سياسات الدعم المعمم Generalized التي تتبعها دول مثل مصر دائما ما تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل، وغالبا ما يترتب عليها نوع من عدم العدالة في الاستفادة من الدعم، مع اتجاه الدعم نحو غير المستحقين له بصورة أساسية، مع ارتفاع درجة استفادة الأغنياء منه بصورة أكبر من استفادة الفقراء، الذين من المفترض أن يتجه الدعم لهم أساسا. غير أن أسوأ نتائج الدعم المعمم تتمثل في تزايد الحاجة إلى رصد المزيد من الميزانيات له، نظرا لتزايد الاستهلاك من السلع المدعمة بمرور الوقت، لعدة عوامل أهمها زيادة عدد السكان، وارتفاع مستويات الدخول، مما يتسبب في زيادة الإنفاق العام، وعندما تقصر الإيرادات العامة للدولة عن النمو بمعدلات موازية للنمو في الإنفاق العام، فإن عجز الميزانية العامة للدولة يأخذ في التزايد، وهو ما يترتب عليه ارتفاع مستويات الدين العام، خصوصا مع تردد الحكومات في معالجة الآثار السلبية للدعم والتوقف عن التدخل في قوى السوق بفرض أسعار محددة للسلع المدعمة.
هذه الصورة تنطبق تماما على الحالة المصرية، فعلى مدى السنوات الماضية أصبح واضحا للعيان أن الوضع المالي لمصر أصبح غير مستدام تحت أي سيناريو من السيناريوهات، وأن استمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه سيترتب عليه نتيجة واحدة، وهي أن تتحول مصر إلى دولة فاشلة، غير قادرة على سداد التزاماتها، سواء الداخلية أو الخارجية، نظرا لتزايد العجز المالي بها إلى مستويات مرتفعة للغاية كنسبة من الناتج، تتجاوز بشكل كبير الحدود الآمنة، مما يؤدي إلى تراكم ديونها، سواء الداخلية أو الخارجية وارتفاعها كنسبة من الناتج على النحو الذي يؤدي إلى آثار سلبية متعددة.
فحاليا يصل عجز الميزانية المصرية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرعبة، تصل إلى أكثر من أربعة أضعاف الحدود شبه الآمنة للعجز "3 في المائة من الناتج تقريبا"، ولا شك أن الآثار التي تترتب على عجز بهذه المستويات هي انفجار الدين العام في المستقبل، نظرا لأن مدفوعات الفوائد على الدين ستميل إلى أن تكون أعلى من معدلات النمو في الناتج الحقيقي، خصوصا وأن نسبة الدين العام تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي المصري.
من أهم وأخطر أشكال الدعم في مصر هو دعم الوقود والذي يمثل جانبا جوهريا من الإنفاق العام للحكومة المصرية، فأسعار المشتقات النفطية في مصر من بين الأقل في العالم، حيث تحتل مصر المركز الثامن في قائمة أرخص الدول في العالم من حيث أسعار المشتقات النفطية، مع أنها ليست دولة نفطية، بالطبع مثل هذا الوضح تكون آثاره على الميزانية وعلى الدين العام الخارجي خطيرة، ويقدر دعم أسعار الطاقة حاليا بنحو 20 مليار دولار "140 مليار جنيه مصري تقريبا"، تشكل نحو 20 في المائة من الإنفاق العام للدولة.
هذا الأسبوع طالعتنا وسائل الإعلام عن اتخاذ مصر حزمة من الإجراءات تهدف إلى تعديل أسعار بعض السلع المدعمة للحد من الضغوط على الميزانية العامة، والتي تركزت أساسا في تعديل أسعار الطاقة، حيث تم رفع سعر البنزين 95 من 5.85 جنيه إلى 6.26 جنيه، أي بنسبة 7 في المائة، والبنزين 92 من 1.85 جنيه إلى 2.60 جنيه، أي بنسبة 40 في المائة، والبنزين 80 من 0.90 إلى 1.60 جنيه، أي بنسبة 78 في المائة، وهي أعلى نسبة بين مختلف أنواع الوقود. أما بالنسبة للسولار فقد تم رفع سعر اللتر من 1.10 جنيه، إلى 1.80 جنيه، أي بنسبة 63 في المائة.
من المتوقع أيضا أن يتم في إطار هذه الإصلاحات مضاعفة أسعار الكهرباء، حيث يتم رفع الدعم عنها تماما بنهاية السنوات الخمس المقبلة. فوفقا للدراسات التي أجريت على القطاع وجد أن أحد أسباب تدهور قطاع الكهرباء هو الدعم وبيع الكهرباء بأسعار بخسة مقارنة بالتكلفة الحقيقية لها، فكانت النتيجة أن تدهورت مستويات الصيانة في محطات التوليد، وتعطلت خطط التوسع لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء في الدولة، الأمر الذي ترتب عليه نشوء أزمة في امدادات الكهرباء حاليا. أكثر من ذلك فقد تم إقرار بعض الإصلاحات الضريبية بهدف زيادة الإيرادات العامة للدولة.
مما لا شك أن هذه الزيادات في الأسعار تعد مرتفعة للغاية، خصوصا في اقتصاد ترتفع فيه مستويات الفقر، حيث يعيش أكثر من ربع السكان على دولارين يوميا، ولكنها للأسف الشديد تعكس خطأ الحكومات السابقة، والتي طالما أجلت التعامل مع ملف الدعم، خشية المخاطر السياسية والأمنية التي يمكن أن تصاحب معالجته، حتى استفحلت تكاليفه وأصبح الإنفاق عليه بمستوياته الحالية أمرا غير مستدام في ظل أي سيناريو للميزانية.
وفقا للتقديرات يتوقع أن يترتب على رفع أسعار الطاقة انخفاض دعم الوقود بنحو ستة مليارات دولار (42 مليار جنيه)، وأخذا في الاعتبار أثر السياسات الأخرى، يفترض أن تتراجع نسبة عجز الميزانية إلى الناتج من 14 في المائة في السنة المالية 2013/2014 إلى 10 في المائة فقط في السنة المالية 2015/2016.
من المتوقع بالطبع أن يكون للقرارات الأخيرة انعكاسات سياسية سلبية على الحكومة الحالية، خصوصا وأن هذه القرارات تأتي في وقت غير مناسب، حيث يواجه الاقتصاد المصري تراجعا واضحا في معدلات نموه مقارنة بمتوسط معدل النمو قبل الثورة، فضلا عن ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما يضع رجل الشارع تحت مطرقة ارتفاع تكاليف المعيشة على النحو الذي لا يقابله نمو موازٍ في مستويات الدخول، ويمكن القول إنه قد تم اختيار هذا التوقيت بذكاء لتمرير هذه السياسات دون مقاومة، وذلك تفاديا للتعقيدات التي كان من الممكن مواجهتها لو كان هناك برلمان يتولى مناقشة هذه التعديلات وإقرارها.
حتى الآن لا يمكن تحديد الآثار التضخمية لخفض الدعم عن هذه السلع الأساسية بدقة، ولا يمكن أيضا معرفة آثارها الانكماشية على الاقتصاد المصري، ولكن من المؤكد أن خفض دعم هذه المدخلات الأساسية سيتسبب في ارتفاع مستويات الأسعار للكثير من السلع بصورة مباشرة بصفة خاصة أسعار الغذاء، أو بصورة غير مباشرة نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل عام نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة.
لقد أدى التأخر في معالجة ملف الدعم إلى تراكم الضغوط للإصلاح في مناخ غير موائم تماما، فمصر الآن ينتشر فيها الفقر بصورة أكثر من أي وقت مضى، كما ترتفع فيها معدلات التضخم على نحو واضح وتتراجع فيها قيمة العملة بصورة سريعة، وتنخفض القوة الشرائية للدخول بالتبعية نتيجة لذلك، مما يعقد من الآثار السلبية لهذه السياسات. أكثر من ذلك فإن هذه الاصلاحات غالبا ما ستكون من طرف واحد، أي قد لا تقابلها زيادات موازية في مستويات الدخول أو تعويض مباشر للفئات الأكثر تضررا، وهي بلا شك تكلفة سيدفع ثمنها الكثيرون من الشعب المصري، ومع ذلك تظل هذه الإصلاحات أمرا حتميا، وأن أي تأخير في معالجتها ستترتب عليه آثار سلبية أوسع على المدى الطويل.
هذه الصورة تنطبق تماما على الحالة المصرية، فعلى مدى السنوات الماضية أصبح واضحا للعيان أن الوضع المالي لمصر أصبح غير مستدام تحت أي سيناريو من السيناريوهات، وأن استمرار الأوضاع الحالية على ما هي عليه سيترتب عليه نتيجة واحدة، وهي أن تتحول مصر إلى دولة فاشلة، غير قادرة على سداد التزاماتها، سواء الداخلية أو الخارجية، نظرا لتزايد العجز المالي بها إلى مستويات مرتفعة للغاية كنسبة من الناتج، تتجاوز بشكل كبير الحدود الآمنة، مما يؤدي إلى تراكم ديونها، سواء الداخلية أو الخارجية وارتفاعها كنسبة من الناتج على النحو الذي يؤدي إلى آثار سلبية متعددة.
فحاليا يصل عجز الميزانية المصرية إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة مرعبة، تصل إلى أكثر من أربعة أضعاف الحدود شبه الآمنة للعجز "3 في المائة من الناتج تقريبا"، ولا شك أن الآثار التي تترتب على عجز بهذه المستويات هي انفجار الدين العام في المستقبل، نظرا لأن مدفوعات الفوائد على الدين ستميل إلى أن تكون أعلى من معدلات النمو في الناتج الحقيقي، خصوصا وأن نسبة الدين العام تجاوزت الناتج المحلي الإجمالي المصري.
من أهم وأخطر أشكال الدعم في مصر هو دعم الوقود والذي يمثل جانبا جوهريا من الإنفاق العام للحكومة المصرية، فأسعار المشتقات النفطية في مصر من بين الأقل في العالم، حيث تحتل مصر المركز الثامن في قائمة أرخص الدول في العالم من حيث أسعار المشتقات النفطية، مع أنها ليست دولة نفطية، بالطبع مثل هذا الوضح تكون آثاره على الميزانية وعلى الدين العام الخارجي خطيرة، ويقدر دعم أسعار الطاقة حاليا بنحو 20 مليار دولار "140 مليار جنيه مصري تقريبا"، تشكل نحو 20 في المائة من الإنفاق العام للدولة.
هذا الأسبوع طالعتنا وسائل الإعلام عن اتخاذ مصر حزمة من الإجراءات تهدف إلى تعديل أسعار بعض السلع المدعمة للحد من الضغوط على الميزانية العامة، والتي تركزت أساسا في تعديل أسعار الطاقة، حيث تم رفع سعر البنزين 95 من 5.85 جنيه إلى 6.26 جنيه، أي بنسبة 7 في المائة، والبنزين 92 من 1.85 جنيه إلى 2.60 جنيه، أي بنسبة 40 في المائة، والبنزين 80 من 0.90 إلى 1.60 جنيه، أي بنسبة 78 في المائة، وهي أعلى نسبة بين مختلف أنواع الوقود. أما بالنسبة للسولار فقد تم رفع سعر اللتر من 1.10 جنيه، إلى 1.80 جنيه، أي بنسبة 63 في المائة.
من المتوقع أيضا أن يتم في إطار هذه الإصلاحات مضاعفة أسعار الكهرباء، حيث يتم رفع الدعم عنها تماما بنهاية السنوات الخمس المقبلة. فوفقا للدراسات التي أجريت على القطاع وجد أن أحد أسباب تدهور قطاع الكهرباء هو الدعم وبيع الكهرباء بأسعار بخسة مقارنة بالتكلفة الحقيقية لها، فكانت النتيجة أن تدهورت مستويات الصيانة في محطات التوليد، وتعطلت خطط التوسع لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء في الدولة، الأمر الذي ترتب عليه نشوء أزمة في امدادات الكهرباء حاليا. أكثر من ذلك فقد تم إقرار بعض الإصلاحات الضريبية بهدف زيادة الإيرادات العامة للدولة.
مما لا شك أن هذه الزيادات في الأسعار تعد مرتفعة للغاية، خصوصا في اقتصاد ترتفع فيه مستويات الفقر، حيث يعيش أكثر من ربع السكان على دولارين يوميا، ولكنها للأسف الشديد تعكس خطأ الحكومات السابقة، والتي طالما أجلت التعامل مع ملف الدعم، خشية المخاطر السياسية والأمنية التي يمكن أن تصاحب معالجته، حتى استفحلت تكاليفه وأصبح الإنفاق عليه بمستوياته الحالية أمرا غير مستدام في ظل أي سيناريو للميزانية.
وفقا للتقديرات يتوقع أن يترتب على رفع أسعار الطاقة انخفاض دعم الوقود بنحو ستة مليارات دولار (42 مليار جنيه)، وأخذا في الاعتبار أثر السياسات الأخرى، يفترض أن تتراجع نسبة عجز الميزانية إلى الناتج من 14 في المائة في السنة المالية 2013/2014 إلى 10 في المائة فقط في السنة المالية 2015/2016.
من المتوقع بالطبع أن يكون للقرارات الأخيرة انعكاسات سياسية سلبية على الحكومة الحالية، خصوصا وأن هذه القرارات تأتي في وقت غير مناسب، حيث يواجه الاقتصاد المصري تراجعا واضحا في معدلات نموه مقارنة بمتوسط معدل النمو قبل الثورة، فضلا عن ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه، وهو ما يضع رجل الشارع تحت مطرقة ارتفاع تكاليف المعيشة على النحو الذي لا يقابله نمو موازٍ في مستويات الدخول، ويمكن القول إنه قد تم اختيار هذا التوقيت بذكاء لتمرير هذه السياسات دون مقاومة، وذلك تفاديا للتعقيدات التي كان من الممكن مواجهتها لو كان هناك برلمان يتولى مناقشة هذه التعديلات وإقرارها.
حتى الآن لا يمكن تحديد الآثار التضخمية لخفض الدعم عن هذه السلع الأساسية بدقة، ولا يمكن أيضا معرفة آثارها الانكماشية على الاقتصاد المصري، ولكن من المؤكد أن خفض دعم هذه المدخلات الأساسية سيتسبب في ارتفاع مستويات الأسعار للكثير من السلع بصورة مباشرة بصفة خاصة أسعار الغذاء، أو بصورة غير مباشرة نتيجة ارتفاع تكاليف النقل وارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل عام نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة.
لقد أدى التأخر في معالجة ملف الدعم إلى تراكم الضغوط للإصلاح في مناخ غير موائم تماما، فمصر الآن ينتشر فيها الفقر بصورة أكثر من أي وقت مضى، كما ترتفع فيها معدلات التضخم على نحو واضح وتتراجع فيها قيمة العملة بصورة سريعة، وتنخفض القوة الشرائية للدخول بالتبعية نتيجة لذلك، مما يعقد من الآثار السلبية لهذه السياسات. أكثر من ذلك فإن هذه الاصلاحات غالبا ما ستكون من طرف واحد، أي قد لا تقابلها زيادات موازية في مستويات الدخول أو تعويض مباشر للفئات الأكثر تضررا، وهي بلا شك تكلفة سيدفع ثمنها الكثيرون من الشعب المصري، ومع ذلك تظل هذه الإصلاحات أمرا حتميا، وأن أي تأخير في معالجتها ستترتب عليه آثار سلبية أوسع على المدى الطويل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق