الجمعة، مايو ٠٩، ٢٠١٤

قراءة في تقرير سوق العمل الأمريكية

في يوم الجمعة الماضي قام مكتب إحصاءات العمل الأمريكي بإصدار تقريره الشهري عن سوق العمل، وحمل التقرير مفاجأة كبيرة للمراقبين لهذه السوق، فوفقا للتقرير انخفض معدل البطالة بنسبة 0.4 في المائة مرة واحدة، حيث تراجع معدل البطالة من 6.7 في المائة في آذار (مارس) إلى 6.3 في المائة في نيسان (أبريل)، وليصل إلى أدنى مستوياته منذ بدأت الأزمة المالية العالمية في 2008.

وفقا لبيانات التقرير يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 247.4 مليون فرد، منهم 155.4 مليون داخل قوة العمل، يبحث منهم 9.8 مليون عن العمل، ولا يجدونه، ومن بينهم نحو 3.5 مليون في حالة بطالة طويلة الأجل (أكثر من 26 أسبوعا) بينما تبلغ أعداد السكان خارج قوة العمل 92 مليون أمريكي، في الوقت الذي بلغ فيه معدل مساهمة قوة العمل 62.8 في المائة، وهو أدنى نسبة للمساهمة تحققت في الولايات المتحدة منذ نهاية السبعينيات في القرن الماضي.

بهذا الشكل يكون معدل البطالة قد انخفض خلال العام الماضي بنحو 1.2 في المائة، وثلث هذا الانخفاض تقريبا تحقق في نيسان (أبريل) الماضي. لم تقتصر الأخبار الجيدة على الانخفاض في معدل البطالة فحسب، إنما أيضا امتدت لأعداد الوظائف الجديدة التي تم فتحها في سوق العمل التي بلغت 288 ألف وظيفة، وهي مرة أخرى، بمعدلات الأزمة، تعد إضافة مرتفعة في سوق العمل فاقت معظم التوقعات التي سبقت التقرير.

وفقا لاستبيان أجرته بلومبرج قبيل نشر التقرير، تم استطلاع آراء 94 اقتصاديا، واستنادا لإجاباتهم كان من المتوقع أن يصل متوسط عدد الوظائف المفتوحة في سوق العمل 218 ألف وظيفة في نيسان (أبريل). باختصار، لم يكن أي من المراقبين يتوقع هذه النتائج المنخفضة لمعدل البطالة. شخصيا كنت أتوقع أن يثبت معدل البطالة أو يتراجع ولكن ليس بأكثر من 0.1-0.2 في المائة.

تجدر الإشارة إلى أن هذا التقرير المفاجئ قد جاء في أعقاب تقرير آخر مفاجئ أيضا، لكن في الاتجاه المعاكس، حيث نشر مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي تقريره في نهاية نيسان (أبريل) عن معدل النمو الحقيقي في الربع الأول من 2014، وأشارت التقديرات الأولية إلى تراجع هذا النمو إلى 0.1 في المائة فقط، وهو ما يعني أن الاقتصاد الأمريكي لن ينمو تقريبا في هذه الفترة، مقارنة بمعدل نمو 2.6 في المائة تحقق في الربع السابق عليه، وهو ما أعاد للأذهان سيناريوهات التراجع المزدوج Double Dip التي طالما تناولها المراقبون في أعقاب كل تدهور يحدث في معدلات النمو.

بهذا الشكل اقتربت معدلات البطالة في سوق العمل من أعلى مستوياتها قبل الأزمة، ليس فقط ذلك، وإنما تحقق أحد الشروط الأساسية التي وضعها الاحتياطي الفيدرالي للبدء بتسريع عمليات خفض برنامج شراء السندات الأمريكية، أو ما يعرف بالتيسير الكمي، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: "هل يتعجل الاحتياطي الفيدرالي تسريع عمليات الخروج من استراتيجية التيسير الكمي؟"

تجب الإشارة إلى أن هذا الانخفاض الكبير في معدل البطالة لم يكن انخفاضا حقيقيا، بقدر ما يعود إلى انخفاض أعداد الباحثين عن عمل، فوفقا لطريقة حساب معدل البطالة الرسمي U3 يعتبر العامل في حالة بطالة إذا كان يبحث عن عمل خلال الأسابيع الأربعة السابقة على إجراء المسح الشهري لمعدلات البطالة، فإذا ما توقف العامل عن البحث عن عمل، اعتبر على أنه من السكان خارج قوة العمل، وبالتالي لا يدخل ضمن حسابات معدلات البطالة، على الرغم من أنه مؤهل للعمل وقادر عليه ويرغب فيه، وبالتأكيد سيرحب بالعمل إذا ما وجد فرصة متاحة.

وفقا للتقرير تزايدت قوة العمل الأمريكية في آذار (مارس) الماضي بأكثر من نصف مليون عامل، وفي نيسان (أبريل) انخفض عدد العمال من 156.2 مليون عامل إلى 155.4 مليون عامل، أي بنحو 806 آلاف عامل، هؤلاء قد خرجوا من قوة العمل نظرا لتوقفهم عن البحث عن فرصة عمل بعد أن فشلوا في الحصول عليه لفترة طويلة، وهؤلاء عادة ما يطلق عليهم العمال المحبطون، وقد كان الكونجرس قد أقر وقف إعانات البطالة عن العاملين الذين يصنفون على أنهم في حالة بطالة لفترة زمنية طويلة كأحد إجراءات تجنب الهاوية المالية الأمريكية، الأمر الذي ترتب عليه فقدان نحو 1.4 مليون عامل إعانات البطالة، وبالتأكيد لم يجد الكثير من هؤلاء بعد ذلك سببا للاستمرار في البحث عن عمل، وهو ما قد يفسر خروج هذا العدد الكبير من قوة العمل.

أكثر من ذلك يرى المراقبون أنه على الرغم من انخفاض معدل البطالة على هذا النحو الكبير، إلا أن مؤشرات سوق العمل لا تشير إلى هذا التحول الجوهري، فمعدلات الأجور لم تنم مع تراجع معدلات البطالة، ولم يرتفع متوسط عدد ساعات العمل الأسبوعي للعامل، وهذه مؤشرات تشير إلى أن الضغط الحقيقي في سوق العمل لم يتراجع كما توحي هذه الأرقام التي نشرت في التقرير.

اليوم بعد أن انخفض معدل البطالة عن المستوى الذي اشترطته لجنة السوق المفتوح لوقف الاتجاه التوسعي في عرض الدولار وهو 6.5 في المائة، هل سيسارع الاحتياطي الفيدرالي بالمبادرة نحو وقف عمليات التيسير الكمي؟ في خطابها أمام اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونجرس، الذي نشر وقت كتابة هذا المقال، أشارت جانيت يلين رئيس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن أوضاع سوق العمل تتحسن على نحو واضح، غير أنها أكدت أيضا أن هذه التطورات أبعد من أن تكون تطورات مرضية بالنسبة لصانع السياسة النقدية في أمريكا، وذلك أخذا في الاعتبار أعداد العاطلين الذين هم في حالة بطالة طويلة الأجل، وأعداد العاملين لبعض الوقت الذين يرغبون في العمل طوال الوقت، والتي تعد مرتفعة للغاية بالمقاييس التاريخية، وكذلك معدلات نمو الأجور، وأشارت يلين إلى أنه في ظل الأوضاع الحالية لسوق العمل ستستمر السياسة النقدية التوسعية للاحتياطي الفيدرالي كما هي، وأن برنامج شراء السندات سيستمر حتى يتأكد الاحتياطي الفيدرالي من أن سوق العمل أصبحت في وضع قوي، وأن الاحتياطي الفيدرالي سيستمر في شراء السندات طويلة الأجل لخفض معدلات الفائدة طويلة الأجل لمساعدة سوق المساكن، التي تدهورت أوضاعها هذا العام، وكذلك أسواق المال.

وعلى الرغم من هذه التطورات فإن يلين تختتم خطابها بأنها تتوقع أن يستمر تحسن وضع سوق العمل وأن ينتعش الاقتصاد الأمريكي على نحو أكبر هذا العام مقارنة بالعام الماضي. باختصار من الواضح أن سوق العمل الأمريكي ما زالت تواجه ضغوطا تتزامن في الوقت الحالي مع ضغوط تراجع معدلات النمو، غير أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي تتوقع أن يخرج الاقتصاد الأمريكي من أزمته في القريب العاجل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق