السبت، أكتوبر ٢٣، ٢٠١٠

أسر كارثية

قد يصل السخف أو القهر بالشعوب إلى الاعتقاد، أو بالأحرى التظاهر بالاعتقاد، بأن الزعيم وجيناته المباركة هي الوحيدة القادرة على قيادة البلاد نحو الرفاهية والازدهار والرقي والتقدم والعدالة والمساواة والنمو... إلى آخر هذه القائمة الطويلة من المستهدفات التي غالبا ما لا يكون لها أي وجود على أرض الواقع، وحيث يلتفت المواطن يمنة ويسارا ليبحث حوله عن وجود لهذه المصطلحات على ارض الواقع فلا يجد منها سوى صور الرئيس المبجل تحيط بكل ما هو قبيح لتجمله أو لترتبط به.

اقتصاد كوريا الشمالية مازال يعيش اليوم في الجنة المزعومة للشيوعية العلمية، والتي هي ببساطة شديدة عبارة عن توليفة كارثية من المبادئ التي تختلف بصورة جذرية عن الخصائص الأصيلة التي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان بها، ولذلك ليس مستغربا أن تنتهي كل التجارب الشيوعية بآثار كارثية على الاقتصاد، بصفة خاصة على الشعب التعيس الذي يعيش ظروفا قاهرة في كوريا الشمالية، وهو يرى أبناء عمه على الطرف الجنوبي يعيشون حياة لا يراها إلا في أحلامه، وينتجون سلعا تملأ كافة أنحاء الدنيا، إلا البقعة التي يعيش فيها، ويتمتعون بدخول تزيد عن متوسط ما يحصل عليه الفرد في كوريا الشمالية بأكثر من 20 مرة.

عبارة صنع في كوريا لا نراها إلا على السلع التي تأتينا من كوريا الجنوبية، لمنتجات قهرت الماركات العالمية في أوروبا وأمريكا، مثل سامسونج وال جي وكيا وهيونداي .. الخ، بينما لا نرى عبارة صنع في كوريا الشمالية سوى على صواريخ سكود، التي يتم تهريبها إلى الدول المستوردة في بقع العالم الملتهبة، وربما أيضا، كما يقال، على أكياس الهيروين الذي يتم نقله سرا من خلال البعثات الدبلوماسية الكورية في العالم كما تشيع بعض التقارير، عدا ذلك فالأسواق خالية من أي سلع تحمل عبارة صنع في كوريا الشمالية، وكيف لكوريا الشمالية أن تصدر وهي أصلا لا تكاد تنتج ما يكفي لاحتياجات سكانها، وبصفة خاصة من الغذاء، حيث ينتشر سوء التغذية وأمراضه إلى الحد الذي يسمح به تدفقات المعونات الغذائية لشعب كوريا الشمالية الذي يموت منه مئات الآلاف بسبب المجاعة التي كانت أهم هدايا أسرة الزعيم المبجل "كيم أيل سونغ". كوريا الشمالية تصنع القنبلة الذرية، ومع ذلك لا يجد الناس فيها ما يكفيهم لاستيفاء قوت يومهم، إنها نفس التناقضات التي عاشها الاتحاد السوفيتي سابقا، حيث كانت سفن الفضاء السوفيتية تصعد الى القمر بينما لا يجد المواطن ما يأكله مساءا سوى سليق الكرنب.

منذ ان تولى الحكم الزعيم الفريد والعقل الأوحد هدية السماء "كيم أيل سونغ" زمام الأمور في الجزء الشمالي من شبه جزيرة كوريا وكتب على هذا الشعب المنكوب لعنة عائلة سونغ. بعد تاريخ حافل من الانجازات العظيمة التي جعلت من كوريا الشمالية واحدة من أفقر بلاد العالم، يرقد كيم أيل سونغ الآن في مثواه الأخير، ولكن تماثيله تملأ المكان، وهو يبتسم إلى المغفلين الذي يلقون إليه التحية جيئة وذهابا، ليشكروه على النعمة التي حلت بهم بمجيئه المبارك، والبركة التي حلت عليهم باستيلاء ابنه "كيم أيل جونغ" على عرشه بعد وفاته، ليجلب لهم المزيد من الخراب والهم والتعاسة. شعب كوريا الشمالية لا ينتمي إلى العالم الحديث الذي نعيش فيه بأي صلة، سوى ما يشاهده على التلفاز من برامج ومشاهد، تم عمل المونتاج اللازم لها لكي يبدو هذا العالم للمشاهد منهم بأن العالم الخارجي هو بالفعل جهنم بالنسبة إلى الجنة التي يعيشون فيها على الأرض في كوريا الشمالية.

اليوم يرقد كيم أيل جونغ الابن في سرير المرض، وربما تكون رقدته الأخيرة، لينتقل بجوار والده كيم أيل سونغ، ولكن الأخبار السيئة هي أنه ومنذ رقدته بدأت عملية تقديم ابنه وحفيد الرئيس سونغ، ابن السابعة والعشرين عاما "كيم جونغ إل" على أنه الزعيم الملهم القادم للشعب التعيس. للأسف كيم جون إل لا يعرف عنه أنه له أي خبرة سياسية سوى أنه كان ابن ابن الزعيم المبجل كيم أيل سونغ، كما أنه ليس لديه أي خبرة عسكرية أيضا تؤهله لكي يقود دولة تلعب العساكر فيها الدور الأساسي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن شياطين الحزب الحاكم لم يعدموا الوسيلة لتقديمه إلى الشعب على أنه صاحب المسيرة القادم، حيث تم تعيينه برتبة جنرال في الجيش الكوري، بدون أي مؤهلات عسكرية، وكذلك تم تكليفه بأرفع المهام العسكرية والسياسية في الدولة، مثلما كان الحال بالنسبة لأبوه، باعتباره الوحيد في هذا العالم القادر على قيادة زمام الأمور والدفاع عن حرية ورفاهية وسعادة الكوريين، التي لم يعد هناك اي شيء متبق منها للأسف.

بهذه المناسبة أعلن احد قادة الحزب الشيوعي الحاكم أن الشعب الكوري له الشرف أن يقوده الجنرال العظيم كيم جونغ إل، ولا أدري أين سر عظمته، ومن خول هذا المتحدث أن يتحدث باسم الشعب الكوري الذي تشرف بهذا الإعلان المرعب، إذ لا يتوقع من الحفيد إلا أن يسير على نفس النهج الكارثي الذي انتهجه جده كيم أيل سونغ وابنه من بعده كيم ال جونغ. مسكين شعب كوريا الشمالية، إن أمامه المزيد من السنوات العجاف التي ستجلبها لعنة أسرة سونغ عليه، حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا، وينتفض هذا الشعب ليتخلص من هذه الأسرة الكارثية، ولينضم كجنوبه إلى العالم المتحضر، أو ربما، وفقا لأفضل سيناريو في وجهة نظري، يتحد معه مثلما حدث في ألمانيا، ويومها سوف تنضم كوريا إلى قائمة أعظم دول العالم الصناعي، ولكن حتى يحدث ذلك سوف يستمر اقتصاد كوريا الشمالية لا يسير فيه شيء سوى أمور أسرة الرئيس العظيم. لعنة الاسر الكارثية لا تصيب كوريا الشمالية وحدها، فهناك العديد من دول العالم التي ابتلاها الله بمثل هذه الاسر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق