الجمعة، يونيو ٠٦، ٢٠١٤

اقتصاديات المياه المعبأة

تعد صناعة المياه المعبأة من الصناعات الحديثة نسبيا، حيث بدأت هذه الصناعة في العالم على نطاق واسع في بداية الثمانينيات تقريبا، ومنذ ذلك الوقت تتوسع هذه الصناعة بصورة جوهرية، ويذكر بعض المراقبين أن الصناعة لم تحقق أرباحا جوهرية لمصانع إنتاج المياه المعبأة إلا أخيرا، ويرجع ذلك إلى انخفاض تكلفة المدخلات التي تستخدمها لإنتاج المياه المعبأة، سواء باستخدام منابع المياه المعدنية في الأرض، أو باستخدام مصادر المياه المنزلية العادية.

ويتزايد حاليا نشاط تعبئة المياه باستخدام طرق معالجة مياه المنازل العادية، على سبيل المثال يقدر بأن 40 في المائة من المياه المعبأة في الولايات المتحدة هي مجرد مياه منازل عادية تمت معالجتها، كذلك يقدر أن نسبة هذه المياه تبلغ 25 في المائة من المياه المعبأة في كندا. ربما يكون من المثير للاهتمام الإشارة إلى أن بعض مصانع المياه الغازية في العالم تتحول اليوم بصورة متزايدة نحو صناعة المياه المعبأة كأحد مصادر الدخل الضخمة، على سبيل المثال فقد دخلت "بيبسي كولا" و"كوكا كولا" مجال تعبئة المياه، إضافة إلى نشاطهما الأساسي في تعبئة المياه الغازية، ويتمتع العديد من هذه الشركات، خصوصا تلك العالمية، بموقف تنافسي قوي جدا في سوق المياه المعبأة على مستوى العالم.

أكثر من ذلك فإن الشركات العاملة في هذه الصناعة لا تدفع غالبا رسوما عن استخدام آبار المياه المعدنية أو رسوما إضافية على مياه الاستهلاك العادية التي تعيد إنتاجها في صورة معبأة. ووفقا لبعض التقارير فإن شركات المياه الغازية على مستوى العالم مثل بيبسي كولا وكوكا كولا التي تعبئ المياه في الوقت الحالي تحقق إيرادات من المياه المعبأة تفوق تلك التي تحققها من المشروبات الغازية، ونظرا لتزايد اعتماد شركات المياه المعبأة على مياه المنازل للحصول على احتياجاتها من الماء، فإن البعض ينادي بتخصيص المياه حتى تتمكن الدولة من تحميل هذه الشركات التكلفة الحقيقية لها.

وتشير الدراسات إلى أن المياه المعبأة أصبحت بالنسبة لمئات الملايين من سكان العالم جزءا أساسيا من حياتهم. على سبيل المثال يقدر أن الأمريكيين ينفقون سنويا نحو 21 مليار دولار على المياه المعبأة، لذلك ينظر إلى صناعة المياه المعبأة على أنها من الأنشطة التجارية الواعدة في العالم. أكثر من ذلك فإن الطلب على المياه المعبأة يتزايد بصورة أكبر في الدول الفقيرة في العالم، لكن السؤال الأساسي هنا هو: ما سبب هذا التوسع الكبير في هذه الصناعة في عالم اليوم؟ ولماذا يتزايد استهلاك المياه المعبأة بالذات؟ الواقع أن هناك عوامل كثيرة تقف وراء هذا التوسع في صناعة المياه المعبأة في العالم، بعضها ينصرف إلى جانب الطلب والبعض الآخر ينصرف إلى جانب العرض.

يرجع النمو في الطلب على المياه المعبأة لعوامل عدة أهمها أنها ربما تكون أفضل طعما من مياه المنازل العادية، كما أنها أكثر نقاء، ومن ثم فإنها ربما تكون أكثر أمانا من المياه المنزلية العادية. أكثر من ذلك فإن تزايد اهتمام الناس بصحتهم أدى إلى تزايد القلق لدى قطاعات كبيرة من الناس حول درجة جودة مياه المنازل، خصوصا في الدول النامية.

كذلك أدى تزايد مستويات السمنة بين الناس في العالم إلى تزايد الاهتمام بالمياه المعبأة باعتبارها بديلا مناسبا للمشروبات المختلفة المعبأة التي تحتوي غالبا على السكر، ودائما ما يوصي الأطباء بزيادة استهلاك المشروبات الخالية من السكر، مثل المياه بدلا من استهلاك المشروبات المعبأة الأخرى، لمواجهة ارتفاع معدلات السمنة وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري وانتشار أمراض القلب. لذلك ينظر إلى المياه المعبأة اليوم على أنها أحد الخيارات لحياة صحية سليمة، وهناك ادعاءات بأن المياه المعدنية بالذات لها فوائد علاجية مقارنة بمياه المنازل العادية، وإن كانت منظمة الصحة العالمية لم تجد ما يؤيد ذلك.

كذلك يعكس تزايد الطلب على هذه المياه عدم قدرة التسهيلات الحكومية أو البلدية القائمة على إنتاج وتوفير مياه للشرب ذات جودة عالية أو موثوق في درجة أمان استخدامها من جانب الإنسان، واتساع درجة التحضر بالهجرة من الريف إلى المدن وما يصاحب ذلك من ارتفاع في مستوى المعيشة، فضلا عن الخوف من انتشار الأمراض المصاحبة لاستخدام المياه العادية، ففي دراسة عن المياه المعبأة في الهند تم التوصل إلى أنه ما بين 1999-2004 زاد الطلب على المياه المعبأة بنسبة 25 في المائة سنويا، وهو واحد من أعلى معدلات النمو في العالم. بالطبع الملايين من الناس في الهند تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب، حيث لا تصل المياه إلى جانب كبير من المنازل أو حتى في حال وصولها لا تكون بالجودة المناسبة للإنسان، ومن ثم فإن فشل السلطات في توفير خدمات المياه على نحو مناسب يفتح الباب على مصراعيه أمام صناعة مربحة للمياه المعبأة في دولة مثل الهند.

في جانب العرض تلعب الأرباح المرتفعة التي تحققها الشركات العاملة في الصناعة، فضلا عن سهولة وصول هذه الشركات لمصادر المياه سواء كانت المعدنية أو مياه المنازل العادية، الدور الأساسي في ارتفاع العرض من هذا المنتج للناس، إذ تشير الدراسات إلى أن المياه المعبأة سعرها مرتفع للغاية. على سبيل المثال فإن برميلا من المياه المعبأة يفوق في سعره برميلا من الغاز، حيث يتم بيع مياه المنازل العادية بمئات أضعاف سعرها الحقيقي، بعد أن يتم إجراء بعض العمليات عليها لرفع درجة نقائها وتعزيز جودتها، وبهذا الشكل تحقق هذه الشركات أرباحا ضخمة، وبفضل هذه الأرباح تستطيع شركات المياه المعبأة أن تنفق مليارات الدولارات على عمليات الإعلان التي تقوم بها بصورة سنوية باستخدام كل الوسائل وصولا إلى جيب المستهلك.

وعلى الرغم من الآثار الاقتصادية الإيجابية للمياه المعبأة، فإن المطالب تتزايد بحظر هذا النوع من المياه نظرا لأضراره السلبية على البيئة الناتجة عن استهلاك كميات ضخمة جدا من الزجاجات البلاستيكية التي تلقى في القمامة يوميا، بل إن بعض الأماكن بدأت بالفعل في منع بيع المياه المعدنية فيها، وهو اتجاه خاطئ، ذلك أن هناك مئات الأنواع من السوائل الأخرى التي تتم تعبئتها في زجاجات بلاستيكية وتلقى في القمامة يوميا في العالم. أكثر من ذلك فإن حظر بيع المياه المعبأة سيجبر الجمهور على استخدام بدائلها، وهي المشروبات المثلجة، التي تحتوي غالبا على السكر، ليتم استبدال مشروب خال من المواد السكرية نقي من أي ألوان أو إضافات صناعية، إلى مشروبات تعج بهذه الإضافات، فتكون النتائج أسوأ على صحة الناس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق