نشر في جريدة القبس يوم الاثنين 20/4/2009
ترتب على الأزمة المالية العالمية تراجع الثقة في الدولار الأمريكي كعملة احتياط وكعملة ربط على المستوى العالمي، مع تصاعد القلق حول مستقبل الدولار من قبل بعض المراقبين الذين يرون أن مستقبل الدولار كعملة دولية يحيط به الكثير من التساؤلات. فالعجز المالي الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية سوف يضيف حوالي 10 تريليون دولار إلى الدين العام الأمريكي خلال العشر سنوات القادمة، وهو ما يعني أن نمو الدين العام الأمريكي سوف يكون أعلى من معدل نمو الناتج المحلي، وإذا ما أخذنا في الاعتبار المستويات المرتفعة حاليا للدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي والتي بلغت حدودا حرجة، فإن الدين العام الأمريكي مرشح أن يدخل مرحلة الخطر خلال السنوات القليلة القادمة، الأمر الذي قد يعرض الدولار الأمريكي لهجمات مضاربة عنيفة.
إذا ترتب على تنامي القلق حول مستقبل الدولار الأمريكي عزوف البنوك المركزية للدول التي تملك احتياطيات ضخمة من الدولار عن شراء أدوات الدين الأمريكية، فان الاحتياطي الفدرالي سوف يجد نفسه مضطرا إلى شراء هذه الأدوات لتمويل العجز المالي الكبير للولايات المتحدة، الأمر الذي سوف يترتب عليه، لا محالة، أن يقوم الاحتياطي الفدرالي بطباعة كميات كبيرة من الدولار لتمويل العجز، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يؤثر على القوة الشرائية للدولار، وبالتالي حدوث خسارة لثروة كل من يحتفظ بالدولار الأمريكي خارج الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي ربما يفقد الدولار جاذبيته كعملة دولية. وهناك الكثير من الدلائل حاليا والتي تشير إلى احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى التمويل التضخمي في ظل العجز المالي الضخم والمتصاعد، والحاجة الماسة إلى المزيد من الإنفاق لتحفيز الاقتصاد الأمريكي والخروج من الأزمة.
مثل هذا الوضع يقلق دول العالم التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة بالدولار الأمريكي وبصفة خاصة الصين. التي أعربت هي ودول أخرى من بينها روسيا عن رغبتهم في أن يجد العالم عملة احتياط أخرى غير الدولار الأمريكي. فقد دعت روسيا مجموعة العشرين إلى البحث عن عملة احتياط أخرى غير الدولار، كذلك دعا محافظ البنك المركزي الصيني إلى إعادة إصلاح النظام النقدي الدولي، من خلال إدخال عملة احتياط دولية جديدة بدلا من الدولار، واقترح أن يتم إصلاح النظام النقدي الدولي وإعطاء أهمية اكبر لدور صندوق النقدي الدولي والتوسع في استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة لكي تحل محل الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية. فحوى الاقتراح الصيني كما عرضه محافظ البنك المركزي هو أن يتم إنشاء عملة احتياط دولية لا ترتبط بدولة ما وتتسم بالاستقرار ومن ثم تحقق العدالة بين دول العالم أجمع، أي بالشكل الذي يؤدي إلى التغلب على أوجه القصور الناجمة عن استخدام عملة وطنية ترتكز على الائتمان الحكومي في إشارة واضحة إلى الدولار الأمريكي. عملة الاحتياط الدولية الجديدة المرشحة لكي تحل محل الدولار الأمريكي، كما تنادي الصين، إذن هي وحدات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي.
مشكلة الصين كما هو واضح هي أنها لديها كميات هائلة من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية بسبب فوائضها التجارية الضخمة، وبالدولار الأمريكي بصفة خاصة، وعندما تبحث عن سبل استثمار هذه الاحتياطيات في صورة آمنة وشبه سائلة فإنها لا تجد سوى أدوات الدين التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، فتقوم حاليا باستثمار هذه الاحتياطيات الضخمة بمعدلات فائدة متدنية جدا، الأمر الذي يجعل العلاقة بين الدولتين في هذا الجانب غير مريحة، فلا الصين ترغب في أن ترى أي تدهور في معدلات صرف الدولار كي لا تخسر جانبا من احتياطياتها، ولا الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في أن تحول الصين من تفضيلاتها حول استثمار هذه الاحتياطيات الضخمة نحو وجهة أخرى كي تضمن تسويقا سهلا لأدوات الدين التي تصدرها. بعض المحللين لا ينظرون إلى الاقتراح الصيني على انه اقتراح بريء ويرون انه يخفي طموحات صينية في أن تمهد الأجواء لليوان الصيني لكي يلعب دورا منافسا للدولار الأمريكي على المستوى الدولي، خصوصا مع تعاظم القوة التجارية للصين، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث بدون تقليل القوة العالمية للدولار الأمريكي.
ولكن هل يمكن بالفعل أن تلعب حقوق السحب الخاصة دور عملة الاحتياط العالمية، وهل يمكن أن يلعب صندوق النقد الدولي دور البنك المركزي للعالم. للإجابة على هذا السؤال لا بد وان نفهم أولا ما هية حقوق السحب الخاصة والدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي والمتطلبات الأساسية لعملة الاحتياط الدولية.
أصدر صندوق النقد الدولي وحدات حقوق السحب الخاصة لأول مرة عام 1969 على شكل عملة حسابية (أي في صورة قيود حسابية تضاف إلى احتياطيات الدول الأعضاء في الصندوق) لتستخدم كأحد عناصر السيولة الدولية، ويتم توزيعها على الدول الأعضاء وفقا لنسبة حصة كل عضو في رأس مال الصندوق، وهي بهذا الشكل تعد عملة رسمية، أي يقتصر التعامل فيها على البنوك المركزية في دول العالم، ومن ثم فان الأشخاص والشركات لا يتعاملون في هذه العملة ولا يرونها لأنها ليس لها وجود مادي كالدولار. معنى ذلك أن هذه العملة ليس لها سوق بالمعنى المتعارف عليه، وإنما يتم تحديد قيمتها مركزيا من خلال سلة عملات يختارها صندوق النقد الدولي وبناءا على أوزان تلك العملات في سلة عملات وحدة حقوق السحب الخاصة يتم تحديد معدل الصرف لها بالنسبة لباقي عملات العالم. وتتكون هذه السلة حاليا من أربع عملات هي الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والين الياباني والجنيه الاسترليني. مقترح استخدام وحدة حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط دولية يقابله العديد من المشاكل الخطيرة أهمها:
1. أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع حاليا أن يصدر كميات كافية منها للوفاء باستخدامات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط عالمية، كذلك فان الكميات المصدرة حاليا من وحدات حقوق السحب الخاصة تعد ضئيلة جدا مقارنة بحجم السيولة العالمية.
2. أن النظام الحالي لتوزيع الإصدار من حقوق السحب الخاصة (نسبة حصة العضو في رأس المال) لا يضمن حصول كل دولة على احتياجاتها من تلك العملة لأغراض الاحتياط، ويعطي الدول التي ترتفع حصتها في رأس مال الصندوق مثل الولايات المتحدة، ثقلا في التعاملات على هذه العملة دوليا، خصوصا فيما يتعلق بإقراض فوائض حصتها إلى الدول الأخرى.
3. أنها عملة بدون اقتصاد يعبر عن قوتها أو بنك مركزي يدافع عنها، أو احتياطيات كافية تسندها، على سبيل المثال فان إجمالي حجم احتياطيات صندوق النقد الدولي بأكمله اقل من أصول أي بنك تجاري كبير الحجم في العالم.
4. أن استخدامها يقتصر فقط على البنوك المركزية، والعملة لا تصبح دولية ومن ثم عملة احتياط، إلا إذا كان هناك استخدام كثيف لها على المستوى الدولي. وقد كانت هناك محاولات سابقة من قبل الصندوق للسماح للشركات المتعددة الجنسيات باستخدام وحدات حقوق السحب الخاصة، إلا أن التجربة لم تنجح.
5. إذا كانت وحدات حقوق السحب الخاصة محدودة الاستخدام، فإنها لا تصلح لاستخدامها كعملة احتياط، أي كعملة يستخدمها أي البنك المركزي للتدخل في سوق النقد الأجنبي للدفاع عن عملته المحلية، لأنه لن يجد الدينامكية السوقية اللازمة للتدخل السريع من خلال بيع أو شراء هذه العملة للتأثير على معدل صرف عملته المحلية.
6. أنه حتى لو تم استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط، فإنها لن تكون عملة ائتمان على المستوى الدولي، خصوصا خارج نطاق التعاملات الرسمية بين البنوك المركزية في دول العالم. وهو ما يقلل من قيمة هذه العملة كعملة احتياط، ويقلل من حجم العوائد التي يمكن أن تحققها البنوك المركزية من احتياطياتها.
7. أن استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط على المستوى الدولي سوف يتطلب تغييرا هيكليا في حجم صندوق النقد الدولي وحجم موارده المالية ونسب مساهمة دول العالم في رأس ماله ودوره في فرض سياسات الاستقرار الاقتصادي على المستوي الدولي، وهو الأمر الذي قد يجد معارضة كبيرة من قبل القوى الاقتصادية العالمية بصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
كل هذه المشاكل يتلافاها العالم من خلال استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية، ولذلك يشكل الدولار الأمريكي حاليا حوالي 80% من حجم التعاملات اليومية في السوق العالمي للصرف الأجنبي والذي يصل، وفقا لآخر الإحصاءات (قبل الأزمة)، إلى أكثر من 3 تريليون دولار يوميا، والباقي يتم أساسا باليورو وبدرجة اقل بعملات أخرى. لم يكتسب الدولار الأمريكي هذه المكانة من فراغ، فالدولار هو عملة اكبر اقتصاد في العالم والكميات المصدرة منه ضخمة جدا إلى الحد الذي يمكن أي دولة أن تحصل على احتياجاتها منه لأغراض الاحتياط مهما بلغت، ويدعمه سوق ائتمان ضخم هو اكبر سوق للائتمان قصير الأجل في العالم، ويساعده حجم ضخم جدا لأدوات الدين التي تمكن دول العالم من تحقيق الاستفادة المزدوجة من احتياطياتها بالدولار، أي استخدام الدولار كعملة احتياط من جانب، وتحقيق عوائد على تلك الاحتياطيات من خلال شراء أدوات الدين الأمريكي قصير الأجل من جانب آخر. هذه المزايا تعطي الدولار الأمريكي البعد الديناميكي كعملة احتياط مثلى على المستوى العالمي. ومن ثم فان بديل الدولار الأمريكي الذي يتمتع بهذه المزايا كعملة احتياط غير موجود بالفعل.
ولكن بفرض نجاح العالم في إيجاد بديل للدولار كعملة احتياط دولية، وهو احتمال ضئيل جدا، فهل يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي وتراجع دوره على المستوى العالمي؟ الإجابة هي أنه من غير الصحيح أن استخدام عملة أخرى غير الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي أو التأثير على دوره عالميا. فالاقتصاد الأمريكي لا يعتمد على ما يتم استخدامه من دولارات كعملة احتياط لدى البنوك المركزية في دول العالم، ذلك أن إيرادات الإصدار من الدولار للحكومة الأمريكية تمثل نسبة ضئيلة جدا من إجمالي إيراداتها العامة. غير أنه من المؤكد أن ذلك سيقلل من قيمة العملة الأمريكية دوليا، وقد يسبب مشكلات في الأجل القصير للاقتصاد الأمريكي، عندما تحاول البنوك المركزية في دول العالم التخلص من احتياطياتها الدولارية وتحويلها إلى عملة الاحتياط الأخرى غير الدولار الأمريكي، إلا أن القوة الاقتصادية الضاربة للولايات المتحدة سوف تضمن استمرار أهمية الدولار كعملة دولية حتى في ظل عملة احتياط جديدة، خصوصا إذا أصرت الولايات المتحدة على استمرار تسوية معاملاتها الدولية بعملتها المحلية. الدولار الأمريكي سيظل إذن عملة الاحتياط الأساسية للعالم وليس متوقعا في المنظور القصير أو المتوسط، أن يكون هناك بديل منافس للدولار يستطيع أن ينتزع منه هذا العرش، أي عرش عملة الاحتياط الدولية، وسوف يظل الدولار العملة التي على أساسها يتم تسعير أهم السلع التجارية مثل الذهب والنفط.
إذا ترتب على تنامي القلق حول مستقبل الدولار الأمريكي عزوف البنوك المركزية للدول التي تملك احتياطيات ضخمة من الدولار عن شراء أدوات الدين الأمريكية، فان الاحتياطي الفدرالي سوف يجد نفسه مضطرا إلى شراء هذه الأدوات لتمويل العجز المالي الكبير للولايات المتحدة، الأمر الذي سوف يترتب عليه، لا محالة، أن يقوم الاحتياطي الفدرالي بطباعة كميات كبيرة من الدولار لتمويل العجز، ومن ثم ارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي يؤثر على القوة الشرائية للدولار، وبالتالي حدوث خسارة لثروة كل من يحتفظ بالدولار الأمريكي خارج الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي ربما يفقد الدولار جاذبيته كعملة دولية. وهناك الكثير من الدلائل حاليا والتي تشير إلى احتمال لجوء الولايات المتحدة إلى التمويل التضخمي في ظل العجز المالي الضخم والمتصاعد، والحاجة الماسة إلى المزيد من الإنفاق لتحفيز الاقتصاد الأمريكي والخروج من الأزمة.
مثل هذا الوضع يقلق دول العالم التي تحتفظ باحتياطيات ضخمة بالدولار الأمريكي وبصفة خاصة الصين. التي أعربت هي ودول أخرى من بينها روسيا عن رغبتهم في أن يجد العالم عملة احتياط أخرى غير الدولار الأمريكي. فقد دعت روسيا مجموعة العشرين إلى البحث عن عملة احتياط أخرى غير الدولار، كذلك دعا محافظ البنك المركزي الصيني إلى إعادة إصلاح النظام النقدي الدولي، من خلال إدخال عملة احتياط دولية جديدة بدلا من الدولار، واقترح أن يتم إصلاح النظام النقدي الدولي وإعطاء أهمية اكبر لدور صندوق النقدي الدولي والتوسع في استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة لكي تحل محل الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية. فحوى الاقتراح الصيني كما عرضه محافظ البنك المركزي هو أن يتم إنشاء عملة احتياط دولية لا ترتبط بدولة ما وتتسم بالاستقرار ومن ثم تحقق العدالة بين دول العالم أجمع، أي بالشكل الذي يؤدي إلى التغلب على أوجه القصور الناجمة عن استخدام عملة وطنية ترتكز على الائتمان الحكومي في إشارة واضحة إلى الدولار الأمريكي. عملة الاحتياط الدولية الجديدة المرشحة لكي تحل محل الدولار الأمريكي، كما تنادي الصين، إذن هي وحدات حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي.
مشكلة الصين كما هو واضح هي أنها لديها كميات هائلة من الاحتياطيات بالعملات الأجنبية بسبب فوائضها التجارية الضخمة، وبالدولار الأمريكي بصفة خاصة، وعندما تبحث عن سبل استثمار هذه الاحتياطيات في صورة آمنة وشبه سائلة فإنها لا تجد سوى أدوات الدين التي تصدرها الولايات المتحدة الأمريكية، فتقوم حاليا باستثمار هذه الاحتياطيات الضخمة بمعدلات فائدة متدنية جدا، الأمر الذي يجعل العلاقة بين الدولتين في هذا الجانب غير مريحة، فلا الصين ترغب في أن ترى أي تدهور في معدلات صرف الدولار كي لا تخسر جانبا من احتياطياتها، ولا الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في أن تحول الصين من تفضيلاتها حول استثمار هذه الاحتياطيات الضخمة نحو وجهة أخرى كي تضمن تسويقا سهلا لأدوات الدين التي تصدرها. بعض المحللين لا ينظرون إلى الاقتراح الصيني على انه اقتراح بريء ويرون انه يخفي طموحات صينية في أن تمهد الأجواء لليوان الصيني لكي يلعب دورا منافسا للدولار الأمريكي على المستوى الدولي، خصوصا مع تعاظم القوة التجارية للصين، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث بدون تقليل القوة العالمية للدولار الأمريكي.
ولكن هل يمكن بالفعل أن تلعب حقوق السحب الخاصة دور عملة الاحتياط العالمية، وهل يمكن أن يلعب صندوق النقد الدولي دور البنك المركزي للعالم. للإجابة على هذا السؤال لا بد وان نفهم أولا ما هية حقوق السحب الخاصة والدور الذي يلعبه صندوق النقد الدولي والمتطلبات الأساسية لعملة الاحتياط الدولية.
أصدر صندوق النقد الدولي وحدات حقوق السحب الخاصة لأول مرة عام 1969 على شكل عملة حسابية (أي في صورة قيود حسابية تضاف إلى احتياطيات الدول الأعضاء في الصندوق) لتستخدم كأحد عناصر السيولة الدولية، ويتم توزيعها على الدول الأعضاء وفقا لنسبة حصة كل عضو في رأس مال الصندوق، وهي بهذا الشكل تعد عملة رسمية، أي يقتصر التعامل فيها على البنوك المركزية في دول العالم، ومن ثم فان الأشخاص والشركات لا يتعاملون في هذه العملة ولا يرونها لأنها ليس لها وجود مادي كالدولار. معنى ذلك أن هذه العملة ليس لها سوق بالمعنى المتعارف عليه، وإنما يتم تحديد قيمتها مركزيا من خلال سلة عملات يختارها صندوق النقد الدولي وبناءا على أوزان تلك العملات في سلة عملات وحدة حقوق السحب الخاصة يتم تحديد معدل الصرف لها بالنسبة لباقي عملات العالم. وتتكون هذه السلة حاليا من أربع عملات هي الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي والين الياباني والجنيه الاسترليني. مقترح استخدام وحدة حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط دولية يقابله العديد من المشاكل الخطيرة أهمها:
1. أن صندوق النقد الدولي لا يستطيع حاليا أن يصدر كميات كافية منها للوفاء باستخدامات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط عالمية، كذلك فان الكميات المصدرة حاليا من وحدات حقوق السحب الخاصة تعد ضئيلة جدا مقارنة بحجم السيولة العالمية.
2. أن النظام الحالي لتوزيع الإصدار من حقوق السحب الخاصة (نسبة حصة العضو في رأس المال) لا يضمن حصول كل دولة على احتياجاتها من تلك العملة لأغراض الاحتياط، ويعطي الدول التي ترتفع حصتها في رأس مال الصندوق مثل الولايات المتحدة، ثقلا في التعاملات على هذه العملة دوليا، خصوصا فيما يتعلق بإقراض فوائض حصتها إلى الدول الأخرى.
3. أنها عملة بدون اقتصاد يعبر عن قوتها أو بنك مركزي يدافع عنها، أو احتياطيات كافية تسندها، على سبيل المثال فان إجمالي حجم احتياطيات صندوق النقد الدولي بأكمله اقل من أصول أي بنك تجاري كبير الحجم في العالم.
4. أن استخدامها يقتصر فقط على البنوك المركزية، والعملة لا تصبح دولية ومن ثم عملة احتياط، إلا إذا كان هناك استخدام كثيف لها على المستوى الدولي. وقد كانت هناك محاولات سابقة من قبل الصندوق للسماح للشركات المتعددة الجنسيات باستخدام وحدات حقوق السحب الخاصة، إلا أن التجربة لم تنجح.
5. إذا كانت وحدات حقوق السحب الخاصة محدودة الاستخدام، فإنها لا تصلح لاستخدامها كعملة احتياط، أي كعملة يستخدمها أي البنك المركزي للتدخل في سوق النقد الأجنبي للدفاع عن عملته المحلية، لأنه لن يجد الدينامكية السوقية اللازمة للتدخل السريع من خلال بيع أو شراء هذه العملة للتأثير على معدل صرف عملته المحلية.
6. أنه حتى لو تم استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط، فإنها لن تكون عملة ائتمان على المستوى الدولي، خصوصا خارج نطاق التعاملات الرسمية بين البنوك المركزية في دول العالم. وهو ما يقلل من قيمة هذه العملة كعملة احتياط، ويقلل من حجم العوائد التي يمكن أن تحققها البنوك المركزية من احتياطياتها.
7. أن استخدام وحدات حقوق السحب الخاصة كعملة احتياط على المستوى الدولي سوف يتطلب تغييرا هيكليا في حجم صندوق النقد الدولي وحجم موارده المالية ونسب مساهمة دول العالم في رأس ماله ودوره في فرض سياسات الاستقرار الاقتصادي على المستوي الدولي، وهو الأمر الذي قد يجد معارضة كبيرة من قبل القوى الاقتصادية العالمية بصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية.
كل هذه المشاكل يتلافاها العالم من خلال استخدام الدولار الأمريكي كعملة احتياط عالمية، ولذلك يشكل الدولار الأمريكي حاليا حوالي 80% من حجم التعاملات اليومية في السوق العالمي للصرف الأجنبي والذي يصل، وفقا لآخر الإحصاءات (قبل الأزمة)، إلى أكثر من 3 تريليون دولار يوميا، والباقي يتم أساسا باليورو وبدرجة اقل بعملات أخرى. لم يكتسب الدولار الأمريكي هذه المكانة من فراغ، فالدولار هو عملة اكبر اقتصاد في العالم والكميات المصدرة منه ضخمة جدا إلى الحد الذي يمكن أي دولة أن تحصل على احتياجاتها منه لأغراض الاحتياط مهما بلغت، ويدعمه سوق ائتمان ضخم هو اكبر سوق للائتمان قصير الأجل في العالم، ويساعده حجم ضخم جدا لأدوات الدين التي تمكن دول العالم من تحقيق الاستفادة المزدوجة من احتياطياتها بالدولار، أي استخدام الدولار كعملة احتياط من جانب، وتحقيق عوائد على تلك الاحتياطيات من خلال شراء أدوات الدين الأمريكي قصير الأجل من جانب آخر. هذه المزايا تعطي الدولار الأمريكي البعد الديناميكي كعملة احتياط مثلى على المستوى العالمي. ومن ثم فان بديل الدولار الأمريكي الذي يتمتع بهذه المزايا كعملة احتياط غير موجود بالفعل.
ولكن بفرض نجاح العالم في إيجاد بديل للدولار كعملة احتياط دولية، وهو احتمال ضئيل جدا، فهل يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي وتراجع دوره على المستوى العالمي؟ الإجابة هي أنه من غير الصحيح أن استخدام عملة أخرى غير الدولار الأمريكي كعملة احتياط دولية سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الأمريكي أو التأثير على دوره عالميا. فالاقتصاد الأمريكي لا يعتمد على ما يتم استخدامه من دولارات كعملة احتياط لدى البنوك المركزية في دول العالم، ذلك أن إيرادات الإصدار من الدولار للحكومة الأمريكية تمثل نسبة ضئيلة جدا من إجمالي إيراداتها العامة. غير أنه من المؤكد أن ذلك سيقلل من قيمة العملة الأمريكية دوليا، وقد يسبب مشكلات في الأجل القصير للاقتصاد الأمريكي، عندما تحاول البنوك المركزية في دول العالم التخلص من احتياطياتها الدولارية وتحويلها إلى عملة الاحتياط الأخرى غير الدولار الأمريكي، إلا أن القوة الاقتصادية الضاربة للولايات المتحدة سوف تضمن استمرار أهمية الدولار كعملة دولية حتى في ظل عملة احتياط جديدة، خصوصا إذا أصرت الولايات المتحدة على استمرار تسوية معاملاتها الدولية بعملتها المحلية. الدولار الأمريكي سيظل إذن عملة الاحتياط الأساسية للعالم وليس متوقعا في المنظور القصير أو المتوسط، أن يكون هناك بديل منافس للدولار يستطيع أن ينتزع منه هذا العرش، أي عرش عملة الاحتياط الدولية، وسوف يظل الدولار العملة التي على أساسها يتم تسعير أهم السلع التجارية مثل الذهب والنفط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق