الخميس، مايو ١٠، ٢٠١٢

منطقة اليورو بين الحاجة إلى النمو وضرورة التقشف 1/2

نشر في صحيفة الاقتصادية بتارخ الثلاثاء 8/5/2012


تمر منطقة اليورو (17 دولة) بظروف اقتصادية غاية في الصعوبة حاليا حيث تتعدد مكامن الخطر في المنطقة والتي يمكن أن تنطلق منها في أي لحظة، لا قدر الله، أزمة العالم القادمة، فبعد أن توقف النمو تقريبا في المنطقة خلال الربعين الثاني والثالث من عام 2011 حيث اقتصر معدل نمو الناتج على 0.1%، فإن أحدث التقارير تشير إلى أن الربع الرابع من العام الماضي شهد معدل نمو سالب في الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة اليورو بمعدل 0.3%. أما على الأساس السنوي فقد اقتصر معدل النمو في منطقة اليورو على 1.4% فقط في عام 2011، وذلك مقارنة بمعدل نمو 1.9% في عام 2010، الجدول رقم (1) يوضح أن أكبر تراجع في معدلات نمو الناتج تحقق في الدول المعروفة بمجموعة الـ PIIGS، فقد حققت اليونان أكبر معدل نمو سالب في الربع الرابع من 2011 والذي بلغ 7%، وهي نسبة مرتفعة للغاية، كذلك حققت البرتغال معدل نمو سالب بنسبة 2.7%، وفي إيرلندا بلغ معدل النمو السالب 1.9% (في الربع الثالث من 2011) كذلك حققت إيطاليا معدل نمو سالب بنسبة 0.5%، الدولة الوحيدة في مجموعة الـ PIIGS التي حققت نموا موجبا هي إسبانيا والتي اقتصر معدل النمو فيها على 0.3%. هذه الدول بالطبع هي الدول التي تواجه مشكلة ديون سيادية وتحاول السيطرة على نمو الديون فيها من خلال اتباع سياسات تقشفية.



في ظل هذا التراجع في معدلات النمو كان لابد لمعدلات البطالة في منطقة اليورو أن ترتفع، فوفقا لأحدث التقارير المتاحة من مكتب الإحصاءات الأوروبي اليوروستات فإن متوسط معدل البطالة بلغ 10.9% في مارس الماضي، وهو أعلى معدل للبطالة في المنطقة من الناحية التاريخية منذ إنشاءها وحتى اليوم. وفقا لتقارير اليوروستات فإن معدل البطالة في المنطقة آخذ في التصاعد على نحو مستمر منذ 11 شهرا على التوالي، ففي مارس 2011 كانت معدلات البطالة في المنطقة 9.9% فقط، ومع استمرار معدلات البطالة في الارتفاع بلغت أعداد العاطلين عن العمل في المنطقة في مارس 2012 حوالي 17.4 مليون عاطل.

من الجدول رقم (1) يلاحظ أيضا أن معدلات البطالة هي الأعلى بين الدول التي تواجه ارتفاعا في نسب ديونها السيادية إلى ناتجها المحلي الإجمالي، بصفة خاصة إسبانيا حيث يبلغ معدل البطالة 24.1% واليونان 21.7% (وفقا لآخر بيان متاح في يناير 2012) و إيرلندا 14.5% والبرتغال 10.1% وأخيرا إيطاليا 9.8%. من ناحية أخرى فإنه وفقا للبيانات التفصيلية فإن معدلات البطالة تبلغ مستويات مرتفعة للغاية بين العمال صغار السن، ففي اليونان بلغ معدل البطالة بين الشباب 51.2%، وفي إسبانيا 51.1%، وفي إيطاليا والبرتغال 36%، و30.3% في إيرلندا.

اتجاهات النمو في منطقة اليورو واستمرار ارتفاع معدلات البطالة على هذا النحو توضح مدى ضخامة المشكلة التي تواجه صانعي السياسة في المنطقة. بالطبع فإن التخفيف من معدلات البطالة يقتضي ضرورة زيادة معدلات الاستثمار لفتح المزيد من الوظائف الجديدة، بصفة خاصة للشباب من الداخلين الجدد لسوق العمل حيث تصل معدلات البطالة إلى مستويات حرجة. غير أن أحدث التقارير المتاحة تشير أيضا إلى تراجع معدل الاستثمار إلى الناتج في دول المنطقة في الربع الرابع من عام 2011 إلى 20.7% مقارنة بنسبة 21% في الربع الثالث، كذلك تراجعت حصة أرباح قطاع الأعمال إلى إجمالي القيمة المضافة من 38.4% في الربع الثالث إلى 38.1% في الربع الرابع من العام الماضي على التوالي. أكثر من ذلك فإن بيانات الناتج في قطاع الإنشاءات في المنطقة في فبراير 2012 تشير إلى تراجع الناتج في هذا القطاع بنسبة 7.1% مقارنة بمستويات الناتج في يناير من ذات العام. ليس من المستغرب إذن في ظل هذه المؤشرات المختلفة للنمو والاستثمار أن تبلغ معدلات البطالة هذه المستويات التاريخية.  

الحل الوحيد للبطالة هو النمو، فليس أمام أوروبا من خيار سوى أن ترتفع معدلات النمو في المنطقة على النحو الذي يمكن من فتح المزيد من الوظائف. غير أن النمو يقتضى اتباع سياسات اقتصادية توسعية سواء أكانت مالية أم نقدية ، بينما تؤدي ضغوط الميزانية الحالية في المنطقة وارتفاع مستويات الدين العام إلى الناتج إلى دفع الحكومات إلى تبني سياسات تقشفية في الإنفاق لمحاولة ضبط المالية العامة والسيطرة على نسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي للسيطرة على نسبة النمو في الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي.

التقشف إذن هو سياسة معاكسة للنمو في المنطقة، وتتسبب في تعقد أوضاع أوروبا الاقتصادية، فاستمرار السياسات التقشفية لا بد وأن يكون مصحوبا بارتفاع معدلات البطالة، ومثل هذا الوضع يضع أوروبا في مأزق كبير، فأوروبا تحتاج إلى أن تنمو في الوقت الذي يمثل فيه التقشف مكونا أساسيا من وصفة التعامل مع مشكلة الديون وتدهور أوضاع المالية العامة، ومن ثم فإن أوروبا تواجه معضلة أساسية حاليا وهي كيفية الجمع بين النمو والتقشف في ذات الوقت، وهذا هو ما سنتناوله في الجزء الثاني من هذا المقال بإذن الله تعالى.



هناك ٤ تعليقات:

  1. شكرا دكتور على كل ما تقدم لي فترة طويلة جدا اتابع ما تقدم فلك جزيل الشكر. قرأت في تحليلك للذهب انه سوف ينزل لا محاله للاسباب التي اوردتها
    في مقالك ولكن عقبت الموضوع بانتهاء حالة اللاتأكد التي تحيط بالعالم حاليا
    وانصراف الناس عنه لانه كما يقولون ملأذ امن .. ولكن منذ اواخر شهر مارس
    من خلال متابعتي للذهب طبعا من خلال شارت ( اعتذر دكتور لعدم ارفاق الشارت)لاني اكتب من جوال . رأيت كميات تداول على الذهب كبيرة جدا لا يمكن مقارنتها بغيرها من الفترات السابقه مع اتجاه الذهب الهبوطي ..
    فما تفسير ذلك ؟؟؟
    اكرر شكري لك دكتور ... تلميذك وهيب

    ردحذف
  2. شكراً لكم على المجهود .. اتمنى لكم التوفيق

    ردحذف
  3. زمان عنك يا دكتور أشغلتنا الدنيا عنك .. اشتقنا لمقالاتك التنويرية القيمة

    ردحذف