الأحد، نوفمبر ٢١، ٢٠١٠

رسم كارتوني عن خطة التقشف البريطانية

سبق ان كشفت وكالات الأنباء عن خطة التقشف التي تنوي الحكومة البريطانية تنفيذها لإنقاذ بريطانيا من الإفلاس ولتخفيف الضغوط على الميزانية العامة والحد من العجز فيها. الخطة تتضمن قطع كثير من التسهيلات المالية التي كانت الحكومة تقدمها، فضلا عن أنها ستؤدي إلى إلغاء حوالي نصف مليون وظيفة، مما يعني ان الخطة سوف تعقد من مشكلة البطالة المرتفعة أصلا. خطة التقشف ستطال قطاعات عديدة في الاقتصاد البريطاني منها الإسكان والتعليم ــ بصفة خاصة الجامعي، والنقل، والبوليس، والدفاع. من ناحية أخرى فان المساعدات المختلفة سوف تتأثر بصورة واضحة، الخطة تلاقي معارضة شعبية شديدة، نظرا لأنها ستقلص دور الدولة في المملكة المتحدة بصورة جذرية.

وسط هذا الاضطراب الاقتصادي/الاجتماعي قام القصر الملكي بإطلاق صاروخ على الحملات المعارضة لخطة التقشف بالإعلان عن زواج الأمير وليام ابن الأمير تشارلز أمير ويلز وابن الأميرة الراحلة ديانا، والذي يحتل الترتيب الثاني، بعد والده، في عرش بريطانيا من صديقته كيت ميدلتون. توقيت إعلان الزواج مثير بالفعل للشكوك لأنه ليس من المنتظر ان يتم الزواج إلا في الصيف القادم، أو ربما في الربيع. ما ان تم الإعلان عن الزواج حتى أخذت محال الهدايا المختلفة في عرض المنتجات التي تخلد ذكرى الزواج مثل الأكواب والأطباق .. الخ. التي تحمل صورة العروسين، والتي ينتظر ان يتم بيع ما يقارب المليار جنيه إسترليني من هذه القطع.

من وجهة نظر الهيرالد تريبيون فإن الإعلان عن الزواج الملكي لم يكن بريئا، وتم توظيفه لأغراض سياسية. في هذا الكارتون الذي يصور رجل الشارع الذي يبدو أنه يشترك في مظاهرة شعبية ضد الخطة ويمسك بإعلان ترجمته "لا للتخفيضات الوحشية" في الإنفاق. ولإلهاء رجل الشارع تم وضع إعلان عن صورة الزواج الملكي للأمير وصديقته، لاحظ أن المسئول الحكومي يشير إلى صورة الأمير وليام وصديقته ويقول له "انظر إلى الزواج الملكي"، وبينما يقوم بإلهائه يحاول سرقة المال من جيبه، والمقصود بسرقة المال هنا هو أن من سيدفع تكلفة هذه الخطة هم الفقراء والعاطلين الذين سيكونون أكثر من سيتأثر بهذه الخطة.




هذا المشهد شهدته كثيرا، وتجيده الحكومات في أوقات الأزمات السياسة، من خلال إطلاق فرقعة مفتعلة لتشتيت انتباه الجمهور. أهم ما أتذكره في هذا المجال حادثين، الأول في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، عندما تمكن الجيش الإسرائيلي في 5 يونيو من هزيمة الجيش المصري هزيمة ساحقة، أطلق عليها لاحقا نكسة 5 يونيو، وما إن تم إعلان انسحاب الجيش المصري من سيناء منهزما، حتى اطل علينا صاحب الطلعة البهية والنبرة القوية في يوم 9 يونيو ليعلن للشعب أنه قرر أن يتنحى عن رياسة الجمهورية، لتبدأ الفرقعة الكبرى بتسيير المظاهرات في كل أنحاء مصر يومي 9 و 10 يونيو للمطالبة بعودة الرئيس الهمام، وبالفعل اطل علينا عبد الناصر مرة أخرى ليعلن أنه قد قرر تأجيل قراره بالتنحي حتى يزيل آثار العدوان (يقصد الهزيمة الساحقة) قائلا "إني مقتنع بالأسباب التي بنيت عليها قرارى، وفى نفس الوقت فإن صوت الشعب بالنسبة لي أمر لا يرد، ولهذا فإن القرار مؤجل". تحولت الأنظار من الهزيمة الكبرى إلى مسألة عودة الزعيم إلى الحكم، وشكره على انه قبل دعوة الجماهير العارمة له بالعودة. ترى لو ظل عبد الناصر حتى انتصر على اليهود كان سيتنحى وقتها عن الحكم؟ مجرد سؤال خطر على ذهني.

المشهد الثاني هو أنه في أكتوبر 1985 تم اختطاف العبارة الإيطالية "أكيلي لاورو" وهي في طريقها من الإسكندرية إلى بورسعيد بواسطة مجموعة من الفلسطينيين للرد على الهجوم الإسرائيلي على مركز القيادة الفلسطينية في تونس، وأثناء الاختطاف تم قتل أحد الرهائن الأمريكيين، تمكنت مصر بعد مفاوضات مع الخاطفين من تحرير السفينة في نظير ضمانات لنقلهم إلى تونس على متن طائرة مصرية، بالطبع اطلع جواسيس أمريكا في مصر المخابرات الأمريكية عن الخطة وتوقيت الإقلاع، فقامت الطائرات العسكرية الأمريكية باعتراض الطائرة في الجو واختطافها وتم القبض على مختطفي السفينة. التوصيف القانوني للعملية الأمريكية هي أنها قرصنة جوية من الدرجة الأولى، إلا أنها من الناحية العملية كانت صفعة شديدة على جبين مصر، وثار المصريون وانتشرت المظاهرات التي تندد بالعملية التي تمت على نمط أفلام الكاوبوي التي تنتجها هوليوود. كان الموقف حرجا جدا للرئيس مبارك وللحكومة المصرية، وكان لا بد من القيام بفرقعة شديدة للفت الانتباه عما يحدث، فتفتقت أذهان شياطين السياسة عن إطلاق الدعوة إلى سداد ديون مصر، على أساس ان الديون تكبل القرار السياسي المصري، وبالفعل تحولت الموضوعات في كافة وسائل الإعلام 180 درجة من السيادة المصرية التي انتهكت، إلى كيفية سداد ديون مصر، وكيف يمكن ان يساهم العامل والفلاح والطالب ورجل الشارع في ذلك، وتحولت إلى مادة للكتابة في الصحف وحتى في موضوعات التعبير في مقرر اللغة العربية في المدارس، أتذكر أنني كنت وقتها أبدأ دراستي لدرجة الدكتوراه، وجاءني خطاب الملحق الثقافي في لندن عن أهمية التبرع لسداد ديون مصر، فغرقت في الضحك على ضحالة الفكرة وصاحبها. المهم تمكنت الفرقعة الكبيرة من صرف الأنظار عن الموضوع الأساسي، ولم يتمخض عنها سداد دولارا واحدا من ديون مصر، ولكن المهم أنها ساعدت في صرف الجماهير عما قد يمكن أن يثير غضب العم سام.




هناك تعليقان (٢):

  1. موضوع شيق و أثار إنتباهنا لحركة سياسية .. لدينا في الكويت فرقعات حكومية متكررة و قضايا ضلت الطريق بعد الفرقعات للأسف.

    شكرا دكتور

    ردحذف