كثر الحديث في الفترة الماضية عن ارتفاع معدلات التضخم في دولة الكويت، وبأن المعيشة أصبحت مكلفة وترهق كاهل الجميع، وأن الوقت قد حان لكي تقوم الحكومة بمراجعة هياكل رواتب المواطنين، لتعويضهم عن الارتفاع الكبير في الأسعار، وأنه لم يعد للحكومة في دولة الكويت أي عذر في هذا الاتجاه، خصوصا في ظل الوفرة النفطية الحالية، وزيادة مستويات الفائض في الميزانية العامة للدولة إلى مستويات قياسية لم تتحقق في تاريخها. وأن الأوان قد آن للمواطنين أن يجنوا ثمرة ارتفاع أسعار النفط بتحسين أوضاعهم الدخلية والمعيشية. والواقع أن من يتابع الحديث عن التضخم في دولة الكويت، ربما يصل إلى قناعة هي أننا نعيش في مناخ تضخمي، حيث تلهب الأسعار كاهل الأسر، وتعجز الحكومات بكل ما أوتيت من أدوات عن مكافحة التضخم، واستمرار الاتجاه الصعودي للأسعار، ومن ثم تآكل القوة الشرائية للدخول. فما هي حقيقة التضخم في دولة الكويت.
يعد معدل التضخم المعلن في الكويت، بالرغم مما يقال عنه، اذا ما نظرنا إليه من الناحية العلمية، أو في ضوء المقارنات الدولية، من المعدلات المنخفضة أو المقبولة جدا. حيث بلغ متوسط معدل التضخم في فترة ما بعد تحرير دولة الكويت حتى عام 2003 حوالي 1.5% تقريبا. غير أن معدلات التضخم، باستخدام الأرقام القياسية لأسعار المستهلك، قد مالت إلى التزايد خلال السنتين الماضيتين على نحو يفوق الاتجاه العام للمستوى العام للأسعار في دولة الكويت خلال الخمس عشر سنة الماضية تقريبا. ففي عام 2004 سجل معدل التضخم 4.1%، كذلك استمرت الضغوط التضخمية مرتفعة في عام 2006، حيث بلغ معدل التضخم 3%. وفي المتوسط بلغ معدل التضخم خلال عامي 2005-2006 حوالي 3.6%. وتتوقع بعض المؤسسات الدولية أن يتجاوز معدل التضخم خلال عام 2007 حاجز الـ 5%.
ولكن اذا كان معدل التضخم هو في حدود المقبول الآن، كيف لنا الحديث بهذا الشكل عن وجود تضخم في الكويت؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من أن معدل التضخم خلال السنتين الماضيتين هو من قبيل معدلات التضخم المنخفضة، إلا أن هذه المعدلات تعد مرتفعة بمقاييس الاقتصاد الكويتي في فترة ما بعد العدوان العراقي على دولة الكويت، وكذلك بالنسبة لمعدل التضخم المستهدف من قبل السلطات النقدية بدولة الكويت، والتي تهدف أساسا إلى الحفاظ على القوة الشرائية للعملة المحلية وحماية الاقتصاد الوطني من الضغوط التضخمية المستوردة من خلال تبني معدل مستهدف للتضخم في حدود 2% تقريبا. وعلى ذلك فان المعدلات الحالية للتضخم تتجاوز وبشكل واضح تلك المستويات المستهدفة من قبل السلطات النقدية.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي ترتفع فيها معدلات التضخم في الكويت إلى هذا الحد، إذ يوضح الشكل التالي أن فترة ما قبل 1990 قد شهدت تقلبات واضحة في المستوى العام للأسعار ومعدلات تضخم عالية أيضا، خلال السبعينيات والثمانينيات، سواء باستخدام الرقم القياسي لأسعار المستهلك او الرقم القياسي لأسعار الجملة. كذلك بلغ معدل التضخم حوالي 5% في عام 1996.
كما ينبغي الإشارة إلى أن سلة السلع والخدمات التي على أساسها يتم تكوين الرقم القياسي للأسعار ومن ثم حساب معدل التضخم قد لا تعكس الأثر الحقيقي لبعض السلع والخدمات على التضخم. الأمر الذي يترتب عليه إلا تعكس الإحصاءات المعلنة للتضخم حجم الضغط التضخمي من الناحية الحقيقية. على سبيل المثال من الواضح أن قطاع العقار قد سجل خلال السنوات الأربع السابقة ارتفاعا واضحا. فقد ارتفع متوسط سعر الإيجار للمتر المربع للاستخدام التجاري خلال الفترة من 2003-2006 بحوالي 14.4%، في الوقت الذي ارتفع فيه متوسط سعر المتر للاستخدام الاستثماري بمعدل 12.3%. بينما اقتصر معدل ارتفاع سعر المتر للاستخدام السكني خلال نفس الفترة على 5.9%. ويشكل الإيجار وزنا هاما بالنسبة لميزانيات الأسر التي لا تقيم في مساكن تملكها. ومن الواضح أن الرقم القياسي للأسعار لا يعكس تلك الزيادة بصورة كاملة. ربما نحتاج إلى إعادة النظر في الأوزان التي تعطي لمجموعات السلع والخدمات المختلفة المكونة للرقم القياسي للأسعار حتى تتوافق الأرقام الرسمية المعلنة للتضخم مع الضغط التضخمي الحقيقي الذي يشعر به المستهلك أو قطاع الأعمال نتيجة ارتفاع المستوى العام للأسعار.
ويعزو الكثير من المحللين الارتفاع الحالي في مستوى التضخم إلى ربط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي، والذي مالت قيمته، بالنسبة للعملات الرئيسية، إلى الانخفاض بصورة واضحة، بصفة خاصة بالنسبة لليورو، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة فاتورة الواردات، ومن ثم رفع معدلات التضخم. وهو الأمر الذي دفع بالبنك المركزي إلى فك ارتباط الدينار بالدولار الأمريكي في مايو الماضي. غير أننا لا يجب أن ننسى أن الدولار الضعيف ليس هو المسئول الوحيد عن الضغوط التضخمية في الكويت، بصفة خاصة لا يجب أن ننسى اثر نمو الإيرادات النفطية التي أدت إلى زيادة مستويات الدخول ومن ثم الإنفاق، وأثر النمو الواضح في السيولة النقدية وعلى نحو لم تشهده الكويت في تاريخها، واثر بعض القرارات المالية الأخرى مثل إقرار منحتين متتاليتين، وزيادة الأجور وإقرار الكثير من الكوادر، وخفض الفوائد على قروض المتقاعدين، وإلغاء بعض الفواتير... الخ. مثل هذه العوامل تصب في اتجاه واحد هو إشعال نار التضخم.
كيف لنا لأن نعالج التضخم
إن معالجة التضخم من الناحية العلمية تتم من خلال مجموعتين من السياسات هما السياسات النقدية والمالية، واللتان اما تهدفان إلى الحد من مستويات الطلب الكلي في الاقتصاد، او حث العرض الكلي في المجتمع على الزيادة بالشكل الذي يعمل على امتصاص ضغوط الطلب ومن ثم الحد من النمو في الأسعار.
أما تخفيف عبْ التضخم من خلال رفع الرواتب، فانه لكي لا يمارس تأثيرا سلبيا على الاقتصاد، لا بد وان يصاحبه زيادة مبررة في الإنتاجية على المستوى القومي، حتى لا يترتب على زيادة الرواتب زيادة مستويات الدخول بما يؤدي إلى رفع الطلب الكلي على السلع والخدمات المختلفة في الدولة إلى مستويات لا يقابلها زيادة مماثلة في العرض الكلي من السلع والخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية بشكل أسوأ. ومن ثم فان زيادة الرواتب غير المخططة قد تنعكس بصورة سلبية على الناس، حيث سرعان ما سيجد الناس أن زيادة الرواتب التي حصلوا عليها قد التهمتها الزيادة في الأسعار الناجمة عن زيادة مستويات الطلب. وعلى ذلك فان أي زيادة الرواتب لا بد وان تتم على أساس دراسة دقيقة لآثار الضغط التضخمي على ميزانية الأسرة الناتج عن ارتفاع معدل التضخم ومن ثم تحديد معدل الزيادة المناسب في الرواتب الذي يحافظ على القوة الشرائية لدخول الأفراد، ولا يسهم في تغذية الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
ويعني ذلك ان زيادة الرواتب تمثل جانبا واحدا من معادلة التخفيف من الضغوط التضخمية، لأنها ترتبط بجانب الطلب فقط، ومن ثم فإنها تهمل جانبا مهما جدا في مكافحة الضغوط التضخمية وهو جانب العرض من السلع والخدمات المختلفة. فمما لا شك فيه أن مكافحة التضخم من الناحية الحقيقية لا تتم بمجرد زيادة دخول، اذا لم يصاحبها زيادة في مستويات العرض الكلي من السلع والخدمات بالشكل الذي يساعد الأسعار على الاستقرار ويواجه الزيادات في الطلب الكلي. وأعتقد أن هذا الجانب هو ما يجب أن يوجه إليه الاهتمام بشكل أساسي، حتى نحافظ على استقرار الأسعار.
ومن الواضح أن المطالب النيابية لرفع الرواتب سوف تزداد في المستقبل القريب، بصفة خاصة نتيجة لدنو موعد انتخابات مجلس الأمة. وفي رأيي أن ما يطرح من حلول بزيادة الرواتب وإعطاء منح وإلغاء قروض، او إلغاء فوائد القروض.. الخ، ليس الحل المناسب لمشكلة التضخم، بل على العكس أن تلك الحلول سوف تزيد من الضغوط التضخمية مستقبلا ما لم يتطور جهازنا الإنتاجي لكي يكون قادرا على توفير العرض المناسب من السلع والخدمات بما يتماشى مع الزيادات الهائلة في الدخول.
مما لا شك فيه أن استمرار الضغوط التضخمية عند مستوياتها الحالية يؤثر بصورة سليبة على رفاهية الأفراد من ناحية، ويمثل عنصر ضغط على أعضاء المجلس النيابي لمطالبة الحكومة بحزمة من المطالب الهادفة إلى رفع مستويات دخول الأفراد وزيادة مستويات رفاهيتهم من ناحية أخرى، خاصة في ظل الوضع الفريد الحالي في دولة الكويت، حيث تتجه أسعار النفط إلى الزيادة يوما بعد يوم نحو مستويات قياسية، الأمر الذي يعني حدوث زيادة كبيرة في إيرادات الحكومة وفوائض قياسية في ميزانيتها، لا يقابلها على الجانب الأخر برامج إنفاق على ذات المستوى لتحسين البنى التحتية ورفع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وزيادة طاقته الإنتاجية وقدراته التنافسية المستقبلية، أو لحل بعض المشكلات الحادة مثل مشكلة الإسكان. وهو ما يطرح تساؤلا مهما بالنسبة لرجل الشارع، اذا كانت الحكومة غير قادرة على استخدام الفوائض بهذا الشكل، فلا اقل من أن توزع جانبا من الفوائض على الناس. وفي ظل هذه الأوضاع يصعب على أعضاء البرلمان عدم المطالبة بتوزيع جانب من الفوائض على الناس اذا لم توجد خطط جادة لاستغلاله. ومن المؤكد انه لو كان هناك برامج جادة لاستخدام تلك الفوائض في رفع مستويات النمو وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، فان المطالبات بتوزيع هذه الفوائض على الناس ستتوقف.
ان التخفيف من الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني يقتضى إتباع حزمة من السياسات في المديين القصير والطويل، ويمكن تلخيص تلك السياسات في الأتي:
استمرار الحفاظ على القوة الشرائية للدينار الكويتي في مقابل العملات الأخرى غير الدولار، خصوصا بالنسبة لعملات الدول التي ترتفع واردات الكويت منها حتى تتم السيطرة على التضخم المستورد.
الحد من النمو الهائل في السيولة النقدية المصدرة في دولة الكويت، وجعل تلك السيولة تتماشى مع مستويات النمو في الطلب الكلي حتى لا يصاحبها زيادة في الضغوط التضخمية المحلية.
وقف الاتجاه نحو المطالب المدمرة اقتصاديا مثل منح المنح وزيادة الرواتب وإلغاء القروض او فوائدها.. الخ، لان تلك المطالبات تصب في اتجاه واحد هو زيادة الضغوط التضخمية، فعلى الرغم من أنها تسهم في دغدغة مشاعر رجل الشارع، إلا انه سرعان ما سيدفع ثمنها لاحقا في صورة ارتفاع مستويات الطلب المحلي ومن ثم الضغوط التضخمية.
استمرار الاتجاه الحالي في دعم السلع والخدمات الأساسية للسكان.
دراسة اثر ميزانيات الإنفاق الحكومي على الضغوط التضخمية واتخاذ التدابير للحد من تلك الآثار.
تنمية الجهاز الإنتاجي المحلي بحيث يكون قادرا على رفع مستويات العرض الكلي من السلع والخدمات بما يمكن من استيعاب ضغوط الطلب.
يعد معدل التضخم المعلن في الكويت، بالرغم مما يقال عنه، اذا ما نظرنا إليه من الناحية العلمية، أو في ضوء المقارنات الدولية، من المعدلات المنخفضة أو المقبولة جدا. حيث بلغ متوسط معدل التضخم في فترة ما بعد تحرير دولة الكويت حتى عام 2003 حوالي 1.5% تقريبا. غير أن معدلات التضخم، باستخدام الأرقام القياسية لأسعار المستهلك، قد مالت إلى التزايد خلال السنتين الماضيتين على نحو يفوق الاتجاه العام للمستوى العام للأسعار في دولة الكويت خلال الخمس عشر سنة الماضية تقريبا. ففي عام 2004 سجل معدل التضخم 4.1%، كذلك استمرت الضغوط التضخمية مرتفعة في عام 2006، حيث بلغ معدل التضخم 3%. وفي المتوسط بلغ معدل التضخم خلال عامي 2005-2006 حوالي 3.6%. وتتوقع بعض المؤسسات الدولية أن يتجاوز معدل التضخم خلال عام 2007 حاجز الـ 5%.
ولكن اذا كان معدل التضخم هو في حدود المقبول الآن، كيف لنا الحديث بهذا الشكل عن وجود تضخم في الكويت؟ للإجابة على هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أنه على الرغم من أن معدل التضخم خلال السنتين الماضيتين هو من قبيل معدلات التضخم المنخفضة، إلا أن هذه المعدلات تعد مرتفعة بمقاييس الاقتصاد الكويتي في فترة ما بعد العدوان العراقي على دولة الكويت، وكذلك بالنسبة لمعدل التضخم المستهدف من قبل السلطات النقدية بدولة الكويت، والتي تهدف أساسا إلى الحفاظ على القوة الشرائية للعملة المحلية وحماية الاقتصاد الوطني من الضغوط التضخمية المستوردة من خلال تبني معدل مستهدف للتضخم في حدود 2% تقريبا. وعلى ذلك فان المعدلات الحالية للتضخم تتجاوز وبشكل واضح تلك المستويات المستهدفة من قبل السلطات النقدية.
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن هذه ليست هي المرة الأولى التي ترتفع فيها معدلات التضخم في الكويت إلى هذا الحد، إذ يوضح الشكل التالي أن فترة ما قبل 1990 قد شهدت تقلبات واضحة في المستوى العام للأسعار ومعدلات تضخم عالية أيضا، خلال السبعينيات والثمانينيات، سواء باستخدام الرقم القياسي لأسعار المستهلك او الرقم القياسي لأسعار الجملة. كذلك بلغ معدل التضخم حوالي 5% في عام 1996.
كما ينبغي الإشارة إلى أن سلة السلع والخدمات التي على أساسها يتم تكوين الرقم القياسي للأسعار ومن ثم حساب معدل التضخم قد لا تعكس الأثر الحقيقي لبعض السلع والخدمات على التضخم. الأمر الذي يترتب عليه إلا تعكس الإحصاءات المعلنة للتضخم حجم الضغط التضخمي من الناحية الحقيقية. على سبيل المثال من الواضح أن قطاع العقار قد سجل خلال السنوات الأربع السابقة ارتفاعا واضحا. فقد ارتفع متوسط سعر الإيجار للمتر المربع للاستخدام التجاري خلال الفترة من 2003-2006 بحوالي 14.4%، في الوقت الذي ارتفع فيه متوسط سعر المتر للاستخدام الاستثماري بمعدل 12.3%. بينما اقتصر معدل ارتفاع سعر المتر للاستخدام السكني خلال نفس الفترة على 5.9%. ويشكل الإيجار وزنا هاما بالنسبة لميزانيات الأسر التي لا تقيم في مساكن تملكها. ومن الواضح أن الرقم القياسي للأسعار لا يعكس تلك الزيادة بصورة كاملة. ربما نحتاج إلى إعادة النظر في الأوزان التي تعطي لمجموعات السلع والخدمات المختلفة المكونة للرقم القياسي للأسعار حتى تتوافق الأرقام الرسمية المعلنة للتضخم مع الضغط التضخمي الحقيقي الذي يشعر به المستهلك أو قطاع الأعمال نتيجة ارتفاع المستوى العام للأسعار.
ويعزو الكثير من المحللين الارتفاع الحالي في مستوى التضخم إلى ربط الدينار الكويتي بالدولار الأمريكي، والذي مالت قيمته، بالنسبة للعملات الرئيسية، إلى الانخفاض بصورة واضحة، بصفة خاصة بالنسبة لليورو، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع تكلفة فاتورة الواردات، ومن ثم رفع معدلات التضخم. وهو الأمر الذي دفع بالبنك المركزي إلى فك ارتباط الدينار بالدولار الأمريكي في مايو الماضي. غير أننا لا يجب أن ننسى أن الدولار الضعيف ليس هو المسئول الوحيد عن الضغوط التضخمية في الكويت، بصفة خاصة لا يجب أن ننسى اثر نمو الإيرادات النفطية التي أدت إلى زيادة مستويات الدخول ومن ثم الإنفاق، وأثر النمو الواضح في السيولة النقدية وعلى نحو لم تشهده الكويت في تاريخها، واثر بعض القرارات المالية الأخرى مثل إقرار منحتين متتاليتين، وزيادة الأجور وإقرار الكثير من الكوادر، وخفض الفوائد على قروض المتقاعدين، وإلغاء بعض الفواتير... الخ. مثل هذه العوامل تصب في اتجاه واحد هو إشعال نار التضخم.
كيف لنا لأن نعالج التضخم
إن معالجة التضخم من الناحية العلمية تتم من خلال مجموعتين من السياسات هما السياسات النقدية والمالية، واللتان اما تهدفان إلى الحد من مستويات الطلب الكلي في الاقتصاد، او حث العرض الكلي في المجتمع على الزيادة بالشكل الذي يعمل على امتصاص ضغوط الطلب ومن ثم الحد من النمو في الأسعار.
أما تخفيف عبْ التضخم من خلال رفع الرواتب، فانه لكي لا يمارس تأثيرا سلبيا على الاقتصاد، لا بد وان يصاحبه زيادة مبررة في الإنتاجية على المستوى القومي، حتى لا يترتب على زيادة الرواتب زيادة مستويات الدخول بما يؤدي إلى رفع الطلب الكلي على السلع والخدمات المختلفة في الدولة إلى مستويات لا يقابلها زيادة مماثلة في العرض الكلي من السلع والخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الضغوط التضخمية بشكل أسوأ. ومن ثم فان زيادة الرواتب غير المخططة قد تنعكس بصورة سلبية على الناس، حيث سرعان ما سيجد الناس أن زيادة الرواتب التي حصلوا عليها قد التهمتها الزيادة في الأسعار الناجمة عن زيادة مستويات الطلب. وعلى ذلك فان أي زيادة الرواتب لا بد وان تتم على أساس دراسة دقيقة لآثار الضغط التضخمي على ميزانية الأسرة الناتج عن ارتفاع معدل التضخم ومن ثم تحديد معدل الزيادة المناسب في الرواتب الذي يحافظ على القوة الشرائية لدخول الأفراد، ولا يسهم في تغذية الضغوط التضخمية في الاقتصاد.
ويعني ذلك ان زيادة الرواتب تمثل جانبا واحدا من معادلة التخفيف من الضغوط التضخمية، لأنها ترتبط بجانب الطلب فقط، ومن ثم فإنها تهمل جانبا مهما جدا في مكافحة الضغوط التضخمية وهو جانب العرض من السلع والخدمات المختلفة. فمما لا شك فيه أن مكافحة التضخم من الناحية الحقيقية لا تتم بمجرد زيادة دخول، اذا لم يصاحبها زيادة في مستويات العرض الكلي من السلع والخدمات بالشكل الذي يساعد الأسعار على الاستقرار ويواجه الزيادات في الطلب الكلي. وأعتقد أن هذا الجانب هو ما يجب أن يوجه إليه الاهتمام بشكل أساسي، حتى نحافظ على استقرار الأسعار.
ومن الواضح أن المطالب النيابية لرفع الرواتب سوف تزداد في المستقبل القريب، بصفة خاصة نتيجة لدنو موعد انتخابات مجلس الأمة. وفي رأيي أن ما يطرح من حلول بزيادة الرواتب وإعطاء منح وإلغاء قروض، او إلغاء فوائد القروض.. الخ، ليس الحل المناسب لمشكلة التضخم، بل على العكس أن تلك الحلول سوف تزيد من الضغوط التضخمية مستقبلا ما لم يتطور جهازنا الإنتاجي لكي يكون قادرا على توفير العرض المناسب من السلع والخدمات بما يتماشى مع الزيادات الهائلة في الدخول.
مما لا شك فيه أن استمرار الضغوط التضخمية عند مستوياتها الحالية يؤثر بصورة سليبة على رفاهية الأفراد من ناحية، ويمثل عنصر ضغط على أعضاء المجلس النيابي لمطالبة الحكومة بحزمة من المطالب الهادفة إلى رفع مستويات دخول الأفراد وزيادة مستويات رفاهيتهم من ناحية أخرى، خاصة في ظل الوضع الفريد الحالي في دولة الكويت، حيث تتجه أسعار النفط إلى الزيادة يوما بعد يوم نحو مستويات قياسية، الأمر الذي يعني حدوث زيادة كبيرة في إيرادات الحكومة وفوائض قياسية في ميزانيتها، لا يقابلها على الجانب الأخر برامج إنفاق على ذات المستوى لتحسين البنى التحتية ورفع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني وزيادة طاقته الإنتاجية وقدراته التنافسية المستقبلية، أو لحل بعض المشكلات الحادة مثل مشكلة الإسكان. وهو ما يطرح تساؤلا مهما بالنسبة لرجل الشارع، اذا كانت الحكومة غير قادرة على استخدام الفوائض بهذا الشكل، فلا اقل من أن توزع جانبا من الفوائض على الناس. وفي ظل هذه الأوضاع يصعب على أعضاء البرلمان عدم المطالبة بتوزيع جانب من الفوائض على الناس اذا لم توجد خطط جادة لاستغلاله. ومن المؤكد انه لو كان هناك برامج جادة لاستخدام تلك الفوائض في رفع مستويات النمو وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، فان المطالبات بتوزيع هذه الفوائض على الناس ستتوقف.
ان التخفيف من الضغوط التضخمية في الاقتصاد الوطني يقتضى إتباع حزمة من السياسات في المديين القصير والطويل، ويمكن تلخيص تلك السياسات في الأتي:
استمرار الحفاظ على القوة الشرائية للدينار الكويتي في مقابل العملات الأخرى غير الدولار، خصوصا بالنسبة لعملات الدول التي ترتفع واردات الكويت منها حتى تتم السيطرة على التضخم المستورد.
الحد من النمو الهائل في السيولة النقدية المصدرة في دولة الكويت، وجعل تلك السيولة تتماشى مع مستويات النمو في الطلب الكلي حتى لا يصاحبها زيادة في الضغوط التضخمية المحلية.
وقف الاتجاه نحو المطالب المدمرة اقتصاديا مثل منح المنح وزيادة الرواتب وإلغاء القروض او فوائدها.. الخ، لان تلك المطالبات تصب في اتجاه واحد هو زيادة الضغوط التضخمية، فعلى الرغم من أنها تسهم في دغدغة مشاعر رجل الشارع، إلا انه سرعان ما سيدفع ثمنها لاحقا في صورة ارتفاع مستويات الطلب المحلي ومن ثم الضغوط التضخمية.
استمرار الاتجاه الحالي في دعم السلع والخدمات الأساسية للسكان.
دراسة اثر ميزانيات الإنفاق الحكومي على الضغوط التضخمية واتخاذ التدابير للحد من تلك الآثار.
تنمية الجهاز الإنتاجي المحلي بحيث يكون قادرا على رفع مستويات العرض الكلي من السلع والخدمات بما يمكن من استيعاب ضغوط الطلب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق