أعلن المهندس سلطان بن سعيد المنصوري وزير الاقتصاد الإماراتي في تصريح له لصحيفة "الاتحاد" الإماراتية يوم الرابع من أيلول (سبتمبر) الماضي بأن وزارته تعمل حاليا على إصدار مجموعة من التشريعات التي تستهدف تحسين البيئة الاقتصادية في الإمارات من بينها قوانين: الاستثمار، المنافسة، الصناعة، حماية المستهلك، مدققي الحسابات، مكافحة الغش التجاري والتدليس في المعاملات التجارية، إلى جانب تعديل المرسوم الاتحادي "رقم 7 لعام 2005" في شأن المصادقة على القانون الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية لدول مجلس التعاون الخليجي.
الإعلان الذي قام به وزير الاقتصاد الإماراتي يعد خطوة في غاية الأهمية لمعالجة ضعف نظام مكافحة الإغراق في دول المجلس، ذلك أنه على الرغم من إصدار دول مجلس التعاون لما يسمى بالنظام الموحد لمكافحة الإغراق في المنطقة، فإن قدرة دول مجلس التعاون على حماية أسواقها من مخاطر الإغراق ما زالت ضعيفة، لعوامل عدة.
تتمثل المشكلة الأساسية لدول مجلس التعاون في أن أسواقها مفتوحة على مصراعيها، وتنقصها في الغالب أجهزة فعالة للتقييس والجودة، لذلك تنتشر في أسواقها السلع من كل الأشكال، الجيدة والرديئة، وكثير من الأحيان المقلدة، التي قد تحمل مخاطر يمكن أن تصيب من يستهلكونها بالضرر، ومثل هذا الهيكل للسوق يكون مليئا بالثغرات التي تمكن المصدر الأجنبي أو الوكيل المحلي، من استخدام ممارسات قد تؤدي إلى إجهاض الصناعات الوطنية، إما عن قصد، وإما دون قصد. لكن الأهم من ذلك كله، أنه في ظل هذه الأوضاع يسهل تعرضها للإغراق دون حتى يتم اكتشافه.
لطالما كشفت المسوحات الصناعية التي تجرى على المصانع الوطنية في دول المجلس عن أن أحد أهم شكاواهم، إضافة إلى المشكلات المرتبطة بتوافر الأراضي والتمويل والعمالة وتعقد القيود الحكومية وغير ذلك من القيود على بيئة الأعمال، هي الإغراق، حيث تتعرض الأسواق التي يعملون فيها إلى إغراق ممنهج من الدول التي تنتج صناعات مثيلة، خصوصا من الدول الناشئة كالصين.
يعد الإغراق إحدى الممارسات المرتبطة بعملية تحديد الأسعار للأسواق المختلفة من جانب المنتج المصدر لسلعة ما، وذلك عندما يقوم بتحديد سعر لها في السوق الخارجية أقل من السعر الذي يبيعه بها في داخل بلده، أو أقل من تكلفة إنتاجها، حيث تكون هذه الفروق في الأسعار بين الداخل والخارج غير مبررة بفروق التكلفة، وينظر إلى الإغراق على أنه نوع من التمييز السعريPrice Discrimination الذي يقوم به المنتج بسبب أوضاعه الاحتكارية في السوق، وعلى النحو الذي يمكنه من فرض أكثر من سعر للسلعة نفسها استنادا إلى طبيعة الأسواق الذي يبيع فيها، ويهدف الإغراق إما إلى التخلص من فوائض الإنتاج أو إخراج المنافسين من السوق في الخارج، ومثل هذه الممارسات تضر بالمنتجين المحليين في الدول المستوردة، ولذلك يعد الإغراق من الممارسات التجارية غير العادلة وفقا للقانون التجاري الدولي.
يعد الإغراق خطرا كبيرا على المنتجين المحليين، ذلك أن مشكلة هذا النوع من التمييز السعري هي أنه إذا مورس على نطاق واسع فإنه يمكن أن يجهض أي جهود محلية للنمو في مجال السلع التي يتم الإغراق فيها، لذلك إذا ثبت بالفعل أن المصدر الخارجي يمارس الإغراق، يصبح من حق الدولة المستوردة أن تتخذ إجراء مضادا تواجه به هذا الإجراء من جانب المصدر، على سبيل المثال أن تفرض عليه رسوما جمركية خاصة على النحو الذي يرفع سعر السلعة، بحيث تفوت عليه الفرصة من عملية التسعير المنخفض لسلعته، أو أن تطالبه بالتعويض عن الأضرار التي تسبب فيها نتيجة ممارسة سياسة الإغراق، أو غير ذلك.
نظرا للشكاوى المستمرة بين أصحاب الصناعات في دول مجلس التعاون من أن دولهم لا تحمي صناعاتها الوطنية من المنافسة الأجنبية كما يجب، وأن السوق المحلية تتعرض بصورة مستمرة لحالات إغراق أو عدم التزام بالمواصفات، أو غير ذلك من الممارسات التجارية الضارة من جانب الصناعات الأجنبية، سواء على أيدي الوكلاء المحليين أو المصدرين الأجانب، الأمر الذي يضع الصناعات الوطنية في وضع تنافسي أسوأ، حيث يجد المنتج الصناعي الوطني نفسه في وضع غير متكافئ مع المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج، فقد تم إصدار النظام الموحد لمكافحة الإغراق والتدابير التعويضية والوقائية بقرار من المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في دورته الرابعة والعشرين، المنعقدة في الكويت خلال الفترة من 27 ـــ 28 شوال 1424هـ الموافق 21 ــ 22 كانون الأول (ديسمبر) 2003.
وقد فرض النظام الموحد لمكافحة الإغراق لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تدابير مكافحة الإغراق أو التدابير التعويضية على السلع المستوردة للدول الأعضاء، حيث إذا ثبت أن السلعة المستوردة تسببت في الإغراق، أو تم تقديم دعم لها، وألحقت ضررا ماديا بصناعة خليجية قائمة، أو هددت بوقوع مثل هذا الضرر، أو حدث ضرر نتيجة لذلك يتعذر إصلاحه، يتم اتخاذ تدابير مؤقتة وفقا للشروط والأوضاع المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية، بما في ذلك فرض الرسوم الجمركية أو القيود الكمية أو الشكلين معا. كما نص على الإجراءات والتدابير التي ستتخذ لمواجهة الحالات الناشئة عن الإغراق، الإجراءات التي تتخذ لمواجهة الدعم المحظور أو الدعم المقابل للتقاضي، وكذلك التدابير التي تتخذ في حالة الزيادة غير المبررة في الواردات.
غير أن الأوضاع على الأرض تشير إلى أنه على الرغم من صدور النظام الموحد لمكافحة الإغراق في دول المجلس، فإنه من الواضح أنه غير مفعل على النحو المناسب، بحيث يقدم الحماية المناسبة للصناعات الوطنية في دول المجلس من مخاطر الإغراق، وأن إصلاح هذا النظام، حيث يوفر الحماية المناسبة للمنتجات الوطنية في دول المجلس يجب أن يحتل أهمية على النحو الذي يتناسب مع المخاطر التي يتسبب فيها الإغراق.
فمن الواضح أن دول مجلس التعاون لا تقاوم الإغراق بشكل مناسب، الأمر الذي يضر بآفاق تنمية الصناعات المحلية في المنطقة، وذلك بسبب المنافسة الشرسة من المنتجين الأجانب أو على يد وكلائهم المحليين، فعلى الرغم من أن الإغراق هو إحدى الشكاوى المستمرة للصناعيين في دول المجلس، إلا أن مقاومة الإغراق تعد محدودة نظرا لضعف القدرات الفنية والقانونية لاكتشاف وإثبات حالات الإغراق، ونظرا لضعف الكوادر الفنية التي يمكن أن تكتشف حالات الإغراق، أو حتى في الحالات التي يتم كشفها أن تقوم بإثبات حالة الإغراق من الناحية القانونية، أو حتى تحديد حجم الآثار السلبية التي ترتبت على ذلك، فإن عمليات الإغراق تستمر دون أن تتمكن دول المنطقة من مكافحتها وحماية المنتج المحلي بشكل خاص، والأسواق بشكل عام من خطرها.
إن الأهم من إصدار القوانين هو الاستعداد الفني والقانوني، بفرق فنية متخصصة وكوادر قانونية تستطيع أن تحاصر عمليات الإغراق وتبني على أساسها حالات مثبتة تمكنها من طلب التعويض المناسب، أو فرض الغرامات المناسبة أو غير ذلك. فعلى الرغم من التعريف المبسط للإغراق إلا أن عمليات إثبات حدوثه وتقييم الأضرار التي تنشأ عنه مسألة ليست سهلة وتحتاج إلى خبراء ذوي قدرات فنية وقانونية مرتفعة.
ولقد آن الأوان لأن تقوم دول مجلس التعاون بتحديث نظامها الموحد لمكافحة الإغراق، ولتطبيق القوانين الخاصة بمكافحة الإغراق على نحو كفء، لحماية أسواقها وصناعاتها الوطنية، ومن هذا المنطلق تحتل الجهود التي تبذل في وزارة الاقتصاد الإماراتية في هذا الجانب أهمية خاصة في هذا المجال.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق