تنص قوانين الرقابة المصرفية في جميع النظم على أن تحتفظ البنوك بحد أدنى من السيولة، وذلك حتى تتجنب المخاطر التي تصاحب زيادة إقبال المودعين على سحب مودعاتهم من البنوك Bank runs، ذلك أن النظام المصرفي في أي دولة في العالم يقوم على أساس واحد، وهو الثقة، إذا انهارت ثقة المودعين في أي بنك، فإن هذا البنك لا محالة سينهار، ومن الممكن أن يتسبب في انهيار النظام المصرفي كله، فتراجع الثقة مثل الوباء، لا يقتصر تأثيره فقط على البنك الذي يعاني أزمة سيولة، وإنما يمتد حتى إلى أفضل البنوك من حيث متانة مستويات السيولة لديها، فإذا تراجعت الثقة في قدرة بنك ما على سداد مودعات الناس، فإن المودعين في البنوك الأخرى يصيبهم ما يسمى بالذعر المالي Financial Panic، فيهرعون الى بنوكهم لتأمين احتياجاتهم من السيولة خشية أن تتوقف البنوك عن سداد احتياجات المودعين في وقت ما.
خلال الأسبوعين الماضيين تعرض بنكين في بلغاريا لحالات سحب غير عادية من المودعين مما أدى إلى تبخر السيولة لديهما، وهما بنكCorporate Commercial Bank (Corpbank وبنكFirst Investment Bank (FIB)، الأمر الذي اشاع حالة من عدم الثقة لدى المحللين في العالم، بل إن البعض تنبأ بقرب انهيار النظام المصرفي في بلغاريا نتيجة لذلك.
تبدأ قصة Corpbank، والذي يعتبر رابع أكبر بنك مقرض في بلغاريا، بعد عدة تقارير غير مواتية نشرتها وسائل الإعلام عن وجود حالة خلاف بين اثنين من كبار المساهمين الذين لهم روابط وثيقة بالتجمعات السياسية في الدولة، واللذين يمتلكان حصصا مؤثرة في أسهم البنك، ويدعي أحدهما أن الآخر حاول اغتياله، مما ترتب عليها تعرض البنك لحالات سحب غير اعتيادية للمودعات من جانب عملاء البنك تسببت في عدم قدرته على مواجهة طلبات العملاء بالسحب، مما اضطر البنك إلى وقف عمليات السحب.
لقد أشار البنك ذاته خلال الأسبوع الماضي إلى أنه تعرض لحملة غير مسبوقة ضده من وسائل الإعلام، مما تسبب في انهيار ثقة المودعين في قدرة البنك على الوفاء بالتزاماته نحوهم، ولا شك أن مثل هذه التقارير تعد في غاية الخطورة نظرا لأنها تشيع حالة من الذعر بين عملاء البنك حول درجة متانة البنك ومدى قدرته على الحفاظ على مودعاتهم بأمان، وواقع الأمر أن التقارير السلبية عن البنك لم يتوقف نشرها على وسائل الإعلام المحلية، وإنما امتدت أيضا إلى وسائل الإعلام في العالم، وبالفعل كان من الممكن أن ينهار النظام المصرفي البلغاري إذا لم يتم التعامل مع مشكلة Corpbank بالحكمة والحصافة المناسبين.
ووفقا لتصريحات مدير البنك المركزي البلغاري فإن Corpbank لا يواجه حالة إفلاس، وأن البنك المركزي سيتحرك على النحو المناسب للحيلولة دون انهياره، وذلك لتجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب انهيار هذا البنك على البنوك الأخرى بل وعلى النظام المالي في الدولة كله، أو ما يسمى بحالة العدوى المالية Contagion.
لإنقاذ البنك من الانهيار قام البنك المركزي في بلغاريا بوضع البنك تحت إدارته، وأعلن السيطرة على عمليات البنك لمدة ثلاثة أشهر وقام بإبعاد إدارته، أكثر من ذلك شرع البنك المركزي في إعداد خطة لعملية تأميمه من خلال إعادة رسملته من خلال بنك التنمية الحكومي وصندوق تأمين المودعات.
يوم الجمعة الماضي تعرض بنكFirst Investment Bank ، وهو ثالث أكبر البنوك في البلاد، لعمليات سحب غير اعتيادية، وهو ما عزز المخاوف من احتمالات أن تواجه البنوك البلغارية مشكلة واسعة النطاق عندما تفتح البنوك أبوابها في أول أيام هذا الأسبوع، هذه المرة كانت الحملة على البنك منظمة من جانب أطراف تريد لهذا البنك الانهيار، وذلك من خلال قيامها بإرسال رسائل هاتفية للمودعين تحذرهم فيها من أن البنك سيتعرض للإفلاس، الأمر الذي دفع بالمودعين إلى الاصطفاف أمام فروع البنك طالبين سحب أموالهم، وهو ما كاد أن ينتهي بانهيار البنك، وقد عبر مدير البنك المركزي عن هذه الحادثة بأن البنوك البلغارية تتعرض لحملة اجرامية منظمة. يوم الإثنين الماضي أعلنت وكالة الأمن الوطني أنها قامت بالفعل بالقبض على عدد من الأشخاص ذوي العلاقة بنشر المعلومات الخاطئة وذلك من خلال تتبع الرسائل الإلكترونية المرسلة من حواسيبهم.
مما يعزز من أثر الذعر المالي الذعر المالي بين المودعين ارتفاع درجة حساسية المودعين لأية أخبار غير مواتية عن البنوك التي يتعاملون معها نتيجة لعدة عوامل أهمها، أن هناك أزمة سياسية أصلا في بلغاريا، حيث تتصاعد الضغوط بين الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد مما ترتب عليه تقرير إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في اكتوبر القادم، ساعد على تعقيدها ضعف معدلات النمو الاقتصادي في واحد من أفقر اقتصادات الاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى، فإن هذه هي أزمة السيولة الثانية التي تتعرض لها البنوك البلغارية في العقدين الماضيين، وكانت البنوك البلغارية قد تعرضت لأزمة كبيرة في أوقات التضخم الجامح الذي اجتاح البلاد، مما أدى إلى انهيار 12 بنكا، وقد خسر معظم المودعين ما بين 60 إلى 70 في المائة من مودعاتهم في الأزمة الأولى عام 1996، والتي ما زالت أثارها عالقة في الأذهان حتى اليوم، وأخيرا يجب ألا ننسى أن العالم يمر بحالة أزمة اقتصادية عميقة، بصفة خاصة في أوروبا، والتي تمثل مناخا مثاليا لحالات الذعر المالي.
لمنع تكرار أزمة 1996، أعلن البنك المركزي عن سلسلة من الإجراءات تهدف جميعها إلى تدبير احتياجات السيولة اللازمة للبنوك لمواجهة طلبات المودعين بالسحب عند أي مستوى، فتم فتح خطوط السيولة أمام بنك FIB والبنوك الأخرى لمواجهة نقص السيولة، حيث قامت الحكومة بإصدار سندات خاصة لجمع 1.3 مليار ليف "العملة البلغارية" لمواجهة احتياجات السيولة للبنوك، كما أعلنت اللجنة الأوروبية يوم الإثنين الماضي عن موافقتها على مد السلطات البلغارية بما يعادل 3.3 مليار ليف، أي نحو 2.3 مليار دولار، وذلك لدعم قدرة السلطات على تدبير احتياجات السيولة للبنوك البلغارية.
وفقا لأدبيات البنوك المركزية فإن أهم ما يمكن عمله في مثل هذه اللحظة هو تعزيز الثقة، والروشتة التي توصف دائما في مثل هذه الأوضاع هي أن يقوم البنك المركزي بالتأكيد على أنه جاهز في أي وقت لتوفير أي قدر من السيولة تحتاجها البنوك، وذلك حتى يبث الثقة بين الناس، لأن الناس في النهاية لا ترغب في الاحتفاظ بأموالها في صورة سائلة إلا في الأحوال الكارثية، فيما عدا ذلك فإن الناس تفضل الاحتفاظ بأموالها في البنوك، وهذا ما قامت به السلطات البلغارية بالفعل.
خلال الأسبوعين الماضيين تعرض بنكين في بلغاريا لحالات سحب غير عادية من المودعين مما أدى إلى تبخر السيولة لديهما، وهما بنكCorporate Commercial Bank (Corpbank وبنكFirst Investment Bank (FIB)، الأمر الذي اشاع حالة من عدم الثقة لدى المحللين في العالم، بل إن البعض تنبأ بقرب انهيار النظام المصرفي في بلغاريا نتيجة لذلك.
تبدأ قصة Corpbank، والذي يعتبر رابع أكبر بنك مقرض في بلغاريا، بعد عدة تقارير غير مواتية نشرتها وسائل الإعلام عن وجود حالة خلاف بين اثنين من كبار المساهمين الذين لهم روابط وثيقة بالتجمعات السياسية في الدولة، واللذين يمتلكان حصصا مؤثرة في أسهم البنك، ويدعي أحدهما أن الآخر حاول اغتياله، مما ترتب عليها تعرض البنك لحالات سحب غير اعتيادية للمودعات من جانب عملاء البنك تسببت في عدم قدرته على مواجهة طلبات العملاء بالسحب، مما اضطر البنك إلى وقف عمليات السحب.
لقد أشار البنك ذاته خلال الأسبوع الماضي إلى أنه تعرض لحملة غير مسبوقة ضده من وسائل الإعلام، مما تسبب في انهيار ثقة المودعين في قدرة البنك على الوفاء بالتزاماته نحوهم، ولا شك أن مثل هذه التقارير تعد في غاية الخطورة نظرا لأنها تشيع حالة من الذعر بين عملاء البنك حول درجة متانة البنك ومدى قدرته على الحفاظ على مودعاتهم بأمان، وواقع الأمر أن التقارير السلبية عن البنك لم يتوقف نشرها على وسائل الإعلام المحلية، وإنما امتدت أيضا إلى وسائل الإعلام في العالم، وبالفعل كان من الممكن أن ينهار النظام المصرفي البلغاري إذا لم يتم التعامل مع مشكلة Corpbank بالحكمة والحصافة المناسبين.
ووفقا لتصريحات مدير البنك المركزي البلغاري فإن Corpbank لا يواجه حالة إفلاس، وأن البنك المركزي سيتحرك على النحو المناسب للحيلولة دون انهياره، وذلك لتجنب الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب انهيار هذا البنك على البنوك الأخرى بل وعلى النظام المالي في الدولة كله، أو ما يسمى بحالة العدوى المالية Contagion.
لإنقاذ البنك من الانهيار قام البنك المركزي في بلغاريا بوضع البنك تحت إدارته، وأعلن السيطرة على عمليات البنك لمدة ثلاثة أشهر وقام بإبعاد إدارته، أكثر من ذلك شرع البنك المركزي في إعداد خطة لعملية تأميمه من خلال إعادة رسملته من خلال بنك التنمية الحكومي وصندوق تأمين المودعات.
يوم الجمعة الماضي تعرض بنكFirst Investment Bank ، وهو ثالث أكبر البنوك في البلاد، لعمليات سحب غير اعتيادية، وهو ما عزز المخاوف من احتمالات أن تواجه البنوك البلغارية مشكلة واسعة النطاق عندما تفتح البنوك أبوابها في أول أيام هذا الأسبوع، هذه المرة كانت الحملة على البنك منظمة من جانب أطراف تريد لهذا البنك الانهيار، وذلك من خلال قيامها بإرسال رسائل هاتفية للمودعين تحذرهم فيها من أن البنك سيتعرض للإفلاس، الأمر الذي دفع بالمودعين إلى الاصطفاف أمام فروع البنك طالبين سحب أموالهم، وهو ما كاد أن ينتهي بانهيار البنك، وقد عبر مدير البنك المركزي عن هذه الحادثة بأن البنوك البلغارية تتعرض لحملة اجرامية منظمة. يوم الإثنين الماضي أعلنت وكالة الأمن الوطني أنها قامت بالفعل بالقبض على عدد من الأشخاص ذوي العلاقة بنشر المعلومات الخاطئة وذلك من خلال تتبع الرسائل الإلكترونية المرسلة من حواسيبهم.
مما يعزز من أثر الذعر المالي الذعر المالي بين المودعين ارتفاع درجة حساسية المودعين لأية أخبار غير مواتية عن البنوك التي يتعاملون معها نتيجة لعدة عوامل أهمها، أن هناك أزمة سياسية أصلا في بلغاريا، حيث تتصاعد الضغوط بين الأحزاب السياسية الرئيسة في البلاد مما ترتب عليه تقرير إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في اكتوبر القادم، ساعد على تعقيدها ضعف معدلات النمو الاقتصادي في واحد من أفقر اقتصادات الاتحاد الأوروبي، من ناحية أخرى، فإن هذه هي أزمة السيولة الثانية التي تتعرض لها البنوك البلغارية في العقدين الماضيين، وكانت البنوك البلغارية قد تعرضت لأزمة كبيرة في أوقات التضخم الجامح الذي اجتاح البلاد، مما أدى إلى انهيار 12 بنكا، وقد خسر معظم المودعين ما بين 60 إلى 70 في المائة من مودعاتهم في الأزمة الأولى عام 1996، والتي ما زالت أثارها عالقة في الأذهان حتى اليوم، وأخيرا يجب ألا ننسى أن العالم يمر بحالة أزمة اقتصادية عميقة، بصفة خاصة في أوروبا، والتي تمثل مناخا مثاليا لحالات الذعر المالي.
لمنع تكرار أزمة 1996، أعلن البنك المركزي عن سلسلة من الإجراءات تهدف جميعها إلى تدبير احتياجات السيولة اللازمة للبنوك لمواجهة طلبات المودعين بالسحب عند أي مستوى، فتم فتح خطوط السيولة أمام بنك FIB والبنوك الأخرى لمواجهة نقص السيولة، حيث قامت الحكومة بإصدار سندات خاصة لجمع 1.3 مليار ليف "العملة البلغارية" لمواجهة احتياجات السيولة للبنوك، كما أعلنت اللجنة الأوروبية يوم الإثنين الماضي عن موافقتها على مد السلطات البلغارية بما يعادل 3.3 مليار ليف، أي نحو 2.3 مليار دولار، وذلك لدعم قدرة السلطات على تدبير احتياجات السيولة للبنوك البلغارية.
وفقا لأدبيات البنوك المركزية فإن أهم ما يمكن عمله في مثل هذه اللحظة هو تعزيز الثقة، والروشتة التي توصف دائما في مثل هذه الأوضاع هي أن يقوم البنك المركزي بالتأكيد على أنه جاهز في أي وقت لتوفير أي قدر من السيولة تحتاجها البنوك، وذلك حتى يبث الثقة بين الناس، لأن الناس في النهاية لا ترغب في الاحتفاظ بأموالها في صورة سائلة إلا في الأحوال الكارثية، فيما عدا ذلك فإن الناس تفضل الاحتفاظ بأموالها في البنوك، وهذا ما قامت به السلطات البلغارية بالفعل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق