الجمعة، يوليو ١٨، ٢٠١٤

تناطح الرؤوس .. هل تنهي مجموعة البريكس الهيمنة الاقتصادية الأمريكية؟

تستعد دول مجموعة البريكس BRICS والتي تتكون من خمس دول ناشئة في العالم وهي بالترتيب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، لإرساء الأسس التي تؤهلها لأن تصبح كيانا اقتصاديا مؤثرا على المستوى الدولي. فمنذ إنشائها كتجمع اقتصادي لمواجهة النفوذ الغربي، بصفة خاصة الأمريكي، لم تستطع مجموعة البريكس أن تترك لمسة واضحة على الصعيد الاقتصادي العالمي، على الرغم من أن هذه المجموعة تمثل نحو خمس حجم الاقتصاد العالمي، كما أنها مسؤولة عن نحو 50 في المائة من النمو الحالي فيه تقريبا، ويتعزز دور هذه الدول في التجارة العالمية بقيادة الصين.

تحاول مجموعة البريكس أن تحول العالم الذي نعيش فيه في الوقت الحالي، والذي يتسم بأنه أحادي القطب، الى عالم تتكافأ فيه مواطن التأثير على المستوى الدولي، بعد أن سئم العالم الهيمنة الأمريكية وسيطرتها على كل محاور صناعة القرار على المستوى العالمي، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، فعبر سنوات منذ إنشائها تحاول مجموعة البريكس إصلاح المؤسسات الاقتصادية الدولية متعددة الأطراف، ممثلة في صندوق النقد الدولي، وكذلك البنك الدولي لكي تحصل الدول الناشئة على مزيد من التأثير، بصفة خاصة فيما يتعلق بإصلاح نظم التصويت في هذه المؤسسات، على النحو الذي يتوافق مع نمو وضعها في الاقتصاد العالمي والتجارة العالمية، ولكن مقاومة الولايات المتحدة حالت دون أن تحقق هذه الدول تقدما يذكر في إعادة هيكلة هذه المؤسسات العالمية لكي تعكس التطورات الفعلية في الأهمية النسبية للمجموعات الاقتصادية المختلفة على الصعيد العالمي.

فقد استمرت الولايات المتحدة وعدد قليل من الدول الغربية تسيطر على إدارة هذه المؤسسات متعددة الأطراف، وتوجه سياساتها وفقا لرؤيتها، في الوقت الذي لا تتمتع المجموعة، على الرغم من ثقلها الدولي، بدور يذكر في هذه المؤسسات، بل وللتأكد من استمرارية هيمنتها عالميا، غالبا ما تحاول الولايات المتحدة صرف الكتل المختلفة عن إنشاء المؤسسات التي قد تعزز من درجة استقلاليتها، حيث ينظر إلى مثل هذه المحاولات على أنها تهدد الهيمنة الأمريكية، مثلما حدث عندما حاولت الدول الناشئة في آسيا بقيادة اليابان إنشاء صندوق على نسق صندوق النقد الدولي لتدبير التمويل اللازم للدول الأعضاء في حال مواجهتها مصاعب مالية.

اجتمع هذا الأسبوع رؤساء دول مجموعة البريكس في البرازيل لاتخاذ القرار النهائي بإنشاء مؤسستين في غاية الأهمية، الأولى هي إنشاء بنك التنمية الخاص بالمجموعة تحت اسم "بنك التنمية الجديد"، برأسمال 100 مليار دولار، والذي سيتخصص في تمويل مشروعات البنية التحتية في دول المجموعة وكذلك في الاقتصادات الأخرى في العالم، وهو الدور الذي يلعبه البنك الدولي للتعمير والتنمية نفسه، بالطبع دول البريكس بما لديها من احتياطيات ضخمة تمكنها من تمويل رأس المال اللازم للمصرف بسهولة نسبيا، وبشكل عام فإن المصارف سيعزز الدور الذي تلعبه المجموعة على النطاق العالمي، خصوصا في تمويل الاحتياجات المالية للدول الناشئة، حيث سيوفر مصدرا إضافيا للتمويل، وهو ما يعطي هذه الدول سيطرة أكبر على قرارات التمويل التي يمكن أن تؤثر فيها بشكل مباشر. يقول فلاديمير بوتن "أن المصرف سيمكننا من أن ننفذ خططا مشتركة خاصة بالتنمية"، وسيبدأ البنك برأسمال 50 مليارا يتم تقسيمها بالتساوي بين الدول الأعضاء، على أن ينمو رأسمال المصرف في النهاية الى 100 مليار دولار، وفقا لمذكرة الاتفاق التي تمت بين الدول الأعضاء.

اتفق رؤساء مجموعة البريكس هذا الأسبوع على ينشأ المصرف في الصين، في مدينة شنغهاي، يتولى رئاسته رئيس من الهند، بينما يكون رئيس مجلس المحافظين من روسيا، ورئيس المديرين التنفيذيين من البرازيل، في الوقت الذي سيتم فيه إنشاء أول فرع للمصرف في جنوب إفريقيا، وينتظر أن ينقل بنك التنمية دول البريكس نقلة مختلفة على صعيد الوضع الاقتصادي الدولي، حيث يعزز قوى التعاون فيما بينها ويزيد من الأهمية الحيوية التي تلعبها هذه المجموعة في الاقتصاد العالمي.

مع قرارها بإنشاء بنك التنمية الجديد نادت المجموعة بضرورة الإسراع بتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها في صندوق النقد الدولي التي تستهدف زيادة رأسمال الصندوق ومن ثم رفع قدرته على تدبير التسهيلات الائتمانية اللازمة لدول العالم، والمصحوبة بخطة إصلاح لتعديل الحصص والقوة التصويتية للأعضاء في الصندوق والتي ما زال الكونجرس الأمريكي رافضا لإقرارها حتى الآن.

من ناحية أخرى، وبموجب اتفاق البريكس سيتم إنشاء ما يسمى صندوق الترتيبات الاحتياطية المشروطة Contingent Reserve Arrangement والذي يسمح بتخصيص 100 مليار دولار تسهم فيها الصين بـ 41 مليارا وجنوب إفريقيا بخمسة مليارات دولار، أما باقي قيمة المساهمات فتوزع بالتساوي بين باقي الدول. ويهدف الصندوق إلى تخفيض تقلبات العملات ولمواجهة تأثير السياسات النقدية التوسعية للولايات المتحدة في عملات هذه الدول، والمساهمة في إحداث الاستقرار المناسب لمعدلات الصرف في الدول الأعضاء، حيث سيعمل الصندوق على مواجهة آثار خروج رؤوس الأموال المفاجئ من هذه الدول حتى تتجنب مخاطر تخفيض قيمة عملاتها، من خلال عمليات تبادل العملات مع الصندوق كإجراء احترازي لمساعدة هذه الدول في التعامل مع الأزمات التي يمكن أن تواجه عملاتها، وهي المهمة التي يضطلع بها أساسا صندوق النقد الدولي، غير أن الدور الذي يلعبه الصندوق كملجأ أخير مربوط إلى حد كبير بشروط قاسية، حيث تواجه الدول المضطربة ماليا صعوبات عديدة في الحصول على التمويل الذي تحتاج إليه من الصندوق بسبب الشروط المعقدة التي يضعها، خصوصا فيما يتعلق بربط عمليات التمويل ببرنامج نمطية للإصلاح غالبا ما تكون غير شعبية وتسبب الكثير من الاضطرابات في الدول المقترضة.

بشكل عام ينظر إلى هاتين المؤسستين على أنهما سيلعبان دور المنافس لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مجتمعين، حيث تهيمن الإدارة الأمريكية على كل صغيرة وكبيرة فيهما، وينظر المراقبون إلى إنشاء مثل هذه المؤسسات على أنها ستمثل نقطة تحول نوعية في كيان المجموعة، حيث ستساعد على تعميق إطار التعاون بين دول المجموعة، كذلك تنظر البريكس إلى هذه الخطوة على أنها تمثل مبادرة ذاتية لإصلاح النظام الاقتصادي العالمي متعدد الأطراف الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة من خلال قوتها التصويتية المسيطرة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

لا شك أن أكثر السعداء بهذه التطورات هي روسيا والتي تحاول أن تجمع أكبر قدر من التحالفات في مواجهة الغرب نتيجة صراعها مع الغرب القائم حول أوكرانيا، والتي تواجه حاليا موجات من المقاطعة التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها من الاتحاد الأوروبي لثني روسيا عن خططها المرتبطة بأوكرانيا. فهل يمكن بالفعل أن تقيم دول البريكس نظاما عالميا جديدا، ربما تحمل السنوات المقبلة الإجابة عن هذا السؤال.

هناك تعليق واحد: