الجمعة، مايو ١٨، ٢٠١٢

ما الذي يرفع التصنيف الائتماني للمملكة؟

نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الجمعة 18/5/2012


استعرضنا في المقال السابق مفهوم التصنيف الائتماني والمؤسسات التي تقوم به وسلم التصنيفات التي تستخدمه، وأهمية هذه التصنيفات بالنسبة للأسواق. اليوم نتناول المحددات التي يفترض أن تحدد هذه التصنيفات الائتمانية لدول العالم مع الإشارة إلى أسباب ارتفاع التصنيف الائتماني للمملكة.
كما ذكرنا من قبل فإن التصنيف الائتماني للدول هو في جوهره تقييم لقدرة الحكومات على خدمة ديونها في إطار المدى الزمني لتواريخ الاستحقاق المحددة لهذه الديون، ومن ثم من المتوقع أن تكون مؤشرات الدين العام للدولة من أهم محددات التصنيف الائتماني للدولة، إن العامل الأهم في تحديد التصنيف الائتماني للدولة هو معل النمو للدولة، فإذا كان من المتوقع أن ينمو الاقتصاد بمعدل مرتفع، فإن ذلك سوف يؤدي إلى زيادة الإيرادات الضريبية للدولة ويخفض في ذات الوقت من الحاجة إلى الإنفاق الحكومي المرتفع، مما يجعل من السهل على الدولة تخفيض نسبة الدين إلى ناتجها المحلي، أما إذا كان معدل النمو منخفضا فإن نسبة الدين العام إلى الناتج سوف تميل إلى التزايد وتتعقد أوضاع الدين العام للدولة بالتبعية.
من العوامل التي تؤخذ في الاعتبار أيضا نسبة الدين العام القائم إلى الناتج المحلي للدولة، فإذا كانت نسبة الدين العام إلى الناتج مرتفعة، مثلما هو الحال بالنسبة للدول المدينة في منطقة اليورو، فقد لا تجدي محاولات الدولة السيطرة على نمو الدين من خلال برامجها التقشفية إذا كان معدل نمو الناتج منخفضا، ذلك أن النمو المنخفض للناتج يسبب ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج. غير أن ارتفاع الدين القائم كنسبة من الناتج لا يعني، مرة أخرى، أن جميع الدول التي تعاني من ذلك سوف ترتفع مخاطرها الائتمانية، على سبيل المثال فإن نسبة الدين إلى الناتج في إيرلندا أقل بكثير من نسبة الدين إلى الناتج في ألمانيا، ومع ذلك فإن التصنيف الائتماني لألمانيا أفضل بكثير من التصنيف الائتماني لإيرلندا، كما أن ارتفاع نسبة الدين إلى الناتج المحلي لا يعني أن الدولة في طريقها للإفلاس، فعلى الرغم من أن الدين العام الياباني يصل إلى حوالي 240% من الناتج، ومع ذلك توضع اليابان ضمن قائمة دول العالم المرتفعة التصنيف.
كذلك من العوامل التي تحدد التصنيف الائتماني للدول هو نسبة الاقتراض السنوي للحكومة إلى ناتجها المحلي، فإذا كان معدل الاقتراض السنوي منخفضا نسبيا، على سبيل المثال 2% من الناتج المحلي، فإنه في أغلب الأحيان يتوقع أن يكون وضع الدين العام للدولة مستداما، أي يتوقع استمرار ارتفاع قدرة الدولة على خدمة ديونها، أما اذا ما كان معدل الاقتراض السنوي مرتفعا على سبيل المثال 15% من الناتج المحلي، فإن الدين يصبح غير مستدام بسبب الارتفاع المتوقع في تكلفة خدمة الدين على الحكومة، ومع ذلك فإن هناك بعض الحكومات التي تقترض بمعدلات تفوق هذه المستويات غير المستدامة ومع ذلك تستمر في الحصول على تصنيف ائتماني مرتفع.
العامل الرابع هو تاريخ استحقاق الدين، فبشكل عام كلما طالت مدة استحقاق ديون الدولة كلما قلت ضغوط الدين على الحكومة، بعكس الحال اذا ما كانت السندات التي تقوم الدولة بإصدارها تتمثل أساسا في سندات قصيرة الأجل، فإن ضغوط الدين قد تضطر الدولة إلى اللجوء إلى طرح سنداتها من وقت لآخر، وتجدر الإشارة إلى أنه أصبح هناك تركيزا أكبر اليوم على القروض قصيرة الأجل من جانب مؤسسات التصنيف الائتماني باعتبارها أحد المحددات الأساسية للمخاطر السيادية.
العامل الخامس هو مدفوعات خدمة الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، فبشكل عام إذا كانت نسبة مدفوعات خدمة الدين محدودة بالنسبة إلى الناتج المحلي، فإن خدمة الدين العام تصبح تحت السيطرة، ولكن عندما يميل الدين العام للدولة نحو التزايد في الوقت الذي تتراكم فيه الضغوط السوقية نحو رفع معدلات الفائدة على الدين العام لهذه الدولة، فإن وضع الدولة يصبح خطرا، فحتى لو قامت الدولة بتبني برامج للتقشف فإنها سوف تضطر إلى تخصيص المزيد من الأموال لخدمة ديونها، وهو ما يرفع الحاجة نحو اقتراض المزيد من الديون، ومن ثم ترتفع مدفوعات الفائدة مجددا فترتفع الحاجة للاقتراض، وهكذا ستدور الدولة فيما يمكن أن نطلق عليه الحلقة الخبيثة للديون.
العامل السادس هو هيكل ملكية دين الدولة، فإذا كانت ديون الدولة مملوكة بواسطة المقيمين فيها من الجمهور والمؤسسات المالية المختلفة والبنك المركزي فإن مخاطر الدين تصبح منخفضة، أما إذا كان الدين مملوكا للأجانب فإن ارتفاع مخاطر الدولة قد يدفع الدائنين الأجانب إلى بيع سنداتهم في الخارج وهو ما يضع ضغوطا كبيرة على الأسعار السوقية لها، ومن ثم يرفع معدلات العائد على تلك السندات، على أن قدرة الدولة على اجتذاب المستثمرين الأجانب قد ترفع من تصنيفها الائتماني، على سبيل المثال فإن التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مرتفع لأنها تستطيع أن تجذب قدرا كبيرا من المستثمرين الأجانب لشراء سنداتها وبمعدلات فائدة منخفضة، بينما لا تستطيع دولة مثل إيرلندا أن تجد من يقرضها إلا بمعدلات عائد كبيرة. 
العامل السابع هو معدل التضخم السائد في الدولة خصوصا بالنسبة للديون المصدرة بالعملة المحلية للدولة، حيث يؤدي التضخم إلى تخفيض القيمة الحقيقية لدين الحكومة بالنسبة للمستثمرين، مما يقلل من جاذبية السندات لدى المستثمرين، كما أن التضخم سوف يتطلب أن تكون معدلات الفائدة على سندات الدين للدولة مرتفعة.
هذه هي أهم العوامل التي تحكم تصنيف الدولة الائتماني، والآن ما الذي يجعل التصنيف الائتماني للمملكة مرتفعا مع نظرة مستقبلية مستقرة للاقتصاد السعودي، على النحو المذكور في المقال السابق؟ للإجابة على هذا السؤال فإن الجدول رقم (1) يوضح المؤشرات الأساسية التي ينشرها صندوق النقد الدولي والتي تقود إلى وضع المملكة ضمن مجموعة دول العالم ذات التصنيف الائتماني المرتفع، ومن الجدول يلاحظ الآتي:
·         أن المملكة تحقق معدلات نمو مرتفعة نسبيا في الناتج المحلي الحقيقي بالمقاييس العالمية، على الرغم من ظروف الأزمة الاقتصادية التي تمر بالعالم منذ 2008، وأن هذه المعدلات سوف تستمر عند مستويات معقولة جدا حتى عام 2017.
·         أن متوسط نصيب الفرد من الدخل يعد مرتفعا نسبيا ومن المتوقع أن يتزايد في المستقبل ليصل إلى حوالي 24000 دولارا في 2017.

·         أن المملكة توجه نسبا متزايدة من ناتجها المحلي نحو الاستثمار، ويتوقع أن تصل هذه النسبة في عام 2017 إلى حوالي 26%.
·         أن مستويات الدخل المرتفع الذي تحققه المملكة تؤدي إلى ارتفاع معدلات الادخار المحلي والذي يبلغ في المتوسط 43% خلال الفترة من 2005-2017.
·         على الرغم من الارتفاع النسبي لمعدلات التضخم في المملكة قبل الأزمة المالية العالمية، فإن معدلات التضخم الحالية والمتوقعة في المستقبل تعد معقولة وتدور حول نسبة 4% تقريبا سنويا في المتوسط.
·         أن المملكة تحقق إيرادات مرتفعة جدا لصادراتها النفطية، الأمر الذي يرفع من نسبة الإيرادات الحكومية إلى الناتج وكذلك يمكن الحكومة من الاستمرار في برامج للإنفاق الحكومي عند مستويات مرتفعة بالنسبة للناتج المحلي.
·         أن المملكة تحقق فوائض مرتفعة في ميزان مدفوعاتها بالنسبة إلى ناتجها المحلي، مع توقع استمرار تحقيق هذه الفوائض في المستقبل.
·         وأخيرا وهذا هو الأهم، أن نسبة الدين العام للمملكة إلى ناتجها المحلي تعتبر منخفضة جدا حاليا، ويتوقع مع استمرار ارتفاع إيرادات الدولة أن تتناقص هذه النسبة بحيث لا تتجاوز 3% فقط من الناتج في 2017، وهي من أقل المعدلات في العالم.   

هناك تعليقان (٢):