الاثنين، أبريل ٢٧، ٢٠٠٩

هل يكون قاع الازمة العالمية هو عام 2010

نشر في جريدة القبس بتاريخ الثلاثاء 28/4/2009
انخفض معدل النمو الحقيقي العالمي في سنة 2008، وهي السنة التي تلت ما يعرف بأزمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدى تشديد شروط الائتمان في الدول المتقدمة إلى حدوث كساد معتدل في دول العالم المتقدم، في الوقت الذي استمرت فيه معدلات النمو مرتفعة في الاقتصاديات الناشئة. غير أن توابع الأزمة بدأت في التعمق في الربع الأخير من عام 2008 على الرغم من الجهود التي بذلتها الولايات المتحدة، مركز الأزمة، ودول العالم الأخرى للتأكد من توافر السيولة في اقتصادياتها المحلية وإعادة رسملة مؤسساتها المالية بسبب ارتفاع حجم الديون المسمومة بها، ومن ثم أخذ الموقف في التدهور بشكل سريع بعد اشتعال الأزمة المالية في سبتمبر 2008 نتيجة إفلاس بنك ليمان براذرز والمحاولات المتتالية لإنقاذ أكبر شركات التأمين في الولايات المتحدة "المجموعة الأمريكية الدولية AIG"، وهو ما أدى إلى تصاعد سريع في حجم المخاطر التي تواجه المصارف وجعل من قضية إعسار أعتى البنوك العالمية محل اهتمام محليا وعالميا، الأمر الذي أدى إلى حدوث اضطراب شديد انعكس على كافة البورصات في العالم، حيث بدأت عمليات البيع تأخذ شكل أسعار الحرق، وبدأت تدفقات الاستثمار والتجارة ورؤوس الأموال في التدهور بشكل كبير على المستوى العالمي، وأخذت عمليات إصدار الأدوات المالية الجديدة في التوقف تماما والمعاملات المصرفية في الانخفاض الحاد ومن ثم معدلات الفائدة، الأمر الذي وضع أسواق العملات أيضا تحت ضغوط شديدة. كافة هذه المؤشرات توحي بوجود ركود من الدرجة الأولى. وقد كثر الحديث عن الأزمة الاقتصادية العالمية وهل ستتحول إلى ركود اقتصادي عظيم مثل ذلك الذي حدث في عام 1929، وما جلبه من مآس في كافة أنحاء البسيطة، أم أن العالم سيواجه كساد عنيف ولكنه سريع ومن ثم تحدث نقطة التحول في غضون أشهر.
للأسف ما زالت الأزمة الاقتصادية العالمية بدون قاع حتى الآن، وليس من المتوقع أن تبدأ نقطة التحول للدورة الاقتصادية العالمية قريبا، بمعنى أنه مازال أمام العالم المزيد من الوقت حتى يصل إلى قاع الأزمة، لتستمر بذلك معاناة الجميع نتيجة الآثار السيئة للازمة في صورة انخفاض معدلات النمو وارتفاع مستويات البطالة وانخفاض مستويات الدخول وتراجع أسعار الأصول، بصفة خاصة المالية. وفقا لأفضل التوقعات التي توصل إليها صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير "آفاق الاقتصاد العالمي: الأزمة والتعافي" الذي أصدره الأسبوع الماضي، فان قاع الأزمة من المحتمل أن يتحقق في عام 2010، بعدها تبدأ نقطة التحول ليأخذ العالم في الخروج ببطء من الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2011. وعادة ما يتم تحديد نقطة التحول أو قاع الأزمة من خلال حساب مؤشر مركب موزون يتكون من مجموعة متغيرات اقتصادية كلية مثل متوسط نصيب الفرد من الناتج وحجم الإنتاج الصناعي وحجم التجارة وتدفقات رؤوس الأموال واستهلاك النفط ومعدلات البطالة.. الخ، والذي من خلال تطوراته يمكن الحكم على بلوغ قاع الأزمة أم لا. هذه التوقعات لتوقيت القاع الحالي للازمة قائمة على استمرار إتباع سياسات اقتصادية كلية تدعم النمو في المجموعات المختلفة من العالم، بصفة خاصة في الدول الصناعية، واستمرار انخفاض معدل الفائدة إلى مستويات تقترب من الصفر، بينما تستمر البنوك المركزية في دول العالم في إتباع سياسات غير تقليدية في التعامل مع الأزمة بهدف تيسير الشروط الائتمانية لتوفير سيولة كافية، وكذلك استمرار العجز المالي في التفاقم بصورة حادة في الدول الصناعية أو الناشئة، بصفة خاصة في مجموعة العشرين التي يتوقع أن تصل خطط التحفيز المالي فيها إلى حوالي 2% من الناتج المحلي خلال العامين الحالي والقادم، وكذلك في ظل افتراض أن سعر النفط خلال 2009 سيكون حوالي 52 دولارا، وفي عام 2010 حوالي 62.5 دولارا للبرميل.
وفقا لهذه الفروض فان سيناريوهات النمو تشير إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي على المستوى العالمي إلى معدلات سالبة تصل إلى 1.3% في عام 2009، وهو ما يجعل من الركود الاقتصادي الحالي الأكثر عمقا منذ الحرب العالمية الثانية. النتيجة المثيرة للاهتمام في تقرير صندوق النقد الدولي هي توقيت قاع الأزمة، وبدء نقطة التحول في العمل، وقدر التحول في النمو الاقتصادي العالمي للتعافي من الأزمة، حيث من المتوقع أن يصل معدل النمو العالمي إلى مستويات موجبة (1.9%) في عام 2010، وهو أقل من معدلات التعافي في كافة أزمات الركود السابقة. ثم تأخذ معدلات النمو العالمي في الارتفاع بشكل حثيث حتى تصل إلى حوالي 5% في عام 2014. هذا الاتجاه في النمو الحقيقي ليس على نفس الوتيرة في كافة دول العالم، فمن المتوقع أن يصل معدل نمو الناتج الحقيقي في مجموعة السبع إلى سالب 3%، ثم يصل معدل النمو إلى الصفر في سنة القاع، قبل أن تأخذ معدلات النمو منحاها الموجب في عام 2011، لتصل إلى حوالي 2.%% في عام 2014. غير أن الصورة تبدو أكثر قتامة في دول الاتحاد الأوروبي، حيث يصل معدل النمو في عام 2009 إلى سالب 4%، وفي عام 2010 إلى سالب 0.3%، قبل أن تتحول معدلات النمو إلى مستويات موجبة في عام 2011، أما بالنسبة للاقتصاديات الناشئة حيث تم تحقيق معدلات نمو حقيقي مرتفعة قبل حدوث الأزمة بلغت 8.3% في عام 2007، فمن المتوقع أن تنخفض معدلات النمو إلى 1.6% فقط عام 2009، ثم تعاود بعد ذلك الارتفاع لتصل إلى 6.8% في عام 2014.
النتائج التفصيلية لسيناريو النمو العالمي تحمل بعض الأخبار السيئة للاقتصاد الكويتي، فوفقا للشكل رقم (1) الذي يوضح معدلات النمو الحقيقي في دول مجلس التعاون خلال الفترة من 2008 – 2014، من المتوقع أن تكون الكويت أكثر دول المجلس تضررا من الأزمة في عام 2009، حيث ستحقق الكويت، وفقا للتقرير، معدلات نمو سالب تصل إلى 1.1% في عام 2009، قبل أن تأخذ معدلات النمو الحقيقي في الصعود إلى حوالي 2.4% في سنة القاع 2010، ومن ثم تستمر معدلات النمو الحقيقي في الصعود إلى 4.6% عام 2014، مقارنة بمعدل نمو متوسط بلغ 8.7% خلال السنوات الست التي سبقت الأزمة. يلي الكويت المملكة العربية السعودية التي يتوقع أن تواجه معدل نمو حقيقي سالب يصل إلى 0.9%، والإمارات بمعدل نمو سالب 0.6% على التوالي في عام 2009. أما بالنسبة لقطر، فسوف تستمر معدلات النمو الحقيقي قوية رغم الأزمة، لتحقق معدل نمو مبهر يصل إلى 16.5% في سنة القاع، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي تحقق مثل هذه المعدلات من النمو في سنوات الأزمة، وبشكل عام من المتوقع أن تتراوح معدلات النمو الحقيقي في عام 2014 في دول المجلس بين 3.3% في قطر إلى 6.5% في عمان.

الشكل رقم (1) معدلات النمو الحقيقي المتوقعة في دول مجلس التعاون


المصدر: صندوق النقد الدولي: http://www.imf.org/external/datamapper/index.php

أما عن اتجاهات التضخم المتوقعة في العالم، فان الأزمة سوف تؤدي بمعدلات التضخم العالمي إلى الانخفاض من6% عام 2008 إلى 2.4% في سنة القاع، ثم تأخذ معدلات التضخم في الارتفاع بشكل ضئيل حتى تصل إلى 3% عام 2014، وهو ما يحمل أخبارا سارة للمواطنين في دول المجلس، إذ يتوقع أن ينخفض معدل التضخم في الكويت من 10.5% عام 2008 إلى 4.8% في سنة القاع، ليواصل معدل التضخم بعد ذلك الانخفاض إلى 3.4% فقط في عام 2014. معنى ذلك أننا مقبلون على ارتفاع في دخولنا الحقيقية على المدى المتوسط إذا صحت توقعات صندوق النقد الدولي. غير أن معدلات التضخم سوف تستمر مرتفعة بعض الشئ في قطر بفعل ارتفاع معدلات النمو الحقيقي، قبل أن تأخذ بعد ذلك في التراجع إلى 3% عام 2014، مقارنة بـ 15% في عام 2008. وعموما فانه من المتوقع أن تتراوح معدلات التضخم في عام 2014 بين 2% (البحرين) إلى 4.5% (عمان)، وهو تطور اقل ما يوصف بأنه ايجابي بالنظر إلى الاتجاهات العامة لمعدلات التضخم في دول مجلس التعاون خلال الفترة التي سبقت الأزمة.
أما بالنسبة لمتوسط دخل الفرد فيتوقع أن ينخفض نصيب الفرد من الناتج في الولايات المتحدة من 46859 دولارا عام 2008، إلى 45254 دولارا في سنة القاع، بينما ينخفض متوسط نصيب الفرد من الناتج في أوروبا من 29732 دولارا إلى 24682 دولارا على التوالي، وكذلك في اليابان من 38559 دولارا إلى 37052 دولارا على التوالي. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون، فان متوسط نصيب الفرد من الناتج في الكويت سوف ينخفض من 45920 دولارا في عام 2008 إلى 30040 دولارا في عام 2009 أي بنسبة 35% تقريبا، نتيجة لاتجاهات النمو السيئة التي تمت الإشارة إليها، ثم يأخذ بعد ذلك في الزيادة بشكل مستمر إلى 40693 دولارا في عام 2014، وكذلك الحال بالنسبة لباقي دول مجلس التعاون. إلا أنه من الأمور اللافتة للنظر أن متوسط نصيب الفرد من الناتج في قطر سوف يستمر خلال المدى المتوسط في الارتفاع بشكل عام ليصل في عام 2011 إلى حوالي 105000 دولارا أمريكي، وهو ما يجعل المواطن القطري صاحب أعلى مستوى دخل في العالم ليتفوق بذلك على لوكسمبورج صاحبة أعلى متوسط دخل للفرد في العالم.
الشكل رقم (2) معدلات التضخم المتوقعة في دول مجلس التعاون

المصدر: صندوق النقد الدولي: http://www.imf.org/external/datamapper/index.php


الشكل رقم (3) متوسط نصيب الفرد من الناتج في دول مجلس التعاون (بالدولار الأمريكي)

المصدر: صندوق النقد الدولي:
http://www.imf.org/external/datamapper/index.php

هذه هي أهم المؤشرات المتوقعة خلال الخمس سنوات القادمة وفقا لسيناريوهات النمو الحالي لصندوق النقد الدولي. غير انه تنبغي الإشارة إلى أن هذه النتائج، على الرغم من أهميتها، يحيط بها قدر كبير من عدم التأكد، بصفة خاصة بالنسبة لمخاطر استمرار الأزمة ومن ثم ابتعاد سنة القاع عما هو متوقع. حيث ما زال هناك احتمال عدم قدرة السياسات المتبعة في دول العالم على محاصرة النتائج السلبية للأزمة، وبصفة خاصة في ظل المعارضة الشعبية لإجراءات السياسة للتعامل مع الأزمة، لما تسببه من نتائج سلبية على مستويات دخول ومعيشة ورفاهية الجماهير. من ناحية أخرى فان استمرار تعامل كل دولة على حده مع تداعيات الأزمة لن يعطي الزخم اللازم للخروج من الأزمة على المستوى العالمي، ما لم يتم تنسيق التعاون الدولي في مكافحة الأزمة من قبل دول العالم أجمع. من ناحية أخرى فان تعرض العالم لأية مفاجآت غير سارة، مثل انهيار المجموعة المالية الدولية أو انهيار جنرال موتورز أو أجزاء من النظام المصرفي الأوروبي، قد يدفع بعوامل فقدان الثقة إلى الحضيض لتشتد معها مخاطر أن تمتد سنة القاع إلى مستوى أبعد من 2010، ولتزداد بذلك معاناة كافة دول العالم من الأزمة، بصفة خاصة في دول الخليج.

هناك ٤ تعليقات:

  1. جزاك الله خيرا لما تفضلت به من معلومات قيمة ، ولي بعض الاستفسارات أتمنى أن أجد الإجابة لها

    ألاحظ أن قطر متميزة في الرسوم البيانية عن باقي دول الخليج ... لماذا هي فقط ؟

    بالنسبة لآخر فقرة في المقالة..
    بينت أنه إذا انهارت المجموعة الدولية أو جنرال موتورز ستشتد معاناة كافة دول العالم ودول الخليج بالذات..؟
    لماذا ..؟ ماهو ارتباط الخليج بجنرال موتورز؟

    وشكرا..

    ردحذف
  2. شكرا مي
    الوضع الخاص بقطر مرتبط باكتشافات الغاز وعمليات تنميته وتصديره. وهو ما يؤدي الى وضع قطر في وضع خاص من حيث معدلات النمو خلال هذه الفترة

    ما قصدته بالنسبة لانهيار جنرال موتورز هو أنه اذا حدث ذلك فان التوقعات التشاؤمية سوف تتعمق وهو ما يؤخر من نقطة التحول ومن ثم الخروج من الازمة. الامر الذي سوف ينعكس علينا في الخليج باعتبارنا من اكثر الدول النامية تأثرا بالازمة، بصفة خاصة فيما يتعلق بايراداتنا النفطية.

    ردحذف
  3. آها..
    عرفت الآن ..
    أشكرك للإجابة والتوضيح..

    ردحذف
  4. آها..
    عرفت الآن ..
    أشكرك للإجابة والتوضيح..

    ردحذف