الخميس، يوليو ٠٣، ٢٠٠٨

البنك المركزي الخليجي

إن عملية إصدار عملة خليجية موحدة في إطار الاتحاد النقدي المزمع لدول الخليج سوف تحتاج إلى إنشاء بنك مركزي خليجي يتولى مهمة إصدار العملة الموحدة وإدارة شئون النقد وصناعة وتطبيق السياسة النقدية الملائمة. ومما لا شك فيه أن هناك الكثير من القضايا المهمة المرتبطة بالبنك المركزي الخليجي، وهي أين سينشأ، من سيتولى إدارته، كيف ستدار عملية صناعة السياسة النقدية فيه، كيف سيتم توزيع عوائد عمليات الإصدار النقدي على الدول الأعضاء، هل على أساس عدد السكان أم حجم الناتج، أم حجم القاعدة النقدية قبل عملية إطلاق العملة الموحدة، كيف ستتم عملية تحديد معدلات الفائدة، ...الخ. هل ستتم عمليات إصدار العملة المرتقبة بصورة مركزية، أم بصورة لا مركزية. مما لاشك فيه أن النجاح في الإجابة على هذه التساؤلات المهمة يحتاج إلى درجة عالية من التكامل السياسي بين الدول الأعضاء في المجلس أولا، قبل التكامل الاقتصادي، بصفة خاصة إبداء الرغبة والاستعداد للتنازل في سبيل المصلحة العليا للمجلس.

ويعني إنشاء اتحاد نقدي وإصدار عملة موحدة، ضرورة إتباع سياسة نقدية موحدة وسياسة معدل صرف موحدة. مثل هذه المتطلبات للاتحاد النقدي تقتضي ضرورة إنشاء مؤسسة نقدية واحدة. حيث يصبح الاقتصار على تعميق التعاون النقدي بين الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي غير كاف لإنشاء عملة موحدة. ذلك أن تعميق التعاون النقدي سوف يعني أن عملية صناعة السياسة النقدية سوف تتم أخذا في الاعتبار الأوضاع الوطنية أولا ثم مصلحة الاتحاد ثانيا، وهو أمر يمكن أن يعرض العملة الموحدة للكثير من المخاطر، خصوصا عندما لا تتماثل الصدمات التي تتعرض لها الدول الأعضاء، وتتباعد الأوضاع الاقتصادية الكلية في دول الاتحاد بشكل كبير. إن عملية صناعة وتنفيذ السياسة النقدية في ظل الاتحاد النقدي ينبغي أن تتم أخذا في الاعتبار الأوضاع الاقتصادية الكلية في دول الاتحاد، وليس الأوضاع الوطنية الخاصة، على الرغم من انه في حالة تباعد الأوضاع الاقتصادية لإحدى دول الاتحاد فانه من الممكن التعامل معها من خلال مجموعة السياسات الوطنية التي ما زالت تحت سيطرة الدولة العضو، مثل السياسة المالية، أو سياسات الأجور والدعم وغيرها. ويمكن أن تتم عملية تنفيذ السياسة النقدية على أساس لا مركزي من خلال المؤسسات النقدية الوطنية، ويحتاج ذلك الأمر إلى ضرورة صياغة العلاقة المؤسسية بين البنك المركزي الخليجي والمؤسسات النقدية الوطنية في دول المجلس. بصفة خاصة فيما يتعلق بقنوات الاتصال وآليات التنفيذ والمتابعة بين البنك المركزي الخليجي والمؤسسات النقدية الوطنية. ومما لا شك فيه أن هذا الإطار المؤسسي ينبغي أن يسمح للمؤسسة الوطنية بتعديل السياسات في حال تباعد الظروف الاقتصادية الكلية عن باقي دول المجلس، بعد اخذ موافقة البنك المركزي الخليجي واستيفاء شروط التصويت.

مما لا شك فيه أن اللامركزية في إصدار العملة الموحدة المرتقبة سوف تكون غير عملية، خصوصا اذا ما حاولت السلطات النقدية في كل دولة تعظيم عوائدها من عمليات الإصدار على حساب باقي الدول في الاتحاد، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تضخم نتيجة عملية الإفراط الجماعي في الإصدار.

من ناحية أخرى ينبغي أن يتم الاتفاق على كيفية توزيع الإصدار النقدي من العملة الخليجية الموحدة على الدول الأعضاء في الاتحاد، وعلى الرغم من وجود عدة قواعد لتوزيع الإصدار النقدي على الدول الأعضاء، إلا أن أفضل قاعدة توزيع للإصدار النقدي الجديد هي أن يتم على أساس مستويات الناتج المحلي في الدول الأعضاء. حيث تطلب النقود أساسا لتمويل المعاملات التي تتم داخل الاقتصاد. من ناحية أخرى فان عملية الدفاع عن العملة الخليجية الموحدة سوف تقتضي ضرورة تكوين صندوق احتياطي من العملات الأجنبية يتم الاحتفاظ به من خلال البنك المركزي الخليجي لأغراض التدخل في سوق الصرف الأجنبي في الوقت المناسب للحيلولة دون حدوث تقلبات عنيفة في قيمة العملة الموحدة المرتقبة. ولذلك لا بد من أن يكون هناك اتفاق حول آليات تكوين الاحتياطيات من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الخليجي، بصفة خاصة اذا كان هناك اتفاق على أن تتم عملية صناعة وتنفيذ السياسة النقدية بشكل مركزي. حتى يكون هناك اتساق في عملية الرقابة والتحكم في تلك الاحتياطيات لأغراض استقرار العملة.

وينبغي أن يتم إنشاء بنك مركزي خليجي مستقل، على الأقل من تأثير السياسيين، إذ أنه من المعلوم أن البنك المركزي المستقل من أي تأثير سياسي هو من المتطلبات الأساسية لسياسة نقدية متسقة. من ناحية أخرى تعد استقلالية البنك المركزي أحد أساسيات الاستقرار النقدي على المستوى القومي، ولقد أثبتت الدراسات أن التدخل السياسي في شئون البنك المركزي يؤدي إلى عدم تحقيق مستهدفات السياسة النقدية. لذلك ينبغي أن يمنح البنك المركزي الخليجي استقلالية تامة في عملية صناعة وتنفيذ السياسات النقدية، ومما لا شك فيه أن إنشاء هيئة فوق قومية مثل البنك المركزي الخليجي سوف يقتضي التخلي عن جزء من السيادة القومية لمصلحة الهيئة الفوق قومية، الا أن ذلك سوف يعظم من منافع جموع الدول الاعضاء في المجلس.

غير أن عملية إنشاء بنك مركزي خليجي قد تحتاج إلى معالجة إطار الهيكل المؤسسي للاتحاد، خصوصا فيما يتعلق بآليات صناعة وتنفيذ السياسة النقدية الموحدة. إذ ينبغي أن تتم عملية صناعة السياسة بشكل مركزي من خلال المؤسسة فوق القومية (البنك المركزي الخليجي). غير انه يبدو أن عملية قبول إنشاء مؤسسة فوق قومية قد تبدو مسألة صعبة في دول مجلس التعاون، وذلك في ظل الإطار المؤسسي الحالي الذي لا يبدو أنه لا يسمح بوجود تلك المؤسسات التي تستطيع أن تتخذ القرارات وتصنع السياسات وتملي تلك القرارات والسياسات على الدول الأعضاء، وفي ظل نظام التصويت الحالي الذي يعطي حصصا متساوية للأعضاء بغض النظر عن الاعتبارات التقليدية التي تحدد حصة كل عضو في التصويت.

وأخيرا لا بد من الاتفاق على كيفية إدارة البنك المركزي الخليجي، أي هل ستشكل إدارة متعددة الجنسيات للبنك، بحيث تتم عملية اتخاذ القرارات على أساس التصويت، وإذا تم ذلك فهل سيتم استخدام النظام الحالي في التصويت، حيث تتمتع كافة الدول الأعضاء، بغض النظر عن مستويات الناتج او السكان بهم، بنفس القدر من التصويت. إن المشكلة الأساسية في الكيان المؤسسي الحالي لدول المجلس في أن هناك تساوي في أصوات الأعضاء بغض النظر عن حجمه او أهميته او قوته داخل التجمع، وان عملية التصويت تتم بالإجماع. ومثل هذا النظام يحمل الكثير من المخاطر التي تهدد الكيان او تعطل تنفيذ أعماله في حالة الوصول إلى نهاية مسدودة، وعدم القدرة على تحقيق الإجماع. لذا ينبغي أن تتم إعادة صياغة نظام التصويت على سبيل المثال في ضوء المقترح الآتي:

· إعادة عملية حساب الأصوات على أساس حجم السكان، على سبيل المثال بأن يكون هناك 10 أصوات لكل مليون من إجمالي السكان (بما في ذلك السكان الوافدين). وصوت إضافي لكل مليار من الناتج المحلي الإجمالي في وقت الإنشاء. على أن تتم إعادة حساب الأصوات كل خمس سنوات تالية.

· أن تتم عملية التصويت بالأغلبية، على إلا تعني الأغلبية استبعاد أكثر من دولتين عند إجراء عملية التصويت.

هناك تعليقان (٢):

  1. بالنسبة لي، ما اشوف اي بوادر حقيقه وملموسه على ارض الواقع لإصدار عملة خليجية موحده حالياً، احتمال ان نرى هذة البوادر مع الجيل الجديد من ابناء الخليج، ممكن لكن الآن؟ لأ!

    مافي اي اتفاق بين دول الخليج، هم بالاول خل يطبقون قانون البطاقة المدنية بدل الجواز للسفر، او البطاقة الذكية للبطاقة المدنية. بعدها يصير خير للأشياء الاكبر (العملة الموحده)

    للأسف نظرتي سلبية جداً، لكن الواقع حدني لهذة النظرة.

    وشكراً د. محمد على المقالات الرائعه الموجودة في البلوغ :)

    ردحذف
  2. أتفق معك تماما، وأنا من غير المحبذين لفكرة انشاء عملة خليجية موحدة، ولي في هذا المجال الكثير من الابحاث، لكن على ما يبدو ان دول المجلس ماضية في المشروع، لذلك قدمت هذه الرسالة حول ضرورة انشاء البنك المركزي الخليجي.

    ان العملة الموحدة هي اعلى مراحل التكامل الاقتصادي، ويعني اطلاقها أن تلك الدول بلغت من التنسيق والتعاون مستويات عليا تمكنها من استخدام عملة موحدة، بينما نجد على أرض الواقع ان هناك الكثير من الخطوات التي تعتبر من بديهيات التكامل الاقتصادي لم تطبقها دول المجلس، مثل تلك التي ذكرتها. ففيما بالك بانشاء عملة موحدة، الامر فعلا خطير. ونحن كما ذكرت نحتاج الى الاتفاق على القضايا الخلجية المشتركة واضعين المصالح القطرية جانبا. شكرا على تعليفك.

    ردحذف