صناعة مصرية، عبارة اعتدت أن أراها تملأ المحلات والأسواق في مصر وأنا صغير.
كان المنتج الأجنبي أو المستورد (صناعة بره) لا يوجد في الأسواق، عدا بعض البقع الشهيرة التي كانت تباع فيها بعض السلع المهربة من الخارج مثل الملابس، كشارع الشواربي في وسط القاهرة، أو سوق ليبيا، أو من خلال ما يسمى "تجار الشنطة"، وهي السلع التي يهربها بعض المصريين أثناء عودتهم من الخارج.
كانت مصر قد بدأت نهضتها الصناعية في أواخر الخمسينيات بإنشاء عدد ضخم جدا من المصانع في كافة المجالات، فكان تقريبا كل شيء يصنع في مصر، بدءا من الإبرة حتى الصاروخ، مرورا بالسيارات والراديوهات، والتليفزيونات، والثلاجات والغسالات وبالطبع بالملابس والكهربائيات. كل السلع الاستهلاكية كانت تصنع في مصر.
...
كان من الممكن أن تصبح مصر اليوم دولة صناعية لا يشق لها غبار، لولا توجهها الأساسي نحو الداخل، وعدم اهتمامها بالتصدير أو المنافسة، وذلك في ظل إداراتها السيئة، ومناخها السياسي غير المناسب. لو طورت مصر صناعاتها، واهتمت بالبحث والتطوير واعتماد مفاهيم الإنتاجية والتنافسية والجودة، والإدارة المتخصصة الكفؤة لا الإدارات القائمة على المحسوبية والولاء، والتوجه نحو الخارج لكان لها شأنا آخر اليوم.
...
قامت الصناعة المصرية على مبدأ الإحلال محل الواردات، بمعنى آخر، النظر إلى قائمة ما تستورده البلاد، ليتم إنشاء مصنع لها في مصر ليغلق في اليوم التالي باب استيرادها من الخارج. نجحت هذه السياسة في البداية في تخفيض الضغوط على الجنيه المصري نحو التراجع، وظل محافظا على قيمته أمام العملات العالمية لفترة طويلة، حتى بدأ الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، الذي دق أول وتدين في ظهر الصناعة المصرية، الأول بفتح باب الاستيراد من الخارج تحت ما يسمى "نظام الاستيراد بدون تحويل عملة"، وتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة، والتي أصبحت بابا خلفيا للاستيراد الحر من الخارج ثم تهريب تلك السلع المستورد الى داخل البلاد، لتضغط على المصانع القائمة في الداخل.
...
مشكلة الصناعة المصرية بعد الثورة أنها بدأت في القطاع العام، أو تم تأميمها من أصحابها الذين أنشأوها وطوروها وتحويلها إلى مصانع تملكها الدولة، بإدارات غير متخصصة في الغالب، وكان توظيف العمال فيها يتم على أساس خلق فرص عمل لمصري، وفي أحيان كثيرة بغض النظر عن تخصصه.
...
اهتم قادة الصناعة المصرية في القطاع العام بالكم، ولم يلقوا أي بال للكيف أو النوعية أو الجودة. وكان الأداء يقاس بأرقام وقيم فقط، وبالتالي معدلات نمو، ولأن السوق كان مغلقا على الصناعة المصرية بمنع استيراد السلع المنافسة لها، فقد لاقت نجاحا في البداية لأن المستهلك لم يكن أمامه خيار. أبسط مثال على ذلك ما كان يطلق عليه الثلاجة آيديال" والتي كانت النوع الوحيد من الثلاجات الذي يوجد في مصر كلها، وكانت عبارة عن صندوق أبيض لم تتغير ملامحه لعشرات السنين منذ إنشاء المصنع حتى التسعينيات تقريبا، كان مصنع آيديال يتمتع باحتكار لصناعة الثلاجات، وكان الهم الأساسي لمن يديرونه هو استيفاء حاجة السوق المحلي، دون استثمار في البحث والتطوير أو بذل أي مجهود في تحسين خصائص المنتج، لذلك انهار الطلب على المصانع مع أول سماح باستيراد الثلاجات من الخارج، والتي أظهرت مدى تخلف المنتج وتخلف القائمين على إدارة تلك المصانع.
...
نفس القصة تكررت مع باقي مصانع القطاع العام، فلم تستطع الصناعة المصرية أن تواجه المنتجات المنافسة لها بجودتها العالية وبأسعارها المنخفضة، وبتطورها وكفاءتها، بعد أصبحت ذات سمعة سيئة، بينما أصبحت عبارة مستورد من الخارج حتى ولو من الصين، لها رنين خاص في أذن المصريين. أما عبارة "صنع في مصر" فلم نعد نراها إلا نادرا اليوم في مصر. وأصبح القطاع الصناعي في مصر هزيلا، لا كفاءة، ولا جودة، ولا تنافسية.. الخ.
...
إقالة الصناعة المصرية من عثرتها، وعودة عبارة صنع في مصر أو صناعة مصرية مرة أخرى تعتبر تحد كبير في عالم اليوم. شخصيا أراها مهمة شبه مستحيلة، وتتطلب استراتيجيات خاصة ونوعية مختلفة من رجال الأعمال غير هؤلاء الذين تعج بهم مصر في الوقت الحالي، وهيكل حوافز مناسب للصناعيين، وفوق هذا كله، عمال ذوي تعليم كفء، لا التعليم القائم على الدروس الخصوصية، مهندسين أكفاء وباحثين مدربين ومتخصصين في الابتكار وتطوير المنتجات، ومسوقين دوليين على دراية بالأسواق العالمية واحتياجاتها .. الخ، قائمة طويلة جدا من المتطلبات الضرورية لقيام صناعة تنافسية مرة أخرى.
كان المنتج الأجنبي أو المستورد (صناعة بره) لا يوجد في الأسواق، عدا بعض البقع الشهيرة التي كانت تباع فيها بعض السلع المهربة من الخارج مثل الملابس، كشارع الشواربي في وسط القاهرة، أو سوق ليبيا، أو من خلال ما يسمى "تجار الشنطة"، وهي السلع التي يهربها بعض المصريين أثناء عودتهم من الخارج.
كانت مصر قد بدأت نهضتها الصناعية في أواخر الخمسينيات بإنشاء عدد ضخم جدا من المصانع في كافة المجالات، فكان تقريبا كل شيء يصنع في مصر، بدءا من الإبرة حتى الصاروخ، مرورا بالسيارات والراديوهات، والتليفزيونات، والثلاجات والغسالات وبالطبع بالملابس والكهربائيات. كل السلع الاستهلاكية كانت تصنع في مصر.
...
كان من الممكن أن تصبح مصر اليوم دولة صناعية لا يشق لها غبار، لولا توجهها الأساسي نحو الداخل، وعدم اهتمامها بالتصدير أو المنافسة، وذلك في ظل إداراتها السيئة، ومناخها السياسي غير المناسب. لو طورت مصر صناعاتها، واهتمت بالبحث والتطوير واعتماد مفاهيم الإنتاجية والتنافسية والجودة، والإدارة المتخصصة الكفؤة لا الإدارات القائمة على المحسوبية والولاء، والتوجه نحو الخارج لكان لها شأنا آخر اليوم.
...
قامت الصناعة المصرية على مبدأ الإحلال محل الواردات، بمعنى آخر، النظر إلى قائمة ما تستورده البلاد، ليتم إنشاء مصنع لها في مصر ليغلق في اليوم التالي باب استيرادها من الخارج. نجحت هذه السياسة في البداية في تخفيض الضغوط على الجنيه المصري نحو التراجع، وظل محافظا على قيمته أمام العملات العالمية لفترة طويلة، حتى بدأ الانفتاح الاقتصادي في عصر السادات، الذي دق أول وتدين في ظهر الصناعة المصرية، الأول بفتح باب الاستيراد من الخارج تحت ما يسمى "نظام الاستيراد بدون تحويل عملة"، وتحويل بورسعيد إلى منطقة حرة، والتي أصبحت بابا خلفيا للاستيراد الحر من الخارج ثم تهريب تلك السلع المستورد الى داخل البلاد، لتضغط على المصانع القائمة في الداخل.
...
مشكلة الصناعة المصرية بعد الثورة أنها بدأت في القطاع العام، أو تم تأميمها من أصحابها الذين أنشأوها وطوروها وتحويلها إلى مصانع تملكها الدولة، بإدارات غير متخصصة في الغالب، وكان توظيف العمال فيها يتم على أساس خلق فرص عمل لمصري، وفي أحيان كثيرة بغض النظر عن تخصصه.
...
اهتم قادة الصناعة المصرية في القطاع العام بالكم، ولم يلقوا أي بال للكيف أو النوعية أو الجودة. وكان الأداء يقاس بأرقام وقيم فقط، وبالتالي معدلات نمو، ولأن السوق كان مغلقا على الصناعة المصرية بمنع استيراد السلع المنافسة لها، فقد لاقت نجاحا في البداية لأن المستهلك لم يكن أمامه خيار. أبسط مثال على ذلك ما كان يطلق عليه الثلاجة آيديال" والتي كانت النوع الوحيد من الثلاجات الذي يوجد في مصر كلها، وكانت عبارة عن صندوق أبيض لم تتغير ملامحه لعشرات السنين منذ إنشاء المصنع حتى التسعينيات تقريبا، كان مصنع آيديال يتمتع باحتكار لصناعة الثلاجات، وكان الهم الأساسي لمن يديرونه هو استيفاء حاجة السوق المحلي، دون استثمار في البحث والتطوير أو بذل أي مجهود في تحسين خصائص المنتج، لذلك انهار الطلب على المصانع مع أول سماح باستيراد الثلاجات من الخارج، والتي أظهرت مدى تخلف المنتج وتخلف القائمين على إدارة تلك المصانع.
...
نفس القصة تكررت مع باقي مصانع القطاع العام، فلم تستطع الصناعة المصرية أن تواجه المنتجات المنافسة لها بجودتها العالية وبأسعارها المنخفضة، وبتطورها وكفاءتها، بعد أصبحت ذات سمعة سيئة، بينما أصبحت عبارة مستورد من الخارج حتى ولو من الصين، لها رنين خاص في أذن المصريين. أما عبارة "صنع في مصر" فلم نعد نراها إلا نادرا اليوم في مصر. وأصبح القطاع الصناعي في مصر هزيلا، لا كفاءة، ولا جودة، ولا تنافسية.. الخ.
...
إقالة الصناعة المصرية من عثرتها، وعودة عبارة صنع في مصر أو صناعة مصرية مرة أخرى تعتبر تحد كبير في عالم اليوم. شخصيا أراها مهمة شبه مستحيلة، وتتطلب استراتيجيات خاصة ونوعية مختلفة من رجال الأعمال غير هؤلاء الذين تعج بهم مصر في الوقت الحالي، وهيكل حوافز مناسب للصناعيين، وفوق هذا كله، عمال ذوي تعليم كفء، لا التعليم القائم على الدروس الخصوصية، مهندسين أكفاء وباحثين مدربين ومتخصصين في الابتكار وتطوير المنتجات، ومسوقين دوليين على دراية بالأسواق العالمية واحتياجاتها .. الخ، قائمة طويلة جدا من المتطلبات الضرورية لقيام صناعة تنافسية مرة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق