بنك بي إن بي باريبا BNP Paribas هو أكبر
البنوك العاملة في فرنسا، حيث يعمل به حوالي
190000 موظف، وله أكثر من 34 مليون عميل حول العالم، ويعد خامس أكبر بنك في
العالم من حيث حجم الأصول، كما أنه يعد أحد أكبر البنوك العاملة في مجال تمويل
ومقاصة المعاملات المالية في مجال التجارة الدولية.
في 30 يونيو الماضي أقر بنك بي إن بي باريبا، بمخالفته للتعليمات
الأمريكية بحظر التعامل مع دول تمول الإرهاب أو تخالف حقوق الإنسان، وهو ما يمثل
مخالفة للقانون الأمريكي International Emergency Economic
Powers Act and Trading with the Enemy Act بالتعامل مع عدو، الأمر
الذي انتهى إلى قرار المحكمة الفدرالية بتغريم البنك غرامة تاريخية، والتي تعد بكل
المقاييس أكبر غرامة فرضت على بنك نظير تعامله مع دول تمت مقاطعتها في التاريخ.
تبدأ القصة بقيام إدارة الخدمات المالية في نيويورك بإعداد ملف
للمعاملات غير القانونية (من وجهة النظر الأمريكية) للبنك مع الدول التي تقاطعها
الولايات المتحدة، وهي السودان وايران وكوبا، والتي قدرت بحوالي 190 مليار دولار
في الفترة من 2002 – 2012، وقد قام المدعي العام الأمريكي برفع قضية على البنك
أمام المحكمة الفدرالية، وأثناء المحاكمة طلبت القاضية من الحكومة الأمريكية
معلومات عما إذا كان لديها صورة كاملة عن حجم المعاملات التي أبرمها البنك مع تلك
الدول، وإلى أي درجة يعد البنك مذنبا في المخالفة التي ارتكبها في ابرام تلك المعاملات،
وقد رد مساعد المدعي العام الأمريكي بأن البنك كان في مركز المؤامرة، وأنه منح أطرافا
أخرى حرية الوصول الى سوق الدولار الأمريكي، مخالفا بذلك القوانين الأمريكية التي
تحظر تسوية معاملات مالية لهذه الدول بالدولار الأمريكي عن طريق سوق الصرف العالمي
للدولار، وبمعنى أبسط فإن الجريمة التي ارتكبها البنك هي تسهيل التحويلات المالية
الدولارية للسودان وإيران وكوبا خصوصا في مجال النفط والغاز، من خلال عمليات تمت
هندستها في فرعه في جينيف.
ما فعله بنك بي ان بي باريبا، هو اخفاء اسماء عملاء سودانيين
وايرانيين وكوبيين قاموا بمعاملات مالية تمت تسويتها من خلال عمليات نيويورك للصرف
الأجنبي وكذلك النظام المالي الأمريكي بمفهومه الواسع، ووفقا للمراقبين فقد كانت
المخالفات التي تمت لقانون المقاطعة أكثر انتشارا في حالة بنك بي إن بي باريبا
مقارنة بأي بنك آخر في العالم، والتي امتدت خلال الفترة من 2002 – 2012، وأن معظم
معاملات البنك كانت مع السودان، والذي فرضت عليه الولايات المتحدة حظرا منذ 1997،
في معرض اتهاماتها له بدعم الإرهاب والاشتباه بصلاته مع القاعدة، ومخالفة حقوق
الإنسان، بصفة خاصة في دارفور.
صدر قرار المحكمة الفدرالية الأمريكية على البنك بالآتي:
1.
الزام
البنك بدفع غرامة مالية بقيمة 8.97 مليار دولار.
2.
منع
البنك من إجراء بعض أشكال المقاصة على معاملاته الدولارية من خلال فرع البنك في
نيويورك لمدة عام يبدا في منتصف يناير القادم، وذلك عوضا عن الغاء رخصة البنك في
نيويورك، والتي كان من الممكن أن تخرج البنك تماما من الولايات المتحدة، ويشمل
المنع وحدات البنك بما فيها مركز البنك في باريس، ومكاتبه الأخرى المخالفة لقانون
العقوبات في جينيف وبعض المراكز حول العالم، ويعد هذا الحظر نوعا جديدا من
العقوبات التي تطبقها الولايات المتحدة على المؤسسات المالية المخالفة.
3.
مطالبة
البنك أيضا بالتخلص من 13 من كبار موظفيه
بما فيهم كبير رؤساء العمليات شودرون دي كورسيل.
4.
حرمان
البنك من قدرته على أن يكون مراسلا لبنوك أخرى في نيويورك لأغراض مقاصة النقد
الأجنبي لمدة سنتان.
في تبرير لحجم الغرامة، تشير السلطات الأمريكية، أنها تعكس مستوى
المخالفة التي ارتكبها البنك، حيث أن البنك اتخذ اجراءات تحول دون تطبيق قوانين المقاطعة
الأمريكية، وقد أشارت القاضية الأمريكية إلى أن القضية مكتملة الأركان، وأنها
مقتنعة بأن حجم الغرامة يعكس فداحة السلوك المخالف الذي ارتكبه البنك، وأنها
متأكدة بأن هذه الغرامة سوف تحول دون قيام المؤسسات المصرفية الأخرى بنفس السلوك،
وقد حددت القاضية الأمريكية يوم 3 أكتوبر القادم موعدا للنطق الرسمي بالحكم، وهو
ما يعطي البنك فترة كافية للحصول على رد من الحكومة الأمريكية حول الطلب الذي قدمه
لوزارة العمل الأمريكية بالسماح له بالاستمرار في ممارسة أعماله في مجالات صناديق
المعاشات وغيرها من أنشطة إدارة الأصول لعملائه في الولايات المتحدة، حيث أن الحكم
ربما يمنع البنك من ممارسة مثل هذه الأنشطة في الولايات المتحدة أيضا.
بعض المراقبين أكد أن الغرامة الضخمة والعقوبات المصاحبة لها تعكس
حقيقة أن البنك وضع أرباحه في المقام الأول قبل أي اعتبار آخر، على الرغم من تحذير
الحكومة الأمريكية للبنك بضرورة الالتزام بحظر الأنشطة غير القانونية، وأن ما قام
به البنك الفرنسي يشبه اضطلاعه بدور البنك المركزي للحكومة السودانية، كما قد تجاوز
البنك المقاطعة ضد بعض المؤسسات في إيران وكوبا، من خلال تمرير معاملات مالية لهذه
الدول ومؤسساتها من خلال النظام المالي الأمريكي بدون أن ينبه الحكومة الأمريكية
حول طبيعة هذه المعاملات والتي تقع تحت طائلة الحظر الأمريكي.
ومن الواضح ان القاضية تعمدت تضخيم الغرامة على نحو واضح، حيث تتجاوز
كل أرباح البنك مجتمعة والتي حققها في عام 3013، ويصف بعض المراقبين الحكم على أنه
حالة استعراض عضلات واضحة للقوة المالية الامريكية والتي تتماشى بالطبع مع قوتها
السياسية على المستوى العالمي، كما أنه من الواضح أن الحالة تؤكد سيطرة الحكومة
الأمريكية على المعاملات المالية التي تتم بالدولار عبر العالم، حيث ينبغي أن
تلتزم البنوك غير الأمريكية بالسياسة الأمريكية حول العقوبات المالية على الدول
الأخرى، وإلا فإن على هذه البنوك أن تدفع ثمنا باهظا لتحدي قرارات المقاطعة
للحكومة الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة أرادت من خلال هذه القضية إرسال رسالة
واضحة وحاسمة في ذات الوقت للمؤسسات المالية حول العالم والتي يمكن أن تفكر في
تحدي إرادة الولايات المتحدة حول عمليات المقاطعة.
ولقد أثار الحكم حالة عدم رضاء من الطرفين الأمريكي والأوروبي، ففي أمريكا
هناك حالة سخط من أنه لم يقدم أحد من مسئولي البنك للمحاكمة الجنائية على ما
اقترفوه من مخالفات للقانون الأمريكي، وأن ما تم تطبيقه من عقوبات، في صورة تخفيض
المكافآت أو في اجبار مجموعة من أعضاء إدارة البنك على تركه لم يكن كافيا. من
ناحية أخرى فإن الأوروبيين ينظرون إلى الحالة على أنها مثال لاستخدام أمريكا
لثقلها المالي بحظر وصول البنك الى سوق الدولار، لكي تفرض الالتزام على البنوك
وفقا لرؤيتها الخاصة، ومن وجهة النظر الفرنسية، بصفة خاصة، فإن الغرامة غير معقولة
على الإطلاق مثلما صرح وزير الخارجية الفرنسي فابيوس، في الوقت الذي أوضح فيه
البنك المركزي الفرنسي أنه أيا كان ما فعله البنك من مخالفات سيئة، من وجهة النظر
الأمريكية، فإن محاصرة بنك أوروبي على هذا الحجم يمكن أن يضر بالنظام المالي
العالمي وكذلك المنطقة الأوروبية التي تواجه مشكلات اقتصادية اصلا. بل إن هناك اعتقاد
بأن البنوك الأوربية الكبرى الأخرى مثل سوسيتيه جنرال، وكريدي أجريكول، والدويتش
بنك ليست بعيدة عن السلطات الأمريكية التي ربما تتعرض أيضا للعقوبات لنفس
المخالفات، وأنه إذا كان هناك مخالفة فإن العقوبة ينبغي أن تتناسب مع المخالفة.
لقد حاول البنك في البداية التخفيف من حدة الحكم من خلال اللجوء الى
المسئولين على أعلى المستويات في الحكومة الفرنسية، حيث قام الرئيس الفرنسي هولاند
بمناشدة الرئيس الأمريكي التدخل في القضية، لكن الرئيس أوباما رفض التدخل في
القضية باعتبار أن ذلك سيعد تدخلا في
العملية القضائية في الولايات المتحدة، وهو ما يمثل مخالفة صريحة لاستقلال القضاء
الأمريكي. من ناحة أخرى طالب الاتحاد الأوروبي الولايات المتحدة باتخاذ اجراء أكثر
عدالة مع بنك بي إن بي باريبا، في إشارة إلى قسوة الحكم الذي تم في حق البنك.
في أول رد فعل على الحالة، أعلن البنك أنه قام بتصميم قواعد صارمة
للالتزام داخل البنك لمنع تكرار مثل هذه المخالفة، ولكن ما هي الآثار المحتملة
لمثل هذا الحكم القضائي على بنك بي إن بي باريبا؟
من الناحية المالية، يفترض ألا تؤدي الغرامة إلى التسبب في أزمة مالية
للبنك، فالبنك مرسمل بشكل جيد، حيث أن نسبة رأس المال للأصول TIER1 تصل الى 10.6%، كما أنه يتمتع بنسب عالية من
السيولة، ومعدل الرفع المالي له بين 3%-3.7%، وهي نسبة منخفضة في هذا النوع من
النشاط، وقد أعلن البنك أنه سوف يتوقف عن توزيع أرباح لهذا العام. صحيح أن البنك
صدم البنك بحجم الغرامة، لكن أغلب المراقبين يرون بأن البنك سوف يتجاوز الأزمة
بسهولة دون أن يؤثر ذلك على صحة البنك من الناحية المالية وقدرته على النمو على
المدى الطويل.
غير أن صدمة البنك كانت أكثر بقرار دائرة الخدمات المالية الأمريكية
بمنع البنك من إجراء بعض أشكال المقاصة على معاملاته الدولارية، ولا شك أن هذا
الوضع سوف يشكل تحديا كبيرا للبنك في كيفية تسوية المعاملات الدولارية التي ستتم
من خلال هذه الوحدات، إذ لا يمكن لأي بنك في العالم، أيا كان مركزه، أن يقدم خدمات
للعملاء بدون أن تتوافر له القدرة على الاتصال بالسوق العالمي للدولار، والذي
بالطبع لا يمكن الوصول اليه بدون أن يكون البنك ملتزما تماما بالنظم الأمريكية
الخاصة بالتعامل بالدولار على المستوى العالمي. فمن وجهة نظر الحكومة الأمريكية
تؤدي مخالفة هذه النظم إلى تسهيل عمليات تمويل الإرهاب أو العمليات الأخرى التي
ترى الحكومة الأمريكية أنها تمثل خطرا على العالم، لأن الدخول في تسهيل معاملات
مالية لدول ترى الولايات المتحدة انها ترعى الإرهاب، تشكل خطرا على السلام
العالمي.
إن حظر تعامل البنك في سوق المعاملات الدولارية يعد أمرا مدمرا لبنك
دولي مثل البي ان بي باريبا، فالدولار هو العملة الرئيسة للعالم، صحيح أن البنك
يمكنه أن يلجأ إلى بنوك أخرى لتسوية المعاملات الدولارية لعملائه خلال فترة الحظر،
على النحو الذي يساعد البنك في التعايش مع الحظر، إلا أن الخوف الأساسي يتمثل في
احتمال لجوء عملاءه الى البنوك الأخرى، وهو ما قد يؤدي الى فقدانهم للأبد.
قد يتساءل البعض هنا، ولماذا يجب على بنك فرنسي مثل بي إن بي باريبا
بحجمه الضخم على المستوى العالمي أن ينصاع لمثل هذه الأحكام للحكومة الأمريكية؟
الإجابة هي، لسوء حظ البنك، أنه ليس لديه في الواقع أي خيار آخر سوى الانصياع، حيث
ينبع هذا الانصياع من القوة التي يتمتع بها الدولار كعملة عالمية، باعتباره أداة
التسوية الأساسية للمعاملات المالية التي تتم بالنقد الأجنبي حول العالم.
فوفقا لتقرير بنك التسويات الدولية الأخير عن حجم عمليات سوق النقد
الأجنبي، ذكر البنك أن حجم المعاملات اليومية في العالم يقدر بحوالي 5.3 تريليون
دولار يوميا، وأن 87% من هذه المعاملات اليومية تتم من خلال الدولار الأمريكي،
معنى ذلك أنه لا يمكن لأي بنك في العالم يدخل في معاملات تتم بالنقد الأجنبي أن
يتجنب التعامل بالدولار، فعمليات تمويل التجارة الخارجية، وعمليات تحويل الثروات
والعمليات المالية الأخرى التي تتم عبر الحدود تتم أساسا بالدولار، ولا يوجد خيار
فعلي أمام البنوك على مستوى العالم سوى بالتعامل بهذه العملة وعدم القدرة على
تجنبها، إن كانت بالفعل تسعى لأن يكون لها حصة في المعاملات المالية التي تتم
سنويا على مستوى العالم، ولعل هذا هو السر الذي يكشف حقيقة أن أي مقاطعة اقتصادية
لأي دولة في العالم لن تكون ناجحة ما لم تشمل الولايات المتحدة، والتي تملك مفاتيح
الوصول الى مركز المقاصة العالمي للدولار، حيث تمثل الباب شبه الوحيد للوصول الى
هذا النظام، فكل الطرق في النظام المالي العالمي لا تؤدي سوى إلى وجهة واحدة وهي
نيويورك، والنظام المالي العالمي قائم على الدولار، وهو وضع استثنائي بلا شك لا تفضله
الكثير من دول العالم، وعلى رأسها الصين ومجموعة دول البريكس، ولكنها من الناحية
العملية لا تستطيع فعل أي شيء حياله.
وأخيرا من المفترض من الناحية النظرية أن فرنسا يمكنها الرد على الحكم
الأمريكي بالبحث عن الوسائل التي يمكن أن تؤلم بها الولايات المتحدة في نظير هذه
المعاملة لأكبر بنوكها، ولكن السؤال الجوهري هو، هل فعلا تملك فرنسا هذه الأوراق،
الإجابة هي لا، ليس إلى الحد الذي يمكنها من توجيه ضربات موجعة للولايات المتحدة
لتجبرها على مراجعة موقفها بالنسبة للبنك، ربما أقصى ما تملكه الحكومة الفرنسية هو
إعلانها عدم التعاون مع الولايات المتحدة في القضايا الخاصة بسياساتها الخارجية،
أو التضييق على المؤسسات المالية الأمريكية العاملة في فرنسا، وهو أمر ربما لن يضر
الولايات المتحدة كثيرا، بل ويمكن أن تدفع فرنسا ثمنا باهظا إذا ما حاولت اللجوء
اليه، إلا إذا استطاعت فرنسا بالفعل أن تجيش الاتحاد الأوروبي خلف الحالة، ولكني
أعتقد أن الاتحاد الأوروبي لا يمكن أن يقدم على مثل هذه الخطوة لبنك أعلن بالفعل
أنه خالف النظم الأمريكية في المقاطعة وسمح لدول تقاطعها أمريكا، وأيضا يقاطعها
الاتحاد الأوروبي، بأن تصل الى السوق العالمي للدولار.
لكل هذه الأسباب لم يجد بي ان بي باريبا من بد سوى الخضوع للحكم
ومحاولة تخفيف وقع الغرامة على المركز المالي للبنك، وتنفيذ أية تعليمات تصدرها
المحكمة في هذا المجال مثل التسريح الإجباري لعدد من كبار العاملين فيه.
تجدر الإشارة إلى أن بنك بي إن بي باريبا لن يكون الأخير في قائمة
البنوك التي سيتم معاقبتها، فحاليا ينظر المدعي العام الأمريكي في قائمة البنوك
الكبرى المشكوك في أنها ارتكبت مخالفات مماثلة لتقديمها للمحاكمة أمام المحاكم
الأمريكية، ولعل الحكم الذي أصدر في حق البنك كان بمثابة رسالة تحذير للبنوك
الأخرى فحواها أنه لا يوجد بنك يمكن أن يفلت من العقاب، مهما بلغ حجم هذا البنك،
وقد طالت يد العدالة الأمريكية العديد من البنوك مثل رويال بنك أوف سكوتلاند، الذي
دفع 100 مليون دولارا، وفي العام الماضي دفع بنك ستاندارد تشارترد 667 مليون
دولارا على معاملات غير قانونية في الدولار، وفي 2012 تم دفع 1.9 مليار دولار في
2012 من جانب بنك أتش إس بي سي، ووفقا للتقديرات المتاحة فإن اجمالي الغرامات التي
فرضت خلال الأعوام 2012-2014 على 5 بنوك أمريكية وأجنبية هي جي بي مورجان تشيز،
وبنك أوف أمريكا، وبي إن بي باريبا، وويلز فارجو، وكريدي سويس بلغت 75.8 مليار دولار، وهكذا من الواضح أن الولايات المتحدة تستخدم
قوتها المالية في أن تفرض غرامات على البنوك التي تخالف نظم المقاطعة التي تفرضها
هي، حتى وإن كان ذلك من وجهة نظر القوانين الأخرى لا يعد مخالفة قانونية.
ولا شك ان مثل هذه الأحكام التي اصدرها القضاء الأمريكي خلال السنوات
القليلة الماضية، هدفت الى خلق مناخ مختلف لطريقة عمل البنوك، حيث أصبحت البنوك
اليوم مجبرة على اجراء المعاملات بصورة محددة، تتوافق أساسا مع رؤية الولايات
المتحدة لما هو عدو وما هو صديق، ومن يجب أن يتم التعامل معه مصرفيا، ومن لا يجب، وحتى
ولو كانت القوانين المحلية لتلك البنوك تسمح بتلك المعاملات، فإنها تعد محظورة على
البنوك أيا كانت جنسيتها، بصفة خاصة أصبحت رؤية البنوك لمخاطر التعامل في السوق
العالمي للدولار مختلفة اليوم بصورة جوهرية، عندما يتعاملون في عمليات المقاصة في
الدولار.
فهل أساءت الولايات المتحدة استخدام قوتها المالية في معاقبة البنوك
الأجنبية نظير الاستهانة بالعقوبات الأمريكية؟ وهل بالفعل ينبغي على مؤسسة مالية
أجنبية أن تلتزم بما تراه حكومة دولة أجنبية على أنه تحد لحقوق الإنسان وتمويلا
للإرهاب من وجهة نظرها هي؟ وهل مثل هذه الملاحقات القضائية الأمريكية هي تدخل
للقضاء الأمريكي في مجال المعاملات المصرفية الدولية؟ وهل أصبحت
الغرامات على البنوك التي تعتبرها الولايات المتحدة مخالفة لقواعد الالتزام الخاصة
بها أحد مصادر دخل الخزانة الأمريكية اليوم؟ كل هذه الأسئلة لم
يتناولها أحد بالتحليل المناسب.
وأخيرا حسنا فعلت الحكومة الكويتية مؤخرا بإقرار قانون الالتزام
المالي على المؤسسات المالية والمعروف باسم الفاتكا، كي تجنب البنوك في الكويت
احتمالات التعرض لمثل هذه الأحكام القاسية.
ماشاء الله عليك دكتور بحث موضوعي متكامل .. يعطيك العافية
ردحذف