الثلاثاء، مايو ١٥، ٢٠١٢

التصنيف الائتماني السيادي للدول

نشر في صحيفة الاقتصادية بتاريخ الثلاثاء 15/5/2012
قبل عدة أيام نشرت صحيفة الاقتصادية خبرا عن التصنيف الائتماني السيادي للمملكة الذي أعلنت عنه مؤسسة ستاندارد أند بور للتصنيف الائتماني، والذي أشار إلى استمرار احتفاظ المملكة بتصنيفها الائتماني السيادي المرتفع (AA-) مع نظرة مستقبلية مستقرة للوضع الائتماني للحكومة السعودية. ماذا يعني هذا الكلام؟ وما هي أهمية مثل هذه التصنيفات التي تمنحها مؤسسات التصنيف الائتماني مثل ستاندرد أند بور للدول، وماذا اذا لم يتم تصنيف الدولة بصورة إيجابية؟ وما هي تبعات ذلك؟ وهل يجب بالفعل أن تهتم دول العالم بتصنيفاتها الائتمانية التي تمنحها تلك المؤسسات لها؟ وأخيرا ما هي محددات هذا التصنيف وكيف يتم وضعه للدول؟ أسئلة كثيرة سوف أحاول الإجابة عليها في مقالين عن الموضوع.

مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية مثل ستاندرد أند بور وفيتش وموديز تحاول من خلال هذه التصنيفات الائتمانية السيادية أن تقيم قدرة الحكومات على خدمة ديونها في إطار المدى الزمني لتواريخ الاستحقاق المحددة لهذه الديون، أخذا في الاعتبار طبيعة الشروط المتفق عليها بين الحكومة وبين المقرضين لها عند عقد القرض، وباستخدام مجموعة من المؤشرات الكلية يتم تحويل هذا التقييم في صورة تصنيف محدد للدولة يعكس المخاطر السيادية بالنسبة لها، والذي هو في واقع الأمر تقييم لاحتمال توقف دولة ما عن خدمة دينها، وتجدر الإشارة إلى أن احتمال توقف الدولة عن خدمة ديونها لا ينصرف فقط لتوقفها عن سداد مدفوعات الفائدة على الدين أو أقساط الدين، وإنما يشمل أيضا احتمالات عملية تبادل هذا الدين أو إعادة الهيكلة الإجبارية له. من ناحية أخرى تنبغي الإشارة إلى أن التصنيف الائتماني السيادي ينصرف إلى قدرة ورغبة الحكومة المركزية للدولة على احترام التزاماتها نحو المقرضين من المصادر الخاصة (مستثمرين أو مؤسسات ائتمانية خاصة). معنى ذلك أن هذه التصنيفات لا تنصرف إلى الديون التي تعقدها الحكومة مع الحكومات الأخرى أو المؤسسات الدولية متعددة الأطراف مثل البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، وتنشأ المخاطر السيادية عندما تقوم حكومة ما برفض خدمة التزاماتها الخارجية أو أن ترفض الدولة التعاون على استيفاء مثل هذه التعهدات، سواء كانت الدولة قادرة على خدمة ديونها أو في الأحوال التي لا تكون الدولة فيها غير قادرة على خدمة هذه الديون بسبب مصاعب حقيقية تواجهها الدولة، أو في حالات المحاولة من جانب الدولة لفرض شروطها على عمليات إعادة هيكلة الديون أو جدولتها.

دائما ما يصحب التصنيف الائتماني للدولة ما يسمى بالنظرة المستقبلة Outlook للتصنيف الائتماني للدولة، والذي يعكس تقييم مؤسسة التصنيف حول وضع التصنيف الممنوح للدولة في المدى المتوسط (بين سنة إلى 3 سنوات)، والذي يأخذ بشكل عام احد صور ثلاث وهي إيجابي Positive، ويعكس تفاؤل المؤسسة باستمرار احتمالات تحسن أداء الحكومة الائتماني واحتمالات ارتفاع تصنيفها في المستقبل، وسلبي Negative ويعكس تشاؤم المؤسسة باستمرار احتمال تراجع أداء الحكومة وتراجع التصنيف الممنوح لها في المستقبل، ومستقر Stable، ويعكس ثقة المؤسسة باستمرار التصنيف الحالي للدولة كما هو عبر المدى المتوسط.

ترجع أهمية هذه التصنيفات في الاستخدام الواسع لهذه التصنيفات للمخاطر السيادية للدول من جانب المستثمرين على اختلاف أشكالهم، حيث يؤمن المستثمرون بأن هذه التصنيفات تمثل مؤشرات مناسبة لاحتمالات التوقف عن السداد من جانب حكومات الدول المدينة، ويفترض وفقا لهذا التقييم أن تتحدد علاوة المخاطر Risk Premium التي يطلبها المستثمرون على السندات التي تقوم الدولة بإصدارها، وتعطي علاوة المخاطر المطلوبة إشارات حول الحد الأدنى من العائد الذي يطلبه المستثمرون على الاستثمار في سندات الدولة والذي يجب أن يعكس في جانب كبير منه التصنيف المعطى للمخاطر السيادية للدولة.

وتحتفظ كل مؤسسة من مؤسسات التصنيف الائتماني بسلم التصنيف الخاص بها والذي يتشابه على نحو كبير بين هذه المؤسسات مع بعض الفروق الهامشية فيما بينها، ويوضح الجدول رقم (1) درجات التصنيف الائتماني لمؤسسات التصنيف الدولية ستاندرد أند بور وفيتش وموديز، ومن الواضح من الجدول أن هذه التصنيفات هي توليفات من الحروف A حتى D. فبالنسبة لستاندرد أند بور وفيتش أعلى تصنيف ائتماني هو AAA (احتمال التوقف عن خدمة الدين السيادي للدولة صفرا)، وأدنى تصنيف ائتماني هو D (احتمال التوقف عن خدمة الدين السيادي مرتفع جدا)، بينما يتمثل أعلى تصنيف ائتماني لمؤسسة فيتش في التصنيف Aaa وأقل تصنيف ائتماني هو C. وكلما قل تصنيف الدولة ائتمانيا كلما ارتفع احتمال توقف الدولة عن الوفاء بالتزاماتها نحو حملة سندات الدين الخاص بها، ووفقا للجدول فإن هناك مرتبتين للتصنيف، التصنيفات التي تضع الدولة في مرتبة الدول المؤهلة للاستثمار في دينها السيادي، وهي الترتيبات التي تبدأ من AAA  حتى BBB- بالنسبة لستاندرد أند بور وفيتش، ومن Aaa  حتى Baa3 بالنسبة لموديز. أما المجموعة الثانية من التصنيفات فهي تلك التي تضع الدين السيادي للدولة في مرتبة المضاربة عليه لا الاستثمار فيه، وهي التصنيفات التي تبدأ من BB+ حتى D لمؤسستي ستاندرد اند بور وفيتش، ومن Ba1 حتى C بالنسبة لموديز.




بجانب المخاطر السيادية للدول، هناك أيضا نوعان من المخاطر كثيرا ما يستخدمان بشكل متبادل ويؤثران بشكل ما على التصنيف الائتماني الذي تحصل عليها الدولة، وهي المخاطر السياسية Political Risk ومخاطر الدولة Country Risk، وتشمل تأثير الأحداث السياسية مثل الحرب، والمواجهات الداخلية والخارجية للدولة، وتأثير الهجمات الإرهابية، كما تشمل أيضا تأثيرات العوامل الاجتماعية مثل عدم الاستقرار المدني نتيجة للعوامل الأيديولوجية والمواجهات العقائدية، أو عدم العدالة في توزيع الدخل. ويتمثل تأثير المخاطر السياسية في أثرها المتوقع على احتمال أن تقوم الدولة المدينة بفرض قيود على الصرف الأجنبي أو قيودا على تحركات رؤوس الأموال أو أن تقوم الدولة بفرض ضرائب إضافية على المستثمرين، أو في أسوأ الأحوال أن تقوم بتجميد الأصول المملوكة للمستثمرين أو مصادرتها، ومثل هذه التصرفات يمكن أن تحمل آثارا كارثية على العوائد المتوقعة للاستثمارات، أما مخاطر الدولة فهي احتمالات التعرض لخسائر نتيجة تحقق مخاطر محددة تقع معظمها تحت سيطرة الحكومة والتي يحتمل أن تؤثر سلبا على مناخ الاستثمار في الدولة بالنسبة للشركات العاملة فيها. 

هناك اتفاق بين المراقبين على أن مؤسسات التصنيف العالمية فشلت في التنبؤ بالأزمات العالمية، كما استندوا أيضا في ذلك إلى عمليات التصنيف التي تمت بعد الأزمة والتي خفضت التصنيفات الائتمانية للعديد من الدول والمؤسسات الدولية، بل إن بعض عمليات تخفيض التصنيفات قد أسهمت في زيادة عمق الأزمة، ومن المؤكد أن اعتمادية عمليات التصنيف تعد شرطا في غاية الأهمية للثقة في مثل هذه التصنيفات، ومع ذلك فإن الكثير من هذه التصنيفات فاقد المصداقية في الكثير من المحافل، وأعتقد أن مؤسسات التصنيف الائتماني أمامها وقت طول وتجارب عملية لا بد وأن تجتازها بنجاح حتى يمكن الثقة في مصداقية التصنيفات التي تمنحها هذه المؤسسات بصورة سنوية لاقتصاديات العالم المختلفة. اليوم تراجع مؤسسات التصنيف الائتماني معايير تقييمها، واصبح البعض منها أكثر جرأة في انتهاك محرمات عمليات التصنيف على المستوى الدولي، مثل ستاندرد أند بور التي قامت بتخفيض التصنيف السيادي للولايات المتحدة لأول مرة في التاريخ في أعقاب عمليات رفع سقف الدين السيادي للولايات المتحدة التي جرت في العام الماضي.

والآن ما الذي يحدد درجة التصنيف التي تحصل عليها الدولة، مثل المملكة؟ هذا هو موضوع المقال القادم حول الموضوع بإذن الله تعالى.

هناك ٣ تعليقات: