريكية في عامي 2014 و2015، بصفة خاصة فيما يتعلق بحجم العجز المتوقع في الميزانية، سواء من الناحية المطلقة أو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ومن المعلوم أن السنوات الأخيرة قد شهدت تراجعا واضحا في العجز، غير أن انخفاض العجز في هذا العام جاء على نحو أكبر مما كان متوقعا، فقد كانت التوقعات تدور حول تحقيق الولايات المتحدة لعجز يبلغ نحو 3.7 في المائة من الناتج لهذا العام.
في السنة المالية 2012/2013 حققت الولايات المتحدة عجزا يصل إلى 680 مليار دولار، بما في ذلك مدفوعات الفوائد على الدين الأمريكي، وهو ما يمثل نحو 4.1 في المائة من الناتج، من المتوقع أن يصل عجز الميزانية لهذا العام إلى 506 مليارات دولار بما في ذلك مدفوعات الفوائد على الدين، بهذا الشكل ينخفض العجز بنحو 175 مليار دولار، وتنخفض نسبته بالتالي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 2.8 في المائة فقط، وهو تراجع جوهري في غضون سنة واحدة، وترجع هذه التطورات الإيجابية إلى تزايد الإيرادات العامة للحكومة الأمريكية بنسبة 8.3 في المائة هذا العام، من 2775 مليار دولار إلى 3006 مليارات، في مقابل زيادة الإنفاق بنسبة 1.9 في المائة فقط، من 3455 مليار دولار إلى 3521 مليارا، وهو ما ساعد على تحقيق هذه النتائج المتميزة للميزانية.
كذلك يتوقع مكتب الكونجرس لشؤون الميزانية أن تستمر الإيرادات في التزايد بمعدلات مرتفعة في السنة المالية 2014/2015، من 3006 مليارات دولار، إلى 3281 مليار دولار، أي بنسبة 9.2 في المائة، بينما تتزايد النفقات من 3271 مليار دولار إلى 3750 مليار دولار على التوالي، بنسبة 7.9 في المائة، ونتيجة لهذه التطورات يتوقع أن يستمر العجز في التراجع إلى 469 مليار دولار.
من ناحية أخرى، فإنه وبالمقاييس التاريخية فإن هذا المستوى للعجز يعد أقل من متوسط نسبة العجز خلال الأربعين عاما الماضية، الذي يساوي 3.1 في المائة، فعندما بدأت الولايات المتحدة برنامجها للتحفيز المالي للاقتصاد الأمريكي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لدفع مستويات الطلب الكلي ومساعدة الاقتصاد على الخروج من حالة الكساد التي كان يمر بها في ذلك الوقت، ارتفعت نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 9.8 في المائة في السنة المالية 2008/2009، وهي نسبة مرتفعة جدا.
ولكن هل ستؤدي هذه التطورات إلى تحسين أوضاع الدين العام الأمريكي؟ للإجابة عن هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن الدين العام لا يعتمد فقط على العجز، وإنما على مجموعة من العوامل من بينها بالطبع العجز، ذلك أن هناك علاقة متبادلة بين الدين والعجز من خلال الفائدة، بحيث تلعب مدفوعات الفائدة على الدين دورا مهما في اتجاهات العجز، وبالتالي على مستويات الدين ذاته، وحاليا تتمتع الولايات المتحدة بميزة انخفاض معدلات العائد على سنداتها مع انخفاض معدلات الفائدة، وارتفاع مخاطر السندات السيادية للسندات البديلة للسندات الأمريكية، غير أنه من المتوقع مع انتهاء الأزمة أن تأخذ معدلات العائد على السندات الأمريكية في الارتفاع، وبالتالي ترتفع تكلفة مدفوعات الفائدة على الدين، وأخذا في الاعتبار المستويات الفلكية الحالية للدين الأمريكي، فإنه من المتوقع أن تشكل الفوائد على الدين العام نسبا جوهرية من العجز المالي المتوقع في المستقبل، وهو ما يعني أن السياسات المالية غير المنضبطة التي اتبعتها الولايات المتحدة في الماضي، ستدفع لها الولايات المتحدة ثمنا غاليا ولفترات زمنية طويلة في المستقبل.
ومن الناحية النظرية يفترض أن يكون هناك توازن بين معدل الفائدة الحقيقي على الدين ومعدل نمو الناتج، فإذا ارتفع معدل الفائدة الحقيقي على الدين عن معدل النمو، فإن ذلك سيؤدي إلى نمو مستدام في حجم الدين، وبناء عليه فمن الممكن أن يترتب على تصاعد حجم الدين أن يؤثر ذلك بصورة سلبية على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة على المدى الطويل، الأمر الذي قد يدفع المستثمرين إلى طلب معدلات أعلى من العائد على السندات الأمريكية لمواجهة المخاطر المالية، التي يمكن أن تصاحب هذا المستوى المرتفع من الدين العام، وهو ما يعقد الأوضاع بصورة أكثر وأكثر.
من ناحية أخرى، يلعب معدل التضخم دورا في رفع مستويات الدين، فمع ارتفاع معدلات التضخم تزداد مدفوعات الحكومة على السندات، التي توفر حماية لحامليها ضد ارتفاع معدلات التضخم، وحاليا تنخفض معدلات التضخم بشكل واضح عن تلك المستويات المستهدفة بواسطة الاحتياطي الفيدرالي، لكن التوقعات المستقبلية تشير إلى ارتفاع معدلات التضخم.
باختصار، فإنه ليس من المتوقع أن تتراجع قيمة الدين العام الأمريكي من الناحية المطلقة، وهو ما سيسهم في رفع نسبة الدين العام إلى الناتج، وهي المؤشر الأهم في هذا المجال، التي ستعتمد على معدل النمو في الدين بالنسبة إلى معدل النمو في الناتج، ومن الواضح وفقا لتوقعات مكتب شؤون الميزانية أن نسبة النمو في الدين العام ستتجاوز نسبة النمو في الناتج، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي في العقود القادمة.
هذا العام يتوقع أن تصل نسبة الدين العام الذي يحتفظ به الجمهور (لا يشمل السندات التي تحتفظ بها الجهات الحكومية من الدين) إلى الناتج إلى 74 في المائة، مرتفعة من 72 في المائة في العام الماضي، غير أن هذه التطورات الإيجابية في العجز ستبطئ من معدل نمو نسبة الدين إلى الناتج، وبدءا من السنة المالية 2018/2019 ستأخذ نسبة الدين إلى الناتج في الارتفاع حتى تصل إلى 77.2 في المائة في عام 2024.
والآن نعود إلى التساؤل الأساسي وهو هل استعادت بالفعل الحكومة الأمريكية سيطرتها على الميزانية؟ الإجابة هي مع الأسف لا. فتوقعات العجز في المستقبل تميل نحو التصاعد، على سبيل المثال يتوقع أن يبدأ العجز في التصاعد مرة أخرى في 2016 ليصل إلى 556 مليار دولار، ويرتفع إلى 737 مليار دولار في 2020، ونتيجة لذلك ترتفع نسبة العجز إلى الناتج إلى 3.3 في المائة، أي أعلى من المعدلات المتوسطة خلال الفترة الماضية. وبحلول عام 2024 يتوقع أن يطرق العجز مرة أخرى حاجز التريليون دولار، لترتفع نسبته إلى الناتج إلى 3.6 في المائة.
الخلاصة هي أن أفضل ما يمكن أن نصف به هذه التطورات الإيجابية الحالية في الميزانية الأمريكية هو أنها تطورات طارئة، وليست مستدامة، وأنه سرعان ما ستذوب آثارها ويعود الوضع المالي السيئ إلى ما كان عليه، وأن الولايات المتحدة تدفع ثمنا رهيبا اليوم لمغامراتها المالية التي صبغت سياسات الإنفاق غير المنضبط، بصفة خاصة في مجال الإنفاق العسكري منذ بداية الألفية الثالثة، وكذلك الدين العام المتصاعد لمستويات فلكية. ومن الواضح أنه بكل السيناريوهات المتاحة في الوقت الحالي، فإن الولايات المتحدة لن تستعيد سلامتها المالية، حيث يتوقع أن يرتفع معدل العائد على أذون الخزانة (ثلاثة أشهر) من صفر تقريبا اليوم إلى نحو 3.5 في المائة في عام 2024، بينما يرتفع معدل العائد على السندات استحقاق عشر سنوات من نحو 3 في المائة حاليا، إلى نحو 5 في المائة في 2024.

السبت، أكتوبر ١٨، ٢٠١٤

هل تملك الصناديق السيادية العالم؟

في مقدمة كتابه بعنوان "رأس المال في القرن الحادي والعشرين"، الذي أثار جدلا واسعا في الفترة الماضية، يتناول المؤلف الفرنسي توماس بيكتي المداخل النظرية التي تتناول مسببات اختلال عمليات توزيع الدخل والثروة في أوروبا والولايات المتحدة، وفي معرض حديثه عن بعض الفرضيات النظرية لأسباب التفاوت في الثروة يعرض بيكيتي لفرضية الندرة لريكاردو، التي نشرها هذا الأخير في كتابه الشهير بعنوان "الاقتصاد السياسي" متناولا تطورات أسعار الأراضي والريع في الأجل الطويل.
وفقا لريكاردو فإنه ما إن ترتفع معدلات النمو السكاني والناتج، تصبح الأراضي أكثر ندرة بالنسبة للسلع الأخرى في المجتمع، وهو ما يؤدي إلى استمرار ارتفاع أسعارها، وبالتبيعة الريع الذي يحصل عليه أصحابها منها، ونتيجة لذلك ترتفع الحصة من الناتج التي يحصل عليها أصحاب الأراضي بما يؤثر على التوازن الاجتماعي بين السكان في الدولة، ولذلك يدعو ريكاردو إلى زيادة الضرائب على الأراضي وريعها حتى يمكن استعادة التوازن مرة أخرى في توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع.
يحاول بيكيتي استخدام مبدأ الندرة في تفسير التوزيع العالمي للثروة في القرن الحادي والعشرين، ولذلك يستبدل بيكيتي الأرض الزراعية في نموذج ريكاردو بالأراضي العقارية في المدن، أو كبديل لها أسعار النفط في الوقت الحالي، ويرى أنه لو قام بعمل إسقاط لهما استنادا إلى بيانات الفترة من 1970-2010 وذلك للفترة من 2010-2050 أو من 2010 حتى 2100، فإنه من المتوقع أن يحدث اختلال اقتصادي واجتماعي، وربما سياسي، على نطاق واسع ليس فقط بين دول العالم، وإنما أيضا داخل تلك الدول، التي لا محالة تستدعي النتيجة التي توصل إليها ريكاردو.
وفقا لفرضية ريكاردو فإن تزايد الريع سوف يؤدي إلى تركز الثروة بشكل أكبر في يد أصحاب الأراضي، وهو ما يمكنهم من شراء المزيد من الأصول مما يتسبب في انحراف توزيع الثروة بتعاظم ثرواتهم، وبالتالي يتصور بيكيتي حدوث نفس الموقف في حالة الدول النفطية، التي مع ارتفاع أسعار النفط وتزايد إيراداته سوف تتمكن من تركيم الأصول التي تمتلكها في العالم وتتزايد بالتبعية عوائد هذه الأصول مما يؤدي إلى تزايد قدرتها على شراء الأصول بصورة أكبر بما فيها العقارات، وتزايد أعداد من يسكنون فيها من السكان في الغرب وتزايد عمليات دفع الإيجارات للدول النفطية.
غير أن عملية تكيف السكان في العالم مع هذه التغيرات في توزيع الأصول والثروة على المستوى الدولي تعد بطيئة فضلا عن أنها ليست سهلة، وهو ما يمكن أصحاب الأراضي والدول النفطية من تركيم ثرواتهم مقارنة بباقي السكان في العالم، وبما يساعدهم على تملك كل شيء يمكنهم تملكه، ولهذا يحذر بيكيتي قراء الكتاب من أنهم بحلول 2050 سوف يدفعون إيجارات المساكن التي يقطنونها لأمير قطر، في إشارة إلى تزايد الأصول التي تمتلكها الدول النفطية في العالم من خلال صناديق الثروة السيادية التي تمتلكها نتيجة لارتفاع أسعار النفط ليطرح تساؤلا أساسيا بعنوان "هل تمتلك الصناديق السيادية العالم"؟
يستخدم بيكيتي توقعاته حول نمو صناديق الثروة السيادية في العالم، التي تمثل نحو 1.5 في المائة من إجمالي الثروة في العالم في 2013، ليتوصل إلى أنه بحلول النصف الثاني من هذا القرن سوف تتزايد نسبة صناديق الثروة السيادية إلى ما بين 10-20 في المائة فقط من الثروة في العالم، وهو ما قد ينفي ما أورده حول احتمال تحول مساكن العالم إلى ملكية الدول النفطية، إلا أنه يؤكد على أهمية تزايد الدور الذي تلعبه أموال النفط في البلدان الغنية بشكل لافت للنظر، بصفة خاصة في فرنسا، وبالتالي من الخطأ إهمال فرضية أن الناس سوف يدفعون إيجارات مساكنهم للدول النفطية.
يسوق بيكيتي تحليله بأن صناديق الثروة السيادية للدول النفطية تنمو ليس فقط بإعادة استثمار الأرباح التي تحققها، وإنما أيضا من خلال استثمار جانب من إيرادات بيع النفط، وأنه يتوقع أن الدخل الذي تحققه هذه الدول من بيع النفط سوف يتجاوز أرباح الاستثمارات الحالية لصناديق الثروة السيادية، حيث يتوقع بيكيتي أن يصل سعر النفط إلى نحو 200 دولار بحلول 2020-2030، وأنه إذا ما تم استثمار جانب جوهري من هذا الريع النفطي في صناديق الثروة السيادية كل عام، فإنه من المؤكد أن الصناديق السيادية للدول النفطية سوف تنمو بحيث إن الأصول التي تملكها في الخارج ربما تصل إلى ثلاثة أضعاف مستوياتها الحالية في 2030-2040، وهو الأمر الذي يمكن أن يزيد من قلق الدول الغربية حول قبول فكرة ارتفاع ملكية صناديق الثروة السيادية لأصولها، وفي رأي بيكيتي قد يصاحب ذلك ردة فعل سياسية قد تتمثل في تقييد عملية شراء الأصول الحقيقية في الدول الصناعية من جانب صناديق الثروة السيادية، وربما تطرح خيارات للحد من ثروة هذه الصناديق من بينها سيناريو المصادرة.
بيكيتي يتوصل إلى خلاصة حول تراكم الثروة السيادية النفطية في العالم أراها خاطئة، وذلك عند المقارنة بين ريع الأرض وريع النفط، فشتان بين حالة الأرض وحالة النفط، فالأرض أصل دائم للثروة واستمرار القدرة على ملكيتها يضمن لأصحاب الأراضي استمرار تدفقات الريع وتراكم الثروة طالما استمرت إنتاجية الأرض مرتفعة كما يفترض ريكاردو، الدول النفطية تملك أصلا آخر هو النفط، والنفط ليس أصلا دائما من أصول الثروة، وإنما مصدر ناضب، وفي وقت ما سوف ينتهي الأساس الذي تقوم من خلاله الدول النفطية بتملك الأصول في دول الغرب، ومن ثم تركيم الثروة وشراء الأصول في العالم.
من ناحية أخرى فإن بيكيتي يفترض أن تزايد السكان والناتج في العالم سوف يترتب عليه نتيجة واحدة وهي نمو مضطرد في الثروة السيادية للدول النفطية، وهذا أيضا افتراض خاطئ، صحيح أن الدول النفطية تستفيد من آثار تزايد السكان في العالم وتزايد الطلب على النفط في صورة استمرار التصدير بأسعار مرتفعة له، لكنها على الجانب الآخر سوف تعاني من الآثار السلبية لمثل هذه التطورات في جانبها هي، فالسكان في الدول النفطية يتزايدون بمعدلات أكبر بكثير من معدلات تزايد السكان في باقي العالم، وبالتالي تتزايد مطالبهم على الثروة التي تملكها تلك الدول، سواء تلك التي يتم استخراجها من الأرض، أي على الثروة النفطية، أو التي يتم الاحتفاظ بها من خلال صناديق ثروتها السيادية في الخارج.
وفي ظل عدم قدرة الدول النفطية على تنويع مصادر الإنتاج والدخول خلال الفترة الماضية، ومع تزايد الإنفاق العام لهذه الدول إلى مستويات حرجة، فإن عمليات السحب الصافي من صناديق الثروة السيادية آتية لا محالة، بحيث تحدث عملية التراكم العكسي للثروة، بعكس ما افترض بيكيتي بتوظيف فرضية ريكاردو على الحالة النفطية.
إن الذي ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن الثروة التي تملكها الدول النفطية بشكل عام هي ثروة استثنائية أو ثروة مؤقتة، وبالصورة التي يتم التعامل معها اليوم، من المؤكد أنه سوف يأتي عليها يوم تنضب فيه، فالمشكلة الأساسية للدول النفطية هي أنها لا تقوم بتنمية هذه الثروة على النحو الذي يضمن استدامتها، على العكس، ما يحدث هو أنه بدلا من تحويل تلك الثروة إلى أصول إنتاجية حقيقية وعقارات، بحيث تضمن الدول النفطية تنويع مصادر دخلها وتؤمن فرص تنمية ثرواتها على المدى الطويل مثلما يفترض ريكاردو، يتم توجيه الجانب الأكبر من هذه الثروة نحو الاستهلاك وغير ذلك من أشكال الإنفاق غير المنتج، وهو ما يمثل عملية هدر استثنائية لهذه الثروة، والآن نعود إلى التساؤل الأساسي، هل بحلول 2050 سيدفع العالم إيجاراته للدول النفطية مثلما يحذر بيكيتي، الإجابة في رأيي هي أنه ربما بحلول 2050، وفي ظل نمط الاستغلال الحالي لهذه الثروة، قد لا تجد هذه الدول ما تملكه، لكي تؤجره للعالم.

الجمعة، أكتوبر ١٠، ٢٠١٤

اختبار ضغط .. تأملات في الأزمات المالية

لا أذكر أني قضيت وقتا مع كتاب آخر، مثلما فعلت مع هذا الكتاب لتيموثي جايثنر وزير الخزانة الأمريكي في فترة ولاية الرئيس باراك أوباما الأولى، أعيد فصوله من وقت لآخر، فالممتع في هذا الكتاب أنه يروي أحداث الأزمة المالية والاقتصادية التي مرت بها الولايات المتحدة والعالم منذ 2008 بفصولها المختلفة من داخل المطبخ الاقتصادي، وعلى يد الطاهي الرئيس، الذي تسلم الوزارة بعد عدة أشهر من نشوب الأزمة، وبعد أن تعامل من خلال منصبه كرئيس للاحتياطي الفيدرالي بنيويورك مع الإرهاصات الأولى للأزمة والمحاولات المستميتة للسيطرة على انهيار النظام المالي الأمريكي بالحيلولة دون إفلاس المصارف الكبرى في الولايات المتحدة وغيرها من مصارف الظل التي تدخل ضمن تصنيف المؤسسات "الأكبر من أن تسقط".
"اختبار ضغط" Stress Test هو اسم الكتاب الذي ألفه جايثنر ليضع فيه خلاصة تجاربه في التعامل مع الأزمات المالية في العالم، وبصفة خاصة الأزمة الأخيرة في الولايات المتحدة. اختبار الضغط هو نوع من الاختبارات التي تجرى في المجال المصرفي، وقد أجراه جايثنر على المصارف الأمريكية في 2009 ليخضعها لسيناريوهات مختلفة للخسائر الرأسمالية التي يمكن أن تتعرض لها، من أجل تحديد مدى حاجتها لتقوية هياكلها الرأسمالية لمواجهة أصعب السيناريوهات المحتملة للأزمة، وقد أحدث هذا الاختبار جدلا واسعا حول العالم، وأدت نتائجه بالحكومة الأمريكية إلى إجبار المصارف الكبرى على زيادة رؤوس أموالها للحد من احتمالات حدوث حالات سقوط كبرى، كتلك التي نتجت عن إفلاس بنك ليمان براذرز.
لحظة بلحظة يروي جايثنر أحداث أزمة ليمان الذي لم يفكر أحد في إنقاذه، وإنما انصب اهتمام الجميع في ذلك الوقت على تسهيل عملية بيعه لمشتر داخل الولايات المتحدة أو خارجها، لنقل مخاطره المالية للمشتري الجديد، مثلما حدث مع بيع بنك بير شتيرنز إلى جي بي مورجان، وتناول بالتفصيل أحداث الزلزال الذي تبع سقوطه، والتحول الهائل في وجهة النظر الأمريكية حول كيفية مواجهة مخاطر إفلاس المؤسسات المالية سواء المصرفية أو غير المصرفية منها وحتى الصناعية مثل جنرال موتورز.
عندما بدأت الأزمة المالية تضرب قواعد الاقتصاد الحقيقي تمحورت الأزمة المالية من مشكلة نقص في السيولة وعزوف أصحاب رؤوس الأموال عن استثمارها، إلى أزمة اقتصادية طاحنة أعادت للأذهان أحداث الكساد العالمي العظيم. فقد أخذت معدلات البطالة في التصاعد على نحو خطير، وبدأ سوق العمل الأمريكي يفقد شهريا أكثر من 750 ألف وظيفة، وبدأ الإنفاق الكلي في الانحسار على نحو خطير، وكان لا بد من تطوير آليات التعامل مع الأزمة من مجرد عملية إنقاذ للمؤسسات المالية إلى أدوات أخرى على صعيد السياسة المالية والنقدية، وقد تركت مهمة إدارة السياسة النقدية لبن برنانكي رئيس الاحتياطي الفيدرالي، بينما أدار جايثنر دفة السياسة المالية، حيث تم إقرار برنامج للتحفيز المالي للاقتصاد الأمريكي، تمثل في خطة أوباما الأولى لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، كلفت نحو 800 مليار دولار، وعندما لم يستجب الاقتصاد على النحو المتوقع، تمت صياغة خطة ثانية لدعم خلق الوظائف في أمريكا.
لسوء حظ أوباما أنه ورث إرثا سيئا للغاية من سلفه بوش الابن الذي غامر بدخول الولايات المتحدة حربين متتاليتين، ورفع الإنفاق العسكري إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، مصحوبا بصعود الدين العام الأمريكي على نحو خطير، وقبل أن يغادر البيت الأبيض سلم الرئيس الجديد اقتصادا شبه منهار. لم تكن مهمة أوباما سهلة مع تحول خصومه من الجمهوريين إلى حجر عثرة أمام أي إجراء يريد الرئيس اتخاذه. ففي غضون تعقد الأوضاع المالية وتصاعد الدين العام الأمريكي بدأ تكون ما يعرف بـ "حزب الشاي" Tea Party بين أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري المناهض لأوباما، وكان صقور الحزب قد أعلنوا حربا شعواء على الرئيس برفض إقرار أي خطط يقترحها حتى ولو كانت صحيحة، وقد كان من الأمور المثيرة للشفقة أن يتحدث هؤلاء عن السيطرة على الإنفاق ومحاصرة الديون، ورفض أية دعاوى لرفع سقف الدين الأمريكي، حتى ولو ترتب عليها إعلان إفلاس الولايات المتحدة. من قاموا برفع سقف الدين العام الأمريكي لسبع مرات متتالية في عهد بوش رفضوا مقترح لرفع سقف الدين لأوباما، وترتب على تعثر المفاوضات مع الرئيس إلى إعلان مؤسسة ستاندرد آند بورز تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها، بحيث فقدت أدوات الدين الأمريكي ما كانت تتمتع به من أمان تقليدي.
يروى جايثنر محاولات الحزب الجمهوري إغلاق الحكومة الأمريكية أكثر من مرة، وقد كان الكاتب يتمنى أن تحدث عملية إغلاق الحكومة حتى يتعرى حزب الشاي للجمهور الأمريكي، ويظهر للناخب أن الحزب في سبيل أهدافه السياسية مستعد للتضحية بالمؤسسات الحكومية التي تخدم رجل الشارع وتوظف مئات الآلاف منه، وقد حدث بالفعل أن تم إغلاق الحكومة لأسابيع قليلة قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق لتجاوز الخلافات المالية بين الرئيس والجمهوريين وإنهاء ما عرف في ذلك الوقت بالهاوية المالية Fiscal Cliff، وإقرار خطط مالية للسيطرة الإجبارية على أوضاع المالية العامة الأمريكية أو ما عرف بعملية الـ Sequestration.
عندما تمت إعادة انتخاب أوباما وفشلت محاولات نده ميت رومني في إقناع الأمريكيين بأن أحوالهم المعيشية وقت الانتخابات أسوأ بكثير منها عندما دخل أوباما البيت الأبيض، أدار أوباما ظهره للجمهوريين وأعلن أنه لن يتفاوض معهم ولن يقدم أية تنازلات لاحقا حول قضايا خفض الإنفاق ورفع سقف الدين، في الوقت الذي لقنت فيه الانتخابات حزب الشاي درسا قاسيا في أن التطرف في استخدام الأدوات السياسية قد يكون مدمرا للحزب وأعضائه وقد يفقدهم الأغلبية في مجلس النواب، وأن الشعب الأمريكي قد أصابه الملل من هذه المناورات السياسية الرخيصة التي لا تصب في مصلحته وإنما لإرضاء من يشعلون نيران هذه الحروب التي لا طائل من ورائها.
يتناول الكتاب أيضا محاولات إصلاح النظام المالي العالمي بهدف الحد من شهية المؤسسات المالية لتحمل المخاطر المرتفعة لتحقيق مزيد من الأرباح، التي ترتب عليها تبني الخطة الأمريكية في هذا الجانب، والتي تحولت إلى ما يعرف ببازل 3 اليوم، وكان المقترح الأوروبي يدور حول فرض ضرائب على المعاملات المالية التي تجريها المؤسسات المالية، أو ما يعرف بضريبة توبن، لكن رفض الولايات المتحدة المقترح أدى إلى وأد الفكرة على الرغم من التأييد الكبير لها على المستوى الدولي، وقد كان هناك أجندة طويلة للإصلاح، غير أن جانبا كبيرا منها لم ينفذ ربما مع تحسن أوضاع الاقتصاد الأمريكي، حيث خبا صوت المنادين بالإصلاح للحد من طموحات قادة المؤسسات المالية.
وأخيرا يتناول الكتاب تحليلا متميزا لمشكلات أوروبا في أثناء الأزمة، خصوصا منطقة اليورو، والأخطاء التي وقع فيها الاتحاد الأوروبي ونفي مواجهة مشكلة الديون السيادية، وجوانب الضعف الهيكلي الحالي لمنطقة اليورو، وأخطاء أوروبا في تبني خطط للتقشف لمعالجة الأزمة والانعكاسات المستقبلية لها، والنصائح التي قدمها جايثنر للأوروبيين في اجتماع وزراء المالية للسيطرة على المخاطر المحيطة بالقارة، وردة الفعل العنيفة التي قوبلت بها تصريحاته، بأن وزير الدولة التي تسبب في الأزمة هو آخر من يستمع له، وقد أثبتت الأحداث أن جايثنر على صواب في كل جملة قالها، فها هي منطقة اليورو ما زالت ترزح تحت نير الكساد، والأوضاع الاقتصادية تنتقل فيها من سيئ إلى أسوأ.

الأحد، أكتوبر ٠٥، ٢٠١٤

مكافحة الإغراق في دول مجلس التعاون

أعلن المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي في تصريح له لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية يوم الرابع من أيلول (سبتمبر) الماضي بأن وزارته تعمل حاليا على إصدار مجموعة من التشريعات التي تستهدف تحسين البيئة الاقتصادية في الإمارات من بينها قوانين: الاستثمار، المنافسة، الصناعة، حماية المستهلك، مدققي الحسابات، مكافحة الغش التجاري والتدليس في المعاملات التجارية، إلى جانب تعديل المرسوم الاتحادي "رقم 7 لعام 2005" في شأن المصادقة على القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون الخليجي.
الإعلان الذي قام به وزير الاقتصاد الإماراتي يعد خطوة في غاية الأهمية لمعالجة ضعف نظام مكافحة الإغراق في دول المجلس، ذلك أنه على الرغم من إصدار دول مجلس التعاون لما يسمى بالنظام الموحد لمكافحة الإغراق في المنطقة، فإن قدرة دول مجلس التعاون على حماية أسواقها من مخاطر الإغراق ما زالت ضعيفة، لعوامل عدة.
تتمثل المشكلة الأساسية لدول مجلس التعاون في أن أسواقها مفتوحة على مصراعيها، وتنقصها في الغالب أجهزة فعالة للتقييس والجودة، لذلك تنتشر في أسواقها السلع من كل الأشكال، الجيدة والرديئة، وكثير من الأحيان المقلدة، التي قد تحمل مخاطر يمكن أن تصيب من يستهلكونها بالضرر، ومثل هذا الهيكل للسوق يكون مليئا بالثغرات التي تمكن المصدر الأجنبي أو الوكيل المحلي، من استخدام ممارسات قد تؤدي إلى إجهاض الصناعات الوطنية، إما عن قصد، وإما دون قصد. لكن الأهم من ذلك كله، أنه في ظل هذه الأوضاع يسهل تعرضها للإغراق دون حتى يتم اكتشافه.
لطالما كشفت المسوحات الصناعية التي تجرى على المصانع الوطنية في دول المجلس عن أن أحد أهم شكاواهم، إضافة إلى المشكلات المرتبطة بتوافر الأراضي والتمويل والعمالة وتعقد القيود الحكومية وغير ذلك من القيود على بيئة الأعمال، هي الإغراق، حيث تتعرض الأسواق التي يعملون فيها إلى إغراق ممنهج من الدول التي تنتج صناعات مثيلة، خصوصا من الدول الناشئة كالصين.
يعد الإغراق إحدى الممارسات المرتبطة بعملية تحديد الأسعار للأسواق المختلفة من جانب المنتج المصدر لسلعة ما، وذلك عندما يقوم بتحديد سعر لها في السوق الخارجية أقل من السعر الذي يبيعه بها في داخل بلده، أو أقل من تكلفة إنتاجها، حيث تكون هذه الفروق في الأسعار بين الداخل والخارج غير مبررة بفروق التكلفة، وينظر إلى الإغراق على أنه نوع من التمييز السعريPrice Discrimination الذي يقوم به المنتج بسبب أوضاعه الاحتكارية في السوق، وعلى النحو الذي يمكنه من فرض أكثر من سعر للسلعة نفسها استنادا إلى طبيعة الأسواق الذي يبيع فيها، ويهدف الإغراق إما إلى التخلص من فوائض الإنتاج أو إخراج المنافسين من السوق في الخارج، ومثل هذه الممارسات تضر بالمنتجين المحليين في الدول المستوردة، ولذلك يعد الإغراق من الممارسات التجارية غير العادلة وفقا للقانون التجاري الدولي.
يعد الإغراق خطرا كبيرا على المنتجين المحليين، ذلك أن مشكلة هذا النوع من التمييز السعري هي أنه إذا مورس على نطاق واسع فإنه يمكن أن يجهض أي جهود محلية للنمو في مجال السلع التي يتم الإغراق فيها، لذلك إذا ثبت بالفعل أن المصدر الخارجي يمارس الإغراق، يصبح من حق الدولة المستوردة أن تتخذ إجراء مضادا تواجه به هذا الإجراء من جانب المصدر، على سبيل المثال أن تفرض عليه رسوما جمركية خاصة على النحو الذي يرفع سعر السلعة، بحيث تفوت عليه الفرصة من عملية التسعير المنخفض لسلعته، أو أن تطالبه بالتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها نتيجة ممارسة سياسة الإغراق، أو غير ذلك.
نظرا للشكاوى المستمرة بين أصحاب الصناعات في دول مجلس التعاون من أن دولهم لا تحمي صناعاتها الوطنية من المنافسة الأجنبية كما يجب، وأن السوق المحلية تتعرض بصورة مستمرة لحالات إغراق أو عدم التزام بالمواصفات، أو غير ذلك من الممارسات التجارية الضارة من جانب الصناعات الأجنبية، سواء على أيدي الوكلاء المحليين أو المصدرين الأجانب، الأمر الذي يضع الصناعات الوطنية في وضع تنافسي أسوأ، حيث يجد المنتج الصناعي الوطني نفسه في وضع غير متكافئ مع المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج، فقد تم إصدار النظام الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية بقرار من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الرابعة والعشرين، المنعقدة في الكويت خلال الفترة من 27 ـــ 28 شوال 1424هـ الموافق 21 ــ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2003.
وقد فرض النظام الموحد لمكافحة الإغراق لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تدابير مكافحة الإغراق أو التدابير التعويضية على السلع المستوردة للدول الأعضاء، حيث إذا ثبت أن السلعة المستوردة تسببت في الإغراق، أو تم تقديم دعم لها، وألحقت ضررا ماديا بصناعة خليجية قائمة، أو هددت بوقوع مثل هذا الضرر، أو حدث ضرر نتيجة لذلك يتعذر إصلاحه، يتم اتخاذ تدابير مؤقتة وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية أو القيود الكمية أو الشكلين معا. كما نص على الإجراءات والتدابير التي ستتخذ لمواجهة الحالات الناشئة عن الإغراق، الإجراءات التي تتخذ لمواجهة الدعم المحظور أو الدعم المقابل للتقاضي، وكذلك التدابير التي تتخذ في حالة الزيادة غير المبررة في الواردات.
غير أن الأوضاع على الأرض تشير إلى أنه على الرغم من صدور النظام الموحد لمكافحة الإغراق في دول المجلس، فإنه من الواضح أنه غير مفعل على النحو المناسب، بحيث يقدم الحماية المناسبة للصناعات الوطنية في دول المجلس من مخاطر الإغراق، وأن إصلاح هذا النظام، حيث يوفر الحماية المناسبة للمنتجات الوطنية في دول المجلس يجب أن يحتل أهمية على النحو الذي يتناسب مع المخاطر التي يتسبب فيها الإغراق.
فمن الواضح أن دول مجلس التعاون لا تقاوم الإغراق بشكل مناسب، الأمر الذي يضر بآفاق تنمية الصناعات المحلية في المنطقة، وذلك بسبب المنافسة الشرسة من المنتجين الأجانب أو على يد وكلائهم المحليين، فعلى الرغم من أن الإغراق هو إحدى الشكاوى المستمرة للصناعيين في دول المجلس، إلا أن مقاومة الإغراق تعد محدودة نظرا لضعف القدرات الفنية والقانونية لاكتشاف وإثبات حالات الإغراق، ونظرا لضعف الكوادر الفنية التي يمكن أن تكتشف حالات الإغراق، أو حتى في الحالات التي يتم كشفها أن تقوم بإثبات حالة الإغراق من الناحية القانونية، أو حتى تحديد حجم الآثار السلبية التي ترتبت على ذلك، فإن عمليات الإغراق تستمر دون أن تتمكن دول المنطقة من مكافحتها وحماية المنتج المحلي بشكل خاص، والأسواق بشكل عام من خطرها.
إن الأهم من إصدار القوانين هو الاستعداد الفني والقانوني، بفرق فنية متخصصة وكوادر قانونية تستطيع أن تحاصر عمليات الإغراق وتبني على أساسها حالات مثبتة تمكنها من طلب التعويض المناسب، أو فرض الغرامات المناسبة أو غير ذلك. فعلى الرغم من التعريف المبسط للإغراق إلا أن عمليات إثبات حدوثه وتقييم الأضرار التي تنشأ عنه مسألة ليست سهلة وتحتاج إلى خبراء ذوي قدرات فنية وقانونية مرتفعة.
ولقد آن الأوان لأن تقوم دول مجلس التعاون بتحديث نظامها الموحد لمكافحة الإغراق، ولتطبيق القوانين الخاصة بمكافحة الإغراق على نحو كفء، لحماية أسواقها وصناعاتها الوطنية، ومن هذا المنطلق تحتل الجهود التي تبذل في وزارة الاقتصاد الإماراتية في هذا الجانب أهمية خاصة في هذا المجال.